1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الصلاة
  10. /
  11. فصل في القراءة
يجب في صلاة الصبح و الركعتين الأولتين من سائر الفرائض قراءة سورة الحمد (۱)، و سورة كاملة (۲). غيرها (۳)، بعدها (٤) إلا في المرض و الاستعجال (٥)، فيجوز الاقتصار على الحمد، و إلا في ضيق الوقت أو الخوف و نحوهما من أفراد الضرورة (٦)، فيجب الاقتصار عليها و ترك السورة، و لا يجوز تقديمها عليها (۷)، فلو قدّمها عمدا بطلت الصلاة للزيادة العمدية إن قرأها ثانيا (۸) و عكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها، و لو قدّمها سهوا و تذكر قبل الركوع أعادها بعد الحمد، أو أعاد غيرها (۹) و لا يجب عليه إعادة الحمد إذا كان قد قرأها (۱۰).

بضرورة المذهب، بل الدّين، و نصوص كثيرة، كصحيح ابن مسلم:

«عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال عليه السلام: لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات»۱.

و خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أمّ القرآن، قال عليه السلام: إن كان لم يركع فليعد أمّ القرآن»۲.

و موثق سماعة: «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال عليه السلام: فليقل: أستعيذ باللّه من الشيطان الرّجيم إنّ اللّه هو السميع العليم ثمَّ ليقرأها ما دام لم يركع، فإنّه لا صلاة له حتّى يقرأ بها في جهر أو إخفات، فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء اللّه تعالى»۳.

و معهودية موضعها في الشريعة خلفا عن سلف أغنى عن التعرض له في الأدلة، و تأتي بعض الأخبار من أنّ القراءة سنة. و المراد بها ما ثبت وجوبه بغير الكتاب.

لما استدل عليه بالإجماع و النصوص:

منها: معتبرة الهمداني قال: «كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم في صلاته وحده في أم الكتاب فلما صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي: ليس بذلك بأس، فكتب بخطه: يعيدها مرّتين على رغم أنفه، يعني العباسي»4.

و فيه: أنّ دلالته على جزئية البسملة للسورة ظاهرة. و أما الدلالة على وجوب سورة كاملة في الصلاة فلا، و الظاهر من الإعادة إعادة البسملة.

و منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء الصلاة التطوع بالليل و النهار»٥.

و فيه: أنّ مفهوم الوصف ليس بحجة، و يمكن أن يكون لأجل تأكد الاستحباب بالنسبة إلى غير المريض و عدم التأكد بالنسبة إليه. و يشهد له ذيله فإنّ السورة ليست بواجبة في النافلة مطلقا. نعم، هي مندوبة مؤكدا في أدائها، و لا تكون بذاك التأكيد في القضاء.

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا»٦.

و فيه: أنّ الاستدلال به للندب أولى منه للوجوب، لأنّ السياق سياق المندوبات، و قد تقدم نظير هذا التعبير في ترك الأذان مع الاستعجال‏۷.

و منها: صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمت للصلاة أقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في فاتحة الكتاب؟ قال عليه السلام: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن اقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم مع السورة، قال‏

عليه السلام: نعم»۸.

و فيه: أنّ دلالته على جزئية البسملة للفاتحة و السورة واضحة. و أما الدلالة على وجوب إتيان سورة كاملة في الفريضة فلا.

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الوارد في المأموم المسبوق: «قرأ في كلّ ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب»۹.

و فيه: أنّ استفادة مشروعية السورة التامة منه لا ريب فيه. و أما الوجوب فلا دلالة فيه، و مثله قول أحدهما عليهما السلام في صحيح محمد: «لكلّ سورة ركعة»۱۰.

فإنّه أعم من الوجوب كما لا يخفى.

و منها: صحيح معاوية بن عمّار: «من غلط في سورة فليقرأ (قل هو اللّه أحد) ثمَّ ليركع»۱۱.

و فيه: أنّه في مقام بيان إجزاء سورة قل هو اللّه أحد عما غلط فيه و لا يدل على وجوب سورة كاملة في كلّ ركعة.

و منها: صحيح ابن بزيع قال: «سألته قلت: أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أ يصلّي المكتوبة على الأرض، فيقرأ أمّ الكتاب وحدها أم يصلّي على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟ قال: إذا خفت فصلّ على الراحلة المكتوبة و غيرها، و إذا قرأت الحمد و السورة أحب إليّ و لا أرى بالذي فعلت بأسا»۱۲.

بدعوى: أنّه لو لا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك القيام.

و فيه: أنّ ترك القيام إنّما هو لأجل الخوف وجبت السورة أولا، مع أنّ ذيله ظاهر في الصلاة المستحبة.

و منها: ما عن ابن شاذان، عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيّعا، و ليكون محفوظا مدروسا فلا يضمحل و لا يجهل، و إنّما بدأ بالحمد دون سائر السور- الحديث»۱۳.

و فيه أولا: أنّه يمكن أن يكون المراد بالقراءة خصوص الحمد. و ثانيا:

أنّه في مقام بيان أصل التشريع لكلّ من الوجوب و الندب.

و منها: غير ذلك مما استدل به على الوجوب القاصر سندا أو دلالة مع أنّ الجميع معارض بأخبار ظاهرة في الاقتصار على الفاتحة وحدها في الفريضة و بعضها صريحة في جواز الاقتصار على بعض السورة، كصحيح ابن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سمعته يقول: إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة»۱4.

و عنه عليه السلام أيضا في صحيح الحلبي: «إنّ فاتحة الكتاب تجزي وحدها في الفريضة»۱٥.

و صحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟ فقال يقرأ الحمد ثمَّ يقرأ ما بقي من السورة»۱٦.

و صحيح زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته، أو يدع تلك السورة و يتحوّل منها إلى غيرها، فقال: كلّ ذلك لا بأس به، و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع»۱۷.

و صحيح إسماعيل بن الفضل قال: «صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام أو

أبو جعفر عليه السلام فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة، فلما سلّم التفت إلينا فقال: أما إنّي أردت أن أعلّمكم»۱۸.

و مثله عن سليمان بن أبي عبد اللّه قال: «صلّيت خلف أبي جعفر عليه السلام فقرأ بفاتحة الكتاب و آي من البقرة فجاء أبي فسئل فقال: يا بني إنّما صنع ذا ليفقهكم و يعلمكم»۱۹.

و صحيح ابن يقطين قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن تبعيض السورة فقال: أكره و لا بأس به في النافلة»۲۰.

و مثلها جملة أخرى من الأخبار و أحسن طريق للجمع بين الطائفتين من الأخبار حمل الأولى على الاستحباب و هو الجميع الشائع في الفقه، و حمل الثانية على الضيق و الاستعجال بعيد عن سياقها.

و يمكن المناقشة في الشهرة، و دعوى الإجماع بأنّهما اجتهاديان حصلا مما بأيدينا من الأخبار لا أن يكون مستندين إلى ما خفي علينا. و أما حمل الطائفة الثانية على التقية، فهو فرع تمامية دلالة الطائفة الأولى و تقدم عدمها. و أما التمسك للوجوب بقاعدة الاحتياط، فهو مبنيّ على أنّها المرجع في الدوران بين الأقلّ و الأكثر و قد ثبت في محلّه أنّ المرجع فيه البراءة دون الاحتياط و لذا اختار صاحب المدارك عدم وجوب السورة الكاملة إلّا أن يقال إنّ كون الإكمال من شعار الخاصة قديما و حديثا بحيث عرفوا به و كون التبعيض من شعار غيرهم، و إعراض المشهور عن الطائفة الثانية، و موافقتها للعامة يوجب الوهن فيها، فما هو المشهور هو المعوّل عليه و المنصور.

للإجماع عن كلّ من قال بوجوب سورة كاملة، و لظواهر ما مر من النصوص.

لما تقدم في سابقة من الإجماع، و ظواهر النصوص.

للنص، و الإجماع فيهما، قال أبو عبد اللّه عليه السلام في خبر ابن سنان: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها- الحديث-»۲۱.

و عن الصيقل قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام أ يجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شي‏ء، فقال: لا بأس»۲۲.

و المراد بقوله مستعجلا ما إذا كان مستعجلا قبل الشروع في الصلاة، و المراد بقوله أو أعجلني ما إذا حدثت العجلة حين الصلاة.

فروع- (الأول): لا ريب في السقوط إذا انطبقت الضرورة الفعلية على الاستعجال و العجلة، و كذا الخوف من حدوث ضرر نفسيّ أو عرضيّ، أو ماليّ، بل هما مستقلان و من موجبات السقوط كما يأتي، و إذا كان الاستعجال لدرك الأمور الراجحة كعيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو حضور بحث فقه أو تعلم علم القرآن و نحو ذلك مما هو راجح دينا، أو دنيويا، ففي السقوط وجهان، مقتضى الجمود على الإطلاق هو الأول.

(الثاني): الظاهر أنّ المدار على تحقق الاستعجال في نظر المصلّي سواء كان في الواقع متحققا أم لا، فالمقام يكون نظير حصول الخوف.

(الثالث): السقوط رخصة لا عزيمة، لأصالة عدم تحقق خصوصية العزيمة.

(الرابع): لو دار الأمر في الاستعجال بين ترك أصل السورة أو التبعيض، مقتضى قاعدة الميسور تقديم الثاني.

(الخامس): لا فرق في الاستعجال بين إحرازه وجدانا أو إخبار من يعتمد على قوله لموجب الاستعجال.

أما في ضيق الوقت، فلظهور الإجماع، و قصور أدلة تشريعها عن شموله، و لأهمية درك الوقت عن مثل هذا الواجب، و دليل من أدراك يشمل مورد الفوات لا التفويت، مع إمكان شمول إطلاق دليل الاستعجال له أيضا، و كذا ما ورد في المأموم المسبوق‏۲۳.

و أما الخوف، فلما عن أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح الحلبي: «لا بأس بأن يقرأ الرجل بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا»۲4.

و أما سائر الضرورات، فلظهور الإجماع، و إمكان استفادته مما ورد في الاستعجال بالأولوية.

إجماعا، بل ضرورة، و لظواهر النصوص المتقدمة.

استدل للبطلان تارة: بإطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»۲٥. و أخرى: بأنّه من القرآن الموجب للبطلان.

و ثالثة: بأنّه من خلاف الترتيب الظاهر دليله في المانعية، و رابعة: بأنّه محرّم و كلّ محرّم في الصلاة موجب لمحو صورتها، و خامسة: بأنّه حينئذ من كلام الآدميين، فتبطل الصلاة من هذه الجهة، و سادسة: بأنّه من التشريع الموجب للبطلان.

و يمكن الخدشة في الكلّ:

أما الأول، فلتفسير الزيادة المبطلة في بعض الأخبار بالركعة۲٦ فيشكل‏

التمسك بإطلاق: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» للبطلان من هذه الجهة، و مقتضى الأصل الصحة و عدم المانعية.

و أما الثاني: فممنوع صغرى و كبرى و يأتي التفصيل في [المسألة ۱۱].

و أما الثالث: فلأنّ غايته بطلان نفس السورة المتقدمة و عدم انطباق الجزئية للصلاة عليها، و أما كونها موجبة لبطلان أصل الصلاة فهو أول الدعوى.

و أما الرابع: فعهدة إثباته على مدعيه في السورة التي هي من القرآن، و لا إشكال في جواز قراءته في الصلاة مطلقا.

و أما الخامس: فبطلانه غنيّ عن البيان فيما ينطبق عليه قراءة القرآن.

و أما السادس: فهو مسلّم إن أوجب فقد قصد القربة في أصل الصلاة و إلّا فلا وجه لبطلانها. نعم، يمكن أن يبطل نفس الجزء المشرع فيه، مع أنّ تعمد التقديم أعمّ من قصد التشريع قطعا و لذا ذهب الأردبيلي و من تبعه إلى الصحة، و لكن الحق هو البطلان كما صرّح به الفاضل و الشهيدان، بل يظهر من الأكثر، لأنّ الصلاة مع هذا التعمد من مظاهر التجرّي على المولى و الاستهانة بأمره، و ما كان كذلك لا يصلح للتقرب به إليه، و الوجوه المذكورة و إن أمكنت المناقشة فيها، لكن جميعها يصلح للتأييد و الاستشهاد، مع أنّه قد أرسل جمع من الأساطين بطلان الصلاة- بالزيادة العمدية مطلقا- إرسال المسلّمات بحيث يستدل به لا عليه.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق قولهم بأنّ الزيادة العمدية توجب البطلان عدم الفرق بين الفريضة و النافلة، و لكنه مشكل مع كثرة التسامح و التساهل في النافلة كما يأتي- في (فصل جميع الصلوات المندوبة)- من وجوه الفرق بين الفريضة و النافلة و يمكن أن يستفاد من الأدلة أنّ النافلة بالنسبة إلى السورة لا اقتضاء من حيث قراءتها و عدم القراءة، و من حيث الوحدة و التعدد، و التقديم و التأخير، إلّا بعض صلوات خاصة تعتبر فيها سورة مخصوصة و يأتي في المسائل الآتية ما يشهد لما قلناه.

أما صحة الصلاة، فلحديث «لا تعاد»، و خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثمَّ ذكر بعد ما فرغ من السورة، قال يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل»۲۷.

و أما وجوب إعادة السورة أو غيرها، فلإطلاق دليل وجوب قراءة السورة الشامل لهذه الصورة.

للأصل، و إطلاق دليل الإجزاء بالفاتحة الملحوقة بالسورة المأتي بها سهوا. نعم، لو دل دليل على أنّ من شرط الإتيان بالفاتحة أن لا تتقدمها سورة و لو سهوا لوجب إعادة الفاتحة لوقوعها باطلة حينئذ، و لكنه لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل الأصل و الإطلاق على خلافه.

(مسألة ۱): القراءة ليست ركنا (۱۱)، فلو تركها و تذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة (۱۲) و سجد سجدتي السهو مرتين (۱۳): مرة للحمد، و مرة للسورة، و كذا إن ترك إحداهما و تذكر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة و سجد سجدتي السهو (۱٤)، و لو تركهما أو أحدهما و تذكر في القنوت أو بعده قبل الوصول إلى حد الركوع رجع و تدارك، و كذا لو ترك الحمد و تذكر بعد الدخول في السورة رجع و أتى بها، ثمَّ بالسورة (۱٥).

للإجماع، و النصوص:

منها: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «إنّ اللّه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود، و القراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة و من نسي القراءة فقد تمت صلاته و لا شي‏ء عليه»۲۸ و عن و قريب منه غيره.

و يدل عليه حديث «لا تعاد»۲۹ أيضا.

إجماعا و نصّا۳۰ و يأتي التفصيل في [مسألة ۱۸] من (فصل الخلل الواقع في الصلاة).

أما أصل وجوب سجدتي السهو، فمبنيّ على وجوبهما لكلّ زيادة و نقيصة مطلقا و يأتي في (فصل موجبات سجود السهو) عدم الدليل على هذا الإطلاق و إن كان أحوط، و أما كونها مرّتين فمبنيّ على عدّ ترك كلّ واحدة من الفاتحة و السورة نقيصة مستقلة حتّى مع وحدة السهو، لكنّه ممنوع، لما يأتي- في [مسألة ۲] من الفصل المزبور- أنّ المدار على وحدة السهو و المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، لأنّ وجوب سجدتي السهو مرة واحدة معلوم و الشك في الزائد و المرجع البراءة بعد قصور الدليل عن إثباته.

ظهر حكمه مما تقدم في سابقة.

كلّ ذلك لما تسالموا عليه من أنّ فوت محلّ المنسيّ لا يتحقق إلّا بالدخول في الركن اللاحق و لا أثر للدخول في الجزء اللاحق في ذلك واجبا كان أو مندوبا ما لم يكن ركنا و إنّما يكون له الأثر بالنسبة إلى الشك فقط، فلا يجب الاعتناء بالمشكوك مع الدخول في الجزء اللاحق أيّ جزء كان، لقاعدة التجاوز.

و أما الترك نسيانا، فمقتضى الأصل و الإطلاق وجوب الإتيان به إلّا فيما هو المعلوم من مورد السقوط و يأتي في [مسألة ۱۸] من (فصل الخلل الواقع في الصلاة) ما ينفع المقام.

(مسألة ۲): لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال (۱٦)، فإن قرأه عامدا بطلت صلاته (۱۷) و إن لم يتمه إذا كان من نيته الإتمام حين الشروع (۱۸) و أما إذا كان ساهيا فإن تذكر بعد الفراغ أتم‏ الصلاة و صحت (۱۹)، و إن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضا (۲۰) و لا يحتاج إلى إعادة سورة أخرى (۲۱)، و إن تذكر في الأثناء عدل إلى غيرها إن كان في سعة الوقت (۲۲)، و إلا تركها ركع و صحت الصلاة (۲۳).

على المشهور، بل ظاهرهم عدم الخلاف فيه إلّا عن بعض المتأخرين و استدل عليه‏ أولا: بقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تقرأ في الفجر شيئا من آل حم»۳۱.

و عنه عليه السلام أيضا: «من قرأ شيئا من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت»۳۲.

فيستفاد منهما عدم جواز قراءة ما يوجب تفويت الوقت. و فيه: مضافا إلى قصور سندهما قصور دلالتهما أيضا، لأنّ الحرمة المستفادة منهما إما نفسية أو وضعية بمعنى المانعية، أو إرشادية محضة إلى عدم جواز تفويت الوقت، و الظاهر منهما هو الأخير خصوصا الخبر الثاني، فيصير من صغريات مسألة الضد و قد تقرر في محلّه أنّ الأمر بالشي‏ء لا يقتضي النهي عن ضده، فلا تصير الصلاة مبغوضة حتّى تكون باطلة، و لكن يمكن استفادة المانعية- كما هو ظاهر الفقهاء- من مثل هذه الأخبار، مع أنّه لم يستشكل على الخبرين من هذه الجهة و مناسبة الحكم و الموضوع تشهد لها أيضا.

و ثانيا: بأنّها من الزيادة المبطلة. و فيه: منع صدق الزيادة عليها و لا أقلّ من الشك في ذلك فلا يصح التمسك بإطلاق دليل الزيادة حينئذ.

و ثالثا: بأنّه من التشريع المبطل. و فيه: أنّه يتم فيما إذا قصد خصوص الأدائية و لم يدرك ركعة من الوقت لا فيما إذا أدرك ركعة منه أو قصد أصل الصلاة و لم يقصد الأدائية.

و رابعا: بالإجماع. و فيه: الإشكال المعروف من عدم الاعتماد على الإجماع المنقول، و لكن يمكن أن يقال: إنّ ظهور التسالم عليه بين القدماء و ورود النص المعمول عندهم، بل و استنكار المصلّين لذلك يكشف عن عدم‏

رضاء الشارع به أيضا، فيستكشف من ذلك كلّه مبغوضية إتيان ما يفوت به الوقت لدى الشارع، فلا يكون النهي إرشادا محضا، بل يكون للمانعية كما هو المنساق من مثل هذه الأخبار.

نسب ذلك إلى الأصحاب و استدل عليه تارة: باستفادة المانعية مما تقدم من الخبرين و أشكل عليه بما مر من التأمل في الجزم بها.

و أخرى: بأنّه مأمور بالسورة القصيرة، فإن اقتصر على الطويلة، فهو من نقص الجزء، و إن أتى بالقصيرة فهو من القرآن المبطل كما يأتي في [مسألة ۱۰]. و فيه: أنّ البطلان بالقرآن محلّ إشكال خصوصا في مثل المقام الذي يتوسل به إلى إدراك الوقت.

