1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 102الى 108

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (۱۰٤) وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (۱۰٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (۱۰٦) وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (107) تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (108)


هذه الآيات من جلائل الآيات الكريمة التي وردت في تكميل النفوس الانسانية و تنظيم نظام الدنيا و الآخرة بالنحو الأحسن الأكمل الذي‏ يعترف به جميع العقول و تقبله الفطرة المستقيمة و هي مرتبطة بالآيات السابقة فانه تعالى بعد ما حذر المؤمنين من مكائد الكافرين و فتن أهل الكتاب و اضلالهم أمرهم بالاعتصام بحبل اللّه جلت عظمته ليهديهم إلى الصراط المستقيم و يوفقهم للدين القويم و يحفظهم من المهالك.
و يبين سبحانه في هذه الآيات المباركة الصلة به تعالى تلك التي يحبها كل قلب مؤمن و هي التقوى لأنها من سبل الاعتصام باللّه بل من أهمها فكل ما اقترب العبد من اللّه بتقواه اشتقاق إلى مقام ارفع مما بلغ إليها.
و قد دعا سبحانه و تعالى في هذه الآيات الشريفة أيضا إلى الاعتصام بحبل اللّه، من الدعوة إلى الخير، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فهي كلها من سبل الاعتصام به.
ثم أمرهم بالاجتماع و عدم التفرق و نهاهم عن الاختلاف و وعدهم الحسنى و الخير إن هم قاموا بالوظيفة التي أمرهم بها.
فهذه الآيات المباركة تعتبر تتمة الآيات السابقة فان السياق في الطائفتين واحد.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ.
تقدم ما يتعلق بهذا الخطاب في أول سورة البقرة و غيره من الآيات الشريفة، و في تكراره لا يخفى من اللطف بالمؤمنين و التشريف لهم لا سيما بعد خطاب «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» الآية- 100.
و التقوى كما تقدم مكررا هي الطاعة للّه تعالى و الاحتراز عن الوقوع في ما يوجب سخطه و عذابه و يلزم ذلك الشكر لنعمه، و انما أمرهم بالتقوى لأنها جوهرة الكمالات الانسانية و مفتاح السعادة و أساس مكارم الأخلاق و بها يفوز العبد بالقرب إلى اللّه تعالى و البعد عن النار و هي تحفظ ايمان المؤمن و تزيده قوة و ثباتا.
هذا و لكن التقوى على نحوين تقوى ظاهرية خالية عن الخلوص و الإخلاص و باطنية حقيقة مشتملة عليهما و هي التي لا يشوبها باطل و لا فساد و هي ذكر المنعم بلا نسيان و طاعته بلا عصيان و بالجملة فهي العبودية المحضة التي لا كمال بعدها و هذا النحو من التقوى هو حق في نفسه و حق للّه تعالى و هي التي تليق بساحته تبارك و تعالى دون غيرها.
و قد ورد مثل هذا التعبير في ستة مواضع من القرآن الكريم قال تعالى: «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ» البقرة- ۱۱٥و قال تعالى: «جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» الحج- 77 و قال تعالى: «فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها» الحديد- 27 و قال تعالى: «ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»* الانعام- 91 و مثله في سورة الحج- 73 و سورة الزمر- ٦۷و المستفاد من هذا التعبير هو الأمر بالحقيقة الخالصة من شوائب الأوهام، و تدل تلك الجملات على كمال الأهمية بالمورد حتى انه تعالى نفى الحقية عن غيره كما هو المستفاد من النفي و الإثبات و عرفان الحق لا يحتاج إلى البيان. فانه نفس واقع الشي‏ء على ما هو عليه في ذاته.
و يحتمل ان يكون المراد في قوله تعالى: «حَقَّ تُقاتِهِ» آخر مراتب التقوى و أعلا درجاتها التي من صفات الأنبياء و الأولياء و هي حقيقة التقوى التي أوحاها عز و جل إلى أنبيائه و بشرت بها رسله و غيرها خارج عن تلك الحقيقة و ليست شيئا زائدا عليها. نعم الاشتداد و التضعف‏ الجاريان في كل مقولة يجريان في هذه الحقيقة أيضا و لكن الآية المباركة ليست ناظرة إلى هذه الجهة، كما انها ليست منسوخة و لا ناسخة، فيكون تعميم الخطاب في صدر الآية لجميع المؤمنين تشريفا لهم شيئا و طلب حق التقوى شيئا آخر و طلب الموت على الإسلام في ذيل الآية الشريفة شيئا ثالثا، فيصير صدر الآية و ذيلها شاهدين على ان ليس المراد بالتقوى هنا خصوص تقوى الأنبياء و الأولياء فقط بل هي عامة تشمل الآية جميع المراتب كل على حسب ما يقدر عليه.
و يحتمل التنزيل على مراتب القدرة و الاستطاعة بل هي ظاهر الآية الشريفة، فالصحيح يصلي قائما مثلا و المريض جالسا و هكذا كل على قدر استطاعته و على هذا فيكون قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» التغابن- 17 شارحا لهذه الآية الشريفة.
و محصل معنى الآيتين ان مراتب التقوى، كمراتب اصل التكليف كما ان الأخير لا يتعلق إلا بالمستطاع و ينحل الى مراتب كثيرة و كذلك التقوى فكل مؤمن لا بد ان يحظى بالتقوى على قدر استطاعته و طاعته.
كما انه يحتمل ان يكون المراد من قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» التغابن- 17 الترغيب إلى إتيان المندوبات و التنزه عن إتيان المكروهات لان الأولى من شؤون الواجبات و الثانية من شؤون المحرمات و كل ذلك من حمى اللّه تعالى كما في بعض الروايات. و عليه فلا ربط لها لهذه الآية الشريفة.
قوله تعالى: وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
تحريض على مداومة التقوى بعد الأمر بتحصيل حقيقتها و الخلوص فيها، فيكون المراد من الإسلام في الآية هو الإسلام الحقيقي الاستمراري‏ حتى الانتقال إلى النشأة الاخرى و وقوع الموت الذي هو امر غيبي في حال الإسلام و التسليم.
و على هذا لا وجه للتفصيل بكون الطلب في الآية الشريفة متعلقا بأمر تكويني أو بجامع من الأمر التكويني و اختياري، فان ظاهر الآية هو الأمر بتحصيل المداومة على التقوى حتى الموت و تقدم بعض الكلام في آية 189 من سورة البقرة.
و المراد بالإسلام هو الطاعة للّه تعالى و عدم المحادة له بالمعصية، و هذه هي التقوى التي أمرنا اللّه تعالى بها سابقا. و ذكر بعض المفسرين ان المراد بالإسلام هو الايمان القلبي، لان الأعمال حال الموت مما لا تكاد ان تتأتى. و فيه من التكلف ما لا يخفى، فما ذكرناه اظهر من الآية الشريفة و انسب إلى الأمر بالتقوى كما عرفت، و كيف كان ففي الآية المباركة التأكيد على ترك طاعة اهل الكتاب.
قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا.
الاعتصام هو التمسك و الالتجاء و تقدم اشتقاق الكلمة في الآية السابقة.
و الحبل معروف، و يستعمل في سبب منيع يوصل إلى البغية و الحاجة و في الدعاء «يا ذا الحبل الشديد» و المراد به القرآن أو الدين أو السبب كما ورد في صفة القرآن «كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض» اي نور هداه يكون كذلك، و في حديث آخر: «و هو حبل اللّه المتين». و قيل المراد عهده و امانه الذي يؤمن من العذاب و قيل المراد منه العهد و الميثاق و قيل غير ذلك و جميعها من باب التفسير بالمصداق.
