1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 121 الى 129

وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَ اللَّهُ وَلِيُّهُما وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (۱۲٤) بَلى‏ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (۱۲٥) وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى‏ لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَ مَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (۱۲٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128) وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) 


الآيات الشريفة تذكر المؤمنين بالمواقف الصعبة التي مرت على الإسلام و المسلمين، و ما لاقاه صاحب الدعوة من المتاعب و المصاعب‏ من المنافقين و المشركين، و الحروب التي خاضها المؤمنون ضد العتاة و الجبابرة الذين أرادوا النيل من الإسلام و الوقوف أمام تقدمه، كما تذكر الآيات النعم التي أنعمها على المؤمنين من الايمان و النصرة و كفاية الأعداء و هدايتهم إلى ما يوجب سعادتهم في حياتهم و بعد مماتهم، و أوعدهم النصر و المغفرة إذا صبروا و اتقوا المعاصي و أطاعوا اللّه و الرسول الكريم.
و قد ذكر سبحانه و تعالى في هذه الآيات المباركة غزوة أحد و بدر من بين سائر الغزوات لما فيهما من العبر و الدروس العظيمة و ان ما وقع في غزوة احد انما هو نموذج من أفاعيل المنافقين الذين كانوا مندسين في صفوف المؤمنين فميّز هم اللّه تعالى بما وقع منهم من المحنة فالآيات الشريفة تتمة لما أراده عز و جل من هذه السورة من تذكير المؤمنين بحقيقة الايمان و نعم اللّه تعالى عليهم، و ما لهم من الجزاء الكبير في الآخرة و أمرهم بالصبر و التقوى.

قوله تعالى: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ.
إذ ظرف في موضع نصب متعلق بمحذوف مثل (اذكر) و نحوه و جملة «تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ» حال من فاعل «غدوت». و «مقاعد» مفعول ثان ل «تبوّئ».
و غدوت: من الغدوة يقال غدا يغدو غدوا، و هو الخروج أول‏ النهار ضد الرواح، و قال بعضهم: انه بمعنى انطلق، و يمكن ان يكون المراد به هو السير و الانطلاق في زمان مخصوص و هو أول النهار و صدره و يستفاد منه قرب الموقع من المدينة، و قد حدده ارباب السير و التواريخ ب (أحد) و الغدو سحر يوم السبت سابع شوال من سنة ثلاث من الهجرة.
و الأهل: قرابة الرجل و من يجمع و إياهم نسب، أو مصاهرة أو بيت، أو دين، أو صناعة و نحو ذلك، و يستوي فيه المذكر و المؤنث، و المفرد و الجمع، و يختص استعماله بالإنسان و المراد به في المقام خاصة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و من يتعلق به من قرابته و أصحابه، و انما عبر به عز و جل في المقام لبيان شدة الاتصال و الألفة بينه (صلى اللّه عليه و آله) و بينهم، فكأنهم جميعا من اهله و لا يختص بفرد معين كما ذكره جمع من المفسرين، و قدّر بعضهم (بيت اهله) و لكن ذلك لا دليل يدل عليه، و الحق ما ذكرناه.
و انما غدى من اهله بعد المشاورة معهم في أمر الجهاد مع العدو و استمالة قلوبهم اليه مقدمة لتوطين أنفسهم على الجهاد و اقامة دعائم الإسلام.
و مادة (بوأ) تدل على الرجوع و القرار، سواء كان إلى الحق أو إلى الموضع المعين و اصل البواء اللزوم يقال: تبوء المكان إذا استقر فيه و الزمه، و بوّأه المقعد إذا أقره فيه، و بوّأته دارا إذا اسكنته إياها. و قد استعملت هذه الهيئة في القرآن الكريم في أحد عشر موضعا مضافة إلى اللّه تعالى و أنبيائه الكرام قال تعالى: «وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ» الحج- ۲٦، و قال تعالى: «وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ» العنكبوت- ٥۸و قال تعالى: «وَ كَذلِكَ‏ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ» يوسف- ٥٦و في المأثور «أبوء بنعمتك عليّ و أبوء بذنبي» و قال (صلى اللّه عليه و آله) في وصف المدينة «هاهنا المتبوّأ». و الجميع يشعر بعناية المبوئ (بالكسر) للمبوّأ (بالفتح).
و في المقام تدل الكلمة على عناية خاصة من سيد الأنبياء (صلى اللّه عليه و آله) للمؤمنين الذين هي‏ء لهم مقاعدهم للقتال لأنه قائدهم و مدبر شؤونهم، و قد هي‏ء بنفسه المقدسة لهم ذلك اهتماما بهم و لعظمة الموضوع، و قطعا للمعاذير، و الدعاوي الباطلة من سائر الإفراد، و قد عين مواقع الجيش و المواضع التي يجب أن يتخذوها أثناء الحرب في القتال، و قد ورد في الأحاديث انه (صلى اللّه عليه و آله) عين سفح أحد- بضم الالف و الحاء، جبل على نحو ميل من المدينة في شمالها على طريق العراق- موقعا حربيا و جعله في ظهورهم و جعل على الشعب عبد اللّه بن جبير مع خمسين من الرماة، و سياتي في البحث التاريخي نقل ذلك. و في الآية الكريمة تقرير إلهي لحسن تخطيط نبيه الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) و تدبيره لجهات الحرب.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
اي: و اللّه سميع لكل ما قيل في هذه الحرب، سواء من المؤمنين و المنافقين و ما قاله الرسول العظيم لهم و دعاؤه لهم بالنصر. عليم بالنيات و ما في الضمائر.
و في اختصاص هذين الاسمين بالذكر لما يتطلبه المقام من الشدة و السيطرة و ما يجرى في الخلوات بين الناس و ما يقال في تثبيط العزائم و وهنها، و تنشيط المنافقين في هذا المضمار.
و في الآية الشريفة التفات من خطاب المؤمنين إلى خطاب الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) و لعله لأجل ما يلوح من الآية الشريفة اللوم و العتاب و التعريض بالمؤمنين لما ظهر من بعضهم من الوهن في العزائم و الفشل في القتال، و لذلك أعرض عن خطابهم إلى خطاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)، و ذكر عز و جل ما يهم هذه الحرب و ما يرتبط بها من تعيين مواقع الجيش، و هو من مختصات قائدهم و أميرهم و به اختبر درجات ايمانهم و ثباتهم و قوتهم.
قوله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ.
إذ ظرف في موضع نصب متعلق بقوله تعالى «عَلِيمٌ» اي: و اللّه سميع عليم حين همت طائفتان منكم ان تفشلا. و قيل: انه بدل من «إذ غدوت». و قيل: انه متعلق ب: «تبوئ».
و كيف كان فان الآية المباركة تبين وجه اللوم و العتاب و التعريض بالمؤمنين.
و الهم هو القصد و أول العزيمة، و الفشل الجبن و ضعف القلب، و الطائفتان هما بنو سلمة من الخزرج، و بنو حارثة من الأوس و هذا هو المشهور بين المفسرين، و قيل انهما طائفة من المهاجرين و طائفة من الأنصار. و قيل: انه عبد اللّه بن أبي، و جماعة من أصحابه الذين اتبعوه في الخذلان و لكن من المعلوم أن هؤلاء قد نافقوا و فشلوا و قعدوا عن نصرة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لا انهم هموا بالفشل، و اللّه تعالى يذكرهم بالنفاق و الخذلان و الذم و المقت و انهم يومئذ للكفر اقرب منهم للايمان في هذه السورة، فالطائفتان غيرهم، و سيأتي في البحث التاريخي ما يتعلق بذلك.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ وَلِيُّهُما.
حال من فاعل «همت» اي: الحال انهما يعلمان ان اللّه ناصرهما و يعصمهما عن الفشل، و في الآية الشريفة اللوم و العتاب لهاتين الطائفتين فان المؤمن لا ينبغي له أن يفشل أو يقصده و عنده رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) السبب المتصل و قد امر بالتوكل على اللّه تعالى و الاعتصام به.
و ذكر بعض المفسرين أن هذا الهم لم يكن عن عزم و تصميم على مخالفة النبي (صلى اللّه عليه و آله) و مفارقته له. لان ذلك لا يصدر عن مؤمن بل كان مجرد وسوسة و حديث نفس كما في قوله: أقول لها إذا جشأت و جاشت مكانك تحمدي أو تستريحي‏