و ثالثة: بعدم الأمر بالسورة المقروءة، لامتناع التكليف بما لا يسعه الوقت، فيكون الإتيان به بعنوان الجزئية من الزيادة المبطلة. و فيه: ما تقدم من عدم انطباق الزيادة المبطلة على مثل المقام، فراجع مع كفاية ملاك المحبوبية في الإتيان بها، و لكن يمكن أن‏ يقال: إنّ تفويت الصلاة و لو ببعضها عمدا و اختيارا كأن يؤتى به بعنوان الجزئية يجعل نفس الصلاة مبغوضة لدى الشارع، فلا تصلح للتقرب بها إليه تعالى.

لأنّ ما أتى به مع هذا القصد مبغوض، و اشتمال الصلاة على مثل هذا القصد المبغوض من حيث هو داخل الصلاة و من مقوّماتها يوجب مبغوضيتها، فلا يصلح للتقرب بها، مع أنّه بناء على استفادة المانعية كما هو المتسالم عليه لديهم لا فرق فيها بين التمام و بين ما إذا أتى بالبعض بقصد الإتمام هذا إذا كان من قصده الإتمام. و أما إذا قصد إتيان بعضها لإتمامها أو لم يكن متوجها إلى هذه الجهة أصلا، و قرأ سورة قصيرة أخرى مع إدراك تمام الوقت، فلا وجه للبطلان لا من جهة القرآن، لأنّه فيما إذا جمع بين تمام السورتين و لا من جهة العدول، لما

يأتي في [مسألة ۱۹]. نعم، يشكل من حيث الزيادة العمدية بناء على شمول دليل الزيادة لمثل المقام.

لسقوط النهي عن الفعلية لأجل العذر، و المقتضي للجزئية موجود و المانع عنها مفقود، فتكون السورة المأتي بها جزءا لا محالة، هذا بناء على كون النهي إرشادا إلى عدم تفويت الوقت. و أما بناء على استفادة المانعية و عدم اختصاصها بحال العمد فتبطل الصلاة حينئذ، لكن مقتضى حديث «لا تعاد» الصحة إن حصل قصد الامتثال الأدائي إلّا أن يكون من الخطإ في التطبيق فيرجع إلى قصد الأمر الفعلي. ثمَّ إنّه بناء على المانعية، كما هو ظاهر المشهور لا تقع السورة المأتي بها جزءا للصلاة و إن كان معذورا في تفويت الوقت لأجل السهو و الغفلة و لا يجب عليه إتيان سورة أخرى لأجل الضيق و الاستعجال، إلّا أن يقال:

إنّ المانعية مختصة بحال العمد و الالتفات فلا موضوع لها مع الغفلة و السهو، و لا يبعد ذلك بالنسبة إلى المتيقن من الدليل، هذا و أما ما يقع من الركعات خارج الوقت فيجب عليه إتيان السورة- طويلة كانت أو قصيرة- لإطلاق الأدلة- ثمَّ إنّ المراد بقوله: «بعد الفراغ» أعم من فراغ السورة أو الصلاة.

إن قصد الأمر الفعلي، أو قصد الأمر الأدائي مع الخطأ في التطبيق.

و أما لو قصد الأمر الأدائي تقييدا فلا وجه للصحة، إذ لا تمكن معه من الامتثال، و حيث إنّ الظاهر من حال المصلين قصد الأمر الفعلي أطلق (قدس سره) الصحة، مع أن التقييد تكليف زائد منفي بالأصل عند الشك فيه.

لما تقدم من أن الاستعجال و ضيق الوقت عن الإتيان بالسورة مما يوجب جواز تركها.

(۲۲) لإطلاق أدلة وجوب السورة بعد عدم التمكن من إتمام ما أتى به من‏

السورة، لأنّه يوجب تفويت الوقت، و أدلة حرمة العدول لا تشمل المقام، لما يأتي في [مسألة ۱۹].

لسقوط السورة مع الضيق، كما تقدم.

(المسألة ۳): لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة (۲٤) فلو قرأها عمدا استأنف الصلاة (۲٥)، و إن لم يكن قرأ إلا البعض و لو البسملة أو شيئا منها (۲٦) إذا كان من نيته حين الشروع‏ الإتمام، أو القراءة إلى ما بعد آية السجدة، و أما لو كان قرأها ساهيا فإن تذكر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة أخرى (۲۷)، و إن كان قد تجاوز النصف (۲۸)، و إن تذكر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام، فإن كان قبل الركوع فالأحوط إتمامها (۲۹) إن‏ كان في أثنائها، و قراءة سورة غيرها بنية القربة المطلقة (۳۰) بعد الإيماء إلى السجدة (۳۱)، أو الإتيان بها، و هو في الفريضة ثمَّ إتمامها و إعادتها من رأس (۳۲). و إن كان بعد الدخول في الركوع و لم يكن سجد للتلاوة فكذلك أومأ إليها، أو سجد و هو في الصلاة، ثمَّ أتمها و أعادها (۳۳) و إن كان‏ سجد لها نسيانا أيضا، فالظاهر صحة صلاته و لا شي‏ء عليه (۳٤)، و كذا لو تذكر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضا نسيانا، فإنّه ليس عليه إعادة الصلاة حينئذ (۳٥).

البحث في هذه المسألة تارة بحسب الأصول العملية، و أخرى بحسب إطلاقات الأدلة، و ثالثة بحسب الأدلة الخاصة، و رابعة بحسب كلمات فقهاء الإمامية.

أما الأول: فهي من موارد الشك في أصل الحرمة التكليفية و في المانعية، و مقتضى البراءة العقلية و النقلية عدمهما لو لم تتم الأدلة المانعية.

و أما الثاني: فمقتضى الإطلاقات الجواز تكليفا و وضعا لو لم تتم الأدلة الخاصة.

و أما الثالث: فهي عبارة عن صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام: «لا تقرأ في المكتوبة بشي‏ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»۳۳.

و موثق سماعة قال: «من قرأ (اقرأ باسم ربك) فإذا ختمها فليسجد- إلى أن قال-: و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع»۳4.

و بإزاء هذه الأخبار ما ظاهره الجواز، كخبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها أو يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال عليه السلام: يسجد ثمَّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة»۳٥.

و قريب منه خبره الآخر عن أخيه عليه السلام أيضا: «سألته عن امام يقرأ

السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يقدم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف و قد تمت صلاتهم»۳٦.

و مجموع هذه الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض لا نستفيد منها أزيد من الكراهة، كما هو سيرة المحققين من الفقهاء في استفادة الحكم من سنخ هذه الأخبار في جميع أبواب الفقه، فلا يستفاد منها الحرمة. و لكن أسقط القسم الثاني من الأخبار موافقته للعامة و مخالفته للمشهور فلا تصلح للمعارضة فيتعيّن الأخذ بمفاد القسم الأول.

و أما الرابع فادعى جمع من الفقهاء الإجماع على الحرمة، و أرسلوها إرسال المسلّمات الفقهية في كلّ طبقة من غير نقل خلاف إلّا ممن لا يعتد بخلافه، فلا إشكال فيها من هذه الجهة.

لظاهر النهي المقتضي للفساد، لأنّه إن اكتفى بها لم يأت بالسورة الواجبة لتقييدها بغير العزيمة، و إن أتى بسورة أخرى فهو من القرآن، و لأنّ قراءة العزيمة توجب السجود في الصلاة و هو من الزيادة الموجبة للبطلان.

و الكل قابل للخدشة، لإمكان أن يكون النهي إرشادا إلى اختيار غيرها من السور، و شمول دليل القرآن لمثل المقام مما وقعت السورة المأتي بها باطلة ممنوع: مع أنّه لا دليل على حرمة أصل القرآن، كما يأتي، و الزيادة المبطلة ما كانت بقصد الجزئية و المفروض عدمها، و لذا لم يصرّح بالبطلان قبل الفاضل إلّا ابن إدريس، مع تطابقهم على أصل الحرمة، كما مر.

هذا، و لكن الظاهر أنّ الصلاة المشتملة على المحرم الداخلي مما لا يصلح للتقرب بها، و أنّها من مظاهر عدم المبالاة بالدين و عدم الاعتناء به، كما أنّ الظاهر من عدم تعرض المتقدمين للبطلان كان لأجل مفروغيته عندهم لا لتشكيك فيه، مع أنّ مثل هذه النواهي ظاهرة في المانعية إلّا مع القرينة على

الخلاف، و لكن يظهر من التنقيح الإجماع على البطلان فيما إذا سجد، فيستفاد منه عدم البطلان فيما إذا لم يسجد و إن فعل حراما، فالجزم بالبطلان مع عدم فعل السجدة مشكل إن لم يكن ممنوعا.

فرع: لا ريب في كون سجود التلاوة فوريّا، لكن بالفورية العرفية فلو قرأ سورة أخرى- مثلا- و ركع ثمَّ سجد للصلاة، و جعل بعض سجوده الصلاتي للتلاوة أتى به فورا، و لم يأت بما ينافي الصلاة، كما لم يأت بسجدة مستقلا حتّى تكون زيادة في المكتوبة و ينطبق عليها ذلك.

نعم، السجدة الصلاتية تنحل إلى جزءين جزء منها للصلاة، و جزء منها للتلاوة، و الشك في شمول الأدلة المانعة لهذه الصورة يكفي في عدم الشمول فالمرجع أصالة الصحة و عدم المانعية، و لم أر هذا الفرع في كلماتهم.

البحث في هذه المسألة يقع تارة بحسب الأصل. و أخرى بحسب الإطلاق. و ثالثة بحسب الأدلة الخاصة. و رابعة بحسب الكلمات.

أما الأول‏ فمقتضى الأصل عدم الحرمة في غير معلوم الحرمة، و هو مقتضى إطلاقات قراءة العزيمة أيضا.

و أما الأدلة الخاصة، فهي على أقسام:

منها: قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «لا تقرأ في المكتوبة بشي‏ء من العزائم، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة».

و قوله عليه السلام في خبر عمّار: «و ربما قرءوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها، فكيف يصنع؟ قال عليه السلام: لا يسجد»۳۷.

بدعوى: ظهورها في قراءة مطلق الآية منها. و يرد عليه أولا: أنّ الأخير ظاهر، بل نصّ في خصوص آية السجدة بقرينة: «فلا يسجدون»، و أنّهم لا

يواظبون على قراءة تمام السورة.

و ثانيا: لفظ العزائم مردد بين أن يراد بها خصوص آية السجدة أو تمام السورة، و الأول معلوم و الأخير مشكوك، و لا ريب في أنّ لجميع تلك السور أسماء خاصة معروفة من أول جمع القرآن، فلو كانت قراءة مطلق الآية منها محرمة لوجب أن يقال: لا تقرأ بشي‏ء من سورة (اقرأ) مثلا، و هذه قرينة على أنّ المراد خصوص آية العزيمة لا مطلق آياتها.

و ثالثا: قد وقع التعبير بلفظ السجدة في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة- الحديث»۳۸.

و في خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد- الحديث-۳۹.

و ظهور لفظ السجدة في خصوص آيتها مما لا ينكر، و كذا ظهور قوله عليه السلام: «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»4۰.

و هذا التعليل يخصص لفظ العزائم بخصوص آية السجدة، كما هو شأن العلة، فتضيق تارة و توسع أخرى فيقيد بها سائر الأخبار لو فرض ثبوت الإطلاق لها، و الأصل و الأدلة اللفظية بعد رد بعضها إلى بعض لا يدل على حرمة غير آية السجدة من العزائم، فلا بد في إثبات الحرمة من انطباق سائر القواعد.

و الأقسام ثمانية: فتارة: يقرأ السورة بقصد القرآنية لا الجزئية مع عدم قصد البلوغ إلى آية السجدة، أو مع قصد العدم، أو مع قصد البلوغ إليها و لكن لا يقرأ آية السجدة، و الحكم في هذه الصّور الثلاث الصحة مع حصول قصد الامتثال في الأخير و عدم كون قصد القاطع فيما يأتي مانعا عن الصحة الفعلية.

و أخرى: يقرؤها بقصد الجزئية مع عدم قصد البلوغ إلى آية السجدة أو قصد العدم أو قصد البلوغ إليها و لكنه لا يقرؤها، و الحكم في هذه الصور الثلاث البطلان إن انطبق عليها عنوان الزيادة العمدية، و إلّا فالمرجع أصالة الصحة و عدم المانعية، و انطباق عنوان الزيادة العمدية على قراءة القرآن مشكل إن لم يكن ممنوعا.

و ثالثة: يقرؤها بتمامها من بدئها إلى ختامها، سواء كانت بقصد الجزئية أو مطلق القرآنية، و مقتضى الجمود على قوله عليه السلام: «لأنّ السجود زيادة في المكتوبة»، و ظهور إجماع التنقيح أنّه إن سجد تبطل صلاته، و إلّا فعل حراما، و لكنه لا تبطل و أما الكلمات فهي غير منقحة، كما لا يخفى على من راجع المفصلات.

ثمَّ إنّ قوله عليه السلام: «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» يحتمل وجوها:

منها: أن يكون حكمة لتشريع الحرمة، و لا فرق حينئذ بين أن يسجد أو لا.

و منها: أن يكون المراد أنّ إيجاب سجود العزيمة في الصلاة حكم زائد في الفريضة، و لا فرق فيه أيضا بين أن يسجد أو لا.

و منها: أن يكون علة للحكم باعتبار وقوع السجدة خارجا، و على هذا فإن كان هذا أمرا فعليا بالإبطال، و قلنا بسقوط أصل الملاك حينئذ فلا وجه للصحة و إلّا يكون من المتزاحمين، و مقتضى إجماع التنقيح أنّه لو لم يسجد لا تبطل لبقاء ملاك الصلاة و أمرها، فتصح لو أتمها.

و منها: أن يكون من العلل الإقناعية لا من الحكمة و لا من العلة، كما هي الدائرة في محاورات الأئمة عليهم السلام و المتيقن هو الأخير و إثبات غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود فتصح الصلاة، و لو سجد لو لم ينطبق عليه مبطل آخر و لو لم يتم إجماع التنقيح، و الأول معلوم العدم لفرض أنّه لا يؤتى بالسجدة بعنوان الجزئية حتّى تكون من الزيادة العمدية، و الخدشة في الثاني ممكنة، و طريق الاحتياط واضح.

لوجوب إتيان سورة كاملة عليه، و المفروض أنّه لا يقدر على إتمام ما شرع فيه من السورة. نعم، ما أتى به من بعض العزيمة سهوا لا حرمة فيه إجماعا، لاختصاص الحرمة و البطلان بحال العمد، مضافا إلى حديث «لا تعاد»4۱.

لأنّ المقام من موارد الضرورة التي يجوز فيها العدول و لو مع تجاوز النصف، و يأتي تفصيله في [مسألة ۱۹] إن شاء اللّه تعالى.

أما صحة أصل الصلاة، فلظهور عدم الخلاف فيها، مضافا إلى حديث «لا تعاد». و أما صحة كون العزيمة جزءا فلوجود المقتضي، و هو ملاك الجزئية و كونها سورة كاملة، و فقد المانع و هو سقوط النهي عن الفعلية لأجل السهو فلا بد من الإجزاء حينئذ.

و دعوى: أنّ إطلاق ما دل على النهي عن قراءة العزيمة يسقطها عن صلاحية الجزئية رأسا، مخدوش: بأنّ قوله عليه السلام: لأنّ السجود زيادة في المكتوبة» يقيده بما إذا تنجز الأمر بالسجود حين قراءة آية السجدة فلا يشمل ما إذا لم يتنجز لأجل السهو. نعم، مقتضى إطلاق ما دلّ على سببية قراءتها للسجود وجوبه عليه في الجملة. و أما كونه في أثناء الصلاة فلا دليل عليه، بل مقتضى أصالة البراءة و استصحاب وجوب المضيّ في الصلاة، و أدلة حرمة قطعها الإتيان به بعد الفراغ من الصلاة، مضافا إلى صحة دعوى انصراف أدلة الفورية عما إذا تشاغل بالصلاة و نحوها.

إن قلت: يظهر من جملة من الأخبار عدم سقوط الفورية، كخبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان السجدة، كيف يصنع؟ قال عليه السلام: يومي برأسه»4۲.

و في خبره الآخر: «إلّا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماء»4۳.

و في خبر أبي بصير: «إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام‏ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏ أو شيئا من العزائم و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم إيماء»44.

و في خبر سماعة: «إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء»4٥.

فإذا كان الإيماء الذي هو البدل فوريا يكون المبدل أيضا كذلك.

قلت: أما أولا فلأنّ قياس المبدل على البدل باطل، لأنّ البدل لا يصدق عليه قوله عليه السلام: «السجود زيادة في المكتوبة» بخلاف المبدل.

و ثانيا: فلأنّ هذه الأخبار إنّما وردت في السماع الذي يتنجز فيه الأمر بالسجود حين حصول السبب، فلا يشمل المقام الذي لم يتنجز الأمر به حينه، و الظاهر عدم صحة التمسك بها لوجوب الإيماء في المقام أيضا لأنّ موردها السماع الذي تنجز الأمر بالسجود حين حصول السبب بخلاف المقام. مع أنّ مورد الأخيرين التقية، فلا وجه لقياس المقام عليه، فالاجتزاء بالسورة المأتي بها و تأخير السجود إلى بعد الفراغ من الصلاة هو الأوفق بالأدلة و المعروف بين الأجلّة.

و ما عن صاحب الجواهر أنّ مقتضى فورية السجود بطلان الصلاة لأنّه يحصل بمجرد الخطاب به، فلا تصل النوبة إلى الإبطال. مخدوش أولا: بأنّه خلاف ظاهر قوله عليه السلام: «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»، فإنّ ظاهره فعل السجود خارجا لا مجرد الأمر و الإيجاب فقط.

و ثانيا: إنّ ما تقدم في هذا التعليل من الاحتمالات لا يبقى له ظهور في كونه حكمة فضلا عن العلة.

و ثالثا: تقدم عن التنقيح دعوى الإجماع على عدم البطلان إلّا بفعل السجود.

لاحتمال سقوط سورة العزيمة عن الجزئية رأسا ملاكا و خطابا فلا يشمل دليل المنع عن القرآن على فرض تماميته، و لكن لا وجه لهذا الاحتمال و إن قال به غير واحد، لما تقدم من وجود المقتضي للجزئية و فقد المانع عنها. نعم، هو احتياط حسن.

لما تقدم من الأخبار الدالة على الإيماء و ذهب إليه جمع، و لكن تقدم عدم تمامية دلالتها، مع أنّه بعد أن لم يتم الدليل على وجوب أصل السجود في أثناء الصلاة في المقام، فكيف يجب بدله مع عدم وجوب المبدل و لا بأس بحسن الاحتياط.

أما جواز الإتيان بها في الأثناء، فبدعوى انصراف ما دل على المنع عن هذه الصورة، فتبقى النصوص الدالة على الجواز بلا معارض، و أما الإتمام و الإعادة، فلاحتمال بطلان هذه الدعوى، فتبطل الصلاة و تجب إعادتها. و فيه:

أنّه لا وجه لدعوى الانصراف. نعم دعوى انصراف فوريّة وجوب السجدة لها وجه، فيؤخرها إلى ما بعد الصلاة كما هو المعروف و تصح صلاته و لا شي‏ء عليه.

