كتابا، و سنة، و إجماعا، بل و عقلا في الجملة، قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى۱، و من السنة كما سيأتي.
و هي خمسة: الأول: التساوي في الحرية و الرقية (۱)، فيقتل الحر بالحر و بالحرة مع ردّ فاضل الدية و هو نصف دية الرجل الحر (۲)، و كذا تقتل الحرة بالحرة (۳)، و بالحر لكن لا يؤخذ ما فضل من دية المقتول من تركتها أو من وليها (٤).
إجماعا، و نصوصا متواترة، منها ما عن أبي جعفر عليه السّلام في رواية أبي مريم: «أتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله برجل قد ضرب امرأة حاملا بعمود الفسطاط فقتلها، فخيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أولياءها أن يأخذوا الدية خمسة آلاف درهم و غرة و صيف أو وصيفة للذي في بطنها، أو يدفعوا إلى أولياء القاتل خمسة آلاف و يقتلوه»۲.
و في معتبرة أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام: «إن قتل رجل امرأته و أراد أهل المرأة أن يقتلوه أدّوا نصف الدية إلى أهل الرجل»۳، و قريب منها ما رواه هو عن أحدهما عليهما السّلام أيضا4.
للكتاب، و السنة، و الإجماع، بل الضرورة، فعن أبان عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى- يعني: المساواة، و أن يسلك بالقاتل في طريق المقتول المسلك الذي سلكه به من قتله، الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى- تقتل المرأة بالمرأة إذا قتلها٥، و غيره من الروايات.
لقوله تعالى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ٦، و قاعدة أسسها أئمة الدين عليهم السّلام: «ليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه»۷، أو «لا يجني الجاني على أكثر من نفسه»۸، مضافا إلى الإجماع، و نصوص خاصة، منها قول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «إن قتلت المرأة الرجل قتلت به، ليس لهم إلا نفسها»۹.
و منها: معتبرة ابن سنان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول في امرأة قتلت زوجها متعمدة: إن شاء أهله أن يقتلوها قتلوها، و ليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه»۱۰، إلى غير ذلك من الروايات.
و أما خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه السّلام: «في امرأة قتلت رجلا، قال: تقتل و يؤدي وليها بقية المال»۱۱، محمول أو مطروح.
(مسألة ۱): لو لم يقدر وليّ دم المرأة عن أداء فاضل الدية لفقر أو نحوه أو امتنع عن ذلك يؤخر القصاص إلى حين التمكن أو التراضي (٥).
لأن هذا القدر من التأخير لا يعد طلا لدم المسلم عند المتشرعة، لفرض وجود العذر في البين، نعم لا بد و أن يكون الامتناع عن الأداء لعذر مقبول، و إلا فيرجع إلى الحاكم الشرعي.
(مسألة ۲): يتساوى الرجل و المرأة في موجبات الأطراف فيقتص لكل منهما عن الآخر متساويا الأطراف بلا ردّ في البين ما لم تبلغ جراحة المرأة ثلث دية الحر فإذا بلغته ترجع إلى النصف من الرجل فلا يقتص من الرجل لها إلا مع ردّ التفاوت (٦).
كل ذلك للإجماع، و النصوص المستفيضة، منها معتبرة أبان بن تغلب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة، كم فيها؟ قال: عشرة من الإبل، قلت: قطع اثنتين، قال: عشرون، قلت:
قطع ثلاثا؟ قال: ثلاثون، قلت: قطع أربعا؟ قال: عشرون، قلت: سبحان اللّه يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون و يقطع أربعا فيكون عليه عشرون؟! إن هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممن قاله و نقول: الذي جاء به شيطان، فقال: مهلا يا أبان هذا حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، إن المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنك أخذتني بالقياس، و السنة إذا قيست محق الدين»۱۲.
و في معتبرة جميل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة بينها و بين الرجل قصاص؟ قال: نعم في الجراحات حتى تبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل و سفلت المرأة»۱۳، إلى غير ذلك من الروايات، و صريحها هو التساوي بينهما في الأطراف ما لم تبلغ الثلث، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف سواء تجاوزت عن الثلث أو لا.
و لكن عن بعض تساوي جرحاتهما ما لم تتجاوز الثلث، متمسكا بجملة من الأخبار، كقول الصادق عليه السّلام في معتبرة ابن أبي يعفور: «فإذا جاز الثلث أضعف الرجل»۱4، و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجراحات؟ فقال عليه السّلام: جراحة المرأة مثل جراحة الرجل ضعفين على جراحة المرأة»۱٥، و في صحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن جراحات الرجال و النساء في الديات و القصاص سواء؟ فقال: الرجال و النساء في القصاص السن بالسن، و الشجة بالشجة، و الإصبع بالإصبع سواء حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية، فإذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية، و دية النساء ثلث الدية»۱٦، فاستفيد منها المجاوزة عن الثلث.
و فيه- مضافا إلى ترجيح مثل معتبرة أبان على مثل هذه الأخبار أن المجاوزة تستعمل بنحوين، أحدهما بعنوان الموضوعية الخاصة، ثانيهما بعنوان الطريقية إلى تحقق ما قبله، و مقتضى الجمع بين الأدلة، و صدر أدلة التجاوز و ذيلها، هو كون التجاوز بعنوان الطريقية لا الموضوعية، فيجمع تمام الأخبار على شيء واحد، و يمكن أن يكون مراد البعض القائل باعتباره ذلك أيضا.
(مسألة ۳): لو قتل حرّ أكثر من حر فلأولياء المقتولين قتله (۷)، و لا يجوز للباقين أخذ الدية إلا بالرضا (۸).
لعموم أدلة القصاص و القود.
