1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الصلاة
  10. /
  11. فصل في صلاة الاستئجار
يجوز الاستيجار للصلاة، بل و لسائر العبادات عن الأموات إذا فاتت منهم (۱)، و تفرغ ذمتهم بفعل الأجير (۲). و كذا يجوز التبرع‏ عنهم (۳). و لا يجوز الاستئجار، و لا التبرع عن الأحياء في الواجبات، و إن كانوا عاجزين عن المباشرة، إلا الحج إذا كان مستطيعا و كان عاجزا عن المباشرة (٤) نعم، يجوز إتيان المستحبات و إهداء ثوابها للأحياء، كما يجوز ذلك للأموات (٥). و تجوز النيابة عن الأحياء في بعض‏ المستحبات (٦).

لأنّ كلّ عمل فيه غرض صحيح غير منهيّ عنه شرعا تصح الإجارة فيه، للعمومات و الإطلاقات، و هذا من الأمور النظامية العقلائية و لا ريب في تحقق الغرض الصحيح في الاستئجار للعبادات، بل و نفع الأموات بها، كما في جملة من الروايات۱. و هذه الأدلة حاكمة على أصالة اعتبار المباشرة، سواء أريد بها الأصل اللفظي- و هو اقتضاء أصالة الإطلاق كون الوجوب نفسيا عينيا تعيينيا، أم الأصل العملي- و هو قاعدة الاشتغال و عدم السقوط بفعل الغير. هذا مضافا إلى ظهور الإجماع في المقام.

لأنّه لا معنى للاستئجار و الاستبانة إلا ذلك، مع كونه من المسلّمات، فما نسب إلى الانتصار، و الغنية، و المختلف من منع صحة إتيانه بل الوليّ يقضي عن نفسه، و ينسب ذلك إلى الميت، لأنّه السبب في وجوب القضاء عليه، و استدلوا على ذلك بقوله تعالى‏ (وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)‏۲ ، و قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث»۳. لا وجه له في مقابل‏

المستفيضة الدالة على صحة النيابة الواردة في الأبواب المتفرقة4.

كما أنّ الإشكال المعروف في المقام من أنّ التكليف إن كان بفعل المنوب عنه فلا يسقط بفعل النائب، و إن كان بفعل النائب فلا تبرأ ذمة المنوب عنه، ساقط من أصله، لأنّ التكليف متوجه إلى المنوب عنه و النائب من حيث تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه أو عمله منزلة عمله، كأنّه يصير نفس المنوب عنه فما يصدر منه كأنّه صدر عن المنوب عنه نفسه، و العرف و الوجدان يشهدان لذلك.

يقول الناس بعضهم لبعض: فلان كنفسي، لسانه لساني و يده يدي. أو يقول أحدهم: إنّي بمنزلة فلان في أعماله و أقواله أو يقول: عملي عمله و كأنّه صدر منه، و قد قرر الشارع الأقدس هذه التنزيلات العرفية تسهيلا على العباد حيّا و ميتا.

و توهم أنّ هذا التنزيل لا بد و أن يصدر من الشارع لا من غيره، فإذا صدر من غيره لا أثر له، فاسد جدّا لأنّ هذا التنزيل أمر عرفي لا دخل للشارع فيه و ما له دخل فيه إنّما هو الحكم بالصحة في هذا الموضوع العرفي كسائر الموارد التي حكم الشارع للموضوعات العرفية. و العجب تمثله للمقام بأنّ تنزيل الخمر بمنزلة الماء لا يقتضي شربه، و تنزيل زيد منزلة عمرو لا يقتضي له إباحة نكاح زوجة عمرو. لأنّ المثال الأول إنّما هو في التكوينيات و المقام في الاعتباريات و لا ربط لأحدهما بالآخر، و المثال الأخير خلاف الضرورة الدينية عند كلّ مسلم، و المقام قد ورد التقرير فيه بالأدلة الأربعة:

أما الكتاب فبالآيات المرغبة إلى الخير و الاستباق إلى الخيرات. و أما السنة فبالمستفيضة بل المتواترة الواردة المتفرقة٥. و أما الإجماع، فبإجماع العقلاء على أنّه حسن و خير. و أما العقل، فلحكمه بحسنه، لأنّه من موارد قضاء الحاجة و هو من أهمّ الأمور النظامية العقلائية، و يأتي بعض ما ينفع المقام في مستقبل الكلام.

لأنّ المناط كلّه صحة إضافة العمل إلى المنوب عنه، و تحصل الإضافة

بالتبرع و الجعالة و الصلح أيضا.

إن قلت: مقتضى قوله تعالى‏ (وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) ٦، و مقتضى الحصر فيه عدم الأثر لعمل غيره بالنسبة إليه. فلا تفرغ ذمته بعمل الغير، و كذا قوله عليه السلام: «إذا مات المؤمن انقطع عمله إلّا من ثلاث- الخبر-»۷، و مع أنّ العباديات متقوّمة بقصد القربة و هو ينافي أخذ الأجرة، مضافا إلى أنّ المتيقن من عمومات الإجارة غير ما اعتبر فيه قصد القربة فلا تصح الإجارة و إن صح التبرع.

قلت: أما الآية الكريمة، و الخبر، فالحصر فيهما إضافيّ لا أن يكون حقيقيا بقرينة المستفيضة، بل المتواترة الدالة على انتفاع الأموات بما يفعل عنهم الأحياء مثل قول أبي عبد اللّه عليه السلام:

«يدخل على الميت في قبره الصلاة و الصوم و الحج و البرّ و الدعاء، و يكتب أجره للذي يفعله و للميت»۸.

و مثل هذه الأخبار المستفيضة الواردة في الأبواب المتفرقة شارحة للآية و الحديث كما لا يخفى. و على فرض كون الحصر حقيقيا، فلا إشكال أيضا لأنّ ماله الذي يصرف عنه بعد موته، و أولاده و من يعمل له بعد موته كلّ ذلك من سعيه- كما في الآية- و من عمله الصالح- كما في الحديث.

و أما منافاة أخذ الأجرة لقصد القربة، فيمكن الجواب عنها بكلّ وجه أمكن التفكيك بينهما عرفا. بأن يكون أخذ الأجرة في مقابل تنزيل نفسه منزلة نفس المنوب عنه أو في مقابل تنزيل عمله منزلة عمل المنوب عنه، أو في مقابل بعض الأعمال المباحة المتعلقة بالعبادة الاستيجارية، أو في مقابل إرضاء من يباشر الاستنابة عن نفسه، أو في مقابل التعجيل بإتيان العمل و عدم التأخير فيه أو نحو ذلك مما هو ممكن ثبوتا.

و هذا الإشكال علمي لاتفاق كلّ من قال بصحة الإجارة على صحة العمل، و قد اختلفوا في الجواب عن الإشكال، و لا ربط له بصحة العمل. و تأتي زيادة بيان للمقام إن شاء اللّه تعالى.

أما المستثنى فلقاعدة الاشتغال، و أصالة كون الواجب عينيا نفسيا تعيينيا و مقتضاها اعتبار المباشرة فلا يسقط بفعل الغير، إلا أن يدل دليل على الخلاف و هو مفقود، بل ظاهرهم الاتفاق على عدم الجواز. و أما الاستثناء فسيأتي في [المسألة ۷۱] من كتاب الحج، فراجع.

قد أرسل ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، تقتضيه القاعدة أيضا لأنّ الثواب نحو حق للعامل فله أن يهدي حقه إلى من يشاء، إذ الأصل في الحق أن يكون قابلا للنقل إلى الغير إلا مع الدليل على المنع، و لا دليل عليه في المقام.

و يشهد له ما حكي عن المحمودي- و هو من الرواة- أنّه كان يحج عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يهديئئ ثواب ذلك إلى الأئمة عليهم السلام، ثمَّ يهدي ثواب ما أهداه إليهم عليهم السلام إلى المؤمنين‏۹، و عن هشام بن الحكم أنّه كان يقول:

«اللهم ما عملت من خير مفترض و غير مفترض فجميعه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أهل بيته الصادقين عليهم السلام، فتقبّل ذلك منّي و عنهم»۱۰.

