1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الصلاة
  10. /
  11. فصل في صلاة المسافر
لا إشكال في وجوب القصر على المسافر (۱)- مع اجتماع الشرائط الآتية- (۲) بإسقاط الركعتين الأخيرتين من الرباعيات (۳). و أما الصبح و المغرب فلا قصر فيهما (٤) و أما شروط القصر فأمور: (الأول): المسافة (٥) و هي ثمانية فراسخ امتدادية (٦) ذهابا أو إيابا، أو ملفقة من الذهاب و الإياب (۷) إذا كان الذهاب أربعة أو أزيد، بل مطلقا على الأقوى (۸)، و إن كان الذهاب فرسخا و الإياب سبعة، و إن كان الأحوط في صورة كون الذهاب أقل من أربعة مع كون المجموع ثمانية الجمع (۹)، و الأقوى عدم اعتبار كون الذهاب و الإياب في يوم واحد أو ليلة واحدة أو في الملفق منهما (۱0)، مع اتصال إيابه بذهابه (۱۱) و عدم قطعه بمبيت ليلة فصاعدا في الأثناء (۱۲)، بل إذا كان‏ من قصده الذهاب و الإياب و لو بعد تسعة أيّام يجب عليه القصر (۱۳)، فالثمانية الملفقة- كالممتدة- في إيجاب القصر، إلا إذا كان قاصدا للإقامة عشرة أيّام في المقصد أو غيره، أو حصل أحد القواطع الأخر، فكما أنّه إذا بات في أثناء الممتدة ليلة أو ليالي لا يضرّ في سفره، فكذا في الملفقة فيقصّر و يفطر (۱٤)، و لكن مع ذلك الجمع بين القصر و التمام و الصوم و قضائه في صورة عدم الرجوع ليومه أو ليلته أحوط (۱٥)، و لو كان من قصده الذهاب و الإياب و لكن كان مترددا في الإقامة في الأثناء عشرة أيّام و عدمها لم يقصّر (۱٦)، كما أنّ الأمر في الامتدادية أيضا كذلك.

لا ريب في ملازمة السفر للمشقة و تغير الأحوال في الجملة خصوصا الأسفار القديمة، فيناسب التسهيل في التكاليف العامة البلوى لعامة المكلفين- كالصلاة و الصوم- و هذا التسهيل حكمة الجعل لا أن يكون علة تامة منحصرة- كما في سائر علل التكاليف الواردة في الشريعة- فلا ينافي أن لا تكون المشقة في جملة الأسفار، بل كانت فيها الراحة من كل جهة، لأنّ حكم التكاليف ملحوظة بالنسبة إلى الغالب و النوع.

بضرورة المذهب، و للنصوص المتواترة ففي صحيح زرارة و ابن مسلم: «قلنا لأبي جعفر عليه السّلام ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي؟

و كم هي؟ فقال: إنّ اللّه عزّ و جل يقول‏ وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر. قالا: قلنا له: أما قال اللّه عزّ و جل و ليس عليكم جناح و لم يقل افعلوا؟!! فكيف أوجب ذلك؟ فقال عليه السّلام: أو ليس قد قال اللّه عز و جل في الصّفا و المروة فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ألا ترى أنّ الطواف بهما واجب مفروض، لأنّ اللّه عزّ و جل ذكره في كتابه و صنعه نبيه، و كذلك التقصير في السفر شي‏ء صنعه النبيّ و ذكره اللّه في كتابه»۱.

لما يأتي من الأدلة على اعتبارها.

للضرورة، و النصوص:

منها: قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي‏ء إلا المغرب ثلاث»۲.

و منها: قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «عشر ركعات ركعتان من الظهر و ركعتان من العصر، و ركعتان من الصبح و ركعتا المغرب و ركعتا العشاء الأخيرة ليس فيهنّ الوهم- إلى أن قال-: فرضها اللّه عزّ و جل- إلى أن قال-: فزاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في صلاة المقيم غير المسافر ركعتين في الظهر و العصر و العشاء الأخيرة و ركعة في المغرب للمقيم و المسافر»۳.

للإجماع، و النصوص التي تقدم بعضها.

للأدلة الأربعة:

أما الكتاب فلقوله تعالى‏ وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ4.

و أما السنة: فقد مر التعرض لبعضها.

و أما الإجماع: فهو من المسلمين.

و أما العقل: فحكمه بأنّ منشأ الاختلاف هو السفر. نعم، هذا من الأحكام غير المستقلة له كما لا يخفى.

البحث في هذه المسألة من جهات:

الجهة الأولى: في تحديد أصل المسافة و قد حدّت في الروايات بتحديدات- إجمالية، و تفصيلية زمانية، و مكانية- كلها ترجع إلى حدّ واحد، و مقتضى المتعارف بين الناس تحديد المسافة بالمساحة المكانية، فيكون التحديد الزماني طريقا إليها، لا أن يكون له موضوعية خاصة- كما أنّه يحمل المجمل على المفصّل في المحاورات العرفية- فيكون مرجع الكل إلى واحد و هو التحديد بحسب المساحة المكانية، و بذلك يجمع بين الشتات من الأخبار.

فمن‏ الأول: قول الرضا عليه السّلام: «التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد، و إذا قصرت أفطرت»٥ و نحوه غيره.

و من‏ الثاني: المشتمل على الأخيرين أيضا، موثق سماعة: «سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال عليه السّلام: «في مسيرة يوم و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ»٦، و عن الصادق عليه السّلام في خبر الكاهلي «التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة و عشرون ميلا- إلى أن قال-: «و قد سافر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ذي خشب و هو مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربعة و عشرون ميلا، فقصر و أفطر، فصار سنة»۷ و المراد بالسنة فرض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالنسبة إلى الموضوع لا فرض اللّه و لا السنة الاصطلاحية.

و عن الرضا عليه السّلام: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم- الحديث-»۸ و هذه الأخبار من محكمات أخبار الباب و مجمع عليها بين الأصحاب، فإن أمكن إرجاع ما خالفها إليها و إلا فلا بد من طرحها.

و أما الأخبار المخالفة فهي: خبر زكريا بن آدم عن الرضا عليه السّلام:

«التقصير في مسيرة يوم و ليلة»۹، و خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام:

«لا بأس للمسافر أن يتم الصلاة في سفره مسيرة يومين»۱0، و خبر أبي نصر عن‏

الرضا عليه السّلام: «في كم يقصر؟ فقال: «في ثلاثة برد»۱۱ و خبر عمرو بن سعيد قال: «كتب إليه جعفر بن محمد (أحمد) يسأله عن السفر في كم التقصير؟

فكتب عليه السّلام بخطه و أنا أعرفه قد كان أمير المؤمنين عليه السّلام إذا سافر أو خرج في سفر قصر في فرسخ، ثمَّ أعاد إليه المسألة من قابل، فكتب إليه في عشرة أيام»۱۲، و خبر المروزي عن الفقيه عليه السّلام: «و التقصير في أربعة فراسخ»۱۳.

فيحمل الأول على ما إذا سار في يوم و ليلة ثمانية فراسخ، و الثاني عليه، و على التقية أيضا، أو على ما إذا سافر فيهما أقلّ من ثمانية فراسخ. و الثالث ليس في مقام الحصر حتى ينافي الأخبار السابقة، و قد ثبت أنّ مفهوم العدد ليس بحجة خصوصا في مثل المقام. و الرابع على أنّ القصر في فرسخ، لأنّه مثل القصر في حدّ الترخيص بعد تحقق شروط المسافة لا أن يكون الفرسخ تحديدا للمسافة، و ذيله مجمل لا وجه للاستناد إليه في مقابل المحكمات المفصّلات، و يحمل الأخير على الفراسخ الخراسانية التي تكون ضعف غيرها، أو على ما إذا ذهب أربعة فراسخ و رجع كذلك.

فرع: الظاهر أنّ المراد باليوم في الأخبار هو اليوم الصومي، لأنّ المتعارف في السير في الأزمنة القديمة كان من أول طلوع الفجر إلى المغرب مع أنّه قد ذكر في بعض الأخبار (بياض يوم)۱4 و هو ظاهر في ذلك.

الجهة الثانية: أنّ الثمانية أعمّ من الامتدادية ذهابا و إيابا و التلفيقية المركبة منهما كما نسب إلى القدماء و المشهور، و يدل عليه أولا: إطلاق ما تقدم من الأخبار، فإنّ مقتضاه الشمول للملفقة أيضا.

و ثانيا: جملة من الأخبار الخاصة و هي على قسمين:

الأول: صحيح ابن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أدنى ما

يقصر فيه المسافر الصلاة؟ قال عليه السّلام: «بريد ذاهبا و بريد جائيا»۱٥، و عن زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن التقصير، فقال عليه السّلام:

بريد ذاهب و بريد جائي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتى ذبابا قصر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك، لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»۱٦، و عن معاوية بن عمار قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «في كم أقصر الصلاة؟ فقال عليه السّلام: «في بريد ألا ترى أنّ أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير»۱۷، الظاهر في البريد ذاهبا و البريد جائيا بقرينة أخبار المقام من صحيح ابن وهب و غيره.

الثاني: ما حكم التقصير فيها بالبريد كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح الشحام: «يقصر الرجل الصلاة في مسير اثني عشر ميلا»۱۸، و قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «التقصير في بريد و البريد أربع فراسخ»۱۹، و عن الخزاز: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال عليه السّلام: «بريد»۲0 إلى غير ذلك، و مقتضى الجمع العرفي حملهما على ما إذا ذهب بريدا و رجع كذلك بقرينة ما تقدم من صحيح ابن وهب و غيره.

و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عن التقصير قال عليه السّلام: في بريد. قلت: بريد؟ قال عليه السّلام: «إنّه إذا ذهب بريدا و رجع بريدا فقد شغل يومه»۲۱، و في صحيح ابن شاذان عن أبي الحسن عليه السّلام «لأنّ ما نقصر فيه الصلاة بريدان ذاهبا أو بريد ذاهبا و بريد جائيا، و البريد أربعة فراسخ»۲۲ و عن أبي الحسن عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار:

«لأنّ التقصير في بريدين و لا يكون التقصير في أقل من ذلك، فإذا كانوا قد ساروا

بريدا و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير»۲۳.

و يظهر من ذلك كله ضعف ما عن الشهيد، و صاحب المدارك و غيرهما من الميل إلى التخيير في الثمانية الملفقة جمعا بين الأخبار، لأنّه خلاف ظاهرها خصوصا أخبار عرفة المشتملة على التوبيخ على ترك التقصير لأهل مكة إن خرجوا إلى عرفة و يكون الجميع بمنزلة الشارحة و المشروحة فلا تنافي بينها حتى يحمل على التخيير.

كما يظهر ضعف ما عن ابن زهرة، و أبي الصلاح من تعين التمام في الأربعة مطلقا، لكونه طرحا لجملة من الأخبار المعتبرة بلا وجه.

و أما ما نسب إلى الكليني من الاكتفاء بالأربعة الامتدادية مطلقا، (ففيه) ما ذكره في الجواهر: من أنّ الظاهر الاتفاق على وجوب التمام في مثل الفرض- كما اعترف به المقدّس البغدادي، و صرّح به ابن حمزة في وسيلته- لظاهر النصوص، خصوصا ما اشتمل منها على أنّ أدنى المسافة بريد ذاهب و بريد جائي‏۲4. و من نظر إلى مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض و ملاحظة جهة الشارحية و المشروحية فيها لا يجد بدا إلا من الاعتراف بما قلناه.

الجهة الثالثة: هل يشترط في المسافة التلفيقية كون الذهاب أربعة فراسخ، فلا يجري التلفيق في الأقلّ منها أو يكفي مطلقا و لو كان الذهاب فرسخا و الإياب سبعة- مثلا-؟ ذهب جمع إلى الأخير جمودا على إطلاق الثمانية، و إطلاق شغل اليوم فيما تقدم من صحيح ابن مسلم لتحققهما بالملفقة مطلقا.

و فيه: أنّ ظاهر الأخبار الدالة على التحديد بالبريد، و الدالة على التحديد ذاهبا و جائيا يصح أن يكون مقيدا لهذه المطلقات و لا وجه مع وجودها للتمسك بهذه المطلقات لا أقلّ من الشك في إطلاقها، فلا يصح حينئذ التمسك بها.

إن قلت: التحديد ورد بالنسبة إلى الذهاب و الإياب معا، فيعتبر في كل منها أن يكون أربعة فراسخ لا أقلّ و لا أكثر جمودا على أربعة فراسخ المذكورة في الأخبار.

قلت: أما بالنسبة إلى الأكثر، فهو مقطوع بالخلاف و لم ينقل ذلك عن أحد، و أما بالنسبة إلى الإياب، فظاهرها يقتضي التحديد بالأربعة أيضا لو لم تحمل على الغالب للملازمة الغالبية بين الذهاب أربعة فراسخ و الإياب كذلك أيضا، و يكون التحديد بالأربعة ذهابا مما لا إشكال فيه: إلا أن يقال: إنّ ذكر الأربعة إنّما هو من باب المثال لا الخصوصية بقرينة «شغل اليوم» في صحيح ابن مسلم‏۲٥ مع أنّه لا يتصور وجه للتعبدية المحضة في تحديد الذهاب بالأربعة المحضة بعد إيكال الرضا عليه السّلام ذلك إلى المتعارف في قوله عليه السّلام:

«إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر، لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال، فوجب التقصير في مسيرة يوم»۲٦.

فيكون المراد مقدار مسيرة يوم بأيّ وجه تحقق، و لا بد و أن يكون كذلك لكثرة اختلاف الأسفار امتدادا و تلفيقا و اختلاف أقسام التلفيق جدّا.

و بالجملة: إطلاق قولهم عليهم السّلام: «أربعة و عشرون ميلا»۲۷، و «بريدان»۲۸، و «ثمانية فراسخ»۲۹ يشمل جميع الأقسام المتصوّرة إلا مع دليل معتبر سندا و متنا على الخلاف و هو مفقود، مع أنّ سكوت الأئمة عليهم السّلام عن الفروع العامة البلوى غير مأنوس عنهم، كيف و قد بينوا الآداب و السنن المتعلقة بالسفر، و القصر، و التمام، فكيف ترك ما هو كالأصل و القوام.

و الحاصل: لا فرق بين التلفيق الزماني- كأيام الحيض و الخيار، و الإقامة، و نحوهما- و التلفيق المكاني مطلقا في صحة استفادته من الإطلاقات.

الجهة الرابعة: هل يشترط اتصال السير ذهابا و إيابا في المسافة الملفقة- بأن يكون في يوم واحد، أو ليلة واحدة، أو في الملفق منهما- أو لا يشترط ذلك، فيجزي مطلقا ما لم تتخلل إقامة عشرة أيام بينهما كالمسافة الامتدادية؟

المشهور فيما قارب هذه الأعصار هو الثاني؟ و اختاره صاحب الحدائق و نسبه إلى جملة من أفاضل متأخري المتأخرين، و نسبه العماني إلى آل الرسول.

و يدل عليه أولا: نسبة العماني إلى آل الرسول التي هي أصرح من دعوى الإجماع- كما في الجواهر.

و ثانيا: إطلاقات الأدلة الواردة في مقام البيان في هذا الأمر الابتلائي الذي قلّ اتصال السير فيه في الأزمنة القديمة.

و ثالثا: أخبار وجوب التقصير على أهل مكة عند خروجهم إلى عرفات التي هي كالنص في عدم الاعتبار۳0.

و نسب الأول إلى المشهور بين المتأخرين و به صرّح المرتضى، و ابن إدريس- كما في الحدائق- و استدل له تارة: بما تقدم في صحيح ابن مسلم من التعليل بشغل اليوم‏ بدعوى: كونه ظاهرا في فعلية الشغل و لا يتم ذلك إلا بالرجوع ليومه.

و فيه: أنّ المتفاهم من هذا التعبير عرفا أنّ شغل اليوم طريق و كاشف عن تحقق المسافة المعتبرة شرعا، و ملحوظ طريقا للتحديد لكمية خاصة من الزمان تفرقت أو اجتمعت ما لم تكن في البين قرينة على الاتصال. و أما اعتبار فعلية شغل اليوم، فلا يدل عليه هذا الصحيح بشي‏ء من الدلالات المعتبرة، فهو مثل موثق أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: في كم يقصر الرجل؟ قال:

في بياض يوم، أو بريدين»۳۱، و كذا غيره الظاهر في مجرد المعرفية و الكاشفية المحضة.

و أخرى: بما روي: «من أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام خرج من الكوفة إلى النخيلة، فصلّى بالناس الظهر ركعتين ثمَّ رجع من يومه»۳۲ بناء على أنّ للرجوع من يومه دخل في القصر.

و فيه: أنّه مضافا إلى قصور السند فإنّ الدعوى من مجرد الادعاء، و لا إشارة في الحديث إليه بوجه.

و ثالثة: بموثق سماعة: «عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال‏

عليه السّلام: «في مسيرة يوم و ذلك بريدان و هما ثمانية فراسخ، و من سافر قصر الصلاة و أفطر إلا أن يكون مشيّعا لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد، و إلى قرية له يكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصر و لا يفطر»۳۳ بدعوى: أنّ مسيرة يوم ظاهر في الفعلية امتدادية كانت أو ملفقة، و لكنه لا يقصر و لا يفطر، لانقطاع سفره بقصد محله من قريته أو أهله.

و فيه: أنّه لا إشارة فيه إلى ما نحن فيه، فكيف بالدلالة. و نعم ما قاله في الجواهر: «إنّه يحتاج في انطباقه على ما نحن فيه إلى تجسمات عديدة طويناها مخافة التطويل».

و رابعة: بمرسل المقنع: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أتى سوقا يتسوق و هو من منزله على أربع فراسخ، فإن هو أتاها على الدابة أتاها في بعض يوم، و إن ركب السفن لم يأتها في يوم، قال عليه السّلام: «يتم الراكب الذي يرجع من يومه صوما، و يقصر صاحب السفن»۳4 بدعوى أنّ المراد يتم الراكب الذي لا يرجع من يومه، أو المراد يتم الراكب الذي يتمكن من الرجوع و لم يرجع.

و فيه: أنّه من المأوّل الذي ليس بحجة، بل من أحسن أفراده- كما في الجواهر- فمقتضى ما تقدم من الأدلة تعيّن القصر مطلقا و لا دليل على وجوب التمام، كما لا دليل على ما نسب إلى المشهور من التخيير بينهما لمن لم يرد الرجوع ليومه، لأنّ التخيير بعد تمامية الدليل على كل واحد من طرفيه، و تقدم عدم الدليل على التمام.

نعم، في الفقه الرضوي: «و إن سافرت إلى مقدار أربع فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك، فأنت بالخيار فإن شئت تممت و إن شئت قصرت»۳٥ و لكن الإشكال في اعتباره.

و دعوى: انجباره بدعوى الشهرة ممنوعة في مثل هذه المسألة التي كثرت‏

الأقوال فيها، بل عن بعض المناقشة في تحقق الشهرة على التخيير، و على فرض التحقق، فهي اجتهادية، و يظهر من ذلك ضعف سائر الأقوال التي ذكرها في الحدائق، فراجع.

كل ذلك للإطلاقات و العمومات من غير ما يصلح للتقييد و التخصيص.

تقدم ما يتعلق به في الجهة الثالثة.

للخروج من مخالفة من نسب إليه القول باعتبار عدم كون الذهاب أقل من أربعة.

تقدم ما يتعلق بعدم كون الذهاب و الإياب في يوم واحد في الجهة الرابعة، و المراد باليوم الواحد- كما في أكثر العبارات، أو ليلة واحدة كما عن جمع التصريح بها أيضا، بل عن المصابيح دعوى الإجماع على الاكتفاء بها أيضا- مجرد اتصال السير عرفا، فيشمل الملفق منهما قهرا، كما أنّ المراد بشغل اليوم، أو بياض اليوم الواردين في النص ذلك أيضا و إنّما ذكرا في النص تغليبا لا تقييدا، بل المنساق من مثل هذه التعبيرات الكمية الزمانية أي [۱۲ ساعة] متصلة كانت أو منفصلة ما لم يكن في البين قرينة على الاتصال و لم يكن تحديد شرعيّ في البين.

أي: لم يتخلل في البين أحد قواطع السفر التي يأتي التعرض لها في الفصل التالي.

أي: لا يقطع هذا القسم من الثمانية بمبيت ليلة فصاعدا كما لا يقطع الثمانية الامتدادية أيضا كذلك.

لما مر من شمول الأدلة للتلفيقية مطلقا كشمولها للامتدادية.

هذه العبارات كلها تفصيل لما أجمله عند قوله: «بل مطلقا على الأقوى».

للخروج عن مخالفة من اعتبر الرجوع في اليوم أو ليلته في المسافة التلفيقية من الذهاب و الإياب، و إن لم يكن لهم دليل يصح الاعتماد عليه على ما مر.

راجع الشرط الرابع عند قوله رحمه اللّه: «و كذا يتم لو كان مترددا في نية الإقامة أو المرور على الوطن».

ثمَّ إنّ المعروف عند الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) التمسك بأصالة التمام عند الشك فيه و في القصر، لأنّ وجوب القصر قيّد في الأدلة بقيود خاصة، و مع الشك في تحققها يكون مقتضى الأصل عدمه و يرجع إلى إطلاقات أدلة التمام و عموماته كما هو مقتضى القاعدة في كل ما إذا شك في تقييد المطلق أو تخصيص العام، و قد يجري الأصل الموضوعيّ بالنسبة إلى التمام كما إذا كان الشك في الخروج عن حدّ الترخص و عدمه على ما يأتي في [مسألة ٦٦] و ليس موضوع القصر السفر العرفي مطلقا حتى يصح التمسك بإطلاقات وجوب القصر على المسافر، بل يكون موضوعه سفرا خاصا محددا بحدود خاصة و قيود مخصوصة، و مع هذا الأصل لا يفرض مورد يجب فيه الاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام، لانحلال العلم الإجمالي بهذا الأصل كما لا يخفى، إلا إذا فرض مورد لا يجري فيه هذا الأصل كما يأتي في [مسألة ٤] في ثبوت المسافة بالعدل الواحد و في [مسألة ۷] و نحوهما.

(مسألة ۱): الفرسخ ثلاثة أميال (۱۷)، و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربع و عشرون إصبعا (۱۸)، كل إصبع عرض سبع شعيرات، كل شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون (۱۹).

إجماعا، و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن الحجاج: «أربعة و عشرون ميلا»۳٦.

على المشهور بين الناس كما في الشرائع، و في المستند المشهور المعروف بين اللغويين و الفقهاء، و العرف و قال رحمه اللّه أيضا: «استعمال الفرسخ في اثني عشر ألف ذراع بذراع اليد مقطوع به مشهور بين الفقهاء و اللغويين».

على المشهور بين الناس و الفقهاء. ثمَّ إنّ في مرسل الخزاز تحديد الميل بثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع‏۳۷، و في مرسل ابن بابويه: «أنّه ألف و خمسمائة ذراع»۳۸، و عن بعض اللغويين تحديده بغير ما هو المشهور، و يمكن جعل النزاع لفظيا بالنسبة إلى الاختلاف في الذراع، لأنّ للذراع إطلاقات كثيرة عرفا و لغة، و ليس الذراع في شي‏ء مما هو مخالف المشهور مقيد بذراع اليد، فيمكن أن يكون العدد الذي حدّد به مطلقا هو بعينه أربعة آلاف بذراع اليد فلم يعلم المعارضة لما هو المشهور، مع أنّ الاعتماد في مثل هذا الأمر العام البلوى‏ على الأقوال النادرة و الأخبار الشاذة مما لا وجه له أصلا.

ثمَّ إنّه لا ريب في اختلاف الإصبع و الشعر و الشعير حتى المتوسط منها فيمكن أن يرجع إلى ذلك اختلافات المقام أيضا كما لا يخفى. و كل هذه الاختلافات ساقطة بالمساحة المعروفة في هذه الأعصار، فإنّه يصير ثمانية فراسخ بالمساحة المعروفة و كل فرسخ خمسة كيلو مترات و نصف تقريبا.

فروع- (الأول): لا فرق في المسافة الموجبة للقصر بين السير الجوي في الفضاء، أو في البر و البحر، أو في المراكب منهما، كما لا فرق في قطع المسافة الموجبة للقصر بين قطعها في ساعة واحدة أو أقل أو أكثر.

(الثاني): كلما تحققت المسافة بالأذرع المتوسطة المتعارفة يجب القصر سواء كانت أقل بأذرع متوسطة أخرى أم أكثر كذلك، و سواء علم بذلك أم لا، لتحقق الموضوع، فيشمله إطلاق الأدلة قهرا، لأنّ ثمانية فراسخ في الأدلة لم تلحظ بالنسبة إلى ذراع خاص، بل لوحظت بالنسبة إلى مطلق ما كانت متوسطة عرفا.

(الثالثة): لو كانت المسافة ثمانية فراسخ من الأرض و لم تبلغ إليها من الفضاء- مثلا- يلحق كلا حكمه، فيقصر من سافر من الأرض بخلاف من سافر من الفضاء، و كذا في البر و البحر.

(مسألة ۲): لو نقصت المسافة عن ثمانية فراسخ- و لو يسيرا- لا يجوز القصر، فهي مبنية على التحقيق لا المسامحة العرفية (۲0).نعم، لا يضرّ اختلاف الأذرع المتوسطة في الجملة كما هو الحال في جميع التحديدات الشرعية (۲۱).