لما تقدم من القاعدة المستفادة قولهم عليهم السّلام: «لا يجني الجاني على أكثر من نفسه»، أو من قوله عليه السّلام: «ليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه»۱۷، فإذا اقتص بعضهم منه فلا موضوع لأخذ الدية حينئذ. و أما قاعدة أنه: «لا يبطل دم امرئ مسلم»۱۸، في ظرف بقاء الموضوع كالهرب و نحوه، لا إذهاب الموضوع بوجه صحيح شرعي، فلا يبقى حينئذ حق آخر بالنسبة إليه. نعم لأولياء الباقين مطالبة الدية من الحاكم الشرعي، و هو يرى المصلحة في ذلك، إما أن يدفعها من بيت مال المسلمين، أو يلزم القاتل بالدفع حفظا للنظام و إذهاب الخصومات بين الأنام.
الثاني: التساوي في الدّين (۹)، فلا يقتل مسلم بكافر مع عدم اعتياده قتل الكفار (۱۰).
إجماعا، و نصوصا مستفيضة، منها قول أبي جعفر عليه السّلام في معتبرة ابن قيس: «لا يقاد مسلم بذمي في القتل، و لا في الجراحات، و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم»۱۹، و في موثق إسماعيل بن الفضل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة؟ قال: لا، إلا أن يكون معوّدا لقتلهم، فيقتل و هو صاغر»۲۰.
و أما ما يظهر منه الخلاف مثل رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«إذا قتل المسلم النصراني فأراد أهل النصراني أن يقتلوه قتلوه، و أدوا فضل ما بين الديتين»۲۱، و قريب منها غيرها۲۲، محمول على الاعتياد كما يأتي.
أما الأول: فلما مرّ، و أما مع الاعتياد فللإجماع، و النصوص، منها معتبرة إسماعيل بن الفضل قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن دماء المجوس و اليهود و النصارى، هل عليهم و على من قتلهم شيء إذا غشوا المسلمين و أظهروا العداوة لهم؟ قال: لا، إلا أن يكون متعودا لقتلهم، قال: و سألته عن المسلم هل يقتل بأهل الذمة و أهل الكتاب إذا قتلهم؟ قال: لا، إلا أن يكون معتادا لذلك لا يدع قتلهم، فيقتل و هو صاغر»۲۳، و تقدم ما يدلّ على ذلك. هذا في غير الحربي و أما فيه فلا يقتل المسلم مطلقا.
ثمَّ إنه يتحقق الاعتياد بالقتل الثاني، لأنه من العود، و هو يصدق بالمرة الثانية.
(مسألة ٤): لا فرق بين أنواع الكفار من الحربي و الذمي و المستأمن و غيرهم (۱۱)، و لو كان الكافر محرم القتل كالذمي و المعاهد يعزّر لقتله و يغرم المسلم دية الذمي منهم (۱۲).
لإطلاق الأدلة الشامل للجميع بلا وجود مقيد في البين، و إن ورد لفظ «الذمي» في جملة منها، لكن الأدلة تشمل المستأمن و الحربي بالأولوية، بل القطعية في الأخير.
إجماعا، و نصا تقدم في قول أبي جعفر عليه السّلام.
(مسألة ٥): يقتص من المسلم المعتاد لقتل الذمي بعد ردّ فاضل ديته (۱۳).
أما أصل جواز الاقتصاص من المسلم المعتاد لقتل الذمي، فقد تقدم وجهه، و أما فاضل الدية، فلمعتبرة سماعة عن الصادق عليه السّلام: «في رجل يقتل رجلا من أهل الذمة، فقال: هذا حديث شديد لا يحتمله الناس، و لكن يعطي الذمي دية المسلم ثمَّ يقتل به المسلم»۲4، و في رواية ابن مسكان عن الصادق عليه السّلام أيضا: «إذا قتل المسلم يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا فأرادوا أن يقيدوا ردّوا فضل دية المسلم و أقادوه»۲٥، و قريب منهما غيرهما المحمولة على الاعتياد، كما مر ورد فاضل الدية كما هو الصريح منها.
(مسألة ٦): يقتل الذمي بالذمي و بالذمية مع ردّ فاضل الدية (۱٤)، و الذمية بمثلها و الذمي مع عدم رد الفضل (۱٥)، بلا فرق بين اختلاف الملة و وحدتها (۱٦)، فيقتل اليهودي بالنصراني و بالعكس و المجوسي بهما و بالعكس (۱۷).
لعموم قوله تعالى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ۲٦، و ظهور الإجماع، و قول علي عليه السّلام في معتبرة السكوني: «يقتص اليهودي و النصراني و المجوسي بعضهم من بعض، و يقتل بعضهم بعضا إذا قتلوا عمدا»۲۷.
و أما قتل الذمي بالذمية مع ردّ الفاضل، فقد تقدم نظيره في قتل المسلم للمسلمة، فيجري في المقام بالفحوى.
لما تقدم من القاعدة في المسلم من أنه: «لا يجني الجاني على أكثر من نفسه»۲۸.
للإجماع، و لأن الكفر ملة واحدة، و لما مرّ من إطلاق قول علي عليه السّلام في معتبرة السكوني.
للإجماع، و لأن الكفر ملة واحدة، و لما مرّ من إطلاق قول علي عليه السّلام في معتبرة السكوني.
(مسألة ۷): لو قتل ذمي مسلما عمدا دفع هو و ماله إلى أولياء المقتولين و يتخيرون بين قتله و استرقاقه (۱۸)، بلا فرق بين كون المال عينا أو دينا منقولا أو لا، و لا بين كونه مساويا لفاضل دية المسلم أو زائدا عليه أو مساويا للأصل الدية أو زائدا عليه (۱۹).
إجماعا، و نصا، قال أبو جعفر عليه السّلام في معتبرة ضريس الكناسي: «في نصراني قتل مسلما، فلما أخذ أسلم، قال: اقتله به، قيل: و إن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوا، و إن شاؤوا عفوا، و إن شاؤوا استرقّوا، قيل:
و إن كان معه عين (مال)، قال: دفع إلى أولياء المقتول هو و ماله»۲۹، و عن الصادق عليه السّلام: «في معتبرة عبد اللّه بن سنان: «في نصراني قتل مسلما فلما أخذ أسلم، قال: اقتله به، قيل: فإن لم يسلم؟ قال: يدفع إلى أولياء المقتول هو و ماله»۳۰.