ظهر حكمه مما تقدم و يجري فيه جميع ما مر في سابقة بلا فرق بينهما، فلا وجه للإعادة.

لأصالة الصحة، و حديث «لا تعاد»4٦.

لحديث «لا تعاد»4۷، و أصالة الصحة، و عدم المانعية.

(مسألة ٤): لو لم يقرأ سورة العزيمة، لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمدا بطلت صلاته (۳٦)، و لو قرأها نسيانا أو استمعها من غيره أو سمعها، فالحكم كما مرّ (۳۷) من أنّ الأحوط الإيماء إلى السجدة أو السجدة و هو في الصلاة و إتمامها و إعادتها.

لما مر من النص، و الإجماع، و لكن لا بد و أن يؤتى بها بعنوان الجزئية، و يأتي بالسجدة أيضا في أثناء الصلاة، لأنّ ذلك هو المنساق من الأدلة اللفظية و المتيقن من الإجماع. و أما مع عدمهما فقد تقدم التفصيل، فراجع.

تقدم أنّ حكم النسيان تأخير السجود إلى ما بعد الصلاة. و أمّا حكم السماع و الاستماع فهو الإيماء كما مضى في خبر ابن جعفر4۸ و ما بعده.

(مسألة ٥): لا يجب في النوافل قراءة السورة (۳۸) و إن وجبت‏ بالنذر (۳۹) أو نحوه فيجوز الاقتصار على الحمد أو مع قراءة بعض السورة (٤۰). نعم، النوافل التي تستحب بالسور المعينة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة (٤۱) لكن في الغالب يكون تعيين السور من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب لا التقييد (٤۲).

للأصل، و الإجماع و النص، ففي صحيح ابن سنان: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار»4۹.

بناء على أنّ المراد بالقضاء مطلق الإتيان و إن كان المراد القضاء المعهود، فيتم في الأداء بالقول بعدم الفصل، و في صحيح ابن يقطين قال: «سألت

أبا الحسن عليه السلام عن تبعيض السورة فقال: أكره و لا بأس به في النافلة»٥۰.

هذا كلّه مع بناء النافلة على التسهيل.

لأنّ المنساق من إطلاق النافلة ما كانت كذلك بالأصل و إن عرض لها الوجوب بالعناوين الثانوية، فهي عناوين خارجية لا تضرّ بالإطلاق المنساق منه أصل الذات.

للأصل، و الإجماع، و ما تقدم من صحيح ابن يقطين.

جمودا على ظاهر دليل تشريعه.

لما هو المشهور فيها من أنّ قيودها الكمالية من باب تعدد المطلوب و قد ثبت ذلك في الأصول. نعم، في بعض المندوبات استقرت السيرة و قامت الشهرة على التقييد و هي خارجة عن الحمل على تعدد المطلوب إن تمَّ الدليل على وحدة المطلوب.

ثمَّ إنّه لا فرق في الحمل على تعدد المطلوب بين وحدة الدليل و تعدده لابتناء النوافل على التسهيل إلّا ما خرج بالدليل.

(مسألة ٦): يجوز قراءة العزائم في النوافل (٤۳) و إن وجبت‏ بالعارض فيسجد بعد قراءة آيتها و هو في الصلاة، ثمَّ يتمّها (٤٤).

للأصل، و الإجماع، و النص قال عليه السلام: «و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوع»٥۱.

و تقدم ذكر المكتوبة في الأدلة المانعة، و مقتضى الإطلاق ذلك و إن وجبت بالعارض، و قد مر أنّ المنساق من الحكم المعلق على النافلة ما كان كذلك بالذات.

لأصالة عدم المانعية، و إطلاق ما دل على الفورية، و مفهوم قوله عليه السلام: «فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»٥۲.

(مسألة ۷): سور العزائم أربع (٤٥): «الم السجدة» و «حم السجدة» و «النجم» و «اقرأ باسم».

نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان:

«و العزائم أربع حم السجدة، و تنزيل، و النجم، و اقرأ باسم ربك»٥۳.

و في صحيح داود بن سرحان عنه عليه السلام أيضا: «إنّ العزائم أربع:

اقرأ باسم ربك الذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة»٥4.

(مسألة ۸): البسملة جزء من كلّ سورة (٤٦)، فيجب قراءتها عدا سورة براءة (٤۷).

للإجماع و ما يأتي من النص. ثمَّ إنّ المحتملات في بسملة مطلق السور أربع:

أحدها: كونها ختاما للسورة السابقة، لأصالة بقاء السورة.

و فيه: أنّه خلاف الظاهر، مع أنّ المناسب أن يجعل الختام (الحمد للّه) و نحوه.

ثانيها: كونها بنفسها آية من القرآن مستقلة من دون أن تكون جزءا للسورة السابقة أو اللاحقة. و لا وجه له أيضا لحصر آيات القرآن في السور المخصوصة و ليس شي‏ء منها بخارج عنها عند المسلمين.

ثالثها: كونها من غير القرآن أصلا زيدت في أوائل السور تبركا و لا وجه له أيضا مع كمال اهتمام المسلمين على أن لا يزيد في القرآن غير ما نزل على النبي صلّى اللّه عليه و آله من أول نزوله.

رابعها: كونها جزءا من كلّ سورة إلّا سورة براءة كما في المجمع و المتعين ذلك.

هذا بالنسبة إلى كلّ سورة.

و أما بالنسبة إلى الفاتحة و السورة في الصلاة، فتدل عليه- مضافا إلى الإجماع- جملة من النصوص:

منها: صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟ قال: نعم، قلت: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من السبع؟ قال: نعم، هي أفضلهنّ»٥٥.

و في صحيح ابن عمّار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إذا قمت للصلاة أقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم مع السورة قال: نعم»٥٦.

و أما ما يعارضهما، فلا بد من طرحه لمخالفة الإجماع، و موافقة العامة- كصحيح الحلبي و ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «أنّهما سألاه عمن يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال: نعم، إن شاء سرّا و إن شاء جهرا، فقالا: أ فيقرؤها مع السورة الأخرى؟ فقال: لا»٥۷.

لإجماع المسلمين، و روي عن عليّ عليه السلام: «لم ينزل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم على رأس سورة براءة، لأنّ بسم اللّه للأمان و الرحمة و نزلت براءة لرفع الأمان و السيف فيه»٥۸.

(مسألة ۹): الأقوى اتحاد سورة «الفيل» و «لإيلاف» و كذا «و الضحى» و «أ لم نشرح» (٤۸)، فلا يجزي في الصلاة إلا جمعهما مرتبتين مع البسملة بينهما (٤۹).

للنص، و الإجماع، فعن المحقق رحمه اللّه في الشرائع: «روى أصحابنا أنّ الضحى و ألم نشرح سورة واحدة، و كذلك الفيل و لإيلاف فلا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها في كلّ ركعة»٥۹.

و مثله عن الطبرسي في مجمع البيان‏٦۰ و عن أبي العباس عن أحدهما عليه السلام: «أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ‏، و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ‏ سورة واحدة»٦۱.

و عن كتاب القراءة لأحمد بن محمد بن سيار عن أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «الضحى و أَ لَمْ نَشْرَحْ‏ سورة واحدة»٦۲.

و عنه أيضا: «أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ‏ و لِإِيلافِ‏ سورة واحدة»٦۳.

و عن أبي جميلة مثله، و عن الصدوق مرسلا عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«وَ الضُّحى‏ و أَ لَمْ نَشْرَحْ‏ في ركعة لأنّهما جميعا سورة واحدة، و لإيلاف و ألم تر كيف في ركعة لأنّهما جميعا سورة واحدة»٦4.

و هذه جملة من الأخبار القاصرة السند لكنها مجبورة بعمل المشهور، و عن الشحام في الصحيح: «صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام فقرأ الضحى و أَ لَمْ نَشْرَحْ‏ في ركعة»٦٥.

و بطريق آخر: «صلّى بنا أبو عبد اللّه عليه السلام فقرأ في الأولى الضحى، و في الثانية أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ‏»٦٦.

و عن داود الرقي عنه عليه السلام أيضا: «فلما طلع الفجر قام فأذن و أقام

و أقامني عن يمينه و قرأ في أول ركعة الحمد و الضحى و في الثانية بالحمد و قل هو اللّه أحد- الحديث-»٦۷.

و خلاصة المقال: إنّ الأخبار القولية قاصرة السند، و الفعلية أعم من الوحدة، لإمكان أن يكون الجمع لغرض آخر لا لأجل وحدتهما، مع أنّها معارضة، فليس في البين ما يصح الاعتماد عليه في الوحدة إلّا ما تسالم الأصحاب عليها، و مقتضى الأصل عدم صحة الاكتفاء بإحداهما في ركعة للشك في الإتيان بسورة تامة، مع الاكتفاء و لا تجري في المقام شبهة القرآن للشك في شمول دليله للمقام، فيكون التمسك بدليله من التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية.

ثمَّ إنّه قال في الشرائع: «و لا يفتقر في البسملة بينهما على الأظهر» و نسبه في البحار إلى الأكثر، و روي أنّ أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه‏٦۸، و لكنه خلاف السيرة العملية، و خلاف المصاحف المتعارفة بين المسلمين، بل قد يعد مستنكرا لدى من يقرأ القرآن من أهل الإسلام فالأحوط الإتيان بها.

لأصالة عدم الإتيان بسورة كاملة إلّا بذلك. نعم، يصح في النوافل كيفما قرأ لصحة الاكتفاء ببعض السورة فيها كما مر.

(مسألة ۱۰): الأقوى جواز قراءة سورتين أو أزيد في ركعة مع الكراهة (٥۰) في الفريضة، و الأحوط تركه (٥۱). و أما في النافلة فلا كراهة (٥۲).

نسب إلى المشهور بين القدماء المنع عنه مستدلا بجملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن حازم: «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بالأكثر»٦۹.

و عن أحدهما عليهما السلام في صحيح ابن مسلم: «عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة قال عليه السلام: لا، لكلّ سورة ركعة»۷۰.

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق زرارة: «عن الرجل يقرن بين السورتين في الركعة، فقال عليه السلام: إنّ لكلّ سورة حقا، فأعطها حقها من الركوع و السجود قلت: فيقطع السورة؟ فقال: لا بأس»۷۱.

عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، و أما النافلة فلا بأس»۷۲.

و لو كنا نحن و هذه الأخبار لاستظهرنا الكراهة منها بقرينة قوله عليه السلام:

«إنّ لكلّ سورة حقا»، إذ ليس هذا الحق من الحقوق الواجبة قطعا، مع أنّها معارضة بجملة أخرى من الأخبار:

منها: صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام: «عن القران بين السورتين في المكتوبة و النافلة، قال عليه السلام: لا بأس»۷۳.

و عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تقرننّ بين السورتين في الفريضة في ركعة فإنّه أفضل»۷4.

و عنه عليه السلام أيضا: إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، و أما النافلة فلا بأس»۷٥.

و مقتضى الصناعة حمل الأخبار المانعة على فرض ظهورها في المنع على الكراهة. إن قيل: نعم، لو لا إعراض المشهور عما دلّ على الكراهة. يقال:

إنّ هذه الإعراض مستند إلى أنظارهم لا إلى أنّهم ظفروا على ما لم نظفر عليه من نص معتبر، لأنّه بعيد بعد استقصاء الأخبار، مع أنّ مقتضى الأصل عدم الحرمة أيضا.

خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور.

نصّا و إجماعا، و تقدم بعض النصوص فراجع.

فروع- (الأول): لا ريب في تحقق القران بالإتيان بسورتين، و هل يتحقق بالإتيان بسورة، و بعض سورة أخرى أو لا؟ قولان: يظهر عن بعض الأول جمودا على ما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن حازم المتقدم‏ (و فيه): أنّه يمكن حمل إطلاق قوله عليه السلام «و لا بأكثر» على السورة الكاملة بقرينة سائر الأخبار، و الأمر سهل بناء على الكراهة.

(الثاني): الظاهر عدم شمول الأخبار لتكرار سورة واحدة أو آية منها، للاحتياط أو لسائر الأغراض الصحيحة، لأنّ المنساق منها التعدد الذاتي لا الوجودي فقط.

(الثالث): مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين قصد الجزئية في السورة الثانية و عدمه، إلّا أن يدعى الانصراف إلى الأول، كما صرّح به جمع منهم صاحبا المدارك و الحدائق، و استظهروا ذلك من النصوص من اشتمالها على أنّ لكلّ سورة ركعة، و الفرق بين النافلة و الفريضة و نحو ذلك مما يظهر منه اعتبار الإتيان بقصد الجزئية، و تقتضيه أصالة عدم المرجوحية إلّا في المتيقن. و عن جمع منهم المحقق الثاني أنّ البحث إنّما هو فيما إذا لم يقصد الجزئية، و إلّا يكون البطلان مفروغا عنه، و ادعى القطع به، لأنّه حينئذ من الزيادة العمدية الموجبة للبطلان.

و فيه: أنّ القران شي‏ء و الزيادة العمدية شي‏ء آخر لا ربط لأحدهما بالآخر، و لا وجه لتوهم الزيادة العمدية مع القران، فإنّ من يقول بجوازه يرى أنّ المصلّي مخيّر في صلاته بين الإتيان بسورة واحدة أو أكثر و يكون من التخيير بين الأقلّ و الأكثر.

و الوجوه المتصورة في القران أربعة: قصد الجزئية بالسورتين معا فتنطبق‏

الجزئية على المجموع من حيث المجموع، قصدها لكلّ واحد منهما مستقلا كلّ في عرض الآخر، و قصد الجزئية بالأولى و القرآنية بالأخيرة، أو العكس و مقتضى الأصل، و إطلاق ما دل على قراءة القرآن جواز الأخيرين، و المنساق من النصوص هو الثالث.

ثمَّ إنّه قد يقال ببطلان الصلاة بناء على الحرمة خصوصا مع قصد الجزئية، و هو مشكل، لأنّ القرآن ذكر اللّه و هو من الصلاة. نعم، لو كان وجوب السورة في الفريضة مقيدا بقيد الوحدة بطلت الصلاة من جهة النقيصة، و لكنه أول الدعوى، مع أنّه يستفاد من قوله عليه السلام: «لكلّ سورة حقا» عدم بطلان الصلاة و إلّا لكان التعليل به أولى، كما لا يخفى.

(الخامس): لو أتى بسورة أخرى سهوا لا بأس به حتّى على القول بالحرمة، للأصل، و حديث «لا تعاد».

(السادس): كراهة القران مثل كراهة سائر العبادات المكروهة- كالصلاة في الحمام، و صوم يوم عاشوراء- لا تكون راجعة إلى ذات العبادة بل إلى جهة من جهاتها الخارجية عن الذات، و قد فصل ذلك في الأصول

(مسألة ۱۱): الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها (٥۳)، و إن كان الأحوط (٥٤). نعم، و لو عيّن البسملة لسورة لم تكف لغيرها (٥٥)،فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة (٥٦).

لأنّ المسألة بحسب الأصل من صغريات الأقلّ و الأكثر، لأنّ اعتبار أصل قصد القرآنية مسلّم لا ريب فيه، و قصد السورة الخاصة مشكوك و مقتضى الأصل عدم اعتباره. و بعبارة أخرى: يكفي قصد الجنس و لا يعتبر قصد الفرد من حيث هو فرد، لتعلق الأمر بقراءة ذات القرآن من حيث هو، و التحديد بالسورة تحديد للقرآن بالقرآن لا بما هو خارج عنه، و ليس كما في تحديد سائر الأفراد بالنسبة إلى أنواعها حيث إنّ التشخصات الفردية فيها خارجة عن ذات النوع بخلاف القرآن فإنّ ما به الاشتراك فيه عين ما به الامتياز في جهة القرآنية، فليس في البين تعيّن خارجي مأخوذ في المأمور به حتّى يجب تعيينه في القصد، و إنّما تجب قراءة القرآن فقط بحد مخصوص منه و هو السورة، و المفروض أنّ البسملة قرآن و يشملها إطلاق الدليل، و يدل على ما ذكرنا قول الرضا عليه السلام في صحيح‏

ابن شاذان: «إنّما أمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا»۷٦.

فيستفاد فيه كفاية قصد القرآن من حيث هو، و أنّ المناط كلّه قراءة القرآن بلا فرق بين أن يقال: اقرأ سورة التوحيد، أو اقرأ هذه الآيات الخمس، فكما يكفي قصد قراءة ذات القرآن في التعبير الثاني يكفي في الأول أيضا، إذ المعنى واحد و إن كان التعبير مختلفا، و في موثق ابن أذينة الوارد في صلاة المعراج:

«فلما بلغ (و لا الضالّين) قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: الحمد للّه ربّ العالمين شكرا، فأوحى اللّه إليه: قطعت ذكري فسمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم»۷۷.

و يستفاد منه أنّ قصد ذات البسملة من حيث هي يكفي و لو لم يعين السورة بعدها، هذا مع عدم تعرض القدماء لذلك و عدم إشارة في النصوص إليه أيضا، مع أنّه من الأمور العامة البلوى و غلبة عدم خطور ذلك إلى ذهن نوع المصلّين من سواد الناس، بل و من غيرهم أيضا مع بناء الشريعة على السهولة و الاهتمام بدفع الوسوسة حدّ الإمكان، فليس ذلك إلّا إثارة للوسوسة، فعدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها أوفق بالأدلة.

و استدل‏ لوجوب تعيينها بوجوب قراءة سورة تامة بعد الفاتحة، كما تقدم، و مرّ أيضا أنّ البسملة جزء من السورة، و لا ريب في أنّها من الأجزاء المشتركة و لا إشكال أيضا في أنّ الجزء المشترك لا يكون جزءا للخاص إلّا بالتعيين القصدي أو التعيين الخارجي، و إنّما النزاع في أنّ تعيين السورة خارجا هل يكون موجبا لاختصاص البسملة بها، أو لا بد في ذلك من التعيين؟ ذهب إلى كلّ فريق، نسب إلى الأكثر بل المشهور الثاني، فقالوا بوجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها لتتعين البسملة لها، لأنّ قراءة القرآن عبارة عن التكلم بألفاظ حاكية عن الألفاظ المنزلة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حكاية تصورية فقط، فتكون الألفاظ المنزلة

كالمعنى للألفاظ المقروءة، فقراءة سورة التوحيد مثلا عبارة عن التكلم بألفاظها النوعية الحاكية عن الألفاظ الشخصية المنزلة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله التي أولها البسملة، و يجب أن يأتي بالسورة من بدئها إلى ختامها، و حينئذ فإذا قرأ البسملة من دون تعيين بسملة التوحيد، فلم يأت بما تكون بسملة التوحيد، لفرض تقوّمها بقصد الحكاية عن البسملة الخاصة إذ لا نزول للبسملة المطلقة و الطبيعي منها إلّا في ضمن الحصص و الأفراد، و قصد المطلق و الطبيعي لا يكفي في قصد الفرد في المحاورة، كما أنّ قصد الحكاية و الإخبار بقول: جاء إنسان، لا يكفي في قصد مجي‏ء زيد عند متعارف أهل اللسان.

و لباب المقال: أنّ تخصص الجزء المشترك بشي‏ء تارة لا يكون قصديا، كقطعة من الخشب القابلة لأن تصير جزءا للسرير أو الباب أو المنبر، و إذا جعلت في أحدها تصير جزءا منه قصد الجزئية أم لا، بل و لو مع قصد العدم.

