1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الصلاة
  10. /
  11. فصل ينبغي للمصلّي
ينبغي للمصلّي- بعد إحراز شرائط صحة الصلاة و رفع موانعها- السعي في تحصيل شرائط قبولها (۱).و رفع موانعه (۲)، فإنّ الصحة و الإجزاء غير القبول، فقد يكون العمل صحيحا و لا يعد فاعله تاركا بحيث يستحق العقاب على الترك، لكن لا يكون مقبولا للمولى، و عمدة شرائط القبول (۳) إقبال القلب على العمل (٤)، فإنّه روحه و هو بمنزلة الجسد، فإن كان حاصلا في جميعه، فتمامه مقبول و إلّا فبمقداره فقد يكون نصفه مقبولا، و قد يكون ثلثه مقبولا، و قد يكون ربعه، و هكذا (٥). و معنى الإقبال: أن يحضر قلبه و يتفهم ما يقول و يتذكر عظمة اللّه تعالى، و أنّه ليس كسائر من يخاطب و يتكلّم معه، بحيث يحصل في قلبه هيبته منه، و بملاحظة أنّه مقصّر في أداء حقه (٦) يحصل‏ و له حالة حياء، و حالة بين الخوف و الرجاء بملاحظة تقصيره مع ملاحظة سعة رحمته تعالى. و للإقبال و حضور القلب مراتب و درجات، و أعلاها ما كان لأمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- حيث كان يخرج السهم من بدنه حين الصلاة و لا يحس به (۷)، و ينبغي له أن يكون مع الخضوع و الخشوع‏ و الوقار و السكينة (۸) و أن يصلّي صلاة مودع (۹)، و أن يجدّد التوبة و الإنابة و الاستغفار (۱۰)، و أن يكون صادقا في أقواله كقوله‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏، و في سائر مقالاته (۱۱)، و أن يلتفت أنّه لمن يناجي و ممن يسأل و لمن يسأل (۱۲). و ينبغي أيضا أن يبذل جهده في الحذر عن مكايد الشيطان و حبائله و مصائده التي منها إدخال العجب في نفس العابد، و هو من موانع قبول العمل (۱۳). و من موانع القبول‏ أيضا: حبس الزكاة (۱٤) و سائر الحقوق‏ الواجبة (۱٥). و منها: الحسد، و الكبر، و الغيبة. و منها: أكل الحرام و شرب المسكر. و منها: النشوز و الإباق، بل مقتضى قوله تعالى‏ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ‏ (۱٦) عدم قبول الصلاة و غيرها من كلّ عاص و فاسق. و ينبغي أيضا أن يجتنب ما يوجب قلّة الثواب (۱۷) و الأجر على الصلاة، كأن يقوم إليها كسلا ثقيلا في سكره النوم أو الغفلة، أو كان لاهيا فيها، أو مستعجلا، أو مدافعا للبول أو الغائط أو الريح، أو طامحا ببصره إلى السماء، بل ينبغي أن يخشع ببصره شبه المغمّض للعين. بل ينبغي أن يجتنب كلّ ما ينافي الخشوع و كلّ ما ينافي الصلاة في العرف و العادة، و كلّ ما يشعر بالتكبر أو الغفلة. و ينبغي أيضا أن يستعمل ما يوجب زيادة الأجر و ارتفاع الدرجة، كاستعمال الطّيب، و لبس أنظف الثياب، و الخاتم من عقيق، و التمشط، و الاستياك، و نحو ذلك (۱۸).

لا بأس بالإشارة إلى أمور:

الأول: لا ريب في أنّ الإنسان مركب من أمرين: روح و قوى روحانية تكون من عالم الغيب و الروحانيين، و جسم و قوى جسمانية تكون من عالم الأجسام فالتأما برهة من الزمن لمصالح كثيرة، فكما أنّ للجسم و القوى الجسمانية حوادث و آفات و أمراضا، كذلك للروح و القوى الروحانية أيضا، بل أمراضها أكثر بمراتب من أمراض الجسم، لوقوعها بين جندين عظيمين من جنود الرحمن و جنود الشيطان، تدعوها الأولى إلى التقرب إلى اللّه تعالى و التخلق بأخلاقه و امتثال أوامره و اجتناب نواهيه و السعادة الأبدية، و تحرضها الثانية على الفساد و الإفساد و الشقاوة الدائمية، فتكون الروح الإنسانية لكمال أهمية معركة الحرب العجيبة بين الجندين العظيمين دائما. فكما أنّ للأمراض الجسمانية أطباء و أدوية خاصة، للأمراض الروحانية أيضا أطباء، أعني الأنبياء و المعصومين و العلماء العاملين المبلّغين عنهم عليهم السلام، و أدوية خاصة أهمها العبادات بأنحائها المختلفة، و من أهمّ تلك العبادات و أفضلها الصلاة بشروطها، فهي أحسن درجات سعادة الإنسان و أكملها حتّى لقد اشتهر أنّ الصلاة معراج المؤمن.

فكما أنّ معراج الأنبياء و المرسلين الانقطاع عن العلائق بالكلية، و التوجه إلى ربّ الخلائق من كلّ جهة، فيفيض عليهم ربّهم ما يغنيهم عما سواه من‏

الكمالات و المعارف، فلا بد و أن تكون صلاة المؤمن أيضا فرعا من فروع ذلك الأصل الأصيل، و غصنا من أغصان تلك الشجرة التي ليس لها نظير و مثيل، فلا بد حين التوجه إلى حضرته تعالى بالصلاة من الالتزام بالجهات الدينية و الخلو عن العلائق الدنيوية، و دفع الأنجاس عن نفسه الظاهرية منها و الباطنية، و يتطهر من دنس الذنوب و الأخلاق الذميمة حتّى تترتب على صلاته الفوائد التي جعلها اللّه تعالى لها في الدنيا و الآخرة التي منها الارتداع عن الفحشاء و المنكر. و يقبح كلّ القبح على من يحضر في اليوم و الليلة خمس مرات لدى مالك الملوك الرحيم الودود، و مصدر الجود و الكرم و الإفاضة و لا يستفيد منه شيئا و يرجع صفر الكف.

الثاني: حيث إنّ الصلاة أفضل القرب و أحسن العبادات فما يتعلّق بها من الأحكام التكليفية و الوضعية و سائر الجهات كثيرة جدّا حتّى قال مولانا الرضا عليه السلام: «الصلاة لها أربعة آلاف باب»۱.

و عن الصادق عليه السلام: «للصلاة أربعة آلاف حدّ»۲.

و قد فسر العلماء هذين الحديثين، فعن الشهيد: أنّ المراد بهما الواجبات و المندوبات فجعل الواجبات ألفا تقريبا و وضع لها كتابه الذي سماه ب (الألفية)، و المندوبات ثلاثة آلاف و وضع لها كتابه الذي سماه (نفلية). و لكن عن شيخنا الحر العاملي في كتابه (بداية الهداية) أنّ الواجبات في الفقه بأجمعه ألف و خمس و ثلاثون، و المحرّمات ألف و أربعمائة و ثمان و أربعون. فراجع و تأمل في الجمع بينهما. كما أنّ الدسائس الشيطانية و وساوسه بالنسبة إلى الصلاة أكثر من كلّ عبادة فلا بد و أن يهتم بدفعها اهتماما بليغا.

الثالث: الخلوص و الإخلاص و حضور القلب و إقباله في الصلاة و سائر العبادات روح العبادة و حقيقتها التي بها قوامها و بانتفائها تكون كجسد لا حياة فيه، و قد أمر اللّه تعالى بالإخلاص و مدح المخلصين في جملة كثيرة من الآيات.

و الإخلاص تارة يكون بالنسبة إلى أصل التوحيد. و أخرى بالنسبة إلى العمل العبادي، و قد ورد عن أبي عبد اللّه عليه السلام تفسير كلّ منهما فقال‏

عليه السلام في خبر ابن حمران: «من قال لا إله إلّا اللّه مخلصا دخل الجنة، و إخلاصه أن يحجزه لا إله إلّا اللّه عمّا حرّم اللّه»۳.

و قال عليه السلام: «و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا اللّه عزّ و جلّ»4.