و المراد به في المقام ما جعله اللّه تعالى سببا عاصما من الوقوع في‏ الضلالة و المهالك، و المعروف ان في الكلام استعارة تمثيلية بأن شبه التمسك بما جعله اللّه عاصما من الوقوع في المهالك بالتمسك بالحبل المتدلي من مكان رفيع وثيق مأمون الانقطاع الذي يمنع المتمسك به من السقوط و الهلكة.
و جميعا حال من فاعل اعتصموا أي: مجتمعين، فيكون قوله تعالى: «وَ لا تَفَرَّقُوا» تأكيدا و النهي عن التفرق باتباع السبل المختلفة فيوجب البعد عن سبيل اللّه تعالى كما قال عز و جل: «وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» الانعام- ۱٥۲.
و اختلف المفسرون في المراد بالحبل في هذه الآية الشريفة فقيل انه كتاب اللّه. و قيل انه الإسلام. و قيل انه الطاعة و الجماعة. و الحق ان يقال انه بعد ان بين عز و جل في الآية السابقة ان التمسك بآيات اللّه تعالى و بالرسول اعتصام باللّه تعالى مضمون له الهدى و مأمون من الضلال و الهلاك، فان كل واحد منهما يكمل الآخر و يفسره. و الرسول كتاب ناطق كما ان القرآن رسول صامت فيكون التمسك بالرسول (صلى اللّه عليه و آله) تمسكا بالقرآن لا سيما بعد أمر القرآن بذلك قال تعالى: «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» الحشر- 7 و قد أمرنا سبحانه و تعالى بالاعتصام بحبل اللّه في هذه الآية فتكون النتيجة ان حبل اللّه هو الكتاب و الرسول. و لكن بما ان الحكم في الآية السابقة معلق على شخص الرسول الكريم باعتباره جامعا لجميع الكمالات و ملتزما للطاعات و معصوما من المعاصي و الزلات شارحا للكتاب المبين و مفسرا لرموزه و دقائقه فمن يكون مثل الرسول من هذه الجهة يكون من مصاديق حبل اللّه، و يدل على ذلك حديث الثقلين المتواتر بين الفريقين «إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم‏ بهما لن تضلوا كتاب اللّه و عترتي اهل بيتي» فان الكتاب و الرسول و عترته كلها مشاعر هدايته عز و جل و مصاديق حبل اللّه، و ان حقيقة هذا الحبل هي الانسانية الكاملة التي هي في الحقيقة الصراط المستقيم؛ و ان الكتب السماوية و الأنبياء و المرسلين تدعوا إلى الاهتداء إليها، و هي حقيقة الجنة التي وعد اللّه عباده بها، و هي التي توجب مخالفتها النار، فلهذه الحقيقة صور كثيرة مختلفة في جميع العوالم و النشئات، فتارة: يكون موسى بن عمران و التوراة و اخرى: يكون عيسى بن مريم و الإنجيل، و ثالثة: يكون حبيب اللّه محمد بن عبد اللّه و القرآن الكريم و رابعة: يكون عترته الطاهرة لأنهم شراح القرآن و امتداد لشخص الرسول الكريم كما عرفت، و حينئذ يكون الأمر بالاعتصام بحبل اللّه امرا حقيقيا واقعيا تكوينيا و هو عبارة عن الاضافة بين العلة و المعلول أو المقتضى (بالكسر) مع المقتضى (بالفتح) أو بين الخالق و المخلوق فالخطاب من سنخ الخطابات التكوينية التي لا يختص بزمان دون زمان و لا بقوم دون آخرين. نعم أفضل مصاديقه الإنسان الكامل و الإسلام لأنهما أفضل الممكنات.
و من ذلك كله يعرف انه ليس المراد بالاعتصام القولي منه فقط أو الاعتقادي بل الاعتصام العملي و الطاعة للّه تعالى بكل ما شاء و أراد و مثل هذا الاعتصام تحكم بحسنه فطرة العقول، لان اعتصام الفقير المطلق بالغني كذلك مما يحكم بلزومه الفطرة، بل ان الممكن بذاته معتصم لمبداه لا سيما بعد ان اثبت المحققون من الفلاسفة ان مناط الحاجة هو الإمكان لا الحدوث، و لا بد و ان يظهر الإنسان هذا الاعتصام الذاتي في الاعتقاد و القول و العمل بان يطابق ما يصدر عنه لما هو المحبوب لدى المعتصم به.
و انما امر سبحانه و تعالى بالاعتصام بحبل اللّه على نحو الجمع في قوله «وَ اعْتَصِمُوا» ثم أكده بقوله تعالى: «جَمِيعاً» و ثالثة بقوله «وَ لا تَفَرَّقُوا» لان اختلاف الامة أحزابا أو اشياعا أضر شي‏ء بالنظام، و يستفاد منه ان هذا الحكم لا يتحقق حدوثا و بقاءا إلا على نحو الجمع و الاجتماع، فالاعتصام الفردي من دون الجماعة لا يثبت المطلوب و الغرض من هذا الحكم، فيكون عدم الاجتماع على هذا الحكم من موجبات التفرق و الاختلاف و الوقوع في المهالك، فالآية السابقة تتعرض لحكم الفرد من حيث التقوى و الموت على الإسلام و هذه الآية لحكم الجماعة.
قوله تعالى: وَ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
دعوى إلى تذكر نعم اللّه تعالى التي فيها الموعظة و العبرة و فيها الحث على الاجتماع إلى الاعتصام بحبل اللّه تعالى المؤدي إلى التآلف و زوال الاضغان و النفرة بين افراد المجتمع.
و في الآية الشريفة دعوة إلى تعلم العلل و الأسباب التي تؤدي إلى خير الإنسان و سعادته و تهديه إلى الحق و التوفيق إلى الايمان الصحيح و نبذ التقليد الأعمى الذي لا يجنى منه الخير و هذا هو الأصل القويم الذي اعتمد عليه القرآن الكريم في تعليم الإنسان و هديه إلى سعادته فانه يأمره بالعلم النافع و العمل الصالح ليمكنه معرفة الحقائق و ارتباط بعضها مع البعض ثم كيفية ارتباطها مع مسبب الأسباب و المبدأ الفياض و رجوعها إلى اللّه تعالى و الأمر بالاعتصام بحبله و التسليم لأمره، فان في ذلك السعادة الحقيقية و في غيره الجهل و البعد عن الحقيقة و قد نهى عز و جل عن التقليد الأعمى الذي يسلب الارادة عن الإنسان و ينفى‏ عنه التفكر الصحيح، و يشوه الحقائق. و قد اقام سبحانه ادلة ثلاثة على ما حث عليه من التذكر و ندب اليه من التفكر اثنتان منها تشهد عليهما التجربة و الثالث مبني على البرهان القطعي.
قوله تعالى: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ.
هذا هو الدليل الاول و هو تذكر العداوة التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي الفاسد و البغضاء التي كانت قائمة بينهم و قد قاسوا مرارتها و كابدوا شدائدها و أهوالها فقد كانت الحروب و القتل و الدمار و الضغائن و الأحقاد ملتهبة و بلغت ذروتها أبان الدعوة الاسلامية، فألف عز و جل بين القلوب بالإسلام و الرسول الكريم الأمين فزالت تلك الأحقاد و حل الصلح و الوئام و قد تألفت قلوبهم و هو اكبر دليل على حقيقة الايمان باللّه و الاعتصام بحبله و تذكر نعمه فانه لو لا الإسلام لما ذاق الاجتماع حلاوة المحبة و الاخوة و لما زالت مرارة العداوة و الفرقة.
قوله تعالى: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً.