و أخرى: يعتبر فيه القصد فقط و لا يعتبر فيه قصد الحكاية، كالأذكار فإنّها متوقفة على القصد كتوقف كلّ تلفظ و تكلّم عليه، و إلّا تكون لغوا محضا فيكفي فيها مجرد القصد الاستعمالي فقط من دون اعتبار قصد الحكاية عن شي‏ء، فمن قال (اللهم) مع القصد بلا توجه و التفات إلى ما يريد أن يقول بعده يصح له أن يقول بعده: اغفر لي، أو صلّ على محمد و آل محمد أو غير ذلك مما يصح أن يقع بعد لفظ اللهم، و كذا لفظ: سبحان، و اللّه، و نحوهما من الألفاظ المشتركة المستعملة في الأذكار و الدعوات، و ذلك كلّه لعدم اعتبار شي‏ء فيها وراء قصد ذلك المعنى من حيث هو.

و ثالثة: يعتبر فيه وراء قصد أصل الاستعمال قصد كونه حاكيا عن سورة خاصة و آية مخصوصة، كما في المقام لكونه جزءا لها و الجزئية متقوّمة بالتشخص قصدا و خارجا، فأصالة عدم التشخص و التخصص في البسملة بالنسبة إلى سورة خاصة إلّا بالقصد لا حاكم عليها. و من أراد التفصيل بأكثر من ذلك فليراجع المطوّلات. و يظهر وجه ضعفه مما مر من كفاية قصد مجرد القرآنية و هو متحقق و لو لم يعين السورة.

ثمَّ إنّه يمكن أن يستدل على عدم اعتبار عدم تعين البسملة قبل الشروع في‏

السورة بإطلاق ما يأتي من أخبار العدول، فإنّ المنساق منها بقرينة عدم الاستفصال عدم اعتبار تعيين البسملة.

ثمَّ إنّه يكفي القصد الإجمالي الارتكازي على فرض وجوب التعيين، لعدم دليل على اعتبار أكثر منه، و أقسام قراءة السورة بالنسبة إلى كلّ مصلّ لا تخلو عن خمس:

الأول: أن يكون معتادا لقراءة سورة خاصة و لا إشكال في كفاية قصده الاعتيادي في تعيين البسملة.

الثاني: أن يكون ملتفتا إلى التعيين فعلا و لا إشكال في كفايته أيضا.

الثالث: أن يكون مرددا بين أن يقرأ التوحيد مثلا أو الجحد.

الرابع: أن يكون غافلا حين قراءة البسملة عن السورة رأسا.

الخامس: ما إذا تعمد في عدم تعيين السورة حين الإتيان بالبسملة، و يأتي حكمه في [مسألة ۱۳]. و الثلاثة الأخيرة مورد البحث، فمن يقول بلزوم التعيين لا يكتفي بها بخلاف من يقول بالعدم.

ظهر وجه الاحتياط مما مر، و يظهر الإشكال فيه مما تقدم، فراجع و تأمل.

أما بناء على لزوم قصد التعيين فلأنّها لم تعين للمعدول إليها فلا يصير جزءا لها. و أما بناء على عدم لزومه فلتخصصها بعد التعيين لسورة خاصة فلا يصح الاكتفاء بها للمعدول إليها.

و فيه: أنّ تعقبها بالمعدول إليها يبطل قصد التعيين، فتكون كما إذا لم تعين، و لذا حكي عن البحار الجزم بعدم صيرورتها جزءا مع التعيين إلّا بعد تعقب ما عين له.

إن قيل: إنّ مقتضى أصالة عدم الإتيان بسورة كاملة إعادتها مطلقا فيجب الإتيان بسورة أخرى.

يقال: نعم، لو لا صدق السورة الكاملة عليها فتشملها الإطلاقات قهرا، و ليس ذلك من التمسك بالدليل في الموضع المشتبه، لفرض صدق السورة الكاملة عليها عرفا.

لما تقدم من أنّ تعيين البسملة لسورة يوجب تخصصها بها فلا تصلح أن تكون جزءا لغيرها. و فيه: ما تقدم عن البحار، و أصالة عدم الإتيان بسورة كاملة محكومة بالإطلاقات، كما مر.

(مسألة ۱۲): إذا عيّن البسملة لسورة ثمَّ نسيها فلم يدر ما عيّن وجب إعادة البسملة لأيّ سورة أراد (٥۷) و لو علم أنّه عيّنها لإحدى السورتين من الجحد و التوحيد و لم يدر أنّه لأيتهما أعاد البسملة و قرأ إحداهما (٥۸) و لا تجوز قراءة غيرهما (٥۹).

لتخصصها بالمنسيّ فلا تصير جزءا لغيرها. و يرد عليه ما تقدم من ضعف المبنى أولا، و ما مر من مناقشة البحار ثانيا.

أما إعادة البسملة فلما تقدم. و أما عدم جواز قراءة غيرهما فلما يأتي في [مسألة ۱٦]، بل و يأتي فيها عدم جواز العدول من إحداهما إلى الأخرى أيضا، فيكون قوله رحمه اللّه هنا مخالفا، لما يأتي منه.

لما يأتي في [مسألة ۱٦] فراجع.

(مسألة ۱۳): إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء (٦۰)، و لو شك في أنّه عينها لسورة معينة أو لا فكذلك (٦۱) لكن‏ الأحوط في هذه الصورة إعادتها (٦۲) بل الأحوط إعادتها مطلقا، لما مر من الاحتياط في التعيين.

لما مر من عدم اعتبار تعيين السورة قبل الشروع فيها، فتقع البسملة جزءا من السورة التي تتعقبها لا محالة.

لأنّ أصالة عدم التعيين يلحقها بالقسم الأول.

لإمكان دعوى أنّ ظاهر الحال هو التعيين و لو إجمالا مع عدم الغفلة.

(مسألة ۱٤): لو كان بانيا من أول الصلاة أو أول الركعة أن يقرأ سورة معينة فنسي و قرأ غيرها كفى (٦۳)، و لم يجب إعادة السورة، و كذا لو كانت عادته سورة معينة فقرأ غيرها.

لوجود المقتضي للصحة و هو تعيين السورة عن قصد إجمالي و عدم المانع عنها، لأصالة عدم مانعية تبدل ما بنى عليه من إتيان سورة خاصة، هذا إذا عين السورة المأتيّ بها و لو إجمالا و ارتكازا أو اعتيادا، و أما لو لم يعينها أصلا، فلا يكفي بناء على اعتبار التعيين، و منه يعلم حكم الفرع اللاحق، فلا وجه للإعادة.

(مسألة ۱٥): إذا شك في أثناء سورة أنّه هل عيّن البسملة لها أو لغيرها و قرأها نسيانا بنى على أنّه لم يعيّن غيرها (٦٤).

لرجوع الشك إلى صحة ما أتى به من البسملة و مقتضى قاعدة التجاوز الصحة.

(مسألة ۱٦): يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا (٦٥) ما لم يبلغ النصف (٦٦) إلا من الجحد و التوحيد، فلا يجوز العدول منهما إلى غيرهما (٦۷) بل من إحداهما إلى الأخرى (٦۸) بمجرد الشروع فيها و لو بالبسملة (٦۹). نعم، يجوز العدول منهما إلى الجمعة و المنافقين (۷۰) في خصوص يوم الجمعة (۷۱) حيث إنّه يستحب في الظهر أو الجمعة منه أن يقرأ في الركعة الأولى الجمعة و في الثانية المنافقين، فإذا نسي و قرأ غيرهما (۷۲) حتّى الجحد و التوحيد يجوز العدول إليهما ما لم يبلغ النصف (۷۳). و أما إذا شرع في الجحد أو التوحيد عمدا فلا يجوز العدول إليهما أيضا على الأحوط (۷٤).

للأصل، و الإجماع، و جملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح السكوني: «يرجع من كلّ سورة إلّا من: قل هو اللّه أحد، و قل يا أيّها الكافرون»۷۸.

و مثله صحيح الحلبي و لأصالة عدم وجوب الإتمام، و بقاء التخيير للمكلّف في إتيان أي سورة شاء و أراد. و أشكل عليه: بأنّه من الإبطال المحرّم، و أنّه من‏

القران الممنوع، مضافا إلى صيرورة المعدول عنه من الزيادة العمدية المبطلة.

و الكلّ مردود، لأنّ الإبطال- على فرض حرمته- ظاهر في التكاليف النفسية دون الغيرية المحضة، و تقدم الإشكال في حرمة القران صغرى و كبرى، و الزيادة العمدية المبطلة متقوّمة بالقصد، و لا قصد هنا للزيادة كما هو واضح.

لأصالة بقاء التخيير المقتضية لجواز العدول، و لو بعد تجاوز النصف، و لإطلاق ما دل على جواز العدول ما لم يدل دليل على المنع، و قد ادعي الإجماع على عدم جواز العدول مع التجاوز عن النصف.

و إنّما الخلاف في جوازه مع بلوغ النصف، فعن جمع، بل نسب إلى المشهور جوازه حتّى مع بلوغ النصف، و عن جميع بل نسب إلى الأكثر عدم الجواز حينئذ، بل يكون غاية الجواز ما لم يبلغ النصف، و عن كشف اللثام جوازه ما لم يبلغ الثلاثين. و البحث فيه تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الإجماع، و ثالثة: بحسب الإطلاقات. و رابعة بحسب الأخبار الخاصة.

أما الأول: فمقتضى الأصل بقاء التخيير. و دعوى أنّه بعد الشروع في السورة لا وجه للتخيير، لأنّه ابتدائيّ لا أن يكون استمراريا لا دليل عليه، لأنّ هذا الترديد منشأ لحصول الشك المحقق لموضوع الاستصحاب لا أن يكون مانعا عنه. نعم، بعد بلوغ النصف لا يجزي الأصل إن تمَّ الدليل على المنع و مع عدم تماميته و حصول الاحتمال المعتد به يكون من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير.

و أما الثاني: فالمتيقن منه إنّما هو ما لم يتجاوز عن النصف، فيجوز مع البلوغ إليه.

و أما الثالث: فمقتضى الإطلاقات جواز العدول مطلقا و إن تجاوز النصف.

و أما الأخبار الخاصة: ففي خبر أبي العباس عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أخرى قال عليه السلام: يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف»۷۹.

و هو صريح في الجواز مع بلوغ النصف، و يمكن أن يستفاد منه الجواز بعده أيضا بحمل قوله عليه السلام: «و إن بلغ النصف» على الفرد الخفيّ- أي: و إن بلغ النصف و ما زاد، و هذا النحو من الاستعمالات شائع في المحاورات- لا التقييد الحقيقي، فلا ينافي ذلك جوازه مع التجاوز عن النصف أيضا، و في موثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها. قال عليه السلام: له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها»۸۰.

و لو لا خوف مخالفة الإجماع لصح أن يقال: بجواز العدول ما بينه و بين أن يقرأ الثلاثين لأجل هذه الموثقة إذ لا مخالف لها من النصوص، لما تقدم من عدم ظهور خبر أبي العباس في التقييد الحقيقي، و كذا خبر عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الرجل أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمَّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال: نعم، ما لم تكن قل هو اللّه أحد أو قل يا أيها الكافرون»۸۱.

فإنّه ليس في مقام بيان عدم جواز الرجوع بعد التجاوز عن النصف. نعم، في الفقه الرضوي: «فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة و إن لم تذكرها إلّا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك»۸۲.

و هو مضافا إلى قصور سنده معارض بما تقدم من موثق عبيد بن زرارة و لو لا مخالفة الإجماع لأمكن حمل هذه الأخبار على الكراهة، لأنّ اختلاف المضمون من أماراتها.

ثمَّ إنّ حرمة العدول هل هي نفسية أو غيرية؟ استدل على الأخير بأنّه من الزيادة العمدية، و أنّه من القران الممنوع، و من الامتثال بعد الامتثال.

و الكلّ مخدوش، إذ الأول متقوم بقصد الزيادة من أول الإتيان بالشي‏ء، فلا يشمل المقام الذي يتصف المأتي به بالزيادة بعد العدول إلى السورة الثانية، و مع الشك، فالمرجع أصالة عدم المانعية، و الثاني ممنوع صغرى و كبرى.

و الأخير كذلك أيضا، فالحرمة في الجملة مسلّمة، و أما البطلان، فمقتضى الأصل عدمه.

إجماعا، و نصوصا:

منها: قول أبي عبد اللّه فيما تقدم في خبر أبي نصر: «يرجع من كلّ سورة إلّا من قل هو اللّه أحد. و قل يا أيّها الكافرون»۸۳.

لإطلاق نصوص المنع الشامل لهما و لغيرهما، مضافا إلى ظهور الإجماع.

لإطلاق الاستثناء الشامل لكلّ جزء منهما و البسملة جزء كما تقدم.

لجملة من النصوص: كخبر ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:

«في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللّه أحد قال عليه السلام: يرجع إلى سورة الجمعة»۸4.

و عن أبي عبد اللّه في خبر الحلبي: «إذا افتتحت صلاتك: ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها»۸٥.

و عنه عليه السلام في خبر عبيد بن زرارة: «رجل صلّى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قال عليه السلام: «يعود إلى الجمعة»۸٦.

و عن ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟

قال عليه السلام: سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون و إن أخذت في غيرها و إن كان‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فاقطعها من أولها و ارجع إليها»۸۷.

و هذه الأخبار و إن وردت في سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، و لكن الظاهر عدم الفصل بينه و بين الجحد، مضافا إلى ظهور الإجماع في أصل المسألة.

البحث فيه تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الأخبار، و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فالمسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، فإنّ خصوص صلاة الجمعة معلومة و الشك في صلاة ظهر يوم الجمعة و عصرها و غداتها فيؤخذ بما هو المعلوم و يرجع إلى غيره إلى عموم المنع.

و أما الثاني: فهي مشتملة على الجمعة۸۸ و في بعضها يوم الجمعة و إطلاق الجمعة على الظهر في يومها شائع في الأخبار و اصطلاح الرواة، فيمكن استفادة الأعم منها و من الظهر من لفظ الجمعة مضافا إلى ما في بعضها من التعبير بيوم الجمعة۸۹، مع أنّ عدم شيوع مواظبة أصحاب الأئمة عليهم السلام على صلاة الجمعة، و ظهور مواظبتهم على صلاة الظهر في يوم الجمعة يؤيد أنّ المراد صلاة الظهر من يوم الجمعة لا صلاة الجمعة.

و أما الأخير فعن البحار: «الظاهر أنّه لا خلاف في عدم الفرق بينهما» أي: بين الجمعة و الظهر و يشهد له ما ورد من أنّ الجمعة هي الظهر و إنّما سقط عنها الركعتان لمكان الخطبتين‏۹۰ فيستفاد منه أصالة المساواة بين الظهر و الجمعة إلّا ما خرج بالدليل.

لأنّ النسيان هو المتيقن من الأدلة، و لعمومات حرمة العدول إلّا في الفرد الخاص من المخصص و هو النسيان و في غيره يحتاج إلى قرينة و هي مفقودة و هذا هو مذهب أكثر الأصحاب، و لكن نسب إلى البحار الشمول لصورة العمد أيضا و يقتضيه إطلاق جملة من الفتاوى، و إطلاق أدلة المقام و كثرة الاهتمام بما ورد في قراءة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة۹۱ فيشك في أصل ثبوت العموم في أدلة المنع و يرجع إلى أصالة الصحة و عدم المانعية.

مقتضى إطلاق أخبار المقام جواز العدول و لو بعد تجاوز النصف كما عليه جمع منهم الشيخ و الفاضل. و أما الأخبار المانعة السابقة۹۲ فالظاهر انصرافها عن مورد استحباب العدول، بل تختص بصورة الجواز فقط و كذا الإجماع على عدم الجواز بعد بلوغ النصف، فإنّ المتيقن منه مورد الجواز، بل لا وجه للتمسك به في المقام مطلقا، لذهاب جمع إلى عدم التحديد بالنصف.

و على فرض التعارض فالمرجع أصالة بقاء رجحان العدول إلى الجمعة و المنافقين، و أصالتها الصحة و عدم المانعية و لا يصح التمسك بعموم ما دل على عدم جواز الرجوع من الجحد و التوحيد إلى غيرهما، لفرض تخصصه بالنسبة إلى الجمعة و المنافقين، فما عن جمع بل نسب إلى المشهور من التحديد بعدم تجاوز النصف لا دليل عليه.

و أما خبر ابن صبيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «عن رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قال عليه السلام: يتمها ركعتين ثمَّ يستأنف»۹۳.

فلا ربط له بالمقام، لظهوره في الالتفات بعد الفراغ من قراءة التوحيد، فهذا الخبر مما يدل على كثرة الاهتمام بقراءة سورة الجمعة حيث رخص عليه السلام لأجلها العدول إلى النافلة.

خروجا عن خلاف من خصص الحكم بصورة النسيان و تقدم عدم الدليل عليه.

(مسألة ۱۷): الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما (۷٥) في يوم الجمعة و إن لم يبلغ النصف.

مقتضى إطلاق جواز العدول من كلّ سورة جوازه منها أيضا. و استدل على عدم الجواز تارة: بالأولوية بأنّه إذا لم يصح الرجوع من التوحيد و الجحد إلى كلّ سورة إلّا إليهما فلا يصح منهما إلى غيرهما بالأولى و أخرى: بخبر الدعائم:

«روينا عن جعفر بن محمد عليه السلام أنّه قال: من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثمَّ رأى أن يتركها و يأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى إلّا أن يكون بدأ ب قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فإنّه لا يقطعها و كذلك سورة الجمعة أو سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما»۹4.

و لكن الأول‏ من مجرد الاستحسان. و الثاني قاصر سندا فلا يصلحان للفتوى و إن صلحا للاحتياط.

(مسألة ۱۸): يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقا و إن بلغ النصف (۷٦).

لأصالة بقاء التخيير مطلقا و عدم دليل على المنع من إجماع أو غيره لأنّ المنساق من الأدلة المانعة ما وجبت فيها السورة لا ما لا تجب فيها، مع ما ورد من كثرة التسهيل في النافلة في النصوص من تبعيض السورة، و قراءة العزائم،

و القران، و يمكن استفادة العدول من إطلاق جواز التبعيض، و إطلاق جواز القران فيها و الظاهر أنّ العدول من الجحد إلى التوحيد و بالعكس كذلك، لأنّ الشك في شمول دليل الحرمة للنافلة يكفي في الرجوع إلى الأصل.

(مسألة ۱۹): يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتّى في الجحد و التوحيد (۷۷)، كما إذا نسي بعض السورة، أو خاف فوت الوقت بإتمامها، أو كان هناك مانع آخر، و من ذلك ما لو نذر أن يقرأ سورة معينة في صلاته فنسي و قرأ غيرها فإنّ الظاهر جواز العدول (۷۸) و إن كان بعد بلوغ النصف أو كان ما شرع فيه الجحد أو التوحيد.

للإجماع، و لأنّه: «ليس شي‏ء مما حرم اللّه إلّا و قد أحله لمن اضطر إليه»۹٥ بناء على شمول الحلية و الحرمة للنفسية و الغيرية كما هو الظاهر و قد ارتكز في النفوس: أنّ الضرورات تبيح المحذورات، مع أنّ المنساق من الأدلة المانعة إنّما هو حال الاختيار، فيرجع في غيره إلى الأصل.

بناء على ترجيح دليل وجوب الوفاء بالنذر على دليل حرمة العدول بدعوى أنّ أدلة حرمة العدول لا اقتضائيّة، فتزول الحرمة بعروض وجوب الوفاء بالنذر.