ثمَّ إنّ ثمرة الإخلاص و الخلوص تظهر في الدنيا و الآخرة، و قد روى الفريقان عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من أخلص للّه أربعين يوما فجر اللّه ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»٥.

و قال عليّ عليه السلام: «بالإخلاص يكون الخلاص»٦.

و قال عليه السلام أيضا: «و تخليص النية من الفساد أشدّ على العالمين من طول الجهاد»۷.

و إطلاقه يشمل الخلاص عن جميع المتاعب و المهالك الدنيوية و الأخروية.

و قد ورد الترغيب إلى الخلوص و الإخلاص في الكتاب و السنة بما لا يحصى، و يمكن إقامة الدليل العقلي على لزومه، لأنّه من أهم مصاديق شكر المنعم، و أهم العلاجات في الأمراض الروحية، و أسرع طريق لكشف الواقعيات عليه، و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أفضل العبادة الإخلاص، و أدنى مقام المخلص في الدنيا السلامة من جميع الآثام، و في الآخرة النجاة من النار، و الفوز بالجنة»۸.

و في الخطبة المتواترة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بين الفريقين التي خطب بها في المسجد الخيف بمنى في حجة الوداع: «نضر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها

ثمَّ بلّغها إلى من لم يسمعها فربّ حامل فقه إلى غير فقيه، و ربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ: قلب امرئ مسلم، إخلاص العمل للّه و النصيحة لأئمة المسلمين، و اللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم، و هم يد على من سواهم»۹.

و عن مولانا العسكري عليه السلام: «لو جعلت الدنيا كلّها لقمة واحدة و لقمتها من يعبد اللّه خالصا لرأيت أنّي مقصّر في حقه»۱۰.

و لو أردنا أن نتعرّض لما ورد في الإخلاص في الكتاب و السنة و بيان فوائده الدنيوية و الأخروية لاحتاج إلى وضع كتاب مستقل، و لا بد للإنسان أن يهتمّ بدفع الأمراض الروحانية المحيطة به من كلّ جهة و التي أفسدت عليه دينه و دنياه، و أظلمت الفضاء عليه و قطعت الأخوّة بيننا، كاهتمامه بدفع الأمراض الجسمانية بأيّ وجه أمكنه، مع أنّ العلاج موجود بين أيدينا و سهل يسير علينا تناوله و أبوابه مفتوحة على الجميع ألا و هو الخلوص و الإخلاص في أعمالنا خصوصا التي هي وديعة اللّه تعالى لدينا.

الرابع: أهم الموانع عن حصول الخلوص و الإخلاص حب العلائق الفانية الدائرة التي تحيط ببني آدم إحاطة الدنيا بأبنائها، و قد جمع ذلك كلّه النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله في قوله: «حب الدنيا رأس كلّ خطيئة»۱۱.

فالإخلاص و الخلوص مع حب الدنيا متنافيان، و لكن حب الدنيا على قسمين: الأول ما يكون بنحو الموضوعية. و الثاني: ما يكون بنحو الطريقية، يعني يحبها لأن يعمل بها في طريق مرضاة اللّه تعالى، و هذا القسم لا بأس به، بل قد يؤيد حصول الخلوص. عصمنا اللّه عزّ و جلّ من القسم الأول.

الخامس: العوالم التي نرد عليها إما عالم الشهادة أو عالم الغيب، و الأخير

بالنسبة إلينا غير متناه. و أما بالنسبة إلى اللّه عزّ و جلّ فلا تعدد في البين الحضور ما سواه لديه تعالى فوق ما نتعقله من معنى الحضور، و شهوده للكلّ فوق ما ندركه من معنى الشهود. و الخلوص و الإخلاص في عبادة اللّه جلت عظمته ارتباط مع علم الغيب في الجملة، إذ الارتباط مع الملك و السلطان ارتباط مع من يتعلق و ما يتعلق به في الجملة، لا سيّما في الارتباط مع مالك الملوك، فيصير الإخلاص له تعالى إلى مرتبة يوجب صدور الكرامات و خوارق العادات على يد المخلصين له تعالى، و يوجب عدم اقتدار الشيطان على الدنو منه‏ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ‏۱۲.