هذا هو الدليل الثاني و الاخوان جمع الأخ. و قيل ان اكثر ما يجمع أخو الصداقة على الاخوان، و الأخ في النسب على الاخوة و قد ورد في أخ الصداقة قوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» الحجرات- 10 و في النسب قوله تعالى: «أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ» النور- 31 و قوله تعالى: «أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ» النور- ٦۱.
و المراد بها وقوع التآلف في القلوب كعادة الاخوة الاشقاء في كونهم يدا واحدة بقلوب مؤتلفة. و في تكرار هذه المنة التنبيه على ما ذكرناه و الحث على التمسك بحبل اللّه و الاعتصام به و تذكر نعمه التي توصلكم إلى السعادة و تهديكم إلى الرشاد فان في الاخوة التي منّها اللّه تعالى‏ عليهم الاجتماع و التآلف.
قوله تعالى: وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.
عطف على «كُنْتُمْ أَعْداءً» و هذا هو الدليل الثالث المبني على البرهان. و شفا حفرة اي طرف الحفرة و حافتها، فان شفا كل شي‏ء جرفه و حافته. و منه حديث علي (عليه السلام): «نازل بشفى جرف هار» أي جانبه و في المأثور: «لا تنظروا إلى صلاة احد و لا إلى صيامه و لكن انظروا إلى ورعه إذا شفى» أي اشرف على الدنيا و أقبلت عليه و يقال: «أشفى على الهلاك» أي ورد على شفاه و قيل ان كلمة «شفى» لا تستعمل إلا في الشر.
و قد تستعمل في القليل أيضا يقال «ما بقي منه إلا شفا» أي قليل و يثنى على شفوين و الجمع اشفاء و يضاف إلى الأعلى و إلى الأسفل.
و كنتم على شفا حفرة أي مشرفين على السقوط فيها.
و المراد من النار هي التي اوقدوها بأعمالهم و معتقداتهم التي كانت سببا للنار الحقيقية و هي نار جهنم و نار الدنيا التي هي الحروب و المنازعات فإنها استعملت فيها كثيرا في المحاورات الصحيحة كقوله تعالى: «كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ» المائدة- ٦٤.
و كيف كان فالآية الشريفة تبين حالهم في المجتمع الجاهلي الفاسد المبني على الضغائن و الحروب و المنازعات و التنافر و الافتراق كما تبين مآلهم الذي يصلون اليه و هو الدخول في النار في الآخرة و سلب الطمأنينة و الأمن فقد جلبت لهم الشقاوة و العناء و الزوال في الدنيا. و قد انقذهم اللّه تعالى من مآلهم الفاسد بالإسلام الذي جلب لهم الطمأنينة و الأمن و الرفاه و العيش الهني‏ء و السعادة و قد شاهدوا بدخولهم في الإسلام‏ ما لم يتخيلوه في الحسبان فلذلك كان هذا البرهان أوقع في النفوس من غيره لأنه كان به خلاصهم من العذاب في الآخرة و الشقاء و الحرمان في الدنيا و هذا الدليل حاصل مضمون الدليلين المتقدمين المشتملين على الحس و الوجدان دون محض التقدير و مجرد الحسبان.
قوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.
أي يبينها برهانا و وجدانا و مشاهدة لأجل اهتدائكم إلى حقيقة الايمان و الاعتصام بحبل اللّه المبين و تدخلون في الصراط المستقيم و تتذكرون نعمه التي أنعمها اللّه تعالى على المسلمين.
قوله تعالى: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.
أمر سبحانه و تعالى بتكميل الغير بعد ما أمرهم بتكميل أنفسهم حيث ان الاعتصام بحبل اللّه تعالى المادة المهيأة لتوارد الصور الكمالية عليها.
و من المعلوم ان المادة لا فعلية لها الا بالصورة كما هو ثابت في الفلسفة الإلهية، فلا بد من السعي في تحصيل تلك الصورة و هي الدعوة إلى الخير سواء كان من النبي أو الوصي أو من يقوم مقامهما في هذا الشأن.
و انما تكون الدعوة إلى الخير بمنزلة الصورة الفعلية للاعتصام باللّه تعالى، و الدعوة إلى الخير هي من أهم الأسباب التي تكون دخيلة في رقي الامة و تقدمها في كل المجالات، فهي تحفظ العلم عن الضياع و العمل عن الفساد. و المجتمع عن الانهيار في مهلكة الشرور، فهي جامعة السعادة و مانعة الشقاوة، و ان القوانين المجعولة خالقية كانت أم خلقية انما يترتب الأثر عليها من حيث البقاء و مداومة العمل بها لا بمجرد حدوثها فقط، و ان البقاء يتقوم بأمرين:
الأول: العمل بها بشرائطها المقررة.
الثاني: الترغيب إلى فعلها و الترهيب عن تركها، و بعبارة اخرى ان القوة المجرية لها في مقام حفظ القانون هي الدعوة. و يعبر عنها بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لذا كانت لهما المنزلة العظيمة في الشرائع السماوية، بل في القوانين المجعولة، و لولاهما لاختل النظام و تعطّلت الاحكام، و لأنبياء اللّه العظام و أوصيائهم الكرام الزعامة الكبرى في التصدي لهذين التكليفين العظيمين.
و المراد من الخير كل ما له دخل في الاعتصام بحبل اللّه سواء كان من المعارف الحقة او الأعمال الصالحة أو مكارم الأخلاق، و ما ذكره عز و جل في المقام ترغيبا إلى الخير الذي تدعو اليه فطرة العقول و يحبه كل انسان و لا يمكن ان يجهله احد، و لبيان ان المجتمع الذي يكون الخير هو مطلبهم و منهاجهم و عملهم هو المجتمع السعيد و الأمة الراقية.
و قد اختلف المفسرون في معنى الخير في المقام فقيل انه الإسلام و قيل انه اتباع القرآن و سنة الرسول، و قيل غير ذلك. و الحق ان ما ذكروه من مصاديق مطلق الخير، و الصحيح ما ذكرناه فان جميع ذلك دواع إلى الاعتصام بحبل اللّه تعالى.
و الامة: الجماعة التي تؤم امرا معينا، و قد أطلقت في القرآن الكريم كثيرا على اتباع الأنبياء لأنهم اجتمعوا على قصد واحد و هو اتباع الحق وراء قدوة شخص معين، و تطلق أيضا على الدين و الملة قال تعالى: «إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ»* الزخرف- 22 و على السنين قال تعالى، «وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ» يوسف- ٤٥ و الجميع يرجع إلى معنى واحد، و قد تقدم في قوله تعالى: «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً» البقرة- 128 و كذا في قوله تعالى: «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ»* البقرة- ۱٤۱ بعض الكلام في اشتقاق هذه الكلمة.
و الدعاء إلى الخير هو الدعاء إلى كل ما فيه صلاح الأمة دينا و دنيا و آخرة كما عرفت. و في الحديث: «سأخبركم بأول امري: دعوة أبي ابراهيم و بشارة عيسى» دعوة ابراهيم (عليه السلام) هي قوله تعالى: «رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ» البقرة- 129 و بشارة عيسى هي قوله تعالى: «وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ» الصف- ٦.
و المعروف: كل ما هو خير و حسن عقلا و لم ينه عنه شرعا فهو اسم جامع يشمل طاعة اللّه جل جلاله و التقرب اليه و الإحسان إلى الناس، و في الحديث: «اهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الآخرة» يعني من بذل معروفه في الدنيا و احسن العشرة مع الناس آتاه اللّه جزاء معروفه في الآخرة و روي عن ابن عباس في معنى الحديث: «يأتي اصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة فيغفر لهم بمعروفهم و تبقى حسناتهم جامة (جامدة) فيعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له و يدخل الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا و الآخرة».