و فيه: أنّ ذلك من مجرد الدعوى و لا شاهد عليها بل تصح دعوى العكس، لأنّه ما لم يكن العمل راجحا قبل النذر، و مع قطع النظر عنه لم ينعقد فضلا عن أن يكون ممنوعا شرعا، و مع الشك فمقتضى الأصل عدم وجوب الوفاء بعد عدم جواز التمسك بعموم وجوب الوفاء، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

إلّا أن يقال: إنّ الموضوع النذر العرفي كما في جميع موارد العقود

و الإيقاعات حيث إنّ موردها الموضوعات العرفية ما لم تثبت التخطئة، و طريق الاحتياط إتمامها رجاء ثمَّ الإتيان بالمنذورة كذلك و لا محذور في البين إلّا شبهة القران، و قد تقدم عدم الدليل على حرمته، و على فرضه ففي شموله لمثل المقام إشكال، بل منع.

ثمَّ إنّ النذر المذكور يتصوّر على وجوه:

الأول: أن ينذر قراءة السورة المعينة غافلا عن كلّ شي‏ء و حكمه ما تقدم.

الثاني: أن ينذر قراءة سورة خاصة و ينذر أيضا عدم قراءة سورة خاصة بناء على تحقق مثل هذا النذر لوجود رجحان في ترك القراءة في الجملة، فلو قرأها غفلة وجب عليه العدول إلى ما نذر قراءتها، لوجوب الوفاء بالنذر، و الظاهر عدم شمول دليل حرمة العدول للفرض، لأنّه فيما إذا لم يكن الإتمام حراما و يمكن أن يكون هذا مراد الماتن رحمه اللّه فيكون المراد بجواز الرجوع الجواز بالمعنى الأعم الشامل للوجوب.

الثالث: أن ينذر قراءة سورة خاصة على فرض اشتغال ذمته بوجوب إتيان السورة و حينئذ فلو قرأ غير المنذورة غفلة و تجاوز النصف لا يصح له العدول، لعدم اشتغال الذمة بسورة أخرى بل هو مشغول الذمة فعلا بوجوب إتمام ما شرع فيها. و أما قبله فالظاهر الوجوب لبقاء الاشتغال.

(مسألة ۲۰): يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح، و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء (۷۹). و يجب الإخفات في الظهر و العصر (۸۰) في غير يوم الجمعة. و أما فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة (۸۱)، بل في الظهر أيضا على الأقوى (۸۲).

للإجماع، و السيرة العملية و الفتوائية على نحو التوظيف من أول تشريع الصلاة، و يستفاد من الأخبار الكثيرة في الأبواب المتفرقة التي يأتي بعضها. و ما ورد في علة تشريع الجهر و الإخفات أنّه من المسلّمات بين المسلمين من أول عصر البعثة، و إنّما الكلام في أنّه على سبيل الوجوب أو الندب مقتضى ظواهر الأخبار هو الأول، فلو عكس بطل إلّا ما خرج بالدليل، ففي خبر ابن شاذان عن أبي الحسن الرضا عليه السلام: «إنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما

هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار أنّ هناك جماعة فإن أراد أن يصلّي صلّى»۹٦.

و في خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه- إلى أن قال-، فقال عليه السلام:

أيّ ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شي‏ء عليه»۹۷.

و يدل عليه ما ورد في خبر محمد بن عمران في بيان علة الجهر و الإخفات في كيفية صلاة النبي صلّى اللّه عليه و آله في المعراج‏۹۸، كما يدل عليه خبر ابن الضحاك عن الرضا عليه السلام الظاهر في مداومته عليه السلام على الجهر في العشاءين و الصبح و الإخفات في الظهرين، قال: «إنّه كان يجهر بالقراءة في المغرب و العشاء الآخرة، و صلاة الليل و الشفع و الوتر، و الغداة، و يخفي القراءة في الظهر و العصر»۹۹.

و عن الإسكافي القول باستحبابها، و عن السيد أنّها من السنن المؤكدة، و عن جمع متابعتهما- لو لا خوف الإجماع- و استدلوا تارة بالأصل، و أخرى: بقوله تعالى‏ وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا۱۰۰.

و هو شامل للصلوات كلّها. و ثالثة: بصحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال عليه السلام: إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل»۱۰۱.

و الكل مردود: إذ لا مورد للأصل مع الدليل، و لا وجه للاستدلال بالآية الكريمة للقطع بتشريع الجهر و الإخفات في الجملة، فالمراد بها النهي عن الإفراط في الجهر أو الإخفات، كما يدل عليه ما ورد في تفسيرها من‏

الروايات‏۱۰۲. و أما الصحيحة فهي مجملة، لأنّ السائل فرض أنّ الصلاة مما يجهر فيها بالقراءة ثمَّ سأل عن لزوم الإخفات عليه و يمكن حملها على أنّ بعض الصلوات الإخفاتية كانت مما يجهر فيها عند العامة فيكون المراد بالجهرية عند غيرنا فأجاب عليه السلام إن شاء جهر إن صلّى عندهم تقية، و إن شاء أخفى مع عدم التقية، فالتخيير تخيير في الموضوع لا في أصل الحكم.

للإجماع، و تقتضيه السيرة العملية بين المسلمين و الفتوائية بين الإمامية، و تقدم في خبر ابن الضحاك مواظبة الإمام عليه السلام.

لجملة من الأخبار:

منها: صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الجمعة قال عليه السلام: «و القراءة فيها بالجهر»۱۰۳.

و في صحيح ابن مسلم عن صلاة الجمعة في السفر، فقال عليه السلام:

«تصنعون كما تصنعون في الظهر و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة و إنّما يجهر إذا كانت خطبة»۱۰4.

و نحوهما غيرهما. و اشتمال مثل هذه الأخبار على جملة من المندوبات يمنع عن استفادة الوجوب منها» مع أنّه قال في المدارك: «و قد قطع الأصحاب بعدم الوجوب» و عن العلامة في المنتهي: «أجمع كلّ من يحفظ عنه العلم على أنّه يجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، و لم أقف على قول للأصحاب في الوجوب و عدمه، و الأصل عدمه»، و ظاهره عدم تحقق الإجماع على عدم الوجوب و لذا تمسك بالأصل. و يشكل استفادة الندب من الأخبار لورودها في مقام نفي وجوب‏

الإخفات فلا يستفاد منها أكثر من أصل الجواز، إلّا أن يتمسك بالإجماع المدعى على الندب، مع التسامح في الاستحباب بما لا يتسامح في غيره.

لجملة من الأخبار:

منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال عليه السلام: نعم، و القنوت في الثانية»۱۰٥.

و في صحيح ابن مسلم عنه عليه السلام أيضا: «قال عليه السلام لنا:

صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة و اجهروا بالقراءة، فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال عليه السلام: اجهروا بها»۱۰٦.

و عنه عليه السلام في صحيح الحلبي: «عن القراءة في الجمعة إذا صلّيت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ فقال عليه السلام: نعم»۱۰۷.

و يعارض هذه الأخبار صحيح جميل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، فقال عليه السلام: يصنعون، كما يصنعون في غير الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة إنّما يجهر إذا كانت خطبة»۱۰۸.

و مثله ما تقدم في صحيح ابن مسلم، و لذا ذهب بعض الأصحاب إلى المنع، و عن المحقق رحمه اللّه في المعتبر «إنّه أشبه بالمذهب». و لكن نسب إلى المشهور استحباب الجهر.

أقول: يمكن حمل الصحيحين على التقية بقرينة ما تقدم في خبر ابن مسلم «إنّه ينكر علينا». ثمَّ إنّ الظاهر عدم دلالة ما تقدم من صحيح الحلبي و مثله على‏

وجوب الجهر لوروده في مقام دفع توهم الحظر، بل استفادة الاستحباب منه مشكل إلّا أن يبنى فيه على التسامح فالأحوط الإخفات و إن جاز الجهر أيضا.

و أما صلاة العصر يوم الجمعة فمقتضى الإطلاق و العموم الدالان على الإخفات شمولهما لعصر يوم الجمعة أيضا و لا دليل على الخلاف كما ورد في ظهر يومها.

فروع- (الأول): محلّ الجهر و الإخفات خصوص القراءة نصا۱۰۹ و إجماعا، فلا يجبان في غيرها من الأذكار مطلقا، و يتخير فيها بينهما إجماعا.

(الثاني): لا يجب الجهر و لا الإخفات في القراءة في النوافل و الصلوات المندوبة مطلقا، للأصل، نعم، الأولى الإخفات في قراءة النهارية منها و الجهر في الليلة، لقاعدة الإلحاق المحمولة على مجرد الأولوية، لظهور الإجماع على عدم الوجوب.

(الثالث): قضاء الفرائض تابع لأدائها نصّا۱۱۰ و إجماعا فقضاء الظهرين يخفت فيه، و إن كان في الليل، و قضاء العشاءين يجهر فيه و إن كان في اليوم.

(مسألة ۲۱): يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة (۸۳).

نصوصا، و إجماعا ففي خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام «و الإجهار ب «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» في جميع الصلوات سنة»۱۱۱.

و في بعض الأخبار عدّ ذلك من علامات المؤمن‏۱۱۲، و في صحيح صفوان:

«صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام أياما، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها

جهر ب (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) و كان يجهر في السورتين جميعا»۱۱۳.

و نسب إلى الصدوق و القاضي (قدس سرهما) وجوبه لظاهر خبر الأعمش عن جعفر عليه السلام: «و الإجهار ب «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» في الصلاة واجب»۱۱4.

و ما عن عليّ عليه السلام: «و ألزمت الناس بالجهر ب «بسم اللّه الرّحمن الرحيم»۱۱٥.

و فيه: مضافا إلى قصور سندهما، وهنهما بالإعراض، و إمكان الحمل على تأكد الاستحباب، و أما صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«إنّهما سألاه عمن يقرأ «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب، قال عليه السلام: نعم، إن شاء سرّا و إن شاء جهرا، فقالا: أ فيقرؤها مع السورة الأخرى؟ فقال عليه السلام: لا»۱۱٦.

فمحمول على التقية بقرينة ذيله. و مقتضى الإطلاقات الآبية عن التقييد عدم الفرق بين الإمام و غيره، فلا وجه لما عن ابن الجنيد من الاختصاص بالإمام، لما ورد فيه من النصوص بالخصوص لأنّها وردت في بعض مصاديق المطلق فلا ينافي الإطلاق، كما أنّ مقتضاها عدم الفرق بين الأولتين و الأخيرتين و ثالثة المغرب. فلا وجه لما عن الحلبي من الاختصاص بالأولتين، لقاعدة الاحتياط، و لأنّ نصوص الاستحباب بالجهر بالبسملة وردت فيما تتعيّن فيها القراءة و لا تتعيّن القراءة في الأخيرتين، لما يأتي في الفصل التالي. و يرد الأخير بأنّه استحسان مخالف للإطلاق، و الأول بأنّه مخالف لما حقق في الأصول من أنّ المرجع في الشك في الشرطية إنّما هو البراءة دون الاحتياط، مع أنّ عمدة الدليل على الإخفات في الأخيرتين الإجماع و المتيقن منه غير البسملة.

فرع: لو وجب الإخفات لعارض فيمكن دعوى انصراف الأدلة عنه، و يأتي في [مسألة ۲۲] من (فصل أحكام الجماعة) ما ينفع المقام.

(مسألة ۲۲): إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت الصلاة، و إن كان ناسيا أو جاهلا و لو بالحكم صحت (۸٤)، سواء كان الجاهل بالحكم متنبها للسؤال و لم يسأل أم لا، لكن الشرط حصول قصد القربة منه (۸٥)، و إن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة (۸٦).

للإجماع و النص، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال عليه السلام: أيّ ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شي‏ء عليه و قد تمت صلاته»۱۱۷.

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الجهل بالحكم و الموضوع، و لا بين البسيط و المركب، بل الجمود على قوله عليه السلام: «لا يدري» الشمول للشاك أيضا، لصدق أنّه لا يدري، إلّا أن يقال: بالانصراف عنه خصوصا إن كان متمكنا من الفحص و السؤال، و لكنه مشكل.

لبطلان العمل حينئذ من جهة فقد قصد القربة. ثمَّ إنّ الظاهر إمكان حصول قصد القربة من الجاهل المتنبه للسؤال، و كذا من الشاك كما في إتيان جميع العبادات الاحتياطية حيث يحصل منهم قصد التقرب.

أي في صورة التنبه للسؤال، خروجا عن خلاف من أوجبها حينئذ، و لكن لا دليل عليها، لأنّ احتمال البطلان إن كان مستندا إلى فقد قصد القربة فهو خلاف الغرض، و إن كان لأجل شمول التعمد للجاهل المتنبه للسؤال و للشاك كذلك فهو مشكل، للشك في شمول الدليل لهما من جهة الشبهة الموضوعية، فيرجع حينئذ إلى أصالة البراءة عن المانعية.

إن قلت: نعم الجاهل المقصّر بالحكم في هذه المسألة تصح صلاته نصّا و إجماعا و لكنه إن كان من باب اختصاص الحكم بالعالمين فهو غير معقول، كما ثبت في محلّه، و إن كان الحكم مطلقا بالنسبة إلى العالم و الجاهل فلازمه بطلان الصلاة بالنسبة إليه كالعامد، و إن كان من باب تقبل الشارع العمل الناقص بعد وجوده بدلا عن التام و إسقاط ما هو واجب عليه أولا للتسهيل و الامتنان فهو مخالف لما يظهر من الأصحاب في المقام من استحقاق العقاب و ثبوت الإثم و عدم المعذورية، إذ لا معنى لاستحقاق العقاب مع فراغ الذمة عن التكليف.

قلت أولا: اختصاص التكليف بالعالمين معقول، كما أثبتناه في الأصول.

و ثانيا: إنّ ظاهر الصحيحة: «تمت صلاته و لا شي‏ء عليه».

عدم استحقاق العقاب فلو تمَّ إجماع عليه نقول به و إلّا فمجرد النسبة إلى الأصحاب لا يكون دليلا عليه ما لم يكن إجماعا، فيصح اختيار الوجه الأخير بعد عدم ثبوت الإثم.

و ثالثا: إنّ لكلّ واحد من الجهر و الإخفات في محلّه مصلحة تختص به لا تتغير بالجهل بالحكم، و مصلحة أخرى في طول تلك المصلحة الأولية لأجل التسهيل فيصح العمل لأجل درك المصلحة الثانية و يستحق العقاب لتفويت المصلحة الأولى.

إن قيل: أيّ تسهيل و تيسير على الأمة بعد استحقاق العقاب على المخالفة؟

يقال: التسهيل إنّما هو في عدم الإعادة أو القضاء، و في استحقاق العقاب أيضا مصلحة الترغيب إلى تعلم الحكم و عدم إهماله، مع أنّه من اللّمم المكفرة، فلا يبقى أثره إلى الآخرة إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ۲۳): إذا تذكر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا تجب عليه إعادة القراءة، بل و كذا لو تذكر في أثناء القراءة حتّى لو قرأ آية لا تجب إعادتها (۸۷)، لكن الأحوط الإعادة خصوصا إذا كان في الأثناء (۸۸).

كلّ ذلك لإطلاق قوله عليه السلام: «تمت صلاته و لا شي‏ء عليه» فإنّه لو وجبت في الصلاة إعادة شي‏ء من تمام القراءة أو بعضها، لما قال عليه السلام: «تمت صلاته و لا شي‏ء عليه»، مع أنّه لا وجه للإعادة في التسهيل المطلق و الامتنان المحض.

جمودا على احتمال انصراف الدليل عن الصورتين، و لكن الإطلاق ثابت فالاحتمال ساقط. نعم، لا بأس بالإعادة بعنوان الرجاء.

(مسألة ۲٤): لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما، أو جاهلا بمحلّهما بأن علم إجمالا أنّه يجب في بعض الصلوات الجهر و في بعضها الإخفات إلا أنّه اشتبه عليه أنّ الصبح مثلا جهرية و الظهر إخفاتية بل تخيّل العكس- أو كان جاهلا بمعنى الجهر و الإخفات فالأقوى معذوريته في الصورتين (۸۹)، كما أنّ الأقوى معذوريته (۹۰) إذا كان جاهلا بأنّ المأموم‏ يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه و إن كانت الصلاة جهرية فجهر، لكن الأحوط فيه و في الصورتين الأولتين الإعادة (۹۱).

لإطلاق الدليل الشامل لهما فإنّه يصدق عرفا أنّه لم يتعمد الجهر في محلّ الإخفات أو بالعكس. نعم، يصدق أنّه تعمّد الجهر في صورة العلم الإجمالي في الجملة، و لكنه لم يقع في مورد الدليل حتّى يوجب البطلان، و إنّما الواقع فيه تعمّد الجهر في موضع الإخفات و بالعكس فلا بد من تعلق التعمد بالحال و المحلّ معا فلا يكفي تعلقه بأحدهما فقط.

للإطلاق الشامل له أيضا، و لو استشكل فيه بالانصراف أو الشك في الشمول، فالمرجع هو القواعد، و مقتضى حديث «لا تعاد» الصحة مع عدم التعمد. و أما معه فإن اكتفى بما خالف فيه فتبطل الصلاة من جهة الترك العمدي للواجب الصّلاتي، و إن تدارك المأتيّ به بحسب الوظيفة، كما إذا جهر من وظيفته الإخفات في آية من الفاتحة مثلا، أو في تمامها ثمَّ تاب و أتى بها إخفاتا،

فالبطلان مبنيّ على انطباق الكلام المحرّم و الزيادة المبطلة على ما أتى به و ظاهرهم ذلك، و يأتي ما يتعلق به إن شاء اللّه تعالى.

ظهر وجه الاحتياط مما مرّ، و الأولى أن يكون بعنوان الرجاء.

فروع- (الأول): يأتي حكم الجهر في الأخيرتين من الرباعية و أخيرة، المغرب في الفصل التالي [مسألة ٤] و ما بعدها.

(الثاني): لو جهر في موضع الإخفات أو العكس و شك في أنّه كان بعنوان العمد أو غيره فمقتضى الأصل الصحة.

(الثالث): لو علم إجمالا أنّه إما تعمد في ذلك أو كان ذلك بعنوان النسيان تصح صلاته و لا شي‏ء عليه، لأصالة البراءة عن الإعادة و حديث «لا تعاد».

(مسألة ۲٥): لا يجب الجهر على النساء في الصلوات الجهرية (۹۲) بل يتخيرن بينه و بين الإخفات (۹۳) مع عدم سماع الأجنبي، و أما معه فالأحوط إخفاتهنّ (۹٤)، و أما في الإخفاتية فيجب عليهنّ الإخفات كالرجال و يعذرن في ما يعذرون فيه (۹٥).

للنص و الإجماع، ففي خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال عليه السلام: لا، إلّا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها»۱۱۸.

و ذيله محمول على الندب، لكونه بالنسبة إلى إمامة الرجل مندوبا، فكيف بالمرأة المطلوب منها التستر مهما أمكن، و يشهد لأصل المسألة اهتمام الشارع بتسترهنّ مهما أمكن حتّى ورد أنّ صلاتها في المخدع أفضل من صلاتها في بيتها»۱۱۹.

و أما الاستدلال‏ على سقوط الجهر بالنسبة إليهنّ بأنّ صوتهنّ عورة فيجب‏

عليهنّ إخفاء صوتهنّ، كما يجب ستر بدنهنّ. فمردود أولا: بعدم ثبوت كون صوتهنّ عورة، كما يأتي في النكاح إن شاء اللّه تعالى.