كل ذلك لإطلاق قول الصادق عليه السّلام فيما تقدم، و ما مرّ في قول أبي جعفر عليه السّلام من لفظ «عين»، لا يراد بهما العين في مقابل الدين و المنفعة، بل المراد به الذات الشاملة لكل ما له ذات، و لو كان من الأعراض و الاعتباريات.
(مسألة ۸): أولاد الذمي القاتل أحرار لا يسترق أحد منهم لقتل والدهم (۲۰)، و لو أسلم الذمي القاتل قبل الاسترقاق يسقط الاسترقاق و يتعين القتل (۲۱).
لأصالة بقاء الحرية بلا دليل يدل على التبعية، مع إطلاق قوله تعالى:
وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى*۳۱.
لعموم أدلة القصاص، و الإجماع، و تقدمت معتبرة ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في نصراني قتل مسلما. فلما أخذ أسلم، قال: اقتله به، قيل: فإن لم يسلم، قال: يدفع إلى أولياء المقتول هو و ماله»، كما مر في صحيح الكناسي أيضا.
(مسألة ۹): لو قتل الكافر كافرا و أسلم لم يقتل به (۲۲)، بل عليه الدية إن كان المقتول ذا دية (۲۳).
لما مر من اعتبار المساواة في الدين للقصاص.
لعموم أدلتها الشامل لهذه الصورة أيضا بعد سقوط القصاص بالإسلام.
(مسألة ۱۰): يقتل ولد الرشدة بولد الزنية إن وصف الإسلام حين تمييزه و إن لم يبلغ (۲٤)، بل و كذا قبل التمييز أو بعده و قبل إسلامه (۲٥).
لعمومات القصاص، و إطلاقاته، بعد وجود المقتضي و فقد المانع بناء على قبول إسلامه، كما تقدم في كتاب الطهارة۳۲.
لإطلاق قوله تعالى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ۳۳، الشامل للمقام أيضا، بعد عدم حكمهم بكفر ولد الزنا، بل يحكمون بطهارته الكاشف شرعا عن تغليب الإسلام مهما أمكن.
إلا أن يقال: إن تغليب الإسلام حكم تسهيلي امتناني، لا يشمل ما يتعقبه القتل، و لكن في كون ذلك من العلة المطردة إشكال، بل منع. نعم هو من الحكمة في الجملة.
(مسألة ۱۱): لو قطع مسلم يد ذمي عمدا فأسلم و سرت الجناية إلى نفسه فلا يقتص من الطرف و لا يقاد من النفس و عليه دية النفس كاملة (۲٦)، و كذا لو قطع صبي يد بالغ فبلغ ثمَّ سرت جنايته فلا قصاص في الطرف و لا قود في النفس بل على عاقلته دية النفس (۲۷).
لعدم تحقق الشرط حين حدوث الجناية، و هو التساوي في الدين، فتتعين الدية على ذمة الجاني لا محالة.
لأن الجناية لم تكن موجبة للقصاص على الجاني حال حصولها من جهة فقد الشرط، لصغر الجاني، و بلوغ المجني عليه، بل وقعت الجناية من حين حصولها مضمونة على العاقلة، فلا موجب للتغيير و التبديل، بل مقتضى الأصل بقاؤه.
(مسألة ۱۲): لو قطع يد حربي- أو مرتد- فأسلم فلا قود و لا دية (۲۸)، و لو رماه فأصابه بعد إسلامه فعليه الدية فقط بلا قصاص (۲۹)، و كذا لو رمى ذميا فأسلم ثمَّ أصابه الرمي فيؤدى و لا يقاد منه (۳۰).
لأن الجناية كانت غير مضمونة على العاقلة، فلا موجب للتغيير، بل مقتضى الأصل بقاء عدم الضمان مطلقا، و ما كان أصله بلا أثر لا يحصل فيه ذلك إلا بدليل قاطع و برهان ساطع.
و ما يقال: من أنه من سنخ الأفعال التوليدية، فيترتب الأثر على البقاء و إن لم يكن في الحدوث كذلك.
مخدوش: لأن سنخ التوليديات يحتاج إلى دليل خاص في الجنايات، و هو في المقام مفقود. و لو أراد الاحتياط بالتراضي و التصالح مع المجني عليه، فهو حسن على كل حال.
أما الدية: فلئلا يبطل دم امرئ مسلم مع أصالة الضمان في الجنايات مطلقا، إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل عليه في المقام.
و أما عدم القصاص: فلأنه لا بد أن يستند إلى كل من الجناية و السراية، الجامعتين للشرائط المعتبرة في كل واحدة منهما، و أصل حدوث الجناية في المقام لا أثر له، لكونها هدرا، فيكون المقام نظير تحقق المعلول بلا علة تامة.
لما مرّ في سابقة من غير فرق.
(مسألة ۱۳): إذا قتل مرتد ذميا يقتل به و إن قتله و رجع إلى الإسلام فلا يقتل به و عليه دية الذمي (۳۱)، و لو قتل ذمي مرتدا و لو عن فطرة قتل به (۳۲)، و لو قتله مسلم فلا قصاص و لا دية عليه و لكن يعزّر بما يراه الحاكم (۳۳).
أما الأول: فلإطلاق أدلة القصاص، و إن الكفر ملة واحدة، فيتحقق التساوي بينهما لا محالة.
و أما الثاني: فلعموم قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «لا يقتل مؤمن بكافر»۳4، و لقاعدة: «الإسلام يجبّ ما قبله»۳٥.
و أما الأخير: فلظهور الإجماع.
لإطلاقات أدلة القصاص، و عموماتها، بلا مقيد و مخصص في البين، مضافا إلى الإجماع.
أما الأول: فلعدم المساواة كما تقدم.
و أما الثاني: فلعدم الاحترام.
و أما الأخير: فلحفظ ظاهر النظام، لئلا يقع الهرج و المرج بين الأنام.
(مسألة ۱٤): إذا وجب على مسلم قصاص فقتله غير الولي كان عليه القود (۳٤)، و لو وجب قتل مسلم لأجل الزنا و اللواط مثلا فقتله غير الحاكم ففي ثبوت القود أو الدية وجهان (۳٥).