و المنكر: هو ما أنكره العقل و الشرع فيكون ضد المعروف.
و عطف الأمر بالمعروف على دعوة الخير يكون عطفا تفسيرا لبيان ان دعوة الخير هي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لمعلومية الخير و محبوبيته لدى الجميع فلا بد ان يكون المعروف و المنكر معلومين عند الداعي إلى الخير، و للاعلام بأن المجتمع الذي بلغ من الكمال بالاعتصام بحبل اللّه تعالى صار المعروف عندهم هو الخير و المنكر هو الشر، كما انه يمكن ان يكون أيضا لأجل ان المعروف و المنكر عند الشرع هو الخير و الشر المعروفان عند العقل و تدعو إليهما الفطرة.
و قيل ان عطف الأمر بالمعرف و و النهي عن المنكر على دعوة الخير هو من عطف الخاص على العام فيكون من قبيل عطف أفضل الإفراد على الكلي. و لا ينافي ذلك ما ذكرناه.
و كيف كان فالآية الشريفة تدل على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بلا شك في ذلك.
و انما البحث و الخلاف في كونه كفائيا أو عينيا و الظاهر انه يرجع إلى دلالة «من» فقيل انها للتبعيض، فيكون الوجوب كفائيا.
و قيل انها بيانية. و المعنى: كونوا امة كذلك فيكون الوجوب عينيا و سياق الآية الشريفة يدل على الاول، و يرجحه ان الدعوة إلى الخير و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر انما تكون واجبة لأجل البعث على الطاعات و الزجر عن القبائح و المعاصي و لا معنى لوجوبهما بعد حصول الغرض من البعض، فالخطاب و ان كان متعلقا بالجميع لكن الغرض يحصل من أي فرد كان، و بما ان المقام يحتاج إلى التعاضد و التعاون حتى يكون له التأثير القوي في حصول الغرض و ليسا كغيرهما من الواجبات كان الأمر متعلقا بالجميع، و بعد ذلك فلا وقع للنزاع في كون «من» تبعيضية أو بيانية فان الأمر متعلق بالجميع بقدر ما يتعلق بالإفراد و البعض، فان هذا التكليف لطف الهي يتعلق بالجميع و لا بد من التعاضد و التعاون و لا يمكن ترك القائم به لوحده و الاعراض عنه و قد ذكرنا في الأصول انه لا فرق بين الوجوب الكفائي و الوجوب العيني بحسب ذات الوجوب و انما الفرق بينهما باعتبار سقوط التكليف عن الكل بعد قيام البعض به في الاول دون الثاني و هذا يكون من باب تعدد الدال و المدلول لا باعتبار حقيقة الوجوب و لذا اشتهر بين الفقهاء ان في ترك الجميع للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يعاقب‏ الكل لا البعض فراجع ما ذكرناه في (مهذب الاحكام) و يدل على ما ذكرناه ذيل الآية الشريفة الظاهر في الرجوع إلى الموصوفين بهذه الصفة.
قوله تعالى: وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
جملة استينافية اي الداعون إلى المعروف و الناهون عن المنكر هم الكاملون في الفلاح، كما هو قضية الحصر.
و يستفاد من الآية الشريفة كمال الأهمية لهذا التكليف الالهي و المنصب الرفيع بل هما من مناصب الأنبياء و الأوصياء و الأولياء الصالحين و قد ورد في فضلهما روايات كثيرة يأتي في البحث الروائي نقل بعضها، و لهما شروط و آداب كثيرة يستفاد بعضها من هذه الآية الشريفة و البقية من غيرها.
و يستفاد من مجموع الادلة الواردة في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كتابا و سنة ان هذه الدعوة من صفات الباري جل جلاله كالحكم بين الناس بالعدل، و قد فوّض اللّه تعالى ذلك إلى أنبيائه و اوصيائه و القائمين مقامهم، و هذه الدعوة ترجع إلى التخلق بأخلاق اللّه تعالى و التخلي عما لا يرضاه اللّه و التحلي بما يرضاه، و تفاني الدنيا في عالم العقبى فيصير الكل باقيا ببقاء اللّه تعالى و لعل ما ورد في الحديث:
«الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر خلقان من خلق اللّه تعالى من احياهما أحياه اللّه تعالى» يرجع إلى ذلك فان الخلق انما يعتبر في مرتبة الفعل لا في مرتبة الذات، و المراد بالاحياء الأعم من الأحياء الدنيوي و الاخروي و سبب الأحياء معلوم لأنه اتصال فعلي بالحي القيوم.
قوله تعالى: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ.
بعد ما أكد سبحانه الدعوة إلى الاتحاد و الاعتصام بحبل اللّه تعالى و الدعوة إلى الخير. بيّن سبحانه و تعالى في هذه الآية ما يترتب على الاعراض عن ذلك و الاحجام عن ما أمرهم في سبيل الوحدة و الاتحاد بين أفراد المجتمع، فانه لا يمكن ان تختلف امة إذا اجتمعت على مقصد واحد و هدف معين و اتفقت عقائدهم، و كانت بعيدة عن الأهواء الباطلة و ما يوجب الضلال، و تحقق التعاون و التناصر بين افرادها، و قويت أواصر الوحدة فيهم و بعدت عما يوجب الافتراق و الاختلاف بينهم، فهذه الآية كالدليل على لزوم متابعة ما ورد في الآيات السابقة.
و التفرق انما يكون في ما يجب فيه الاجتماع مما فيه الصلاح و الإصلاح و يكون ابتداء في الأبدان و الابتعاد عما يوجب اتحاد الإفراد. و اما الاختلاف انما يكون في العقائد و الآراء و يوجبه الافتراق في الكلمة، فهو كالمقدمة التي توصل إلى الاختلاف في العقائد و الآراء، فان كل اختلاف في الرأي انما ينشأ عن التفرق في الكلمة و تباعد افراد المجتمع و الاختلاف هذا انما يكون عن ضلال الأهواء و البغي، و لذا نسب سبحانه و تعالى الاختلاف إلى البغي في عدة آيات منها قوله تعالى:
«و ما اختلفوا فيه إلا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ» البقرة- 213 و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى في المقام «مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ» فان الاختلاف بعد مجي‏ء الآيات للحق الموجبة للاتحاد و الاجتماع انما يكون عن أعراض عنها فيكون عن بغي و ضلال.
و المعنى: و لا تكونوا كالذين تفرقوا في الكلمة و لم يجتمعوا على‏ ما أمرهم اللّه تعالى و خرجوا عن الجماعة فأوجب التباغض بينهم و التباين في آرائهم و الاختلاف في عقائدهم فصاروا شيعا و أحزابا و في ذلك زوال سعادتهم و وقوعهم في الشقاق و النفاق و الحروب و المنازعات فتذهب كرامتهم و استقلالهم و امنهم و أمانهم.
و يستفاد من الآية الشريفة ان الاختلاف المذموم هو ما إذا كان البغي و الضلال و اما غيره فلا ضرر فيه بل هو ضروري لاختلاف الافهام و الإدراكات و يكون سببا للرقي و الاستكمال و لكن لا بد ان لا يصل إلى حد يوجب التباغض و التنافر.
قوله تعالى: لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.
جملة استينافية هي نتيجة للسابق أي: ان الذين افترقوا و اختلفوا في دين اللّه لهم عذاب عظيم جزاء لظلمهم و عدوانهم لما اوجدوا من التفرق و الاختلاف.
و انما ختم سبحانه و تعالى هذه الآية الشريفة بهذه الجملة مقابلة للآية السابقة فان النتيجة إذا كان فيها الفلاح و النجاح فلا محالة يكون في عكس ذلك الخسران و العذاب.
قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ.
تفريع على التقسيم السابق و بيان لجزاء الطائفتين المتقدمتين و يكون التقسيم من اللف و النشر المشوش المصطلح عليه في علم البديع فتكون الوجوه المفلحين مبيضة و وجوه الظالمين مسودة.
و انما ذكر عز و جل الوجوه من بين سائر الأعضاء اعلانا لرفعة شأن المفلحين في الآخرة حتى يعرفهم جميع اهل المحشر و ينظروا إليهم و تبيينا لخسة الظالمين و إذلالهم حتى يكونوا منفعلين في الآخرة كما كانوا كذلك في الدنيا.
و قد خص سبحانه و تعالى من نعم الآخرة و عذابها بياض الوجه و سواده لان المفلحين لما كانوا معتصمين بحبل اللّه تعالى تلحقهم البشارات الإلهية في كل آن و كانوا مجتمعين في الاعتصام به عز و جل كانت الطلاقة و البشاشة ظاهرة في وجوههم في الدار الدنيا، فيكونون كذلك في الدار الآخرة، و اما الظالمون الذين اعرضوا عن الاعتصام بحبله، فانقطعت عنهم البشارات الربانية و وقعوا في النزاع و التباغض و الاختلاف فكانوا مخذولين قد ظهرت على وجوههم الانكسار و الانفعال في الدنيا فلحقهم مثل ذلك في الدار الآخرة، فكان الجزاء مناسبا لاعمالهم و صفاتهم.
قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ.
تفصيل بعد إجمال. و الجملة مركبة من الشرط و هو «فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ» و الجواب فيقال لهم «أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ» و حذف القول و استتباع الفاء في الحذف له شايع في كلمات الفصحاء و انما الممنوع حذفها وحدها.
و عن بعض المفسرين يجوز ان يكون الجواب «فهم في عذاب اليم» كما يدل عليه قوله تعالى: «فَذُوقُوا الْعَذابَ» و يناسبه قوله تعالى في الآية الاخرى: «فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» و فائدة ذلك التهويل بالجواب ليقدره السامع بكل نحو يشعر به المقام من الهول و هو باب واسع في البلاغة.
و لكن يمكن ان يقال انه لا وجه لهذا الاختلاف في الأسباب التوليدية كما أثبتناه في علم الأصول سواء كان الجواب السبب أو المسبب، مع‏ ان هذا التهويل و التخويف يستفاد من لفظ العذاب المعهود الموصوف بالعظمة.
و كيف كان ففي قوله تعالى: «أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ» التفات لغرض التوبيخ و التقريع. و انما قدم عز و جل جزاء الظالمين لمجاورته لقوله تعالى: «تَسْوَدُّ وُجُوهٌ» و توبيخا لهم و تشنيعا لفعلهم، مع انه عز و جل ابتدأ بذكر اصل الثواب و اختتم بجزاء المفلحين ليكون الابتداء و الاختتام بما يشرح الصدر و يسر الطبع، و للاعلام بأن رحمته سبقت غضبه. و حقيقة هذا الخطاب عامة بالنسبة إلى الدنيا و الآخرة.
و المراد بالإيمان الظاهري منه أي الذين آمنوا به كما ان المراد بالكفر ترك الاعتصام بحبل اللّه فتفرقوا و اختلفوا و بدّلوا دين اللّه تعالى و هتكوا حرماته فكفروا بأنعم اللّه و حينئذ لا تختص الآية الشريفة بطائفة خاصة كما قيل بل تعم جميع من آمن صورة و ترك العمل بما آمن به و كفر بأنعمه عز و جل.
قوله تعالى: فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ.
انما اطلق عز و جل العذاب و لم يصفه بأمر تعظيما له و تهويلا، و الأمر للاهانة، و الفاء للإيذان بان العذاب مترتب على الكفر كما يدل عليه ذيل الآية الشريفة «بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» و الباء للسببية.
و انما جمع عز و جل الفعل الماضي و المستقبل للدلالة على استمرارهم على الكفر و كأنه صار طبعهم و بذلك استحقوا الجزاء الأليم و ان ذلك العذاب جزاء أعمالهم اختاروه بسوء أعمالهم.
قوله تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
الرحمة عامة شاملة لجميع مواهبه تعالى و إفاضاته بالنسبة إلى عباده‏ المؤمنين دنيوية كانت تلك الرحمة أو اخروية، و كل ما يكون في الدنيا يتمثل في العقبى بصورة حسنة و كل ما هو في الجنة يكون في صورة الفلاح و النجاح فهما متحدان ذاتا، فيكون الجزاء في الطائفتين مناسبا لأفعالهم، فكل ما يصدر عنهم في الدنيا يكون لهم أو عليهم في العقبى.
قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ.
الظرف متعلق بالآيات كما يصح تعلقه بقوله «نَتْلُوها» لأن المتلو عين تلك الآيات و هي عين ما يتلوها اللّه تعالى على نبيه فلا فرق بين تعلق الظرف بالتلاوة أو بالآيات المتلوة. و هو قيد توضيحي لان كل ما يصدر عنه تبارك و تعالى حق بجميع معنى الكلمة.
و المراد بالآيات و الدعوة إلى الخير و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، كما ان المراد بالحق نفس الأمر الواقعي الذي يقوم به نظام الدنيا و الآخرة فان الاحكام التي شرعها اللّه تعالى لعباده تتضمن سعادتهم الدنيوية و الاخروية بل لأجلها شرعت.
قوله تعالى: وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ.
بيان لمعنى الحق فان ما هو الحق واقعا لا يعقل منه الظلم لأنه انما يكون لترميم النقص و تكميله و المفروض انه محال عليه تعالى، فهو عام يشمل جميع أنحاء الظلم تشريعا و جزاء كما تدل عليه الآية الشريفة فان الظلم نكرة واقعة في سياق النفي.
و العالمين جمع محلي باللام يفيد الاستغراق يشمل كل عالم في سلسلة الزمان كما يشمل عالم البرزخ و الآخرة إلى ما لا نهاية له. و هذه الآية تأكيد لقوله تعالى: «فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» فان العذاب إذا كان نتيجة الكفر لا وجه لاحتمال الظلم بالنسبة إلى العامل الذي اختار الجزاء بنفسه، فتكون جميع المساوي و الشرور التي تصيب الإنسان في العالمين- الدنيا و الآخرة- من ترك الاعتصام بحبل اللّه تعالى عملا، و من التفرق و الاختلاف كما تقدم.

نصب «حق» في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» على النيابة عن المفعول المطلق المضاف اليه لأنه من صفاته.
و اللام في قوله تعالى: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ» للأمر، و الجمهور على إسكانها، و قرئ بكسرها على الأصل و (تكن) إما من كان التامة، فتكون «امة» فاعلا و جملة «يدعون» صفته، و «منكم» متعلق ب (تكن) أو بمحذوف يكون صفة لأمة قدم عليها فصار حالا، و إما من كان الناقصة فتكون «امة» اسمها و (يدعون) خبرها و (و منكم) إما حال من امة أو متعلق بكان الناقصة.
و انما اتى «يدعون» مذكرا باعتبار إرادة الجماعة من الذكور من الامة و تدخل النساء تغليبا ان لم نقل باشتراك الصيغة للمذكر و المؤنث.
و نصب يوم في قوله تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ» للظرفية قيل ان العامل فيه «عظيم»، و يجوز ان تعمل فيه الجملة في معنى يعذبون يوم‏
و قيل: انه منصوب على الظرفية اي (لهم) لان فيه معنى الاستقرارية.