و ثانيا: بأنّه على فرض الثبوت يدل على وجوب الإخفات و حرمة الجهر، و هو خلاف إجماعهم على عدم حرمته.

و ثالثا: بأنّ عورية الصوت إنّما هي بالنسبة إلى سماع الأجنبيّ فقط. فإذا لم يكن أجنبيّ في البين فأيّ حرمة حينئذ، و ليست هي كعورية العورتين حتّى يجب سترها حتّى في الخفاء، و حتّى عن المحارم، فالدليل أعم من المدعى.

لأنّه بعد أن لم يتم دليل على حرمة الجهر و لا على وجوب الإخفات يتحقق التخيير لا محالة فهو تخيير عقليّ قهريّ.

للخروج عن خلاف من أوجبه، و قال في كشف اللثام: «اتفقت كلمة الأصحاب على أنّ صوتها عورة يجب عليها إخفاؤه عن الأجانب».

و فيه: أنّه كيف يمكن دعوى الاتفاق مع وجود الخلاف في كلّ طبقة، و يأتي في [مسألة ۳۹] من (كتاب النكاح) الاحتياط الاستحبابي في ترك سماع صوتها و عدم العورية إلّا أن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، و يمكن أن يجمع بذلك بين الكلمات و لا بأس به و إن أبى ظاهر بعض الكلمات عنه.

ثمَّ إنّها لو جهرت في مورد الحرمة تشكل صحة صلاتها، لأنّ الجهر من الكيفيات الداخلية للصلاة، فيكون من النهي في العبادة، فتصير نفس العبادة من مظاهر الفساد، و ليس النهي متعلقا بخارج العبادة حتّى لا تفسد.

لقاعدة الاشتراك، و عدم دليل على التخصيص بالرجال.

(مسألة ۲٦): مناط الجهر و الإخفات: ظهور جوهر الصوت و عدمه (۹٦)، فيتحقق الإخفات بعدم ظهور جوهره و إن سمعه من بجانبه قريبا أو بعيدا.

لأنّ هذا هو المتعارف منهما، و عليهما سيرة المسلمين في صلواتهم الجهرية و الإخفاتية، و الأدلة تنزل على المعهود المتعارف من بدء تشريعهما، و الظاهر أنّ ذلك لم يكن بتعليم أحد لهم معنى الجهر و الإخفات، بل لأجل اقتضاء فهمهم العرفي ذلك، و معلوم أنّه ليس فيهما حقيقة شرعية، و ليس للفقهاء اصطلاح خاص فيهما. فكلّ ما ذكروا في تعريفهما إنّما هو إشارة إلى المعنى المتعارف، و إن كانت العبارات مختلفة و حيث إنّ الشبهة مفهومية، فالمرجع في اعتبار شي‏ء خاص في كلّ واحد منهما أصالة البراءة، و ليس المفهوم مبينا مع كون الشبهة في المصداق حتّى يكون المورد من موارد الاحتياط، و حينئذ فمع صدق الجهر أو الإخفات عرفا فلا ريب في الإجزاء إن كان كلّ ذلك في محلّه، كما لا ريب في البطلان إن كان في غير محله و كان ذلك بالعمد و إن تردد العرف في صدق الجهر أو الإخفاء عليه، كبعض أقسام البحة فمقتضى الأصل عدم المانعية إن كان عمدا و كان في غير المحلّ، و كذا إن كان في المحلّ، لأنّ مقتضى أصالة الصحة، و حديث «لا تعاد» صحة هذه الصلاة بعد عروض الشك في البطلان من هذه الجهة، إلّا أن يقال:

إنّ المستفاد من الأدلة حصر القراءة بين الجهر و الإخفات فلا يجزي ما هو خارج عنهما، فتدل نفس هذه الأدلة على البطلان في صورة التعمّد بما لا يصدق كلّ واحد منهما عليه، و حينئذ فلو أتى بالقراءة ببعض مراتب البحة فيما يجب فيه الجهر مع عدم صدق الجهر عليه و كان ذلك عن عمد لم يأت بالمأمور به عمدا، و كذا في الإخفات مع عدم صدق الإخفات عليه، و لكن استفادة ذلك من الأدلة مع أنّ الجهر و الإخفات مراتب كثيرة مشكلة جدّا بعد فرض كونهما من المبيّنات العرفية. و أما كون ذلك مانعا عن صحة الصلاة فلا يستفاد ذلك عن الأدلة اللفظية فيرجع فيه إلى أصالة البراءة و حديث «لا تعاد»، كما تقدم.

(مسألة ۲۷): المناط في صدق القراءة قرآنا كان أو ذكرا أو دعاء ما مر في تكبيرة الإحرام من أن يكون بحيث يسمعه نفسه تحقيقا أو تقديرا (۹۷) بأن كان أصمّ أو كان هناك مانع من سماعه، و لا يكفي سماع الغير (۹۸) الذي هو أقرب إليه من سمعه.

لأنّ ذلك هو المناط في صدق القراءة عرفا أيضا، و قد تقدم في [مسألة ٥] من (فصل تكبيرة الإحرام)، فراجع.

لقول أبي جعفر عليه السلام: «لا يكتب من القراءة و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه»۱۲۰.

و لكن الظاهر أنّ فرض سماع الغير من دون سماع النفس غير واقع ظاهرا، و يمكن أن يقال: إنّ ذكر إسماع النفس لا موضوعية فيه و إنّما هو طريق لتحقق السماع في الجملة خارجا، فيكفي حينئذ سماع الغير و لو لم يسمع نفسه إن فرض تحققه.

(مسألة ۲۸): لا يجوز من الجهر ما كان مفرطا خارجا عن المعتاد كالصياح فإن فعل، فالظاهر البطلان (۹۹).

للإجماع، و للنهي عن الجهر العالي في قوله تعالى‏ وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها۱۲۱، و في خبر سماعة: «المخافتة دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديدا»۱۲۲.

فيكون من النهي في العبادة الموجب للبطلان، و في خبر عمار: «الجهر بها رفع الصوت، و التخافت ما لم تسمع نفسك»۱۲۳.

و يظهر منهم الإجماع على البطلان أيضا.

(مسألة ۲۹): من لا يكون حافظا للحمد يجوز أن يقرأ في‏ المصحف (۱۰۰)، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضا على الأقوى (۱۰۱)، كما يجوز له اتباع من يلقنه (۱۰۲) آية فآية، لكن الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ و الائتمام (۱۰۳).

لإطلاق أدلة القراءة، و ظهور الإجماع على الجواز حينئذ، و لأصالة البراءة عن اشتراط القراءة عن ظهر القلب، و أصالة البراءة عن الائتمام مع التمكن منه، و كذا الكلام في تلقين الغير آية فآية.

للأصل، و الإطلاق، و خبر الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«ما تقول في الرجل يصلّي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ قال عليه السلام: لا بأس بذلك»۱۲4.

نعم، في خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه يقرأ و يصلّي؟ قال عليه السلام: لا يعتد بتلك الصلاة»۱۲٥.

و طريق الجمع هو الحمل على الكراهة.

و ذهب جمع إلى عدم الجواز بالنسبة إلى القادر، للانصراف عنه، و لأنّ المعهود فيه القراءة عن ظهر القلب، و لأنّ القراءة بالنسبة إلى القادر عن المصحف مكروهة قطعا و لا مكروه في الصلاة، و لأنّ الصلاة معها في معرض البطلان لعروض ما يمنع عن القراءة عن المصحف.

و الكلّ مخدوش، لأنّ الانصراف بدوي و المعهودية من باب الغالب و اشتمال الصلاة على المكروه لا يوجب البطلان إجماعا، بل ضرورة، و المعروضية لا توجبه أيضا مع الاطمئنان العرفي بإمكان الإتمام إلّا إذا كانت بحيث تخلّ بقصد الصلاتية، و أما لو لم يكن كذلك و اتفق في الأثناء ما يوجب البطلان فلا يضرّ ذلك بقصد الصلاة، و قد تقدم في الثالث من (شروط مكان المصلّي) ما ينفع المقام. و أما خبر ابن أوفى: «أنّ رجلا سأل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: فقال إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال صلّى اللّه عليه و آله:

قل سبحان اللّه و الحمد للّه»۱۲٦.

و لم يأمره بالقراءة من المصحف فلا بد من رد علمه إلى أهله لجواز القراءة من المصحف لمثله إجماعا.

لإطلاق الأدلة الشامل للتلقين أيضا، و لأصالة البراءة عن وجوب المباشرة.

خروجا عن خلاف من أوجبها.

(مسألة ۳۰): إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه، و لو توهما (۱۰٤)، و الأحوط تحريك لسانه بما يتوهمه (۱۰٥).

لقاعدة الميسور، و إمكان استفادته من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر السكوني: «تلبية الأخرس و تشهده، و قراءة القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه»۱۲۷.

و إن كان المقام من مراتب الأخرس أو ملحقا به عرفا فهذا الحديث يدل عليه أيضا. و أما خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل، هل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال عليه السلام: لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهم توهما»۱۲۸.

فلا بد من رده إلى أهله، لعدم عامل به، أو يحمل على صورة عدم القدرة لغير ذلك.

إن كان هذا من الأخرس موضوعا أو حكما، فيشمله ما تقدم من‏

خبر السكوني الدال على تحريك اللسان و الإشارة باليد و إن لم يكن منه فوجه الاحتياط احتمال جريان قاعدة الميسور بالنسبة إليه.

(مسألة ۳۱): الأخرس يحرّك لسانه، و يشير بيده إلى ألفاظ القراءة بقدرها (۱۰٦).

حال القراءة بالنسبة إلى الأخرس حال سائر مقاصده العرفية التي يبرزها لغيره عند الحاجة، فبأيّ نحو يبرز مقاصده الشخصية لمخاطبه عند الاحتياج إليها يأتي بالقراءة هكذا، و ما تقدم في خبر السكوني منزل على هذا أيضا و لا ريب في تحقق تحريك اللسان و الإشارة باليد في الجملة أيضا و لكن الأخرس على أقسام:

قسم منه: من يكون متوجها ملتفتا إلى ألفاظ القراءة و معانيها تفصيلا. و قسم منه: من يعلم بالقراءة إجمالا. و قسم منه: من لا يعلم ذلك أصلا.

و لا إشكال في تحقق عقد القلب و تحريك اللسان و الإشارة بالإصبع بالنسبة إلى الأول و كذا بالنسبة إلى الثاني بنحو الإجمال و أما الثالث فلا موضوع لها بالنسبة إليه. و أما الأخير، فمقتضى الأصل عدم وجوب شي‏ء عليه إلّا أنّ الظاهر شمول إطلاق ما تقدم من خبر السكوني له أيضا، فيجب عليه ذلك و تقتضيه قاعدة الميسور أيضا.

(مسألة ۳۲): من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم (۱۰۷) و إن كان متمكنا من الائتمام (۱۰۸) و كذا يجب تعلم سائر أجزاء الصلاة (۱۰۹)، فإن ضاق الوقت مع كونه قادرا على التعلم فالأحوط الائتمام إن تمكن منه (۱۱۰).

لا إشكال في إطلاق الوجوب و إن قدر على الائتمام إن كان الوجوب نفسيا، كما يدل عليه إطلاق معقد الإجماع المدعى في المعتبر و المنتهى فإنّ إطلاقه يقتضي أن يكون الوجوب نفسيا عينيا تعيينيا، و قال في الجواهر: «أطلق الأصحاب هنا وجوب التعلم إطلاقا ظاهرا في التعيين»، و تقتضيه مرتكزات المتدينين فإنّهم يهتمون بتعلم الصلاة كاهتمامهم بالواجبات النفسية و يشهد له كثرة

اهتمام الشارع بالصلاة أيضا. و بالجملة: الوجوب النفسي مطابق لمذاق الشارع و الفقه و الفقاهة، فيصح قولهم حينئذ: «فإن ترك التعلم و أتم تصح صلاته و إن أثم». و أما إن كان وجوب التعلم إرشاديا محضا، فلا وجه للإثم غير إثم ترك أصل الصلاة، كما لا وجه لوجوبه مع التمكن الفعلي من الائتمام أو تلقين الغير.

لقبح تفويت التكليف المعلوم مع التمكن منه.

يظهر مما تقدم في القراءة تقريب استظهار الوجوب النفسي في تعلم سائر أجزاء الصلاة و أفعالها.

لأنّه حينئذ متمكن من إتيان المأمور به بتمامه و كماله فلا موضوع للإجزاء بغيره، مع أنّه مع التقصير- كما هو المفروض- يشكل شمول دليل صحة الصلاة الاضطرارية له، و كذا قاعدة الميسور، لعدم الإجماع على الاعتماد عليها حينئذ. و لما نسب إلى الموجز و شرحه من وجوب الجمع بين الأداء في الوقت بما تيسير و القضاء في خارجه بعد التعلم، فعلى هذا يجب عليه الائتمام، كما أفتى به الماتن رحمه اللّه في فصل الجماعة.

و فيه أولا: أنّه بعد العلم بعدم سقوط أصل الصلاة عنه، كما هو المرتكز في أذهان المتشرعة، و يشهد له المرسل: «لا تسقط الصلاة بحال»۱۲۹.

يشك في وجوب الائتمام عليه، و مقتضى الأصل عدمه، لأنّ قراءة الإمام مسقطة عن قراءة المأموم، و العجز أيضا مسقط لها و تعين أحد المسقطين دون الآخر يحتاج إلى دليل و هو مفقود، بل مقتضى الأصل عدم التعيين، و كذا لو شك في أنّ قراءة الإمام مسقط أو بدل عن أحد فردي التخيير، لعدم الدليل على التعيين حينئذ، بل مقتضى الأصل عدمه. نعم، لو علم أنّ قراءة الإمام في عرض قراءة المأموم و بدل عنها و كانت أحد فردي الواجب التخييري تعيّن الائتمام‏

حينئذ، لأنّه إذا تعذر أحد فردي الواجب التخييري تعيّن الفرد الآخر، و لكن من أين يعلم ذلك، و بأيّ وجه يستدل عليه. نعم، أصل السقوط في الجملة مسلّم، و لكنه أعم من الوجوب التخييري، كما هو المعلوم.

و ثانيا: أنّ مقتضى ما دل على أنّ العاجز يأتي بما هو ميسوره حين العجز هو الاكتفاء بما تيسر، بلا فرق بين ما إذا كان العجز لآفة أو للتقصير و إن أثم في الأخير، و لكنه لا ينافي الإجزاء و سقوط القضاء، كما في سائر التكاليف الاضطرارية الحاصلة بسوء الاختيار. و ما ورد في الأخرس، و المحرم من العجم، و أنّ سين بلال شين عند اللّه‏۱۳۰، و ما يأتي من صحيح ابن سنان عمومها شامل للمقام أيضا، فإنّها و إن وردت في موارد خاصة، و لكن المورد لا يكون مخصصا، مع أنّ كونها امتنانية يقتضي التعميم، مضافا إلى كثرة من لا يحسن القراءة من سواد الناس.

و ثالثا: أنّه لم يعهد منهم (قدس سرهم) إجماع على وجوب الائتمام في موارد هذه الأعذار مع كون المسألة ابتلائية، و عدم تعرض النصوص له و عدم سؤال الرواة عنه مع شدة الحاجة.

فتلخص: أنّ وجوب الائتمام لا دليل عليه بوجه، بل مقتضى الأصل و ظاهر ما تقدم عدمه، نعم، هو الأحوط.

(مسألة ۳۳): من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف و لا يستطيع أن يتعلم أجزأه ذلك (۱۱۱) و لا يجب عليه الائتمام و إن كان أحوط (۱۱۲)، و كذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام.

يظهر منهم عدم الخلاف في عدم وجوب الائتمام عليه و على الأخرس.

لقاعدة الميسور، و ظهور عدم الخلاف، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام في خبر مسعدة: «إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح- الحديث»۱۳۱.

و عنه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «إنّ الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ

القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيته»۱۳۲.

و قد ورد أنّ «سين بلال شين عند اللّه تعالى»۱۳۳.

(مسألة ۳٤): القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما يعلم (۱۱۳) و قرأ من سائر القرآن عوض البقية (۱۱٤)، و الأحوط مع ذلك‏ تكرار ما يعلمه بقدر البقية (۱۱٥)، و إذا لم يعلم منها شيئا قرأ من سائر القرآن (۱۱٦)، بعدد آيات الفاتحة بمقدار حروفها (۱۱۷). و إن لم يعلم شيئا من القرآن سبّح و كبّر و ذكر بقدرها (۱۱۸)، و الأحوط الإتيان‏ بالتسبيحات الأربع (۱۱۹) بقدرها (۱۲۰) و يجب تعلم السورة أيضا (۱۲۱)، و لكن الظاهر عدم وجوب البدل لها (۱۲۲) في ضيق الوقت و إن كان أحوط (۱۲۳).

للإجماع، و لقاعدة الميسور.

لما استدل عليه تارة: بقاعدة الاشتغال. و فيه: أنّ المقام من موارد الأقلّ و الأكثر و المرجع فيه البراءة كما ثبت في محلّه. و أخرى: بقوله تعالى‏ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ‏۱۳4.

و فيه: أنّه يصدق بالنسبة إلى ما يعلم أيضا فقد حصل الامتثال و الزائد عليه مشكوك في أصل التكليف، فيرجع فيه إلى البراءة العقلية و النقلية. و ثالثة: بخبر الفضل: «و إنّما أمر الناس بالقراءة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا- إلى أن قال- و إنّما بدأ بالحمد»۱۳٥.

حيث يدل على أنّ اختيار الحمد لتعدد المطلوب و مع الجهل به أو ببعضه لا يسقط المطلوب الأولى و هو قراءة القرآن. و فيه: مضافا إلى قصور سنده، أنّه في‏

مقام بيان حكمة التشريع و المناسبة المقتضية له كما هو واضح و ليس في مقام بيان الحكم الفعلي أو العلة المنحصرة للحكم، مع أنّه يصدق بالنسبة إلى قراءة ما يعلم من الفاتحة أيضا. و رابعة: بقوله عليه السلام: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»۱۳٦.

خرج منه ما إذا أتى بما يعلم و عوّض عما لا يعلم فتكون صورة عدم التعويض باطلة. و فيه: أنّه في حق القادر على الفاتحة، و أما العاجز عن تمامها أو بعضها، فيرجع إلى سائر الأدلة و الأصول و تقدم أنّ مقتضى الأصل البراءة عن التعويض. و خامسة: بالنبوي: «إذا قمت إلى الصلاة فإذا كان معك قرآن فاقرأه و إلّا فاحمد اللّه و هلّله و كبّره»۱۳۷.

و فيه: مضافا إلى قصور سنده أنّه ظاهر فيما إذا جهل تمام القراءة كما يأتي في الفرع التالي لا البعض كما في المقام فأصالة البراءة عن وجوب التعويض عن البعض لا حاكم عليها، فما نسب إلى المشهور من وجوب التعويض من سائر القرآن لم يتم دليل عليه و لذا ذهب جمع إلى كفاية الاقتصار على ما يعلم و عدم وجوب التعويض عليه- هذا و لكنه يمكن أن يقال: إنّه و إن أمكنت المناقشة في كلّ واحد مما مر من الأدلة إلّا أنّ مجموعها مما يوجب الظنّ بوجوب التعويض و لا يقصر ذلك عن سائر الظنون الاجتهادية.