و قال تعالى‏ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ*۱۳. لأنّ نسبة الشيطان إلى حرم الكبرياء نسبة الكلب الواقف عند باب الدار فيمنع الأغيار عن الدخول فيها. و أما أهل الدار فلا يقدر على منعهم، بل هم المسيطرون عليه، و توجيهه لكلّ ما شاؤوا و أرادوا.

و بعبارة أوضح: الخلوص و الإخلاص للّه تعالى في الأعمال و الحالات، كجواز سفر إلهي للسياحة في عوالم الغيب و إتيان التحف منها إلى عالم الشهادة بحسب مراتب الإخلاص و ظرفية المخلص، و هذا مقام عال جدّا، و لذا تواترت نصوص الفريقين بما مضمونة: «إنّ السعي في زيادة كيفية الأعمال أحسن من السعي في زيادة كميتها و إنّ السعي في تصحيح العقائد و الأخلاق أهم من السعي في تكثير الأعمال» قال تعالى‏ وَ قَدِمْنا إِلى‏ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً۱4.

و قال عليّ عليه السلام: «كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ و الجوع، و كم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء حبذا نوم الأكياس و إفطارهم»۱٥.

و في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «مرّ بي أبي- و أنا

بالطواف و أنا حدث، و قد اجتهدت في العبادة- و أنا أتصابّ عرقا فقال عليه السلام: يا جعفر يا بني إنّ اللّه إذا أحب عبدا أدخله الجنة و رضي عنه باليسير»۱٦.

و لو أردنا أن نأتي بالأدلة العقلية و النقلية على ذلك لاحتاج إلى وضع كتاب مستقل.

موانع القبول كثيرة جدا كما يستفاد من الروايات: منها: الحسد۱۷، و سوء الخلق‏۱۸، و يجمعها قوله تعالى‏ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ‏۱۹.

للقبول مراتب مختلفة حسب مراتب الإيمان فأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم قبولا لعمله و صلاته، بل يختلف باختلاف سائر الجهات من الأزمنة و الأمكنة الشريفة و غير ذلك مما هو كثير.

للإقبال على اللّه تعالى و حضور القلب لديه، و كذا إخلاص العمل له درجات و مراتب متفاوتة تدور تلك الدرجات مدار مراتب اليقين باللّه تعالى و الإيمان به عزّ و جلّ، فهي من فروع ذلك الأصل، فمرتبة منه ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «من أسبغ وضوءه، و أحسن صلاته، و أدى زكاة ماله، و سجن لسانه، و كف غضبه، و استغفر ذنبه، و أدى النصيحة لأهل بيت رسوله‏

صلّى اللّه عليه و آله فقد استكمل حقائق الإيمان و أبواب الجنة مفتحة له»۲۰.

هذا بالنسبة إلى بعض المراتب، و مرتبة منه ما قاله صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «سكتوا فكان سكوتهم ذكرا، و نظروا فكان نظرهم عبرة، و نطقوا فكان نطقهم حكمة، و مشوا فكان مشيهم بين الناس بركة، لو لا الآجال التي كتب اللّه عليهم لم تقر أرواحهم في أجسادهم خوفا من العذاب و شوقا إلى الثواب»۲۱.

و بينهما مراتب دون الأولى و فوق الأخيرة حسب مراتب الإيمان باللّه تعالى غير المتناهية، و ما ذكر في الأخبار إنّما هو بحسب الغالب الواقع بين الناس لا بحسب الواقع إذ لا تناسب للمتناهي مع غير المتناهي من جميع الجهات. و هنا أبحاث شريفة لا يقتضي الحال و المقام التعرض لها.

لجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ العبد ليرفع له من صلاته نفسها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها فما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه، و إنّما أمرنا بالنافلة ليتم لهم بما نقصوا من الفريضة»۲۲.

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر الكرخي: «إنّي لأحب الرجل المؤمن منكم إذا قام في صلاة فريضة أن يقبل بقلبه إلى اللّه تعالى و لا يشغل قلبه بأمر الدنيا، فليس من عبد يقبل بقلبه في صلاته إلى اللّه تعالى إلا أقبل اللّه إليه بوجهه، و أقبل بقلوب المؤمنين بالمحبة بعد حبّ اللّه إياه»۲۳.