و إهداء الثواب لا إشكال في كونه من الخيرات، فيشمله إطلاق قوله تعالى‏ (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)*۱۱، و إطلاق الأخبار الدالة على الترغيب فيها بالسنة مختلفة و في خبر عليّ بن أبي حمزة:

«قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: أحج و أصلّي و أتصدق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال عليه السلام: نعم، تصدق عنه، و صلّ عنه، و لك أجر بصلتك إياه»۱۲.

و قد ورد في الحج روايات كثيرة۱۳. و الحكم موافق للسيرة القطعية.

لأنّه من الخير المحض فتشمله الأدلة الدالة على الترغيب إلى الخيرات و الاستباق إليها من الكتاب و السنة، مضافا إلى خبر محمد بن مروان:

«قال أبو عبد اللّه عليه السلام: ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين و ميتين؟! يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما، و يحج عنهما، و يصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيده اللّه عزّ و جل ببرّه و صلته خيرا كثيرا»۱4.

و ما في خبر عبد اللّه بن جندب: «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من البرّ و الصلاة و الخير أثلاثا، ثلثا له و ثلثين لأبويه، أو يفردهما من أعماله بشي‏ء ممّا يتطوّع به و إن كان أحدهما حيا و الآخر ميتا. فكتب إليّ: أما الميت فحسن جائز. و أمّا الحيّ فلا، إلا البر و الصلة»۱٥.

فيحمل على أنّ الميت أولى لأن يجعل ذلك له لانقطاعه عن الدنيا. و أما الحيّ فهو قادر بعد.

ثمَّ إنّه لا وجه للاختصاص ببعض المستحبات، بل لا بد من التعميم، إذ لا وجه للتحديد في الخير المحض و البرّ و الصلة. نعم، لو كان مما يستنكر لدى المتشرعة فلا موضوع له حينئذ، كما إذا أكل الرمان يوم الجمعة نيابة عن زيد، أو استعمل المسك عند دخول المسجد نيابة عن آخر و غير ذلك.

(مسألة ۱): لا يكفي في تفريغ ذمة الميت إتيان العمل و إهداء ثوابه (۷)، بل لا بد إما من النيابة عنه بجعل نفسه نازلا منزلته (۸). أو بقصد إتيان ما عليه له و لو لم ينزل نفسه منزلته (۹)، نظير أداء دين الغير. فالمتبرع بتفريغ ذمة الميت له أن ينزل نفسه منزلته، و له أن يتبرع بأداء دينه من غير تنزيل، بل الأجير- أيضا- يتصوّر فيه الوجهان، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائبا، بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميت و أداء دينه الذي للّه (۱۰).

لكن لا بد من إضافة العمل إلى المنوب عنه و لو بنحو الإجمال و الارتكاز، و يصح دعوى الملازمة، لأنّ العمل و العامل من الأمور الإضافية فتنزيل العمل يلازم تنزيل نفس العامل من جهة، و كذا العكس.

و بالجملة في البين أمور ثلاثة متلازمة في الواقع: تفريغ الذمة، و تنزيل العامل نفسه منزلة نفس المنوب عنه، و تنزيل عمله منزلة عمل المنوب عنه. و الكلّ متلازمة في حاق الواقع- و لو في الجملة- و التفكيك انحلاليّ عقليّ لا يضرّ بالملازمة الواقعية غير الالتفاتية، و القصد إلى إحدى الأمور المتلازمة قصد إلى البقية بنحو الجملة و الإجمال.

التنزيلات الشائعة في المتعارف كثيرة، فقد يقال: يده يدي و لسانه لساني و فعله فعلي، و هو بمنزلة نفسي، و يدي يده و فعلي فعله و نفسي نفسه. و لا إشكال في صحة هذه التنزيلات و ترتيب الآثار العرفية و الشرعية عليها، فكما يصح تنزيل نفسه منزلة نفس المنوب عنه يصح أيضا تنزيل عمله منزلة عمل المنوب عنه، و لا إشكال في كلّ منهما لا عقلا و لا شرعا و لا عرفا، لأنّها أمور كانت شائعة بين الناس وردت الشريعة عليها فقررها و هذا التنزيل توصليّ لا يعتبر فيه قصد القربة فيمكن أن يجعل أخذ الأجرة بإزاء نفس هذا التنزيل الذي فيه غرض صحيح.

لأصالة عدم التفريغ بذلك، لأنّ إهداء الثواب لا يجعل العمل مضافا إلى المنوب عنه، بل يكون أجنبيا عنه، و لا بد في التفريغ من إضافة العمل إليه و يأتي في [المسألة ۱۷] و ما بعدها من كتاب الإجارة (فصل لا يجوز إجارة الأرض) ما ينفع المقام إن شاء اللّه تعالى.

لأنّ هذا نحو من إضافة العمل إلى المنوب عنه، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك فقصد إتيان عمله متضمن لتنزيل العمل منزلة عمل المنوب عنه، فالتنزيل تارة مطابقيّ، و أخرى ضمنيّ، و في الأول يلحظ نفس التنزيل مستقلا من حيث هو بخلاف الثاني فإنّه ملحوظ ضمنا، كما إذا كان في مقام تفريغ ذمته فلوحظ نفس التفريغ مستقلا و يلزمه التنزيل عرفا.

(مسألة ۲): يعتبر في صحة عمل الأجير و المتبرع قصد القربة (۱۱). و تحققه في المتبرع لا إشكال فيه (۱۲). و أما بالنسبة إلى الأجير الذي من نيته أخذ العوض فربما يستشكل فيه (۱۳)، بل ربما يقال (۱٤)- من هذه الجهة- إنّه لا يعتبر فيه قصد القربة، بل يكفي الإتيان بصورة العمل عنه لكن التحقيق: أنّ أخذ الأجرة داع لداعي القربة (۱٥)- كما في صلاة الحاجة و صلاة الاستسقاء- حيث إنّ الحاجة و نزول المطر داعيان إلى الصلاة مع القربة. و يمكن أن يقال: إنّما يقصد القربة من جهة الوجوب عليه من باب الإجارة (۱٦). و دعوى: أنّ الأمر الإجاري ليس عباديا بل هو توصليّ مدفوعة: بأنّه تابع للعمل المستأجر عليه (۱۷)، فهو مشترك بين التوصلية و التعبدية.

نسب ذلك إلى الوحيد البهبهاني (قدّس سرّه). و هذا جواب منه رحمه اللّه عن إشكال عدم الأمر بالنسبة إلى النائب، و عن عدم إمكان قصد الأمر بالنسبة إليه. فقال: إنّ الأمر الإجاري أمر و يصح قصد القربة به.

و أشكل عليه بوجوه: أحدها: ما عن المحقق الأنصاري (قدّس سرّه) من أنّ الأمر الإجاري توصليّ يسقط بامتثال المتعلق مطلقا و لو لم يقصد منه القربة.

و فيه: أنّه لا موضوعية للأمر الإجاري بوجه من الوجوه، بل هو طريق محض لكيفية الالتزام بالمتعلق فإن كان عباديا يكون طريقا إلى العبادية، و إن كان توصليا يكون طريقا إلى التوصلية نظير الأمر في‏ (أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ*)۱٦.

ثانيها: أنّه لا يشمل الجعالة إذ لا أمر فيها.

و فيه: أنّه يمكن تصوير الأمر الشرعي فيها من الأوامر الواردة في قضاء حوائج الناس و السعي فيها بلا عوض أو مع العوض.

ثالثها: أنّ صحة الإجارة موقوفة على صحة العبادة مع قطع النظر عن الإجارة، فلو توقفت صحة العبادة عليها لدار.

و فيه: أنّ صحة الإجارة متوقفة على إمكان قصد التقرب بمتعلقها بأيّ نحو

أمكن، و لو بجعل الأمر الإجاري طريقا محضا إليه، و مع الطريقية المحضة لا اثنينية في البين حتّى يتحقق موضوع الدور الذي هو متقوّم بالاثنينية الخارجية، كما هو واضح.