التحديدات إما دقية عقلية، أو دقية عرفية، أو مسامحية عرفية و الظاهر منها في الشرعيات هو الوسط، لأنّ الأدلة الشرعية منزلة على المتعارف إلا ما دل الدليل على الخلاف. و ضبط الميل في المقام حتى بالشعرة ليس لأجل كونه مبنيّا على الدقة العقلية، حتى أنّه لو كان أقل بشعرة أو شعرات لا يتحقق الموضوع مع صدق الميل عرفا، بل إنّما هو لأجل بيان المساحة الدقية العقلية أيضا لا من جهة اعتبارها في موضوع الحكم الشرعي.

تقدم وجهه في الفرع الثالث فراجع.

(مسألة ۳): لو شك في كون مقصده مسافة شرعية أو لا، بقي على التمام على الأقوى (۲۲)، بل و كذا لو ظنّ كونها مسافة.

لما تقدم من أصالة التمام، و عن صاحب الجواهر نفي وجدان الخلاف في المقام، و لا فرق فيه بين الظنّ بالمسافة و عدمه، لأنّ الظن غير المعتبر لا يمنع عن جريان الأصل كما ثبت في الأصول.

(مسألة ٤): تثبت المسافة بالعلم الحاصل من الاختبار، و بالشياع المفيد للعلم، و بالبينة الشرعية (۲۳) و في ثبوتها بالعدل الواحد إشكال (۲٤)، فلا يترك الاحتياط بالجمع (۲٥).

أما الثبوت بالعلم، فلأنّه وجدانيّ لكل أحد، و كذا الشياع إن كان مفيدا للعلم، و الظاهر ثبوته بالشياع الاطمئناني أيضا و إن لم يكن مفيدا له قال في الجواهر: «و لو بالشياع المفيد للنفس الاطمئنان الذي يجري مجرى اليقين الخالص عن الاحتمال قريبه و بعيده عند الناس، و لعله لذا عطفه غير واحد من الأصحاب على العلم» و أما الثبوت بالبينة، فلما ثبت في أول الكتاب من عموم اعتبارها إلا ما خرج بالدليل.

منشؤه الشك في ثبوت بناء العقلاء على اعتبار العدل الواحد في الموضوعات مطلقا، و الشك في الثبوت يكفي في عدم الاعتبار، و على فرض الثبوت‏ قد يقال: إنّ خبر مسعدة بن صدقة۳۹ يصلح للردع. و يمكن جعل النزاع لفظيا، فإن أفاد الاطمئنان العرفيّ يعتبر و إلا فلا اعتبار به، و كذا الإشارات و العلامات المنصوبة على الطرق لتحديد المسافات الشائعة في جملة من الدول.

للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما، فيجب الجميع حينئذ أما للعامي‏ فلعدم قدرته على الفحص في الأدلة، فلا يتحقق موضوع جريان أصالة التمام بالنسبة إليه حتى ينحل العلم الإجمالي. و أما للمجتهد، فلبقاء علمه الإجمالي و عدم انحلاله بعد الفحص أيضا، لأنّ جريان أصالة التمام في العلم الإجمالي المردد بين التمام و القصر يوجب الانحلال إذا صار الفحص في الأدلة موجبا لصحة الاعتذار بالأصل الجاري بعد الفحص، لا فيما إذا كان الشك في صحة الاعتذار باقيا بعد الفحص أيضا كما في المقام، فإنّه إذا تحيّر المجتهد في حجية قول العدل الواحد حتى بعد الفحص في الأدلة يكون بمنزلة العامي من هذه الجهة، فليس له الرجوع حينئذ إلى أصالة التمام، فمقتضى العلم الإجمالي هو الاحتياط لا محالة بالنسبة إلى كل منهما هذا إذا لم يحصل الاطمئنان منه، و إلا فلا وجه لوجوب الاحتياط.

(مسألة ٥): الأقوى عند الشك وجوب الاختبار (۲٦) أو السؤال لتحصيل البينة أو الشياع المفيد للعلم، إلا إذا كان مستلزما للحرج (۲۷).

لأنّ الشك الذي يكون مجرى الأصول مطلقا حكمية كانت أو موضوعية- كأصالة التمام أو عدم تحقق المسافة- إنّما هو الشك المستقر، و لا استقرار له قبل الفحص خصوصا إن كان سهلا يسيرا، مع أنّ الشك في شمول أدلة الأصول لما قبل الفحص يكفي في عدم الشمول، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. نعم، خرج الشبهة التحريمية الموضوعية لقيام الدليل من الإجماع و غيره على الترخيص فيها قبل الفحص، و كذا بالنسبة إلى أصالة الطهارة في الشبهات الموضوعية و بقي الباقي إلا أنّه قد ادعي الإجماع على عدم وجوبه في الشبهات الموضوعية مطلقا و عهدته على مدعيه، و قد اختلف نظره (قدّس سرّه) في الشبهات الموضوعية في الكتاب، ففي بعضها أفتى بوجوب الفحص، و في بعضها احتاط وجوبا، و في بعضها احتاط استحبابا فراجع [مسألة ۳] من زكاة النقدين فيما لو شك في النصاب، و [مسألة ۱۳] من كتاب الخمس (المعدن)، و في الحج فيما إذا شك في الاستطاعة إلى غير ذلك مع وحدة المدرك في الجميع.

الظاهر كفاية استقرار الشك بالفحص عرفا و لو لم يكن مستلزما للحرج، لفرض أنّ مورد جريان الأصول الشك المستقر الثابت.

(مسألة ٦): إذا تعارض البينتان فالأقوى سقوطهما و وجوب التمام (۲۸)، و إن كان الأحوط الجمع.

أما السقوط، فلأنّه الأصل في المتعارضين بناء على سقوط الترجيح و التخيير في غير الأخبار المتعارضة. نعم، لو كانت إحدى البينتين مستندة إلى الأصل، أو كان مفادها نفي العلم فقط، و الأخرى مستندة إلى أمارة معتبرة، أو كان مفادها الشهادة بالعلم يؤخذ بما استندت إلى الأمارة المعتبرة أو شهدت بالعلم إذ لا تعارض حينئذ كما لا يخفى. و أما وجوب التمام، فلما تقدم من أصالة التمام في الصلاة إلا ما ثبت القصر فيها و المفروض عدم ثبوته، و أما الاحتياط بالجمع، فلأنّه حسن على كل حال.

(مسألة ۷): إذا شك في مقدار المسافة شرعا وجب عليه الاحتياط بالجمع (۲۹)، إلا إذا كان مجتهدا و كان ذلك بعد الفحص عن حكمه، فإنّ الأصل هو الإتمام.

للعلم الإجمالي، و عدم جريان أصالة التمام لتوقفها على الفحص في الأدلة، و العامي بمعزل عن ذلك. و أما المجتهد، فحيث إنّه قادر عليه فيتحقق مجراها له، و ينحل العلم الإجمالي بذلك. هذا في الشبهة الحكمية و أما الموضوعية، فتجري أصالة التمام بالنسبة إليهما لعدم توقف جريانها فيها على الفحص في الأدلة حتى يختص بالمجتهد، بل تتوقف على الفحص عن جهات أخرى يكون المجتهد و غيره فيها سواء.

(مسألة ۸): إذا كان شاكا في المسافة و مع ذلك قصّر لم يجز (۳0)، بل وجب عليه الإعادة تماما. نعم، لو ظهر بعد ذلك‏ كونه مسافة أجزأ إذا حصل منه قصد القربة مع الشك المفروض، و مع ذلك الأحوط الإعادة أيضا.

لقاعدة الاشتغال، و عدم الإتيان بالمأمور به، و يجزي لو ظهر كونه‏ مسافة مع حصول قصد القربة لوجود المقتضي و فقد المانع بناء على ما ثبت في محله من عدم الدليل على اعتبار الجزم بالنية و الأولى الإعادة خروجا عن خلاف من اعتبره و منه ظهر الوجه في تمام هذه المسألة.

(مسألة ۹): لو اعتقد كونه مسافة فقصّر، ثمَّ ظهر عدمها وجبت الإعادة، و كذا لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثمَّ ظهر كونه مسافة، فإنّه يجب عليه الإعادة (۳۱).

لقاعدة الاشتغال في الصورتين، و عدم كفاية امتثال الأمر الاعتقادي خصوصا مع تبيّن الخلاف.

(مسألة ۱۰): لو شك في كونه مسافة أو اعتقد العدم، ثمَّ بان في أثناء السير كونه مسافة يقصّر و إن لم يكن الباقي مسافة (۳۲).

لأنّ الظاهر من الأدلة أنّ المناط في وجوب القصر قصد مسافة تكون في الواقع ثمانية فراسخ سواء علم بها المكلف أم لا و هذا موجود في الواقع من أول الأمر، و لا دليل على قصد عنوان ثمانية فراسخ بنحو الموضوعية و الخصوصية، و يأتي نظير المقام في [مسألة ۱٤] من (فصل قواطع السفر) و على هذا، فلو أتمّ اعتمادا على أصالة التمام، أو لأجل الاعتقاد بعدم المسافة يعيدها، أو يقضيها قصرا بعد تبيّن الخلاف.

(مسألة ۱۱): إذا قصد الصبيّ مسافة ثمَّ بلغ في الأثناء وجب عليه القصر (۳۳)، و إن لم يكن الباقي مسافة، و كذا يقصر إذا أرادالتطوّع بالصلاة مع عدم بلوغه. و المجنون الذي يحصل منه القصد إذا قصد مسافة ثمَّ أفاق في الأثناء يقصر. و أما إذا كان بحيث لا يحصل منه القصد فالمدار بلوغ المسافة من حين إفاقته (۳٤).

لتحقق القصد، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها. و احتمال عدم الاعتبار بقصده، لما ورد من أنّ «عمد الصبيّ خطأ»40، و «رفع القلم عنه»

(مخدوش) بأنّه على خلاف العرف، و الحديث مختص بالجنايات فقط، كما أنّ المراد برفع القلم الإلزام و العقاب، لا الصحة و الثواب.

و منه يظهر لزوم التقصير عليه إن أراد التطوّع لوجود المقتضي و فقد المانع سواء قلنا بشرعية عباداته أم لا. و من ذلك يظهر حكم المجنون أيضا.

و خلاصة القول: أنّه متى تحقق قصد المسافة بالقصد الصحيح العرفي يترتب عليه الحكم الشرعي- كما في سائر الأمور التي يعتبر فيها القصد عرفا- و ليس فعلية التكليف بالقصر شرطا في صحة قصد المسافة و إلا لدار، فلو قصدت الحائض المسافة ثمَّ طهرت في الأثناء وجب عليها القصر.

لفرض عدم تحقق القصد منه و المفروض تقوّم المسافة الشرعية بالقصد.

(مسألة ۱۲): لو تردد في أقلّ من أربعة فراسخ ذاهبا و جائيا مرّات حتى بلوغ المجموع ثمانية لم يقصر (۳٥)، ففي التلفيق لا بد أن يكون المجموع من ذهاب واحد و إياب واحد ثمانية.

لظهور الأدلة، و إجماع فقهاء الملة في أنّ تشريع التقصير ليس إلا في بريدين ذاهبا و جائيا على ما تقدم، و لأصالة التمام، و عدم صدق المسافر على كثير من أفراده، و المراد بشغل اليوم الوارد في صحيح ابن مسلم‏ ليس مطلق شغله بأيّ وجه اتفق، بل في خصوص ما إذا تحققت سائر الشرائط أيضا، فما عن العلامة رحمه اللّه من الحكم بالتقصير لمن لم يصل في تردده إلى محل الترخص على إشكال تمسكا بالإطلاق ضعيف جدّا.

(مسألة ۱۳): لو كان للبلد طريقان و الأبعد منهما مسافة، فإن سلك الأبعد قصر (۳٦)، و إن سلك الأقرب لم يقصر إلا إذا كان أربعة أو أقل (۳۷) و أراد الرجوع من الأبعد.

لعموم الأدلة، و إطلاقها مضافا إلى دعوى الإجماع، و نسب الخلاف إلى القاضي: لأصالة التمام، (و فيه): أنّه لا وجه لها في مقابل الإطلاق و العموم.

و لأنّه من السفر اللهو. (و فيه): أنّ مثل هذا السفر أعمّ من اللهو قطعا، إذ قد تكون فيه أغراض عقلائية و لو للفرار من الصوم أو للتقصير في الصلاة. و يمكن أن يجعل النزاع بين القاضي و المشهور لفظيا، فمع تحقق اللهو بمثل هذا السفر يجب التمام اتفاقا، و مع عدمه وجب القصر كذلك.

تقدم اعتبار عدم كون الذهاب أقلّ و المناقشة فيه.

(مسألة ۱٤): في المسافة المستديرة الذهاب فيها للوصول إلى المقصد (۳۸)، و الإياب منه إلى البلد، و على المختار يكفي كون‏ المجموع مسافة مطلقا و إن لم يكن إلى المقصد أربعة. و على القول الآخر يعتبر أن يكون من مبدإ السير إليه أربعة مع كون المجموع بقدر المسافة.

المسافة المستديرة تارة: تكون خارج المحل بأن خرج عن حدّ الترخص من محله و سار مستديرا، و أخرى: تكون حول المحل بأن يسافر خارج حدّ الترخص عن محله مستديرا.

و على كل منهما تارة: يكون له مقصد خاص في الأثناء بأن يصدق الذهاب إليه و الإياب عنه عرفا. و أخرى‏ يكون مقصده السير في الدائرة بأن يكون نفس السير في تمام الدائرة مقصده و مرامه، و لا ريب في شمول الإطلاقات و العمومات للجميع و لا وجه لدعوى الانصراف و لو فرض، فهو بدعوى لا يعتنى بها.

و حينئذ، فإن كان له مقصد في البين تكون من صغريات المسافة المركبة من الذهاب و الإياب، فمن اكتفى فيها بكفاية التلفيق مطلقا و لو كان الذهاب أقلّ من أربعة فراسخ يقول به في المقام أيضا. و من اعتبر عدم كون الذهاب أقلّ يقول به هنا أيضا. و إن لم يكن له مقصد في البين، فلا ريب في أنّ هذه المسافة أيضا تتركب من الذهاب و الإياب إلا أنّه في الأول قصديّ التفاتيّ في الجملة، و فيها واقعيّ قهريّ فيكون مبدأ الذهاب ما حدث السير عنه، و مبدأ العود ما يكون مسامتا له‏

عرفا في الحركة السيرية، فإن كان في البين مقصد يكون للمسافة ذهاب و إياب قصديّ في الجملة و واقعيّ و إلا فالثاني فقط.

ثمَّ إنّ المحسوب من مسافة الثمانية ما وقع السير و الحركة في الدائرة بحسب المتعارف لا قطرها الذي لم يقع مورد السير أصلا- كما هو المفروض- فلو كان مجموع الدائرة تسع فراسخ- مثلا- يكون كل من الذهاب و الإياب أربعا و نصف، و لو كان التنصيف بلحاظ القطر يكون كل منهما ثلاث فراسخ، و لكنّه خلاف المتفاهم العرفي في المقام الذي يكون المدار فيه على فعلية السير و وقوعه خارجا.

(مسألة ۱٥): مبدأ حساب المسافة سور البلد أو آخر البيوت فيما لا سور فيه في البلدان الصغار و المتوسطات (۳۹)، و آخر المحلة في‏ البلدان الكبار الخارقة للعادة (٤۰)، و الأحوط مع عدم بلوغ المسافة من‏ آخر البلد الجمع (٤۱)، و إن كانت مسافة إذا لوحظ آخر المحلة.

نسب ذلك إلى المشهور، لأنّ تحديد المسافات إنّما يلحظ بين البلاد على ما هو المتعارف بين الناس، و إطلاقات الأدلة منزلة عليه أيضا بل ذلك ظاهر بعضها، ففي صحيح زرارة: «سافر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ذي خشب و هي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربعة و عشرون ميلا، فقصر و أفطر فصارت سنّة».

و نسب إلى الصدوق بأنّ مبدأ المسافة من المنزل حين تلبّسه بالسفر، لذكر الخروج من المنزل في بعض الأخبار كخبر المروزي: «فإذا خرج الرجل من منزله»44، و خبر صفوان: «و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان». و فيه: أنّ حملها على المنزل الذي ليس في البلد و القرية كما كان كثيرا في الأزمنة القديمة أسهل طريق للجمع بينها و بين غيرها خصوصا موثق عمار: «لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ».

و نسب إلى الشهيد رحمه اللّه أنّ العبرة بالخروج عن حدّ الترخص، لانقطاع حكم السفر بالدخول فيه حين الرجوع من المسافرة. و فيه: أنّه قياس، لأنّ الخطاب بالتقصير شي‏ء قد حدّد بالدليل المخصوص بحدّ خاص، و مبدأ تقدير المسافة شي‏ء آخر لا ربط لأحدهما بالآخر، فتحديد مبدإ القصر ذهابا و مبدأ الإتمام إيابا غير تحديد مبدإ المسافة.

و عن صاحب الكفاية رحمه اللّه أنّ مبدأها الشروع في السير بقصد السفر.

و فيه: أنّه خلاف المتعارف، و النصوص المنزلة عليه كما تقدم، فما نسب إلى المشهور هو الصحيح.

كما صرّح به غير واحد، و في المستند نسبته إلى جماعة، لأنّ مبدأ المسافة إنّما يلاحظ من البلاد لو لم يكن البلد نفسه موردا للحاظ المسافة فيه بأن يقال: من محلة كذا إلى كذا ميل أو أقل أو أكثر- مثلا-، و إذا كان نفس البلد من حيث هو مورد تحديد المسافة و تقديرها بحسب المتعارف يكون تحديد المسافة من آخره بلا وجه، بل يكون منافيا لملاحظة المسافة في نفس البلد أيضا، فيكون مبدأ المسافة من المحلة قهرا.

و ما يقال: من عدم صدق المسافر عليه ما دام في البلد.

مدفوع- (أولا): بصدقه عليه و لو ببعض مراتبه قطعا.

(و ثانيا): أنّ حكم التقصير و الإفطار ليس معلقا على صدق عنوان المسافر، لأنّ الحكم علق في الأخبار على بريدين و ثمانية فراسخ، و بريد ذاهبا، و بريد جائيا، و مسيرة يوم، و نحو ذلك من التعبيرات.

نعم، ذكر في بعض الأخبار لفظ المسافر متعقبا بما مرّ من التحديدات الموضوعية أيضا، و المستفاد من الجميع أنّ موضوع الحكم طيّ المسافة المحدودة بالحدود الشرعية صدق المسافر عليه أم لا، و يكون بينهما عموم من وجه، فمورد الاجتماع كثير، و مورد الافتراق من طرق القيود الشرعية ما إذا سار الشخص سبعة فراسخ و نصفا- مثلا- فيصدق عليه المسافر عرفا، مع عدم تحقق السفر الشرعي، و مورد الافتراق بالعكس ما إذا كان بلده تسع فراسخ- مثلا- و سافر من ابتدائه إلى آخره، فيمكن أن لا يصدق عليه المسافر عرفا خصوصا إن كان السفر بالوسائل السريعة الحديثة، و منه يظهر أنّه لا وجه لتوهم الرجوع إلى أصالة التمام، لفرض صدق العناوين الواردة في الأخبار عليه، مع تحقق السفر الشرعي، للإطلاق و العموم الشامل لمثله أيضا.

ثمَّ لا يخفى أنّ لنا عناوين‏ ثلاثة: المسافر، و مبدأ السير، و حدّ الترخص و لا دليل على لزوم اتحادها خارجا، بل تقدم استظهار الاختلاف فراجع.

فروع- (الأول): ظهر مما تقدم أنّه لو كان البلد بمقدار المسافة فسافر من أوله إلى آخره، أنّ مقتضى الإطلاق و العموم: القصر و الإفطار مع تحقق سائر الشرائط.

(الثاني): لو كان منزله في أول البلد- المذكور- و محل شغله في آخره و تردد كل يوم بينهما ثمَّ سافر فهل المناط في حساب مبدإ السفر هو المحل الذي فيه منزله أو ما فيه محل شغله، الظاهر أنّ المناط ما تحققت منه المسافرة عرفا.

(الثالث): يحسب مبدأ المسافة من آخر البلد لمن كان منزله في داخله عرفا. و أما من كان منزله في خارجه، فيحسب من منزله.

خروجا عن خلاف من جعل المناط آخر البلد مطلقا و إن لم يكن له دليل في البلاد المتسعة جدّا.

الشرط الثاني: قصد قطع المسافة (٤۲) من حين الخروج فلو قصد أقل منها و بعد الوصول إلى المقصد قصد مقدارا آخر يكون مع الأول مسافة لم يقصر (٤۳). نعم، لو كان ذلك المقدار مع ضم العود مسافة قصر من ذلك الوقت بشرط أن يكون عازما على العود (٤٤). و كذا لا يقصر من لا يدري أيّ مقدار يقطع كما لو طلب عبدا آبقا أو بعيرا شاردا أو قصد الصيد و لم يدر أنّه يقطع مسافة أم لا (٤٥) نعم، يقصر في العود إذا كان مسافة، بل في الذهاب إذا كان مع العود بقدر المسافة، و إن لم يكن أربعة كأن يقصد في الأثناء أن يذهب ثلاثة فراسخ، و المفروض أنّ العود يكون خمسة أو أزيد (٤٦) و لا يقصر لو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم و إلا فلا، أو علق سفره على حصول مطلب في الأثناء قبل بلوغ الأربعة (٤۷) إن حصل يسافر و إلا فلا. نعم، لو اطمئنّ بتيسر الرفقة أو حصول المطلب بحيث يتحقق معه العزم على المسافة قصر بخروجه عن محل الترخص (٤۸).

للإجماع، و النص، ففي خبر صفوان قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصر؟ قال: لا يقصر و لا يفطر، لأنّه خرج من منزله، و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه، و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصر و لم يفطر يومه ذلك‏.

و في موثق عمار قال عليه السّلام: «لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة» يعني: عزم على أن يسير ثمانية فراسخ بقرينة الإجماع على عدم اعتبار فعلية السير و وقوعه خارجا، و ما دل على وجوب القصر بعد الخروج عن حدّ الترخص، بل يصح الاستدلال بالعمومات الدالة على تحديد المسافة بدعوى ظهورها فيما هو المعهود المتعارف من القصد إليها حين إرادة المسافرة و عدم كفاية مطلق تحققها و لو بنحو الشرط المتأخر إجماعا، مع أنّه خلاف نوع المسافرات المتعارفة بين الناس.

و بالجملة: أصالة التمام جارية في غير ما هو المعهود من المسافرة عند الناس، فلو لم يكن إلا نفس أدلة اعتبار المسافة لاستفيد منها اعتبار القصد إليها استفادة عرفية يأتي في [مسألة ۲٤] بعض ما يتعلق بالمقام.

لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

لأنّه من المسافة التلفيقية حينئذ، فمن يعتبر فيها عدم كون الذهاب‏ أقل من الأربع يعتبر ذلك في المقام أيضا، و من لا يعتبره فكذلك في المقام، و كذا فيما يأتي من الفروع، و قد أثبتنا في أول الفصل عدم الاعتبار فراجع.

لعدم تحقق قصد المسافة مع الجهل بها، أو الشك فيها.

لكونه حينئذ من المسافة التلفيقية و قد تقدم حكمها.

لأنّ المراد بالقصد في المقام كسائر موارد اعتباره العزم عليها و الجزم بالوقوع و هو مفقود في مورد هذا النحو من التعليق.

لتحقق العزم على المسافرة و الجزم بها حينئذ.

(مسألة ۱٦): مع قصد المسافة لا يعتبر اتصال السير، فيقصر و إن كان من قصده أن يقطع الثمانية في أيّام و إن كان ذلك اختيارا، لا لضرورة من عدوّ أو برد أو انتظار رفيق أو نحو ذلك (٤۹). نعم، لو كان بحيث لا يصدق عليه اسم السفر لم يقصر، كما إذا قطع في كل يوم شيئا يسيرا جدّا للتنزه أو نحوه (٥0)، و الأحوط في هذه الصورة أيضا الجمع.

كل ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و عدم دليل على التقييد و التخصيص بقيد خاص و جهة مخصوصة.

الظاهر صدق سفر التنزه عليه و هو خلاف المتعارف بالنسبة إلى سائر الأسفار لا بالنسبة إلى نوعه، لأنّ الأسفار التنزهية نوع خاص من الأسفار، فتشمله إطلاقات الأدلة، و لو فرض عدم الشمول، فمقتضى أصالة التمام تعيينه، لانحلال العلم الإجمالي بها كما تقدم.

(مسألة ۱۷): لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلا، بل يكفي و لو كان من جهة التبعية للغير لوجوب الطاعة- كالزوجة و العبد- أو قهرا- كالأسير و المكره و نحوهما- أو اختيارا- كالخادم و نحوه (٥۱)- بشرط العلم بكون قصد المتبوع مسافة، فلو لم يعلم بذلك بقي على التمام (٥۲) و يجب الاستخبار مع الإمكان (٥۳). نعم، في‏ وجوب الإخبار على المتبوع إشكال، و إن كان الظاهر عدم الوجوب (٥٤).

لتحقق القصد في التابع أيضا إلا أنّ منشأ تحققه في المتبوع شي‏ء، و منشأ تحققه في التابع جهة التبعية و ذلك لا يوجب اختلافا في أصل تحققه. هذا مضافا إلى ظهور الإطلاق و الاتفاق.

أما اشتراط العلم بقصد المتبوع، فلأنّه لا يتحقق القصد و لو تبعا إلا بذلك. و أما البقاء على التمام فلعدم تحقق شرط القصر، فالمقتضي للتمام موجود و المانع عنه مفقود، فيجب لا محالة. نعم، لو اطمأنّ بتحقق قصد المسافة من المتبوع بحيث يحصل منه القصد التبعي لزم القصر لأنّ المراد بالعلم ما يعمّ الاطمئنانات المتعارفة.