و لكن ذلك اجتهاد في مقابل النص فان المعروف من معنى الهم هو القصد دون مجرد الخطور بالبال و الوسوسة مع ان مجرد الخطور لو كان سببا لهذا اللوم و العتاب لما نجى من ذلك مؤمن فلا وجه لاختصاص الطائفتين بهما. يضاف الى ذلك أن الأمر بالتوكل و التذكير بولاية اللّه تعالى لهما فيهما الدلالة على ان الهم لم يكن من مجرد الوسوسة بل هو قصد و عزيمة من دون فعل، فالآية الشريفة تدل على ان اللّه تعالى عصمهما عما همتا به لأنه عز و جل ولي المؤمنين يرعى مصالحهم و يثبتهم على الايمان. قال تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ» ابراهيم- 27.
قوله تعالى: وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
اي: على اللّه تعالى لا على غيره يتوكل المؤمنون لأنه وليهم و ناصرهم فلا يهنوا في نصرة الدين، و ان المؤمن بمقتضى إيمانه لا بد و ان يتوكل على اللّه تعالى في جميع أموره و لكن يجب أن لا يقصّر في إقامة الأسباب فانه تعالى ابى ان يجرى الأمور الا بأسبابها، و هو الموفق بين الأسباب و المسببات، و قد ينصر الفئة القليلة على الفئة الكثيرة و يمدهم بالقوة المعنوية و الظاهرية، كما حكى جل شأنه في الآيات التالية.
قوله تعالى: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ.
بدر: اسم ماء أو بئر بين مكة و المدينة يقال انه كان لرجل من جهينة فسمي الموضع باسمه، و قد وقع فيه أول غزوة من غزوات النبي (صلى اللّه عليه و آله) في السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة اثنتين من الهجرة، و فيها قاتل المشركين و انتصر فيها المسلمون.
و اذلة جمع ذلة، و انما ذكره عز و جل لبيان الذلة في جميع الشؤون الظاهرية المعدة لهذا المقام. و جملة «أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ» حال من مفعول «نَصَرَكُمُ» و المراد من الذلة نوع خاص منها هو القلة في العدد و العدة و الانقطاع عن جميع الجهات الدنيوية.
و الآية الشريفة تؤكد نصر اللّه تعالى للمؤمنين فتذكرهم بالنعم التي أنعمها عز و جل عليهم فقد نصرهم اللّه تعالى في بدر ذلك النصر الباهر على أعدائهم مع ما هم عليه من العدة و العدد كما أيد اللّه تعالى المؤمنين بالملائكة و هو يكفي في التنبيه على ان التوكل على اللّه تعالى بعد إقامة السبب الظاهري يؤثر الأثر الكبير العجيب، فتكون الآية الشريفة مسوقة لإيجاب التوكل على اللّه تعالى بذكر أحد موارده، كما انها تؤكد اللوم و العتاب على ما ظهر منهم من الهم بالفشل في أحد، فكان الاجدر بهم ان لا يهنوا في الحرب فان اللّه تعالى على نصرهم لقدير كما نصرهم في غزوة بدر الكبرى مع ذلة المؤمنين ظاهرا و استذلال‏ المشركين لهم حيث لم يكن لهم أهبة حرب و لا عزة محارب، و لا منعة لهم لا في العدد و لا في العدة فقد كان عددهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و ليس لهم من العدة إلا جريد النخل و فرسين و أباعر معدودة يتعاقب عليها بعض المسلمين و قليل من الزاد بينما كان عدد المشركين ما يناهز الالف و لهم العدة الكاملة من الخيل و النعم و السيوف و الدروع إلا ان اللّه تعالى نصر المسلمين بأعز وجه لأنهم كانوا معززين بعزة اللّه تعالى واقعا، قال تعالى: «وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ» المنافقون- 8 و قد أوجب على نفسه النصر الكامل لهم بقوله تعالى «وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» الروم- ٤۷ فهم و ان كانوا أذلة من قبل العتاة و الجبابرة مقابل تلك القوة و الشوكة في يوم بدر، و لكن لهم العزة من جهة اخرى.
قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
اي: فاتقوا اللّه بتذكر نعمه لا سيما نعمة النصر في يوم بدر و بترك المعاصي حتى الهم بالفشل و الخذلان و النفاق، و بالصبر في عظائم الأمور حتى تستعدون للقيام بوظيفة الشكر الذي هو من أجل المقامات لأنه يوجب تواتر النعم عليكم و يمنحكم النصر العظيم.
قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ.
إذ ظرف ل (نصركم) و هو يبين ولاية اللّه تعالى على المؤمنين جزاء شكرهم و توكلهم على اللّه تعالى. و الكفاية هي الاستغناء بالشي‏ء عن غيره. و الإمداد هو إعطاء الشي‏ء حالا بعد حال و على طريق الاتصال و قال بعضهم الإمداد ما كان بطريق التقوية و الإعانة، و ما كان‏ بطريق الزيادة يقال مده مدا، و قال آخرون: مده في الشر، و أمده في الخير. و الهمزة في «ألن» للإنكار، و النفي ب «لن» لتأكيده و للدلالة على أنهم كانوا آيسين من النصر لقلة العدد و العدة.
و إنما اتى بلفظ الرب و اضافة إلى ضمير المخاطبين للدلالة على كمال العناية بهم، و التربيب العظمى و انه لا يدعكم في هذه الحالة التي تحتاجون إلى عطفه و عنايته و نصرته، و هو يدل على تقوية الإنكار.
و الخطاب للنبي (صلى اللّه عليه و آله) تعريضا بالمؤمنين لما هموا بالفشل.
و المعنى: تقول يا محمد للمؤمنين في أحد عند ما هموا بالفشل أليس اللّه تعالى بقادر على ان يكفيكم العدو كما كفاكم في بدر بأن يمدكم ربكم الذي يرعاكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين من السماء و قد أمدكم يوم بدر بأقل من ذلك.
و المراد بقوله «منزلين» اي متهيئين لنصركم و هذا خصيصة لبعض الملائكة دون كلهم، فكما ان جبرئيل موكل لجملة من الأمور السماوية و الارضية التي ليس ذلك من شأن كل ملك كذلك ملائكة النصر في بدر و أحد. و ظاهر الآية الشريفة يدل على انه وعد من النبي (صلى اللّه عليه و آله) للمؤمنين و ترغيب لهم إلى الصبر و التقوى حتى يتحقق الموعود به، و تثبيت لعزيمتهم.
و لا يستفاد من الآية الشريفة وقوع ذلك في غزوة أحد بل كان مجرد وعد إن وفوا بما اشترط عليهم من الصبر و التقوى بخلاف غزوة بدر و الأحزاب و يوم حنين، قال تعالى في يوم بدر «فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ» الأنفال- 9. و في الأحزاب قال تعالى: «إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها» الأحزاب- 9، و في يوم حنين قال تعالى: «وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها» التوبة- ۲٦.
ثم انه لا منافات بين تحديد الاستجابة لطلب الإمداد في يوم بدر بألف و نزول ثلاثة آلاف من الملائكة فيه، إذ ان مردفين في قوله تعالى: «بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ» يمكن أن يكون المراد به أن هذا العدد هو قسم خاص من الملائكة أردف لآخرين، فتكون ثلاثة آلاف لمجموع العدد كما يأتي ان شاء اللّه تعالى.
قوله تعالى: بَلى‏ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا.
تصديق لكفاية اللّه تعالى لهم من الأعداء و نصرتهم عليهم و لكنه وعد بشروط ان وفوا بها يف اللّه تعالى بوعده، و هي الصبر على الجهاد، و الثبات في نصرة دين اللّه، و تقوى اللّه عما يوجب الخذلان و الوهن في العزائم و صرف الإمداد الالهي و الفيض الربوبي، و مجي‏ء الأعداء من فورهم.
و مادة (فور) تدل على الحركة و الاضطراب يقال: فار الماء إذا نبع و جرى، و يقال: فارت القدر إذا غلت، و في الحديث:
«ان شدة الحر من فور جهنم» و تطلق على الغضب لأنه يشبه فور القدر، و استعملت في السرعة و الحركة التي لا سكون و لا بطء فيها، يقال جاء فلان في حاجته ثم رجع من فوره اي من حركته فكأنه في حركة مستمرة.
و قد استعملت هذه المادة في القرآن الكريم في أربعة موارد قال تعالى: «حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ» هود- ٤۰، و مثله في سورة المؤمنون- 27، و قال تعالى: «سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ» الملك- 7. و في المقام.
و اختلف المفسرون في المراد منه فقيل: انه من وجههم، و قيل انه من سفرهم، و قيل: انه من غضبهم. و الحق إن جميع ذلك لا دليل عليه لا سيما إذا كان المراد من غضبهم من يوم بدر، لكان الأنسب أن يقول عز و جل من (فورهم ذلك)، مع ان الآية الشريفة بملاحظة سياقها و القرائن نزلت في شأن غزوة بدر.
و الصحيح ان المراد منه هو الفور ضد التراخي اي: يأتوكم المشركون و الأعداء من ساعتهم من دون إبطاء، و إنما وصف عز و جل مجيئهم بذلك لتأكيد السرعة و شدة غضبهم و تصميمهم على منازلة المؤمنين فإذا كانوا كذلك فان الإمداد واقع لا محالة و يكون أسرع.
قوله تعالى: يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ.
بيان لسرعة الإمداد عند سرعة مجي‏ء المشركين؛ و الآية الشريفة تبين أقصى الحالات التي يحتاج إليها المؤمنون إلى المدد، و هي حالة المباغتة في الحرب و سرعة الحركة التي يتطلبها المحاربون في تلك الحالة و قد وعدهم عز و جل بانزال المدد فوق ما يتصور من السرعة.
و (مسومين) من السيما و هي العلامة، يقال: سوّمه و يسومه تسويما اي اظهر علامة الشي‏ء. يعني: ان الملائكة كانوا معلمين بعلامة خاصة، كما هو الشأن في جميع الحروب التي يكون لكلا الطرفين علامة خاصة يتميز بها عن الطرف الآخر و بها كان المسلمون يعرفون الملائكة، كما عرفهم المشركون و قد ملئوا منهم رعبا كما هو المعروف.
و قد اختلفت الروايات في علامة الملائكة، ففي بعضها انها (العمائم) و في بعضها الآخر ان سيماء الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض في نواصي‏ الخيل و اذنابها. و غير ذلك من الاخبار.
و الحق ما ذكرناه فان المناط هو معرفة الطرفين الملائكة أحدهما بعلامة النصر و تثبيت القلوب، و الآخر بالخذلان و الرعب، و لا ينافي ذلك ان تكون للملائكة علائم خاصة، و لا ثمرة في البحث عن العلامة الخاصة بعد وضوح الحال لكلا الطرفين.
و الآية الشريفة لا تدل على نزول الملائكة في أحد لان سياقها بضميمة القرائن تدل على انها ناظرة إلى يوم بدر، و قد وعدهم عز و جل بالامداد و لكنهم وهنوا و عصوا و تركوا أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و لو انهم صبروا و اتقوا اللّه لأمدهم الملائكة بالنصرة و الثبات.
قوله تعالى: وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى‏ لَكُمْ.
تثبيت آخر لقلوب المؤمنين لتطمئن نفوسهم. و هو يدل على عدم نزول الملائكة في أحد، لان اللّه تعالى جعل نزول الملائكة مشروطا بأمور ثلاثة و هي: الصبر، و التقوى، و مجي‏ء الأعداء من فورهم، و لم تتحقق تلك الشروط فلم يكن ذلك إلا وعدا منه عز و جل فيه البشارة و الطمأنينة لقلوب المؤمنين.
و الضمير يرجع إلى ما ورد في الآية السابقة من الاخبار بنزول الملائكة و الوعد بالامداد فانه و ان لم يتحقق الموعود به، كما عرفت لكن ذلك بشرى للمؤمنين يذهب به خوفهم و تنبسط نفوسهم، و هذه حكمة عظيمة من تذكيرهم بما مضى من المدد و الوعد بالامداد.
قوله تعالى: وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ.
حكمة أخرى في الوعد بالامداد و هي تسكين قلوب المؤمنين و تثبيتها عند النزال فلا يلحقهم الخوف من كثرة العدو وعدتهم.
و انما أخر عز و جل «به» في المقام و قدمه في موضع آخر قال تعالى: «وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ» الأنفال- 10. و لعل الوجه في ذلك ان المؤمنين لذلتهم و قلة عددهم و عدتهم في بدر لم يكن لهم أمل في النصر الا ارادة اللّه تعالى و نصرته و انجاز وعده عز و جل، كما هو معروف من انقطاعهم إلى اللّه تعالى، فكان القصر في الكلام بخلاف أحد، فان الأمر لم يكن كذلك فنزل الخطاب من غير قصر.
قوله تعالى: وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
(عند) يفيد مطلق الحضور الأعم من الجسماني و الروحاني و ما هو فوق ذلك كالحضور عند اللّه تعالى، و قد استعمل في القرآن الكريم في الجسمانيات المحضة في الدنيا كقوله تعالى: «فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ» البقرة- 198، و قوله تعالى: «ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ» النحل- ۹٦و في الآخرة كقوله تعالى: «وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ» الصافات- 28 و في المجردات و الروحانيات كقوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يُسَبِّحُونَهُ» الأعراف- ۲۰٦، و مثل قوله تعالى: «وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏» النجم- ۱٤. و في فوق الروحانيات و المجردات كقوله تعالى: «وَ ما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ» النحل- ۹٦، و قال تعالى: «لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ» القلم- ۳٤إلى غير ذلك من الآيات الشريفة بل استعمل مضافا إلى اللّه تعالى في القرآن الكريم بانحاء مختلفة.
و الحصر في الآية الشريفة يفيد ان جميع أنواع النصر- معنوية كانت أو مادية- تنحصر به تعالى، لفرض ان الكل مسخر تحت‏ امره و مشيته و ان الملائكة لا شأن لهم في ذلك إلا انهم بمنزلة الآلة الجسمانية و القوى المحضة.
و في ذكر العزيز الحكيم بيان لعلة انحصار النصر فيه تبارك و تعالى لان من كان عزيزا و قويا منيعا بكل معنى الكلمة و عالما حكيما بدقائق الأمور ينحصر النصر فيه لا محالة.
قوله تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ.
بيان لبعض وجوه الحكمة التي من أجلها ينصر اللّه تعالى المؤمنين مطلقا، و حينئذ لا فرق بين أن يكون اللام متعلقا بقوله تعالى: «وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ» أو يكون متعلقا بالنصر في قوله تعالى: «وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» فان اللّه تعالى عزيز حكيم يضع الأشياء على ما تقتضيه الحكمة و قد ذكر عز و جل وجوها من الحكمة في نصر المؤمنين و هي قطع طرفا من الكافرين، و كبتهم.
و قطع الطرف كناية عن إهلاك طائفة من الكافرين و إضعاف قوتهم و اذهاب شوكتهم كما وقع في يوم بدر و خيبر و نحوهما.
و مادة كبت تدل على الاهانة و الذلة بدواعي مختلفة إما الخزي و العار، أو الصرف، أو الرد بالغيظ، أو الرد بعنف و تذليل، أو بالصرع على الوجه، أو بالهزيمة و نحو ذلك، و قد استعملت هذه المادة في القرآن الكريم في ثلاثة موارد أحدها المقام، و الثاني و الثالث قوله تعالى: «كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» المجادلة- ٥ و الجامع هو الاهانة و الذلة. و ما ذكره اهل اللغة و التفسير من المعاني انما هو دواعي الاستعمال و ان جعلوها من اصل المعنى.
و كبت الذين كفروا وقع في يوم الأحزاب و أحد و أمثالها حيث أذلهم اللّه تعالى بأخسّ وجه فقد رجعوا خائبين منهزمين قد انقطعت آمالهم و لم يلحقهم إلا الخزي و العار.
قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ.
جملة معترضة تفيد ان جميع الأمور المتعلقة بالخلق سواء كانت في الهدى أو التعذيب أو القتل أو الأسر أو التوبة ترجع إلى خالقهم و قدرته و ارادته و ليس للنبي (صلى اللّه عليه و آله) شي‏ء من ذلك سوى انه ينفذ أمر اللّه تعالى فيهم فانه بشر مخلوق مثلهم.
و انما أدرج عز و جل هذه الجملة في التقسيم لبيان ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) إذا أصابه مكروه أو إذا دارت الدائرة على المسلمين لا يلام على ذلك فانه ليس له في ذلك صنع و انما يرجع إلى قدرة اللّه تعالى و إرادته، و كذا بالنسبة إلى الظفر على الأعداء فان الشكر لا بد ان يكون للّه تعالى على ما أنعم.
و لهذه الجملة في هذا الموضع لها وقع كبير في النفوس، فان امر الحرب شديد و لا يمكن ان تتقبلها النفس بسهولة فان تهيئة الناس لها تهيئة نفسية و معنوية و ظاهرية تحتاج إلى عناية خاصة، و لأجل ذلك أدرج سبحانه هذه الجملة لبيان ان جميع الأمور ترجع إلى اللّه تعالى و هو الذي يحكم ما يريد فليس للافراد دخل في هذا الأمر، فكان لها تأثير كبير في نفوس المؤمنين، و تزيد في انقطاعهم إلى اللّه تعالى، و تظهر توكلهم عليه، و حينئذ كان الإمداد و الفيض الربوبي كبيرا، و الاقدام على الحرب و المنازلة شديدا، ففي هذا البيان الربوبي من الحكم الدينية و الاجتماعية و الحربية ما لا يخفى.
قوله تعالى: أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ.
الجملتان معطوفتان على قوله «ليقطع» و هما من أفراد التقسيم التي ذكرت لبيان وجوه الحكمة في نصر اللّه تعالى للمؤمنين.
و المعنى: أو يتوب على الكفار و المشركين فيهديهم إلى الإسلام و تزيد بذلك شوكة المسلمين و عددهم و عدتهم، و هذا هو نصر كبير فانه لا يختص في ساحة القتال و منازلة الأعداء، أو يعذبهم في الدنيا بما يريده اللّه تعالى و يشاء، أو في الآخرة بما أعد لهم من العذاب الأليم. و ذلك لأنهم ظالمون لأنفسهم فقد اعرضوا عن الإسلام و لم يحسنوا التوبة إلى اللّه تعالى.
و الترديد الظاهري في الآية المباركة إما بداعي تهويل الأمر عليهم أو لأجل وقوع ذلك بالنسبة إلى الأفراد فبعضهم استأصلوا، و بعضهم كبتوا، و بعضهم تاب اللّه عليهم بعد أن اسلموا، و بعضهم عذبوا.
و يمكن أن يكون قوله تعالى: «أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» و الآية اللاحقة لأجل ترغيبهم إلى التوبة، و العفو عما يفعله أراذل الأنام، و أن العفو عند المقدرة من أخلاق الكرام.
و قد ذكر المفسرون في اعراب هاتين الجملتين «أو يتوب عليهم أو يعذبهم» وجوها مذكورة في كتب التفسير، و الجميع لا يرجع إلى محصل و تحتاج إلى عناية زائدة.
قوله تعالى: وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ.
كلام مستأنف يفيد عظمة من يرجع جميع الأمور اليه فانه مالك لجميع ما في السموات و الأرض ملكا حقيقيا يفعل فيها ما يشاء و ما يريد، خاضعة لديه، مسخرة تحت إرادته، حكيم في أفعاله.
و الجملة في موضع التعليل لما تقدم.
قوله تعالى: يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ.
من حكمته انه يغفر لمن يشاء، و قد فسره عز و جل في موضع آخر قال تعالى: «وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏» طه- 84. و يعذب من يشاء إذا أعرض عن الهدى و التوبة.
و تعليق المغفرة و العذاب على المشيئة لبيان انه تعالى يفعل ذلك وفق حكمته المتعالية، و تنبيه الإنسان على عدم الاغترار بأعماله و أفعاله و عدم إيئاسهم من رحمته تعالى، و بيانا لإحاطة رحمته و مغفرته على غضبه و عذابه على أي فرض.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
تقرير لمضمون ما ورد في الصدر، فهو غفور للمذنبين رحيم لهم لئلا يحصل لهم اليأس من رحمته تعالى.