و جميع مثل هذه الإشكالات إنّما ينشأ من لحاظ الموضوعية للأمر الإجاريّ في مقابل المتعلق، و ليس كذلك، بل هو طريقيّ محض للالتزام العملي و البناء عليه. و من ذلك كلّه يظهر صحة ما أجاب به الماتن (قدّس سرّه) إن كان مراده ما ذكرناه و إمكان تصحيح ما أجاب به الوحيد البهبهاني أيضا.

الداعي لحصول داع آخر يتصوّر على‏ وجوه‏-:

الأول: أن يكون الداعي الأول علة تامة منحصرة لحصول الداعي الآخر بحيث لولاه لما حصل الداعي الآخر، و لا إشكال في أنّه ينافي الإخلاص المأمور به في العبادة، و لا ينبغي أن يذكر لدفع المحذور، بل هو تقرير للإشكال لا أن يكون جوابا عنه.

الثاني: أن يكون بنحو الاقتضاء فقط بحيث لولاه لحصل الداعي الآخر أيضا، و الظاهر صحته و كفاية هذا النحو من القربة في الامتثال، لصدق تحقق داعوية القربة عرفا، و ذلك لأنّ للامتثال مراتب متفاوتة أدناها هذه المرتبة، و أعلاها ما لا مدخلية لغير قصد القربة في الامتثال بوجه من الوجوه.

الثالث: أن يصلّي- مثلا- عن الغير قربة إلى اللّه تعالى، لأنّه عز و جل حلل الأجرة له بقصد الإجارة أو الجعالة، فيكون مثل إتيان صلاة ركعتين للّه تعالى لأنّه عزّ و جل رزقه مالا أو ولدا أو نحو ذلك، و لا ينافي أخذ الأجرة قصد القربة

على هذا الوجه أيضا، فينحصر بطلان الداعي إلى الداعي بخصوص القسم الأول، و كذا لو صلّى قربة إلى اللّه تعالى بداعي أن يرزقه اللّه تعالى الحياة حتّى يصرف الأجرة المأخوذة مع الصحة و السلامة في حوائجه. و بالجملة يمكن جعل المقام من قبيل صلاة الحاجة و الاستسقاء كما هو واضح. و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا، فمن قال ببطلان الداعي إلى الداعي- كبعض مشايخنا (قدّس سرّهم)- أراد القسم الأول، و من قال بالصحة أراد بقية الأقسام.

نسب ذلك إلى صاحب المستند، و هو باطل لإمكان فرض تحقق قصد القربة منهما.

وجه الإشكال منافاة قصد القربة لأخذ الأجرة، لأنّه لا بد في صحة

العبادة من كون الداعي إلى إتيانها خصوص قصد الأمر، فلو كان في البين داع آخر للإتيان بنحو الاستقلال أو التشريك تبطل العبادة، كما تقدم في نية الوضوء، و نية الصلاة.

و فيه: أنّه كذلك لو كان متعلق الداعيين واحدا، و لكن لو أمكن التفكيك بينهما بحسب المتعارف فلا محذور فيه و لا ينافي الإخلاص، فإذا كان أخذ الأجرة لأجل تنزيل النفس منزلة نفس المنوب عنه أو لأجل تنزيل العمل القربي منزلة عمله فلا يتحد متعلقهما حتّى يرد المحذور، و بأيّ وجه أمكن التفكيك بينهما يدفع به المحذور.

لأنّ قصد القربة التفاتيّ اختياريّ، و المفروض أنّه يقصدها بلا محذور فيه.

إن قلت: لا أمر و لا خطاب بالنسبة إلى الغير- أجيرا كان أو متبرّعا- فكيف يحصل منه قصد القربة، مضافا إلى أنّه كيف يتقرب المنوب عنه بتقرب الغير و كيف تفرغ ذمته بعمل الغير.

قلت: يدفع ذلك كلّه إما بتنزيل النفس منزلة نفس الغير، أو بتنزيل العمل منزلة عمله، فيكون التقرب حينئذ تقرب المنوب عنه و العمل عمله بهذا التنزيل الصحيح لدى المتعارف، فلا محذور من هذه الجهة، و قد مرّ أنّ قصد مجرد تفريغ الذمة ملازم للتنزيلين.

إذ لا تفرغ الذمة في العباديات إلا بذلك، لما مرّ مكرّرا من تقوّمها به.

مراده بالتبعية، الطريقية المحضة لا التبعية الاصطلاحية حتّى تتحقق الاثنينية فتأتي شبهة الدور.

(مسألة ۳): يجب على من عليه واجب من الصلاة أو الصيام أو غيرهما من الواجبات أن يوصي به (۱۸)، خصوصا مثل الزكاة و الخمس و المظالم و الكفارات من الواجبات المالية (۱۹) و يجب على‏ الوصي إخراجها من أصل التركة في الواجبات المالية (۲۰). و منها: الحج الواجب، و لو بنذر و نحوه (۲۱). بل وجوب إخراج الصوم و الصّلاة من الواجبات البدنية أيضا من الأصل لا يخلو عن قوّة، لأنّها دين اللّه (۲۲) ……… و دين اللّه أحقّ أن يقضى (۲۳).

ففي خبر الخثعمية قالت: «سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّ أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمنا لا يستطيع أن يحج، إن حججت عنه ينفعه ذلك؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله لها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ينفعه ذلك؟ قالت: نعم. قال صلّى اللّه عليه و آله: فدين اللّه أحقّ بالقضاء».

و فيه: أنّه مضافا إلى قصور سنده، يكون في مورده مطابقا للقاعدة، لأنّ الحج من الواجبات المالية غالبا، مع أنّه لا بد في مورده من تقييده بمن استقر عليه الحج، فلا يصح العمل بإطلاقه في مورده، فكيف يستدل به في غيره.

إطلاق الدّين على الصلاة ورد في أربعة أحاديث.

۱- رواية حماد عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في إخباره عن لقمان-:

«و إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي‏ء، صلّها و استرح منها، فإنّها دين»۱۸.

۲- ما في أحاديث المعراج عن الأصبغ بن نباتة: «ثمَّ قال: حيّ على الصلاة. قال اللّه جلّ جلاله: فرضتها على عبادي و جعلتها لي دينا»۱۹.

۳- خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك. قال عليه السلام:

يؤخر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك»۲۰.

٤- ما رواه ابن بابويه في باب آداب المسافر۲۱. و الظاهر أنّه هو الخبر الأول و لكن نقله مرسلا.

و فيه: أنّ إطلاق الدّين عليها مسلّم، و جميع تكاليف اللّه تعالى حقوق و ديون منه عزّ و جل على خلقه، و لكنّه أعم من الدّين الذي يخرج من أصل المال، لأنّ الدّين بالمعنى الأعم هو كلّ ما اشتغلت به الذمة أعمّ من أن يكون دينا اصطلاحيا أو غيره. فما نقله صاحب الجواهر في كتاب الوصية عن جملة من الكتب ربما تبلغ أكثر من عشرة: من خروج الواجب البدني عن الأصل تمسكا بإطلاق الدّين عليه، مخدوش، كما لا يخفى.

هذا، مع أنّه لم يشر في خبر من الأخبار الواردة في قضاء الصلاة إلى ذلك مع كون الحكم ابتلائيا في كلّ عصر و زمان من أول البعثة إلى يوم القيامة.

نصّا، و إجماعا، كما يأتي في كتاب الحج (فصل في الوصية بالحج)، فراجع.

نصوصا، و إجماعا:

منها: قوله عليه السلام: «أول شي‏ء يبدأ من المال الكفن، ثمَّ الدّين، ثمَّ الوصية، ثمَّ الميراث»۱۷.

و يأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

مقتضى ما تقدم عدم الفرق بين الواجبات المالية و غيرها، إلا أن يقال: إنّ خروج الأولى من أصل المال نصّا و اتفاقا يوجب الاهتمام بها في الجملة، مضافا إلى ما اشتهر أنّ حق الناس أولى بالمراعاة عند الدوران بينه و بين حق اللّه.