لأنّ الاستخبار كالتوجه إلى المكلف به المردد الذي يمكن رفع التردد بالتوجه إليه في الجملة. و في مثله يحكم العقل إما بالاحتياط، أو بالتوجه و التعلم. و منه يظهر بطلان توهّم أنّ المقام من الشبهات الموضوعية التي لا يجب الفحص فيها، أو أنّ قصد المسافة من المقدمات الوجوبية التي لا إشكال في عدم وجوب تحصيلها، مع أنّه لا دليل لهم على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية إلا دعوى الإجماع، و المتيقن منه ما اتفقوا عليه لا ما اختلفوا فيه، فكل شبهة لها معرضية الوقوع في خلاف الواقع معرضية عرفية يجب الفحص فيها حكمية كانت أو موضوعية، مع أنّ العرف يحكمون في التكاليف التبعية العرفية بوجوب الاستخبار و يلومون التابع مع عدمه و تبين المخالفة.

للأصل بعد عدم دليل عليه. إلا أن يقال: بوجوب إرشاد الجاهل لموضوع التكليف كوجوب إرشاده إلى نفس الحكم، و يمكن القول به إذا عدّ ذلك من شؤون الإرشاد إلى نفس الحكم عرفا.

(مسألة ۱۸): إذا علم التابع بمفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة و لو ملفقة بقي على التمام، بل لو ظنّ ذلك (٥٥) فكذلك. نعم، لو شك في ذلك فالظاهر القصر (٥٦)، خصوصا لو ظن العدم، لكن الأحوط في صورة الظن بالمفارقة و الشك فيها الجمع (٥۷).

لأنّ مناط القصر قصد المسافة، و لا يتحقق في صورة العلم بالمفارقة و لا الظنّ بها، بل و كذا في صورة الشك أيضا إلا إذا كان موهوما جدّا بحيث لا ينافي تحقق القصد التبعي عرفا.

إذا كان بحيث لا ينافي العزم على طيّ المسافة الشرعية كما إذا نوى الصوم مع احتمال عروض ما يمنع عن إتمامه و كذا في سائر الموارد التي يتحقق فيها القصد مع هذه الاحتمالات.

لأنّ الاحتياط حسن على كل حال و لو مع الدليل.

(مسألة ۱۹): إذا كان التابع عازما على المفارقة مهما أمكنه أو معلقا لها على حصول أمر- كالعتق أو الطلاق و نحوهما- فمع العلم بعدم الإمكان و عدم حصول المعلق عليه يقصر (٥۸) فأما مع ظنه فالأحوط الجمع، و إن كان الظاهر التمام، بل و كذا مع الاحتمال (٥۹) إلا إذا كان‏ بعيدا غايته بحيث لا ينافي صدق قصد المسافة، و مع ذلك أيضا لا يترك الاحتياط (٦0).

لتحقق قصد المسافة التبعية. و أما مع الظن و الشك، فإن كانا بحيث لا ينافيان صدق قصد المسافة يقصر، و مع المنافاة يتم، و كذا إن تردد في المنافاة و عدمه، لأصالة التمام عند الشك، و لكن الأحوط الجمع في الأخير.

تقدم أنّ المناط في ذلك كله صدق تحقق العزم على المسافة و عدمه، فمع التحقق يقصر، و مع عدمه أو الشك فيه يتم.

لما يظهر من المنتهى من الاتفاق على القصر، و لأنّ مثل هذه الاتفاقات اعتبارها أول الكلام في مقابل أصالة التمام في موارد الشك.

(مسألة ۲۰): إذا اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شك في ذلك، و في الأثناء علم أنّه قاصد لها، فالظاهر وجوب القصر (٦۱) عليه، و إن لم يكن الباقي مسافة، لأنّه إذا قصد ما قصده‏ متبوعه فقد قصد المسافة واقعا (٦۲)، فهو كما لو قصد بلدا معينا و اعتقد عدم بلوغه مسافة، فبان في الأثناء أنّه مسافة، و مع ذلك فالأحوط الجمع.

مع عدم تحقق قصد المسافة من التابع لا استقلالا و لا تبعا كيف يجب عليه القصر، مع أنّ مجرّد قصد المصاحبة مع الاعتقاد تفصيلا أنّ متبوعه لم يقصد المسافة لا يوجب تحقق قصد المسافة التبعية من التابع، بل يوجب عدم تحققه فيجب حينئذ التمام لعدم موضوع القصر لا استقلالا و لا تبعا.

و التنظير بما لو قصد بلدا معينا و اعتقد عدم بلوغه مسافة مع الفارق، لأنّ المثال من باب الخطإ في التطبيق، و لا إشكال فيه بخلاف المقام الذي يكون من التقييد المحض. نعم، إن رجع إلى الخطإ في التطبيق يكون متحدا مع المثال، و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا.

فروع- (الأول): من يسافر به و لا يدري إلى أين يذهب به، فإن أمكنه الاستعلام يستعلم و إلا وجب عليه التمام بلا فرق فيه بين الجندي و غيره.

(الثاني): كما أنّ التابع تابع للمتبوع في أصل قصد المسافة تابع له في استمرار القصد و ما يأتي من الفروع المتفرّعة عليه.

(الثالث): لا فرق في التبعية بين أن تكون بلا واسطة أو معها- كما إذا تبع الولد للوالد، و الوالد للجدّ و هو لشخص آخر و هكذا- و يمكن أن يكون شخص واحد تابعا لأشخاص كما إذا كان خادما لشخص واحد في فرسخين مثلا مع قصد المتبوع المسافة ثمَّ عزله المتبوع و خدم شخصا آخر كذلك و هكذا.

(الرابع): يمكن أن يكون المتبوع مكرها على السفر دون التابع كما يمكن العكس، و يمكن أن يقع الإكراه بالنسبة إليهما أيضا.

قصد المسافة الواقعية الجزئية التبعية مع الاعتقاد بأنّ المتبوع لم يقصد المسافة أو شك فيه مما لا يجتمعان وجدانا. نعم، القصد التبعيّ التعليقيّ يجتمع مع الاعتقاد بالخلاف فضلا عن الشك به، و لكن ظاهر النص و الفتوى عدم كفاية التعليقي من القصد، بل لا بد فيه من العزم الفعلي سواء كان استقلاليا أم تبعيا و حينئذ، فإن حصل العزم الفعليّ على السفر الشرعيّ و لو بغفلته عن اعتقاده يقصر و إلا فلا وجه لتقصيره.

(مسألة ۲۱): لا إشكال في وجوب القصر إذا كان مكرها على السفر أو مجبورا عليه (٦۳). و أما إذا أركب على الدابة، أو ألقي في السفينة من دون اختياره، بأن لم يكن له حركة سيرية، ففي وجوب القصر و لو مع العلم بالإيصال إلى المسافة إشكال و إن كان لا يخلو عن قوة (٦٤).

لإطلاقات الأدلة الشاملة لكل منهما بعد علمه بالمسافة الشرعية.

لأنّ مقتضى إطلاقات أدلة القصر، و تسالم الفقهاء على وجوب القصر على الأسير- الذي يعلم بأنّه يسار به بقدر المسافة- أنّ المراد بالقصد هنا كقصد إقامة العشرة أعمّ من الإرادة الجدية الحقيقية- سواء كانت استقلالية، أم تبعية، أم العلم بالمسافة و الشروع في السير فيها مع تحقق سائر الشرائط، و لا دليل على اعتبار أزيد منه و لم يتردد فيه أحد غير صاحب المستند، و لكنه (رحمه اللّه) استظهر التقصير في الجميع من الإطلاق، و الإجماع فراجع.

و على هذا لو خرج مركوبه عن اختياره و علم بأنّه لا يقف إلا بعد طيّ المسافة الشرعية وجب عليه القصر، و يدل عليه أيضا خبر إسحاق بن عمار المنجبر بالعمل: «في قوم خرجوا في سفر- إلى أن قال- تخلف منهم رجل، قال عليه السّلام: بلى إنّما قصروا في ذلك الموضع، لأنّهم لم يشكوا في مسيرهم و إنّ السير يجدّ بهم»٥0 فهو ظاهر في أنّ المناط العلم بالمسافة و معه يتحقق القصد و الإرادة، لأنّ من يعلم بصدور شي‏ء منه يحصل له بذلك الشي‏ء القصد و الإرادة في الجملة إلا أنّه قد لا يرضى، فالمراد و المقصود و حصول الإرادة و القصد شي‏ء، و الرضا بمتعلقهما شي‏ء آخر و قد يجتمعان، و قد يفترقان، فلا وجه لما يتوهم في المقام من عدم الإرادة فيهما، كما لا وجه للمناقشة في خبر عمار بعد الانجبار، و كذا المناقشة في أنّه لا يمكن أن يراد بالقصد هنا العلم لا وجه لها أيضا لتلازمهما في مثل الفرض عرفا و لو في الجملة.

(الثالث): استمرار قصد المسافة (٦٥) فلو عدل عنه قبل بلوغ‏ الأربعة أو تردد أتم (٦٦). و كذا إذا كان بعد بلوغ الأربعة لكن كان عازما على عدم العود أو كان مترددا في أصل العود و عدمه، أو كان عازما على العود لكن بعد نية الإقامة هناك عشرة أيام (٦۷) و أما إذا كان عازما على العود من غير نيّة الإقامة عشرة أيّام فيبقى على القصر (68)و إن لم يرجع ليومه، بل و إن بقي مترددا (٦۹) إلى ثلاثين يوما. نعم، بعد الثلاثين مترددا يتم.

للإجماع، و لظهور الأدلة الأولية بحسب المتفاهم العرفي، فإنّ المنساق من اعتبار القصد و الإرادة، بل العلم بالنسبة إلى المتدرجات الوجودية سفرا كانت أم غيرها المستمر منها دون مجرّد الحدوث فقط ما لم يدل دليل على الخلاف. هذا مضافا إلى جملة من الأخبار، منها: قول أبي الحسن عليه السّلام في خبر إسحاق بن عمار: «في القوم الذين تخلف عنهم في أثناء الطريق من لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه- إلى أن قال-: قال عليه السّلام: إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ، فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا فإذا مضوا فليقصروا-»٥۱.

و منها: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح أبي ولاد- فيمن خرج قاصدا قصر أبي هبيرة، فبدا له في الليل الرجوع- «إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير لأنّك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منزلك- الحديث-»٥۲.

و منها: قول الفقيه في خبر المروزي: «و إن رجع عما نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام، فعليه التمام»٥۳.

إن قلت: لا وجه للعمل بهذه الأخبار، لضعف سند الأول، و اشتمال الثاني على إعادة ما صلاه قصرا و هو خلاف المشهور، و معارض مع صحيح زرارة كما يأتي، و إجمال الثالث.

قلت: ضعف الأول منجبر بالعمل و الثاني محمول على الندب، و الثالث محمول على سائر الأخبار المفصّلة المبينة، مع عدم الاحتياج إلى هذه الأخبار، لكفاية العمومات و الإطلاقات بالتقريب الذي تقدم، بل و شهادة العرف بذلك أيضا، لأنّهم مع العلم بالموضوع تحصل لهم الإرادة في الجملة و إن لم يكن لهم رضاء و طيب نفس بالمراد.

لعدم تحقق استمرار قصد المسافة، فينتفي المشروط بانتفاء شرطه حينئذ.

أما الأول: فلعدم تحقق المسافة الشرعية بالعزم على عدم العود و أما الثاني: فلزوال استمرار قصد المسافة بالتردد. و أما الثالث: فلانقطاع استمرار قصد المسافة بالتردد. و أما الأخير: فلانقطاع استمرار القصد بالإقامة عشرة أيام و الكل من موانع وجوب القصر نصا، و إجماعا على ما مرّ و يأتي.

لوجود المقتضي للقصر، و فقد المانع عنه، و يكون سفره حينئذ ملفقا من الذهاب و الإياب فيبتني على ما تقدم في السفر التلفيقي من اعتبار الرجوع‏ ليومه، فمن اعتبره يعتبره في المقام أيضا، و قد تقدم عدم الاعتبار مطلقا في الشرط الأول فراجع.

يعني التردد في زمان العود بعد العزم على أصله. و أما وجوب التمام بعد التردد ثلاثين يوما، فيأتي في القاطع الثالث من (فصل قواطع السفر) فراجع.

(مسألة ۲۲): يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع و إن عدل عن الشخص (۷0)، كما لو قصد السفر إلى مكان مخصوص فعدل عنه إلى آخر يبلغ ما مضى و ما بقي إليه مسافة فإنّه يقصر حينئذ على الأصح كما أنّه يقصر (۷۱) لو كان من أول سفره قاصدا للنوع دون الشخص، فلو قصد أحد المكانين المشتركين في بعض الطريق، و لم يعين من الأول أحدهما بل أوكل التعيين إلى ما بعد الوصول إلى آخر الحد المشترك كفى في وجوب القصر.

لأنّ الحكم معلق على طبيعيّ المسافة، و ذات قصد ثمانية فراسخ و البريدين و نحو ذلك من التعبيرات و لا ريب في شمولها لجميع الأفراد المتصوّرة التي يمكن تحققها خارجا، فكل ما كان منافيا لاستمرار طبيعيّ المسافة و نوعه يضرّ باستمرار القصد، و ما لا يكون منافيا له لا يضرّ به، و الظاهر مساعدة العرف لذلك أيضا، فمن قصد مسافة ثمانية فراسخ مثلا و كان بانيا على هذا القصد، و لكنّه عدل عند الوصول إلى كل فرسخ إلى فرسخ آخر يعد قاصدا للمسافة، بخلاف ما إذا عدل عن أصل قصد المسافة أو تردد فيه، فإنّه لا يعد عند العرف قاصدا للمسافة، فما نسب إلى الرياض من احتمال عدم القصر في المسافة النوعية مخدوش، فكيف بما نسب إلى المقدّس البغدادي رحمه اللّه من الجزم بالعدم فيما لو بلغ بريدا و أراد الرجوع و إن كان ليومه.

لما تقدم من شمول إطلاق الأدلة لجميع الصور شخصية كانت أو نوعية، أو المركب منهما في الابتداء، أو في الأثناء.

(مسألة ۲۳): لو تردد في الأثناء ثمَّ عاد إلى الجزم، فإما أن يكون قبل قطع شي‏ء من الطريق، أو بعده، ففي الصورة الأولى يبقى على القصر (۷۲) إذا كان ما بقي مسافة و لو ملفقة و كذا إن لم يكن مسافة في وجه (۷۳)، لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بالجمع (۷٤) و أما في الصورة الثانية فإن كان ما بقي مسافة و لو ملفقة يقصر أيضا (۷٥)، و إلا فيبقى على التمام (۷٦) نعم، لو كان ما قطعه حال الجزم أولا مع ما بقي بعد العود إلى الجزم- بعد إسقاط ما تخلل بينهما مما قطعه حال التردد- مسافة ففي العود إلى التقصير وجه، لكنّه مشكل (۷۷) فلا يترك الاحتياط بالجمع (۷۸).

لوجود المقتضي له و فقد المانع، فتشمله أدلة التقصير قهرا.

لأنّ استمرار القصد و إن انقطع بحسب الدقة العقلية و الذي وجد ثانيا غير ما حدث أولا بحسب الدقة، و لكنه بنظر العرف المنزل عليه الأدلة بقاء للقصد الأول و عود له، فالعرف يراه باقيا و إن تعدد بالدقة العقلية، و لذا جزم في الجواهر و غيره بوجوب القصر حتى في هذه الصورة، فإن كان وجه إشكاله رحمه اللّه إلى ما ذكرناه من التعدد بحسب الدقة العقلية «ففيه»: أنّ الأدلة غير منزلة عليها.

و إن كان نظره (قدّس سرّه) إلى انقطاع حكم العام و أنّ المقام من موارد الرجوع إلى استصحاب الخاص لانقطاع استمرار العام. (ففيه): أنّه بعد حكم العرف ببقاء الاستمرار في القصد يشمله العام لا محالة، فلم ينقطع استمرار العام بنظر العرف الذي هو المناط في شمول الحكم، مع أنّ كون العام في المقام استمراريا بحسب هذه الدقيات أول الكلام، و مجرد الشك في كونه كذلك يكفي في العدم.

فرع: لو صلّى في حال التردد يتم، لفقد شرط القصر حينئذ.

إن لم نقل: إنّه بجريان أصالة التمام ينحل العلم الإجمالي و إلا فلا وجه لوجوب الاحتياط بالجمع.

لوجود المقتضي للقصر و فقد المانع عنه، فيشمله إطلاق الأدلة، و إجماع الأجلة.

لانقطاع استمرار القصد في السير الخارجي عرفا، و عدم بلوغ مجموع ما سار مع القصد مما قبل حصول التردد، و بعد العود إلى الجزم بمقدار المسافة كما هو المفروض فلا مقتضي للقصر حينئذ أصلا، فتجري أصالة التمام بلا مانع، و لا وجه لجريان أصالة القصر لزوال موضوعه و هو استمرار القصد، و بعد العود إلى الجزم يكون الشك في أصل حدوث وجوب القصر لا في بقائه.

و بالجملة انقطعت المسافة الشرعية بفقد شرطها و لا يمكن ضم البقية إلى ما مضى، لفرض عدم بلوغ المجموع المسافة، فلا محيص إلا من التمام إن‏ قلت: نعم، و لكنّه مناف لإطلاق قول أبي الحسن في خبر إسحاق بن عمار:

«فإذا مضوا فليقصروا»٥4.

قلت: كونه في مقام البيان حتى من هذه الجهة ممنوع مضافا إلى قصور سنده و عدم الانجبار من هذه الجهة.

اختار العود إلى التقصير جمع منهم صاحب الجواهر، و استظهر من المحقق الأنصاري أيضا، و عمدة الدليل إطلاق أدلة التقصير الشامل لمثل ذلك أيضا، إذ لا دليل على اعتبار استمرار القصد بحيث لا يتخلل في أثنائه تردد أصلا، بل مقتضى إطلاق البريدين، و ثمانية فراسخ و نحوهما عدمه. هذا وجه العود إلى التقصير و ضم السير المقصود ثانيا إلى ما قصد أولا.

و أما وجه الإشكال‏، فاحتمال إرادة المسافة المتصلة من الإطلاقات بلا تخلل التردد في البين أصلا كعدم تخلل الإقامة و العبور على الوطن، و يكفي الشك في الشمول و في عدم الشمول، لأنّه حينئذ من التمسك بالدليل فيما لم يحرز موضوعه.

فروع- (الأول): لو تردد في الأثناء و سار مع قصد التردد بعنوان الجزئية للسفر و الوصول إلى المقصد ثمَّ عاد إلى الجزم و قصده الأول فلا يبعد شمول الإطلاقات له و هذا هو المتيقن من قول مثل صاحب الجواهر لصحة دعوى عدم الانقطاع عرفا. و أما لو كان سيره لا لأجل الجزئية للسفر، بل لداع آخر من التنزه و نحوه، فالظاهر هو الانقطاع، و يمكن أن يجعل النزاع بذلك لفظيا.

(الثاني): لو قطع مقدارا من المسافة مع التردد ثمَّ رجع إلى أول محل حدوث التردد فيه لحاجة، فعاد إلى عزمه السابق و سافر، فالظاهر تعين القصر، لكونه حينئذ بمنزلة من تردد و لم يقطع شيئا ثمَّ رجع إلى عزمه.

(الثالث): لو تردد في المسافرة بزعم شي‏ء فسار مقدارا ثمَّ بان فساد زعمه، فالظاهر كونه من صغريات المقام.

وجوب هذا الاحتياط مبنيّ على عدم جريان أصالة التمام في أمثال المقام.

(مسألة ۲٤): ما صلاه قصرا قبل العدول عن قصده لا تجب إعادته في الوقت فضلا عن قضائه خارجه (۷۹).

لتحقق الامتثال و هو يقتضي الإجزاء، و لصحيح زرارة عن الصادق عليه السّلام: «عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين، فصلوا و انصرف بعضهم في حاجته، فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال عليه السّلام:

تمت صلاته و لا يعيد»٥٥ و قد عمل به المشهور، و ظاهرهم الإجماع عليه.

و أما خبر المروزي: «و إن كان قصّر ثمَّ رجع عن نيّته أعاد الصلاة»٥٦ فهو- مع ضعفه، و مخالفته للمشهور، و معارضته للصحيح- محمول على الندب‏

كصحيح أبي ولاد: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا فإنّ عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تؤم من مكانك»٥۷، فيحمل على الاستحباب جمعا بينه و بين غيره.

و أما ما يقال: من أنّ صحيح زرارة دليل للمشهور لو كان السؤال عن حال من صلّى ثمَّ رجع عن قصده. و أما لو كان السؤال عمن صلّى و لم يرجع، فهو أجنبي عن المقام، فيتعيّن العمل بغيره حينئذ.

فمردود: بأنّ الاحتمال الثاني خلاف الظاهر كما لا يخفى. و هل يجري هذا الحكم فيما إذا سافر بقصد الطاعة فصلّى القصر ثمَّ عدل إلى المعصية؟ يأتي التعرض له في [مسألة ۳۳].

(الرابع): أن لا يكون من قصده في أول السير أو في أثنائه إقامة عشرة أيام قبل بلوغ الثمانية (۸0)، و أن لا يكون من قصده المرور على‏ وطنه كذلك (۸۱)، و الا أتمّ، لأنّ الإقامة قاطعة لحكم السفر (۸۲) و الوصول إلى الوطن قاطع لنفسه، فلو كان من قصده ذلك من حين الشروع أو بعده لم يكن قاصدا للمسافة (۸۳). و كذا يتم لو كان مترددا في نية الإقامة، أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية (۸٤). نعم، لو لم يكن ذلك من قصده و لا مترددا فيه إلا أنّه يحتمل (۸٥) عروض مقتض لذلك في الأثناء لم يناف عزمه على المسافة فيقصر نظير ما إذا كان عازما على المسافة الا أنّه لو عرض في الأثناء مانع- من لصّ أو عدوّ أو مرض أو نحو ذلك- يرجع و يحتمل عروض ذلك فإنّه لا يضر بعزمه و قصده (۸٦).

هذا الشرط تارة: يلحظ بالنسبة إلى ابتداء قصد المسافة. و أخرى:

بعد تحققه، و المقصود في المقام هو الأول- و يأتي البحث عن الثاني بعد ذلك- و استدل عليه في المقام بالإجماع، و بأصالة التمام، و بأنّ قصد السفر، و قصد الإقامة متباينان عرفا، فكيف يجتمعان لا أقلّ من الشك في حصول قصد المسافة الشرعية، فكيف تشمله أدلة القصر مع عدم إحراز الموضوع، و يقول أبو جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه القصر، فإذا زار البيت أتم الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر»٥۸.

و أشكل‏ على الإجماع بعدم كونه مفيدا للعلم بالحكم‏ (و فيه): أنّه يكفي حصول الاطمئنان العرفي كما في سائر الموارد و هو حاصل.

و على أصالة التمام بكونها محكومة بأدلة القصر. (و فيه): أنّ التمسك بأدلة

القصر في المقام من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ ليس المراد السفر العرفي، بل الشرعي و هو مشكوك.

و أشكل‏ على الصحيح‏ أولا: بأنّ قوله عليه السّلام: «فإذا زار البيت» مما لا قائل به فيسقط عن الاعتبار من هذه الجهة. (و فيه) أنّ التفكيك في أجزاء الخبر الواحد بالأخذ ببعضها و طرح الآخر شائع لا بأس به.

و ثانيا: أنّ قوله عليه السّلام: «و هو بمنزلة أهل مكة» فيه إجمال، و المتيقن منه إنّما هو حين الإقامة فقط، فلا يشمل مورد قصد الإقامة و لو لم تتحقق بعد.

(و فيه): أنّ التنزيلات الشرعية إما ظاهرة في العموم إلا ما خرج بالدليل، أو بلحاظ الآثار الظاهرة المتعارفة، و على أيّ فرض منهما يصير دليلا للمقام، و المنساق منه و من غيره هو التعميم إلا ما خرج بالدليل، بل الظاهر المفروغية عن أصل هذا الحكم في الأدلة، ففي صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر، فيقيم الأيام في المكان عليه صوم؟ قال عليه السّلام: لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام- إلى أن قال-: و سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان و هو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟

قال: لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام»٥۹. و كذا غيره من المستفيضة المستفاد منها أنّ محل الإقامة بمنزلة الوطن إلا ما خرج بالدليل، و يأتي ذلك في محله إن شاء اللّه تعالى.

لأنّ السفر و الحضر متنافيان قصدا و خارجا، شرعا، و عرفا فلا يجتمعان في القصد كما لا يجتمعان في الخارج، و يأتي التفصيل في الفصل التالي.

للمستفيضة من النصوص التي تأتي فيما بعد، و ضرورة المذهب بل‏ الدّين، و لا يبعد أن يكون قاطعا لموضوعه أيضا، لأنّ لقطع موضوع السفر مراتب شتّى، فليكن قصد الإقامة من أدناها، و بذلك يجمع بين الكلمات، فمن ذهب إلى عدم قطعه لموضوعه أي ببعض مراتبه، و من أثبته أراده في الجملة، و يأتي بعد ذلك ما ينفع المقام.

لأجل التنافي الوجداني الثابت بينهما، فلا يجتمعان في القصد.

لأنّ التردد ينافي العزم على المسافرة و الجزم بها وجدانا.

للاحتمال مراتب متفاوتة، فإن كان بحيث لا ينافي العزم و القصد فلا محذور فيه، و إن كان مانعا عن حصول القصد وجب التمام لما تقدم في الشرط الثالث.