يستفاد من الآيات الشريفة امور:
الاول:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ» كثرة اهمية النبي الكريم بأمته و عنايته (صلى اللّه عليه و آله) بأمورهم فإنهم رعيته و هو مسئول عن رعيته فقد خرج من اهله الذين هم أولى الناس به غدوة ليعين مقاعد القتال و مواضع جيش المسلمين، و لأهمّيّة الأمر و عظمته فقد خرج غدوة اليه و قدمه على سائر أموره و يستفاد منه قرب الموضع من مدينة الرسول، و قد عينه التاريخ بانه جبل أحد كما هو المشهور المعروف هناك.
الثاني:
يستفاد من سياق الخطاب العتاب و اللوم على ما فعله المؤمنون من الوهن في العزيمة و الفشل في القتال و لذا أعرض عز و جل عن خطابهم إلى خطاب النبي الكريم في عدة مواضع من هذه الآيات الكريمة، منها قوله تعالى: «وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ»، و قوله تعالى: «إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ»، و قوله تعالى: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ». و وجه الخطاب إلى المؤمنين في كل مورد يستفاد منه اللوم و العقاب.
الثالث:
يستفاد من مجموع الآيات الشريفة الواردة في المقام و غيره كثرة هموم نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) بالنسبة إلى شؤون أمته، و قد قاسى في سبيل اللّه و إظهار كلمة الحق من الأعداء و المنافقين ما لم يقاسه أحد من أنبياء اللّه تعالى فان أنبياء اللّه تعالى خصوصا سيدهم (صلى اللّه عليه و آله) دائما في حالة الجهاد و المحاربة مع غيرهم إلا أن مراتب الجهاد و المحاربة مختلفة قولا و عملا، و ذلك لأنهم مظاهر العقل المجرد و اخلاق اللّه تعالى و معارفه الواقعية، و مثل ذلك إذا اختلط مع غيره إنما يكون من اختلاط العلم بالجهل المركب أو البسيط، و عداء الطرفين معلوم لكل ذي شعور.
الرابع:
يستفاد من قوله تعالى: «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا» علم اللّه تعالى بالجزئيات كما تدل عليه الادلة العقلية و النقلية قال تعالى: «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ» غافر- 19.
و تتضمن هذه الجملة العتاب مع الدلال و هو من أجمل الاساليب و ابدعها كما في قوله تعالى: «وَ اللَّهُ وَلِيُّهُما» فان العتاب فيه ظاهر أي لأي شي‏ء صدر منكم الهم بالفشل مع ان اللّه تعالى معكم يحفظكم و يرعى مصالحكم.
الخامس:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» العفو عن ما صدر عنهم من الهم بالفشل و ان ذلك يزول فتستقر النفوس و يثبت المؤمنون في أمورهم بالتوكل على اللّه تعالى، و إن من حق الايمان باللّه تعالى هو التوكل عليه و هو يكفى المؤمنين.
و حذف المتعلق في التوكل للدلالة على أن المؤمن ينبغي ان يتوكل عليه في جميع أموره و شئونه جليلها و حقيرها سهلها و صعبها.
السادس:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ» بقرينة الحال هي الانقطاع التام عن المخلوق و عالم المادة و التوجه الكامل إلى عالم الغيب، و حينئذ يقع نصر اللّه تعالى لا محالة، فان المستفاد من مجموع الآيات المباركة الواردة في نصرة اللّه للمؤمنين في مواضع مختلفة ان المناط كله هو تحقق هذه الحالة الانقطاعية الى اللّه عز و جل، و كل من حصلت له هذه الحالة فهو من اصحاب بدر الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة دين اللّه تعالى و بذلوا مهجهم في سبيله عز و جل، فسلام عليكم يا اهل بدر فقد فضلتم على بدر السماء لأنكم أنوار الهدى و اصحاب محمد المصطفى، فلا ينسى مناركم، و يرتجى مقامكم ابدا، و فيكم يدوي صوت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في الآفاق: «زملوهم بدمائهم فإنهم يحشرون يوم القيامة و تشخب أوداجهم دما» و احمرار الشمس حين طلوعها و غروبها من شواهد بقاء حياتكم الابدية و رمز سعادتكم السرمدية.
السابع:
يستفاد من قوله تعالى: «أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ» ان الكفاية انما يتحقق في الإمداد الربوبي و هو لا يختص بنوع خاص، بل يشمل جميع ما يتعلق بنصرة المؤمنين المادية و المعنوية و ما يتعلق بشئونهم العسكرية و ثبات نفوسهم و استقرارها و إلقاء الرعب في قلوب الأعداء.
الثامن:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى‏ لَكُمْ وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ» ان الإفاضات الربوبية بقدر اطمينان القلب الحاصل من التصفية، و لا بد أولا من البشارات الإلهية بالفيض و الإمداد، و ان لذلك الأثر الكبير في اطمينان القلب الذي يكون المؤمن بحاجة اليه في جميع حالاته لا سيما حالة الجهاد و الحرب مع الأعداء.
و إنما وجه الخطاب إلى الرسول الكريم باعتبار انه واسطة الفيض و لبيان أن كل فيض لا بد ان يكون عن طريقه و من وجهه، و إذا اجتمعت الواسطة من تصفية النفس و اطمينان القلب و التوجه اليه عز و جل يقع النصر و الفيض الربوبي لا محالة، و يتقدران بقدر اطمينان قلب المفاض عليه و سائر خصوصياته.
التاسع:
يستفاد من قوله تعالى: «لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية» وجوه الحكمة في الجهاد مع الأعداء و قد عد سبحانه و تعالى جملة منها و هي قطع دابر الكافرين و اذهاب شوكتهم، و كبتهم أو الهداية و التوبة عليهم، و زيادة شوكة المسلمين، أو التعذيب بما يراه اللّه تعالى في شأنهم، و قد ذكر عز و جل جملة أخرى منها في مواضع متفرقة يأتي التعرض لها في الموضع المناسب.
العاشر:
انما عبر سبحانه و تعالى بقطع الطرف، لأن الجيش انما يتقوم بقيام طرفه فإذا قطع فلا تبقى له قائمة، كما في قطع أطراف الإنسان، و القطع هنا أعم من القتل أو الأسر أو الخذلان أو التطميع‏ بالمادة، أو إيقاع الرعب في قلبه، ففي كل ذلك قطع للطرف و اذهاب للشوكة.
الحادي عشر:
إن في وقوع جملة «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ» المستأنفة الواقعة بين جملتين مرتبطتين فيها من الحكم الكثيرة ما لا يخفى فمنها انها تكون لأجل التهويل و تعظيم الموضوع، و التسلية للنبي العظيم (صلى اللّه عليه و آله) بما جرى على اهله و عشيرته من القتل و الأسر، و تسكينا لأقاويل المنافقين لما كثرت حيث قالوا لو كان نبيا لما كسرت رباعيته و لا شج و جهه، و منها دفع توهم الغلو فيه (صلى اللّه عليه و آله) نظير قوله تعالى: «وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‏» الأنفال- 17 و جلبا لقلوب المؤمنين، و منها توطئة لذكر التوبة بعد ذلك لئلا يستوحش المسلمون من قبول توبتهم؛ فإنها من اللّه تعالى و يكون التوفيق لتوبتهم منه تعالى أيضا، مضافا الى أن لهذه الجملة من التأثير المعنوي في ساحة القتال و الوغى على النفوس ما لم يكن للسلاح و غيره، و هي تؤثر في الروح المعنوية و تشدها و تقويها في حالة يكون المحاربون بأشد الحاجة إليها، و غير ذلك من الحكم الكثيرة و قد جرت عادة الفصحاء و البلغاء على ذكر جملة مستأنفة بين جمل مترابطة يشد بعضها مع بعض وحدة كلامية اهتماما بالموضوع.
الثاني عشر:
ان قوله تعالى: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ» بملاحظة سائر الآيات المباركة يدل على أن المنفي هو بعض مراتب القضاء و القدر، و الا فان امر التشريع و جعل الاحكام مفوض اليه فانه «ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى‏» النجم- 4 فلا يصح لأحد ان يتمسك بهذه الآية الشريفة و ينفي بعض الأمور عنه (صلى اللّه عليه و آله) باعتبار انه ليس له من الأمر شي.