و فيه: أنّ الأول من مجرد الاستحسان، و الثاني لم يثبت بدليل و لا برهان.

لوجوب تفريغ الذمة عما اشتغلت و لو بالتسبيب، و الوصية و لا يتوقف ذلك على العلم بالعمل بالوصية، بل يجب مع الاحتمال أيضا، بل يجب مع العلم بالعدم، لأنّها قطع للعذر من ناحيته، مع أنّ كلّ علم ليس مطابقا للواقع، و لعلّ اللّه يحدث بعد ذلك أمرا، مع أنّ جمعا من الفقهاء ذهبوا إلى الاحتياط في الشك في القدرة.

(مسألة ٤): إذا علم أنّ عليه شيئا من الواجبات المذكورة وجب إخراجها من تركته (۲٤) و إن لم يوص به. و الظاهر أنّ إخباره‏ بكونها عليه يكفي في وجوب الإخراج من التركة (۲٥).

مع تحقق شرائط صحة الإقرار و عدم التهمة، إذ لا دليل على اعتبار إخباره من حيث هو إلا إذا دخل في قاعدة الإقرار. نعم، لو كانت محفوفة بقرائن توجب القطع فلا إشكال في الاعتبار حينئذ.

إذ لا موضوعية لإقراره و إخباره و وصيته، بل هو طريق إلى العلم باشتغال ذمته، و لكنّه يصح في الواجبات المالية بخلاف البدنية إلا على مبناه (قدّس سرّه).

(مسألة ٥): إذا أوصى بالصلاة أو الصوم و نحوهما، و لم يكن له تركة، لا يجب على الوصيّ أو الوارث إخراجه من ماله، و لا المباشرة (۲٦)، إلا ما فات منه لعذر- من الصلاة و الصوم- حيث يجب على الوليّ و إن لم يوص بهما. نعم، الأحوط مباشرة الولد- ذكرا كان أو أنثى- مع عدم التركة إذا أوصى بمباشرته لهما (۲۷) و إن لم يكن مما يجب على الوليّ، أو أوصى إلى غير الوليّ (۲۸) بشرط أن لا يكون مستلزما للحرج (۲۹) من جهة كثرته. و أما غير الولد ممن لا يجب عليه إطاعته فلا يجب عليه (۳۰)، كما لا يجب على الولد- أيضا- استئجاره إذا لم يتمكن من المباشرة أو كان أوصى بالاستيجار عنه لا بمباشرته (۳۱).

لأصالة البراءة بعد عدم دليل عليه.

و لا ريب في السقوط حينئذ على فرض الثبوت لقاعدة نفي الحرج.

يعني: أوصى ولده الذي لا يجب عليه القضاء من جهة الولاية فالأحوط له الإتيان، سواء علم بإتيان الوالد، أو لم يعلم، أو علم بالعدم.

مقتضى الأصل عدم الوجوب، إلا إذا وجب شرعا مطلق إطاعة الوالدين حتّى في مطلق اقتراحاتهما و لو لم ينطبق على ترك الإطاعة عنوان العقوق الذي هو من الكبائر، و ليس المراد من العقوق مطلق تأثرهما و لو كان عن منشإ يكون خلاف المتعارف، بل المراد به التأثر على النحو المتعارف.

و المستفاد من مجموع الأدلة أنّ إيصال الشر إليهما من العقوق، و أما كون ترك مطلق الإحسان و ترك مطلق الإطاعة بالنسبة إليهما منه فهو مشكل، مع أنّ المستفاد من الأخبار أنّ للعقوق مراتب متفاوتة جدّا، فهل الحكم ثابت لجميع المراتب أو المتيقن؟ و تحقيق القول يقتضي بسط المقال و لا يسعه المجال، و لعلّ الأولى ترك المسألة على الإبهام و الإجمال، و عدم التعرض لتشقيق الفروع و تفصيل المقال.

لأصالة البراءة بعد عدم دليل على الوجوب.

لأصالة البراءة في الموردين.

(مسألة ٦): لو أوصى بما يجب عليه من باب الاحتياط وجب إخراجه من الأصل أيضا (۳۲). و أما لو أوصى بما يستحب عليه من باب الاحتياط وجب العمل به، لكن يخرج من الثلث (۳۳). و كذا لو أوصى بالاستيجار عنه أزيد من عمره فإنّه يجب العمل به و الإخراج من الثلث، لأنّه يحتمل أن يكون ذلك من جهة احتماله الخلل في عمل الأجير (۳٤). و أما لو علم فراغ ذمته علما قطعيا فلا يجب (۳٥) و إن أوصى به، بل جوازه- أيضا- محلّ إشكال (۳٦).

مع كون الواجب ماليا، و كون الاحتياط واجبا عند الورثة أيضا لأنّه حينئذ من الواجب المالي، و مع فقد أحدهما يخرج من الثلث خصوصا إن كان في الورثة قاصر، و يأتي التفصيل في كتاب الوصية إن شاء اللّه تعالى.

أما وجوب العمل فلما دلّ على وجوب العمل بالوصية من الكتاب و السنة. و أما الإخراج من الثلث فلعدم كونه من الواجبات المالية، و كذا الكلام في الفرع اللاحق.

لتحقق الفائدة الصحيحة في الوصية، فيجب العمل بها حينئذ، و يخرج من الثلث لعدم كونه من الماليات.

مع فرض صحة الوصية لا ريب في الوجوب حينئذ، و إنّما الكلام في صحة الوصية.

كلّ وصية تكون فيها فائدة غير منهيّ عنها شرعا وجب العمل بها،

لعموم ما دلّ على إنفاذها و حرمة تبديلها۲۲.

ثمَّ إنّ مورد الوصية تارة: يكون بما اشتغلت به الذمة يقينا، و أخرى: ما اشتغلت به الذمة بالاحتياط الوجوبي. و ثالثة: الاحتياط الاستحبابي. و رابعة:

للعلم بعدم القبول، و إن كان العمل مطابقا للقواعد الشرعية، كما ورد في شارب الخمر۲۳، و مانع الزكاة۲4، و نحوهما مما وردت الأخبار بعدم قبول صلاتهم.

و خامسة: لاحتمال عدم القبول لأجل عدم الورع و التقوى، و قد قال اللّه تعالى:

إ(ِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)‏۲٥.

و للقبول مراتب متفاوتة جدّا، و لا ريب في تحقق الغرض الصحيح لدى المؤمنين في الاستنابة بالنسبة إلى جميع هذه المراتب، خصوصا بعد ما ورد في المعادة جماعة: «أنّ اللّه تعالى يختار أحبّهما إليه»۲٦. فيستفاد من مثله أنّ فراغ الذمة بحسب الأدلة الشرعية شي‏ء و القبول بحسب مراتبه الكثيرة شي‏ء آخر و مقتضى قوله تعالى‏ (وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ‏)۲۷، و ما ورد في كثرة الاهتمام بالنسبة إلى قبول العمل صحة الاستنابة و الاستئجار في تمام الأقسام الخمسة، و يشهد له قضية تعاقد صفوان و ابني جندب و نعمان:

«على أنّ من مات منهم يصلّي من بقي منهم صلاته و يصوم عنه و يحج، فبقي صفوان فكان يصلّي كلّ يوم مائة و خمسين ركعة- الحديث-»۲۸.

فإنّه لا وجه لحمله على إهداء الثواب بالنسبة إلى الصلاة، إذ لا وجه لترتب الثواب على إتيان صلاة أربع ركعات بقصد الظهر- مثلا- إلا بعنوان الأداء عمن تعلق به الأمر أو القضاء عنه، و إلا يكون تشريعا محرّما، و كذا المغرب بل‏

و الصبح أيضا بعنوان أنّها صلاة الصبح فلا بد من حمله على القضاء بعنوان بعض مراتب القبول لجلالة شأنهم رحمهم اللّه عن الحمل على القضاء بمعنى إتيان ما فات.