فيكون المقام كسائر الأعمال المتدرجة الوجود- كالصلاة و الصوم و نحوهما- الذي لا يضرّ قصد إتيانها احتمال عروض ما يمنع عن إتمامها إن كان ذلك من مجرد الاحتمال الذي لا ينافي حصول القصد إجمالا.

(مسألة ۲٥): لو كان حين الشروع في السفر أو في أثنائه (۸۷) قاصدا للإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية لكن عدل بعد ذلك عن قصده، أو كان مترددا في ذلك و عدل عن ترديده إلى الجزم بعدم الأمرين. فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة في نفسه أو مع التلفيق بضم الإياب قصر، و إلا فلا (۸۸)، فلو كان ما بقي بعد العدول إلى المقصد أربعة فراسخ و كان عازما على العود و لو لغير يومه قصر في الذهاب و المقصد و الإياب، بل و كذا لو كان أقلّ من أربعة، بل و لو كان فرسخا فكذلك على الأقوى من وجوب القصر في كل تلفيق من الذهاب و الإياب، و عدم اعتبار كون الذهاب أربعة أو أزيد كما مر (۸۹).

الظاهر عدم الاحتياج إلى ذكر الأثناء هنا، لأنّ المسألة التالية متعرضة لحكم الأثناء. و قد أشكل (قدس سره) هناك و جزم بالفتوى هنا.

أما القصر، فلوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله أدلة التقصير قهرا. و أما الإتمام فيما لو لم تكن مسافة و لو ملفقا، فلأصالة التمام بعد عدم تحقق شرط التقصير و قد تقدم ما يتعلق باعتبار عدم كون الذهاب أقل من أربعة فراسخ.

راجع الشرط الأول من أول الفصل.

(مسألة ۲٦): لو لم يكن من نيته في أول السفر الإقامة أو المرور على الوطن و قطع مقدارا من المسافة، ثمَّ بدا له ذلك قبل بلوغ الثمانية، ثمَّ عدل عمّا بدا له و عزم على عدم الأمرين، فهل يضم ما مضى إلى ما بقي- إذا لم يكن ما بقي بعد العدول عما بدا له مسافة- فيقصر إذا كان المجموع مسافة و لو بعد إسقاطه ما تخلل بين العزم الأول و العزم الثاني إذا كان قطع بين العزمين شيئا؟- إشكال، خصوصا في صورة التخلل فلا يترك الاحتياط بالجمع، نظير ما مر في الشرط الثالث (۹0).

تقدم دليله و هو جار في المقام أيضا بعينه، فلا وجه للإعادة و التكرار.

فروع- (الأول): المراد بالمرور على الوطن القاطع للسفر المرور على ما دون حدّ الترخص منه لا خارجه.

(الثاني): المراد بقصد المرور، و قصد الإقامة مطلق العلم بهما لا خصوص القصد الاصطلاحي.

(الثالث): الظاهر شمول الحكم للمكره و المجبور و نحوهما و يجري فيه الاستقلالية و التبعية كما تقدم في قصد المسافة.

(الرابع): لو كان المرور بالطائرة- مثلا- يلاحظ فيها مقدار حدّ الترخص أيضا كغيرها مما يسير في الأرض.

(الخامس): لو قصد المرور على الوطن، فأخطأ و لم يمر به أو خالفه سائق السيارة و لم يمر به وجب التمام، لعدم تحقق قصد المسافة منه في المقدار الذي يكون بين مبدإ سيره و بلده و بعده يقصر إن كان مسافة و لو تلفيقا.

(الخامس): من الشروط: أن لا يكون السفر حراما (۹۱) و إلا لم يقصر، سواء كان نفسه حراما (۹۲)- كالفرار من الزحف، و إباق العبد، و سفر الزوجة بدون إذن الزوج (۹۳) في غير الواجب (۹٤) و سفر الولد مع‏ نهي الوالدين (۹٥) في غير الواجب (۹٦)، كما إذا كان السفر مضرّا لبدنه، و كما إذا نذر عدم السفر مع رجحان تركه و نحو ذلك. أو كان غايته أمرا محرّما (۹۷)، كما إذا سافر لقتل نفس محترمة، أو للسرقة أو للزنا أو لإعانة ظالم، أو لأخذ مال الناس ظلما و نحو ذلك. و أما إذا لم يكن لأجل المعصية لكن تتفق في أثنائه مثل الغيبة و شرب الخمر و الزنا و نحو ذلك مما ليس غاية للسفر فلا يوجب التمام، بل يجب معه القصر و الإفطار (۹۸).

للإجماع، و النصوص المستفيضة التي يأتي بعضها.

لإطلاق معاقد الإجماعات، و كثير من الفتاوى الشامل لجميع ما ذكره (قدّس سرّه)، و كذا قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن مروان: «من سافر قصر و أفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد، أو في معصية اللّه، أو رسول لمن يعصي اللّه عزّ و جل، أو في طلب عدوّ، أو شحناء أو سعاية، أو ضرر على قوم مسلمين»٦0، فإنّ شمول قوله عليه السّلام: «أو في معصية اللّه» لما إذا كان السفر بنفسه محرّما مما لا ينكر خصوصا بقرينة مقابلتها لسائر الفقرات، و احتمال أن تكون كلمة (في) بمعنى (إلى) أو (اللام)، أو السببية لا وجه له، و يدل عليه أيضا موثق عبيد بن زرارة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج إلى الصيد أ يقصر أم يتم؟ قال عليه السّلام: «يتم لأنّه ليس بمسير حق»٦۱ لأنّ ما كان بنفسه معصية ليس بمسير حق قطعا، و مثله قوله عليه السّلام في موثق ابن‏

أبي عمير: «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا في سبيل حق»٦۲.

و خبر ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتصيّد اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصر الصلاة؟ قال عليه السّلام: لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدّين، فإنّ التصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه، و قال: «يقصر إذا شيع أخاه»٦۳، فإنّ إطلاق قوله عليه السّلام: «مسير باطل» يشمل ما كان السفر حراما، و في موثق سماعة: «إلا أن يكون رجلا مشيعا لسلطان جائر»٦4. فما نسب إلى الشهيد الثاني من التشكيك في هذا القسم‏ (مخدوش) على فرض ثبوت النسبة.

ثمَّ إنّ الحرمة تارة: في نفس الحركة السيرية. و أخرى: في غايتها و ثالثة: فيهما معا. و رابعة: لا تكون نفس الحركة و لا الغاية محرّمة، بل يكون السفر علة لتحقق الحرام و مستلزما له كما يأتي في المسألة اللاحقة. و خامسة: لا تكون الحرمة في شي‏ء من ذلك كله أصلا، بل يصاحبه المعصية كما إذا اشتغل في السفر بالملاهي كاشتغاله بها في الحضر. و ظهر حكم القسم الأول، و منه يظهر القسم الثالث بالأولوية، و يأتي حكم البقية إن شاء اللّه تعالى.

لما يأتي في كتاب النكاح من حرمة خروجها عن بيت الزوج بدون إذنه، سواء كان ذلك منافيا لحق الاستمتاع أم لا.

لأنّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»٦٥، و يأتي في [مسألة ۷۸] من كتاب الحج بعض ما ينفع المقام و تتمة الكلام في كتاب النكاح إن شاء اللّه.

نهي الوالدين إما أن يكون اقتراحيا محضا بلا غرض شرعيّ و لا عقلائيّ، و مقتضى الأصل عدم وجوب الإطاعة في مثله بعد انصراف الأدلة عنه.

و إما أن يكون فيه أغراض صحيحة شرعية كانت أو عقلية و لا ريب في وجوب الإطاعة حينئذ خصوصا مع إيذائهما بتركها.

و في مورد الشك في أنّه من أيّهما؟ مقتضى الأصل عدم الوجوب بعد عدم صحة التمسك بالأدلة، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، و لكن لا بد من مراعاة الاحتياط من كل جهة.

لما تقدم من أنّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، و لكن لا بد من تقييد الواجب بما إذا كان مضيقا هنا و في سابقة.

(فرع): لو سافر الولد مع نهي الوالدين- أو الزوجة مع نهي الزوج- و قصّر و حصل منه قصد القربة و بعد ذلك رضي الوالدان و رضي الزوج فالمسألة من صغريات جريان الفضولي في غير العقود و قد حرّرنا المسألة في البيع فراجع.

للإجماع، و لنصوص كثيرة، منها: ما تقدم من صحيح ابن مروان‏٦٦ و منها: خبر الخراساني: «دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال عليه السّلام لأحدهما: وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني، و قال للآخر وجب عليك التمام، لأنّك قصدت السلطان»٦۷.

و عن الصادق عليه السّلام في موثق سماعة: «و من سافر قصّر الصلاة و أفطر إلا أن يكون رجلا مشيعا لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد- الحديث-»٦۸ إلى غير ذلك من النصوص.

لظهور الأدلة، بل صراحتها في دوران الترخيص و عدمه مدار إباحة ذات السفر و غايته و عدم إباحتهما، و المفروض في المقام إباحة الذات و الغاية، فيشمله أدلة الترخيص بلا مانع، مع أنّه لا خلاف فيه من أحد، و في المستند نفي الشك عن الترخيص فيه.

فروع- (الأول): لو سافر لأجل اللهو و اللعب و ارتكاب المحرّمات بحيث لو لم يكن ذلك لم يسافر أصلا وجب التمام لحرمة مثل هذا السفر، فيشمله ما تقدم من الأدلة.

(الثاني): الغاية المحرّمة التي توجب الإتمام أعمّ من أن تكون في انتهاء السير- كما إذا سافر، لأن يسرق في محل مثلا- أو تكون في أثناء السير- كما إذا سافر لأن يسرق أموال المسافرين في أثناء السفر.

(الثالث): لو كان مكرها على السفر و المعصية فيه غاية أو نفسا يقصر، و لو اكره على السفر دون المعصية، فسافر لغاية محرّمة يتم، و لو أكره على المعصية مطلقا دون السفر، فسافر لارتكاب المعصية المكره عليها يقصر.

(الرابع): خادم العاصي بسفره يقصر إلا إذا كان سفر الخادم أيضا معصية نفسيا أو غاية.

(الخامس): يمكن انقسام السفر باعتبار نفس الحركة و باعتبار الغاية من السفر إلى الأحكام الخمسة التكليفية.

(مسألة ۲۷): إذا كان السفر مستلزما لترك واجب، كما إذا كان مديونا و سافر مع مطالبة الديان و إمكان الأداء في الحضر دون السفر و نحو ذلك، فهل يوجب التمام أو لا (۹۹)؟ الأقوى التفصيل بين ما إذا كان لأجل التوصل إلى ترك الواجب أو لم يكن كذلك، ففي الأول يجب التمام (۱00) دون الثاني، لكن الأحوط الجمع في الثاني (۱0۱).

مقتضى القاعدة عدم حرمته لا نفسا و لا غاية. أما الأول: فلعدم مقدمية ترك الضد للضد الآخر. و أما الثاني: فلعدم مقدمية فعل الضد لترك الضد الآخر كما ثبت كل ذلك في محله.

لأنّ مقتضى الدقة العقلية و إن كان عدم مقدمية أحد الضدين للآخر وجودا و عدما إلا أنّ العرف خصوصا المتشرعة يرى ترتب ترك الواجب على مثل هذا السفر، فإذا سافر بقصد الفرار عن الواجب يصدق عرفا سفر المعصية، فتشمله أدلة التمام المنزلة على المتعارف لا الدقة العقلية، فإذا سافر بقصد الفرار عن الواجب المنجز الفعلي مع عدم تمكنه عن الإتيان له في السفر و عدم الدليل على جواز السفر يكون من سفر المعصية عند المتشرعة، بخلاف ما إذا لم يكن بهذا القصد، فيصح التفصيل عرفا و إن لم يكن له وجه دقة، و يجري هذا التفصيل في كل واجب فعليّ لا يمكن إتيانه في السفر و لم يكن دليل على صحة الفرار عنه و لا اختصاص له بالدّين و يأتي في [مسألة ۳۹] بعض ما يتعلق بالمقام.

خروجا عن خلاف من قال بالمقدمية مطلقا.

(مسألة ۲۸): إذا كان السفر مباحا لكن ركب دابة غصبية أو كان المشي في أرض مغصوبة، فالأقوى فيه القصر (۱0۲) و إن كان‏ الأحوط الجمع (۱0۳).

لما أرسلوه إرسال المسلّمات من أنّ المناط في وجوب التمام العصيان بالسفر نفسا أو غاية كما هو ظاهر الأدلة أيضا لا العصيان فيه، و المقام من الثاني دون الأول، و هما عنوانان مختلفان عقلا و شرعا.

إن قلت: أيّ فرق بين السفر مع الضرر، و عدم إذن الزوج، و مع نهي الوالدين، و بين السفر مع المركوب الغصبي.

قلت: الفرق بينهما أنّ الحرمة في الأمثلة من باب الوصف بحال الذات‏

بخلاف المقام، فإنّه الوصف بحال المتعلق، و يكفي هذا الفرق الموضوعي فارقا في الحكم أيضا.

لإمكان، أن‏ يقال: إنّ المتشرعة يرون هذا السفر أيضا من سفر المعصية خصوصا الثاني.

(مسألة ۲۹): التابع للجائر إذا كان مجبورا أو مكرها على ذلك أو كان قصده دفع مظلمة أو نحوها من الأغراض الصحيحة المباحة أو الراجحة قصر (۱0٤) و أما إذا لم يكن كذلك- بأن كان مختارا و كانت التبعية إعانة للجائر في جوره- وجب عليه التمام (۱0٥) و إن كان سفر الجائر طاعة، فإنّ التابع حينئذ يتم مع أنّ المتبوع يقصر (۱0٦).

لوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله أدلة القصر لا محالة.

لكونه من سفر المعصية حينئذ، فيجب عليه التمام.

لأنّه لا ملازمة عقلية و لا شرعية و لا عرفية بين صلاة المتبوع و التابع في القصر و الإتمام، فإن كان سفرهما سفر المعصية يتمان، و إن كان سفر الطاعة يقصران، و إن اختلفا، فلكل واحد حكمه، فإذا كان المتبوع يذهب إلى الحج- مثلا- و التابع يذهب معه و يعدّ ذلك زيادة في شوكته و يعدّ من أعوان الظلمة يجب عليه التمام مع أنّ المتبوع يقصر.

(مسألة ۳۰): التابع للجائر المعد نفسه لامتثال أوامره لو أمره بالسفر فسافر امتثالا لأمره، فإن عد سفره إعانة للظالم في ظلمة كان حراما و وجب عليه التمام، و إن كان من حيث هو مع قطع النظر عن كونه إعانة مباحا، و الأحوط الجمع (۱0۷) و أما إذا لم يعد إعانة على‏ الظلم فالواجب عليه القصر (۱0۸).

لاحتمال كون المناط في القصر إباحة السفر بذاته و إن حرم من جهة أخرى، فيصير حينئذ كوقوع الحرام في السفر، و لكنه احتمال عقليّ إذ العرف يرى مثل هذا السفر حراما.

أما التمام في الأول، فلكونه من سفر المعصية، و قد تقدم مناط صدق الإعانة على الإثم في أول الكتاب. و أما وجوب القصر في الثاني، فلعدم كونه معصية بشرط أن لا يكون محرما من جهة أخرى.

(مسألة ۳۱): إذا سافر للصيد فإن كان لقوته و قوت عياله قصر، بل و كذا لو كان للتجارة (۱0۹) و إن كان الأحوط فيه الجمع (۱۱0). و إن كان لهوا، كما يستعمله أبناء الدنيا وجب عليه التمام (۱۱۱)، و لا فرق بين صيد البر و البحر، كما لا فرق بعد فرض كونه سفرا بين كونه دائرا حول البلد و بين التباعد عنه و بين استمراره ثلاثة أيام و عدمه على الأصح (۱۱۲).

أما الأول: فيدل عليه مضافا إلى الإطلاق، و الاتفاق، قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر، و ليقصر»٦۹.

و أما الثاني: فنسب إلى أكثر القدماء قصر الصوم دون الصلاة، و في المستند ادعى بعض مشايخنا عليه الشهرة القديمة القريبة من الإجماع، و حكي عن السرائر: «أجمعوا على ذلك فتيا و رواية» و نسبه في المبسوط إلى رواية أصحابنا. و في كفاية ذلك لتقييد إطلاقات الترخيص، و التفكيك بين ملازمة القصر للإفطار و الإتمام للصيام المستفادة من قول الصادق عليه السّلام في صحيح ابن وهب: «إذا قصرت أفطرت و إذا أفطرت قصرت‏۷0» إشكال، إذ الإجماع المنقول موهون، و المرسلتان مجهولتا المتن و الدلالة.

في الصلاة. و أما الصوم فلا إشكال في وجوب الإفطار عند القدماء، أيضا. نعم، في الفقه الرضوي: «و صاحب الصيد إذا كان صيده بطرا فعليه التمام في الصلاة و الصوم، و إذا كان للتجارة فعليه التمام في الصلاة و الصوم»۷۱ و لكنه ضعيف غير منجبر.

إن كان الصيد اللهوي من اللهو المحرّم يكون السفر لأجله حراما،

فيدخل حينئذ في القسم الثاني من السفر المحرّم، و يدل على عدم الترخيص فيه جميع ما تقدم، و إن لم يكن كذلك، فيدل على عدم الترخيص فيه، مضافا إلى الإجماع نصوص كثيرة.

منها: ما تقدم من صحيح ابن مروان‏۷۲.

و منها: موثق ابن زرارة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يخرج إلى الصيد أ يقصّر أم يتم؟ قال عليه السّلام: يتم لأنّه ليس بمسير حق»۷۳.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «سألته عمن يخرج من أهله بالصقورة، و البزاة، و الكلاب، يتنزه الليلة و الليلتين و الثلاث هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال عليه السّلام: إنّما خرج في لهو لا يقصر»۷4.

و عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «سبعة لا يقصرون الصلاة- إلى أن قال- و الرجل يطلب الصيد يريد لهو الدنيا»۷٥ إلى غير ذلك من الأخبار.

كل ذلك لإطلاق الأدلة من غير ما يصلح للتقيد. و أما خبر أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام، و إذا جاز الثلاثة لزمه»۷٦ فيمكن حمله على ما إذا لم يبلغ المسافة في الثلاثة، و مثله قوله عليه السّلام في صحيح العيص: «إن كان يدور حوله فلا يقصر و إن كان تجاوز الوقت فليقصر»۷۷ فيحمل على عدم بلوغ المسافة و بلوغها.

و مثله صحيح صفوان‏۷۸ فلا وجه لما عن الإسكافي «من أنّ المتصيد ماشيا إذا كان دائرا حول المدينة غير مجاوز حدّ الترخص لم يقصر يومين، فإذا جاوز الحد و استمر دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها.

فروع- (الأول): لو كان التصيد شغلا له بحيث يصدق عليه كون السفر عملا له يتم، لأنّه عمله كما يأتي.

(الثاني): هل المراد باقتيات الصيد الذي ورد فيه الترخيص خصوص الاقتيات بعينه أو يشمل ما إذا باعه و اقتات بثمنه مقتضى الجمود هو الأول، و مقتضى الإطلاق و سهولة الشريعة هو الأخير.

(الثالث): لو سافر للصيد لأجل القوت، فلما وصل المصطاد قصد للهو أيضا يقصر، و في العكس يتم.

(مسألة ۳۲): الراجع من سفر المعصية إن كان بعد التوبة يقصر (۱۱۳)، و إن كان مع عدم التوبة فلا يبعد وجوب التمام عليه، لكون العود جزءا من سفر المعصية (۱۱٤)، لكن الأحوط الجمع‏ حينئذ (۱۱٥).

لزوال الحكم بزوال موضوعه بالتوبة، فيكون المقتضي للقصر موجودا و المانع عنه مفقودا، فتشمله الأدلة قهرا، و لو شك في أنّه تاب أو لا؟ فمقتضى ظاهر حال المسلم هو الأول.

الرجوع مع عدم التوبة تارة: يكون بنفسه سفر المعصية- كما إذا سافر إلى مكان ليشتري خمرا- مثلا- للتجارة فاشتراها و حملها معه إلى بلده ليبيعها، و كذا في آلات القمار و الملاهي و نحوها- و لا إشكال في أنّه بنفسه سفر المعصية، لأنّه يسافر لغاية محرّمة كما كان كذلك أولا، و لا وجه لاحتمال الترخيص فيه.

و أخرى: لا يكون الرجوع بنفسه محرّما و لا لأجل غاية محرّمة- كما إذا سافر إلى مكان ليعصي فيه، فعصى و فرغ من عصيانه ثمَّ رجع إلى محله- و عده من سفر

المعصية حينئذ مبنيّ على أن يلاحظ مجموع الذهاب و الإياب في السفر شيئا واحدا له غاية واحدة هي المعصية و هو احتمال حسن ثبوتا، و لكنه خلاف ظواهر الأدلة، و سهولة الشريعة خصوصا إن بقي بعد صدور العصيان أياما ثمَّ رجع.

و ثالثة: يشك في أنّه من أيّ القسمين، و المرجع فيه أصالة التمام، و هكذا في القسم الثاني و إن كان الأحوط فيهما الجمع.

و رابعة: يكون إلى غير بلده، بل إلى محل آخر لغرض مباح أو مندوب ثمَّ يرجع منه إلى بلده، و في عدّه جزءا من سفر المعصية إشكال، بل منع، فالمناط كله على عدّ الرجوع من تتمة سفر المعصية عرفا و عدمه.

لأنّه حسن على كل حال و إلا فمقتضى الأصل هو التمام.

(مسألة ۳۳): إباحة السفر كما أنّها شرط في الابتداء شرط في الاستدامة أيضا (۱۱٦)، فلو كان ابتداء سفره مباحا فقصد المعصية في الأثناء انقطع ترخصه و وجب عليه الإتمام و إن كان قد قطع مسافات (۱۱۷)، و لو لم يقطع بقدر المسافة صح ما صلاه قصرا، فهو كما لو عدل عن السفر و قد صلّى قبل عدوله قصرا حيث ذكرنا سابقا أنّه لا يجب إعادتها (۱۱۸). و أما لو كان ابتداء سفره معصية فعدل في الأثناء إلى الطاعة فإن كان الباقي مسافة. فلا إشكال في القصر (۱۱۹)، و إن كانت ملفقة (۱۲0) من الذهاب و الإياب، بل و إن لم يكن الذهاب أربعة على الأقوى (۱۲۱) و أما إذا لم يكن مسافة و لو ملفقة، فالأحوط الجمع بين القصر و التمام، و إن كان الأقوى القصر (۱۲۲) بعد كون مجموع ما نواه بقدر المسافة و لو ملفقة، فإنّ المدار على حال العصيان و الطاعة، فما دام عاصيا يتم و ما دام مطيعا يقصر من غير نظر إلى كون البقية مسافة أو لا.

لإطلاق الأدلة، و اتفاق أعلام الملة كما في سائر الشرائط حيث إنّها معتبرة حدوثا و بقاء، فلو عرض قصد المعصية في الأثناء انقطع الترخيص حينئذ و بالعكس بلا خلاف يعلم من الأصحاب في الموضعين، كما في الذخيرة، و كذا في المستند.

لأنّ موضوع التمام هو السفر الباطل، و ما كان في معصية اللّه تعالى، و مهما تحقق هذا العنوان وجب التمام، كما أنّ موضوع القصر السفر المباح و ما كان من سير الحق و كل ما تحقق ذلك وجب القصر.

و احتمال أن يكون مجرّد حدوث السفر المباح موجبا للقصر مطلقا حتّى يتحقق إحدى القواطع.

مدفوع: بأنّ إطلاق ما دل على وجوب الإتمام في السفر غير السائغ يجعل‏

التلبس بسفر المعصية مطلقا بمنزلة القاطع للسفر أيضا حدوثا و بقاء، مع أنّ ظاهرهم الإجماع عليه.

إن قلت: نعم، و لكن المنساق من الأخبار ما إذا كان حدوث السفر بعنوان الباطل و المعصية، فلا يشمل ما إذا كان في الأثناء، و الإجماع أيضا لا يشمل ما إذا كان العدول إلى المعصية بعد بلوغ المسافة، لأنّ المتيقن منه ما إذا كان قبله.

قلت: ظاهر الأخبار، و كلمات المجمعين هو الأعم من ذلك كما هو أوضح من أن يخفى على من راجعها.

إن قلت: مقتضى الاستصحاب هو القصر بعد تحقق المسافة.

قلت: نعم، لو لا تبدل العنوان الدائر مداره الحكم المستلزم لتبدل الحكم قهرا.

فرعان- (الأول): لا فرق في وجوب التمام بين كون ما بقي مسافة أو لا، كما لا فرق بين كون ما سافر مقدار المسافة أو أقل أو أكثر.

(الثاني): لو صلّى في حال قصد المعصية تماما ثمَّ عدل إلى الطاعة لا إعادة و لا قضاء عليه.

لما تقدم وجهه في [مسألة ۲٤]، فراجع.

إن قلت: يحتمل أن تكون إباحة السفر قيدا للموضوع، فلم يتحقق موضوع المسافة أصلا- لا ظاهرا و لا واقعا- و حينئذ فتكون هذه المسألة من صغريات ما تقدم في [مسألة ۹]، و ما تقدم من زرارة۷۹ لا من [مسألة ۲٤]، فإنّ موردها ما إذا سافر بقصد المسافة، مع تحقق المسافرة الشرعية ثمَّ رجع عن قصدها فلا يشمل المقام.

قلت: الظاهر من الأدلة أنّها قيد للحكم لا الموضوع و مع ذلك، فكونها قيدا

للحكم معلوم و تقيد الموضوع بها مشكوك و يدفع ذلك بالأصل و يأتي بعد ذلك ما ينفع المقام.