في تفسير القمي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله تعالى: «وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ» قال (عليه السلام): «سبب نزول هذه الآية ان قريشا خرجت من مكة تريد حرب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فخرج يبغي موضعا للقتال».
أقول: سياق الآية المباركة يشهد على صحة ما ورد في مثل هذه الروايات؛ كما عرفت في التفسير.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا» قال: «نزلت في عبد اللّه بن أبي و قوم من أصحابه اتبعوا رأيه في ترك الخروج و القعود عن نصرة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أقول: يمكن ان يكون فعل عبد اللّه بن أبي سببا لحصول الهم بالفشل في جمع آخر، و الآية المباركة ناظرة إلى هذا الجمع و اما عبد اللّه بن أبي فقد قعد عن القتال لا أنه همّ بالفشل، و يشهد لذلك ما رواه الطبرسي في المجمع و السيوطي في الدر المنثور، و الاختلاف في من همّ بالفشل لا يضر بعد معروفيته.
و في المجمع عن الصادقين (عليهما السلام): «هما بنو سلمة و بنو حارثة حيان من الأنصار، و قيل هما بنو سلمة من الخزرج و بنو حارثة من الأوس و كانا جناحي العسكر».
و في الدر المنثور عن السدي في حديث: «و خرج رسول اللّه‏ (صلى اللّه عليه و آله) إلى أحد في ألف رجل، و قد وعدهم الفتح إن يصبروا فرجع عبد اللّه بن أبي في ثلاثمائة فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم فأعيوه و قالوا له: ما نعلم قتالا و لئن أطعتنا لترجعن معنا … ثم قال «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا» و هم بنو سلمة و بنو حارثة همّوا بالرجوع حين رجع عبد اللّه بن أبي فعصمهم اللّه و بقي رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في سبعمائة».
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ» قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «ما كانوا أذلة و فيهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و انما نزل «و أنتم ضعفاء» أقول: و روى مثله في المجمع و هذه الروايات تؤيد ما ذكرناه في معنى الذلة؛ و هو الانقطاع الى اللّه تعالى من كل جهة، و إنما ينفي الأمام (عليه السلام) الذلة الحاصلة لبعض الجيوش عند غلبة العدو عليه لا المعنى الذي قلناه، و قوله (عليه السلام) «و نزل» المراد به النزول تأويلا لا النزول اللفظي.
و في تفسير العياشي عن أبي بصير قال: «قرأت عند أبى عبد اللّه (عليه السلام) «وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ» فقال (ع): مه ليس هكذا أنزلها اللّه انها أنزلت: أنتم قليل».
أقول: هذا الحديث يبين ما ذكرناه، و المنفي هو الذلة الحاصلة لبعض النفوس عند فقدان الحامي و الكفيل. و اما الذلة التي تكون بسبب قلة العدد و العدة و الانقطاع عن الخلق فلا تنفيها الروايات.
و في الكافي عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) في قول اللّه عز و جل «يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ» قال (ع): العمائم اعتم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فسد لها من بين يديه، و من خلفه، و اعتم جبرئيل فسدلها من بين يديه و من خلفه».
و في الكافي ايضا عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كانت على الملائكة العمائم البيض المسترسلة يوم بدر».
أقول: تقدم ما يتعلق بهذه الروايات في التفسير.
في الدر المنثور عن انس بن مالك قال: «كسرت رباعية رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يوم أحد و دمي وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه، و يقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم، و هو يدعوهم إلى ربهم؟! فانزل اللّه تعالى: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ».
و في اسباب النزول للواحدي عن سالم عن أبيه: «انه سمع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: في صلاة الفجر حين رفع رأسه من الركوع: ربنا لك الحمد، اللهم العن فلانا و فلانا دعا على ناس من المنافقين، فانزل اللّه عز و جل: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ».
أقول: روى قريب منه البخاري في صحيحه و اختلاف الروايات لا يضر لما تقدم مكررا من إمكان تعدد منشأ النزول و لعل نزول قوله تعالى: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ» في هذا الحال لأجل تسكين قلب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و التوعيد على من فعل ذلك به (صلى اللّه عليه و آله).
ثم انه قد وردت روايات كثيرة مختلفة المضامين في قصة أحد و نحن نذكر قسما منها في البحث التاريخي إن شاء اللّه تعالى.

يمكن ان يكون قوله تعالى: «وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ» اشارة إلى معراج آخر لنبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) فان معراجه الاول كان في مكة من بيت أم هاني و كان من الخلق إلى الحق و الانقطاع عن العلائق بالكلية و الانقطاع إلى الرب الفياض من جميع الجهات و إعداد نفسه الأقدس لمعراج آخر و السفر من الحق لكشف الحجب الظلمانية عن النفوس و لا حجاب أقوى و اغلظ من الكفر مطلقا و لا ينكشف ذلك الحجاب إلا بالسيف فكما أن لجهاده و حروبه المقدسة دخلا في نظام التشريع لها دخل في نظام التكوين أيضا، و هو إثارة العقول المستترة بالسيوف التي تعمل في نصرة الحق. و الغدو من الأهل لتعيين مواقع القتال للمؤمنين معراج للرسول الكريم لإظهار الحق و ازالة الحجب و الاغشية الظلمانية، و من المعلوم إن أغلى الأشياء و أعظمها لدى الإنسان هي الروح التي بين جنبيه و نفسه التي يقضي بها آماله و يفعل أفعاله فهي الأصل و جميع ما سواها من الأهل و المال و سائر الجهات من الفروع التي ترجع إلى حفظ النفس و حب بقائها، و هذه الجوهرة النفيسة إن بذلت في الأوهام و الخيالات و الماديات فقد بيعت بأرخص الأشياء و شريت بثمن بخس، و ان كان بذلها في الحقيقة التي لاحد لكمالها بوجه من الوجوه فهي السعادة العظمى. و من مظاهر تلك الحقيقة الجهاد في سبيل اللّه تعالى فانه اتصال بالمبدأ القيوم قال تعالى: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» آل عمران- ۱٦۹فهل يعقل حدا لمعنى «عند» من لا تناهي لحد الحضور لديه، مضافا إلى ان في رفع الحجب و الأستار من الأسرار و الدقائق ما لا يعلمها إلا اللّه تعالى.

الآيات الشريفة التي تقدم تفسيرها ترشد المؤمنين إلى بعض الأمور التي لا بد من مراعاتها في ميدان القتال و الجهاد مع اعداء اللّه تعالى فقد أمرت المسلمين بالتوكل عليه في جميع أمورهم، و الصبر و الثبات و التقوى عن جميع ما يوجب البعد عنه عز و جل، و الاستعانة و الانقطاع اليه لطلب الإمداد الربوي و الفيض الالهي المعد للمنقطعين اليه و المستغيثين به و قد بين عز و جل بعض الصفات التي يجب على المؤمن التحلي بها و هي طاعة اللّه تعالى و متابعة الرسول الكريم، و الصبر و التقوى، و التوكل عليه و ترك ما يوجب الوهن في العزائم، و قد ذكر عز و جل غزوة بدر و غزوة أحد.

اما الاولى فلأجل ما حصل من المسلمين من الالتفات حول النبي الكريم و الانقطاع إلى اللّه تعالى و الإمدادات الغيبية لهم و موجبات النصر على الأعداء.

و اما الثانية فلما ظهر من بعض المسلمين من الهم بالفشل و الوهن في العزائم و ترك متابعة الرسول (صلى اللّه عليه و آله) في وصاياه و أوامره و كادوا أن يقاسوا مرارة الهزيمة لو لا ما منّ اللّه تعالى به عليهم من العفو و التوبة فأمدهم بالامداد الغيبي، و سيأتي ذكر غزوة أحد في الآيات الآتية و الإشارة إلى بعض غزوات رسول اللّه (صلى اللّه‏ عليه و آله) في مواضع مختلفة من القرآن الكريم. و نحن نذكر في هذا البحث عدد غزوات الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) و ما يتعلق بغزوة أحد و اما سائر الغزوات فيأتي البحث عنها في مواضعها.

حروب رسول اللّه (ص):

تنقسم حروب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) إلى قسمين:

الاول: الغزوة و هي القوة المؤلفة من اعداد كبيرة مقاتلة التي كان يقودها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بنفسه الأقدس.

الثاني: السرية و هي مجموعة من الجند (يقدر عددها ما بين الثلاثين إلى الأربعين أو اكثر) يناط بهم مهمة قتالية محدودة أو مهمة استطلاعية حيث انها تستقصى اخبار العدو و تحصل المعلومات اللازمة عنه و لا تخرج إلا باذن الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) فيعقد لها رأيتها، و المعروف انه (صلى اللّه عليه و آله) كان يودعها بنفسه الكريمة و يدعو لها بالنصر و التوفيق.

و اما العين أو العيون فان المراد منها إرسال شخص أو اكثر يقوم بمهمة استطلاعية و التجسس على الأعداء فقط، و عدد سرايا الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) ست و ثلاثون سرية على ما هو المعروف.

غزوات رسول اللّه (ص):

المعروف ان عدد غزوات رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) ست و عشرون‏ غزوة، و قيل إنها اكثر.

أولها: غزوة الأبواء و تسمى غزوة ودان- و هي قرية بين مكة و المدينة بينها و بين الأبواء ستة أميال- و ذلك في محرم من السنة الثانية من الهجرة.

ثانيها: غزوة بواط وقعت في ربيع الاول من السنة الثانية أيضا و بواط جبال جهينة على إبراد من المدينة جهة ينبع.

ثالثها: غزوة العشيرة في جمادي الاولى من تلك السنة.

رابعها: غزوة بدر الاولى بعد رجوع النبي (صلى اللّه عليه و آله) من غزوة العشيرة بقليل.

خامسها: غزوة بدر الكبرى في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة و معه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، مائتان و نيف و أربعون من الأنصار، و الباقون من المهاجرين، و معهم فرسان و سبعون بعيرا يتعاقبون عليها و الحامل للواء مصعب بن عمير العبدري. و أما المشركون فقد كانوا تسعمائة و خمسين رجلا معهم مائة فرس و سبعمائة بعير.

سادسها: غزوة بني سليم في النصف من شوال من نفس السنة.

سابعها: غزوة السويق و سميت هذه الغزوة بهذا الاسم لان المشركين كانوا يلقون جرب السويق و هم يهربون.