لعموم أدلة القصاص، و إطلاقاتها، و سقوط احترامه بالنسبة إلى الولي لا يوجب سقوطه مطلقا، مضافا إلى ظهور الإجماع.
من كونه مهدور الدم، و مسلوب الاحترام في الجملة، فلا شيء على قاتله. و من أن هدرية دمه و سلب احترامه بالنسبة إلى الحاكم لا يوجبان سلب احترامه مطلقا و بالنسبة إلى كل أحد، فلا بد من التدارك.
و يمكن الاختلاف باختلاف الموارد و الخصوصيات، و يكون تعيينها بنظر الحاكم الشرعي، و يشهد له خبر ابن المسيب: «أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري: إن أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله، و قد أشكل عليّ القضاء فسل لي عليا عن هذا، قال أبو موسى: فلقيت عليا عليه السّلام فسألته، فقال علي عليه السّلام: و اللّه ما هذا في هذه البلاد يعني الكوفة، و لا هذا بحضرتي، فمن أين جاءك هذا؟ قلت: كتب إليّ معاوية- إلى أن قال- فقال عليه السّلام: أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد و إلا دفع برمته»۳٦.
(مسألة ۱٥): لو شككنا في كافر أنه ذمي حتى يترتب عليه أحكامه أو لا؟ لا يجري عليه أحكام الذمة (۳٦).
للأصل بعد عدم إحراز الموضوع.
(مسألة ۱٦): الجنايات الواردة من الذمي على ميت مسلم بحكم ما ورد على المسلم الحي و الجنايات الواردة على ميت الذمي لا تكون كالجنايات الواردة على الذمي الحي (۳۷).
أما الأول: فلما تقدم من القاعدة: «حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا».
و أما الثاني: فللأصل، و انتفاء أحكام الذمة بالموت إلا أن يشترط احترام أمواتهم في ضمن عقد الذمة، فحينئذ يتبع الشرط لا محالة.
نعم، للحاكم الشرعي تعزير الجاني بما يراه، لما تقدم مكررا من ولايته على قلع مادة الفساد مهما أمكن، و المقام منه.
الثالث: انتفاء الأبوّة فلا يقتل الأب بقتل ابنه (۳۸)،و كذا أب الأب و إن علا (۳۹).
إجماعا من المسلمين، و نصوصا بين الفريقين، فعن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «لا يقتل والد بالولد»۳۷، و عن الصادق عليه السّلام في معتبرة فضيل بن يسار: «لا يقتل الرجل بولده إذا قتله، و يقتل الولد بوالده إذا قتل «والده»۳۸، و في صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يقتل ابنه، أ يقتل به؟ قال: لا»۳۹، إلى غير ذلك من الروايات.
للإطلاق بعد صدق الموضوع لغة و عرفا، و ظهور الإجماع، مضافا إلى إمكان دعوى الفحوى.
(مسألة ۱۷): تجب الكفارة على الأب بقتل ابنه و الدّية و ترثها الورثة و لا يرث هو منها (٤۰)، و التعزير بما يراه الحاكم (٤۱).
أما الأولان: فللأصل، و الإجماع، و أما إرث الورثة من الدية و عدم إرث القاتل منها، فيأتي في كتاب الإرث إن شاء اللّه تعالى.
لأنه فعل محرما، و للحاكم أن يعزّر مرتكب كل حرام بما يريد، و عليه يحمل رواية جابر عن أبي جعفر عليه السّلام: «في الرجل يقتل ابنه أو عبده، قال:
لا يقتل به، و لكن يضرب ضربا شديدا، و ينفى عن مسقط رأسه»4۰.
(مسألة ۱۸): لا يقتل الأب بقتل ابنه و إن خالفه في الدين و الحرية فلا يقتل النصراني بقتل ابنه المسلم و لا العبد بقتل ابنه الحر (٤۲).
لظهور إطلاق الفتاوى و النصوص كما مر، مع أن هذا من مختصات مقام الأبوة متساويين كانا، أو مختلفين.
(مسألة ۱۹): يقتل الولد بقتل أبيه. و الأم و إن علت يقتل ولدها و يقتل الولد بقتل أمه و الأقارب كالأجداد و الجدات من طرف الأم و الأخوة من الطرفين و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات (٤۳).
كل ذلك لشمول عمومات القصاص، و إطلاقاته، و الإجماع بلا دليل في البين على الخلاف، و يختص الدليل بخصوص الأب فقط، و في معتبرة أبي عبيدة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل أمه؟ قال: يقتل بها صاغرا، و لا أظن قتله بها كفارة له، و لا يرثها»4۱.
(مسألة ۲۰): لو ادّعى اثنان لقيطا (٤٤)، فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود (٤٥)، و لو قتلاه معا فالأرجح الرجوع إلى القرعة (٤٦)، و لو ادعياه ثمَّ رجع أحدهما و قتلاه توجه القصاص على الراجع (٤۷)، لكن بعد ردّ ما يفضل عن جنايته (٤۸)، و على الآخر نصف الدية بعد انتفاء القصاص عنه (٤۹)، و لو قتله الراجع خاصة اختص بالقصاص (٥۰). و لو قتله الآخر لا يقتص منه (٥۱)، و لو رجعا معا فللوارث أن يقتص منهما بعد رد دية نفس عليهما (٥۲)، و كذا لو رجعا أو رجع أحدهما بعد القتل أو رجع من أخرجته القرعة سواء بقي الآخر على الدعوى أو لا (٥۳).
بأن ادعى كل واحد منهما أنه ولده و هو والده، و انحصر طريق التعيين بالقرعة.
) لاحتمال أبوه القاتل، فلا يتحقق مورد القود، و هو إحراز عدم الأبوة بوجه معتبر شرعا، فتثبت الشبهة الدارئة عن الحدّ.