لثبوت الموضوع مستجمعا للشرائط كما هو المفروض، فتشمله أدلة وجوب القصر قهرا.

على ما تقدم في المسافة التلفيقية، فمن اختار كفاية التلفيق مطلقا يقول به في المقام أيضا- كالماتن- و من اعتبر عدم كون الذهاب أقل من أربعة يقول به هنا أيضا، فيكون المقام من صغريات ما تقدم موضوعا و حكما.

تقدم ما يتعلق به فراجع.

بدعوى أنّ اشتراط إباحة السفر إما قيد للحكم بالترخيص فقط، فتحقق حينئذ موضوع القصر، فما دام عاصيا يتم، و ما دام مطيعا يقصّر- كما سيصرّح رحمه اللّه بذلك- لإطلاق الدليلين الشامل للحالتين. و إما قيد للموضوع بلحاظ الحكم، فيكون كذلك أيضا.

و إما احتمال أن يكون قيدا للموضوع في حدّ نفسه مع قطع النظر عن الحكم أصلا، فخلاف المنساق من الأدلة، لأنّ تقييد الموضوعات بالقيود الشرعية إنّما يكون بلحاظ الأحكام المترتبة عليها دون نفسها من حيث هي: و لكن يرد عليه ظهور التسالم على اعتبار كون الباقي مسافة قال في مصباح الفقيه:

«و يعتبر فيه أيضا كون الباقي مسافة بلا خلاف فيه على الظاهر- إلى أن قال-: و كيف كان، فلا خلاف بينهم على الظاهر في عدم كفاية كونه بانضمام ما قطعه بوجه غير سائغ مسافة، لعدم الاعتداد بما قطعه بهذا الوجه شرعا».

و قال في الجواهر: «يعتبر في هذا بقاء مسافة، إذ لا عبرة بما مضى قطعا و إن تجاوز المسافة».

و يمكن أن يكون تقييد الموضوعات بلحاظ نفسها أيضا بمعنى أنّ الشارع ألقاها عن الموضوعية عن فقد الشرط رأسا، فيكون وجودها كالعدم، فللشارع تنزيل الموجود منزلة المعدوم و بالعكس. و يمكن استظهار كون إباحة السفر قيدا للموضوع من قوله عليه السّلام: «فإنّ التصيد مسير باطل»۸0، و قوله عليه السّلام: «إلا في سبيل حق»۸۱ و نحو ذلك من التعبيرات. نعم، مع الشك في ذلك، فالمتيقن رجوع القيد إلى الحكم أو الموضوع بلحاظه عملا بأصالة الإطلاق في ذات الموضوع في حدّ نفسه، و لا تعارض بأصالة الإطلاق في الحكم و الموضوع بلحاظ الحكم لسقوطها فيهما على أي تقدير كما هو واضح.

إن قلت: ما يظهر من المشهور من كون الإباحة قيدا للموضوع مخالف لما يظهر منهم في أصل المسألة، فإنّه لو كان ابتداء السفر مباحا، فعدل في الأثناء إلى المعصية، فإما أن يكون ما قطعه قبل العدول مسافة أو لا يكون المجموع بقدر المسافة و لا ريب في وجوب التمام بعد العدول سواء كان القيد قيدا للموضوع أم للحكم، و لا ثمرة للنزاع من هذه الجهة.

و إما أن يكون المجموع بقدر المسافة فسار أولا بقصد الطاعة و صلّى قصرا ثمَّ عدل إلى المعصية، فيجب عليه التمام، فإن كان القيد قيدا للموضوع وجب عليه إعادة ما صلاه قصرا، لعدم تحقق المسافة الشرعية أصلا، مع أنّهم لا يقولون بالإعادة، فيظهر منه أنّهم جعلوا القيد في أصل المسافة قيدا للحكم لا للموضوع، فما وجه الاختلاف مع كون المبنى واحدا أصلا و عكسا، فإن كان قيدا للموضوع يكون فيهما كذلك، و إن كان للحكم فكذلك.

قلت: إنّي تفحصت عاجلا فيما حضرني من الكتب، فلم أر تعرضا من المشهور لخصوص هذا الفرع أي: ما إذا سافر بقصد الطاعة ثمَّ عدل إلى المعصية و كان المجموع بقدر المسافة الشرعية فقط و حكم المشهور بصحة ما صلاه قصرا في‏

هذه الصورة أيضا، فراجع الكلمات. نعم، تعرّضوا لمسألة ما إذا نوى المسافة و سافر و تجاوز عن حدّ الترخص و صلّى قصرا ثمَّ بدا له عن المسافرة و قالوا: إنّه لا يعيد صلاته- كما تقدم و يأتي.

و أما مرسل السياري عن أبي الحسن عليه السّلام: «إنّ صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتمّ، فإذا رجع إليها قصر»۸۲ فضعيف سندا، و غير معمول به متنا و حمله على من سافر لا بقصد الصيد ثمَّ عدل عن الطريق بقصده حتى يكون مما نحن فيه بلا شاهد.

فروع- (الأول): لو كان السفر طاعة في ابتدائه، فقصد المعصية في الأثناء هل ينقطع الترخص بمجرد القصد أو يتوقف على الضرب في الأرض بهذا القصد؟

وجهان المنساق من الأدلة هو الثاني- كما استظهر صاحب الجواهر رحمه اللّه و غيره- و يأتي مثله في [مسألة ٤۱]، و كذا العكس.

(الثاني): لو كان ابتداء السفر بقصد الطاعة و في الأثناء عدل إلى قصد المعصية، فقطع شيئا من المسافة بهذا القصد ثمَّ عاد إلى قصد الطاعة فهل يعتبر كون الباقي بنفسه مسافة في التقصير أم يكفي بلوغه بضميمة ما مضى من المباح بإسقاط المتخلل؟ قولان نسب الأول إلى جمع، منهم العلامة، و الثاني إلى جمع آخر منهم الصدوقان، و المحقق و الشهيد، و قد تقدم في [مسألة ۲۳]، ما ينفع المقام فراجع فإنّ دليل المسألتين واحد، و لكن الاحتياط هنا أشد من جهة احتمال زوال ما حدث أولا بقصد الطاعة عن السفرية، لعروض قصد المعصية، فلا يبقى موضوع للضم حينئذ.

(الثالث): لو سافر مباحا ثمَّ رجع عن قصد المسافرة أصلا و بعد ذلك سافر مقدارا من المسافة لارتكاب المعصية ثمَّ عاد إلى قصد المسافة الأولية و سار يكون‏

حكمه حكم ما سبق فراجع.

(مسألة ۳٤): لو كانت غاية السفر ملفقة من الطاعة و المعصية (۱۲۳)، فمع استقلال داعي المعصية لا إشكال في وجوب التمام (۱۲٤)، سواء كان داعي الطاعة أيضا مستقلا أو تبعا (۱۲٥) و أما إذا كان داعي الطاعة مستقلا و داعي المعصية تبعا، أو كان بالاشتراك ففي المسألة وجوه (۱۲٦) و الأحوط الجمع (۱۲۷) و إن كان لا يبعد وجوب التمام (۱۲۸)، خصوصا في صورة الاشتراك بحيث لو لا اجتماعهما لا يسافر.

تارة: يكون قصد المعصية علة تامة مستقلة منحصرة بحيث لو لم يكن لم يسافر أصلا و لا ريب في تعيين التمام.

و أخرى: يكون علة تامة غير منحصرة بمعنى أنّه لو لم يكن قصد المعصية لسافر لغرض صحيح أيضا و يجب فيه التمام أيضا، لصدق أنّه «مسير باطل»، و غير حق بعد فرض كون الداعي الفعلي للسفر قصد المعصية.

و ثالثة: يكون كل منهما جزء العلة بحيث لو لم يكن الآخر لم يكف هذا، فيحتمل القصر بدعوى: ظهور أدلة التمام فيما إذا كان قصد المعصية مستقلا سواء كان انحصاريا أم بدليا. و يحتمل التمام‏ بدعوى: ظهور أدلة التمام في كفاية الاستناد إلى قصد المعصية سواء كان بنحو الاستقلال أم جزء العلة، و هو الأقوى، لأنّ الترخيص إرفاق و هو لا يناسب قصد المعصية مطلقا.

و رابعة: يكون أحد القصدين تابعا و الآخر متبوعا و يأتي فيه ما تقدم في الثالثة من الاحتمالين، مضافا إلى التفصيل بين ما إذا كان داعي الإباحة تابعا، فيتم، أو بالعكس، فيقصر. و ما استظهرناه: من أنّ الحكم الإرفاقي لا يناسب قصد المعصية آت هنا أيضا. إلا أن‏ يقال: إنّ الأدلة منزلة على العرفيات بحسب مقاصدهم العرفية في أسفارهم مضافا إلى سهولة الشريعة، و العرف لا يرى للقصد التبعي المحض أثرا، فيقصر حينئذ لو كان قصد المعصية تبعا.

لوجود المقتضي، و فقد المانع، فتشمله الأدلة لا محالة.

لفرض أنّ داعي المعصية مستقل و لا ينافيه استقلال داعي الطاعة أيضا لو لم يكن داعي المعصية في البين، لأنّه من الاستقلالي البدلي يعني: لو فرض زوال داعي المعصية ليسافر بداعي الطاعة، لكنه غير موجود فعلا، لوجود  بديله، و لا يمكن اجتماع العلتين المستقلتين على معلول واحد. و أما إذا كان داعي الطاعة تبعيا، فلفرض أنّ استقلالية داعي المعصية تمنع عن استناد السفر إلى الداعي التبعي لاضمحلال كل تبعيّ مع وجود ما هو المستقل في البين.

أحدها: التمام بدعوى: أنّ صرف وجود قصد المعصية يجزي فيه و لو بنحو التبعية تمسكا بالإطلاق و الأصل أي: أصالة التمام.

ثانيها: القصر بدعوى أنّه لا بد في التمام من استقلال داعي المعصية، لأنّه المنساق من قوله عليه السّلام: «مسير باطل»۸۳.

ثالثها: التفصيل بين استقلالية داعي المعصية فيتم، و استقلالية داعي الطاعة، فيقصر، و في صورة الاشتراك يتم، لأصالة التمام.

للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما، فيجب الاحتياط إن لم ينحل العلم الإجمالي بأصالة التمام و إلا فلا يجب هذا الاحتياط.

لأصالة التمام من غير ما يصلح للحكومة عليه، ثمَّ إنّ المرجع في تشخيص قصد المسافر إنّما هو نفسه إذ القصود مما لا يطلع عليها إلا القاصد و اللّه تعالى.

(مسألة ۳٥): إذا شك في كون السفر معصية أو لا مع كون الشبهة موضوعية- فالأصل الإباحة (۱۲۹) إلا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة، أو كان هناك أصل موضوعيّ، كما إذا كانت الحلية مشروطة بأمر وجوديّ، كإذن المولى و كان مسبوقا بالعدم أو كان الشك في‏ الإباحة و العدم من جهة الشك في حرمة الغاية و عدمها و كان الأصل فيها الحرمة (۱۳0).

لأدلة البراءة العقلية و النقلية الشاملة للشبهات التحريمية موضوعية كانت أو حكمية.

لما ثبت في محله من حكومة الأصول الموضوعية مطلقا على غيرها و مثاله ما إذا كان مال، أو نفس، أو عرض محترما و سافر لأجل هتكه، فأصالة بقاء الاحترام في الغاية على أصالة الإباحة إن شك في زوال حرمة الغاية.

(فرع): لو كان السفر موردا للاحتياط العقلي- كما إذا كان من أطراف الشبهة المحصورة- وجب الاحتياط بالجمع إلا إذا جرى فيه أصل غير معارض، أو قلنا بجريان أصالة التمام حتّى في هذا المورد.

(مسألة ۳٦): هل المدار في الحلية و الحرمة على الواقع أو الاعتقاد (۱۳۱)، و الظاهر من جهة الأصول الإشكال (۱۳۲)، فلو اعتقد كون السفر حراما بتخيل أنّ الغاية محرّمة فبان خلافه، كما إذا سافر لقتل شخص بتخيل أنّه محقون الدم فبان كونه مهدور الدم، فهل يجب عليه إعادة ما صلاه تماما أو لا؟ و لو لم يصلّ و صارت قضاء، فهل‏ يقضيها قصرا أو تماما؟ وجهان (۱۳۳) و الأحوط الجمع (۱۳٤)، و إن كان لا يبعد كون المدار على الواقع إذا لم نقل بحرمة التجرّي، و على الاعتقاد إن قلنا بها (۱۳٥). و كذا لو كان مقتضى الأصل العملي الحرمة و كان الواقع خلافه أو العكس، فهل المناط ما هو في الواقع أو مقتضى الأصل بعد كشف الخلاف؟ وجهان: و الأحوط الجمع (۱۳٦) و إن كان لا يبعد كون المناط هو الظاهر الذي اقتضاه الأصل إباحة أو حرمة (۱۳۷).

الجميع من تبدل الموضوع، فمقتضى القاعدة عدم الإجزاء مطلقا عند تبين الخلاف إلا في مورد واحد و هو مورد تحقق الخوف، مع ظهور عدمه واقعا، فإن كان المستفاد- من الأخبار الواردة في المقام- مطابقا للقاعدة فنعم الوفاق و إلا فنأخذ بالأخبار و نخصص بها القاعدة.

و أما الثاني: فالتعبيرات الواردة في النصوص هكذا:

منها: قول الصادق عليه السّلام: «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا في سبيل حق»۸4 و هو ظاهر في الحق الواقعيّ كما في سائر الألفاظ الظاهرة في المعاني الواقعية، و يمكن حمله على الأعم من الحق الواقعيّ و الاعتقادي.

و منها: قوله عليه السّلام أيضا: «في قول اللّه عزّ و جل‏ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ* قال: الباغي الصيد، و العادي السارق «و ليس لهما- أي:

«الباغي و العادي- أن يقصرا»۸٥.

و منها: قوله عليه السّلام: «من سافر قصر و أفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد، أو في معصية اللّه، أو رسول لمن يعصي اللّه»۸٦ و ظهوره، بل صراحته في اشتراط التمام بتنجز النهي مما لا ينكر، لأنّه لا معصية مع عدم فعلية النهي من كل جهة و حينئذ فنفس الحرمة الواقعية مع الجهل بها لا توجب التمام، و بقرينة المقابلة إنّ كل ما ليس بمعصية يقصر فيه الصلاة و لو كان محرما في الواقع، و يستفاد ذلك أيضا من خبر الخراساني‏۸۷ قال: «دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السّلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال لأحدهما:

وجب عليك التقصير، لأنّك قصدتني، و قال للآخر: وجب عليك التمام، لأنّك قصدت السلطان» حيث يدل على أنّ المدار على القصد و العزم و الإرادة إلى المعصية الواقعية.

و يتحصل‏ من مجموع الأخبار الواردة بقرينة بناء تكليف السفر على التسهيل صور:

الصورة الأولى: الإباحة الواقعية و لا ريب حينئذ في وجوب التقصير.

الصورة الثانية: الإباحة الظاهرية المكشوفة بالأمارات و الأصول مع عدم تبين الخلاف و هي كسابقتها في وجوب القصر، لعموم دليل اعتبار تلك الأمارات و الأصول.

الصورة الثالثة: عين الصورة السابقة مع تبين الخلاف بعد الإتيان بوظيفة القصر، و مقتضى دوران التمام مدار تحقق المعصية إجزاء القصر و عدم وجوب الإعادة و القضاء تماما، لفرض عدم تحقق المعصية حين الإتيان بوظيفة القصر.

الصورة الرابعة: الاعتقاد بالحلية من أيّ وجه حصل، و مقتضى عدم تحقق المعصية إجزاء وظيفته ما لم يتبيّن الخلاف؟ و عدم وجوب القضاء أو الإعادة بعد التبين، و لكن لا بد من تقييده بما إذا لم يحصل تقصير في حصول الاعتقاد.

الصورة الخامسة: كونه معصية واقعية.

الصورة السادسة: كونه معصية بحسب الأمارة و الأصل المعتبر، و مقتضى تحقق المعصية في الصورتين وجوب التمام فيهما.

الصورة السابعة: نفس الصورة مع تبين الخلاف و مقتضى القاعدة فيها القصر بعد التبين و الإعادة أو القضاء لما صلاه تماما إلا أن يتمسك بإطلاق ما ورد من التمام في سفر المعصية و هو حسن، و مع الشك فالمرجع أصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة القصر لذلك و الأحوط الجمع.

الصورة الثامنة: الاعتقاد بالمعصية مع عدم كونه كذلك في الواقع، و المسألة من صغريات التجرّي بناء على حرمته يتم، و بناء على العدم يقصر و الأحوط الجمع. هذه بعض الصور على نحو الإجمال.

لا إشكال في كل ما هو معتبر شرعا أمارة كان أو أصلا ما لم ينكشف الخلاف.

تقدم أنّ مقتضى أصالة التمام هو البقاء عليه بعد الشك في شمول أدلة القصر لمثل الفرض

للعلم الإجمالي إن لم تجر أصالة التمام، و لم يكن مطلق التجرّي و الطغيان منشأ للتمام.

الظاهر أنّ حرمة المعصية إنّما تكون لأجل تحقق الطغيان بها على المولى و هو متحقق في مورد التجرّي بلا كلام، فلا بد من كونه موجبا للتمام.

تقدم وجههما آنفا، فلا وجه للإعادة.

و هذا هو المتعيّن، لعموم أدلة اعتباره، مع بناء التقصير على التسهيل بحيث تكون الإعادة أو القضاء مع تبين الخلاف منافيان له. ثمَّ إنّ من فروع المقام ما إذا سافر لغاية محرّمة فلم يتيسر له تحقق الغاية.

(مسألة ۳۷): إذا كانت الغاية المحرّمة في أثناء الطريق لكن كان السفر إليه مستلزما ليقطع مقدارا آخر من المسافة، فالظاهر أنّ المجموع يعد من سفر المعصية (۱۳۸)، بخلاف ما إذا لم يستلزم.

الاستلزام إن كان وجودا و غاية، أو وجودا فقط، فلا إشكال في التمام، لأنّه من سفر المعصية بلا كلام، و كذا إن كان غاية فقط بحيث تعد غاية تلك المسافة غاية محرّمة عرفا، و إن لم يكن كذلك، فالظاهر هو القصر كما إذا تمَّ بنزين السيارة قبل الوصول إلى الغاية المحرّمة- مثلا- و ذهب إلى المسافة لأخذ البنزين ثمَّ عاد إلى محل ارتكاب الحرام، فيقصر في المسافة لأخذ البنزين لوجود المقتضي له و فقد المانع

(مسألة ۳۸): السفر بقصد مجرد التنزه ليس بحرام (۱۳۹) و لا يوجب التمام.

للأصل، و السيرة، و ظهور الإجماع.

(مسألة ۳۹): إذا نذر أن يتمّ الصلاة (۱40) في يوم معيّن أو يصوم يوما معينا وجب عليه الإقامة، و لو سافر وجب عليه القصر على ما مر من أنّ السفر المستلزم لترك واجب لا يوجب التمام إلا إذا كان بقصد التوصل إلى ترك الواجب، و الأحوط الجمع.

) النذر في المقام على أقسام:

الأول: أن ينذر ترك السفر و كان ذلك راجحا، فينعقد و يكون نفس السفر حينئذ معصية و يجب فيه الإتمام و الصيام على ما تقدم في أول هذا الشرط كما تجب الكفارة، للحنث.

الثاني: أن يكون متعلق النذر نفس إتمام الصلاة من حيث هو إتمام لها و كان ذلك راجحا كما هو الظاهر، فينعقد نذره و تجب عليه الإقامة و الوفاء بالنذر إن كان مطلق وجود الإتمام مورد النذر لا وجوده الاتفاقي، و لو خالف و سافر يقصر بناء على أنّ السفر المستلزم لترك الواجب ليس بحرام خصوصا في المقام، لخبر عبد اللّه بن جندب سمعت عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «يخرج و لا يصوم في الطريق، فإذا رجع قضى ذلك»۸۸ و مثله غيره، إذ يمكن إلحاق الصلاة بالصوم في هذا الحكم، لملازمتهما في الإتمام و القصر، إلا ما خرج بالدليل.

الثالث: هذه الصورة بعينها مع القول بحرمة السفر المستلزم لترك الواجب، فقد يشكل بأنّ حرمته مما يلزم من وجودها العدم، لأنّ الحرمة إنّما تكون لأجل تفويت الواجب و المفروض أنّه يجب التمام في هذا السفر فلا يلزم التفويت، فلا وجه للحرمة، فيلزم من فرض وجودها العدم. و يمكن أن يجاب عنه بأنّ التمام الذي فات شي‏ء، و التمام المأتيّ به شي‏ء آخر، فيمكن أن يكون للتمام النذري الحضري خصوصية غير متداركة بالتمام المترتب على عصيان النذر.

و قد يشكل أيضا بأنّ إباحة مثل هذا السفر مما يلزم من وجودها عدمها لتوقفها على عدم تفويت الواجب المطلق، و مع التفويت لا وجه للإباحة، فلا وجه للقصر أيضا.

و يمكن أن يجاب عنه بعدم حرمة التفويت، لما تقدم من خبر عبد اللّه بن جندب، بضميمة ملازمة الصوم و الصلاة في الإتمام و القصر إلا ما خرج بالدليل، و على هذا فلا يبقى موضوع للإشكال الأول أيضا، بل لا يبقى وجه للقسم الثالث أصلا، إذ لا وجه لحرمة السفر المستلزم لترك الواجب و على فرضها، فمثل خبر ابن جندب يكون مخصصا للمقام و إن كان ينبغي مراعاة الاحتياط و يأتي في [مسألة ۲۸] من (فصل قواطع السفر) نظير هذه المسألة.

(مسألة ٤۰): إذا كان سفره مباحا لكن يقصد الغاية المحرّمة في حواشي الجادة فيخرج عنها لمحرّم و يرجع إلى الجادة، فإن كان السفر لهذا الغرض كان محرّما موجبا للتمام (۱٤۱)، و إن لم يكن لذلك و إنّما يعرض له قصد ذلك في الأثناء (۱٤۲) فما دام خارجا عن الجادة يتم و ما دام عليها يقصر (۱٤۳)، كما أنّه إذا كان السفر لغاية محرّمة و في أثنائه‏ يخرج عن الجادة و يقطع المسافة أو أقلّ لغرض آخر صحيح يقصر ما دام خارجا (۱٤٤) و الأحوط الجمع في الصورتين

لكونه حينئذ من سفر المعصية موضوعا و حكما.

بشرط أن لا يكون ذلك من مجرّد اتفاق المعصية في أثناء السفر، فإنّه لا يوجب التمام- كما مرّ- بل لا بد من صدق كون السفر في خارج الجادة سفر المعصية، و صدق طيّ المسافة لأجلها، فالخروج عن الجادة تارة يكون لأجل طيّ المسافة المحرّمة، و أخرى: لأجل قضاء حاجة محرّمة و مورد المقام هو الأول دون الثاني.

) لما تقدم منه رحمه اللّه عند قوله في [مسألة ۳۳]، فما دام عاصيا يتم و ما دام مطيعا يقصر، و ذكرنا: أنّه يصح بناء على كون الإباحة قيدا للحكم أو للموضوع بلحاظه. و أما بناء على كونها قيدا لنفس السفر من حيث هو، فيعتبر في التقصير بعد رجوعه إلى الجادة كون الباقي مسافة و لو ملفقة.

أما في صورة قطع المسافة فلا إشكال فيه، لشمول أدلة الترخيص له. و أما في صورة الأقل، فيصح بناء على مبناه رحمه اللّه من كون الإباحة قيدا للحكم كما تقدم. و أما بناء على كونها قيدا للسفر فقط، فلا يتحقق موضوع المسافة الشرعية حينئذ حتّى يقصر، فيكون المرجع أصالة التمام. ثمَّ إنّه يجري في المقام ما ذكرناه من القسمين في الخروج عن الجادة آنفا.

(مسألة ٤۱): إذا قصد مكانا لغاية محرّمة فبعد الوصول إلى المقصد قبل حصول الغرض يتم (۱٤٥)، و أما بعده فحاله حال العود (۱٤٦) عن سفر المعصية في أنّه لو تاب يقصر و لو لم يتب يمكن القول بوجوب التمام، لعدّ المجموع سفرا واحدا (۱٤۷) و الأحوط الجمع هنا و إن قلنا بوجوب القصر في العود بدعوى عدم عدّه مسافرا (۱٤۸) قبل أن يشرع في العود

لتلبسه فعلا بسفر المعصية، فيجب عليه الإتمام.

هذا صحيح بناء على كون الإباحة شرطا للحكم، فيتحقق موضوع السفر حينئذ و يقصر لو تاب، لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع. و أما لو كانت قيدا للموضوع، فيحتاج إلى كون الباقي بمقدار المسافة، لفرض عدم تحقق السفر بعد.

لا دليل عليه بنحو الكلية و على فرضه، فليس المناط وحدة السفر و تعدده، بل المناط كونه مباحا أو حراما، ففي الأول يقصر و في الثاني يتم، و بناء على مبناه رحمه اللّه من كون الإباحة قيدا للحكم و أنّه يتم مع العصيان و يقصر مع الطاعة يلزمه الفتوى بالقصر حينئذ، و بناء على كونها قيدا للموضوع، فما تحقق لم يكن مسافة و هو بعد غير متلبس بها، فلا وجه للقصر، و مقتضى أصالة التمام وجوبه، و مقتضى الاحتياط الجمع كما لا يخفى.

و الظاهر أنّه المتعيّن سيّما بناء على كون الإباحة قيدا لموضوع السفر.

