1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 130 الى 132

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (131) وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)


ذكرنا مرارا أن الآيات القرآنية نزلت لتكميل الإنسان و ارشاد الناس إلى ما يوجب سعادتهم في الدارين، و قد دأب القرآن الكريم على إنزال الاحكام الإلهية على سبيل التدريج و التأني لسبق النفوس بالجاهلية التي لا بد من إزالتها و إصلاح الفاسد فيها، و بيان الصراط المستقيم و تهذيب النفوس بالعلم و العمل بكل ما يمكن التحريض عليه إما الوعد الجميل أو الثناء الجزيل حتى تستقيم النفوس بالتقوى، و من عادة اللّه عز و جل في تربية الإنسان إنزال الاحكام على سبيل التدريج لترتاض النفوس المستنفرة من علم و حكمة، و لذا كان كل حكم في القرآن الكريم يتعقبه التحريض على العمل. و في هذه الآيات الشريفة يأمر سبحانه الناس ببعض ما يوجب سعادتهم و يزجرهم عما يوجب شقاوتهم، و يرشدهم إلى ما هو الأصلح لهم، كما أن الآيات السابقة دعتهم إلى الجهاد مع الأعداء و نبذ تلك الخصال المذمومة و الصفات السيئة التي أوجبت الوهن في العزيمة و الضعف في القتال، فهذه الآيات و سابقتها و التي تليها لا تخرج عن ما رسمه القرآن الكريم في تعليم الإنسان و تربيته و تهذيبه، و من ذلك يظهر السّر في الأمر باطاعة اللّه و الرسول لان فيها الفلاح و النجاح.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا.
الآية المباركة تشتمل على الأمر و النهي و الترغيب و الترهيب و ترشد الناس إلى أهم موضوع اعتنى به الإسلام اعتناء بليغا فحرمه و شدد النكير عليه و هو الربا الذي ذكره عز و جل في مواضع متعددة من القرآن الكريم، و لكثرة اهمية الموضوع تدرج الإسلام في تشريع الحكم فيه و بين وجوه المفاسد المترتبة عليه.
و الآية الشريفة تنهي المؤمنين عن تعاطي الربا و تحرمه حرمة مؤكدة و قد تقدم في قوله تعالى: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» البقرة- ۲۷٥ بعض الكلام.
و المراد بالأكل هو الأخذ و التعاطي، و قد ذكره بالخصوص لأنه الأهم من المقاصد، و لزيادة في التشنيع اي: انكم تفعلون ذلك مع ما فيه من المفاسد لأجل غرض دني و هو الاكل.
و الربا هو مطلق الزيادة و شرعا زيادة يشترط في القرض، أو في بيع‏ احد المثلين بالآخر. على ما فصلناه في (مهذب الاحكام).
قوله تعالى: أَضْعافاً مُضاعَفَةً.
بيان لبعض وجوه المفاسد لأن الربا بحسب طبعه يستهلك اموال المديون لتتراكم عند الدائن منضما إلى رأس ماله فيكون ما يأخذه أضعافا مضاعفة.
و الأضعاف جمع قلة لضعف، و هو مثل الشي‏ء، و ضعفاه مثلاه، و أضعافه أمثاله و هو من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجودها وجود آخر من جنسها في الكم أو من جهة اخرى.
قوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ.
اي: اتقوا اللّه في ما نهاكم عنه فان في التقوى صلاح المجتمع، و انتظام النظام بالوجه الأحسن الأكمل.
قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
اي لكي تفلحوا في جميع أموركم الدنيوية و الاخروية. و الفلاح هو من أهم الغايات، و الآية ترشد الناس إلى ان التقوى توجب الفلاح كالاسباب التوليدية دون ما يتوهمه الإنسان.
قوله تعالى: وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ.
تأكيد للتحريم السابق اهتماما بالموضوع و تشنيعا على من أكل الربا الذي يؤدي إلى نار عظيم. و فيه الدلالة الواضحة على كفر آكل الربا.
قوله تعالى: وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ.
الإطاعة المتابعة اعتقادا و قولا و عملا و هي أعم من العبادة و اطاعة اللّه و الرسول متابعتهما في جميع الاحكام و التكاليف و منها حرمة الربا.
و انما قرن سبحانه و تعالى إطاعته باطاعة الرسول لبيان ان إطاعة اللّه لا تكون إلا باطاعة الرسول و لا تكون إطاعة الرسول إلا باطاعة اللّه تعالى، فتكون اطاعة أحدهما من دون الآخر باطلة.
قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
بيان لبعض ما يترتب على اطاعة اللّه و اطاعة الرسول من رحمة اللّه تعالى للمطيعين و هي الغاية العظمى، لان بالاطاعة تستعد النفوس لتلقى الرحمة و الفيض الالهي.
و في الآية الشريفة عتاب لمن ترك الإطاعة للّه و للرسول في غزوة احد.

يستفاد من الآية الشريفة امور:
الاول:
تأكيده سبحانه و تعالى النهي عن الربا بوجوه: الاول:
قوله تعالى: «أَضْعافاً مُضاعَفَةً» الثاني: قوله تعالى: «وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» الثالث: قوله تعالى: «وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ» الرابع: قوله تعالى: «وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» و هذه وجوه أربعة تؤكد التنفير عن الربا، و التنزه عن اكله و التشنيع على فاعله، لان الربا من أهم الموضوعات التي تمس الفرد و الاجتماع من جهات شتى.
الثاني:
يستفاد من قوله تعالى: «لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» الحكمة في النهي عن أكل الربا و اطاعة اللّه و الرسول فيه هو اثبات التراحم بين‏ الإفراد الذي يفضي إلى التعاون و التعاضد بينهم، و هو يستلزم الفلاح و الصلاح في الدنيا و الآخرة.
الثالث:
يستفاد من قوله تعالى: «أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ» ان النار مخلوقة و معدة للكافرين العاصين جزاء لهم، و انما خص سبحانه الكافرين بالذكر إما لأجل انه النار قد أعدت لهم أولا و بالذات و لغيرهم بالتبع، أو لان الكافرين يخلدون فيها دون غيرهم، أو لأجل بيان ان المرائي الذي لا يعمل الحكم الالهي بعد علمه به في حكم الكافرين فيشمل الكافر كل فاسق ايضا و قد تقدم في هذا التفسير مكررا ان للكفر مراتب.
و من العجائب ان الآية الشريفة افتتحت بالخطاب للمؤمنين فما أيسر ان يخرج المؤمن عن إيمانه و يدخل في زمرة الكافرين بترك حكم الهي و ارتكاب منكر عقلي و لذا قيل انها أخوف آية في القرآن الكريم.
الرابع:
ان قوله تعالى: «وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» يتضمن حكما عقليا بتيا إرشاديا قرره الواحد الأحد على لسان سيد الأنبياء احمد (صلى اللّه عليه و آله)، و بذلك تتم الحقيقة الانسانية و تتحقق العبودية المحضة.
و انما قرن أطاعته عز و جل بطاعة الرسول (ص) لبيان ان اطاعة الرسول من اطاعة اللّه فلا بد من المسارعة إليها، و قد ذكر سبحانه و تعالى الحكمة في الأمر بالطاعة هي الفلاح المفضيّ للنجاح في جميع الأمور و الحالات و هو مطلوب كل فرد.
الخامس:
انما عقب الوعيد بالوعد ترغيبا في الطاعة و ترهيبا عن المخالفة كما هو دأبه تعالى في القرآن الكريم.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"