1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآية 200

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)


الآية الشريفة خاتمة لجميع الوصايا و الكلمات و الحقائق التي تضمنتها هذه السورة و هي تدعو الى المحافظة عليها و مراعاتها و هي مع ايجازها تشمل على أهم الوصايا و الكمالات الانسانية و هي الصبر و المصابرة و المرابطة في سبيل اللّه تعالى في إقامة جميع احكام اللّه تعالى و التقوى فان ذلك يعد الإنسان اعدادا علميا و عمليا لنيل الفلاح و السعادة في الدارين.
و هذه الآية المباركة خلاصة ما ورد في هذه السورة العظيمة تبين السر في النجاح و الفلاح فهي أعظم آية وردت لبيان نظامي التكوين و التشريع.
و قد بدأت هذه السورة بالتوحيد و ذكر فيها آية الاصطفاء و ختم سبحانه و تعالى السورة بهذه الآية المباركة للاعلام بأن الاصطفاء لا يتحقق الا بالصبر و المصابرة و المرابطة و ان المرابطة لا يمكن الا بالتوحيد الخالص.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا.
أمر بأهم ما يعتمد عليه المؤمن عند طاعته لربه و إرشاد الى أهم الأسس في نجاح الإنسان في كفاحه و عيشه في حياته و بيان لحقيقة من الحقائق الواقعية من ان كل فلاح و سعادة سواء في الدنيا أم في الآخرة إنما تعتمد على الصبر و المصابرة.
ثم إن الصبر فضيلة سامية، و خصلة حميدة، و خلق كريم، بل هو أم الفضائل و لا يستقيم سائرها الا به، فله منزلة عالية و مقام رفيع بينها، و قدم في قوله تعالى: «وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ» البقرة- ٤٥ ما يتعلق به فراجع.
و انما اطلق سبحانه الأمر ليشمل جميع أقسام الصبر و هي الصبر على الشدائد، و الصبر على طاعة اللّه تعالى، و الصبر عن المعصية» و لبيان ان موضوع الصبر يرجع تحديده الى المؤمنين فالصبر انما يكون على ما يحمد عليه الصبر و في ما يحمد مطلقا، و الأمر بالصبر لأجل ان جميع ما ورد في هذه السورة من الحقائق و الكمالات و الدروس و العبر لا يمكن تحصيلها الا بالصبر و لذا قدمه عز و جل في الآية الشريفة على غيره.
قوله تعالى: وَ صابِرُوا.
المصابرة من باب المفاعلة و هي المغالبة في الصبر، و يلزم ذلك مقابلة الصبر بالصبر و تضاعف تأثيره و تقوى الحال به. و انما يظهر هذه الخصلة الحميدة في الجماعة في حال الاجتماع و التعاون.
و المستفاد من الآية الشريفة أن الاول كان بلحاظ حال الانفراد، و الثاني انما هو بلحاظ حال الجمع و الاجتماع، و الأمر بالمصابرة لأجل وقوف الجماعة امام المشاكل الاجتماعية و التعاون في حلها و تحمل الأذى في إعلاء كلمة الحق و اقامة احكام اللّه تعالى. و المصابرة في ميدان القتال مقابلة الأعداء الذين يريدون اطفاء نور اللّه تعالى و خذلان الحق و الغلبة على المؤمنين.
قوله تعالى: وَ رابِطُوا.
المرابطة الملازمة و الثبات و المواظبة اي: واظبوا على تكميل انفسكم بالكمالات الواقعية، و اثبتوا في تنفيذ احكام اللّه تعالى، و لازموا الحق في جميع حالاتكم في الشدة و الرخاء.
و هذه الخصلة الحميدة تبين كيفية استمرار السعادة و تثبيتها بعد اصل ثبوتها فإنها لا تحصل إلا بالمرابطة. و الأمر ايضا مطلق ليشمل جميع أنحاء المرابطة و منها المرابطة في سبيل اللّه تعالى في ثغور الإسلام و مباراة الأعداء و الترصد للغزو.
قوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ.
اشارة الى ان كل ذلك إنما تحصل بالتقوى المنبث على جميع ذلك بحسب الحالات و الظروف و الخصوصيات، فالتقوى قوام الصبر و المصابرة و المرابطة و ان السعادة الحقيقة لا تحصل الا بها.
قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
اي ان جميع ذلك من اسباب الفلاح بل لا فلاح إلّا بذلك.
و انما ذكر «لعل» بداعي الترغيب الى ذلك بحسب أذهان المخاطبين.

في الكافي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عز و جل «اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا» قال (عليه السلام): «اصبروا على‏ الفرائض و صابروا على المصائب و رابطوا على الائمة».
أقول: الروايات في هذا المضمون كثيرة من الفريقين، و قد ذكرنا معنى المرابطة و هي الالتزام بما يشرحون به كتاب اللّه تعالى مطلقا.