ثامنها: غزوة ذي أمر و هو ماء و تسمى بغزوة غطفان أيضا وقعت في شهر ربيع الاول من السنة الثالثة.

تاسعها: غزوة بحران عند ما بلغ النبي (صلى اللّه عليه و آله) ان جمعا من بني سليم يريدون الغارة على المدينة فسار إليهم في ثلاثمائة من أصحابه لست من جمادي الأولى.

عاشرها غزوة احد لعشر خلون من شوال من السنة الثالثة على ما يأتي من التفصيل.

الحادية عشرة: غزوة حمراء الأسد- و هي من المدينة على سبعة أميال- و أقام (صلى اللّه عليه و آله) بها الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء بعد رجوعهم من غزوة احد.

الثانية عشرة: غزوة بني النضير لما نقضوا العهد مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و أرادوا قتله غدرا فخرج لهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في عسكر، فتحصنوا و حاصرهم حتى خضعوا لأمره و رضوا بالجلاء و ذلك في السنة الرابعة.

الثالثة عشرة: غزوة ذات الرقاع بعد غزوة بني النضير بشهرين و هما ربيع الاول و ربيع الثاني في السنة الثالثة، و ذلك لما تهيأت قبائل من نجد لحربه فتجهز لهم و خرج في سبعمائة مقاتل.

الرابعة عشرة: غزوة بدر الآخرة في شعبان من هذه السنة عند ما بلغه توعد أبي سفيان.

الخامسة عشرة: غزوة دومة الجندل- و هي مدينة بينها و بين المدينة خمس عشرة ليلة و بين دمشق خمس ليال عند ما بلغه ان جمعا كثيرا فيها يظلمون من مر بها و يريدون الاغارة على المدينة فخرج لهم (صلى اللّه عليه و آله) لخمس ليال بقين من شهر ربيع الاول من السنة الخامسة و كان في ألف من المسلمين.

السادسة عشرة: غزوة بني المصطلق- و تسمى بغزوة المريسيع- قبل غزوة الخندق بثلاثة أشهر من السنة الخامسة.

السابعة عشرة: غزوة الخندق وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة عند ما اجتمعت قبائل قريش في اربعة آلاف مقاتل و غطفان في ألف فارس، و بنو مرة في أربعمائة و بنو أشجع و بنو سليم في سبعمائة و بنو أسد و غيرهم حيث بلغ المجموع عشرة آلاف مقاتل‏ يقودهم أبو سفيان بن حرب.

الثامنة عشرة: غزوة بني قريظة و كانت عند انصرافه عن الخندق و لما كان الظهر امر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) مؤذنا ان يؤذن من كان يصلي العصر لا يصليها إلا في بني قريظة بحكم سعد بن معاذ.

التاسعة عشرة: غزوة بني لحيان، و هم قبيلة نزلت شمالي شرق مكة و هم الذين قتلوا سبعين صحابيا الذين أرسلهم النبي (صلى اللّه عليه و آله) في صفر من السنة الرابعة إلى نجد ليدعوهم إلى الإسلام، فخرج إليهم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في جمادي الاولى من السنة الخامسة في مأتي راكب و معهم عشرين فرسا.

العشرون: غزوة الحديبية في ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة عند ما خرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) معتمرا لا يريد حربا و معه من المهاجرين و الأنصار و غيرهم ما يبلغ عددهم ألف و خمسمائة و لكن المشركون منعوه من الزيارة و دخول مكة إلا ان الجميع اتفقوا على الصلح، و سمي بصلح الحديبية.

الواحدة و العشرون: غزوة خيبر في محرم من السنة السابعة عند ما خرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) إليها في ألف و أربعمائة رجل معهم مائتا فارس و خيبر تبعد عن المدينة نحو مائة ميل من الشمال الغربي.

الثانية و العشرون: غزوة وادي القرى.

الثالثة و العشرون: غزوة الفتح أي فتح مكة، و ذلك إنه كان بين النبي (صلى اللّه عليه و آله) و بين قريش عهد يمنع احد الفريقين من مقاتلة الآخر و الزعامة عليه و عند ما حارب بنو بكر- و هم في عهد قريش- بني خزاعة- و هم في عهد المسلمين- و الجميع بمكة ساعد القرشيون بني بكر بالسلاح و قاتل معهم من قاتل مستخفيا حتى أخرجوا خزاعة إلى الحرم و اصابوا منهم ما اصابوا و بذلك نقضت قريش العهد فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى المدينة لتجديد العهد و لكن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) عقد العزم على فتح مكة فتجهز للسفر و سار النبي (صلى اللّه عليه و آله) في منتصف شهر رمضان في عشرة آلاف و وصل إلى مكة في عشرين خلت من نفس الشهر حتى وصل الحجون موضع رايته.

الرابعة و العشرون: غزوة حنين عند ما اجتمعت هوازن و ثقيف و غيرهما من القبائل و خرجوا مع الأموال و الذراري و النساء إلى غزو رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و عند ما بلغه (صلى اللّه عليه و آله) خبر هذه الغارة خرج في اثني عشر ألف مقاتل في شوال من السنة الثامنة.

الخامسة و العشرون: غزوة الطائف و ذلك لما قدم المنهزمون من ثقيف و من انضم إليهم من غيرهم إلى الطائف أغلقوا عليهم مدينتهم و جمعوا ما يحتاجون اليه و استحصروا فيها فسار إليهم النبي (صلى اللّه عليه و آله) بمن معه في شوال من نفس السنة.

السادسة و العشرون: غزوة تبوك و هي آخر غزوة غزاها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بعد خروجه من الطائف بستة أشهر عند ما بلغه ان نصارى العرب قد اجتمعوا مع جند الروم لمحاربته و وصلت مقدمتهم إلى بلقاء- ارض بالشام- فأمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بالتجهيز لغزوهم فتجهز ثلاثون الفا في ساعة العسرة و ساروا إلى تبوك في جمادي الثانية من السنة الثامنة و لما انتهى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) إلى تبوك لم يلق حربا و صالح أهلها و قفل راجعا.

و اما غزوة موته فلم يشترك فيها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و انما جهز جيشا في ثلاثة آلاف مقاتل و استعمل عليه زيد بن حارثة و قال: «ان أصيب فالأمير جعفر بن أبي طالب، فان أصيب فعبد اللّه ابن رواحه» فسار الجيش و شيعهم الرسول الكريم و ذلك في جمادي الاولى من السنة الثامنة.

هذه جملة غزوات النبي (صلى اللّه عليه و آله) و هذا الحصر استقرائي تاريخي يختلف حسب شدة الاستقراء و ضعفه و لعله لأجل ذلك اختلفوا في عدد الغزوات.

و نحن نذكر في هذا البحث غزوة احد و ما يتعلق بها من موقعها و اسبابها و نتائجها و كيفية الحرب و غير ذلك على ما هو المعروف بين اهل السير و التواريخ و ما ورد عن الائمة الهداة (عليهم السلام) ان شاء اللّه تعالى.

موقع القتال:

هذه الغزوة كانت في أحد و هو جبل بظاهر المدينة في شمالها على خمسة أميال و هو اقرب الجبال إليها، و طوله من شرقه إلى غربه يساوي ستة كيلو مترات، و ترتفع قمة هذا الجبل عن سطح البحر بمقدار ألف و مأتي مترا.

و قد عسكر المسلمون و المشركون في هذا الموضع، و كان موقفا الفريقين متعارضا لاختلاف هدف كل واحد منهما. فالفريق الذي كان يريد مهاجمة المدينة (المشركون) فانه استقبل جبل احد و استدبر المدينة، و الفريق الذي أراد الدفاع عن المدينة (المسلمون) فانه استقبل المدينة و استدبر جبل احد.

و من ذلك يعرف ان جيش المشركين وصل إلى جنوب غربي جبل احد عن طريق وادي العقيق غربي المدينة، و تمكن من الوصول إلى الطرف الشمالي من المدينة المنورة، فيكون الموضع الذي عسكر فيه المشركون يقع بالتحديد شمال شرق المدينة.

و قد اطلق المشركون ابلهم و خيولهم في مزارع المسلمين شمالي المدينة ليستنفروا المسلمين و يجبروهم على القتال خارج ابنية المدينة و عند السفوح الجنوبية بجبل احد.

و قد تجنبوا الدخول إلى المدينة المنورة و حاراتها و آطامها و تحصيناتها فإنهم كانوا يعلمون بأنهم لا يتمكنون من محاربة المسلمين فيها لأنهم لم يكونوا يحسنون مثل هذا النوع من القتال.

و قد لفت الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) انظار أصحابه إلى هذه الجهة عند ما اظهر رأيه لهم في البقاء داخل المدينة و التحصن فيها و مقاتلة المشركين إذا هموا الدخول فيها، لعلمه (صلى اللّه عليه و آله) بأنهم لا يقدرون على ذلك و سينصرفون عنها خائبين تماما كما حدث في غزوة الخندق أو لغير ذلك من الأسرار، و بعد ما ورد في القرآن الكريم من الآيات المتقدمة يشير إلى بعض منها و لكن اكثر المسلمين اتفقوا على الخروج و مقاتلة المشركين خارج المدينة و كان ذلك خلاف المأمول منهم، و لقد لاقوا المتاعب و المصاعب في خروجهم هذا.

و كيف كان فقد امر الرسول (صلى اللّه عليه و آله) أصحابه بالتهيؤ للخروج و دخل داره و تقلد سيفه و ارتدى عدة القتال، و لما تردد من خالف رأي النبي (صلى اللّه عليه و آله) و أظهروا الرغبة على النزول على رأيه قال قولته المشهورة «لا ينبغي لنبي لبس لامته- الدرع و نحوه- ان يضعها حتى يحكم اللّه بينه و بين عدوه» و لقد تلقى الوحي من السماء بالخروج قال تعالى: «وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» فخرج رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و معه ألف رجل من ناحية المشرق حتى نزل (الشيخين) موضع بين المدينة و أحد على الطريق الشرقية مع الحرة إلى جبل أحد- و لقد اختار النبي (ص) أرضا للقتال في أحد بمنتهى الحكمة و المهارة، و لقد اعترف بذلك غير المسلمين أيضا فوضع خمسين من الرماة في فم الشعب خلف قواته لغرض حرمان العدو من الالتفاف على قواته من الخلف، و تحمى ظهرها و تستر انسحابه عند الحاجة و حددت كتب السير و التواريخ ذلك الموضع ب (جبل عينين) و ان كان ذلك اقرب إلى الربوة منها الى الجبل.

و كيف كان فقد أسند إلى هذا الموضع جناحه الأيسر كما أسند جناحيه الأيمن الى سفح جبل أحد الذي كان شديد الانحدار و استقبل قوات المشركين، فكان في حصن منيع و كبير. و لذا لما سقط هذا الموضع بيد المشركين انهار دفاع المسلمين و تدفقت خيل المشركين على المسلمين و وقعت الهزيمة كما نطق به التنزيل قال تعالى: «إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ» آل عمران- 153 هذا موقع القتال في غزوة أحد و هندسة الحرب فيها.

اسباب الحرب:

إذا راجعنا كتب السير و التاريخ نجد انهم يذكرون أسبابا عديدة لهذه الغزوة و لكن أكثرها لا تخلو عن المناقشة و الذي يستفاد من مجموع‏ الحوادث الواقعة قبل غزوة أحد و بعدها امور هي:

الاول: خذلان المشركين في غزوة بدر الكبرى و رجوعهم إلى مكة مقهورين موتورين؛ و في المجمع عن الصادق (عليه السلام):

«كان سبب غزوة احد ان قريشا لما رجعت من بدر إلى مكة؛ و قد أصابهم ما أصابهم من القتل و الأسر لأنه قتل منهم سبعون و أسر سبعون» فحرصت قريش منذ نكبتها في بدر على الأخذ بثأرها من المسلمين و صممت على الاستعداد عسكريا لاستعادة كرامتها و شرفها.