ثمَّ إنّه لا دليل على خلاف ما قلناه إلا موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها، قال عليه السلام: هل برئت من مرضها؟ قلت: لا، ماتت عليه.

قال عليه السلام: لا يقضى عنها فإنّ اللّه تعالى لم يجعله عليها قلت: فإنّي أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك، قال عليه السلام: كيف تقضي شيئا لم يجعله اللّه تعالى عليها، فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم»۳۰.

و فيه أولا: أنّه يمكن أن يكون مثل هذه النصوص في مقام نفي الوجوب فيكون التأكيد في هذا الموثق تأكيدا لنفي الإتيان بعنوان الوجوب لا نفي الملاك رأسا.

و ثانيا: أنّه لا وجه لقياس المقام بالصوم على فرض نفي الملاك، لفرض تحقق الملاك و الخطاب في المقام فلا يشمله الموثق.

و ثالثا: يمكن حمله على التحرز عن الوقوع في الوسواس.

و مما ذكرنا يظهر أنّ ما ذكره (قدّس سرّه) من الإشكال يختص بما إذا لم يتصوّر فيه غرض صحيح شرعي.

(مسألة ۷): إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حج فمات قبل الإتيان به. فإن اشترط المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه (۳۷)، و تشتغل ذمته بمال الإجارة إن قبضه، فيخرج من‏ تركته (۳۸)، و إن لم يشترط المباشرة وجب استئجاره من تركته (۳۹) إن كان له تركة، و إلا فلا يجب على الورثة (٤۰) كما في سائر الديون إذا لم يكن له تركة. نعم، يجوز تفريغ ذمته من باب الزكاة (٤۱) أو نحوها (٤۲)، أو تبرعا.

بناء على كون اعتبار المباشرة بنحو التقييد. و أما إذا كان على نحو

الشرط، فيثبت للمستأجر خيار تخلف الشرط، و سيأتي في كتاب الإجارة تصريحه (قدّس سرّه) بذلك.

بناء على التقييد، أو فسخ المستأجر بناء على الاشتراط، و على كلّ تقدير يكون الضمان من الضمان المعاوضي، كما لا يخفى. و أما بناء على الاشتراط و عدم فسخ المستأجر، فيجري عليه حكم الفرع اللاحق.

لفرض أنّ الإجارة وقعت على الأعمّ من المباشرة و التسبيب، فيشملها عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بها.

لأصالة البراءة بعد عدم الدليل على الوجوب، كما في سائر الديون.

أما الزكاة فلانطباق سهم الغارمين عليه، فتشمله الأدلة الدالة على أنّ من مصارف الزكاة الغارمين، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في (السادس من أصناف المستحقين) في كتاب الزكاة، مضافا إلى نصوص خاصة۳۱ وردت في أداء دين الميت من الزكاة.

كسهم الإمام (عليه الصلاة و السلام) مع إذن المجتهد، و ما وقف لمثل هذه الأمور.

(مسألة ۸): إذا كان عليه الصلاة أو الصوم الاستئجاري و مع ذلك كان عليه فوائت من نفسه. فإن وفت التركة بها فهو، و إلا قدم الاستئجاريّ، لأنه من قبيل دين الناس (٤۳).

بناء على عدم خروج الواجبات البدنية من الأصل يتعيّن إخراج‏

الاستئجاري من الأصل، كسائر الديون. و أما بناء على خروجها منه، فإن ثبت ما اشتهر من أنّه عند التزاحم بين حق اللّه و حق الناس يقدم الثاني فكذلك أيضا، و لكن ثبوت الكلية مشكل، بل يظهر من صحيح ابن عمار العكس:

«قلت له: رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة، و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم، و أوصى بحجة الإسلام و أن يقضى عنه دين الزكاة؟

قال عليه السلام: يحج عنه من أقرب ما يكون، و يخرج البقية في الزكاة»۳۲.

و يمكن أن يستفاد ذلك من قوله عليه السلام في قضية الخثعمية: «فدين اللّه أحقّ أن يقضى»۳۳، لأنّ أدنى مرتبة الأحقية التقديم عند الدوران، و يأتي في كتاب الحج بعض ما ينفع المقام.

(مسألة ۹): يشترط في الأجير: أن يكون عارفا بأجزاء الصلاة، و شرائطها، و منافياتها، و أحكام الخلل عن اجتهاد أو تقليد صحيح (٤٤).

هذا الشرط طريقيّ محض لا أن يكون له موضوعية أبدا، لأنّ المناط في تفريغ الذمة و صحة الإجارة مطابقة العمل للواقع، و معها تفرغ الذمة و يستحق الأجرة، و إن لم يكن عارفا بخصوصيات العمل، و مع عدمها تبقى الذمة مشغولة و طريق إحراز المطابقة أما الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.

ثمَّ إنّه لو شك في أنّه أتى بالعمل أم لا؟ فمقتضى الجمود على أصالة الصحة هو الحكم بالإتيان و الصحة، لكن الظاهر أنّ سيرة المتشرعة على الخلاف فإنّهم يتفحصون ثمَّ يعملون بالقرائن الحاصلة لهم. فتأمل، و يأتي في [المسألة ۲۰] ما ينفع المقام.

(مسألة ۱۰): الأحوط اشتراط عدالة الأجير (٤٥)، و إن كان‏ الأقوى كفاية الاطمئنان بإتيانه على الوجه الصحيح و إن لم يكن عادلا (٤٦).

ليست العدالة شرطا لصحة العمل، لأنّ عبادات الفساق صحيحة إذا

استجمعت الشرائط و الأجزاء الظاهرية. نعم، تكون شرطا لبعض مراتب القبول، و إنّما اعتبرها من اعتبرها لأجل قبول خبره في الإخبار بالإتيان، و هو أيضا لا دليل عليه، إن قلنا: إنّ إخبار الموثوق به حجة في الموضوعات فالمناط كلّه على حصول الوثوق و الاطمئنان بالإتيان، سواء حصل ذلك من إخباره أم من جهة أخرى، و لا فرق فيه بين كونه عادلا أو لا، بل يصح الاعتماد على قاعدة أسسها صاحب الجواهر (قدّس سرّه) في كتاب الطهارة عند بيان حجية خبر ذي اليد: أنّ كلّ ذي عمل مؤتمن على عمله إلا مع القرينة على الخلاف، و استشهد عليها بأمور، بل يمكن التمسك بأصالة الصحة عند الشك، لبناء الشريعة على السهولة و السماحة، و يأتي في [المسألة ۳۰] بعض الكلام.

ظهر وجهه مما تقدم، فلا وجه للتكرار.

(مسألة ۱۱): في كفاية استئجار غير البالغ و لو بإذن وليه إشكال (٤۷)، و إن قلنا بكون عباداته شرعية و العلم بإتيانه على الوجه الصحيح، و إن كان لا يبعد ذلك مع العلم المذكور. و كذا لو تبرع عنه مع العلم المذكور.

لقاعدة الاشتغال بعد احتمال انصراف الأدلة عنه، و عدم جريان بناء المتشرعة عليه، و لكن الانصراف ممنوع بالنسبة إلى من أتى بالعمل صحيحا، فلا تجري قاعدة الاشتغال حينئذ، و بناء المتشرعة على ما هو بحسب الغالب من عدم التزام الصبيان بجهات صحة العمل غالبا، فالإطلاق محكّم و التقييد مفقود، فما لم يستبعده قريب.

(مسألة ۱۲): لا يجوز استئجار ذوي الأعذار (٤۸)، خصوصا من كان صلاته بالإيماء، أو كان عاجزا عن القيام و يأتي بالصلاة جالسا و نحوه. و إن كان ما فات من الميت- أيضا- كذلك (٤۹). و لو استأجر القادر فصار عاجزا وجب عليه التأخير إلى زمان رفع العذر. و إن ضاق الوقت انفسخت الإجارة (٥۰).

لأصالة عدم الإجزاء، و عدم تفريغ الذمة، و لا ملازمة بين الإجزاء عن نفسه و الإجزاء عن غيره، مع أنّ شمول إطلاق أدلة النيابة للفرض مشكل، إن لم يكن ممنوعا.

