1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 118 الى 120

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)


بعد ما ذكر عز و جل صفات خاصة من الكافرين و هي المؤمنين منهم و ذكر بعض صفات الجاحدين منهم أيضا و بيّن انهم لا يقدرون على تحقيق مقاصدهم في الصد عن سبيل اللّه تعالى مهما بذلوا من جهد و أنفقوا من الأموال.
يبين سبحانه و تعالى في هذه الآيات ما تنطوي عليه ضمائرهم و ما تخفيه صدورهم بالنسبة إلى الحق الواقع و المؤمنين.
و بين سبحانه و تعالى ان الكافرين لا يحبونهم و يحقدون عليهم و يفرحون بما يصيبهم من المكروه و يضمرون، كل عداوة لهم و الحسد منهم. و قد حذرهم سبحانه المؤمنين من كيد الكافرين و سبل اضلالهم‏ و أمرهم بالاجتناب عنهم و التصدي لهم.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ.
دستور إلهي يبين منهج المجتمع الاسلامي في احتكاكه مع المجتمعات الأخرى. و تتضمن الآية المباركة أهم الاحكام الاجتماعية التي أراد اللّه تعالى بها الاحتفاظ على وحدة المجتمع الاسلامي و صونه عن التفرق و الفساد، و ذلك لان اسرار المجتمع الواحد لا بد ان تكون محفوظة لدى افراده، و أن لا يطلع عليه غيرهم، بل في اطلاع العدو عليها هلاكهم و تفرقهم لا سيما إذا كان متصفا برذائل الأخلاق، كما ذكره عز و جل في هذه الآيات المباركة.
و مادة (بطن) تدل على الخفاء مقابل الظاهر، و قد استعملت في القرآن الكريم بهيئات مختلفة، قال تعالى: «ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ»* الانعام- ۱٥۱، و قال تعالى: «وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ» الانعام- 120 و من أسمائه الحسنى «الباطن» قال تعالى: «هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ» الحديد- 3 اي هو المحتجب عن أبصار الخلائق و أوهامهم فلا يدركه بصر و لا يحيط به وهم، أو هو العالم بما بطن.
و بطانة الثوب خلاف ما ظهر من الثوب، قال تعالى: «بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ» الرحمن- ٥٥.
و المراد بالبطانة في المقام هو وليجة الرجل و خاصته الذي يكاشفه باسراره و يستبطن امره و يشاوره في أحواله و هو مصدر يسمى به الواحد و الجمع، و في الحديث: «ما بعث اللّه من نبي و لا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان». و المراد من «دونكم» اي غيركم و التعبير به لبيان ان غيركم أدون منكم فلا ينبغي ان تتخذوهم بطانة تلقون إليهم اسراركم، و قد وصفهم اللّه تعالى بأوصاف متعددة تدل على غاية بعدهم عن المؤمنين و نفرتهم عنهم.
قوله تعالى: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا.
بيان للنهي عن اتخاذ الأعداء و المنافقين بطانة فإنهم يضمرون الشر و الفساد، فهذه الجملة في حين كونها تعليلية تكون مبينة لحقيقتهم و هي الصفة الاولى من صفاتهم بل الأصل لجملة كثيرة من الصفات الآتية.
و يألونكم من الإلو، و هو التقصير و الإبطاء و الضعف، و الفعل ألا كغزا، يألو، ألوا، و هو لازم يتعدى إلى المفعول بالحرف و إلى المفعولين و يتضمن معنى المنع يقال: لا آلوك نصحا اي لا أمنعك و قد يجعل بمعنى الترك فيتعدى إلى مفعول واحد يقال: ما ألوت الشي‏ء اي ما تركته.
و كيف كان ففي المقام إذا جعلناه بمعنى التقصير فلا يتعدى إلى مفعول فضلا عن المفعولين، فلا بد من جعله بمعنى لا ينقصوكم كما في قوله تعالى: «ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً» التوبة- ٤.
و مادة (خبل) تدل على الفساد سواء كان في الرأي أو غيره يقال: «خبل الحب قلبه» اي أفسده، و منه الحديث: «و بطانة لا تألوه خبالا» اي: لا تقصر في إفساد امره و شأنه. و في الحديث ايضا «بين يدي الساعة الخبل» اى الفتن المفسدة. و الخبل قد يصيب الحيوان فيؤدي إلى الاضطراب في شعوره و حركاته. و خبالا مفعول ثان‏ و الجملة صفة توضيحية تبين قبح اتخاذهم بطانة.