و قيل انه منصوب بإضمار (اذكر) على انه مفعول. و قيل انه ظرف لفلاح المفلحين و عاقبة المتفرقين.
و الحق ان يقال: ان النصب لما كان يدل على الإعلان و الإظهار و التفخيم فيكون المقدر «أعلن يوم تبيض وجوه و تسود وجوه» فتدل الآية المباركة على عظمة هذا الخطاب و تجليله و تعظيمه بحيث يجذب القلوب و تصير العقول صرعى.

تدل الآيات الشريفة على امور:
الاول:
قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» على مراعاة التقوى و المبالغة فيها في جميع الأحوال بحيث لا تشوبها غفلة فلا يتركها احد قدر المستطاع، و لذا قسم اهل العرفان التقوى على مراتب ثلاث: تقوى العوام و هي الاجتناب عن ما لا يرضاه اللّه تعالى و تقوى الخواص و هي الاجتناب عن كل مرجوح حتى المكروهات، و تقوى أخص الخواص و هي الاجتناب عما سوى اللّه تعالى في الكونين.
الثاني:
يدل قوله تعالى: «وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» على لزوم الإسلام في جميع الأزمان و عدم الانصراف عنه في وقت من الأوقات، و التمسك به حتى يقع الموت و هو على الإسلام بحيث لا تصرفه الشبهات و لا تعوقه المشكلات عن العمل باحكام الإسلام فلا يرده بعد إيمانه كافرا، فان الحشر انما يكون على ما يقع عليه الموت‏ و قد ورد عن نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله): «كما تعيشون تموتون و كما تموتون تحشرون» فإذا مات على دين الإسلام و الالتزام به اعتقادا و عملا حشر على هذه الحالة و فاز بالسعادة و الرضوان من حين موته و من ذلك يظهر الوجه في التأكيد و الحصر الواردين في الآية الشريفة.
كما انه يمكن ان يستفاد من هذه الآية أيضا ان المعصية قد توجب الصرف عن الايمان حين الموت، فتحقق الخسران لا محالة، فلا بد من ترك المعصية مطلقا حتى لا يكون للشيطان فيه مطمع و على هذا يكون ترتب هذه الآية على قوله تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» من قبيل ترتب المقتضى (بالفتح) على المقتضي (بالكسر)، و اللازم على الملزوم.
الثالث:
يستفاد من قوله «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا» ان الاعتصام بحبل اللّه تعالى انما هو أمر من الأمور الاجتماعية التي تؤثر في المجتمع و لا يمكن ان ينال الأثر المطلوب منه الا بعمل جميع افراد المجتمع به و عدم التفرق عنه بوجه من الوجوه، و على هذا لا بد ان يكون هذا الحبل ذا اثر اجتماعي قويم و له التأثير الكبير في المجتمع، و يكون مقبولا لديهم، و هم مأمورون بالتمسك به عملا و هو بمنزلة الروح للأمة و لولاه لما كان للافراد اثر أصلا بل كانوا كالجسم بلا روح. و الروح الاجتماعية في الإسلام إنما هي الاعتصام بحبل اللّه تعالى عملا و هذه الروح هي النعمة الحقيقة على المجتمع و مثل هذا الحبل في الإسلام هو القرآن الكريم و من انزل عليه و من شرح القرآن حق الشرح.
و من ذلك يعرف السر في تعقيب هذه الآية بقوله تعالى: «وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ‏ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» فانه تعالى يبين بعض وجوه التفرق و الاعراض عن الاعتصام بحبل اللّه في عصر ما قبل الإسلام ثم ما وصل اليه الأمر بعد التمسك بحبل اللّه و الالتفاف حول الرسول الكريم و الاجتماع على الاخوة، كما عرفت في التفسير. فيكون الاعتصام بحبل اللّه حق الاعتصام علة تامة منحصرة لحفظ الاجتماع عن الخلاف و الاختلاف حدوثا و بقاءا، كما ان الانفصام عنه علة تامة منحصرة للنفاق و التفرق و الخلاف و السقوط في هاوية الهلاك، و العيان في كل ذلك يغني عن البيان و البرهان.
الرابع:
يستفاد من التأكيد في إتيان لفظ «جميعا» و النهي عن التفرق في قوله تعالى: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا» ان جعل الداعي إلى الاجتماع و المانع عن الخلاف و الاختلاف امر حقيقي خارجي واقعي و واحد لا ان يكون اعتقاديا بان يدعي كل احد انه معتصم بحبل اللّه تعالى و لا يلزم الخلاف الباطل بضرورة العقل، فيصح ان يقال انه كل ما حصل الخلاف و الاختلاف لم يتحقق الاعتصام الحقيقي بحبل اللّه فيرجع محصل معنى الآية: ان اجعلوا انفسكم من مظاهر الاعتصام باللّه. و لعل من احد اسرار هذا التأكيد على الاجتماع و النهي عن الاختلاف هو ما كان يعلمه اللّه تعالى من مستقبل هذه الأمة من وقوع الاختلاف فيها و انها تختلف كما اختلف غيرهم من اليهود و النصارى و هذا هو دأب القرآن الكريم انه إذا بالغ في التحذير عن شي‏ء انما يريد التنبيه على ترتب وقوعه، و هو من ملاحم القرآن الكريم.
الخامس:
يدل قوله تعالى: «كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» على وجوب النظر في الادلة و الآيات و التفكر الصحيح المنتج فان في ذلك الهداية للإنسان.
السادس:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ» اهمية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فقد أمر عز و جل الأمة إلى تحمل هذه المسؤولية أولا، لان المقام يحتاج إلى التعاون و التعاضد فلا يمكن ترك المتصدي وحده كما مر في التفسير، ثم امر طائفة خاصة منها إلى التصدي لهما لأنه يشترط فيهما العلم و القدرة و من المعلوم عدم تحقق جميع الشروط في كل فرد ثم ثبوت الجزاء الجزيل على ذلك و تشديد النكير على تركه.
و أخيرا ان هذا التكليف من اسباب التكميل و التهذيب و الصلاح و الإصلاح و ترويض النفس و تزيينها بالفضائل و الكمالات و سعادة الفرد و المجتمع و تحسين نظام الاجتماع و المدنية، و لذا كان التكليف جاريا على احسن نهج و ما هو الأوفق بالحكمة، فهو من أعظم صفات اللّه تعالى أوكلها إلى أنبيائه و رسله و يدل على ذلك جملة من الأحاديث فقد ورد عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) في حديث: «إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تؤمن من المذاهب، و تحل المكاسب، و ترد المظالم، و تعمّر الأرض، و ينتصف من الأعداء، و يستقيم الأمر- الحديث».
السابع:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ» مراتب هذه الدعوة فإنها تبتني على كونها باعثة على الانقياد و داعية إلى الزجر و رادعة عن المنكر من القول و الفعل و سائر الأمور المحصلة لهذا الغرض و ان كان في بعض المراتب يتوقف على اذن ولي الأمر، فان عموم الدعوة يشمل جميع هذه المراتب القولية و العملية و غيرهما.
الثامن:
يستفاد من قوله تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ» ان الدار الآخرة و ما فيها من النعيم و الجحيم بمنزلة المرآة للدار الدنيا (أو كالصورة) فكل ما هناك لا يعلم إلا بما هاهنا.
كما تدل الآية الشريفة على سنخية الثواب و العقاب مع العمل، و يصح ان يراد باليوم في قوله تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ» طبيعة اليوم المنطبقة على يوم الآخرة و ايام الدنيا، فان المفلحين مبيضة وجوههم في هذا العالم قبل يوم الآخرة: و الظالمون عكس ذلك، و يكون البياض كناية عن الراحة النفسية و استقرار الضمير و اعتماد الناس عليه و في الآيات الكريمة و السنة المقدسة شواهد كثيرة يأتي في المحل المناسب شرح ذلك ان شاء اللّه تعالى.