لأنّ إجزاء التكاليف الاضطرارية إنّما هو في ظرف الامتثال العذري فقط لا أن ينقلب الواقع مطلقا حتّى مع التمكن من تحصيل التكليف الاختياري عند وجوب القضاء، فأصالة الجعل في التكليف الاختياري ثابتة إلا أن يتحقق موضوع الاضطرار و امتثل التكليف حينئذ فيسقط التكليف الاختياري لإتيان بدله.

و أما مع عدم الإتيان بالبدل فلا وجه لسقوط التكليف الاختياري.

و الحاصل: إنّ التكاليف الأولية اختيارية تامة الأجزاء و الشرائط و إجزاء غيرها عنها مقيد بالعذر و الاضطرار و متقوّم بهما بناء على ما هو الحق من عدم البدار فلا وجه للإجزاء في غير هذه الصورة. و أما الموردان اللّذان خصهما (قدّس سرّه) بالذكر فلعدم شمول إطلاق أدلة النيابة لهما مع وجود غيرهما، و إن صح دعوى شمولها لمن لا يقدر على الاستقلال في القيام مثلا فيعتمد على شي‏ء.

هذا بناء على كون المباشرة قيدا مقوّما. و أما بناء على كون مورد الإجارة أعمّ من المباشرة و التسبيب تصح الإجارة و وجب على الأجير الاستنابة عن الميت. و أما بناء على كون المباشرة شرطا، فيمكن القول ببطلان الإجارة أيضا لعدم قدرة الأجير على الإتيان بمتعلق الإجارة.

(مسألة ۱۳): لو تبرع العاجز عن القيام مثلا- عن الميت ففي سقوطه عنه إشكال (٥۱).

مقتضى ما تقدم في المسألة السابقة الجزم بعدم السقوط هنا أيضا، إذ لا فارق بين المسألتين من حيث الأصل.

(مسألة ۱٤): لو حصل للأجير سهو أو شك يعمل بأحكامه‏ على وفق تقليده أو اجتهاده، و لا تجب عليه إعادة الصلاة (٥۲).

أما لزوم العمل على وفق تكليفه فلتوجه الخطاب إليه، لأنّه هو الشاك و الساهي. و أما عدم وجوب إعادة الصلاة، فللأدلة الدالة على إجزاء العمل بوظيفة الشك و السهو و صحة الصلاة معه.

(مسألة ۱٥): يجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليف الميت (٥۳) اجتهادا أو تقليدا- و لا يكفي الإتيان بها على مقتضى تكليف نفسه. فلو كان يجب عليه تكبير الركوع أو التسبيحات الأربع ثلاثا، أو جلسة الاستراحة اجتهادا أو تقليدا، و كان في مذهب الأجير عدم وجوبها، يجب عليه الإتيان بها (٥٤). و أما لو انعكس فالأحوط الإتيان بها أيضا، لعدم الصحة عند الأجير على فرض الترك (٥٥). و يحتمل الصحة إذا رضي المستأجر بتركها. و لا ينافي ذلك البطلان في مذهب الأجير إذا كانت المسألة اجتهادية ظنية، لعدم العلم بالبطلان فيمكن قصد القربة الاحتمالية. نعم، لو علم علما وجدانيا بالبطلان لم يكف، لعدم إمكان قصد القربة (٥٦) حينئذ، و مع ذلك لا يترك الاحتياط.

إن وقعت الإجارة على إتيان العمل الصحيح شرعا، أو وقعت على تفريغ ذمة الميت بنحو ما حكم به الشرع بصحته يكفي الإتيان بالعمل على مقتضى تكليف نفسه لفرض أنّه صحيح شرعيّ، كما أنّه يجزي لو أتى به على وفق تكليف الميت أيضا، لأنّه صحيح شرعيّ أيضا كتكليف نفسه و لو شرط عليه أحدهما يتعيّن عليه ذلك لمكان الشرط.

لو شرط عليه ذلك، و إلا فلا يجب، لأنّ عدم الإتيان بهما أيضا صحيح شرعا.

عدم الصحة عنده لا ينافي الصحة الشرعية بحسب تكليف الميت و المفروض أنّه استؤجر على الإتيان بالعمل صحيحا شرعيا فلا تقييد بشي‏ء، هذا كلّه إذا لم تكن قرينة معتبرة على تعيين أحد التكليفين في البين، و إلا فلا بد من مراعاتها، لأنّه بمنزلة الشرط الذكري.

فتبطل الإجارة أيضا لعدم التمكن من إتيان متعلقها حينئذ، و لكن لو فرض تحقق قصد القربة، كما في صورة الغفلة ثمَّ صادف الواقع صح و استحق الأجرة.

(مسألة ۱٦): يجوز استئجار كلّ من الرجل و المرأة للآخر (٥۷). و في الجهر و الإخفات يراعى حال المباشر (٥۸)، فالرجل يجهر في الجهرية و إن كان نائبا عن المرأة، و المرأة مخيّرة و إن كانت نائبة عن الرجل.

لإطلاق الأدلة، و ظهور تسالم الأجلّة، و أصالة عدم اعتبار المماثلة.

لأنّه المنساق من أدلة وجوب الجهر و الإخفات، بلا فرق فيها بين الأصالة و النيابة.

(مسألة ۱۷): يجوز- مع عدم اشتراط الانفراد- الإتيان بالصلاة الاستيجارية جماعة (٥۹)، إماما كان الأجير أو مأموما لكن يشكل الاقتداء بمن يصلّي الاستئجاري (٦۰). إلا إذا علم اشتغال ذمة من ينوب عنه بتلك الصلاة، و ذلك لغلبة كون الصلوات الاستيجارية احتياطية (٦۱).

للأدلة المرغبة للجماعة في الفرائض الشاملة للقضاء مطلقا، مباشرة أو استنابة.

لعدم إحراز كون صلاة الإمام من الفرائض التي شرعت فيها الجماعة. نعم، لو اقتدى و أتى بالقراءة رجاء و لم يخالف وظيفة المنفرد يؤتى ثواب الجماعة على فرض تصادف الفريضة.

دعوى الغلبة ممنوعة، و الظاهر اختلافها باختلاف الأشخاص،

فمقتضى عدم الإتيان بالصلاة كون القضاء حقيقيا إلا أن يكون ظاهر حال المسلم مقدما على الأصل.

(مسألة ۱۸): يجب على القاضي عن الميت- أيضا- مراعاة الترتيب (٦۲) في فوائته مع العلم به، و مع الجهل يجب اشتراط التكرار المحصّل له (٦۳)، خصوصا إذا علم أنّ الميت كان عالما بالترتيب (٦٤).

هذه المسألة مبنية على اعتبار الترتيب في قضاء الفوائت و لو في غير المترتبتين، و قد تقدم عدم اعتباره. نعم، لو اشترط على الأجير ذلك وجب حينئذ لأجل الشرط.

بناء على وجوب الترتيب واقعا لا ريب في وجوب تحصيله، فيجب الاشتراط مقدمة له.

لأنّ من قال بالوجوب في الترتيب فهذه الصورة متيقنة من اعتبار الترتيب فيها.

(مسألة ۱۹): إذا استؤجر لفوائت الميت جماعة، يجب أن يعيّن الوقت لكلّ منهم، ليحصل الترتيب الواجب. و أن يعيّن لكلّ منهم أن يبدأ في دوره بالصلاة الفلانية، مثل الظهر. و أن يتم اليوم و الليلة في دوره. و أنّه إن لم يتم اليوم و الليلة، بل مضى وقته- و هو في الأثناء- أن لا يحسب ما أتى به، و إلا لاختل الترتيب مثلا: إذا صلّى الظهر و العصر فمضى وقته. أو ترك البقية مع بقاء الوقت، ففي اليوم الآخر يبدأ بالظهر، و لا يحسب ما أتى به من الصلاتين (٦٥).