(مسألة ٤۲): إذا كان السفر لغاية لكن عرض في أثناء الطريق قطع مقدار من المسافة لغرض محرّم منضما إلى الغرض الأول، فالظاهر وجوب التمام في ذلك المقدار من المسافة، لكون الغاية في ذلك المقدار ملفقة من الطاعة و المعصية (۱٤۹) و الأحوط الجمع، خصوصا إذا لم يكن الباقي مسافة.

تقدم في [مسألة ۳٤] أقسام التلفيق و أحكامها فراجع. و لم يظهر وجه لخصوصية الاحتياط إن لم يكن الباقي مسافة بناء على مبناه من كون الإباحة قيدا للحكم، فإنّه متى يكون مطيعا يقصر مطلقا، و متى يكون عاصيا يتم كذلك.

نعم، بناء على كونه قيدا للموضوع، و عدم كون ما بقي مع المقدار المباح الذي قطعه قبل عروض قصد المعصية مسافة لا وجه للقصر حينئذ و لعله (قدّس سرّه) أشار بالخصوصية إلى ذلك.

و خلاصة الكلام: أنّ ما كان قبل عروض قصد المعصية و بعد زواله إما أن يكون كل واحد منهما بقدر المسافة مستجمعا للشرائط، فلا إشكال في القصر فيهما، و إما أن يكون أحدهما بمقدارها دون الآخر، فما بلغ بقدرها يتعيّن فيه القصر، و في غيره يبتني القصر على صحة الانضمام و عدمها، و كذا إن لم يكن كل واحد منهما بقدرها، و لكن كان المجموع بمقدارها، فإنّ القصر فيه أيضا مبنيّ عليها، و تقدم في [مسألة ۲۳] ما ينفع المقام.

(مسألة ٤۳): إذا كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثمَّ عدل في الأثناء إلى الطاعة، فإن كان العدول قبل الزوال وجب‏ الإفطار (۱٥0)، و إن كان بعده. ففي صحة الصوم و وجوب إتمامه إذا كان في شهر رمضان مثلا وجهان (۱٥۱) و الأحوط الإتمام و القضاء، و لو انعكس بأن كان طاعة في الابتداء و عدل إلى المعصية في الأثناء، فإن لم يأت بالمفطر و كان قبل الزوال صح صومه (۱٥۲) و الأحوط قضاؤه أيضا (۱٥۳) و إن كان بعد الإتيان بالمفطر أو بعد الزوال بطل (۱٥٤)، و الأحوط إمساك بقية النهار تأدبا إن كان من شهر رمضان.

لتحقق السفر الجامع للشرائط حينئذ قبل الزوال، و يأتي ما يتعلق به في [مسألة ۱] من (فصل شرائط وجوب الصوم) و يعتبر كون الباقي مسافة و لو ملفقة، و أن يكون الإفطار بعد الضرب في الأرض لا بمجرد انقلاب القصد إلى الطاعة.

مبنيان على أنّ الإباحة قيد لموضوع السفر، فكأنّه لم يسافر قبل الزوال، بل سافر بعده فيتم صومه و لا شي‏ء عليه، أو قيد لخصوص الحكم فقط، فهو سافر قبل الزوال إلا أنّه حيث كان عاصيا وجب عليه الإمساك و بعد العدول عن عصيانه يفطر، لوجود المقتضي و فقد المانع، فيشمله ما دل على أنّ من سافر قبل الزوال يفطر و حيث اخترنا الأول يجب عليه الإتمام، و حيث إنّ الماتن اختار الثاني لزمه الجزم ببطلان الصوم هنا أيضا، فلا وجه للاحتياط الوجوبي على كلا التقديرين.

لأنّه كمن كان مسافرا و لم يفطر و حضر قبل الزوال و يأتي حكمه في مسألة من (فصل شرائط وجوب الصوم) و لا فرق فيه بين كون الإباحة قيدا للموضوع أو للحكم. هذا إذا لم يكن إحداث أصل السفر قبل الزوال و إلا فيأتي حكمه في محله إن شاء اللّه تعالى.

لأنّ الاحتياط حسن في كل حال حتى مع وجود الدليل.

أما في صورة الإفطار، فلزوال موضوع الصوم. و أما في صورة قصد المعصية بعد الزوال فلأنّه مثل ما إذا كان مسافرا و حضر بعد الزوال، و سيأتي بطلان الصوم حينئذ كما سيأتي وجه استحباب الإمساك في بقية النهار إن كان من شهر رمضان في [مسألة ۳] من (فصل أقسام الصوم).

فرع:- لو أحدث السفر قبل الزوال في شهر رمضان بقصد الطاعة و بعد تحقق المسافة الشرعية قصد المعصية قبل الزوال، فصحة الصوم و عدمها مبنية على أنّ من أحدث السفر في نهار شهر رمضان ثمَّ حضر قبل الزوال و لم يتناول شيئا هل يصح الصوم منه؟ و هو كمن كان مسافرا فحضر قبل الزوال، أو لا يصح؟ و يأتي البحث عنه إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ٤٤): يجوز في سفر المعصية الإتيان بالصوم الندبي و لا يسقط عنه الجمعة و لا نوافل النهار و الوتيرة، فيجري عليه حكم الحاضر (۱٥٥).

لأنّ السفر الفاقد للشرائط الشرعية كالعدم نصا،- كما سيجي‏ء- و إجماعا، بلا فرق فيه بين كون الإباحة قيدا للحكم أو للموضوع.

(السادس) من الشرائط: أن لا يكون ممن بيته معه (۱٥٦)، كأهل‏ البوادي- من العرب و العجم- الذين لا مسكن لهم (۱٥۷) معينا، بل يدورون في البراري و ينزلون في محل العشب و الكلاء و مواضع القطر و اجتماع الماء- لعدم صدق المسافر عليهم. نعم، لو سافروا لمقصد آخر من حج أو زيارة أو نحوهما قصروا (۱٥۸) و لو سافر أحدهم لاختيار منزل أو لطلب محل القطر أو العشب و كان مسافة، ففي وجوب القصر أو التمام عليه إشكال، فلا يترك الاحتياط بالجمع (۱٥۹).

للإجماع، و النصوص، و لعدم صدق المسافر عليه عرفا، لتقوم المسافرة بالتغرب عن الأهل، لأنّ السفر خلاف الحضر، و من كان بيته معه و هو حاضر عند أهله و في بيته. فكيف يكون مسافرا، فلو لم يكن في البين الإجماع، و النصوص في عدم الترخيص لهم لكنا نحكم بخروجهم عن الموضوع تخصصا، و من النصوص قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر سليمان بن جعفر الجعفري:

«الأعراب لا يقصرون و ذلك أن منازلهم معهم»۸۹، و خبر إسحاق بن عمار:

«سألته عن الملاحين و الأعراب هل عليهم تقصير؟ قال عليه السّلام: لا، بيوتهم معهم»۹0، و خبر إسماعيل ابن أبي زياد عن جعفر عليه السّلام عن أبيه قال: «سبعة لا يقصرون- إلى أن قال- و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر»۹۱.

المدار على صدق كون بيتهم معهم سواء كان لهم مسكن أم لا.

لعمومات التقصير فيما إذا لم يكن معهم، مضافا إلى ظهور الإجماع. و أما إن حجوا، أو زاروا مع بيوتهم، فالظاهر وجوب التمام عليهم، لصدق كون بيوتهم معهم إلا إذا تخصصوا بخصوصية يصدق بها المسافرة عندهم لأجل تلك الخصوصية.

إن سافروا مع بيوتهم، فالظاهر التمام و إلا فالمتعيّن القصر، لصدق الحضور عند الأهل و البيت في الأول، و السفر في الثاني، و مع الشك فالمرجع أصالة التمام.

فروع- (الأول): لا فرق فيما تقدم بين البر و البحر و المركب منهما، كما لا فرق بين ما إذا كان زمان إقامتهم في محل قليلا أو كثيرا إلا إذا كانت كثرة الإقامة موجبة لصدق الوطن عرفا، فيجري عليه حكم الوطن حينئذ، و على الخروج منه حكم السفر مع تحقق الشرائط.

(الثاني): لا فرق في ذلك بين ما إذا كانت الإقامة بإعطاء عوض، أو مجانا، كما لا فرق في كون بيوتهم معهم حين النقل من محل إلى آخر بأن يحمل على دوابهم، أو على المراكب الحديثة بحيث يصدق أنّ بيوتهم معهم، و مع الشك فالمرجع أصالة التمام.

(الثالث): الظاهر عدم الفرق مع صدق ذلك بين كونه باختيارهم، أو بقهر قاهر، كما لا فرق بين خفة بيوتهم و أثاثها أو ثقلها و كثرة الأثاث، كما لا فرق بين الشخص الواحد الذي لا أهل له و من له الأهل و العيال.

(السابع): أن لا يكون ممن اتخذ السفر عملا و شغلا له (۱٦0) كالمكاري و الجمّال و الملاح و الساعي و الراعي و نحوهم، فإنّ هؤلاء يتمون الصلاة و الصوم في سفرهم الذي هو عمل لهم و إن استعملوه لأنفسهم، كحمل المكاري متاعه أو أهله من مكان إلى مكان آخر (۱٦۱)، و لا فرق بين من كان عنده بعض الدواب يكريها إلى الأماكن القريبة من بلاده فكراها إلى غير ذلك من البلدان البعيدة و غيره (۱٦۲) و كذا لا فرق بين من جدّ في سفره بأن جعل المنزلين منزلا واحدا و بين من لم يكن كذلك (۱٦۳)، و المدار على صدق اتخاذ السفر عملا له عرفا و لو كان في سفرة واحدة (۱٦٤) لطولها و تكرّر ذلك منه (۱٦٥) من مكان غير بلده إلى مكان آخر، فلا يعتبر تحقق الكثرة بتعدد السفر ثلاث مرات أو مرّتين (۱٦٦) فمع الصدق في أثناء السفر الواحد أيضا يلحق الحكم- و هو وجوب الإتمام- نعم، إذا لم يتحقق الصدق إلا بالتعدد يعتبر ذلك.

للإجماع، و لأصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة التقصير بالنسبة إليهم، و لنصوص مستفيضة و هي على قسمين:

الأول: ما تضمن ذكر بعض العناوين الخاصة مثل صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكاري و الجمال»۹۲ و خبر إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال: «سبعة لا يقصرون الصلاة الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطرة و منبت الشجر، و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»۹۳، و مجموع ما ذكر في تمام الأخبار بعد رد بعضها الى بعض عشرة: المكاري، و الكري، و الراعي، و الاشتقان، و الملاح، و البريد، و الأعراب، و التاجر، و الجابي، و الأمير.

الكري: كغني من يكري نفسه لحوائج الناس في السفر و كان شائعا في السابق، و الاشتقان معرب (دشتبان) و منه أمين البيادر، و فسر بالبريد أيضا كما يأتي، و البريد من حمل الرسائل و كان شائعا في السابق، و المراد بالتاجر من يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و كان شائعا في الأزمنة السابقة، و لو كنا نحن و هذه العناوين الواردة في هذه الأخبار لقلنا: إنّها من باب المثال لملازمتها لتكرر السفر معهم.

الثاني: ما يمكن استفادة الكلية منها كصحيح هشام: «المكاري و الجمال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر رمضان»۹4.

و مثله خبر ابن الربيع‏۹٥، و خبر ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «خمسة يتمون في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكري و الاشتقان و هو البريد، و الراعي و الملاح لأنّه عملهم»۹٦، و ما تقدم من خبر إسماعيل بن أبي زياد حيث يشتمل على الدوران في الأمارة و التجارة۹۷، و خبر ابن جزك قال:

«كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السّلام إنّ لي جمالا و لي قوام عليها و لست أخرج فيها إلا في طريق مكة لرغبتي في الحج، أو في الندرة إلى بعض المواضع فما يجب عليّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل أ يجب عليّ التقصير في الصلاة و الصيام في السفر أم التمام؟ فوقع عليه السلام: إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك تقصير و إفطار»۹۸، فيستفاد منها أنّ المناط كله تحقق الاختلاف و عدم المقام، و صدق المزاولة العملية للسفر، و صدق الدوران، و صدق الملازمة للسفر، فمهما صدق شي‏ء من تلك الأمور وجب التمام سواء انطبق عليه بعض العناوين العشرة المتقدمة أم لا.

و بعبارة أخرى: المكاراة و الملاحة و نحوهما طريق إلى تحقق ملازمة السفر لا أن يكون لها موضوعية خاصة، فما تعارف في هذه الأعصار من الذهاب أول اليوم إلى المسافة للشغل، أو للتعلم أو نحو ذلك و الرجوع في آخر اليوم وجب التمام عليهم أيضا، لإطلاق قوله عليه السّلام: «لأنّه عملهم»۹۹، و إطلاق قوله عليه السّلام: «ليس له مقام»۱00، و مفهوم خبر ابن جزك- المتقدم- و ظاهر المستند التعميم بالنسبة إلى غير العناوين العشرة الواردة في الأخبار.

إن قلت: كيف يصدق عليهم أنّهم ممن اتخذ السفر عملا- كما في المتن- و كيف يصدق أنّه عملهم كما في الأخبار.

قلت: لا ريب في صدقهما عليهم، لأنّ معنى عملية السفر و ملازمته له ليس أن يكون خصوص نفس السفر من حيث هو مع قطع النظر عن غاية أخرى عملا له، لأنّه حمل لتلك الأخبار الكثيرة على النادر خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة

القديمة، بل المراد الأعم منه و مما يكون لملازمة السفر مقدمة وجودية له سواء كان ملازمة السفر مطلوبا بذاته، أو لغاية أخرى أي غاية كانت، فالمناط كله ترتب غرض عقلائي في السفر أو عليه، بأن كان تحصيل ذلك الغرض متوقفا على ملازمة السفر.

إن قلت: يعتبر في الصدق المذكور أن يكون الشي‏ء مما لا موضوع له أصلا إلا بالسفر- كالمكاراة، و الملاحة، و البريد و نحوها- فلا يشمل غيرها.

و بعبارة أخرى: ما يكون السفر داخلا في مفهومه و حقيقته لا ما يكون من مقدماته الوجودية.

قلت: ظاهر تعبيرات النصوص أعمّ من ذلك خصوصا بعد التمثيل فيها بالتاجر الذي يدور في تجارته، و الأمير و الجابي إذ لا ريب في عدم كون السفر داخلا في مفهومها.

إن قلت: تقدم في صحيح هشام: «الذي يختلف و ليس له مقام»۱0۱ و لا بد من صدق ذلك، و من يسافر أول اليوم إلى المسافة لشغل و يرجع آخره إلى محله لا يصدق عليه ذلك، بل يصدق أنّ له مقام و محل يغدو عن محله و يروح إليه.

قلت: قوله عليه السلام: «ليس له مقام» يحتمل أن يكون بيانا لقوله عليه السّلام «يختلف» و يحتمل أن يراد به عدم الإقامة عشرة أيام كما يأتي، و يحتمل أن يراد به عدم المقام في المحل بحسب المتعارف- كإقامة الناس في ديارهم و محالّهم- و لا ريب في صدقه بتمام هذه الاحتمالات عليه.

إن قلت: إنّ من يسافر أول الصبح- مثلا- إلى محل بينهما المسافة الشرعية و يرجع العصر إلى محله الأول يكون كذي الوطنين الذي يسافر من أحد وطنيه إلى وطنه الآخر، فكما أنّه يقصر، فكذا في المقام.

قلت: ذو الوطنين إذا تكرّر منه ذلك كل يوم يجب عليه الإتمام، لشمول أدلة المقام له أيضا.

لإطلاق الدليل الشامل لذلك أيضا.

لإطلاقات الأدلة التي تشمل الأمكنة القريبة البالغة حدّ المسافة و البعيدة و المركبة منهما، بل تشمل ما إذا كان مكاريا، فصار ملاحا، أو بالعكس كما تشمل سائق السيارة و القطار و الطيارة و نحوها- سواء انفرد بعمله فقط- أم تحوّل من سوق مركوب إلى سوق مركوب آخر- كما لو صار ملاح السفينة البحرية ملاحا لسفينة فضائية، أو سائقا لسيارة مثلا.

على المشهور بين الإمامية- لما تقدم من العمومات و الإطلاقات الشاملة لكل واحد منهما، و عن جمع منهم صاحبي الحدائق و الذخيرة وجوب القصر على من جدّ به السير، لقول أحدهما عليهما السّلام في صحيح ابن مسلم: «المكاري و الجمال إذا جدّ بهما السير، فليقصرا»۱0۲، و صحيح البقباق قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المكارين الذين يختلفون، فقال عليه السّلام: إذا جدّوا السير، فليقصروا»۱0۳ و حملوا الجدّ على ظاهره من زيادة السير على المتعارف بحيث تحصل المشقة، و عن الكليني حمله على جعل المنزلين منزلا واحدا. و عن الذكرى حمله على ما إذا أنشأ سفرا من غير عمله.

و عن العلامة على ما إذا سافر بعد إقامة عشرة أيام. و عن الروض ما إذا قصد المسافة قبل تحقق الكثرة و لا شاهد على هذه المحامل كلها. نعم، الحمل الأول

مطابق للمتفاهم العرفي لو لا وهن الأخبار بإعراض الأصحاب و عدم ظهور عامل بها من فقهائنا القدماء (رضوان اللّه عليهم). و يمكن إرجاع ما عن الكليني رحمه اللّه إلى ما ذكروه بأن يكون ذكر المنزلين من باب المثال لنهاية الزيادة في السير لا الخصوصية.

لما تقدم من أنّ المناط صدق كون السفر عملا له و أنّه ملازم للسفر، و يمكن صدق ذلك بسفرة واحدة- كمن كان مشتغلا بشغل و ترك شغله رأسا و أعد أسباب عملية السفر و شرع فيه بانيا على اتخاذه عملا لنفسه- و قد تقدم أنّ العناوين العشرة من المكاري و نحوه لا موضوعية لها، بل تكون طريقا لصدق ملازمة السفر و نحوها مما تقدم، فلا وجه لجعل المدار على صدق تلك العناوين، مع أنّ الظاهر صدقها أيضا بأول مرّة إذا شرع فيها مع تهيئة أسبابها بانيا على ملازمتها، تاركا لغيرها من المشاغل، و كذا من كان من أهل النجف- مثلا- و اتخذ عملا في كربلاء و بنى على أن يروح كل يوم إلى كربلاء لعمله و يرجع فإذا شرع في ذلك يقال له إنّه شرع في عمل يتقوّم بالسفر و يلازمه المسافرة.

الظاهر عدم الاحتياج إلى التكرار، بل يكفي مطلق التلبس بانيا على ملازمته و مزاولته، فعملية السفر مثل عملية سائر الأعمال في أنّه يكفي في صدقها التلبس بها بانيا على الاستمرار و الثبات.

إن قلت: قد تقدم في صحيح هشام: «الذي يختلف و ليس له مقام»۱04 و كذا في غيره، و لا بد في صدق الاختلاف من التكرار و لا يكفي فيه صرف الوجود.

قلت: الظاهر أنّ المراد بالاختلاف، الاختلاف الشأني الاستعدادي التهيّئي لا الفعلي من كل جهة و يكفي فيه مجرد التهيؤ، للاختلاف و التردد و البناء عليه، و مع الشك، فالمرجع أصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة التقصير لمثله.

إذ ليس للفظ الكثرة في الأدلة عين و لا أثر حتى يستفاد منها التعدد، فما عن الرياض من اعتبار الثلاثة، و ما عن المختلف من اعتبار المرتين، فإن كان لأجل توقف صدق الاختلاف على ذلك، فقد تقدم ما فيه. و إن كان لأجل أنّ الغالب ذلك‏ (ففيه): أنّه غير مسلّم فيما إذا شرع في السفر بانيا على الاستمرار عليه و ملازمته، فإنّ الظاهر صدق العناوين الخاصة و عمليّة السفر عليه في أول سفره أيضا. نعم، لو لم يصدق عليه ذلك، أو شك فيه يحتاج إلى التكرار حينئذ.

و يمكن أن يجعل النزاع بذلك لفظيا و يقال: إنّه مع البناء على عملية السفر و الاستمرار عليه يكفي مجرّد التلبس به و مع عدمه لا بد من التكرار فصدق عملية السفر تارة: قصديّ يكفي فيه البناء و التلبس، و أخرى: انطباقيّ قهريّ يعتبر فيه التكرار و لكنّه مشكل، لأنّ الظاهر كونه من الأمور القصدية مطلقا لا الانطباقية القهرية. و مع الشك، فالمرجع أصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة التقصير لمثل المقام.

فروع- (الأول): بناء على لزوم القصر على من جدّ به السير هل يختص ذلك بخصوص المكاري و الجمال، لذكرهما بالخصوص في الخبر- كما تقدم- أو يعم غيرهما أيضا من الأصناف العشرة التي تقدم ذكرها بحمل ذكرهما على المثال لا التخصيص؟ وجهان، بل قولان اختار في المستند الأول و هو الظاهر.

(الثاني): يختص التقصير لمن جدّ به السير على القول به بخصوص المحل الذي جدّ فيه السير دون غيره حتى المنزل الذي ينزل فيه، فيتم فيها، لقول الصادق عليه السّلام في مرسل عمران: «المكاري و الجمال إذا جدّ بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين، و يتما في المنزل»۱0٥. ثمَّ إنّ الظاهر شمول‏

الحكم على القول به للمراكب السريعة العصرية أيضا إن تجاوزت عن سيرها المعتاد.

(الثالث): تقدم أنّ من يروح غدوة إلى المسافة الشرعية لعمل و يرجع رواحا و كان ذلك عملا له يتم، و كذا من كان كذلك في الليل بأن يروح أول الليل و يرجع آخره، بل و كذا في المركّب منهما بأن كان يروح أول الظهر و يرجع نصف الليل- مثلا.

(الرابع): من يذهب كل ليلة جمعة- مثلا- إلى المسافة للوعظ و الإرشاد و إقامة الجماعة وجب عليه التقصير، لأنّه مسافر، و كذا إن كان ذلك في كل خمسة أيام- مثلا- بل و كذا في كل أربعة أيام، بل و ثلاثة أيام أيضا، و يشكل إن كان ذلك في كل يومين مرّة، و أشكل منه إن كان في يوم دون يوم، و لا يبعد التمام في الأخير، لصدق عملية السفر و ملازمته بالنسبة إليه و من ذلك يعلم حكم من يتشرّف في كل ليلة جمعة من النجف الأشرف إلى كربلاء المقدسة، فإنّه مسافر يجب عليه التقصير في سفره و يتم بعد الرجوع إلى النجف الأشرف إن كان وطنه و يأتي التفصيل في (فصل قواطع السفر).

(الخامس): من كان صانعا للسائق و المكاري و الملاح يكون بحكمه- واحدا كان أو متعددا- لتحقق المناط فيه أيضا.

(السادس): مع صدق عملية السفر لا فرق بين كون سفره أكثر من حضره- كما إذا سافر خمسة أيام و حضر ثلاثة أيام- أو كان بالعكس.

(مسألة ٤٥): إذا سافر المكاري و نحوه ممن شغله السفر سفرا ليس من عمله، كما إذا سافر للحج أو للزيارة يقصر (۱٦۷). نعم، لو حج أو زار لكن من حيث إنّه عمله، كما إذا كرى دابته للحج أو للزيارة و حج أو زار بالتبع أتمّ (۱٦۸).

لصدق المسافر عليه، فتشمله أدلة الترخيص لا محالة.

لكونه في عمله حينئذ، فيشمله قول أبي جعفر عليه السّلام:

«يتمّون الصلاة في سفنهم»۱0٦، و صحيح ابن مسلم: «ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير»۱0۷، فإنّ المتفاهم منه عرفا وجوب الإتمام حال الاشتغال بعمله و التلبس به من حيث إنّه عمله و هو متحقق في المقام بخلاف الصورة الأولى، فما عن المستند من الإتمام حتى فيها مخدوش.

و الحاصل‏ فإنّ الأقسام‏ خمسة: الأول: ما إذا فرغ عن شغله بالكلية و رفع اليد عنه و سافر للزيارة و لا ريب في وجوب القصر عليه و إن كان في سيارته و مركوبه.

الثاني: ما إذا كانت المسافرة للزيارة من جهة اشتغاله بعمله بحيث لولاه لم يسافر إليها و لا إشكال في وجوب التمام عليه، لأنّه في عمله.

الثالث: ما إذا كان قصد الاشتغال بالعمل أصليّا و قصد الزيارة تبعيا، و هو يتم أيضا، لصدق أنّه في عمله.

الرابع: عكس ذلك و لا يبعد وجوب التمام عليه أيضا، لصدق الاشتغال بالعمل و التلبس به، و تقتضيه أصالة التمام بعد الشك في شمول أدلة التقصير لمثله.

الخامس: كون كل منهما داعيا مستقلا بحيث لو لا الزيارة لم يشتغل بعمله، و لو لا اشتغاله بعمله لم يذهب إلى الزيارة، و يعلم حكمه من القسم الرابع بالأولوية.

فائدة: لو شك في ثبوت عملية السفر، فمع سبق الثبوت أو العدم يستصحب، و مع عدم الحالة السابقة فالمرجع أصالة التمام و الأحوط الجمع، و لا وجه للتمسك بالعمومات الدالة على التمام، و لا العمومات الدالة على القصر بالنسبة إليه، لأنّ التمسك بكل منهما من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

نعم، لو قيل: إنّ موضوع القصر المسافر العرفي و المسافة العرفية إلا ما خرج بالدليل، فتشمله أدلة التقصير، لكنه مشكل، بل ممنوع.