التاسع:
يدل قوله تعالى: «وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ» ان ترك التكاليف الإلهية يوجب اختلال النظام و سوء الحال في كل عالم، فيكون كل ظلم يرد على الإنسان انما يرد من ناحيته، و اما التكاليف فقد وضعها اللّه تعالى على عباده لسعادتهم و تحسين نظامهم و صلاحهم و إصلاحهم و حسن معيشتهم و رفع الظلم من بين افراد الناس.

جعل الاحكام مطلقا شرعية كانت أم غيرها على اقسام:
الاول:
ما إذا تعلق الحكم بالطبيعة من حيث الإفراد الانبساطية، و يلزمه محبوبية الاجتماع فيه، بل قد يتعلق الأمر الندبي بها مستقلة كالصلاة فرادى و جماعة و غيرها من العبادات التي يكون الاجتماع فيها مطلوبا و مرغوبا فيه.
الثاني:
ان يكون الاجتماع فيه مطلوبا مستقلا، فتسرى المطلوبية فيه إلى كل فرد أيضا، و يكون ذلك مطلوبا لا ان يكون هدرا و باطلا و الاعتصام بحبل اللّه تبارك و تعالى من هذا القبيل فيتعلق التكليف بالجميع كما تعلق بالإفراد مستقلا أيضا، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كذلك.
الثالث:
ان يتعلق التكليف بالجميع و لكن ليس من قدرة كل أحد امتثال هذا التكليف بنفسه من نفسه، كالتكليف بحمل حجر ثقيل لا يقدر على حمله إلا جماعة، و لا وجه حينئذ لتعلق التكليف بكل فرد مستقلا، بل هو ثابت للجميع و ليس الاعتصام بحبل اللّه تعالى من هذا القبيل، و هناك اقسام اخرى لعلنا نتعرض لها في المقامات المناسبة ان شاء اللّه تعالى.
ثم إن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لهما شروط و آداب كثيرة مذكورة في كتب الفقه و قد تعرضنا لها في كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من (مهذب الاحكام).
و يستفاد من قوله تعالى: «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» اصل الوجوب و انه كفائي كما ذكرنا مضافا إلى علم الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر و معرفته بوجوبهما لان الخير معروف لدى كل احد و ان المعروف هو كل الخير كما عرفت.

في المعاني و المحاسن و تفسير العياشي عن أبي بصير قال: «سألت‏ أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عز و جل: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال: يطاع فلا يعصى، و يذكر فلا ينسى، و يشكر فلا يكفر».
أقول: ورد مثله في الدر المنثور عن ابن مسعود عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و ما ورد عن الصادق (عليه السلام) بعض مراتب التقوى التي ذكرها (عليه السلام) و هي تكفي في التلبس بالتقوى و ترتب اثار التقوى في الدنيا و العقبى.
و في تفسير العياشي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه: «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» قال (عليه السلام) منسوخة يقول اللّه «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
أقول: روي في المجمع و في تفسير القمي أيضا و المراد من المنسوخ هنا المرتبة الاخيرة من التقوى المسماة في علم الأخلاق بتقوى أخص الخواص. و المراد بالنسخ هنا عدم وجوب مراعاتها دفعا للعسر و الحرج و تسهيلا على الامة و اما لو رعاها احد مع مراعات القواعد الشرعية فلا محذور فيها.
و في الدر المنثور اخرج الخطيب عن أنس قال: «قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لا يتقي اللّه عبد حق تقاته حتى يعلم ان ما اصابه لم يكن ليخطئه، و ما أخطأه لم يكن ليصيبه».
أقول: فيكون المراد من قوله تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» استناد جميع الأمور اليه تبارك و تعالى و جعله مسبب الأسباب في كل سبب اي الاعتقاد بقوله تعالى: «قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً» النساء- 78 و هذه عبارة اخرى عن الذكر المعروف المأثور «لا حول و لا قوة الا باللّه العلي العظيم».
و بعبارة اخرى: ان قوله تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» جامع‏ للتوحيد الذاتي و توحيد المعبود و التوحيد الفعلي و هذه احسن كلمة جامعة للمعارف القرآنية.
و في تفسير البرهان عن ابن شهر آشوب عن تفسير وكيع عن عبد خير قال: «سألت علي بن أبي طالب عن قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ قال: و اللّه ما عمل بها غير بيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) نحن ذكرناه فلا ننساه، و نحن شكرناه فلن نكفره، و نحن اطعناه فلم نعصه فلما نزلت هذه الآية قالت الصحابة لا نطيق ذلك فانزل اللّه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ قال وكيع ما أطقتم- الحديث-».
أقول: يبين (عليه السلام) أولا ان المراد بالآية حقيقة الشكر و حقيقة الطاعة بجميع مراتبها و هذا هو الذي يعبر عنه في اصطلاح العرفاء و علم الأخلاق ب تقوى أخص الخواص و ذيل الرواية يبين تقوى العامة.
العياشي عن الحسين بن خالد قال: «أبو الحسن الاول (عليه السلام) كيف تقرأ هذه الآية: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» ماذا؟ قلت: مسلمون فقال سبحان اللّه يوقع عليهم الايمان فيسميهم مؤمنين، ثم يسألهم الإسلام. و الايمان فوق الإسلام. قلت: هكذا يقرأ؟ في قراءة زيد قال (ع): انما هي قراءة على التنزيل».
أقول: صدر الآية الشريفة تبين ان الايمان أخص من الإسلام و لا معنى لبيان الأعم بعد ذكر الأخص و لكن ذيل الرواية كما نسب ذلك إلى قراءة علي (عليه السلام) المراد من الايمان هو الإسلام كما كان ذلك شايعا في صدر الإسلام من ان المراد من الايمان الإسلام كسائر الآيات‏ المشتملة على قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا».
و في المجمع عن الصادق (عليه السلام): «و أنتم مسلّمون بالتشديد».
أقول: المراد بالتسليم اعتقادا و قولا و عملا في كل ما يرتضيه اللّه تبارك و تعالى و هذا ليس الا تقوى اللّه حق تقاته.
و في الدر المنثور في قوله تعالى: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً» اخرج ابن أبي شيبة و ابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال: «قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كتاب اللّه هو حبل اللّه الممدود من السماء إلى الأرض».
أقول: لا ريب في صحته كما لا ريب في صحة ما ورد عنه (صلى اللّه عليه و آله) متواترا انه كتاب اللّه و عترته لفرض ان عترته شارحة لكتاب اللّه فلا ينافيه من هذه الجهة.
و فيه أيضا اخرج ابن أبي شريح الخزاعي قال: «قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): ان هذا القرآن سبب، طرفه بيد اللّه، و طرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تزالوا و لن تضلوا بعده ابدا».
أقول: و هو معنى الاعتصام بحبل اللّه. و حبل اللّه الممدود و نحو ذلك من التعبيرات اي الممدود إليكم لتأخذوا به.
و في معاني الاخبار عن السجاد (عليه السلام): «حبل اللّه هو القرآن، و القرآن يهدي إلى الامام».
أقول: كما ان الامام (عليه السلام) يهدي إلى القران فهما في الهداية اليه تبارك و تعالى سواء.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً» قال التوحيد و الولاية» أقول: هما على نحو المتن و الشرح.
و في تفسير العياشي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «آل محمد هم حبل اللّه الذين أمرنا بالاعتصام به فقال: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا».