منها: قوله عليه السلام أيضا في خبر ابن عميرة: «من صلّى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف و ليس بينه و بين اللّه ذنب إلا غفر له»۲4.

و منها: ما عن ابن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «اعلم أنّ الصلاة حجزة اللّه في الأرض، فمن أحب أن يعلم ما أدرك من نفع صلاته، فلينظر فإن كانت صلاته حجزته عن الفواحش و المنكر فإنّما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز، و من أحب أن يعلم ما له عند اللّه فليعلم ما للّه عنده»۲٥.

إذ لا مناسبة بين التراب و ربّ الأرباب، و من تولد من النطفة و الدم و القديم غير المسبوق بالعدم، و يدل عليه جملة من الأخبار:

منها: قول أبي الحسن عليه السلام لبعض ولده: «يا بني عليك بالجد و لا تخرجنّ نفسك من حدّ التقصير في عبادة اللّه عزّ و جلّ و طاعته، فإنّ اللّه لا يعبد حق عبادته»۲٦.

و منها: قول أبي جعفر عليه السلام: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال اللّه عزّ و جلّ: لا يتكل العاملون لي على أعمالهم التي يعملونها لثوابي، فإنّهم لو اجتهدوا و أتعبوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي كانوا مقصّرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي، فيما يطلبون عندي من كرامتي و النعيم في جناتي و رفيع الدرجات العلى في جواري، و لكن برحمتي فليثقوا، و فضلي فليرجوا و إلى حسن الظنّ بي فليطمئنوا»۲۷.

و يدل عليه الدليل العقلي أيضا، فإنّ الطاعة المتناهية لا تناسب الفضل غير المتناهي.

هذه القضية منسوبة إليه عليه السلام و قد نظمها الشعراء و مثل هذه القضايا الدالة على كمال إخلاصه و تفانيه في مرضاة اللّه تعالى كثيرة لو جمعت لصارت كتابا مستقلا، منها ما هو مذكور في كتب الفريقين‏۲۸ من أنّه عليه السلام حين ظفر بعمرو بن عبد ود أساء في وجهه المبارك، فتأمل عليه السلام في قتله و ألقى السيف عن يده و بعد مدة قتله، فسئل عليه السلام عن وجه ذلك، فقال: لما فعل ما فعل اشتد غضبي عليه، فلو كنت قتلته حينئذ كان قتله مستندا إلى هيجان القوة الغضبية و لم يكن خالصا للّه تعالى فتأملت حتّى يطفأ غضبي ثمَّ أقتله خالصا له تعالى.

أقول: فجاهد عليه السلام في فعله هذا بالجهادين الأصغر و الأكبر، فيستحق أن يقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «لمبارزة عليّ عليه السلام لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة»۲۹.

و قد نظمت هذه القضية أيضا بإشعار كثيرة:

منها: ما عن المثنوي في قصيدة مليحة مطلعها: «از علي آموز اخلاص عمل».

للتأسي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المعصومين و عباد اللّه المخلصين، و عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان أبي عليه السلام يقول: كان عليّ بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرك منه شي‏ء إلا ما حرّكت الريح منه»۳۰.

لظهور الإجماع، و حمل ما ذكر في خبر ابن أبي عمير على مجرد المثال.

لقوله عليه السلام في الصحيح: «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة»۱۲.

المحمول على الندب إجماعا.

لقول أبي عبد اللّه عليه السلام: «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة»۱۳.

المحمول على الندب إجماعا.

لما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء و الإقامة حدر»۱4.

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر ابن السري: «الأذان ترتيل و الإقامة حدر»۱٥.

و عنه عليه السلام أيضا: «الأذان و الإقامة مجزومان»۱٦.

و الجزم عدم إشباع الحركة، و الحدر الإسراع في الشي‏ء من غير تأنّ.

بأن يكون بنحو لا يحصل الوصل بالسكون أو الوقف بالحركة و لكن لو حصل أحدهما أو كلّ منهما لا يوجب البطلان كما يأتي في [مسألة ۳۲] من (فصل القراءة) و إن كان خلاف الاحتياط.

لما تقدم في قول أبي جعفر عليه السلام: «الأذان جزم بإفصاح الألف و الهاء و الإقامة حدر».