إن قيل: يعين مورد القصاص بالقرعة لتعيين الأبوة، فإن خرجت اسم القاتل أنه ليس بأب يقتل حينئذ، لئلا: «يبطل دم امرئ مسلم»4۲.
يقال: الشك في شمول دليل القرعة لمثل الفرض، يكفي لعدم صحة التمسك به.
للعلم الإجمالي بتعلق حق القصاص بأحدهما، و عدم جواز طل دم امرئ مسلم، و عموم دليل القرعة لكل مشكل، و الاحتياط في التهجم على الدماء، فمقتضى عموم أدلة القصاص الرجوع إلى القرعة و العمل بها.
لانتفائه عنه برجوعه عن دعواه، فيكون المقتضي للقصاص بالنسبة إليه موجودا، و المانع عنه مفقودا، فتشمله عمومات القصاص لا محالة.
لفرض أن القتل وقع بالشركة منه و من غيره، و لا بد في القصاص من التساوي و التوازن.
أما النصف: فلفرض اشتراكهما في القتل، و أما انتفاء القصاص عنه:
فلفرض بقائه على دعوى الأبوة، و عدم رجوعه عنها.
لوجود مقتضى القصاص بالنسبة إليه فقط، و فقد المانع عنه، فلا بد و أن يؤثر دليل القصاص أثره حينئذ.
لبقائه على دعوى أنه ولده، و لا يقتص من الوالد بالولد، كما مر.
أما الاقتصاص منهما: فلفرض الشركة في القتل. و أما رد دية النفس فلأن الشركة إنما توجب تعلّق الحق بالنصف، و يبقى النصف الآخر غير مستحق للاقتصاص، فلا بد من الدية جمعا بين الحقين و رفعا للتخاصم من البين.
لأن الحكم في الرجوع و عدمه مطابق للقاعدة، لا يختلف فيه الحال بين أفراده.
(مسألة ۲۱): إذا قتل أحد الأخوين أباهما و الآخر أمهما فلورثة الأبوين حق الاقتصاص من كل منهما (٥٤)، فلو بادر أحد الأخوين و قتل الآخر و لم يكن مأذونا من جميع الورثة فلولي المقتول حق الاقتصاص من القاتل (٥٥)، و لو لم يكن للأبوين ورثة يكون حق الاقتصاص للحاكم الشرعي (٥٦).
لأن الورثة ولي الدم، فلهم حق الاقتصاص حينئذ.
لما مرّ في سابقة من غير فرق، و لكن على ورثة الأخ المقتول ردّ مقدار حقه اليه، فلو كان ورثة الأبوين خمسة- مثلا- أحدهم قتل الأب، و الآخر منهم قتل الأم فقتله قاتل الأب من دون رضاء بقية الورثة، فلورثة أخ المقتول إعطاء ما يقابل حقه إليه أي الخمس، ثمَّ القود منه و أخذ دية الأم من ماله.
لأنه ولي من لا ولي له.
(مسألة ۲۲): إذا قتل شخص آخر و ادعى القاتل أن المقتول ابنه يقتل و لا يسمع منه إلا بالبينة الشرعية (٥۷).
أما عدم ثبوت دعواه: فللأصل، فيترتب عليه القود، لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ، و أما ثبوتها بالبينة فلعموم أدلة حجية البينة، كما تقدم مكررا.
(مسألة ۲۳): لو قتل رجل زوجته يثبت القصاص عليه لولدها منه (٥۸).
لعمومات أدلة القصاص و إطلاقاتها الشاملة للمقام، و لا مانع في البين إلا ما تقدم من قوله عليه السّلام: «لا يقاد والد بولده»4۳، و هو ظاهر في القتل المباشري، و الشك في شموله لنظائر المقام يكفي في عدم صحة التمسك بإطلاقه.
فما نسبه المسالك إلى المشهور من أنه لا يثبت حق القصاص لهذا الولد، لإطلاق ما تقدم من الحديث و أمثاله.
مخدوش لما عرفت.
و أما صحيح محمد بن مسلم المتقدم في قذف الوالد ولده بما يوجب الحدّ44، و أنه لا يجري على الوالد الحدّ بقذف ابنه، ففي شموله للمقام إشكال.
نعم لا يترك الاحتياط.
الرابع: الكمال بالبلوغ و العقل (٥۹).
لقول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «رفع القلم عن المجنون حتى يفيق»4٥، مضافا إلى الإجماع، و نصوص تأتي الإشارة إليها إن شاء اللّه تعالى.
(مسألة ۲٤): لا يقاد من المجنون و لا قصاص عليه سواء كان المقتول عاقلا أو مجنونا و سواء كان مطبقا أو أدواريا إذا وقع القتل في دور جنونه (٦۰). بل تثبت الدية على عاقلته (٦۱)، و كذا لا يقتل الصبي بصبي و لا ببالغ و عمده خطاء تكون الدية على عاقلته (٦۲).
لإطلاق ما تقدم من النصوص، مضافا إلى الإجماع، كما عرفت.
إجماعا، و نصوصا، منها قول أبي جعفر الباقر عليه السّلام في الصحيح: «كان أمير المؤمنين عليه السّلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته، خطأ كان أو عمدا»4٦.
و عن الصادق عليه السّلام في معتبرة السكوني: «أن محمد بن أبي بكر كتب إلى أمير المؤمنين عليه السّلام يسأله عن رجل مجنون قتل رجلا عمدا، فجعل الدية على قومه و جعل عمده و خطأه سواء»4۷، إلى غير ذلك من الأخبار.
و إذا لم تكن له عاقلة، فالدية على بيت المال يدفعها الحاكم الشرعي كما يأتي.
إجماعا، و نصوصا عامة و خاصة، فمن الأولى قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:
«رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم»4۸، و من الثانية جملة من الأخبار منها قول علي عليه السّلام: «عمد الصبيان خطأ تحمله العاقلة»4۹.
و أما معتبرة السكوني عن الصادق عليه السّلام: «في رجل و غلام اشتركا في رجل فقتلاه، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه، و إذا لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية»٥۰، و كذا معتبرة الحسن بن راشد عن العسكري عليه السّلام: «أنه إذا بلغ ثمان سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجبت عليه الفرائض و الحدود»٥۱، و في المرسل في الكتب الفقهية: «يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا»، فلا بد في الجميع من الحمل أو الطرح، للأصل، و الإعراض، و المعارضة بغيرها، كما تقدم.