و في الغنية عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا» قال: «اصبروا على أداء الفرائض و صابروا عدوكم و رابطوا إمامكم المنتظر».
أقول: هذا من أحد المصاديق لمعنى المرابطة و الا فكل من دعا الى الحق في الحق لا بد من المرابطة معه في اي زمان كان.
و في المعاني عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا» قال (ع): «اصبروا على المصائب، و صابروهم على الفتنة، و رابطوا على من تقتدون به».
أقول: المراد من المصابرة على الفتنة التقية مع الأعداء و اجتناب مضلات الفتن.
و في تفسير القمي عن الرضا (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الصابرون؟ فيقوم فئام- جماعة- من الناس ثم ينادي أين المتصبرون فيقوم فئام من الناس. قلت: جعلت فداك و ما الصابرون؟ قال (ع): على أداء الفرائض و المتصبرون على اجتناب المحارم».
أقول: هذا الحديث قرينة على أن المراد من الفتنة في الحديث السابق المحارم و كل ما يسخط اللّه تعالى.
و في المجمع عن علي (عليه السلام): «رابطوا الصلوات اي انتظروها لان المرابطة لم تكن حينئذ».
أقول: الحديث يفسر المعنى الأعم من المرابطة الخاصة.
و في الدر المنثور أخرج ابن جرير و ابن حيان عن جابر بن عبد اللّه قال: «قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): ألا أدلكم على على ما يمحو اللّه به الخطايا، و يكفر به الذنوب قلنا بلى يا رسول اللّه قال: إسباغ الوضوء مع المكاره، و كثرة الخطا إلى المساجد، و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط».
أقول: الحديث كسابقه يبين المعنى العام للمرابطة.

المرابطة:
من أهم الموضوعات في الإسلام و هي تؤمن بقاء الشريعة و الحفاظ عليها بعد حدوثها، و تحدد المسؤولية الاجتماعية و الفردية اتجاه الحق و احكام اللّه تعالى، و لا بد من بيان معنى المرابطة في الإسلام و حدودها و آثارها في المجتمع الاسلامي اجمالا.
معنى المرابطة:
المرابطة المأمور بها في الكتاب و السنة: هي الالتزام العملي بالحفاظ على الشريعة و دوام العمل بها و تحديد مسؤولية كل فرد بالنسبة إلى الاجتماع و هي التي تقوي الروابط بين الفرد و المجتمع و توجب اشتراك كل واحد منهما في الهدف و سائر الشؤون و الخصوصيات، و لذا نرى ان الإسلام يهتم بالمجتمع كاهتمامه بالفرد فهما في نظره على حد سواء من الأهمية. و يعتبر أحدهما مكملا للآخر فلا يمكن استغناء أحدهما عن الآخر و ان كليهما ينشدان الكمال المشترك بينهما و هي السعادة الحقيقية و القرب الى اللّه تعالى و الحظوة لديه، و المرابطة من أهم الأسباب التي تؤمن هذه السعادة و الغرض، فهي روح المجتمع الاسلامي و بدونها يتبعد الفرد و الاجتماع عن الصراط المستقيم.
اهمية المرابطة:
المرابطة بمعناها العام من الأمور النظامية الاجتماعية بين افراد الإنسان و بدونها يختل النظام و لا يمكن تحصيل السعادة و الفلاح و هي المراد من قول قدماء الفلاسفة: ان الإنسان مدني بالطبع بحسب التعاون و التعاضد و يسعى الى الكمال، فهي المدينة الفاضلة- كما عبر بها بعض الفلاسفة- التي اهتم بها الإنسان من بدء الخليقة و قد دعت الكتب السماوية و الشرائع الإلهية إلى المرابطة و اهتمت بها من جهات شتّى و بينت جميع خصوصياتها، و قد تكفلت الشريعة المقدسة الاسلامية شرح المرابطة و بيان مقوماتها و خصوصياتها المطلوبة و ان القرآن الكريم و السنة الشريفة مشحونان بذلك.
متعلق المرابطة:
ذكرنا ان المرابطة من أهم الواجبات النظامية بل لا يتحقق النظام إلا بالمرابطة و لا يظهر أثرها إلا في المجتمع فهي من أهم الأمور التكوينية في الاجتماع فلا اجتماع إلا بالمرابطة، و لا مرابطة إلا فيه فهما متلازمان حدوثا و بقاءا و ارتفاعا، و قد تقدم ان الإسلام يهتم بالمجتمع، كما يهتم بالفرد و يعتبر أحدهما مكملا للآخر، و يدل على ذلك القرآن الكريم و السنة المقدسة، و شواهد من الادلة العقلية قال تعالى: «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» آل عمران- 103، و قال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» الحجرات- 10 إلى غير ذلك من الآيات التي تأمر ببناء المجتمع الاسلامي على الاتحاد و التعاون و التكافل و تأمر بالاهتمام بإتيان الاحكام الإلهية و مراعاة الشريعة فان في ذلك الصلاح و الفلاح، قال تعالى: «وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» الأعراف- ۹٦ و هو يدل على ان سعادة العيش انما تكون بالاجتماع دون الانفراد.