الثاني: خوف القبائل المجاورة للمدينة سواء كانت من المشركين أم اليهود من قوة المسلمين مما كانوا يترقبون الفرص للانتقام منهم و نقض العهد و يتربصون الدوائر و يتجسسون عليهم و يؤذونهم بالقول و الفعل. و لما علمت بعزم قريش على الغزو حرضتها على ذلك.

الثالث: خوف قريش على الطرق التجارية المؤدية إلى الشام و إلى العراق من ان تقع بيد المسلمين فيمنعونهم عن التجارة كما وقعت المدينة بأيديهم و أصبحت قاعدة أمنية لدعوتهم و حركاتهم العسكرية.

الرابع: خوف انتشار الدعوة الاسلامية لأنها كانت تلقى إذنا صاغية و ارتفعت بعض الموانع عن قبولها بعد هزيمة قريش في بدر الكبرى فقد أسلمت اكثر مشركي المدينة بعد بدر.

الخامس: الدفاع عن المدينة بعد ما عرف الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) استعداد قريش لغزوها و ابادة أهلها و محو الدعوة في مهدها.

السادس: استفزاز قريش المسلمين في عدة مواقع منها انهم أرسلوا إبلهم و خيلهم ترعى زروع يثرب.

التعبئة:

لما رجعت قريش إلى مكة من بدر بعد اصابتهم الهزيمة و الخذلان- قتلا و اسرا- حرصت على الأخذ بثأرها من المسلمين و قد نذر أبو سفيان بن حرب ان لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا و صممت على استعادة كرامتها و شرفها كما عرفت فاستعدت لذلك استعدادا تاما قرر كبراء قريش تخصيص ربح تجارة قافلة أبي سفيان التي جرت من أجلها معركة بدر لإنجاز هذه المعركة و تقويتها بالمواد و السلاح، و قد كان ربح تلك التجارة- كما في السيرة الحلبية- خمسين ألف دينار فبذلوا الربح في معركة الثار، و قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين على قتلاكم فان الدمعة إذا خرجت أذهبت الحزن و العداوة لمحمد فلما غزوا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يوم أحد أذنوا لنسائهم في البكاء و النوح» و اجتمعت قريش للحرب بحدها- و هو البأس- وجدها- و هو العظمة و الغنى- و احابيشها- و هم حلفاء قريش- و من اطاعتها من قبائل كنانة و اهل تهامة فكانوا نحو ثلاثة آلاف، الفان و تسعمائة من قريش و مواليها و احابيشها، و مائة من بني ثقيف، بينهم سبعمائة دارع و معهم مائتا فرس و ثلاثة آلاف بعير، و في مجمع البيان عن الصادق (عليه السلام): «ان القوة لما خرجت من مكة كانت ثلاثة آلاف فارس و ألفي راجل» و لقد جاء المشركون من مكة إلى أحد و ليس فيهم رجل واحد يمشي على قدميه و استصحب أكثرهم نساءهم للتشجيع و رفع المعنويات.

و قد بذلت نساء قريش- خاصة هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان- أقصى جهودهن لتشجيع قريش و بعث الحماس في نفوس الرجال لأخذ الثار من المسلمين و هي التي حرضت وحشيا الحبشي على قتل حمزة عم النبي (صلى اللّه عليه و آله) فقتله بحربته المعروفة. ثم انه خرجت قريش من مكة و وصلت أحد في شوال من السنة الثالثة للهجرة في اربعة عشر شهرا.

و قد أرسل العباس عم الرسول (صلى اللّه عليه و آله) رسالة مع أحد الرجال لأخذ الثار من المسلمين يخبرهم عن وقت خروج قريش لقتاله و عن عدد قواتها فاسرع الرجل بعد ما اشترط عليه العباس ان يسير ثلاثا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فلما بلغ رسول اللّه الخبر جمع أصحابه و حثهم على الجهاد فقال عبد اللّه بن أبي سلول اللّه لا نخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها، فيقاتل الرجل الضعيف و المرأة و العبد و الامة على أفواه السكك و على السطوح فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا و نحن في حصوننا و دورنا و ما خرجنا إلى عدو لنا قط إلا كان الظفر لهم علينا» و كان الرسول الكريم يرغب البقاء في المدينة ايضا و قام سعد بن معاذ و غيره من الأوس فقالوا يا رسول اللّه ما طمع فينا احد من العرب و نحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يطمعون فينا و أنت فينا؟ لا حتى نخرج إليهم فنقاتلهم فقبل رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) رأيه و خرج مع نفر من أصحابه يتبوءون موضع القتال كما حكي عز و جل عنهم في الآية الشريفة و قد عرفت سابقا موضع القتال و عبّأ رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أصحابه فسار في ألف من أصحابه كما سيأتي.

القوى:

وصلت قوات المسلمين و قوات المشركين الى أحد يوم الجمعة الخامس عشر من السنة الثالثة للهجرة اما قوى المسلمين فقد كانت مؤلفة من ستّمائة و خمسون فارسا و حامل اللواء علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما ورد عن الصادق (عليه السلام) و قيل ان حامل اللواء هو مصعب بن عمير اخي بني عبد الدار، و خمسون من الرماة على الشعب قال الصادق (عليه السلام): «و وافت قريش إلى احد و كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) عبّأ أصحابه و كانوا سبعمائة رجل و وضع عبد اللّه بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب و اشفق ان يأتي كمينهم من ذلك المكان فقال (ص): لعبد اللّه بن جبير و أصحابه ان رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تبرحوا من هذا المكان و ان رأيتموهم هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا و الزموا مراكزكم» و قد رجع عبد اللّه بن أبي مع ثلاثمائة من أصحابه عند ما وصل الرسول مع ألف إلى الشوط و قد كان خروجهم خيرا للمسلمين و قد ذمهم اللّه تعالى و قبح أفعالهم و لما انتهى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) إلى احد و بالتحديد موضع القنطرة- و قد اندرست فلا يعلم موقعها- و قد حانت الصلاة و هو يرى المشركين امر بلالا فاذن و صلى و لقد همت طائفتان من المؤمنين و هما بنو سلمة من الخزرج و بنو حارثة من الأوس بالفشل، و لم يعرف عدد هاتين الطائفتين، و كان معسكر المسلمين بالقرب من أحد على ما عرفت و قد استعرض (صلى اللّه عليه و آله) المسلمون ورد من استصغر منهم و هم سبعة عشر شخصا و أجاز اشخاصا من أبناء الخامسة عشر. و قد لبس رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) الدرع فوق الدرع و جعل على أحد الجانبين الزبير بن العوام و على الآخر المنذر بن عمرو.

و اما قوات المشركين فقد كانت مؤلفة من ثلاثة آلاف أو خمسة آلاف كما ورد عن الصادق (عليه السلام) و كان على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، و على ميسرتها عكرمة بن أبى جهل، و كان اللواء عند طلحة بن أبى طلحة من بني عبد الدار، و قد نظم المشركون قواتهم للقتال بأسلوب الصف و أمنوا حماية ميمنة الصفوف و ميسرتها بالفرسان. و كان مع القوة مائتا فرس و ثلاثة آلاف بعير و هذه القوات كانت بقيادة أبى سفيان.

و قال في المجمع عن الصادق (عليه السلام): «و وضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مأتي فارس كمينا و قال: إذا رأيتمونا قد اختلطنا فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا وراءهم» و عند احتدام القتال انحط خالد بن الوليد في مأتي فارس على عبد اللّه بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجع.

وفد تفوق المشركون على المسلمين بالعدد إلى خمسة أمثال المسلمين و اما بالعدة فقد كان تفوقهم اكثر كما عرفت.

المعركة:

ابتدأ القتال عند ما قامت مفرزة من قوات المشركين بقيادة أبى عامر عبد عمرو بن صيفي الأوسي بالهجوم على قوات المسلمين، و قد خرج إلى أحد في خمسة عشر رجلا من الأوس و من عبيد اهل مكة و قال ابن هشام في السيرة «انه كان معه خمسون غلاما من الأوس» و قريب منه ما ذكره الواقدي، و كان يزعم لقريش انه إذا نادى أهله الذين في صفوف محمد (صلى اللّه عليه و آله) استجابوا له و انحازوا معه. و خرج أبو عامر مناديا: «يا معشر الأوس انا أبو عامر فأجابه المسلمون لا أنعم اللّه بك عينا يا فاسق» و قد اذن الرسول (صلى اللّه عليه و آله) للمسلمين بالقتال فنشب بين الطرفين.

و قد حاول أبو عامر و عكرمة بن أبي جهل الهجوم على اجنحة المسلمين و لكن المسلمين ردوهم و فشلت محاولات اخرى لهم في الالتفاف حول المسلمين لأنهم كانوا في حصن منيع و كبير، كما عرفت و لما التقى الناس و دنا بعضهم من بعض قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها و أخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال و يحرّضنهم فقالت هند:         ويها بني عبد الدار             ويها حماة الأدبار

ضربا بكل بتار

و تقول:

نحن بنات طارق             نمشي على النمارق‏

إن تقبلوا نعانق             أو تدبروا نفارق‏

فراق غير وامق‏

فاحتدم القتال بينهم و حميت الحرب، و قاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس، و قدم قريش صاحب لوائهم طلحة بن أبي طلحة و صفوا صفوفهم و صاح طلحة من يبارز؟ فخرج اليه عليّ (عليه السلام) فقتله، و في المجمع عن الصادق (عليه السلام):» و أخذ الراية أبو سعيد بن أبى طلحة فقتله علي (عليه السلام) ايضا، و سقطت الراية فأخذها مسافع بن أبى طلحة فقتله علي (عليه السلام) حتى قتل تسعة نفر من بني عبد الدار حتى صار لوائهم إلى عبد لهم أسود يقال له: صواب فانتهى اليه على (عليه السلام) فقطع يده اليمنى فأخذ اللواء باليسرى فضرب يسراه فقطعها فاعتنقها بالجذماوين إلى صدره، ثم التفت إلى أبى سفيان فقال: عذرت في بني عبد الدار؟

فضربه علي (عليه السلام) على رأسه فقتله، و سقط اللواء فأخذتها غمرة بنت علقمة الكنانية فرفعتها ثم شد اصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) على كتائب المشركين حتى نقضت صفوفهم و تصدعت فانهزم المشركون حتى أحاط المسلمون بنساء المشركين و وقع الصنم الذي احتملوه للتبرك به فوق الجمل الذي كان يحمله و أخذ المسلمون يتعقبون المشركين حتى ابعدوهم عن معسكرهم ثم عادوا يجمعون الغنائم، قال الصادق (عليه السلام): «و حمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة و وضع اصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في سوادهم و انحط خالد بن الوليد على عبد اللّه بن جبير فاستقبلوهم بالسهام فرجع بل قام بأكثر من محاولة للالتفاف حول المسلمين و على هذا الجناح الخطير بالخصوص فلم يفلح لشدة الرماة في موضعهم قبل تركهم له و نظر اصحاب عبد اللّه بن جبير ينتهبون سواد القوم فقالوا لعبد اللّه بن جبير: قد غنم أصحابنا و نبقى نحن بلا غنيمة؟ فقال لهم عبد اللّه فان رسول اللّه قد تقدم إلينا ان لا نبرح فلم يقبلوا منه، و أقبلوا ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم و بقي عبد اللّه بن جبير في اثني عشر رجلا».

و من ذلك يعلم ان هزيمة المشركين كانت منكرة بحيث ان المسلمين تركوهم و بادروا إلى جمع الغنائم و الاسلاب ثم تبعتهم الرماة و انتصر المسلمون نصرا باهرا.