و عنه عليه السلام أيضا: «التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء و الألف»۱۷.

و الظاهر أنّ ذكر الأذان من باب المثال، فيشمل الإقامة أيضا كما أنّ الإطلاق يشمل كلّ ألف و هاء فيهما، و لا يختص بلفظ الجلالة الذي يكون في آخر الفصل، و هذا نحو تعظيم و تجليل لهذه الكلمة المباركة.

لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر ابن السريّ: «السنة أن تضع إصبعيك في أذنيك في الأذان»۱۸.

و لعله إشارة إلى أنّ المؤذن لا بد و أن يحفظ سمعه عن سماع الملاهي و غير ذكر اللّه تعالى حتّى يجعل اللّه تعالى لصلوته أثرا معنويا في المسامع و القلوب.

لنصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن وهب: «اجهر به‏

و ارفع به صوتك، و إذا أقمت فدون ذلك»۱۹. و عنه عليه السلام في صحيح عبد الرحمن: «إذا أذنت فلا تخفينّ صوتك فإنّ اللّه يأجرك مدّ صوتك فيه»۲۰.

و في صحيح زرارة۲۱ عن أبي جعفر عليه السلام: «لا يجزئك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك أو فهمته، و كلّ ما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر و كان أجرك في ذلك أعظم».

لما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن وهب.

يأتي جميع ذلك في المسائل الآتية، و في (فصل مكروهات الصلاة)، و الجامع ما قاله أبو عبد اللّه عليه السلام: «من خشع قلبه للّه عزّ و جلّ خشعت جوارحه»۳۹.

  1. سفينة البحار ج: ۱ ص: 4۳.
  2. سفينة البحار ج: ۱ ص: 4۳.
  3. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب جهاد النفس حديث: ۱۲.
  4. الوسائل باب: ۸ من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.
  5. سفينة البحار ج: ۱ صفحة 4۰۸.
  6. الوسائل باب: ۸ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۲.
  7. الوافي ج: ۱۰ صفحة: ٦.
  8. مستدرك الوسائل باب: ۸ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳.
  9. سفينة البحار ج: ۱ صفحة ۳۹۲.
  10. سفينة البحار ج: ۱ صفحة 4۰۸.
  11. الوسائل باب: ٦۱ من أبواب جهاد النفس حديث: 4.
  12. سورة ص: ۸۲.
  13. سورة الإسراء: ٦٥.
  14. سورة الفرقان: ۲۳.
  15. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۸.
  16. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳.
  17. الوسائل باب: ٥٥ من أبواب جهاد النفس.
  18. راجع الوسائل باب: ٦۹ من أبواب جهاد النفس.
  19. سورة المائدة: ۲۷.
  20. الوسائل باب: ٥4 من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  21. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۰.
  22. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أعداد الفرائض حديث: ۳.
  23. الوسائل باب: ۲ من أبواب أفعال الصلاة حديث: ٦.
  24. الوسائل باب: ۲ من أبواب أفعال الصلاة حديث: ۷.
  25. الوسائل باب: ۲ من أبواب أفعال الصلاة حديث: ۸.
  26. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
  27. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ٥.
  28. مستدرك الصحيحين ج: ۳ صفحة ۳۳ و راجع تفسير الفخر الرازي ج: ٦ صفحة: ۱۹۷، و راجع سفينة البحار ج: ٦۲.
  29. تاريخ الخطيب البغدادي ج: ۱۳ صفحة ۱۹، و تفسير الفخر الرازي ج: ۳۲ صفحة ۳۱.
  30. الوسائل باب: ۲ من أبواب أفعال الصلاة حديث: ۳.
  31. الوسائل باب: ۲ من أبواب أفعال الصلاة حديث: ٥.
  32. سورة يوسف: ۱۰٦.
  33. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب صفات القاضي حديث: ۹.
  34. الوسائل باب: ۸ من أبواب أعداد الفرائض حديث: ۱۲.
  35. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۲.
  36. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۸.
  37. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳.
  38. الوسائل باب: ۱ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: ۱.
  39. الوسائل باب: ۱ من أبواب أفعال الصلاة حديث: ۱٦.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"