ما فيه المرابطة:
المرابطة انما تكون في ما فيه الخير و الصلاح للأمة و الإفراد و ما يجلب السعادة لهما فتشمل المرابطة جميع جوانب الحياة و ما يتعلق بالدنيا و الآخرة، فتكون المرابطة في ما يتعلق بالفرد مع خالقه فتشمل العبادات كالصلاة و الصيام و غيرهما كما تشمل المعاملات بين الإفراد و العلاقات الفردية و احكام الزواج و غير ذلك فان جميع ذلك انما أنزلها اللّه تعالى‏ لصالح الإنسان و هدايته إلى الكمال الذي أعده اللّه تعالى له.
منهج المرابطة:
بعد ما عرفت ان المرابطة انما تكون في الاحكام الإلهية و المعارف الربوبية و الشريعة المقدسة فلا بد و أن يكون منهج المرابطة مستندا إلى وحي مبين يتعلق بما فيه سعادة الناس و نجاحهم في الدنيا و الآخرة و يعلم جميع جهات الصلاح فيأمر بها و جميع جوانب الفساد فينهى عنها و الا فمع التخلف يكون خطأ محضا بل فيه الإثم و العصيان من كل جهة لفرض ان الموضوع امر اجتماعي و لا تثمر المرابطة في غير ذلك الثمرة المطلوبة منها.
و من ذلك يعلم ان مأخذ المرابطة لا بد ان يكون الثقل الأكبر اي كتاب اللّه تعالى و الثقل الأصغر اي العترة الشارحة للكتاب و إلى ذلك يشير الحديث المعروف بين المسلمين «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي اهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»- و ان من يقوم به المرابطة انما هو اللّه تعالى المطلع على الغيب و العالم بجميع الجزئيات و لا يمكن ان يكون نفس المجتمع كل فرد بحسب شخصه و ذاته، أو نفس المجتمع لا بحسب الإفراد بل فردا معينا باعتباره وكيلا عن جميع الإفراد، لان بطلان الأخير واضح لفرض عدم إحاطة ذلك الفرد بجميع الأمور، و لا الإفراد الذين يوكلونه في ذلك. و أما بطلان الاول فلاختلاف آراء الإفراد، كما هو معلوم، فتكون المرابطة أقرب إلى الفساد منه إلى الصلاح.
و ما عن بعض المفسرين من أن الخطابات القرآنية موجهة إلى الإفراد فيكون ذلك حقا لهم. مردود لان تعلق الخطاب بالجماعة انما هو لأجل ان القوانين المجعولة خطابات موجهة إلى الجماعة في مرحلة الجعل و التشريع، فما ذكره مغالطة بين إنشاء القانون و بين من يتصدى لجعل نفس القانون و لا ربط لأحدهما بالآخر. نعم في القوانين الجعلية القابلة للحل و النقض و الإبرام يمكن ان يتجه ما ذكره كما نشاهد ذلك في القوانين الوضعية حيث تجتمع أفراد المجتمع على انتخاب أفراد معينين أو تجتمع الرعية على نصب فرد رئيسا لهم و في كلتا الصورتين يحق لكل واحد منهما جعل القوانين، و لكن ذلك خارج عن بحثنا فان كلامنا في القوانين الإلهية و المرابطة فيها.
إن قلت: ان اجتماع الامة على جعل الرئيس و إعطاء الصلاحية له في جعل القوانين يكون بشروط خاصة، فإذا تخلّف أحدها ينعزل بنفسه بلا احتياج إلى عزل، كما هو المشهور بين الفقهاء من انه إذا اختلت عدالة الحاكم الشرعي ينعزل بنفسه.
قلت: اطلاق قوله تعالى: «وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِيناً» الأحزاب- ۳٦ و كذا قوله تعالى:
«وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ» القصص- ٦۸ ينفي ذلك و هو يدل على ان نصب الحاكم انما يكون منحصرا في النصب الالهي، و يدل على ذلك ما ذكره الفقهاء في الحاكم الشرعي المنصوب من قبل الشرع مثل قولهم (عليهم السلام): «فاني جعلته حاكما» فلو فقد بعض الشروط منه يزول‏ الموضوع فيزول الحكم لا محالة و اما في غيره فمقتضى الأصل عدم حجية قوله و فعله و آرائه و تفصيل الكلام يطلب من موضعه راجع (مهذب الاحكام) كتاب القضاء هذا موجز ما أردنا ذكره في المرابطة.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"