و المعنى: انهم لا يقصرون لكم فسادا و لا ينقصوكم شرا فيجهدون في الإضرار بكم، و هذه حقيقة واقعية تترتب على اتخاذ الأعداء و المنافقين أعوانا و بطانة يعتمد عليهم و يلقى إليهم الأسرار مع انهم لا يضمرون المؤمنين الا العداء و الخديعة و الإضلال.
قوله تعالى: وَدُّوا ما عَنِتُّمْ.
الصفة الثانية من صفاتهم و هي حب الإضرار بالمؤمنين و إيقاعهم في الهلاك و المشقة.
و العنت: المشقة و شدة الضرر، و في الحديث: «أيما طبيب تطبب و لم يعرف بالطب فأعنت فهو ضامن» اي أضر المريض و أفسده، و ما مصدرية.
يعني أحبوا مشقتكم و تمنوا عليكم الوقوع في الضرر و الهلاك.
قوله تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ.
صفة ثالثة و هي ظهور علامات العداء و الشنآن على أقوالهم و لحن كلامهم و فلتات ألسنتهم لان البغض قد استولى على قلوبهم فلا يقدرون على حفظ ألسنتهم و لا يمكنهم ان يملكوا أنفسهم عند الملاقاة و عز عليهم إخفاء ما في ضمائرهم من العداوة و البغضاء فكأنهم يتفوهون بما في ضمائرهم بلا اختيار منهم.
و البغضاء شدة البغض. و الأفواه جمع فم و أصله فوه و لامه هاء و الجمع يرد الشي‏ء إلى أصله اي من أقوالهم و فلتات ألسنتهم.
قوله تعالى: وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ.
صفة رابعة و هي تدل على تمكن البغضاء في قلوبهم و ان ما في قلوبهم اكبر مما يعلمه احد إلا ان يظهره اللّه تعالى و يبينه لكم.
و انما أبهم عز و جل ما في الصدور لبيان انه لا يوصف لعظمته و تنوعه، و ليذهب ذهن المخاطب كل مذهب، و ان كل ما صدر منهم كان قليلا مقابل ما في قلوبهم. و بعد ما بين اللّه عز و جل حقيقتهم و عرّف حالهم و طبايعهم لا يبقى للمؤمنين مجال و عذر أن يتخذوهم بطانة من دون المؤمنين.
قوله تعالى: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ.
اي قد أظهرنا لكم العلامات الفارقة بين الحق و الباطل و بها يتميز الولي عن العدو. و قد عرف من يتخذ بطانة و من هو خائن لا يصلح ان يكون كذلك إن كنتم تعقلون البيان و تلك الآيات و تفهموها و تجعلونها محط انظاركم و مورد عملكم فلا يبقى بعد ذلك عذر.
قوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ.
تأكيد على ترك اتخاذهم بطانة، و تنبيه للمؤمنين على خطاء من يتخذهم كذلك و قد ذكر عز و جل ذلك بأسلوب بديع و عبارة فصيحة و خطاب بليغ يثير المخاطب عند سماعه و يستفزه على أمر مهم قد خفي عليه.
و «ها» للتنبيه و «أنتم» مبتدأ و «أولاء» اسم إشارة و هو منادى يفيد فائدة الاختصاص، و جملة «تحبونهم» خبر، و انما يؤتى مثل هذا الخطاب في مقام التحريض على التباعد و التنبيه على امر خفي و هو بيان حقيقة المنافقين الذي هو من أعظم مقاصد القرآن‏ الكريم، و للنحويين مذاهب اخرى في إعراب مثل هذا التركيب من شاء فليراجع كتبهم، و «لا يحبونكم» إما عطف أو حال.
و كيف كان فقد وصف اللّه تعالى المؤمنين بأنهم يحبون الناس بل يحبون أشدهم عداوة اللذين لا يقصرون في إفسادهم و تمني عنتهم كما ذكره عز و جل آنفا مع انهم لا يحبونهم، و انما أحبوهم لان الإسلام دين المحبة و الرحمة و مع ذلك كيف تتخذونهم بطانة و هم لا يملكون أية رحمة في قلوبهم و ليس عندهم ما يدعو إلى حبكم لهم.
قوله تعالى: وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ.
المراد بالكتاب جنسه اي جميع الكتب التي أنزلها اللّه تعالى على أنبيائه و رسله كتابكم و كتبهم و هم لا يؤمنون بكتابكم.