أقول: لأنهم لا ينطقون إلا عن القرآن و لا يبينون شيئا إلا منه.
و في الدر المنثور عن زيد بن أرقم قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): اني لكم فرط و انكم واردون علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟ قيل و ما الثقلان يا رسول اللّه؟ قال (ص): الأكبر كتاب اللّه عز و جل سبب طرفه بيد اللّه و طرفه بأيديكم فتمسكوا به لن تزالوا و لن تضلوا و الأصغر عترتي، و انهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، و سألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما فتهلكوا و لا تعلموهما فإنهما أعلم منكم».
أقول: هذا الحديث الشريف يبين جميع ما ورد في اخبار الثقلين و في التمسك بحبل اللّه تعالى فليس لأحد ان يتمسك بتلك الاخبار إلا بعد عرضها على هذا الحديث لفرض انه في مقام البيان و الشرح و التعليل.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «وَ لا تَفَرَّقُوا» عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «ان اللّه تبارك و تعالى علم انهم سيفترقون بعد نبيهم و يختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فأمرهم ان يجتمعوا- الحديث-».
أقول: قريب منه روايات كثيرة عن نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله).
و في الدر المنثور عن انس قال: «قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) افترقت بنوا إسرائيل على إحدى و سبعين فرقة، و ان امتي ستفترق على اثنتين و سبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة قالوا يا رسول اللّه و من هذه الواحدة؟ قال الجماعة ثم قال و اعتصموا بحبل اللّه جميعا».
أقول: المراد بالجماعة: الجماعة التي تمسكوا بالقرآن و بالعترة كما في الحديث السابق آنفا الشارح لمثل هذا الحديث.
و في الدر المنثور أيضا اخرج أبو داود، و الترمذي، و ابن ماجة و الحاكم في صحيحه عن أبى هريرة قال: «قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): افترقت اليهود على احدى و سبعين فرقة و تفرقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة، و تفترق امتي على ثلاث و سبعين فرقة».
أقول: في مضمون ذلك روايات كثيرة متواترة روتها الشيعة و الجمهور.
و في الخصال عن سليمان بن مهران عن جعفر بن محمد عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يقول: إن امة موسى افترقت على احدى و سبعين فرقة فرقة منها ناجية و سبعون في النار و افترقت امة عيسى بعده على اثنتين و سبعين فرقة. فرقة منها ناجية، و احدى و سبعين في النار و ان امتي ستفترق بعدي على ثلاث و سبعين فرقة فرقة منها ناجية و اثنتان و سبعون في النار».
أقول: لا بد من عرض أمثال هذه الروايات على الحديث المتقدم الشارح لها المنقول عنه (صلى اللّه عليه و آله).
و في جامع الأصول عن الترمذي عن ابن عمرو بن العاص قال: «قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يأتي على امتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح امه علانية كان في امتي مثله ان بني إسرائيل افترقوا على احدى و سبعين ملة و تفترق امتي على ثلاث و سبعين ملة كلها في النار الا ملة واحدة فقيل له ما الواحدة؟ قال: ما أنا عليه اليوم و أصحابي».
أقول: رواه السيوطي في الدر المنثور و المراد من الأصحاب هم الملتزمون بالقرآن و العترة لئلا يقع التنافي بينه و بين ما دل على انهما المناط في الرشاد و عدم الضلال كما دلت عليه جملة كثيرة من الروايات.
و في كمال الدين باسناده عن غياث بن ابراهيم عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كل ما كان في الأمم السابقة فانه يكون في هذه الامة مثله حذوا النعل بالنعل و القذة بالقذة».
أقول: المراد بالقذة تقدير كل واحدة من الأمتين على قدر صاحبتها و تقطع و قال ابن الأثير: «يضرب مثلا للشيئين يستويان و لا يتفاوتان» و ذكر الحديث: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذوا القذّة بالقذة».
و في الكافي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في قوله تعالى: «وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بمحمد» هكذا و اللّه نزل جبرئيل على محمد صلى اللّه عليه و آله».
أقول: و في تفسير العياشي مثله الا من دون «و اللّه نزل بها جبرئيل على محمد» و هذا تنزيل لمعنى القرآن لا ان يكون تحريف في البين كما يتوهم. أو يحمل على بعض مراتب اصل النزول فلا تنافي بينه و بين نزول اصل الآية الشريفة كما في المصاحف، فان مراده تبارك و تعالى قد يظهر بصورة الوحي ثم توحي الآية بصورة اخرى مع معلومية اصل المراد و تحققه.
و في تفسير القمي عن النبي (صلى اللّه عليه و آله): «لتركبن‏ سنة من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، و القذة بالقذة لا تخطون طريقهم و لا يخطى شبر بشبر و ذراع بذراع و باع بباع حتى ان لو كان من قبلكم دخل حجر ضب لدخلتموه قالوا اليهود و النصارى تعني يا رسول اللّه؟ قال فمن اعني؟ لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فيكون أول ما تنقضون من دينكم الأمانة و آخره الصلاة».
أقول: بعد وجود الشيطان في الامة المرحومة و عدم منعه عن التدخل فيها فيعلّمهم الشيطان تلك الطرق المنتهية إلى الفساد المستلزمة للبعد عن تقوى اللّه تعالى التي أفسد بها الأمم السابقة و قد جرب تلك الطرق في الأمم السابقة و استنتج منها نتائج هامة فلا يعقل ان يخلى هذه الامة لنفسها و عن أعوانه باغواء هذه الامة بتلك الطرق.
و المراد بالأمانة: التكاليف الواقعية اصولا و فروعا و المراد بالصلاة ذهاب صورتها من بين المسلمين أيضا و في جملة من الأحاديث انه لا تقوم الساعة إلا على شرار خلق اللّه تبارك و تعالى و من ذلك يستفاد ان الصلاة بمنزلة العمود للدين فما دامت هي بين المسلمين بحدودها و قيودها يحتفظ بها نظامهم و يتوحد بها كلامهم.
و في صحيح الترمذي عن النبي (صلى اللّه عليه و آله) انه قال: «و الذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة حتى إن كان فيهم من اتى امه يكون فيكم فلا ادري أ تعبدون العجل أم لا؟».
أقول: تقدمت الروايات الدالة على ذلك، و السر في الاختلاف يرجع إلى اختلاف الآراء و الأهواء و هو ذاتي بعد عدم التزامهم بالشريعة الواقعية و تشرعهم بغير الواقع.
و في الصحيحين عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: «ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رفعوا اختلجوا دوني فلأقولن: اي رب اصحابي فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
أقول: هذا حديث صحيح يشهد له الوجدان و الاعتبار.
و في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: «يرد عليّ يوم القيامة رهط من اصحابي- أو قال من امتي- فيحلئون عن الحوض فأقول «يا رب اصحابي فيقول:
لا علم لك بما أحدثوا بعدك ارتدوا على أعقابهم القهقري فيحلئون».
أقول المراد من (يحلأون) اي يصدون عنه و يمنعون من وروده و مضمون هذا الحديث متواتر بين المسلمين مضافا الى الوجدان الخارجي كما دلت عليه الآية الشريفة: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» آل عمران- ۱٤٤.
و في الدر المنثور اخرج الحاكم و صححه عن ابن عمر: «ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه و من مات و ليس عليه إمام جماعة فان موتته ميتة جاهلية».
أقول: المراد من امام الجماعة امام زمانه كما وقع بهذا التعبير في جملة من الروايات.
و في المجمع في قوله تعالى: «أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ» عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «هم اهل البدع و الأهواء و الآراء الباطلة من هذه الامة».
أقول: في سياق ذلك روايات كثيرة.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"