المحنة:

لما انشغل المسلمون بجمع الغنائم و غفلوا عن عدوهم انحط خالد ابن الوليد و كان على ميمنة جيش المشركين على عبد اللّه بن جبير و قد فر معظم أصحابه و بقي في نفر قليل، فقتلهم على باب الشعب ثم اتى المسلمين من أدبارهم و نظرت قريش إلى الراية قد رفعت فلاذوا بها و لم يتنبه المسلمون إلا و المشركون فوق رؤسهم و أحاطوا بهم فانهزموا هزيمة عظيمة و اقبلوا يصعدون الجبال و في كل وجه حتى خلص المشركون إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فجرحوا وجهه الشريف و كسروا رباعيته اليمنى من ثناياه السفلى و رموه بالحجارة حتى سقط في حفرة من الحفر التي كان ابو عامر الفاسق يكيد بها المسلمين، و حمل ابن قميئة على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و قال:  «أروني محمدا لا نجوت ان نجا فضربه على حبل عاتقه و نادى قتلت محمدا و اللات و العزى» و تطارد هذا الخبر في المعركة و كان حمزة بن عبد المطلب و علي بن أبي طالب و أبو دجانة سماك بن خراشه و جماعة اخرى قليلة قد التفوا حول الرسول الكريم مستقتلين فكلما حملت طائفة على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) استقبلهم علي (عليه السلام) فدفعهم عنه حتى تقطع سيفه فدفع اليه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) سيف‏ ذا الفقار و انحاز رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) إلى ناحية أحد فوقف فلم يزل علي (عليه السلام) يقاتلهم حتى أصابه في رأسه و وجهه و بدنه و بطنه و رجليه ستون جراحة، فقال جبرائيل: إن هذه لهي المواساة يا محمد. فقال محمد (صلى اللّه عليه و آله) انه مني و أنا منه. فقال جبرائيل: و انا منكما، قال أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام) نظر رسول اللّه إلى جبرائيل بين السماء و الأرض على كرسي من ذهب و هو يقول: «لا سيف الا ذو الفقار و لا فتى إلا علي». و قد نادى كعب بن مالك بأعلى صوته بعد إشاعة المشركين قتل محمد (صلى اللّه عليه و آله) يا معشر المسلمين ابشروا هذا رسول اللّه» و صاح حمزة بالهتاف المعروف للمسلمين في يوم أحد «أمت أمت» و اندفع إلى قلب المشركين، و اقبل ثابت بن الدحداحة يومئذ و المسلمون اوزاع قد سقط في أيديهم فجعل يصيح: يا معشر الأنصار إليّ إليّ انا ثابت بن الدحداحة ان كان محمد قد قتل فان اللّه حي لا يموت فقاتلوا عن دينكم فان اللّه مظهركم و ناصركم فنهض اليه نفر من الأنصار فجعل يحمل بمن معه من المسلمين و قد وقفت لهم كتيبة خشناء من المشركين فجعلوا يناوشونهم و حمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فطعنه فأنفذه فوقع ميتا و قتل من كان معه من الأنصار، و يقال: ان هؤلاء آخر من قتل من المسلمين.

اما حمزة بن عبد المطلب فكان يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له احد، و كانت هند قد اعطت وحشيا عهدا لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطينك كذا و كذا قال وحشي: أما محمد فلم أقدر عليه. و أما علي فرأيته حذرا كثير الالتفات فلا مطمع فيه.

فكمنت لحمزة فرأيته يهد الناس هدا فمر بي فوطئ على جرف نهر فسقط و أخذت حربتي فهززتها و رميته بها فوقعت في خاصرته و خرجت من ثنته فسقط، فأتيته فشققت بطنه و أخذت كبده و جئت به إلى هند. فقلت: هذه كبد حمزة فأخذتها في فمها فلاكتها فلفظتها و رمت بها.

و اجتمع المسلمون رويدا رويدا و تجمعوا حول الرسول و استعصموا بالجبل و بلغ الإعياء برجال قريش حدا بالغا، و فشلت محاولاتها لقتل الرسول الكريم و القضاء على المسلمين و كانت هذه محنة كبيرة على المسلمين، و قد حكي عز و جل عنها فقال تعالى: «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» آل عمران- 152 و آل حال المسلمين إلى الاضطراب و دخل قسم من المنهزمين المدينة و لاذ الباقون إلى الفرار.

النصر:

قررت قريش بعد المحاولات العديدة للقضاء على المسلمين و بلغ بهم التعب و الإعياء اكثر مما لحق بالمسلمين فقررت إنهاء القتال و كان ذلك لأسباب عديدة نذكر المهم و سيأتي في الآيات التالية قسم آخر.

منها: الإمداد الغيبي الالهي بعد التوبة عليهم، و صرف المشركين عنهم بإلقاء الرعب في قلوبهم قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ. سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ» آل عمران- 151.

و منها: الوهن و الإعياء و التعب في الطرفين بل كان في طرف المشركين أعظم و اكثر لما لحقهم من الهزيمة أول الأمر، و قتل أبطالهم و صناديدهم.

و منها: ظنهم بأنهم أدركوا الثأر من المسلمين لقاء ما أصابهم يوم (بدر) و لو انهم لم يكونوا قد قتلوا من المسلمين أحدا غير حمزة بن عبد المطلب عم النبي لكفاهم ذلك.

و منها: استقامة المسلمين بعد ما لحقتهم النكسة و التفافهم حول رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و استعادة قواهم بأخذ الراية الكبرى بأيديهم، و دعوات الرسول (صلى اللّه عليه و آله) المتتالية بالاجتماع و ترك الهزيمة فكان ذلك السبب المهم في لحوق الهزيمة بالمشركين فإنهم استيقنوا بأنهم لا يمكنهم البقاء و استمرار الحرب مع هذه الاستقامة من المسلمين، و كأنهم أدركوا انه ما بقي رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فيهم لا يمكنهم النصر، فقررت إنهاء القتال و الرجوع في موعد آخر فلما انصرف أبو سفيان و من معه نادى:

و ان موعدكم بدر العام القابل و قد اجبرتهم هذه الأمور على الفرار و ترك المحاربة مع المسلمين.

الخسائر:

قررت قريش بعد الهزيمة الرجوع إلى مكة و إنهاء الحرب، مخذولين خائبين محرومين عما كانوا يأملون. و انتصر المسلمون بالتوبة و الثبات و العزيمة و التزام الطاعة، و الالتفاف حول الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) و قد عرفت سير القتال في ما تقدم، و لما انقضت الحرب اشرف أبو سفيان على الجبل فقال: يوم بيوم بدر و الحرب سجال، ثم انصرف أبو سفيان و من معه و قال: ان موعدكم العام المقبل، ثم بعث رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) عليا في أثرهم و قال: «انظر فان جنبوا الخيل، و امتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة و ان ركبوا الخيل فإنهم يريدون المدينة، فو الذي نفسي بيده لئن أرادوها لأناجزنهم. قال علي (عليه السلام): فخرجت في أثرهم فامتطوا الإبل و جنبوا الخيل يريدون مكة» و كانت حصيلة هذه الحرب انه قتل من قريش جمع غفير، و قيل اثنان و عشرون رجلا و أثخن الجراح فيهم، و دفن المشركون موتاهم.

و اما المسلمون فقد استشهد منهم سبعون رجلا أو نيف و سبعون و قد أصابهم الجراحات لا سيما الذين كانوا يحوطون حول رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فقد وجد في علي (عليه السلام) ستون جراحة و في أبى دجانة نيف و سبعون. و التمس المسلمون قتلاهم فرأوا أن المشركين قد مثّلوا بهم و كان التمثيل بحمزة (عليه السلام) شر تمثيل «و وقعت هند و صواحباتها على القتلى يمثلن بهم و اتخذت هند من آذان الرجال و آنافهم خدما (الخلخال) و قلائد». و أقبلت صفية بنت عبد المطلب فقال: رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لابنها الزبير ليردها لئلا ترى ما بأخيها حمزة، فلقيها الزبير فأعلمها بأمر النبي (ص) فقالت: انه بلغني انه مثل بأخي و ذلك في اللّه قليل فما ارضانا بما كان من ذلك لاحتسبن و لأصبرن فاعلم الزبير النبي (صلى اللّه عليه و آله) بذلك فقال: خل سبيلها فأتته وصلت عليه‏ و استرجعت» و امر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) به فدفن و نزل في قبره علي و أبو بكر و عمر و الزبير و جلس رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) على حفرته. و حمل بعض الناس قتلاهم إلى المدينة فأمر رسول اللّه (ص) بدفنهم حيث صرعوا و أمر أن يدفن الاثنان و الثلاثة في القبر الواحد، و أن يقدم إلى القبلة أكثرهم قرآنا و صلى عليهم، فكان كلما أتي بشهيد جعل حمزة معه و صلى عليهما، و كان يجمع تسعة من الشهداء و حمزة عاشرهم فيصلي عليهم. و أمر أن يدفن عمرو بن الجموح و عبد اللّه بن حرام في قبر واحد و قال: «و كانا متصافين في الدنيا» و ربما كانوا يلفون بثوب واحد لقلة الثياب، و لم يغسّلوا، و قيل: انه لم يصل على شهداء أحد، كما في صحيح البخاري و لكنه مردود.

و خرجت نساء من المدينة لمساعدة الجرحى و كانت فاطمة (عليها السلام) هي التي داوت جرح النبي (صلى اللّه عليه و آله)، و في صحيح البخاري: «كانت ابنته تغسله و على يسكب الماء بالمجن (الترس) فلما رأت فاطمة ان الماء لا يزيد الدم الا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فالصقتها فاستمسك الدم».

و في الكافي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «انه أصاب عليا (عليه السلام) يوم احد ستون جراحة و ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) أمر أم سليم و أم عطية ان تداوياه فقالتا: انا لا نعالج منه مكانا إلا انفتق مكان و قد خفنا عليه و دخل رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و المسلمون يعودونه و هو قرحة واحدة و جعل يمسحه بيده، و يقول: ان رجلا لقى هذا في اللّه فقد ابلى و اعذر فكان القرح الذي يمسحه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يلتئم- الحديث-».

و لما أراد النبي (صلى اللّه عليه و آله) الرجوع إلى المدينة ركب‏ فرسه و امر المسلمين ان يصطفوا فاصطفوا خلفه و عامتهم جرحى و اصطف خلفهم النساء و هن اربع عشرة امرأة كن بأصل أحد فقال اصطفوا حتى اثني على ربي فاصطف الناس صفين خلفهم النساء ثم دعا فقال: «اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت و لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت و لا هادي لمن أضللت و لا مضل لمن هديت و لا مقرب لما باعدت و لا مباعد لما قربت اللهم اني اسألك بركتك و رحمتك و فضلك و عافيتك اللهم اني اسألك النعيم المقيم الذي لا يحول و لا يزول اللهم اني اسألك الأمن يوم الخوف و الغناء يوم الفاقة عائذا بك اللهم من شر ما أعطيتنا و شر ما منعت منا اللهم توفنا مسلمين اللهم حبب إلينا الايمان و زيّنه في قلوبنا و كرّه إلينا الكفر و الفسوق و العصيان و اجعلنا من الراشدين اللهم عذب كفرة اهل الكتاب الذين يكذبون رسولك و يصدون عن سبيلك اللهم انزل عليهم رجسك و عذابك اله الحق أمين» و اقبل (صلى اللّه عليه و آله) حتى نزل ببني حارثة يمينا و اطلع على بني عبد الأشهل و هم يبكون على قتلاهم فقال (صلى اللّه عليه و آله): «اما عمي حمزة فلا بواكي له» و كان رجوعه إلى المدينة يوم السبت من يوم الواقعة. و خرجت النساء ينظرن إلى سلامة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فنظرت اليه أم عامر الاشهلية فإذا عليه الدرع كما هي فقالت «كل مصيبة بعدك جلل يا رسول اللّه» و قالت أم سعد بن معاذ: «اما إذ رأيتك سالما فقد اشفت المصيبة» فعزاها رسول اللّه بابنها عمرو بن معاذ و قال: يا أم سعد ابشري و بشري أهليهم ان قتلاهم قد ترافقو في الجنة و قد شفعوا في أهليهم».