و انما أكده عز و جل بقوله «كله» لبيان انهم يؤمنون بجميع جزئيات الكتاب و اجزائه حتى في ما يكون مشقة عليهم بخلاف المنافقين و الكافرين الذين لا يؤمنون بالكتاب و لو أمنوا ببعض كتبهم فإنما يؤمنون بما ينفعهم، فإذا كنتم تحبونهم و لا يحبونكم، و تؤمنون بكتبهم و لا يؤمنون بكتابكم، فأنتم أحق بان تبغضوهم و قد نهيتم في مواطن كثيرة عن الركون إليهم و الاعتماد عليهم، و قد وصفهم اللّه تعالى بأوصاف كالظلم قال تعالى: «وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ» هود- 113، و الاعتداء قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»* البقرة- 190، و الخيانة قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ» الأنفال- 58، و الفساد قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» القصص- 77 و الكفر قال تعالى: مخاطبا لنبيه «اتَّقِ اللَّهَ وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ» الأحزاب- 1 فلا يبقى بعد ذلك عذر في اتخاذكم إياهم بطانة و ليس من شأنكم و لا يحسن منكم ان تحبوا من لا يحبه اللّه تعالى، فإذا كنتم مؤمنين بالكتاب فهو ينهاكم عن الركون إليهم و يرشدكم إلى ترك محبتهم في كل عصر و زمان إلى يوم القيامة.
قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ.
بيان لشدة نفاقهم، و انما حكم على الجميع باعتبار صدور ذلك عن بعضهم لان الجميع مسؤول عما يصدر عن بعض بحكم قانون التكافل الاجتماعي.
و العض هو الأخذ بالأسنان مع ضغط و هو إما ان يكون عن الندم أو عن شدة الغيظ بحيث لا يتمالك المغتاظ عن ان يعض أنامله و يؤلمها قال أبو طالب: يعضون غيضا خلفنا بالأنامل و الأنامل جمع أنملة و هي طرف الإصبع.
و المعنى: إذا لقوكم قالوا نفاقا آمنّا بما امنتم به و نحن معكم و إذا اختلى بعضهم مع بعض أظهروا ما في أنفسهم و عضوا لاجلكم أطراف أصابعهم حنقا و غيضا و انما كانوا يعضون الأنامل لأنهم لا يستطيعون التشفّي من المؤمنين إلا بهذا الطريق.
قوله تعالى: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ.
دعاء عليهم و إن كان في صورة الأمر. اي: أمتهم بغيضهم.
و المعنى: قل لهم يا محمد افعلوا ما شئتم فان اللّه تعالى يعلي كلمة الحق‏ و ان الإسلام الذي هو سبب غيضكم لا يزداد الا علوا و جلالا و عزة و ان اللّه تعالى خاذلكم فستموتون من شدة الغيظ.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ.
اي ان اللّه تعالى لا يخفى عليه سرائركم و ما في صدوركم من البغي و الحسد و الحقد و ان جاهدتم في كتمانها.
و ذات الصدور كناية عن السريرة أو الحالة أو العلة المتعلقة بالصدور من نفاق أو ايمان و نحو ذلك فان الصدور وعاء للقلب الذي هو مرجع جميع الأمور، و لذا قال تعالى في آية اخرى: «وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ» آل عمران- ۱٥٤.
قوله تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها.
المسّ هو اللمس و المراد به هنا الإصابة و انما عبر بالمس كناية عن قلة النفع. و المساءة خلاف السرور، و الحسنة الخير و النعمة، و السيئة الفادحة و المحنة.
و اختلاف التعبير في الحسنة و السيئة لبيان ان الكافرين يسؤهم ما يصيب المسلمين من الخير و إن قلّ، و يفرحون باصابتهم السيئة دون مجرد المس، و هذا يكشف عن شدة الغيظ و استيلاء البغض على قلوبهم و حسدهم الشديد للدين و المؤمنين.
قوله تعالى: وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا.
اي: إن تصبروا على طاعة اللّه و نصرة دينه و جهاد الأعداء و عداوتهم و البعد عن الأهل و الأوطان. و تتقوا اللّه في جميع الأفعال‏ و الأعمال و تنفيذ احكام اللّه تعالى.
قوله تعالى: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً.
وعد منه عز و جل بالحماية و النصرة. و الكيد هو المكر و الخديعة.