(مسألة ۲٥): يتحقق البلوغ في الذكر إما بالسن و هو إكمال خمسة عشر سنة هلالية أو بسائر الأمارات المعتبرة شرعا كالإنبات و الاحتلام على ما تقدم (٦۳)، و في الأنثى بإكمال تسع سنة هلالية أو بالحيض و الإنبات كما مر.
تقدم التفصيل في كتاب الحجر٥۲، فراجع، فلا وجه للتكرار و الإعادة.
(مسألة ۲٦): لو قتل في حال عقله ثمَّ ذهب عقله يثبت القصاص و لا يسقط (٦٤)، سواء ثبت القتل بالبينة أو بالإقرار حال صحته (٦٥).
للأصل، و الإجماع، و معتبرة بريد العجلي، قال: «إن أبا جعفر عليه السّلام سئل عن رجل قتل رجلا فلم يقم عليه الحدّ، و لم تصح الشهادة حتى خولط و ذهب عقله، ثمَّ إن قوما آخرين شهدوا عليه بعد ما خولط أنه قتله؟ فقال:
إن شهدوا عليه انه قتله حين قتله و هو صحيح ليس به علة من فساد عقل، قتل به، و إن لم يشهدوا عليه بذلك و كان له مال يعرف، دفعت إلى ورثة المقتول الدية من مال القاتل، و إن لم يترك مالا، أعطي الدية من بيت المال، و لا يبطل دم امرئ مسلم»٥۳، و مما ذكرنا يظهر حكم الصبي أيضا كما تقدم.
لإطلاق الدليل، و عدم فارق إلا بما لا يصح عليه التعويل.
(مسألة ۲۷): لا يعتبر الرشد في مقابل السفه في القصاص فلو قتل بالغ غير رشيد يثبت عليه القصاص (٦٦).
للإطلاقات، و العمومات، و عدم دليل على التخصيص به، كما قام على حجره عن التصرفات المالية، و مرّ في كتاب الحجر.
(مسألة ۲۸): لو اختلف الولي و الجاني بعد الكمال بالبلوغ و العقل فقال الولي: قتلته و أنت كامل، و أنكر الجاني ذلك فالقول قول الجاني بيمينه و تثبت الدية في ماله دون العاقلة (٦۷)، بلا فرق بين الجهل بتاريخهما أو أحدهما (٦۸)، هذا إذا لم تقم قرائن معتبرة لدى الحاكم على الخلاف و إلا فيعتمد عليها (٦۹).
أما تقديم قول المنكر، فلأصالة عدم الكمال، و أصالة البراءة عن القصاص بعد الشك في تحقق شرطه، مضافا إلى الإجماع.
و أما أن الدية في ماله، فللإقرار بأصل القتل فتثبت لا محالة.
و أما أنها ليست على العاقلة، فللأصل و لأنه وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى*٥4، إلا ببرهان واضح، و هو معلوم العدم.
لشمول الدليل لجميع الأقسام بلا شبهة و لا كلام.
لفرض اعتبارها شرعا، فتقدم على الأصل و المطلق و العام، كما في كل مقام.
(مسألة ۲۹): لو ادعى الجاني عدم بلوغه فعلا و أمكن ذلك في حقه و لم يكن طريق لإثبات بلوغه إلا ذلك يقبل قوله بلا يمين (۷۰)، و لا أثر للإقرار بالقتل إلا بعد العلم بزمان بلوغه و بقائه على الإقرار به (۷۱).
أما قبول قوله، فلانحصار الطريق فيه، و المفروض إمكانه في حقه.
و أما عدم اليمين، فللزوم الخلف، لأن الحلف إنما هو لإثبات المحلوف عليه، و لو ثبت صباه بطلت يمينه.
إلا أن يقال بعدم انحصار فائدة الحلف في ذلك، بل له فوائد منها فصل الخصومة، و قطع النزاع في الظاهر.
لفرض عدم تكليفه بشيء قبل ذلك.
(مسألة ۳۰): لو قتل الكامل الصبي قتل به و الأحوط لوليه التصالح بالدية (۷۲). و لا يقتل العاقل بالمجنون (۷۳). و إن كان أدواريا مع كون القتل حال جنونه (۷٤)، و تثبت الدية على القاتل مع العمد و شبهه و على العاقلة مع الخطاء المحض (۷٥)، و لو كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شيء عليه من قود و لا دية و يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين (۷٦).
أما قتل الكامل لو قتل الصبي، فللعمومات من الكتاب و السنة، كما تقدم من دون ما يصلح للتخصيص و التقييد، مضافا إلى دعوى الإجماع، و عن الصادق عليه السّلام: «كل من قتل شيئا صغيرا أو كبيرا بعد أن يتعمّد، فعليه القود»٥٥.
و أما الاحتياط فللخروج عما نسب إلى الحلبي من خلافه في ذلك، و قال:
«إنه لا يقتل به»، فإن كان نظره إلى ما يأتي في المجنون فهو مخدوش، لأن استفادة الكبرى و الكلية مما ورد في المجنون مشكل جدا، و قد اعترف بعض بعدم المستند له.
إجماعا، و نصا، ففي معتبرة أبي بصير المتقدمة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل رجلا مجنونا؟ فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله، فلا شيء عليه من قود و لا دية، و يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين، قال: و إن كان قتله من غير أن يكون المجنون أراده، فلا قود لمن لا يقاد منه، و أرى أن على قاتله الدية في ماله يدفعها إلى ورثة المجنون، و يستغفر اللّه و يتوب إليه»٥٦، و لا فرق في المقتول بين أن يكون ابن المجنون، أو أجنبي عنه.
لشمول الدليل له أيضا، بعد فرض كون القتل حال الجنون.
لما يأتي من التفصيل.