(مسألة ٤٦): الظاهر وجوب القصر على (الحملدارية) الذين يستعملون السفر في خصوص أشهر الحج (۱٦۹) بخلاف من كان متخذا ذلك عملا له في تمام السنة، كالذين يكرون دوابهم من الأمكنة البعيدة- ذهابا و إيابا- على وجه يستغرق ذلك تمام السنة أو معظمها فإنّه يتم حينئذ (۱۷0).

لظهور الإجماع، و لأنّ السفر ليس عملا لهم عرفا، فلا تشملهم أدلة التمام، و لأنّ لهم مقاما فلا يعمهم ما تقدم من صحيح هشام‏۱0۸، مضافا إلى مكاتبة ابن جزك: «إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك تقصير و إفطار»۱0۹ الظاهرة في خروجه كل سنة إلى مكة، و مع ذلك حكم عليه السّلام عليه بالتقصير. نعم، إذا كان شغله المكاراة في هذا الوقت بحيث يقال عرفا إنّه مكار و سائق في الوقت المخصوص يصير نظير من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء، أو بالعكس و يأتي في المسألة اللاحقة حكمه.

لصدق عملية السفر و استمراره و ملازمته و مزاولته بالنسبة إليه و يكفي في حدوثه التلبس بالسفر بانيا على الاستمرار و المزاولة- كما تقدم.

فروع- (الأول): من يسافر في كل سنة، في محرّم الحرام و صفر، و شهر رمضان- للوعظ و الإرشاد- يقصر، لعمومات الترخيص و إطلاقاته، إلا إذا استغرق ذلك تمام السنة أو معظمها بحيث صدق مزاولة السفر و ملازمته بالنسبة إليه.

(الثاني): الذين يذهبون تمام الزيارات في كل سنة إلى المشاهد المشرّفة للبيع على الزوار و التجارة معهم يقصرون إلا مع صدق عملية السفر بالنسبة إليهم، و كذا الذين يحجون كل سنة ندبا أو نيابة يقصرون، لما مر.

(الثالث): لو شك أحد من هؤلاء في أنّ تكليفه التمام أو القصر، فمع وجود الحالة السابقة يعمل بها، و مع عدمها يحتاط بالجمع و إن كان مقتضى أصالة التمام كفايته.

(مسألة ٤۷): من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس الظاهر وجوب التمام عليه (۱۷۱)، و لكن الأحوط الجمع.

لأنّ شغل عملية السفر ليس إلا كسائر الأشغال لا يعتبر في صدقها الاستمرار تمام السنة، بل المدار في الصدق حين التلبس، فما دام متلبسا يصدق عليه عملية السفر و ما دام فارغا لا يصدق، فمن كان في الصيف بقالا- مثلا- و في الشتاء خبازا لا ريب في صدق العنوانين عليه عند التلبس بالحالتين، فكذا في المقام، بل لو كان له شغل و كان سائقا للسيارة في أوقات الزيارة بحيث صدق ذلك العنوان عليه يتم حينئذ أيضا، لأنّ الصدق عرفيّ و الانطباق قهريّ.

(مسألة ٤۸): من كان التردد إلى ما دون المسافة عملا له، كالحطاب و نحوه قصر إذا سافر و لو للاحتطاب (۱۷۲) إلا إذا كان يصدق عليه المسافر عرفا، و إن لم يكن بحد المسافة الشرعية فإنّه يمكن أن يقال (۱۷۳): بوجوب التمام عليه إذا سافر بحد المسافة خصوصا فيما هو شغله من الاحتطاب مثلا.

لوجود المقتضي للتقصير و فقد المانع لو استجمع سائر شرائط القصر.

لم ينقل هذا القول عن أحد غير ما حكي عن الموجز الحاوي و لا وجه له، لأنّ المنساق من الأدلة أنّ موضوع القصر و التمام لا بد و أن يكون واحدا، فكما أنّه لا وجه للقصر فيما دون المسافة، لا وجه لصيرورة عملية السفر فيما دونها موجبا للتمام أيضا، و لو سافر مرّة إلى حد المسافة. نعم، لو كان بانيا على المكاراة في المسافة الشرعية و جعلها عملا و تلبس بذلك فيما دون المسافة لأن يسافر إلى الحد الشرعي أمكن القول بالتمام حينئذ لصدق كونه متلبسا بعملية السفر الشرعي، لأنّ ما دون المسافة حينئذ لا يكون ملحوظا في حدّ نفسه.

فالأقسام‏ ثلاثة: الأول: كون السفر إلى المسافة الشرعية عملا له و لا ريب في أنّه موجب للتمام.

الثاني: كون السفر إلى ما دون المسافة الشرعية عملا له و يجب عليه التمام لا من حيث أنّ السفر يكون عملا له، لفرض عدم تحقق المسافة الشرعية، بل من حيث عدم تحقق المسافرة الشرعية منه.

الثالث: كون الأعم منها عملا له و يجب عليه التمام مطلقا، أما فيما دون المسافة فلعدم تحقق المسافة الشرعية، و أما في المسافة الشرعية، فلفرض عملية السفر.

(مسألة ٤۹): يعتبر في استمرار من شغله السفر على التمام أن لا يقيم في بلده أو غيره عشرة أيام (۱۷٤)، و إلا انقطع حكم عملية السفر (۱۷٥) و عاد إلى القصر في السفرة الأولى خاصة (۱۷٦) دون الثانية، فضلا عن الثالثة، و إن كان الأحوط الجمع فيهما (۱۷۷)، و لا فرق في الحكم المزبور بين المكاري و الملاح و الساعي و غيرهم ممن عمله السفر (۱۷۸) أما إذا أقام أقلّ من عشرة أيام بقي على التمام (۱۷۹) و إن‏ كان الأحوط مع إقامة الخمسة الجمع (۱۸0)، و لا فرق في الإقامة في بلده عشرة بين أن تكون منوية أم لا (۱۸۱)، بل و كذا في غير بلده أيضا (۱۸۲)، فمجرد البقاء عشرة يوجب العود إلى القصر، و لكن‏ الأحوط- مع الإقامة في غير بلده بلا نية- الجمع في السفر الأول بين القصر و التمام (۱۸۳).

للإجماع، و لمرسل يونس- المنجبر بالعمل، مع أنّه من أصحاب الإجماع كما هو المعروف- عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتم؟ قال عليه السّلام: أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبدا، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام، فعليه التقصير و الإفطار»۱۱0 و المراد بقوله عليه السّلام: «أكثر من عشرة أيام» أي: عشرة أيام أو أكثر بقرينة الصدر.

و أما صحيح هشام عنه عليه السّلام أيضا: «المكاري و الجمال الذي يختلف و ليس له مقام يتم الصلاة و يصوم شهر رمضان»۱۱۱، فحمله على خصوص مقام العشرة يحتاج إلى قرينة و هي مفقودة، إذ يحتمل أن يكون بيانا للاختلاف، أو

يكون المراد به المقام العرفي الذي يكون أعمّ من العشرة.

و أما خبر ابن سنان عنه عليه السّلام أيضا: «المكاري إذا لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقلّ قصر في سفره بالنهار و أتمّ صلاة الليل، و عليه صيام شهر رمضان، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام»۱۱۲ فأسقط صدره عن الاعتبار إعراض الأصحاب عنه، و لا بأس بالعمل بذيله.

نعم، رواه الصدوق رحمه اللّه مذيلا هكذا: «فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر و ينصرف إلى منزله، و يكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصر في السفر و أفطر»۱۱۳ و ظاهره اعتبار الأمرين في التقصير و لا قائل به أيضا.

و في المرسل المنجبر باتفاق الأصحاب و في قطعهم بالحكم غنى و كفاية، و يشهد له الاعتبار أيضا في الجملة، لأنّ عملية السفر تتقوّم بالحركة السيرية و المزاولة لها إلا في الفترات المفتقرة عرفا للنوم، أو قضاء الحوائج- كما في سائر الحرف و الصناعات- و في غيرها لا تلبس بها فعلا فتقطع العملية قهرا و قد حدّده الشارع بعشرة أيام على ما هو شأنه في الأمور التشكيكية في سائر موضوعات الأحكام.

للنص، و الإجماع كما تقدم‏۱۱4. و المراد بالانقطاع إنّما هو بحسب الفعلية لا بحسب مطلق المراتب و لو شأنا.

كما عن جمع من الفقهاء، لأنّها المتيقن من الأدلة، فيرجع في غيرها إلى العمومات الدالة على وجوب التمام على من كان عمله السفر، لأنّ المفروض أنّه لم يرفع اليد عن عمله أصلا، بل هو بان عليه حين الإقامة أيضا، بل هو أولى بذلك، فيكون هذا الشغل كسائر الأشغال، فمن كان بناء مثلا و ترك شغله أياما ثمَّ اشتغل به لا يتوقف صدق عملية البناء عليه على التكرار، و هكذا في‏

المقام و لو لا الدليل على الانقطاع في المقام لقلنا بوجوب الإتمام في السفرة الأولى أيضا، لكونها مثل حدوث عملية أول السفر الذي اكتفينا فيه بالسفرة الأولى مع إعداد نفسه لذلك أو تهيئة أسبابه بلا فرق من هذه الجهة بين الحدوث و البقاء و لا فرق في ذلك بين كون إقامة عشرة أيام تخصيصا لحكم التمام عمن عمله السفر مع بقاء الموضوع، أو كان خروجا موضوعيا شرعيا فيستفاد من مجموع أخبار المقام قاعدة كلية و هي: أنّ من صار عمله السفر، فكل سفر صدر منه فإن كان مسبوقا بإقامة عشرة أيام يقصر فيه، و في غيره يتم، و هي مختصة بالسفرة الأولى فقط، لا الثانية و الثالثة.

و أما استصحاب وجوب التمام في السفرة الثانية أو الثالثة (ففيه): مضافا إلى أنّه مع وجود عموم التمام لمن كان عمله السفر لا وجه للتمسك بالاستصحاب أنّه محكوم باستصحاب وجوب القصر الثابت عليه قبل الشروع في السفرة الأولى، لأنّ الشك في بقاء حكم التمام مسبب عن الشك في تغيير ذلك الحكم، فيكون المقام من حكومة الاستصحاب التعليقي على الحكم الفعلي.

خروجا عن خلاف من ذهب إلى التقصير فيهما و إن كان لا دليل عليه.

على المشهور، و من غير وجدان الخلاف و القطع بعدم الفرق- كما في الجواهر- و اتفاق الفتاوى على عدم الفرق كما في الرياض، و إن كانت الروايات مختصة بالمكاري، و نقل في الشرائع قولا بالاختصاص به و لم يعرف قائله- كما اعترف به جمع- و في المستند إنّ بعض الأجلّة قواه، و يمكن حمل ما ذكر في الروايات على المثال، فيعم الجميع، و مقتضى ما ذكرناه من انقطاع عملية السفر عرفا كونه مطابقا للقاعدة، فلا وجه للاختصاص حينئذ.

للعمومات الدالة على التمام بالنسبة إلى من عمله السفر من غير ما يصلح للتخصيص.

خروجا عن خلاف ما نسب إلى الإسكافي من كون الخمسة كالعشرة و لا مستند له، و مقتضى ما تقدم من خبر ابن سنان التقصير في صلاة النهار، و الإتمام في صلاة الليل و في الصيام‏۱۱٥، كما نسب إلى الشيخ، و ابني حمزة و براج، و لكن مقاومته لتخصيص مثل قوله عليه السّلام: «أيّما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخل أقلّ من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام أبدا. و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام، فعليه التقصير و الإفطار»۱۱٦ المعتضدة بالمعتبرة الدالة على الملازمة بين القصر و الإفطار بعيد جدّا، فلا بد من رد علمه إلى أهله.

للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و كذا لا فرق فيها بين أن تكون لعذر أم لا.

لظهور الإطلاق الشامل لغير المنوية في غير بلده أيضا، و لأنّ المناط كله سلب عنوان عملية السفر الحاصل بالوقوف في مكان مترددا، بل لو لم يكن دليل على اعتبار النية في العشرة القاطعة للسفر لقلنا فيها أيضا بكفاية مطلق العشرة و لو لم تكن منوية، كما يكفي بقاء ثلاثين يوما مترددا، و لكن نسب إلى المشهور اعتبار النية في غير البلد إما لأنّها المنساق من الإقامة في غير البلد.

و فيه: أنّه إن كان لأجل غلبة ذلك فالغلبة الوجودية لا اعتبار بها في مقابل الإطلاق، و إن كان لأجل تنظير المقام بالإقامة من المسافر المعتبر فيها القصد- كما يأتي- (ففيه): أنّه قياس، و إن كان لأجل ما عن الشهيد الثاني، و المحدّث المجلسي رحمه اللّه من دعوى الإجماع على عدم الاعتبار بالعشرة المترددة

(ففيه): أنّ اعتباره أول الكلام خصوصا في مثل هذا الإجماع الذي ليس منه اسم و لا رسم في كتب المتقدمين من الأعلام، بل أهمل جمع كثير لذكر غير البلد أو ذكره من غير تعرض للنية، فمن أين حصل الإجماع؟، فيكون إجماعا اجتهاديا محضا و لا اعتبار به.

لاحتمال عدم انقطاع العملية إلا بالنية كما نسب إلى المشهور، فيجب التمام، و احتمال انقطاعها و لو مع عدم النية كما هو مقتضى الإطلاق فيجب القصر و يجمع بينهما احتياطا.

(مسألة ٥0): إذا لم يكن شغله و عمله السفر لكن عرض له عارض فسافر أسفارا عديدة لا يلحقه حكم وجوب التمام (۱۸٤)، سواء كان كل سفرة بعد سابقها اتفاقيا أم كان من الأول قاصدا لأسفار عديدة، فلو كان له طعام أو شي‏ء آخر في بعض مزارعه، أو بعض القرى و أراد أن يجلبه إلى البلد فسافر ثلاث مرات أو أزيد بدوابّه أو بدوابّ الغير لا يجب عليه التمام، و كذا إذا أراد أن ينتقل من مكان إلى مكان فاحتاج إلى إسفار متعددة في حمل أثقاله و أحماله.

لأنّ تكرار السفر أعمّ من صدق عمليته عرفا و شرعا سواء كانت العملية مقومة لمفهومه- كالمكاراة و الملاحة و نحوهما- أم كانت مقدمة لوجوده- كالتاجر الذي يدور في تجارته و نحوه مما تقدم- و المدار في الإتمام صدق العملية لا تحقق التكرار، و حكم بقية المسألة واضح بعد وضوح أصل الكبرى.

(مسألة ٥۱): لا يعتبر فيمن شغله السفر اتحاد كيفيات و خصوصيات أسفاره من حيث الطول و القصر، و من حيث الحمولة، و من حيث نوع الشغل، فلو كان يسافر إلى الأمكنة القريبة فسافر إلى البعيدة، أو كان دوابّه الحمير فبدل بالبغال أو الجمال، أو كان مكاريا فصار ملاحا أو بالعكس يلحقه الحكم و إن أعرض عن أحد النوعين إلى الآخر أو لفق من النوعين (۱۸٥). نعم، لو كان شغله المكاراة فاتفق أنّه ركب السفينة للزيارة أو بالعكس قصر، لأنّه سفر في غير عمله بخلاف ما ذكرنا أولا فإنّه مشتغل بعمل السفر غاية الأمر أنّه تبدل خصوصية الشغل إلى خصوصية أخرى، فالمناط هو الاشتغال بالسفر و إن اختلف نوعه.

لأنّه ليس للمكاراة و الملاحة و نحوهما موضوعية خاصة في الإتمام و الصيام حتّى يدور الحكم مدارها، بل كل ذلك طريق لتحقق «عملية السفر» و «الاختلاف»، و «عدم المقام» و نحو ذلك مما تقدم، فالمناط على صدقها بأيّ نحو كانت، و في أيّ صنف تحققت اتحد أو تبادل كما في كل مورد أحرزنا مناط الحكم من الأدلة و تبادلت بعض الخصوصيات.

(مسألة ٥۲): السائح في الأرض الذي لم يتخذ وطنا منها يتم (۱۸٦)، و الأحوط الجمع (۱۸۷).

لكونه ممن يكون بيته معه، و السفر عمله، فهو مثل البدويّ المذكور في خبر إسماعيل بن أبي زياد۱۱۷.

لاحتمال اختصاص الإتمام بخصوص السبعة الواردة في خبر ابن أبي زياد، و لكنّه احتمال ضعيف كما مر.

(مسألة ٥۳): الراعي الذي ليس له مكان مخصوص يتم (۱۸۸).

لأنّ السفر عمله ورد ذكره بالخصوص في خبر ابن أبي زياد.

(مسألة ٥٤): التاجر الذي يدور في تجارته يتم (۱۸۹).

لما تقدم من أنّ السفر عمله كما دل عليه خبر ابن أبي زياد۱۱۸.

(مسألة ٥٥): من سافر معرضا عن وطنه لكنه لم يتخذ وطنا غيره يقصر (۱۹0).

لوجود المقتضي من عمومات التقصير، و فقد المانع من عدم عملية السفر و نحو ذلك.

(مسألة ٥٦): من كان في أرض واسعة قد اتخذها مقرا إلا أنّه كل سنة مثلا في مكان منها يقصر إذا سافر عن مقر سنته (۱۹۱).

يجري فيه ما تقدم، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

(مسألة ٥۷): إذا شك في أنّه أقام في منزله أو بلد آخر عشرة أيّام أو أقل بقي على التمام (۱۹۲).

لأصالة عدم المقام عشرة أيام سواء كان منشأ الشك، الشك في أول وروده، أم انقضاء المدة التي أقامها في أنّها عشرة أو أقل.

(الثامن): الوصول إلى حدّ الترخص (۱۹۳)، و هو المكان الذي‏ يتوارى عنه جدران بيوت البلد و يخفى عنه (۱۹٤)، أذانه، و يكفي تحقق‏ أحدهما مع عدم العلم بعدم تحقق الآخر (۱۹٥). و أما مع العلم بعدم تحققه فالأحوط اجتماعهما (۱۹٦) بل الأحوط مراعاة اجتماعهما مطلقا (۱۹۷)، فلو تحقق أحدهما دون الأخر أما يجمع بين القصر و التمام، و إما يؤخر الصلاة إلى أن يتحقق الأخر، و في العود عن السفر أيضا ينقطع حكم القصر إذا وصل إلى حدّ الترخص من وطنه أو محل إقامته (۱۹۸)، و إن كان الأحوط تأخير الصلاة إلى الدخول في منزله (۱۹۹) و الجمع بين القصر و التمام إذا صلّى قبله بعد الوصول إلى الحد.

يجري فيه ما تقدم، فلا وجه للتكرار و الإعادة.

نسب ذلك إلى أكثر المتأخرين، و حكي عن السيد و الشيخ في الخلاف أيضا، فقالوا: باعتبار تحققهما معا، لتقييد إطلاق كل من صحيحي ابن مسلم و ابن سنان بالآخر، و سيأتي وجه آخر يدل عليه، و لكن ليس في الروايات التي ظفرنا عليها لفظ الجدران كما لا يخفى.

و نسب إلى المشهور بين القدماء كفاية تحقق أحدهما، فإن كان نظرهم إلى أنّ المستفاد من الأدلة وجوب الترخيص في مقدار بعد خاص من المحل، فيتحقق ذلك بكل منهما، فيكون الشرط في الواقع هو الجامع بينهما، (ففيه): أنّه مبنيّ على عدم الاختلاف بينهما، و الظاهر تحققه إلا أن يرجع قولهم إلى ما يأتي بيانه.

و إن كان نظرهم إلى ثبوت التعارض و الحكم بالتخيير مع فقد المرجح‏ (ففيه): أنّه مبنيّ على أنّ التخيير الثابت في المتعارضين ثابت في المسألة الفرعية أيضا و هو مشكل. و عن المقنع اعتبار خصوص الأول، و عن المفيد و الديلمي و الحلي خصوص الثاني و هما مبنيان على ثبوت الترجيح. إما في الأول، أو في الثاني، مع أنّه لا مرجح في البين حتى يصح الأخذ به.

و هذه الأقوال مبنية على ثبوت التعارض بين الأخبار و الالتجاء إلى دفعه، و يمكن المنع عنه حتى لا يبقى موضوع لها، و ذلك لأنّ لتواري الجدران، و عدم سماع الأذان مراتب متفاوتة حتى بالنسبة إلى المتوسطين من حاسة السمع و البصر، فإنّ للتوسط مراتب متفاوتة أيضا، فتواري البيوت المتوسطة منها في‏ البصر المتوسط، و عدم سماع الأذان في الصوت المتوسط، و السمع كذلك متلازمان غالبا بالنسبة إلى أدنى مرتبة التوسط، فلا تعارض بينهما بالنسبة إلى هذه المرتبة من المتوسط، و مقتضى الإطلاق كفايتها، فما نسب إلى أكثر المتأخرين و السيد و الشيخ رحمه اللّه من اعتبار تحققهما معا مستند إلى ذلك، مع أنّ مقتضى الأصل بقاء التمام إلا بعد اجتماع الأمرين معا، فتكون هذه المرتبة كاشفة عن تحقق مقدار بعد خاص عن المحل يصدق معه الخروج عن الأهل عرفا و يكون مناطا للترخيص، إذ لا وجه بجعل شيئين يكون بينهما اختلاف- و لو في الجملة- علامة لشي‏ء واحد من جهة الاختلاف بلا فرق بين العلامات الحقيقية أو الشرعية، كما لا وجه لكون مقدار البعد الذي يكون مناطا للترخيص متفاوتا في الواقع، فهو متحد و العلامتان كاشفتان عنه و هما متلازمتان غالبا بالنسبة إلى أدنى المرتبة المتوسطة منهما، و لذا لم تذكر في الأخبار كل من العلامتين إلا منفردة عن الأخرى في هذه المسألة العامة البلوى، و ليس ذلك إلا لمكان الملازمة بينهما.

إن قلت: مع فرض التلازم في الجملة لا وجه لجعل علامتين، بل تكفي إحداهما.

قلت: هذا نحو تسهيل و تيسير للناس، مع أنّه ليس كل أحد يخرج عن محله في وقت الأذان حتى يكون ذلك وحده هو المناط في الحكم، بل يمكن فرض محل ليس فيه بيوت- كما إذا قصد الإقامة في مزرعة أو بستان ليس فيها بيت و لا جدار، و إنّما يعيش في ظلال الأشجار و مساقط الثمار- فقد وسع في تعدد العلامة توسعا على الأمة.

ثمَّ إنّه‏ تارة: يعلم بتحقق العلامتين من تواري الجدران، و عدم سماع الأذان فلا ريب في وجوب القصر. و أخرى: يعلم بعدم تحققهما معا و لا إشكال في وجوب التمام. و ثالثة: يعلم بوجود إحدى الأمارتين دون الأخرى بالنسبة إلى أدنى المرتبة المتوسطة لو فرض حصول مثل هذا العلم فيقع التعارض حينئذ، و المرجع استصحاب التمام بعد عدم شمول عمومات القصر لمثله، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية و لكن الفرض لا وقوع له خارجا.

إن قلت: نسب إلى ظاهر الأصحاب عدم كونهما علامتين لحد خاص من البعد عن المحل.

قلت: لا وجه لهذه النسبة، و على فرض الصحة لا اعتبار بها ما لم تكن من الإجماع المعتبر.

إن قلت: ليس في الأدلة التي وصلت إلينا لفظ «خفاء الجدران»، بل ليس فيها لفظ الجدران أصلا، لأنّه قد علق الحكم فيها على التواري عن البيوت و سماع الأذان و عدمه، فما وجه تعبير جمع من الفقهاء بخفاء الجدران و خفاء الأذان، مع أنّ المنساق من صحيح ابن مسلم‏۱۲٥ تواريه عن البيوت لا تواري البيوت عنه.

قلت: أما خفاء الأذان يكون عبارة أخرى عن عدم سماعه، و لعل في تعبيرهم رحمهم اللّه بالخفاء إشارة إلى ما قلناه من أنّ المناط تحقق أدنى المرتبة المتوسطة من عدم السماع و هو عبارة أخرى عن الخفاء عرفا. و أما التعبير بخفاء الجدران، فلأنّ المذكور في صحيح ابن مسلم: «إذا توارى عن البيوت» و التواري بمعنى الاستتار و الاستخفاء قال تعالى‏ يَتَوارى‏ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ ۱۲٦ أي: يستتر و يستخفي منهم، فتعبيرهم بالخفاء تعبير بمعنى التواري، و حيث إنّه من باب المفاعلة و هي غالبا من الطرفين، فلا فرق بين أن يقال: توارى و خفي عن البيوت كما في الصحيح، و بين أن يقال توارت و خفت البيوت عنه كما عن جمع من الفقهاء، و لعل اختيارهم لهذا التعبير من أجل أنّه لا طريق إلى معرفة تواري البيوت عن المسافر إلا خفاء جدرانها عرفا فيكون هذا التعبير تفسيرا عرفيا لما في الصحيح.

إن قلت: يتعيّن الأخذ بصحيح ابن مسلم، لكون مفاده ميسرا غالبا لكل مسافر بخلاف ما يدل على سماع الأذان، فإنّ الأذان قد يكون و قد لا يكون كما إذا خرج المسافر في الليل، أو قبل الظهر أو المغرب.

قلت: مضافا إلى أنّ البيوت قد تكون، و قد لا تكون كما فرضناه في محل الإقامة فإنّ العلامتين طريقتان إلى مقدار بعد خاص عن المحل، فيقدر وجودهما

فيما لا تكونان فيه كما يأتي في المسائل اللاحقة.

و أما ما عن المجلسي رحمه اللّه في صلاة البحار من احتمال حمل هذه الأخبار على التقية فلا وجه للعمل بها حينئذ، فهو رحمه اللّه أعلم بما احتمل إذ ليس كل ما وافق العامة صادر للتقية.