و يضركم (بضم الراء و تشديدها) من الضرر، و قرئ بكسر الضاد و سكون الراء المخففة من ضاره يضره بمعنى المضرة. و شيئا منصوب على المصدر.
و المعنى: لا يضركم مكرهم و أذاهم شيئا من الضرر لا قليلا و لا كثيرا. و هذا من مكارم الأخلاق الاسلامية حيث لم يأمرهم عز و جل بمقابلة مكرهم و كيدهم بمثلهما، بل أمرهم بالصبر و التقوى و عدم التعدي، و الخير و الإحسان فإنهم في حماية اللّه عز و جل و كنفه.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ.
وعد منه للمؤمنين بالحسنى و وعيد للكافرين بسوء العقبى فان اللّه تعالى يعلم كيد الكافرين و صبر المؤمنين و تقواهم و هو محيط بجميع الأفعال و الأعمال و الأشخاص إحاطة علم و قدرة، فيجازي كلا حسب فعله ثوابا و عقابا و في الآية المباركة التأكيد على نجاة المؤمنين و خلاصهم من كيد الكافرين و منعهم عن المؤمنين.

يستفاد من الآيات الشريفة امور:
الاول‏
ظاهر قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ» حرمة اتخاذ البطانة بالقيود المذكورة و هي: انهم لا يألونكم خبالا، و تمنى العنت لكم، و ظهور البغضاء من أفواههم و يمكن ان تحمل هذه القيود على الغالب، فإذا لم يكن في العدو تلك الصفات و القيود و لكن علم منه العداوة بالقرائن فهو أيضا داخل في الآية المباركة، بل هو منافق بصريح ذيل الآية الشريفة.
الثاني:
الآية الشريفة ترشد إلى أهم الاحكام الاجتماعية و هو الاهتمام بالصاحب الذي يريد أن يصحبه الإنسان في حياته و القرين الذي يعتمد عليه في جميع أموره، و قد اهتم الإسلام به أشد اهتماما فان له التأثير الكبير على الفرد سلوكا و أخلاقا و دينا، فأمر سبحانه و تعالى المؤمنين ان يكون القرين الذي يتخذ مؤمنا و متصفا بأوصاف حسنة و متحليا بمكارم الأخلاق ففي الحديث عن نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله): «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل». و في المثل: عن المرء لا تسل و سل عن قرينه فان القرين بالمقارن يقتدي‏

الثالث:
قد ذكر سبحانه و تعالى في الآيات المباركة أمورا قد اتصف بها الكافرون و كل واحد منها يبين جانبا من جوانب شخصيتهم النفسية و الاجتماعية و حقدهم و حسدهم على الحق و اهله و انما أكد عز و جل ذلك بسرد تلك الأوصاف اهتماما بالموضوع و تذكيرا للمؤمنين بترك اتخاذ مثل هؤلاء الموصوفين و عدم صلاحيتهم للخلة و البطانة و المواصلة ثم ارشدهم إلى امر فطري و ارجعهم إلى أنفسهم عند ما حكى عز و جل انهم لا يحبونكم فكيف يصلحون للمواصلة المبنية على الود و المحبة.
الرابع:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا» أن الأمن من كيد الكافرين مشروط بالصبر على أذاهم و كيدهم بتقوى اللّه و ترك كل معصية منها الرد بالمثل، و يمكن ان يحمل التقوى على‏ خصوص ترك موادتهم و اتخاذهم بطانة. و كيف كان فان ذلك وعد منه عز و جل لهم بالحسنى و الظفر و حسن العاقبة و الأمن من مكائدهم و ما يضمرون من شرار الصفات.
الخامس:
يستفاد من لفظ «البطانة» جميع ما ورد في الصاحب و القرين و غيرهما مما يستعمل في هذا المضمون فان البطانة مشتمل عليها مع زيادة و هذا هو دأب القرآن الكريم في استعمال ألفاظ خاصة يبين الموضوع بتمام جهاته بأسلوب رصين و ألفاظ بديعة، و هذا اللفظ يشمل مثل تعليم اسرار القرآن و معارفه فان افشاءهما لغير الأهل داخل في الآية الشريفة.

في الدر المنثور عن ابن عباس في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ» قال: نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين و يواصلون رجالا من اليهود، كما كان بينهم من القرابة و الصداقة و الحلف و الجوار و الرضاع، فانزل اللّه تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم».
أقول: على فرض اعتبار الحديث انه يبين بعض المصاديق.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"