كلّ ذلك وجوب مقدمي لتحصيل الترتيب، و لا ينحصر تحصيله بما ذكره (قدّس سرّه)، بل يمكن تحصيله بنحو آخر ربما يكون غير الفقيه أبصر.

و حيث أثبتنا عدم وجوب الترتيب فيما سبق، فتسقط هذه الفروع رأسا.

(مسألة ۲۰): لا تفرغ ذمة الميت بمجرد الاستئجار (٦٦) بل يتوقف على الإتيان بالعمل صحيحا. فلو علم عدم إتيان الأجير، أو أنّه أتى به باطلا وجب الاستئجار ثانيا (٦۷). و يقبل قول الأجير بالإتيان به صحيحا (٦۸). بل الظاهر جواز الاكتفاء ما لم يعلم عدمه، حملا لفعله على الصحة إذا انقضى وقته (٦۹). و أما إذا مات قبل انقضاء المدة فيشكل الحال، و الأحوط تجديد استئجار مقدار ما يحتمل بقاؤه من العمل.

لقاعدة الاشتغال، و لأنّ الاستئجار من قبيل التوكيل لتفريغ الذمة، فلا يجزي مع عدم عمل الوكيل. نعم، لو كان من قبيل الضمان الموجب لانتقال الذمة إلى ذمة الضامن تفرغ ذمة المنوب عنه و المضمون عنه و كفى مجرد الاستئجار في ذلك، و لكنه ممنوع عرفا و شرعا.

من مال الميت إن لم يكن تفريط في البين من الوصيّ أو الوليّ، و من مالهما إن كان تفريط منهما.

لجريان السيرة على قبول قول كلّ من استولى على شي‏ء فيما استولى عليه، راجع طهارة الجواهر عند إخبار ذي اليد بالطهارة و النجاسة.

إن كان الشك في صحة عمله و عدمها يحمل على الصحة، انقضى الوقت أم لا. و إن كان الشك في أصل الإتيان به يقبل قوله فيه، لما مرّ، انقضى الوقت أيضا أم لا، فلا أثر لقاعدة الشك بعد الوقت في المقام، مع أنّ جريانها في الشك في عمل الغير، و غير الموقتات الشرعية بالجعل الأولي الشرعي محلّ الكلام، لظهور أدلتها في الاختصاص بذلك و يمكن حمل التزامه الإجاري على الصحة، فإنّ مقتضى التزام المسلم على نفسه الوفاء به، هذا كلّه مع عدم دعوى الخلاف في البين. و أما معه فيشكل القبول، كما في جميع موارد التنازع، فلا بد من إقامة البينة على الإتيان مع الإمكان، و مع العدم فاليمين.

(مسألة ۲۱): لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل إلا مع‏ إذن المستأجر (۷۰)، أو كون الإجارة واقعة على تحصيل العمل، أعمّ من المباشرة و التسبيب، و حينئذ فلا يجوز أن يستأجر بأقلّ من الأجرة المجعولة له، إلا أن يكون آتيا ببعض العمل و لو قليلا (۷۱).

لأنّ هذا تصرف في متعلق حق الغير و لا بد فيه إما من الإذن السابق أو الإجازة اللاحقة، هذا إذا كان مورد الإجارة بعنوان المباشرة. و أما بناء على كون موردها أعمّ من المباشرة و التسبيب، فلا ريب في الجواز حينئذ، لأنّه على هذا من المصاديق الحقيقية لمورد الإجارة فقد تحقق الإذن السابق و يكون الاستئذان الجديد من تحصيل الحاصل، و هو لغو باطل.

على المشهور، لصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

«عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر فيربح فيه. قال عليه السلام: لا، إلّا أن يكون قد عمل فيه شيئا»۳4.

و نحوه غيره، و ظاهره و إن كان العمل في شي‏ء خارجيّ، و لكنّه محمول على المثال، فيشمل مثل المقام أيضا، و يأتي التفصيل في كتاب الإجارة (فصل يكفي في صحة الإجارة) [المسألة ۱] و ما بعدها، فراجع.

(مسألة ۲۲): إذا تبرع متبرع عن الميت قبل عمل الأجير ففرغت ذمة الميت انفسخت الإجارة (۷۲)، فيرجع المؤجر بالأجرة (۷۳)، أو ببقيّتها إن أتى ببعض العمل. نعم، لو تبرّع متبرّع عن الأجير ملك الأجرة (۷٤).

لزوال موضوعها لو علم أنّ عمل المتبرع مسقط للذمة، كما لو استأجره لقلع سنه فسقط السنّ، أو آجره لصبغ دار فانهدمت بحيث لا ينتفع بها أبدا، هذا إذا وقعت الإجارة على تفريغ الذمة. و أما لو وقعت على إتيان الصلاة عنه و لو بحسب مراتب القبول، كما تقدم، فالظاهر عدم انفساخها، لفرض بقاء موضوعها، و الغالب في الإجارات هو الأول، و مع الشك هو المتيقن أيضا لجريان أصالة عدم وقوع الإجارة على النحو الثاني بلا معارض.

أي: المستأجر. و يمكن أن يكون قوله رحمه اللّه: «فيرجع» من باب‏

الأفعال، و حينئذ تكون الباء في قوله: (بالأجرة) زائدة.

مع عدم اعتبار المباشرة، و إلا فترجع الأجرة إلى المستأجر و تفرغ ذمة الميت.

(مسألة ۲۳): إذا تبيّن بطلان الإجارة بعد العمل استحق الأجير أجرة المثل بعمله، و كذا إذا فسخت الإجارة من جهة الغبن لأحد الطرفين (۷٥).

لقاعدة (احترام العمل) التي هي من القواعد النظامية العقلائية و قاعدة: (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده)- التي هي أيضا من القواعد النظامية، كما يأتي تحقيقه في المعاملات- بعد ظهور الإقدام المعاملي في عدم قصد التبرع.

(مسألة ۲٤): إذا آجر نفسه لصلاة أربع ركعات من الزوال من يوم معيّن إلى الغروب، فأخر حتّى بقي من الوقت مقدار أربع ركعات و لم يصلّ صلاة عصر ذلك اليوم، ففي وجوب صرف الوقت في صلاة نفسه أو الصلاة الاستيجارية إشكال (۷٦) من أهمية صلاة الوقت، و من كون صلاة الغير من قبيل حق الناس المقدّم على حق اللّه.

الظاهر تقديم صلاة الوقت، لكثرة ما ورد من الاهتمام بها، و لم يثبت أهمية تقديم حق الناس على حق اللّه مطلقا- حتّى في مثل المقام- كما تقدم، و حينئذ تنفسخ الإجارة لعدم القدرة على إتيان متعلّقها، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي.

(مسألة ۲٥): إذا انقضى الوقت المضروب للصلاة الاستيجارية و لم يأت بها أو بقي منها بقية، لا يجوز له أن يأتي بها بعد الوقت، إلا بإذن جديد من المستأجر (۷۷).

لأنّه غير العمل المستأجر عليه فلا يقع وفاء للعقد الإجاري إلا برضاء من وقع معه العقد من الإذن السابق أو الإجارة اللاحقة.

(مسألة ۲٦): يجب تعيين الميت المنوب عنه (۷۸). و يكفي الإجمالي، فلا يجب ذكر اسمه عند العمل، بل يكفي من قصده المستأجر أو صاحب المال أو نحو ذلك (۷۹).

لأنّ النيابة من العناوين القصدية لا تتحقق إلا بذلك، كما في جميع الأمور المتقوّمة بالقصد.

لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن اعتبار أزيد من ذلك.

(مسألة ۲۷): إذا لم يعيّن كيفية العمل من حيث الإتيان بالمستحبات يجب الإتيان على الوجه المتعارف (۸۰).

لأنّه المنساق من الأعمال النيابية مطلقا إلا مع القرينة المعتبرة على الخلاف، و المفروض عدمها.

(مسألة ۲۸): إذا نسي بعض المستحبات التي اشترطت عليه، أو بعض الواجبات- مما عدا الأركان- فالظاهر نقصان الأجرة بالنسبة (۸۱)، إلا إذا كان المقصود تفريغ الذمة على الوجه الصحيح (۸۲).