و توهم‏ أنّ الظاهر حصول خفاء الأذان قبل خفاء الجدران غالبا إن لم يكن دائما، فالمناط كله على الأول و يكون الثاني كاشفا عنه.

مدفوع: بأنّ لخفاء الجدران مراتب متفاوتة جدّا- كما تقدم- يكفي أدنى المراتب بالنسبة إلى المتوسطين و هو ملازم لخفاء الأذان أيضا.

لأنّه من جهة الملازمة بينهما في الجملة يستكشف تحقق الآخر أيضا عند عدم العلم بعدم تحققه.

بناء على اعتبار اجتماعهما معا لا بد من الجزم به و لا وجه للاحتياط، و بناء على كفاية تحقق إحدى العلامتين لا بد من الجزم بالكفاية، و بناء على التردد في أصل المسألة، فالمرجع استصحاب التمام بعد عدم جواز التمسك بأدلة القصر، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و وجوب الاحتياط مبنيّ على عدم العلم الإجمالي بالاستصحاب كما مرّ في غير مقام.

لما نسب إلى القدماء من اعتبار ذلك و تقدم التفصيل فراجع.

تسمع فيه الأذان فقصر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك»۱۲۷، و قوله عليه السّلام في صحيح حماد: «إذا سمع الأذان أتم المسافر»۱۲۸. و الظاهر أنّ ذكر الأذان من باب المثال- مضافا إلى ما تقدم من الملازمة بينهما في الجملة- فتشمل التواري أيضا، فلا وجه لما عن ظاهر الشرائع، و نسب إلى غيره أيضا من الاقتصار على خصوص عدم سماع الأذان فقط.

و لا تعارضها الأخبار الكثيرة الدالة على أنّ المسافر يقصر حتى يرد منزله كقول الصادق عليه السّلام في صحيح عمار: «إنّ أهل مكة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتموا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصروا»۱۲۹، و قوله عليه السّلام في صحيح العيص: «لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته»۱۳0 إلى غير ذلك من الأخبار، فإنّ ما كان منها قابلا للحمل على الخبرين يحمل عليهما، و ما لم يكن كذلك يحمل على التقية، أو يطرح، لإعراض المشهور عنها مضافا إلى وهنها باشتمال بعضها على عدم اعتبار حد الترخص في الذهاب أيضا۱۳۱ و هو مما أجمعوا في جميع الطبقات على خلافه.

جمودا على ظواهر ما تقدم من الأخبار، و خروجا عن مخالفة والد الصدوق، و أبي علي، و علم الهدى رحمهم اللّه. و منه يظهر وجه الاحتياط أيضا.

(مسألة ٥۸): المناط في خفاء الجدران جدران البيوت (۲00) لا خفاء الأعلام و القباب و المنارات (۲0۱)، بل و لا خفاء سور البلد إذا كان له‏ سور، و يكفي خفاء صورها و إشكالها و إن لم يخف أشباحها (۲0۲).

تقدم أنّه ليس في الأخبار لفظا الخفاء و الجدران، و إنّما ذكرهما الأصحاب تفسيرا لتواري البيوت الذي ذكر في صحيح ابن مسلم.

لظهور الإجماع عليه- كما يظهر من كلماتهم- مضافا إلى أن‏ المذكور في الصحيح لفظ البيوت و لا ربط لها بالسور، و القباب، و المنابر، لأنّهما مختلفان كما هو معلوم.

لأنّ لفظ البيوت ظاهر في صورها لا أشباحها، مضافا، إلى دعوى الإجماع عن الأستاذ الأكبر على أنّ العبرة بالصورة لا الشبح- كما في الجواهر.

(مسألة ٥۹): إذا كان البلد في مكان مرتفع بحيث يرى من بعيد يقدّر كونه في الموضع المستوي، كما أنّه إذا كان في موضع منخفض يخفى بيسير من السير أو كان هناك حائل يمنع عن رؤيته كذلك يقدّر في الموضع المستوي، و كذا إذا كانت البيوت على خلاف المعتاد من حيث العلوّ أو الانخفاض فإنّها ترد إليه (۲0۳)، لكن الأحوط خفاؤها مطلقا. و كذا إذا كانت على مكان مرتفع، فإنّ الأحوط خفاؤها مطلقا (۲0٤).

كل ذلك لأنّ المتبادر من الأدلة ما هو المتعارف منها، و كون التواري من جهة البعد لا من جهة أخرى، فلا دليل لمن اكتفى بمطلق التواري و لو من سائر الجهات، و مقتضى الأصل هو التمام إلا فيما هو المنساق من الأدلة و كلمات الأعلام.

جمودا على المتيقن في مقابل الأصل.

(مسألة ٦0): إذا لم يكن هناك بيوت و لا جدران يعتبر التقدير (۲0٥). نعم، في بيوت الأعراب و نحوهم ممن لا جدران لبيوتهم‏ يكفي خفاؤها. و لا يحتاج إلى تقدير الجدران (۲0٦).

لأنّه لا موضوعية لهما، و تقدم كونهما طريقا إلى تحقق البعد عن الأهل و المحل عرفا، و للبعد عنه مراتب حدّده الشارع بحدّ خاص و هو فعليّ فيما فيه البيوت و الأذان، و تقديريّ في غيره.

لكونه من قبيل لزوم ما لا يلزم، لما عرفت من أنّ لفظ الجدران في كلام الأصحاب لا في أخبار الباب، فيكون كلامهم تفسيرا لما في الصحيح فيما يحتاج إلى التفسير لا في غيره، فالمناط حينئذ نفس البيوت المذكورة فيه كما هو واضح.

(مسألة ٦۱): الظاهر في خفاء الأذان كفاية عدم تميز فصوله (۲0۷)، و إن كان الأحوط اعتبار خفاء مطلق الصوت (۲0۸) حتى المتردد بين كونه أذانا أو غيره فضلا عن المتميز كونه أذانا مع عدم تميز فصوله.

لأنّه المتبادر من ظاهر النص‏۱۳۲، و يحتمل أن يكون المراد به التمثيل لكل صوت رفيع، فالمدار في التقصير على البعد عن المحل بمقدار لا تسمع الأصوات المرتفعة المتعارفة، فذكر الأذان من باب المثال لذلك لا لخصوصية فيه حتى يلاحظ تمييز فصوله و عدمه و يبحث عن ذلك، بل المناط كله الوصول إلى محل من شأنه ذلك كان في البين أذان أم لا، و وجدت جدران أم لا.

لاحتمال إرادة ذلك من ظاهر الدليل و إن كان لا ريب في أنّه عليل.

(مسألة ٦۲): الظاهر عدم اعتبار كون المناط الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر في البلاد الصغيرة و المتوسطة، بل المدار أذانها و إن كان في وسط البلد على مأذنة مرتفعة (۲0۹). نعم، في البلاد الكبيرة يعتبر كونه في أواخر البلد من ناحية المسافر (۲۱0).

لظهور الأدلة فيما هو المعتاد المتعارف في كل عصر و زمان في القرى و البلدان و هو مقتضى الإطلاق، و التقييد بكونه في آخر البلد في هذه الصورة مخالف لظهور الإطلاق.

لجريان حكم المحالّ المختلفة على محلات مثل هذه البلدان عرفا خصوصا في هذه الأعصار التي اتسعت بعض البلاد غاية الاتساع و مع ذلك تتسع كل يوم و تزداد نفوسها، و نسب في الجواهر هذا القول إلى أكثر من تأخر عن العلامة.

(مسألة ٦۳): يعتبر كون الأذان على مرتفع معتاد في أذان ذلك البلد (۲۱۱) و لو منارة غير خارجة عن المتعارف في العلوّ.

لظهور الأدلة فيما هو المتعارف بين الناس.

(مسألة ٦٤): المدار في عين الرائي و أذن السامع على المتوسط في الرؤية و السماع في الهواء الخالي عن الغبار و الريح و نحوهما من الموانع عن الرؤية أو السماع، فغير المتوسط يرجع إليه، كما أنّ الصوت الخارق في العلو يرد إلى المعتاد المتوسط (۲۱۲).

كل ذلك لانسباق التوسط من الأدلة عرفا، فغير المتوسط لا بد و أن يرجع إليه، و منه يعلم أنّه لا اعتبار بما يسمع من مكبّرات الصوت، بل لا بد من إرجاعها إلى الأصوات المتعارفة في غير المكبّرة.

(مسألة ٦٥): الأقوى عدم اختصاص اعتبار حدّ الترخص بالوطن، فيجري في محل الإقامة أيضا (۲۱۳)، بل و في المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوما مترددا (۲۱٤)، و كما لا فرق في الوطن بين ابتداء السفر و العود عنه في اعتبار حدّ الترخص كذلك في محل الإقامة (۲۱٥)، فلو وصل في سفره إلى حدّ الترخص من مكان عزم على الإقامة فيه ينقطع حكم السفر و يجب عليه أن يتم، و إن كان الأحوط التأخير إلى الوصول إلى المنزل، كما في الوطن. نعم، لا يعتبر حدّ الترخص في غير الثلاثة (۲۱٦)، كما إذا ذهب لطلب الغريم أو الآبق بدون قصد المسافة ثمَّ في الأثناء قصدها، فإنّه يكفي فيه الضرب في الأرض.

كما عن جمع من الأساطين منهم الحلي و العلامة و الشهيد، و نسبه في مفتاح الكرامة إلى كلام الأكثر و قال: «فقد ذكروا ذلك متسالمين عليه و الأخبار منطبقة الدلالة عليه بلا إشكال فيه» و استوجهه في المدارك.

و ما يمكن أن‏ يستدل به أمور: منها: استصحاب وجوب التمام، و لا وجه للتمسك بعموم وجوب القصر، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، إذ ليس كل مسافر وجب عليه القصر، بل المسافر الخاص الشرعي، و لا ريب في الشك في صدق المسافر الشرعي عليه لاحتمال اعتبار التجاوز عن الترخيص فيه حتى في محل الإقامة، و لا فرق في ذلك بين كون الإقامة قاطعة لحكم السفر أو لموضوعه.

و منها: شمول إطلاقات المقام لمحل الإقامة أيضا، فإنّ قوله عليه السّلام: «إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان فأتم»۱۳۳، و قوله عليه السّلام في التقصير: «إذا توارى عن البيوت» يدل على أنّ من حدود التمام مطلقا سماع الأذان كما أنّ من حدود القصر مطلقا عدم سماعه و التواري عن البيوت، فتكون هذه الأدلة حاكمة على ما يدل على وجوب القصر على المسافر و شارحة لها.

و منها: قول أبي جعفر في صحيح زرارة: «من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة و هو بمنزلة أهل مكة- الحديث-»۱۳4، فإنّ الظاهر من التنزيل إما بلحاظ تمام الآثار أو أظهرها و على كل منهما يدل على ثبوت حد الترخص لمثل محل الإقامة، فإنّه من أظهر الآثار الشرعية التي يدل عليها تنزيلاتها.

و لباب المقال: إنّه يستفاد من الجميع أنّ اعتبار حد الترخص من حدود انتقال القصر إلى التمام، و بالعكس في الوطن و ما يلحق به مطلقا. هذا مع أنّ مقدار ما يسمع فيه الأذان و يرى البيوت يعدّ جزءا من المحل عرفا أيضا في الجملة، فلم يرد من الشارع تعبد خاص حتى يبحث عن اختصاصه بمورد دون آخر.

يجري فيه بعض ما تقدم في محل الإقامة.

لما تقدم من دليل التنزيل، و حكم العرف أنّ محل سماع الأذان و رؤية الجدران من توابع محل الإقامة، فما حكي عن الشهيد الثاني و غيره من التفصيل بين الدخول و الخروج من عدم الاعتبار في الأول دون الثاني لم يظهر وجهه.

لإطلاق أدلة التقصير من غير معارض، و ظهور أدلة اعتبار حدّ الترخص في الوطن و ما نزل منزلته.

(مسألة ٦٦): إذا شك في البلوغ إلى حدّ الترخص بنى على عدمه فيبقى على التمام في الذهاب و على القصر في الإياب (۲۱۷).

للاستصحاب في الموردين، لكن لو كان الذهاب و الإياب من طريق واحد و حصل له الشك في نقطة واحدة ذهابا و إيابا و صلّى فيها تماما في الأول و قصرا في الثاني يحصل له العلم ببطلان إحدى الصلاتين، و يمكن أن يجاب عنه بإمكان اختلاف مفاد الأصل بحسب تعدد الجهات و طريق الاحتياط مراعاة اختلاف مكان الصلاتين لو اتفق الفرض.

(مسألة ٦۷): إذا كان في السفينة أو العربة فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخص بنية التمام ثمَّ في الأثناء وصل إليه، فإن كان قبل الدخول في قيام الركعة الثالثة أتمّها قصرا و صحت (۲۱۸)، بل و كذا إذا دخل فيه قبل الدخول في الركوع (۲۱۹) و إن كان بعده فيحتمل وجوب الإتمام، لأنّ الصّلاة على ما افتتحت (۲۲0). لكنّه مشكل فلا يترك الاحتياط بالإعادة قصرا أيضا (۲۲۱). و إذا شرع في الصلاة في حال العود قبل الوصول إلى الحدّ بنية القصر، ثمَّ في الأثناء وصل إليه أتمّها تماما و صحت (۲۲۲) و الأحوط في وجه إتمامها قصرا (۲۲۳) ثمَّ إعادتها تماما.

لتبدل حكم القصر و التمام بتبدل الموضوع، بل الظاهر عدم كونهما من الأمور المتقوّمة بالقصد، فلو قصد صلاة الظهر و سلّم على ركعتين مع اجتماع شرائط القصر تصح قصرا، كما أنّه لو سلّم على الأربع تصح تماما مع اجتماع شرائطه، و في مواضع التخيير لا يلزم قصد القصر و التمام، بل له أن يقصد صلاة الظهر- مثلا- ثمَّ يسلّم بأيّ نحو اتفق، و الوجه في ذلك كله أصالة البراءة عن شرطية قصد القصرية و التمامية و قد تقدم في [مسألة ۲] من (فصل النية) بعض ما يتعلق بالمقام.

لإمكان إتمامها قصرا، و عدم دليل على كون زيادة مثل هذا القيام مبطلا، بل مقتضى الأصل عدمه، كما أنّ مقتضاه عدم وجوب سجود السهو لمثل هذه الزيادة، لعدم كونها سهوية و طريق الاحتياط واضح.

تقدم في [مسألة ۱۸ و ۱۹] من (فصل النية) أنّه لو كان بانيا على إتيان صلاة الفريضة، فنوى النافلة، أو بالعكس تصح صلاته بحسب القاعدة، لأنّ النية تكون حينئذ من الخطإ في التطبيق، و إنّما المناط على ما بنى عليه أولا، و قد وردت الروايات على طبق هذه القاعدة، و لكن لا ربط لها بمثل المقام الذي ليس من الخطإ في التطبيق في شي‏ء.

إن قلت: إنّ الركعة الثالثة وقعت عن أمر بها بالفرض، فلا بد من الإجزاء.

قلت: نعم، لو لا عدم إمكان إتمام الصلاة، لانقلاب الموضوع.

للعلم الإجمالي بتردد تكليفه بين القصر و التمام، فيجب الاحتياط بناء على أنّه يستفاد من إطلاق قوله عليه السّلام: الصلاة «على ما افتتح عليه»۱۳٥ أنّ صرف وجود صحة نية التمام يجزي في وجوب الإتمام. و هذا الاحتمال لا يبلغ مرتبة الاستظهار. و لكنه يصلح للاحتياط.

لانقلاب الحكم بانقلاب موضوعه- كما تقدم.

لاحتمال شمول الصلاة «على ما افتتح عليه» للمقام أيضا، فيصح الاحتياط من هذه الجهة، و مع رعاية هذا الاحتياط لا يبقى موضوع الاحتياط لحرمة إبطال العمل، فتأمل.

فروع- (الأول): لو شرع في الصلاة في السفر بينة القصر و أمكنه التسليم و التقصير قبل الوصول إلى حدّ الترخص و مع ذلك لم يفعل حتى وصل إليه، فالظاهر جواز إتمامها تماما و تصح، لأنّ انقلاب الحكم بانقلاب الموضوع قهريّ.

(الثاني): لو كان حين الشروع في الصلاة مسافرا و علم بأنّه يمر في أثنائها على حد الترخص فلا إشكال في أنّه يصح له قصد التكليف الفعلي، كما لا إشكال في أنّه يجوز له قصد القصر. و هل يجوز له قصد التمام مع بنائه على الإتمام حين الوصول إليه أم لا يجوز؟ وجهان الظاهر هو الأول، لأصالة عدم المانعية لمثل هذا القسم من النية.

(الثالث): لو شك في الوصول إلى حدّ الترخص في الشبهة الموضوعية، فالظاهر عدم وجوب الفحص و إن كان أحوط.

(مسألة ٦۸): إذا اعتقد الوصول إلى الحد فصلّى قصرا ثمَّ بان أنّه لم يصل إليه وجبت الإعادة أو القضاء تماما (۲۲٤) و كذا في العود إذا صلّى تماما باعتقاد الوصول فبان عدمه وجبت الإعادة أو القضاء قصرا (۲۲٥)، و في عكس الصورتين، بأن اعتقد عدم الوصول فبان الخلاف- ينعكس الحكم فيجب الإعادة قصرا في الأولى و تماما في الثانية (۲۲٦).

لعدم الإجزاء في الإتيان بالأوامر الاعتقادية مع تبين الخلاف- كما ثبت في محله- و لكن الإعادة يجب أن تكون بحسب التكليف الفعلي، و القضاء بحسب ما فات كما هو واضح لا يخفى.

لعين ما تقدم في سابقتها من غير فرق.

أما القصر في الصورة الأولى، فلفرض أنّه وصل إلى حد الترخص في الواقع، فيكون تكليفه القصر، و لا أثر لاعتقاد الخلاف في تبدل التكليف الواقعي. و أما وجوب الإعادة تماما في الصورة الثانية أي: ما إذا عاد من السفر و اعتقد عدم الوصول إلى حد الترخص فقصر ثمَّ بان الخلاف، فلفرض أنّه وصل إلى حدّ الترخص واقعا و كان تكليفه التمام فلم يأت، و ما أتاه من القصر بالأمر الاعتقادي لا أثر له بعد كشف الخلاف.

(مسألة ٦۹): إذا سافر من وطنه و جاز عن حدّ الترخص ثمَّ في أثناء الطريق وصل إلى ما دونه، إما لاعوجاج الطريق أو لأمر آخر، كما إذا رجع لقضاء حاجة أو نحو ذلك فما دام هناك يجب عليه التمام (۲۲۷) و إذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر (۲۲۸) إذا كان الباقي مسافة (۲۲۹). و أما إذا سافر من محل الإقامة و جاز عن الحدّ ثمَّ وصل إلى ما دونه، أو رجع في الأثناء لقضاء حاجة بقي على التقصير (۲۳0) و إذا صلّى في الصورة الأولى (۲۳۱) بعد الخروج عن حدّ الترخص قصرا ثمَّ وصل إلى ما دونه، فإن كان بعد بلوغ المسافة فلا إشكال في صحة صلاته (۲۳۲)، و أما إن كان قبل ذلك فالأحوط وجوب الإعادة (۲۳۳)، و إن‏ كان يحتمل الإجزاء إلحاقا بما لو صلّى (۲۳٤) ثمَّ بدا له في السفر قبل بلوغ المسافة.

لأنّه فيما دون حدّ الترخص، و كل مسافر كان فيما دون الحد وجب عليه التمام نصّا، و إجماعا كما تقدم.

لأنّه مسافر خارج عن الحد، فتشمله أدلة التقصير مع اجتماع سائر الشرائط.

اعتبار كون الباقي مسافة مبنيّ على أن يكون عوده إلى ما دون حد الترخص بقصد الرجوع عن نية المسافرة. و أما إن كان بانيا عليها، فيكفي كون المجموع مسافة، لكونها حينئذ من المسافة الملفقة. إلا أن يقال: بانصراف التلفيق عن مثله عرفا، و لكنه مشكل، بل ممنوع و يأتي التفصيل عما قريب إن شاء اللّه تعالى.

لعموم أدلة التقصير من غير ما يصلح للتخصيص، و يأتي تفصيل هذه المسألة بأقسامها في الفصل التالي [مسألة ۲٤].

أي: فيما إذا سافر عن وطنه.

لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشملها أدلة التقصير لا محالة و لا بد حينئذ من الصحة.

مقتضى عدم الإتيان بالمأمورية الجزم بوجوب الإعادة، و لكن عدم‏ الجزم بها، لاحتمال الإلحاق بما لو صلّى ثمَّ بدا له في السفر قبل بلوغ المسافة.

و الأقسام فيه‏ ثلاثة: الأول: ما إذا كان بانيا على المسافرة التي قصدها أولا و الظاهر تعين الإلحاق، بل هو داخل فيه موضوعا و حينئذ فإن كان الباقي مسافة، فهو و إلا فتكون من المسافة التلفيقية و يشترط أن يعد الرجوع جزءا من المسافة عرفا و لا يكون لغوا محضا.

الثاني: ما إذا كان بانيا على المسافرة مع الشك في الرجوع و عدمه، فبدا له الرجوع، فإن كان الشك و الترديد مما يعتنى به بحيث يكون منافيا لتحقق قصد المسافرة تجب الإعادة أو القضاء، لعدم تحقق قصد المسافة منه حتى يصح التقصير. نعم، لو كان الشك و الترديد بحيث لا ينافي تحقق قصد المسافة يكون من القسم الأول.

الثالث: ما إذا علم بالرجوع و لا إشكال في عدم الإجزاء، لفقد قصد المسافة حينئذ.

يصح الإلحاق فيما إذا لم يكن قصد الرجوع منافيا لقصد المسافة، و في غيره لا وجه للإلحاق.

(مسألة ۷0): في المسافة الدورية حول البلد دون حدّ الترخص في تمام الدور أو بعضه مما لم يكن الباقي قبله أو بعده مسافة يتم الصلاة (۲۳٥).

لأدلة التمام، مضافا إلى أصالة التمام، لو كانت المسافة الدورية فوق حدّ الترخص وجب التقصير كما تقدم، و لو تركب منهما، فحكمه حكم المسافة الامتدادية فيما مرّ من الأقسام و الأحكام.

  1. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲
  2. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲.
  3. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: ۱۲.
  4. سورة النساء: ۱0۱.
  5. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٦.
  6. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۸.
  7. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳ و ۱.
  8. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4 و ۱.
  9. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٥.
  10. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۹.
  11. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱0.
  12. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲.
  13. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  14. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۱.
  15. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲.
  16. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱٥.
  17. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٥.
  18. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  19. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  20. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱0 و ۱۱.
  21. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۹.
  22. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۸
  23. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۱.
  24. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱4
  25. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۹.
  26. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  27. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  28. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  29. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۸ و ۱.
  30. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱ و ۳ و ٥.
  31. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۱.
  32. البحار ج: ۱۸ ص: ٦۸٦ الطبعة الحجرية.
  33. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۳ و باب: ۸ منها حديث: 4.
  34. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۳.
  35. مستدرك الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲.
  36. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱٥
  37. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۳.
  38. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱٦.
  39. الوسائل باب: ٦ من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
  40. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب العاقلة حديث: ۳.
  41. الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱0.
  42. تقدم ذكره في صفحة: ۱۳۷.
  43. الوسائل باب: ۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  44. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  45. الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  46. الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  47. راجع الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳ و باب: ٦.
  48. الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  49. الوسائل باب: 4 من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  50. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۱.
  51. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱0.
  52. الوسائل باب: ٥ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  53. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  54. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱0.
  55. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱
  56. الوسائل باب: ۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  57. الوسائل باب: ٥ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  58. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  59. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  60. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  61. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  62. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  63. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۷.
  64. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  65. الوسائل باب: ٥۹ من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: ۷- كتاب الحج.
  66. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  67. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٦.
  68. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  69. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٥.
  70. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۷.
  71. ورد مضمونه في مستدرك الوسائل باب: ۷ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  72. تقدم في صفحة: ۱۷۱
  73. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  74. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  75. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٥.
  76. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  77. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۸.
  78. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲.
  79. راجع صفحة: ۱۷۸
  80. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۷.
  81. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  82. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٦.
  83. الوسائل باب: ۹ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۷.
  84. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱
  85. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲
  86. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  87. الوسائل باب: ۸ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٦.
  88. الوسائل باب: ۱0 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: ٦.
  89. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٦.
  90. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٥
  91. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۹.
  92. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  93. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۹.
  94. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  95. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱0.
  96. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۲.
  97. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۹
  98. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  99. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  100. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲.
  101. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  102. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱
  103. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۲.
  104. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  105. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  106. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۷.
  107. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  108. تقدم في صفحة: ۱۹۸
  109. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  110. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  111. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  112. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٥.
  113. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٦.
  114. تقدم في‏[ مسألة ٤٦] من هذا الفصل.
  115. تقدم في صفحة: ۲0۹.
  116. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٥.
  117. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۹.
  118. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۹.
  119. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱
  120. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  121. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٦.
  122. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱۱.
  123. الوسائل باب: ۷ من أبواب صلاة المسافر حديث: ٥.
  124. مستدرك الوسائل باب: ٥ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  125. تقدم في صفحة: ۲۱4.
  126. سورة النحل: ٥۹.
  127. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  128. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۷.
  129. الوسائل باب: ۷ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۱.
  130. الوسائل باب: ۷ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  131. الوسائل باب: ۷ من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.
  132. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳ و ۷.
  133. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  134. الوسائل باب: ۳ من أبواب صلاة المسافر حديث: ۳.
  135. راجع الوسائل باب: ۲ من أبواب نية الصلاة.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"