إجماعا، و نصا تقدم في معتبرة أبي بصير، و في رواية أبي الورد قال:
«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أصلحك اللّه رجل حمل عليه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة فتناول الرجل السيف من المجنون فضربه فقتله، فقال عليه السّلام: أرى أن لا يقتل به، و لا يغرم ديته، و تكون ديته على الإمام، و لا يبطل دمه»٥۷.
و لكن يشكل الحكم في ما لو كان الجنون شديدا و خطرا، كالسبع الضاري، فيكون دمه هدرا حينئذ، و لا يكون على الإمام أو من بيت مال المسلمين، و لعل مراد المشهور ذلك.
(مسألة ۳۱): لا قود على النائم و عليه الدية في ماله (۷۷)، و كذا المغمى عليه (۷۸).
أما الأول: فللنص، و الإجماع، و عدم القصد، و عن علي عليه السّلام: «رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ»٥۸.
و أما الثاني: فلأصالة الضمان على المباشر إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج في المقام.
أما بالنسبة إلى عدم القود: فلظهور الإجماع، و عدم القصد. و أما الدية فلأصالة الضمان، كما مر في النائم.
(مسألة ۳۲): الأعمى إن كان ملتفتا إلى الأمور متوجها إليها خبيرا بها كما في بعض العميان فهو كالمبصر يكون عليه القود بعمده (۷۹)، و إلا يكون عمده خطأ تحمله العاقلة (۸۰).
لإطلاقات القصاص، و عموماته، مع وجود المقتضى و فقد المانع، فلا ريب في الشمول.
للشك في شمول إطلاقات القصاص و عموماته له، و عليه يحمل قول الصادق عليه السّلام في معتبرة الحلبي: «في رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عيناه على خديه، فوثب المضروب على ضاربه فقتله، فقال عليه السّلام: هذان متعدّيان جميعا، فلا أرى على الذي قتل الرجل قودا، لأنه قتله حين قتله و هو أعمى، و الأعمى جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما، فإن لم يكن للأعمى عاقلة لزمته دية ما جنى في ماله يؤخذ بها ثلاث سنين، و يرجع الأعمى على ورثة ضاربه بدية عينيه»٥۹.
و في معتبرة أبي عبيدة عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «سألته عن أعمى فقأ عين رجل صحيحة متعمّدا، فقال: يا أبا عبيدة إن عمد الأعمى مثل الخطأ، هذا في الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فإن دية ذلك على الإمام، و لا يبطل حق مسلم»٦۰، المحمول على ما إذا لم تكن له عاقلة، كما مرّ في معتبرة الحلبي.
فالأقسام ثلاثة:
الأول: ما لو أحرز فطانته في الأمور. و قد تقدم أن حكمه القصاص لو كان القتل عمدا.
الثاني: ما لو أحرز عدمه، فيكون عمده خطأ تحمله العاقلة، كما مر.
الثالث: ما شك فيه، و يمكن إلحاق القسم الثالث بالأول، لما يستفاد من مجموع أدلة الجنايات أصالة الاقتصاص، إلا ما خرج بدليل معتبر، و ليس هذا من التمسك بالأصل اللفظي حتى يقال أنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و لكن مع ذلك في تأسيس هذا الأصل إشكال، لأنه تهجم على الدماء، فالعمدة هو الإجماع.
(مسألة ۳۳): السكران لعذر شرعي- و كان بحيث لا يحصل منه العمد و الاختيار- لا قصاص عليه (۸۱)، و أما إن كان آثما في سكره و كان بحيث يحصل منه العمد و الاختيار فعليه القود (۸۲). و كذا لو شك في حصولهما منه و عدمه (۸۳)، و أما لو كان بحيث لا يحصلان منه فالأحوط عدم القصاص (۸٤).
لانتفاء القصد، مضافا إلى ظهور الإجماع.
لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة لا محالة.
و أما معتبرة السكوني عن الصادق عليه السّلام قال: «كان قوم يشربون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم، فرفعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فسجنهم، فمات منهم رجلان و بقي رجلان، فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين أقدهما بصاحبينا، فقال علي عليه السّلام: للقوم: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تقيدهما، قال علي عليه السّلام: فلعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه، قالوا لا ندري، فقال علي عليه السّلام:
بل أجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة، و آخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين»٦۱، فيمكن أن يكون قوله عليه السّلام: «فلعل ذينك ..» تسكيتا للقوم و اقحاما لدعواهم بإيقاع هذا الاحتمال في أذهانهم، و لذلك سكتوا، فلا يمكن أن يستفاد من الجملة المتقدمة لزوم القود و لا عدمه.
فما ذكره صاحب الجواهر (قدس اللّه نفسه الشريفة) من أن الجملة المتقدمة ظاهرة في القود، مخدوش.
و ما في ذيل الحديث موافق لقاعدة احترام النفوس، و لزوم التضمين في الجراح و الدماء، و يظهر ما ذكرناه من صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين في أربعة شربوا مسكرا فأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان و جرح اثنان، فأمر المجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة، و قضى بدية المقتولين على المجروحين و أمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية، فإن مات المجروحان فليس على أحد من أولياء المقتولين شيء»٦۲. و كيف كان فمقتضى القاعدة ما ذكرناه.
لاستصحاب بقاء العمد و الاختيار في الفاعل المختار.
من أنه تهجم على الدماء، فلا بد و أن يتأمل فيه. و من إمكان دعوى أصالة القصاص مطلقا، إلا ما خرج بالدليل، و قد مر أن هذا الأصل يستفاد من مجموع أدلة الجنايات، و كثرة اهتمام الشارع به مطلقا بعد أن تثبت الجناية، و لكن تقدم الإشكال فيه.
(مسألة ۳٤): لو شرب مرقدا، أو بنّج نفسه، و فعل غيرهما مما يحصل فعل السكر به يلحق بالسكران (۸٥).
للقطع بوحدة المناط في الجميع.
الخامس: أن لا يكون المقتول ممن أباح الشارع دمه (۸٦).
نصوصا كما مرت٦۳ و إجماعا، و اعتبارا.