شهداء أحد:

ذكرنا ان شهداء أحد من المسلمين سبعون رجلا و قيل نيف و سبعون ثلاثة منهم من المهاجرين و الباقون من الأنصار اما المهاجرون فهم:

1- حمزة بن عبد المطلب بن هاشم عم النبي (صلى اللّه عليه و آله) و كان الذي اصابه وحشي بحربته.

2- عبد اللّه بن جحش و كان خاله حمزة و قتله أبو الحكم بن الأخنس ابن شريق. 3- مصعب بن عمير الذي قاتل دون رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و معه لواؤه حتى قتل، و كان الذي اصابه ابن قميئة الليثي و هو يظن انه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فرجع إلى قريش فقال: قتلت محمدا. و قد ورد انه بعد ان انصرف رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) راجعا إلى المدينة فلقيته حمنة بنت جحش، فنعي لها أخوها عبد اللّه ابن جحش فاسترجعت و استغفرت له، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت و استغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب ابن عمير فصاحت و ولولت فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) «ان زوج المرأة منها لبمكان». ٤- شماس بن عثمان قتله أبي بن خلف.

و اما الأنصار فهم: 1- عمرو بن معاذ بن النعمان قتله ضرار بن الخطاب. 2- الحارث بن انس بن رافع. 3- عمارة بن زياد بن السكن ٤- سلمة بن ثابت بن وقش قتله أبو سفيان بن حرب. 5- عمرو ابن ثابت بن وقش قتله ضرار بن الخطاب. 6- ثابت بن وقش. 7- رفاعة بن وقش قتله خالد بن الوليد. 8- حسيل بن جابر أبو حذيفة اليمان قتله المسلمون خطاء. 9- صيفي بن قيظي قتله ضرار بن الخطاب 10- الحباب بن قيظي. 11- عباد بن سهل، قتله صفوان بن أمية 12- الحارث بن أوس قتله ضرار بن الخطاب. 13- إياس بن أوس 1٤- عبيد بن التيهان قتله عكرمة بن أبى جهل. 15- حبيب بن قيم 16- يزيد بن حاطب بن امية، و هؤلاء كلهم من بني عبد الأشهل.

و اما من بني عمرو بن عوف. 1- أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد و هو أبو البنات الذي قال لرسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أقاتل ثم ارجع إلى بناتي فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) صدق اللّه عز و جل. 18- حنظلة بن عامر و هو غسيل الملائكة بماء مزن، قتله الأسود بن شعوب. 19- أنيس بن قتادة قتله أبو الحكم ابن الأخنس. 20- عبد اللّه بن جبير بن النعمان أمير الرماة كما جعله النبي (صلى اللّه عليه و آله) قتله عكرمة بن أبى جهل. 21- أبو حبة عمرو بن ثابت.

و من قبائل اخرى: 22- خيثمة أبو سعد قتله هبيرة بن أبى وهب. 23- عبد اللّه بن سلمة قتله ابن الزبعري. 2٤- سبيع بن حاطب قتله ضرار بن الخطاب. 25- خارجة بن زيد قتله صفوان بن امية. 26- سعد بن ربيع و هما دفنا في قبر واحد. 27- أوس بن أرقم. 28- مالك بن سنان و هو أبو أبى سعيد الخدري قتله غراب بن سفيان 29- سعد بن سويد. 30- عتبة بن ربيع بن رافع. 31- ثعلبة ابن سعد بن مالك. 32- حارثة بن عمرو. 33- سقف بن فروة 3٤- عبد اللّه بن ثعلبة. 35- قيس بن ثعلبة. 36- طريف. 37- ضمرة. 38- نوفل بن عبد اللّه قتله سفيان بن عويف. 39- عباس بن عبادة قتله سفيان بن عبد شمس. 40- النعمان بن مالك قتله صفوان بن امية. 41- عبدة بن الحساس. 42- المجدر ابن زياد قتله الحارث بن سويد غيلة و قد دفن هؤلاء الثلاثة في قبر واحد. 43- عنترة مولى بني سلمة قتله نوفل بن معاوية. 4٤- رفاعة بن عمرو. 45- عبد اللّه بن عمرو من بني حزام قتله سفيان ابن عبد شمس. 46- عمرو بن الجموح و دفنا في قبر واحد. 47- خلاد بن عمرو بن الجموح قتله الأسود بن جعونة. 48- المعلى بن لوذان قتله عكرمة بن أبى جهل. 49- ذكوان بن عبد قيس قتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق. 50- عمرو بن قيس قتله نوفل بن معاوية الديلي. 51- قيس بن عمرو. 52- سليط بن عمرو 53- عامر بن مخلد. 5٤- أبو أسيرة بن الحارث قتله خالد بن الوليد 55- عمرو بن مطرف. 56- أوس بن حرام. 57- انس بن النضر عم انس بن مالك خادم رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قتله سفيان بن عويف. 58- قيس بن مخلد، 59- كيسان بن مولى مازن بني النجار. 60- سليم بن الحارث. 61- نعمان بن عمرو 62- سهل بن قيس. 63- حارث بن عدي بن خرشة. 6٤- أبو ايمن مولى عمر بن الجموح. 65- مالك بن إياس. 66- إياس ابن عدي.

و مجموع هؤلاء سبعون رجلا على ما هو المشهور بين المؤرخين و قد ضبط بعضهم اكثر من ذلك و اقل- كالواقدي في المغازي و غيره كما مر، و سجل التاريخ أيضا اسماء قتلة المشركين.

و كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بزور الشهداء و يقول‏  «السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» و مر (صلى اللّه عليه و آله) على قبر مصعب بن عمير فوقف عليه و دعا، و قرأ: «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا» الأحزاب- 33- و كانت فاطمة بنت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) تأتيهم بين اليومين و الثلاثة فتبكي عندهم و تدعو و كانت أم سلمة زوج النبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم) تذهب فتسلّم عليهم في كل شهر فتظل يومها فجاءت يوما و معها غلامها نبهان فلم يسلم، فقالت: اي لكع ألا تسلم عليهم؟! و اللّه لا يسلم عليهم احد الا ردوا إلى يوم القيامة. و عن فاطمة الخزاعية تقول: «غابت الشمس بقبور الشهداء و معي اخت لي، فقلت لها تعالي نسلّم على قبر حمزة و ننصرف. قالت: نعم، فوقفنا على قبره فقلنا: السلام عليك يا عم رسول اللّه فسمعنا كلاما رد علينا، و عليكما السلام و رحمة اللّه و بركاته، قالتا: و ما قربنا احد من الناس».

المجروحين:

امر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أبا عمرو ان يداوي كل مجروح في داره فباتوا يوقدون النيران و يداوون الجراح و ان فيهم لثلاثين جريحا أو اكثر و قال: لا يبلغ معي بيتي عزيمة مني فنادى فيهم سعد عزيمة رسول اللّه إلا ان سعد بن معاذ مضى معه (صلى اللّه عليه و آله) إلى بيته، ثم رجع إلى نسائه فساقهن، و لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فبكين بين المغرب و العشاء و قام رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) حتى فرغ من النوم لثلث الليل فسمع البكاء فقال ما هذا؟! فقيل: نساء الأنصار يبكين على حمزة، فقال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) رضي اللّه عنكن و عن أولادكن، و أمرنا ان نرد إلى منازلنا فرجعنا إلى بيوتنا بعد ليل معنا رجالنا، فما بكت منا امرأة قط الا بدأت بحمزة إلى يومنا هذا- أي قبل واقعة الطف. فسلام عليك يا خير الشهداء و يا عم رسول اللّه و يا اسد اللّه و أسد رسوله، جزاك اللّه عن الإسلام و أهله خيرا.

نتائج الحرب:

وقعت الحرب بين المسلمين و المشركين في (أحد) و قد اقتسما النصر و الهزيمة بينهما بادئ الأمر، و لم يكن النصر حاسما للمشركين، كما زعمه بعض المؤرخين، بل إذا تعمقنا في سير القتال و نتائج هذه الغزوة نرى أن النصر كان أقرب إلى المسلمين منه إلى المشركين، فإنهم مع تفوقهم الكبير على المسلمين في العدد و العدة و احاطتهم بهم من كافة الجوانب بعد قتل رماة المسلمين في فم الشعب، لم يتمكنوا من هزيمتهم و القضاء عليهم قضاء تاما، كما كان هو هدف المشركين من هذه الغزوة، و قد نجح المسلمون بقيادة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و حكمته و براعته من تطويق المشركين و إخراجهم من موقع الحرب باصابات قليلة، قدرها بعض المؤرخين عشرة بالمائة بالنسبة إلى قوات المشركين المتفوقة و قد تمكن الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) من تخليص قواته من الموت المحتم، و هذا هو النصر الكبير.

ثم إنه يمكن استخلاص نتائج كبيرة من هذه الغزوة نذكر المهم في المقام و تأتي البقية في مستقبل الكلام.

منها: ظهور عظمة الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) في هذه الحرب كقائد عظيم و زعيم كبير في قيادة الجيش بحكمة و مهارة في احرج المواقف، و ظهرت عبقريته (صلى اللّه عليه و آله) في جعل النصر للمسلمين المغلوبين آخر الآمر، و قد انهارت معنويات الكثيرين منهم إلا جماعة خاصة مؤمنة خلصت في إيمانها و استقامت على الحق و الدفاع عنه.

و منها: معرفة المنافقين المندسين في صفوف المسلمين مما اتاح لهم الفرصة في التخلص منهم على حكمة و بصيرة.

و منها: حصول المسلمين على المعلومات الكثيرة عن نوايا المشركين و قوتها و سائر الأمور التي تخصهم مما جعلت المسلمين على حيطة منهم.

و منها: إن هذه الحرب نبّهت المسلمين أن التعدي عن أوامر القائد يؤدي إلى نتائج وخيمة يصعب تحملها، فقد كانت مخالفة رماة المسلمين لتعليمات الرسول الكريم (ص) الدرس الكبير لهم لكي لا يعودوا إلى مثلها.

و منها: معرفتهم أن الاستقامة على الحق و الصبر في ميدان القتال و الثبات في الشدائد و الأهوال كل ذلك يؤدي الى النصر الحاسم و الحاق الهزيمة بالأعداء.

و منها: أن الأخلاق الرذيلة التي توجه النفس إلى الأمور المادية و الانشغال بأمور تافهة توجب أعراض النفس عن الجانب المعنوي في الجهاد مع الأعداء، و تؤثر في وهن العزائم، فقد كان العجب الذي لحق ببعض المسلمين نتيجة نصرهم الساحق على المشركين في يوم بدر، الأثر الكبير في الحاق النكسة بهم.

هذا مضافا إلى أنهم استفادوا من وقعة أحد أن التعليمات الإلهية و الفيوضات الربانية لها التأثير التام في الثبات في ميدان القتال و النصر الأكيد، و هو مما يؤكد عليه القرآن الكريم في الآيات المتقدمة، و ما سيأتي في الآيات اللاحقة.

و بالجملة أن في غزوة أحد من الدروس العظيمة التي لا بد للمسلمين الاستفادة منها، و الاعتبار بها، و ستبقى احد رمزا للتفاني و الجهاد المقدس مدى الدهر.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"