اشتراط الشي‏ء تارة: يكون على نحو يكون في عرض سائر الأجزاء التي تقسط عليها الأجرة في المتعارف، فلا إشكال في التقسيط حينئذ.

و أخرى: يكون بنحو الشرط المتعارف، و الظاهر تحقق خيار تخلف الشرط حينئذ لا التقسيط، لفرض كون الشرط خارجا عن حقيقة متعلق الإجارة و ثالثة: يشك في أنّه من أيّهما مع عدم القرينة على أحدهما، و هو ملحق بالثاني، لظاهر سياق الاشتراط.

بأن كان الاشتراط على نحو تعدد المطلوب، فيثبت خيار تخلف‏

الشرط في هذه الصورة أيضا و إن فرغت ذمة المنوب عنه.

(مسألة ۲۹): لو آجر نفسه لصلاة شهر- مثلا- فشك في أنّ المستأجر عليه صلاة السفر أو الحضر، و لم يمكن الاستعلام من المؤجر- أيضا- فالظاهر وجوب الاحتياط بالجمع (۸۳). و كذا لو آجر نفسه لصلاة، و شك أنّها الصبح أو الظهر- مثلا- وجب الإتيان بهما.

لقاعدة الاشتغال المقتضية للاحتياط. و لكن ظاهرهم الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الماليات عند الدوران بين المتباينين، و يؤيده قاعدة:

نفي الضرر، فيرجع في التعيين إلى القرعة حينئذ. و كذا لو آجر نفسه لعبادة و ترددت بين الصوم و الصلاة، و كذا لو علم الوصيّ بأنّ الميت أوصى بعبادة و لم يعلم أنّها صوم أو صلاة، و كذا لو اجتمع عند الحاكم أموال للعبادات الاستيجارية و لم يعلم أيّ عبادة هي، و المسألة سيالة في موارد كثيرة.

(مسألة ۳۰): إذا علم أنّه كان على الميت فوائت و لم يعلم أنّه أتى بها قبل موته أو لا، فالأحوط الاستئجار عنه (۸٤).

مقتضى عدم الإتيان وجوبه على الوليّ مباشرة أو تسبيبا، و إن لم يكن له وليّ و كان له مال و قلنا بوجوب إخراج الواجبات البدنية من أصل التركة، كما هو مختاره (قدّس سرّه). وجب الإخراج. و إن لم نقل بذلك- كما هو المختار- فلا بأس بترك هذا الاحتياط. و لعل منشأ تردده (قدّس سرّه) احتمال جريان أصالة الصحة، و ظهور حال المسلم، و يأتي نظير المقام في المسألة الخامسة من كتاب الزكاة (ختام فيه مسائل متفرقة). و في [المسألة ۱۰٥] من كتاب الحج، و [المسألة ۱] من فصل (الوصية بالحج)، فراجع تجد اختلاف نظر الماتن (قدّس سرّه).

فروع- (الأول): مقتضى الأصل عدم وجوب قضاء الأجزاء المنسية بعد الموت، و كذا قضاء سجدتي السهو، و إن كان الأحوط القضاء خصوصا في الأولى.

(الثاني): لو دار الأمر بين إتيان القضاء مع العذر في زمان الحياة، و الوصية بالصلاة الاختيارية بعد الموت. مقتضى أصالة وجوب القضاء عدم سقوطه، و كذا لو علم أنّ الوليّ يأتي به تام الأجزاء و الشرائط.

(الثالث): تجب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت، لأنّ الواجبات الموسعة تتضيق بالموت، و مقتضى استصحاب بقاء التضييق هو الفورية، و يأتي في [المسألة ۹٦] من كتاب الحج ما ينفع المقام.

(الرابع): قد ذكروا في نيابة الحج أنّه يعتبر في النائب الإيمان و لم يتعرّضوا له في المقام، و كذا في الصوم و نحوه من سائر العبادات، فهل يعتبر في النائب مطلقا الإيمان بالمعنى الأخص لبطلان عبادات غيره على المشهور، أو لا يعتبر للأصل من أنّ بطلان عباداته لنفسه لا يستلزم البطلان عن غيره بعد أن اشترط عليه الإتيان بها على طريقة المنوب عنه؟ وجهان.

(الخامس): مقتضى الأصل، و الإطلاق و العموم جواز نيابة المؤمن الاثني عشري عن المخالفين في إتيان عباداتهم.

(السادس): لو عيّن الميت شخصا خاصا لإتيان عباداته يتعيّن، و لكن لو تبرع عن الميت متبرع تبرأ ذمته و يسقط موضوع التعيين.

(السابع): لو أوصى بأن لا يستناب عنه الشخص الخاص، و تبرع ذلك الشخص عنه، فهل تفرغ ذمته أو لا؟ لا يبعد الأول إذا كان العمل جامعا للشرائط، لأنّ الإجزاء قهريّ خارج عن قدرته و اختياره، و مجرد الشك في أنّ نهيه من النهي في العبادة يكفي في عدم الفساد، و لو استؤجر هذا الشخص في الفرض و كان الأجير جاهلا بالحال و أتى بالعمل جامعا للشرائط، لا يبعد الإجزاء أيضا، و تستحق أجرة المثل على المستأجر.

(۱) راجع الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الاحتضار.

(۲) سورة ۲ لنجم: ۳۹.

(۳) البحار ج: ۲ باب: ۸ ثواب الهداية و التعليم حديث: ٦٥ من الطبعة الحديثة.

(٤) انظر الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الاحتضار و باب: ۱۲ من أبواب قضاء الصلوات، و باب: ۲۳ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٥) تقدم بعض المصادر في كتاب الطهارة و في هنا أيضا.

(٦) سورة النجم: ۲۹.

(۷) البحار ج: ۲ باب: ۸ من أبواب ثواب الهداية و التعليم حديث: ٦٥.

(۸) الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الاحتضار حديث: ۳.

(۹) مستدرك الوسائل باب: ۱۳ من أبواب النيابة في الحج حديث: ٦.

(۱۰) الوسائل باب: ۱۱ من أبواب صفات القاضي حديث: 4۰.

(۱۱) سورة البقرة: ۱4۸.

(۱۲) الوسائل باب: ۱۲ من أبواب قضاء الصلوات حديث: ۳۹.

(۱۳) راجع الوسائل باب: ۲٥ من أبواب النيابة في الحج.

(۱٤) الوسائل باب: ۱۲ من أبواب القضاء حديث: ۱.

(۱٥) الوسائل باب: ۱۲ من أبواب القضاء حديث: ۱٦.

(۱٦) سورة الأنفال الآية: ۲۰.

(۱۷) الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الوصية حديث: ۱.

(۱۸) الوسائل باب: ۱۲ من أبواب القضاء حديث: ۲٦.

(۱۹) مستدرك الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۲.

(۲۰) الوسائل باب: ٦۱ من أبواب المواقيت حديث: ۹.

(۲۱) مستدرك الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الحج و شرائطه حديث: ۳.

(۲۲) راجع الوسائل باب: ۳۳ من أبواب الوصية.

(۲۳) انظر الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الأشربة المحرمة.

(۲٤) انظر الوسائل باب: ۳ من أبواب ما يجب فيه الزكاة.

(۲٥) سورة المائدة: ۲۷.

(۲٦) الوسائل باب: ۱۸ من أبواب السجود حديث: ۱.

(۲۷) سورة الحج: ۷۸.

(۲۸) راجع الوسائل باب: ۸ من أبواب مقدمة العبادات.

(۲۹) مستدرك الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الاحتضار حديث: ۱۳.

(۳۰) الوسائل باب: ۲۳ من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: ۱۲.

(۳۱) راجع الوسائل باب: ۱۸ من أبواب مستحقي الزكاة.

(۳۲) الوسائل باب: ۲۱ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۲.

(۳۳) تقدم في صفحة: 4۰.

(۳٤) الوسائل باب: ۲۳ من أبواب كتاب الإجارة حديث: ۱.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"