(مسألة ۳٥): لو قتل من أهدر الشرع دمه كالساب للنبي صلّى اللّه عليه و آله و المدافع عن نفسه أو عن عرضه كما تقدم أو قصاصا فلا قود و لا قصاص (۸۷).
لفرض أنه لا احترام لدم المقتول شرعا، فلا موضوع للقصاص حينئذ. هذا إذا ثبت إباحة الدم، و إلقاء الاحترام شرعا بالنسبة إلى مباشر القتل.
و أما غير ذلك فسيأتي حكمه.
(مسألة ۳٦): لو ثبت قتله للزنا أو اللواط أو نحوهما عند الحاكم الشرعي فالأحوط ترك قتله من دون الاستيذان منه (۸۸).
أما أصل جواز قتله، فلما تقدم من العمومات و الإطلاقات، و أما الاستيذان من الحاكم الشرعي مطلقا- خصوصا بالنسبة إلى الولد- فلأنه نصب لتشخيص هذه الجهات و تنظيمها و بما يقتضي نظره، فلا بد من المراجعة إليه.
(مسألة ۳۷): لو ادعى الولي أن المقتول كان محقون الدم و ادعى القاتل أنه كان مهدورا و لم يكن لأحدهما بينة فالمرجع حينئذ إلى الحاكم الشرعي (۸۹).
لأنه قد يكون من التداعي كما في المتن، و قد يكون من المدعي و المنكر، و لا بد في جميع ذلك من الرجوع إليه، لأنه منصوب لأمثال ذلك، و الشاهد يرى ما لا يراه الغائب.
(مسألة ۳۸): لو كان الأب مهدور الدم لارتداد و نحوه يجوز للابن قتله (۹۰).
لفرض هدر دمه، فتشمله العمومات و الإطلاقات، كما مر.
- سورة البقرة: ۱۷۸.
- الوسائل: باب ۳۳ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ٥.
- الوسائل: باب ۳۳ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ٦.
- الوسائل: باب ۳۳ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ۷.
- الوسائل: باب ۱۹ من أبواب القصاص في النفس: ۸.
- سورة المائدة الآية: 4٥.
- الوسائل: باب ۳۳ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ۱.
- الوسائل: باب ۳۳ من أبواب القصاص في النفس الحديث:۱۰.
- الوسائل: باب ۳۳ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ۳.
- الوسائل: باب ۳۳ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ۱.
- الوسائل: باب ۳۳ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ۱۷.
- الوسائل: باب 44 من أبواب ديات الأعضاء: ۱.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب قصاص الطرف: ۳.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب قصاص الطرف الحديث: 4.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب قصاص الطرف الحديث: ۲.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب قصاص الطرف الحديث: ٦.
- تقدم في صفحة: ۲۱۸.
- راجع الوسائل: باب 4 من أبواب العاقلة: ۱.
- الوسائل: باب 4۷ من أبواب قصاص النفس الحديث: ٥.
- الوسائل: باب 4۷ من أبواب قصاص النفس الحديث: ٦.
- الوسائل: باب 4۷ من أبواب قصاص النفس الحديث: 4.
- الوسائل: باب 4۷ من أبواب قصاص النفس الحديث: ۲.
- الوسائل: باب 4۷ من أبواب قصاص النفس الحديث: ۱.
- الوسائل: باب 4۷ من أبواب قصاص النفس الحديث: ۳.
- الوسائل: باب 4۷ من أبواب قصاص النفس الحديث: ۲.
- سورة المائدة الآية: 4٥.
- الوسائل: باب 4۸ من أبواب قصاص النفس: ۱.
- تقدم في صفحة: ۲۱۸.
- الوسائل: باب 4۹ من أبواب القصاص في النفس: ۱.
- التهذيب ج: ۱۰ صفحة: ۱۹۰.
- الإسراء الآية: ۱٥.
- راجع ج: ۱ صفحة: ۳۸۰.
- سورة المائدة الآية: 4٥.
- مستدرك الوسائل: باب 4۱ من أبواب القصاص في النفس.
- راجع ج: ۷ صفحة: ۲۸۸.
- الوسائل: باب ٦۹ من أبواب القصاص في النفس.
- سنن الترمذي كتاب الديات باب: ۹.
- الوسائل: باب ۳۲ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ۳.
- الوسائل: باب ۳۲ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ۷.
- الوسائل: باب ۳۲ من أبواب القصاص في النفس: ۹.
- الوسائل: باب ۳۲ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ٥.
- الوسائل: باب 4 من أبواب العاقلة: ۱.
- الوسائل: باب ۳۲ من أبواب القصاص في النفس الحديث: ۱.
- راجع صفحة: ۲۰.
- الوسائل: باب 4 من أبواب مقدمة العبادات.
- الوسائل: باب ۱۱ من أبواب العاقلة الحديث: ۱.
- الوسائل: باب ۱۱ من أبواب العاقلة الحديث: ٥.
- الوسائل: باب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: ۱۱.
- الوسائل: باب ۱۱ من أبواب العاقلة: ۳.
- الوسائل: باب ۱۱ من أبواب العاقلة: 4.
- الوسائل: باب ۲۸ من أبواب حد السرقة: ۱۳.
- راجع ج: ۲۱ صفحة: ۱۲۱.
- الوسائل: باب ۲۹ من أبواب القصاص في النفس: ۱.
- سورة الإسراء الآية: ۱٥.
- الوسائل: باب ۱۹ من أبواب القصاص في النفس: ٥.
- الوسائل: باب ۲۸ من أبواب القصاص في النفس: ۱.
- الوسائل: باب ۲۸ من أبواب القصاص في النفس: ۲.
- الوسائل: باب 4 من أبواب مقدمة العبادات: ۱۱.
- الوسائل: باب ۱۰ من أبواب العاقلة: ۱.
- الوسائل: باب ۳٥ من أبواب القصاص في النفس: ۱.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب موجبات الضمان الحديث: ۲.
- الوسائل: باب ۱ من أبواب موجبات الضمان الحديث: ۱.
- راجع صفحة: ۳۱- ۳٥.