ثمَّ إنّ المشهور عند القائلين بوجوب التعويض أنّه يعتبر أن يكون بغيرها من القرآن لا بتكرار ما يعلم من الفاتحة، لأنّ الشي‏ء الواحد لا يكون أصلا و بدلا.

و فيه: أنّه مجرد استبعاد لا يصلح مدركا للحكم كما أنّ ما حكي عن بعض من تعين تكرار ما يعلم من الفاتحة، لأنّه أقرب إليها من غيرها كذلك أيضا. نعم، يمكن دعوى انصراف أدلة التعويض على فرض التمامية إلى غير الفاتحة من سائر آيات القرآن.

ظهر وجه الاحتياط مما مر و لا بأس به رجاء.

لما تقدم من خبر الفضل، و النبوي، و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان: «إنّ اللّه فرض من الصلاة الركوع و السجود ألا ترى لو أنّ رجلا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي»۱۳۸.

و هو المشهور أيضا، و ظاهرها تقديم قراءة القرآن على الذكر، فلا وجه للتخيير بينهما كما عن المحقق رحمه اللّه في الشرائع.

لدعوى: أنّ المنساق من الأدلة عرفا ذلك، و لذا ذهب إليه المشهور و لكن مقتضى الأصل و الإطلاق صحة الاجتزاء بالمسمّى كما قال به بعض، و ليس في الأدلة لفظ القدر و المقدار و نحوهما حتّى يبحث عن أنّه من حيث المقدار في الآيات، فلا دليل على المشهور إلّا دعوى الانسباق العرفي و لو نوقش فيه، فالمرجع إنّما هو الأصل و الإطلاق و مقتضاهما الاكتفاء بالمسمّى.

لما تقدم من قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح ابن سنان‏۱۳۹ لأنّ غيره قاصر سندا و لا بد من إرجاع غيره إليه. و الصحيح مشتمل على التكبير و التسبيح و

الصلاة، و احتمال كون الاقتصار على الثلاثة لأجل المثال لمطلق الذكر قريب جدا، مع أنّ ذكر التسبيح و إرادة الأعم منه و من التحميد و كذا العكس شائع في الأخبار، و قد ورد عن أبي جعفر عليه السلام: «أنّ ذكرنا من ذكر اللّه تعالى»۱4۰.

فتكون الصلاة عليهم، عليهم السلام من ذكر اللّه أيضا، فيصح الاكتفاء بمطلق ذكر اللّه جلّ جلاله، فيشمل التهليل، بل الحوقلة أيضا بعد صحة حمل ما ذكر في صحيح ابن سنان و غيره على الغالب و المثال، و يأتي في النبويّ ذكر الحوقلة أيضا.

لثبوت بدليتها عن الفاتحة في الأخيرتين و اختاره جمع و استوجهه في الذكرى، و جعله في المدارك و غيره الأحوط، و استشهد له بالنبويّ: «قال له صلّى اللّه عليه و آله رجل: إنّي لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلّمني ما يجزيني في الصلاة، فقال صلّى اللّه عليه و آله قل سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر و لا حول و لا قوة إلّا باللّه العليّ العظيم. قال: هذا للّه فما لي قال صلّى اللّه عليه و آله: قل: اللهمّ اغفر لي و ارحمني و اهدني و ارزقني و عافني»۱4۱.

و لكن كلّ ذلك لا يصلح للوجوب كما هو واضح، لإطلاق صحيح ابن سنان الذي هو الأصل في المقام. نعم، يصلح ما ذكر للاحتياط.

تقدم الكلام فيه.

لعين ما تقدم في تعلم الفاتحة.

للأصل، و دعوى الإجماع على عدم وجوب البدل لها مع الجهل و ما تقدم من الأدلة موردها صورة الجهل بالقراءة مطلقا، فلا تشمل صورة العلم بالفاتحة و الجهل بالسورة.

لاحتمال شمول الأدلة لها أيضا، و لكن لا وجه لهذا الاحتمال و دعوى الإجماع على العدم. نعم، لا بأس به رجاء.

فروع- (الأول): إذا جهل بكلّ من الفاتحة و السورة، فظاهر الأدلة كفاية التبديل عن الفاتحة للسورة أيضا و يقتضيه الأصل، لكون المقام من صغريات الأقلّ و الأكثر، فإنّ الشك في ثبوت البدل للسورة، بل لا شك في عدم وجوب التبديل عن السورة عند الجهل بها، و لكن الأحوط التبديل عنها أيضا رجاء.

(الثاني): إذا لم يعلم من القران إلّا سورة التوحيد- مثلا- فلا إشكال في عدم سقوط السورة عنه، فيجب الإتيان بها و تعوض عن الفاتحة بمقدارها و ليس ذلك من القران الممنوع، لانصرافه عنه.

(الثالث): إذا لم يعلم من القرآن إلّا آية أو آيتين يكررها بقدر الفاتحة.

(مسألة ۳٥): لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة، بل و كذا على تعليم سائر الأجزاء الواجبة من الصلاة (۱۲٤)، و الظاهر جواز أخذها على تعليم المستحبات (۱۲٥).

لأصالة احترام العمل التي هي أهم الأصول النظامية العقلائية فتشمله الإطلاقات و العمومات الشرعية و لا مانع في البين إلّا دعوى وجوب تعليم المستحبات في الجملة أيضا. و فيه: أنّه على فرض صحتها ليس بمانع كما تقدم، أو دعوى أنّ تعليمها أيضا يكون مجانيا. و فيه: منع لعدم الدليل عليه من عقل أو نقل و قد استظهرت المجانية في الواجبات الابتلائية من بناء العقلاء في الجملة، و تقبيحهم أخذ الأجرة على الواجبات الابتلائية في الدّين، و لو فرض هناك إجماع فالمتيقن منه خصوص الواجبات فقط، فتبقى المندوبات تحت الأصل، و يأتي في كتاب الإجارة في [مسألة ۳۱] من (فصل لا يجوز إجارة الأرض) ما له نفع في المقام إن شاء اللّه تعالى و كذا في كتاب البيع.

المشهور عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب بتمام أقسامه و استدل عليه تارة: بالإجماع. و أخرى: بأنّه أكل للمال بالباطل، لعدم وصول عوض منه إلى المستأجر. و ثالثة: بأنّه مناف للإخلاص. و رابعة: بأنّ معنى الوجوب استحقاق العمل للّه تعالى، فلا يمكن استحقاق غيره له.

و خامسة: بأنّ الوجوب يوجب إلقاء مالية العمل و لذا يقهر عليه مع الامتناع.

و الكلّ باطل، إذ يرد على الأول: أنّ الإجماع غير متحقق مع هذا الاختلاف الكثير.

و على الثاني: أنّه ليس من أكل المال بالباطل إذ يكفي في العوض مطلق الغرض الصحيح الذي لم ينه عنه الشارع و لا ريب في تحققه.

و على الثالث: أنّه لا منافاة فيه للإخلاص، لإمكان أن يكون أخذ الأجرة من موجبات حصول القربة في العمل و دواعيه، مع أنّه أعم، لإمكان كون الواجب توصليا، مضافا إلى أنّ الكلام في تعليم الواجب لا في عمله، و لا دليل على أنّ تعليم الواجب تعبدي، بل مقتضى الأصل عدمه.

و على الرابع: بأنّ مالكية اللّه تعالى للعمل، و لذات العامل حقيقية واقعية و استحقاق العامل لعمله اعتباريّ ظاهريّ و لا منافاة بينهما، و هذا الإشكال جار في جميع أموال العباد و أعمالهم و لا اختصاص له بالواجبات فإنّ‏ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ*۱4۲و لا محذور فيه، لأنّه تعالى مالك العباد و أموالهم و أعمالهم و جميع شؤونهم و أعطى العامل استحقاق عمله و ملكه على أمواله، فالاستحقاق موهبة منه تعالى لعباده و لا محذور فيه من عقل أو نقل، بل هو المناسب لفضله غير المتناهي، فلا المالكية المطلقة تزيده تعالى فضلا و لا العطيات غير المتناهية تنقصه شيئا.

و على الخامس: بأنّ الوجوب و القهر مع الامتناع لا يوجب سلب المالية كما في موارد الاحتكار و غيرها. و العمدة في الدليل أنّ تعليم الصلاة مجانيّ، بل من أهم الحقوق المجانية للمسلمين بعضهم على بعض تعليم الصلاة و ما يتعلق بها و كذا سائر واجبات فروع الدّين الابتلائية، و الظاهر كون الحكم كذلك في جميع الملل و الأديان بالنسبة إلى أهم واجبات دينهم أصولا كانت، أو فروعا.

(مسألة ۳٦): يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة، و بين كلماتها و حروفها (۱۲٦)، و كذا الموالاة (۱۲۷)، فلو أخلّ بشي‏ء من ذلك عمدا بطلت صلاته (۱۲۸).

لخروج المأتي به حينئذ عن الجزئية، فيكون من الزيادة العمدية لا محالة فتبطل الصلاة بها على ما يأتي في الخلل، و إن نوقش في ذلك يكفي ظهور إجماعهم على البطلان، فلا وجه لما نسب إلى المبسوط و غيره من عدم بطلان الصلاة، بل تبطل نفس الكلمة، فتستأنف و يصح أصل الصلاة. نعم، لو كان ذلك بغير العمد من نسيان أو سهو أو غفلة أو عروض عارض تستأنف الكلمة و تصح الصلاة حينئذ، و لكن يمكن تقوية ما نسب إلى المبسوط و غيره من أنّ عمدة الدليل على البطلان إنّما هو الإجماع و المتيقن منه بطلان ذات الكلمة لا أصل الصلاة، فأصالة الصحة محكمة إلا أن يقال: اشتمال الصلاة على الباطل العمدي الداخلي يسقطها عن صلاحية التقرب بها.

لظهور الإجماع، و لالتزام المصلّين عليها من أول تشريع الصلاة خلفا عن سلف نحو التزامهم بواجباتها، مع أنّ الموالاة العرفية معتبرة في التكلمات المحاورية بين الناس بحيث يعد تركها نقصا محاوريا بينهم، و القراءة الواجبة منزلة على ما هو المتعارف بين الناس في محاوراتهم و هم يقبحون السكوت الخلاف المتعارف القصير بين الحروف و الكلمات، فكيف بالطويل منه.

إن قيل: فعلى هذا تعتبر الموالاة في مطلق قراءة القرآن و لو كانت مندوبة و لم تكن شرطا لصلاة أو نحوها. قلت: نعم، و لكن حيث يجوز فيها ترك القراءة رأسا و القطع على الآية و ترك قراءة ما بعدها، بل الاكتفاء ببعض الآية لا أثر للموالاة حينئذ. و لكن لو بنى على قراءة سورة تامة أو آية كذلك، فالظاهر التزام المتعارف بالموالاة فيها أيضا.

لإجماع المسلمين، و ظواهر نصوص المعصومين عليهم السلام‏۱4۳.

(مسألة ۳۷): لو أخلّ بشي‏ء من الكلمات أو الحروف أو بدّل حرفا بحرف حتّى الضاد بالظاء أو العكس بطلت (۱۲۹)، و كذا لو أخلّ‏ بحركة بناء أو إعراب أو مد واجب أو تشديد أو سكون لازم، و كذا لو أخرج حرفا من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب (۱۳۰).

لأنّ القرآن نزل على ما هو المعهود في عرف العرب، فلا بد من مراعاة ما تعارف فيه.

لأنّ ما أخلّ به إما جزء أو شرط، فإن كان الأول فالكلّ ينتفي بانتفاء الجزء و إن كان الثاني فالمشروط ينعدم بانعدام الشرط، إلّا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في الموردين، و كذا الكلام في بقية المسألة، فلا ريب في بطلان الكلمة التي أخلّ بشي‏ء منها و حينئذ فإن كان الإخلال عمديّا تبطل الصلاة لما مر، و إن كان سهوا أو نسيانا و تذكر في المحلّ وجب الاستئناف و إن لم يستأنف تبطل الصلاة للنقيصة العمدية، و إن تذكر بعد الدخول في الركن اللاحق تصح صلاته و لا شي‏ء عليه، لحديث «لا تعاد»۱44 و يأتي التفصيل في محله.

ثمَّ إنّ اعتبار حروف الكلمات في قوامها مما لا ريب فيه، لكون وضعها كذلك، فهي مقوّمة لذات الكلمة، و أما الحركة و البناء و السكون اللازم و المد الواجب، فوجوب ذلك كلّه في اللغة العربية يكشف عن وجوب مراعاتها في القراءة القرآنية أيضا، لفرض نزولها باللغة العربية، و ظاهر الفقهاء وجوب مراعاة ما هو واجب الاعتبار في النحو و الصرف، و عن العلامة الطباطبائي (قدّس اللّه سرّه).

و كلّما في النحو و الصرف وجب‏ فواجب و يستحب المستحب‏

 

و لكن الشأن في ثبوت الوجوب بما قالوا بوجوبه و ثبوت الإجماع المعتبر على وجوب كلّ ما قالوا بوجوبه لعدم إشارة إلى شي‏ء من ذلك في الأخبار مع كون الموضوع من الأمور الابتلائية في آناء الليل و أطراف النهار و لو كان شيئا لظهر و بان من أول البعثة. إلّا أن يقال: إنّ إطلاقات قراءة القرآن تكفي في ذلك بعد تنزيلها على المعهود المتعارف و فيه بحث، بل منع لاختلاف لهجات الناس في كلّ بلدة فضلا عن جميع البلاد و في جميع الطبقات و لو شك في وجوب مراعاتها في اللغة العربية و عدمه، فمقتضى الأصل عدم اعتباره بعد عدم توقف أداء الكلمة عليه.

(مسألة ۳۸): يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزة اللّه و الرّحمن و الرّحيم و اهدنا و نحو ذلك (۱۳۱)- فلو أثبتها بطلت، و كذا يجب إثبات همزة القطع كهمزة أنعمت فلو حذفها حين الوصل بطلت (۱۳۲).

لاشتمال الصلاة على الباطل الداخلي، فلا يصلح للتقرب بها.

هذا إذا كان ذلك عن عمد، و إن كان عن غير عمد تصح الصلاة إن تذكر بعد تجاوز المحلّ، و إن تذكر قبله يعيد الكلمة و إلا فتكون الصلاة باطلة من جهة النقيصة العمدية.

لظهور تسالم أهل العربية على حذف همزة الوصل و إثبات همزة القطع و قد مر لزوم مراعاة ما تسالموا عليه. و أرسل أهل العربية إرسال المسلّمات أنّ الهمزة على ضربين ألف وصل، و ألف قطع، فكلّ ما ثبت في الوصل، فهو ألف القطع و ما لم يثبت فهو ألف الوصل، و ألف القطع قد تكون زائدة مثل ألف الاستفهام، و قد تكون أصلية مثل أخذ، و أمر.

(مسألة ۳۹): الأحوط ترك الوقف بالحركة و الوصل بالسكون (۱۳۳).

مقتضى الأصل عدم وجوب مراعاتها، و الصحة معها و عدم مانعيتها إلا إذا توقف أداء الكلمة عليهما، أو قام إجماع أهل العربية على اعتبارهما، أو ورد دليل تعبدي على لزومهما. و الأول باطل، و الثاني ممنوع و الأخير مفقود، فيبقى مقتضى الأصل بحاله.

و عن المجلسي رحمه اللّه عليه دعوى الاتفاق من القراءة و أهل العربية على عدم جواز الوقف بالحركة.

و فيه: أنّه لا اعتبار باتفاق القراء و لم يثبت اتفاق أهل العربية كما لا يخفى على من راجع كتبهم.

و عن الشيخ الأنصاري جواز الوقوف بالحركة و عدم جواز الوصل بالسكون، لأنّ الحركة في آخر الكلمة من قبيل الجزء الصوري لها، فيجب الإتيان بها.

و فيه: أنّ الحركة في آخر الكلمة قد تكون مقتضى وضعها كفتح تاء أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ مثلا، و أخرى: لا تكون كذلك كضم الدال في جاءني زيد- مثلا- و الإخلال بالأول إخلال بالوضع بخلاف الثانية، لعدم وضع لفظ زيد متحركا بحركة خاصة و إنّما هي لأجل عوامل تعرضه، و حينئذ فإن دل دليل على لزوم مراعاة الحركة حتّى في حال الوصل يتبع و إلا فمقتضى الأصل عدمه مع أنّه يظهر من غير واحد- في بحث الأذان و الإقامة و صرّح به الشهيد في الروضة و الروض و كاشف الغطاء- جواز الوصل بالسكون و أنّه ليس لحنا و لا مخالفا لقانون اللغة، و صرح في المستند بعدم الدليل على وجوب كون القراءة على النهج العربي و إن كان هو على إطلاقه ممنوعا جدا.

ثمَّ إنّ الوقف عبارة عن قطع الكلام و الفصل بينه و بين لاحقه و يقابله الوصل و كلّ منهما على قسمين إما مع التحريك أو مع التسكين، فتكون الأقسام أربعة:

و لا خلاف في الوصل بالحركة و الوقف بالسكون، و إنّما الإشكال في الوقف بالحركة و الوصل بالسكون، و لا ينبغي ترك الاحتياط خروجا عن خلاف من أوجبهما.

(مسألة ٤۰): يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها (۱۳٤) مثلا إذا أراد أن لا يقف على (العالمين) و يصلها بقوله: (الرّحمن الرّحيم) يجب أن يعلم أنّ النون مفتوح و هكذا. نعم، إذا كان يقف على كلّ آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة.

هذه

المسألة متفرعة على المسألة السابقة و الاحتياط هناك و الجزم بالفتوى هنا لا يخلو عن تناف. و حينئذ فإن قلنا بعدم جواز الوصل بالسكون تجب

معرفة آخر الكلمة مقدمة لعدم حصوله و إلا فلا دليل على وجوبه، و تقدم في المسألة السابقة عدم الوجوب، فلا وجه لوجوب المقدمة و إن كان هو الأحوط كما مرّ في سابقتها.

(مسألة ٤۱): لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد (۱۳٥)، بلى يكفي إخراجها منها، و إن لم يلتفت‏ إليها (۱۳٦)، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج، بل المدار صدق التلفظ بذلك الحرف و إن خرج من غير المخرج الذي عينوه (۱۳۷)، مثلا إذا نطق بالضاد أو الظاء على القاعدة لكن لا بما ذكروه من وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن، أو الأيسر على الأضراس العليا صح، فالمناط الصدق في عرف العرب، و هكذا في سائر الحروف، فما ذكره علماء التجويد مبني على الغالب (۱۳۸).

بل و لا الغالب النوعي، لعدم إمكان إحاطتهم به و المراد الغالب بحسب لهجتهم فقط.

لأنّ ما ذكروه إنّما هو بحسب الغالب لا بحسب الذات و الحقيقة التكوينية غير القابلة للتغير، فيمكن أن يكون المخرج التكويني المختلف بحسب اختلاف اللهجات، بل الحالات أوسع مما ذكروه كما تقتضيه سعة الحكمة الإلهية، و يمكن أن يكون لشخص واحد بحسب تطورات حالاته مخارج متفاوتة و لو كانت المخارج التفاتية اختيارية لكانت سارية في جميع الكلمات المتعارفة، و لما اختص بكلام دون آخر، و لا بأمة دون أخرى، لأنّ الموضوع ابتلائي في أمور الدين و الدنيا لجميع الناس، فالمناط كلّه الصدق العرفي سواء خرج من المخارج المعهودة أم لا، صدّقه أهل التجويد أم لا، و المسألة لا بد و أن يبحث عنها في علم التكوينيات البشرية و أهل التجويد بمعزل عنه.

لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة، و السيرة، إذ ليس بناء العقلاء على الالتفات إلى ذلك حين التكلم في محاوراتهم المتعارفة و الخطابات الدائرة بينهم و لم تزل أدلة القراءة في الصلاة و غيرها على ذلك أيضا ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف من عقل أو نقل.

للأصل بعد عدم دليل عليه، و الظاهر أنّ صدور الحروف عن مخارجها طبيعيّ غير التفاتي بالنسبة إلى من لم يكن في لسانه و مخارجة آفة.

نعم، لو لم تكن حرفا في لغة أو كانت في الجملة، كانت استعمالاتها قليلة تحتاج إلى توجه إلى مخرجها و كيفية صدورها في الجملة لا بالدقة العقلية بل بنحو المتعارف في المحاورة. قال في الجواهر: و نعم ما قال: «فوسوسة كثير من الناس في الضاد و ابتلائهم بمعرفة مخرجه في غير محلّها، و إنّما نشأ ذلك من بعض جهال من يدعي المعرفة بعلم التجويد من بني فارس».

و لا بد من بيان أمور:

الأول: قد تفحصت عاجلا بقدر و سعي في الأخبار لأن أظفر على ما ذكروه في التجويد في مخارج الحروف و سائر ما تعرضوا له، فلم أجد عينا و لا أثرا مع أنّ الأمر من الأمور الابتلائية لجميع المسلمين، و لو وجب شي‏ء منها لشاع و بان.

إن قيل: إنّ الناس كانوا من العرب، فلم يحتاجوا إلى البيان، لكون جملة ما ذكروه فطريا لهم. يقال: لم يكن جميع المسلمين عربا و لا بد و أن يبيّن الحكم الإلهي العام البلوى مع أنّ مولانا الرضا عليه السلام كان مورد ابتلاء العجم مدة، و لم أظفر على شي‏ء يدل على أنّ شخصا من الأعاجم قرأ قراءته لديه عليه السلام أو سأله أحد عن ذلك، مع أنّ ما ذكر في التجويد ليس من التكوينيات الفطرية، بل غالبها من الجعليات الصناعية.

و أما قولهم عليهم السلام: «اقرءوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم»۱4٥.

ففيه أولا: أنّه يمكن أن يراد به كمية آيات القرآن لا كيفية القراءة. و ثانيا:

يمكن أن يراد به ما يرجع إلى مادة الآيات أو كيفياتها الواجبة النحوية دون ما يتعلق بالتجويد. و أما قوله تعالى‏ وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا۱4٦. فلا ربط له بالتجويد الحادث بعد رحلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بسنين و قد ورد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في تفسيره: «ينبغي للعبد إذا صلّى أن يرتل في قراءته فإذا مرّ بآية فيها ذكر الجنّة و ذكر النار سأل اللّه الجنة و تعوّذ من النار، و إذا مرّ ب يا أَيُّهَا النَّاسُ* و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* يقول لبيك ربنا»۱4۷.

و عنه عليه السلام أيضا: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: و لا تهذه هذّ الشعر و لا تنثره نثر الرمل و لكن اقرعوا به قلوبكم القاسية و لا يكن همّ أحدكم آخر السورة»۱4۸.

و لا ربط لهما بالتجويد أيضا، بل مفادهما التخشع و التفكر في القراءة.

نعم، روي عن عليّ عليه السلام في معنى الترتيل: «أنّه حفظ الوقوف و أداء الحروف»۱4۹.

و لكن عن الحدائق: لم أقف عليه في كتب الأخبار و لعله من مفتعلات العامة ترويجا لصناعة التجويد. و يأتي في (فصل مندوبات القراءة) معنى الترتيل المستحب، فلا دليل على لزوم ابتاع ما أوجبوه بل و لا استحباب متابعتهم فيه، فكيف بما ندبوه إلا إذا توقف أداء مادة الكلمة لغة أو هيئتها المعتبرة فيها عليه فيجب حينئذ الإتيان بمادة الكلمة و هيئتها المعتبرة لا من جهة لزوم متابعتهم.

الثاني: عدّ مخارج الحروف ستة عشر- كما عن سيبويه- أو سبعة عشر- كما عن الخليل- أو أربعة عشر- كما عن غيرهما- مبني على التقريب و الغالب لا

التحقيق و الدقة كما هو معلوم لكلّ من راجع وجدانه، مع أنّه لا دليل على اعتبار أصول هذه الأقوال من عقل أو نقل. و قال في الجواهر: و ما أحسن قوله: «فما له دخل في أصل طبيعة الحروف فلا ريب في وجوبه، و أما الزائد فقد يشكل استحبابه لو لا التسامح فضلا عن وجوبه».

أقول: لا موضوع للتسامح هنا أيضا لأنّه إما في حديث ضعيف نقل عن معصوم أو في قول فقيه بناء على التسامح و المقام خارج عنهما.

الثالث: المعروف بين أهل التجويد في تفصيل مخارج الحروف ما يلي:

(الأول): أنّ أقصى الحلق للهمزة، و الهاء، و الألف.

(الثاني): وسط الحلق: للعين، و الحاء.

(الثالث): أدنى الحلق، للغين و الخاء.

(الرابع): أقصى اللسان و ما فوقه من الحنك: للقاف.

(الخامس): ما يلي أقصى اللسان و ما يلي فوق الحنك للكاف.

(السادس): وسط اللسان و ما فوقه من الحنك: للجيم و الشين و الياء.

(السابع): أول إحدى حافتي اللسان و ما يليها من الأضراس للضاد.

(الثامن): ما دون طرف اللسان إلى منتهاه و ما فوق ذلك للام.

(التاسع): ما يلي ذلك للراء.

(العاشر): ما يلي ذلك: للنون.

(الحادي عشر): طرف اللسان و أصول الثنايا: للطاء، و الدال، و التاء.

(الثاني عشر): طرف اللسان و الثنايا: للصاد، و الزاء، و السين.

(الثالث عشر): طرف اللسان و طرف الثنايا: للظاء، و الذال و الثاء.

(الرابع عشر): باطن الشفة السفلى و طرف الثنايا العليا، للفاء.

(الخامس عشر): ما بين الشفتين، للباء، و الميم، و الواو.

(السادس عشر): الخيشوم: للواو الساكن و يسميان بحروف الغنّة.

و بتقسيم أخصر: أنّ المخارج إما مخرج حلقي أو فمي أو شفوي، و لا يخفى أنّ ذلك كلّه تبعيد للمسافة و جعل اصطلاح خاص لما جعله اللّه تعالى‏

بالتكوين و الفطرة و ليس له ثمرة عملية، بل و لا علمية و كذا ما يأتي في الأمر الخامس.

الرابع: الظاهر إمكان النطق ببعض الحروف عن غير المخارج التي عينوها و حيث إنّهم أرادوا بالتعيين الغالب و التقريب لا الدقة و التحقيق فلا نزاع معهم في البين، و قد مرّ أنّه لا دليل على اعتبار أصل قولهم.

الخامس: قد ذكروا أنّ الأسنان أربعة أقسام: الأول: ثنايا و هي في مقدم الفم ثنتان من فوق و ثنتان من تحت. الثاني: رباعيات و هي تلي الثنايا من كلّ جانب واحد. الثالث: أنياب و هي التي تلي الرباعيات من جانب واحد أيضا.

الرابع: أضراس و هي بقية الأسنان و أربعة منها تسمّى ضواحك، ثمَّ اثنتا عشر طواحن، ثمَّ أربعة نواجذ و تسمّى ضرس العقل أيضا، و قد لا توجد في بعض الأفراد و ذكروا ذلك مقدمة لما فرعوا عليه من تعيين مخارج الحروف و أسماء الأسنان ترجع إلى علم اللغة، و لكن ما فرّعوا عليه يحتاج إثباته إلى دليل و هو مفقود.

السادس: قد ذكروا في صفات الحروف: الجهر، و الهمس، و الشدة و الرخاء، و التوسط بينهما، و الاستعلاء، و الاستقبال، و الإطباق، و الانفتاح و الانزلاق، و الإصمات و قد جعلوا لكلّ واحد منها حروفا خاصة و حيث إنّ أصل قولهم بلا دليل، فلا وجه للتفصيل. و من شاء فليراجع كتبهم.

السابع: مقتضى الأصل جواز الوقف على كلّ كلمة ما لم يمنع عنه مانع يضر بمادة اللفظ أو هيئته أو معناه، و ما افتعلوه من أنّ الوقف في القرآن خمسة آلاف و ثمانية و عشرون، و أنّه صلّى اللّه عليه و آله قال:

«إنّ من ضمن لي أن يقف على عشرة مواضع ضمنت له الجنة».

كما في الجواهر، و أنّ الوقف الحرام ثمانية و خمسون، و أنّ من وقف على واحد منها متعمدا، فقد كفر كلّ ذلك يكون زخرفا من القول و زورا، إذ لم يشر إلى شي‏ء مما قالوه في أحاديث أهل البيت الذين نزل القرآن في بيتهم و علّمهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله علوم القرآن و أحكامه و معارفه. نعم، حيث إنّه قد وردت مستفيضة- عن أهل البيت عليهم السلام جمع بعضها المحدث الكاشاني‏

في مقدمات تفسيره- دالة على أنّ علوم القرآن عند أهل البيت‏۱٥۰ افتعلت علوم أخرى للقرآن عند غيرهم لصرف وجوه الناس عنهم عليهم السلام.

الثامن: اختلفت أقوالهم في مخرج الضاد بين الإفراط و التفريط: فذهب بعضهم- إلى أنّ مخرج الضاد و الظاء متحدان- كأحمد بن مطرف و أقام على ذلك أدلة و شواهد، و نسب ذلك إلى شيخنا البهائي أيضا، و ذهب جمع إلى أنّهما متقاربا المخرج لا متحداه. و قال راجزهم:

الضاد و الظاء لقرب المخرج‏ قد يؤذنان بالتباس المنهج‏

 

و قال آخر منهم:

و يكثر التباسها بالضاد إلا على الجهابذ النقاد

و قد حصل الاختلاف في مخرج الضاد، بين علماء الخاصة و العامة و قد كتبوا في ذلك كتبا و رسائل منها الاعتضاد في معرفة الظاء و الضاد، و الحمد للّه الذي أذهب بذلك كلّه و أظهر أنّ المخارج تكوينية لمن ليست به آفة.

ثمَّ إنّ الظاهر، بل المعلوم أنّ التأمل كثيرا في التجويد سواء كان في الصلاة، أم في قراءة القرآن أو الأذكار و الدعوات يسلب الخشوع، لأنّ توجيه النفس إلى جهة خاصة يوجب انصرافها عن سائر الجهات، و لعلّ هذا أحد الأسرار التي لم يهتم أئمة الدّين بترغيب الناس إلى ذلك، و قال صلّى اللّه عليه و آله:

«من انهمك في طلب النحو سلب الخشوع»۱٥۱.

(مسألة ٤۲): المد الواجب (۱۳۹) هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد، و هي: الواو المضموم ما قبلها، و الياء المكسور ما قبلها و الألف المفتوح ما قبلها، همزة، مثل: «جاء» و «سوء» و «جي‏ء» (۱٤۰)، أو كان بعد أحدها سكون لازم (۱٤۱) خصوصا إذا كان مدغما في حرف آخر مثل: «الضالّين».

يعني لا يختلف حاله باختلاف حالتي الوصل و الوقف.

مقتضى الأصل عدم وجوب المد في كلّ ذلك و لا دليل على خلاف الأصل من نصّ أو إجماع معتبر. نعم، يمكن أن يكون المدّ من المحسنات في الجملة.

الواجب من المدّ عند عرف أهل العربية ما إذا توقف أداء الكلمة مادة أو هيئة عليه، فيكون الوجوب مقدميا لا نفسيا مثل كلمة الضّالّين فإنّها مع عدم المد و تشديد اللام تصير ضلّين، و مع تخفيف اللام تكون ضالين بالتخفيف و كلاهما متباينان مع كلمة ضالّين بالمد و التشديد، فيعتبر فيها المد في الجملة، لتوقف أداء الكلمة عليه. و أما وجوبه في غير ذلك فمقتضى أصالة البراءة عدم وجوبه لا نفسيا و لا غيريا إلا أن يدل دليل عليه و هو مفقود كما لا يخفى على من راجع كلماتهم، مع أنّ المدّ الواجب و غيره لم يذكر في علمي النحو و الصرف و لو كان واجبا نحويا لكان من المسلّمات النحوية.

ثمَّ إنّ القراء قسموا المدّ إلى متصل و منفصل و الأول ما كان حرف المدّ و الهمزة الساكنة في كلمة واحدة بخلاف الثاني. و هو اصطلاح خاص و لا مشاحة فيه.

(مسألة ٤۳): إذا مد في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل، إلا إذا خرجت الكلمة عن كونها تلك الكلمة (۱٤۲).

أما عدم البطلان في الأول، فلأصالة الصحة و البراءة عن القضاء و الإعادة، و أما البطلان في الأخير، فلعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

(مسألة ٤٤): يكفي في المد مقدار ألفين (۱٤۳) و أكمله إلي‏ أربع ألفات، و لا يضر الزائد ما لم يخرج الكلمة عن الصدق.

قيل في تحديد المدّ أنّه بمقدار (ألف) أي: النطق بالألف في الكلمة المشتملة عليه. و قيل بقدر (ألفين). و منتهى ما قيل فيه (أربع ألفات) و لا دليل على ذلك كلّه، و الظاهر أنّ المدّ من الموضوعات العرفية، فيجري مطلق الصدق العرفي و المرجع في غيره إلى البراءة إذ المسألة من موارد الأقلّ و الأكثر. و قيل: إنّ المراد بالألف ما لو قيل لفظ (ألف مرّة أو مرتين أو أكثر) و حد بقدر كتابة لفظ (ألف) أو عقد الأصابع أيضا و الكلّ تخمين من دون دليل.

(مسألة ٤٥): إذا حصل فصل بين حروف كلمة واحدة اختيارا أو اضطرارا بحيث خرجت عن الصدق بطلت، و مع العمد أبطلت (۱٤٤).

أما بطلان نفس الكلمة مع عدم العمد، فلخروجها عن الهيئة المعتبرة فيها، فيجب استئنافها حينئذ و تصح الصلاة. و أما بطلان الصلاة مع العمد، فلما مرّ مرارا من انطباق عنوان الزيادة العمدية عليها، أو كون الصلاة من مظاهر المشتمل على المبغوض الداخلي.

(مسألة ٤٦): إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نفسه، فحصل الوقف بالحركة، فالأحوط إعادتها و إن لم يكن الفصل كثيرا اكتفى بها (۱٤٥).

أما الاحتياط بالإعادة في الصورة الأولى، فمبنيّ على ما تقدم في [مسألة ۳۹] من احتياطه رحمه اللّه في ترك الوقف بالحركة و لا يبعد أن يقال إنّه بناء على لزوم الاحتياط في تلك المسألة لا دليل على لزومه هنا لانصراف دليله عنه. و أما الصورة الأخيرة، فلعدم حصول الوقف بالحركة في عرف المحاورة حينئذ، و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة.

(مسألة ٤۷): إذا انقطع نفسه في مثل «الصراط المستقيم» بعد الوصل بالألف و اللام، و حذف الألف، هل يجب إعادة الألف و اللام بأن يقول: «المستقيم». أو يكفي قوله: «مستقيم»؟ الأحوط الأول (۱٤٦)، و أحوط منه إعادة الصراط أيضا، و كذا إذا صار مدخول‏ الألف و اللام غلطا كأن صار مستقيم غلطا، فإذا أراد أن يعيده فالأحوط أن يعيد الألف و اللام أيضا بأن يقول: «المستقيم». و لا يكتفي بقوله: «مستقيم». و كذا إذا لم يصح المضاف إليه فالأحوط إعادة المضاف، فإذا لم يصح لفظ المغضوب فالأحوط أن يعيد لفظ (غير) أيضا.

خلاصة الكلام في هذه المسألة بفروعها المذكورة فيها: أنّه إذا كان انقطاع النّفس في أثناء الكلمة الواحدة عرفا ك (المستقيم) و (الصراط) و (المغضوب) و (الضالّين) و نحوها، فالمسألة من صغريات قاعدة الاشتغال لمعلومية المكلّف به بحدوده و قيوده و هيئته العرفية، فيجب الاحتياط بالإعادة.

و أما إن كان ذلك في أثناء كلمتين عرفا، فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر، لأنّ إعادة ما انقطع فيها النّفس بالخصوص معلوم و غيره مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة.

إن قيل: إنّ الألف و اللام مع مدخولها أيضا كلمتان متغايرتان، فتكونان من موارد الأقلّ و الأكثر أيضا فيرجع فيه إلى البراءة.

يقال: هذا بحسب الدقة العقلية، و أما بحسب العرف و المحاورة فهما كلمة واحدة، و مسألة الأقلّ و الأكثر مبنية على العرف لا الدقة، كما هو واضح.

و لكن يمكن أن يقال: إنّه كما أنّ للألف و اللام مع مدخولها وحدة عرفية، كذا للمضاف و المضاف إليه و الفعل و الفاعل، بل الفعل و الفاعل و المفعول، و الفعل و ما يتعلق به، و الظرف و متعلقه كلّها من موارد الاشتغال بعد أن كان المدار على وحدة الجملة بحسب المحاورة.

و لباب المقال: أنّ الأقسام‏ ثلاثة: ما أحرز فيه الوحدة العرفية، و ما شك فيه ذلك، و ما أحرز فيه التعدد عرفا، كجملتين مستقلتين لا ربط لأحدهما بالأخرى. و المرجع في الأخير البراءة، و في الأول الاحتياط و في الوسط لا تجري البراءة للشك في أنّه من الأقلّ و الأكثر، كما لا يجري الاحتياط للشك في الوحدة، و يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الإعادة، أو الرجوع إلى حديث «لا تعاد» بناء على شموله لمثل ذلك.

إلا أن يقال: إنّ أصل التكليف بحدوده معلوم و الشك إنّما هو في الفراغ فيجب الاحتياط فيه أيضا، فلا وجه للرجوع إلى البراءة، كما لا وجه للرجوع إلى حديث «لا تعاد»۱٥۲ للشك في شموله لمثل المقام.

(مسألة ٤۸): الإدغام في مثل مدّ و ردّ مما اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب (۱٤۷)، سواء كانا متحركين كالمذكورين، و ساكنين كمصدرهما.

دليل الوجوب منحصر بكون ذلك مقتضى النهج العربي المعتبر في أداء الكلمات، و دعوى عدم ظهور الخلاف من الفقهاء في وجوبه- كما عن فوائد الشرائع- و إطلاقهما يشمل المتحركين و الساكنين، مع أنّ المسألة من موارد دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و المشهور فيهما هو الأول.

و يمكن الخدشة في الجميع: أما الأول: فكونه مقتضى النهج العربي في الفصاحة مسلّم، و قد استعمل في القرآن كذلك أيضا. و أما كون ترك الإدغام من الغلط فهو أول الدعوى، و المتيقن من الإجماع- على فرضه- هو الاعتبار في الفصاحة في الجملة، و منه يظهر الإشكال في مسألة التعيين و التخيير أيضا، و قد استعمل في القرآن مدغما و غير مدغم، فمن الأول (مدّ الأرض) و (مدّ الظل)، و من الثاني‏ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا ۱٥۳و فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ۱٥4، و في الدعاء «إلهي مددت إليك يدا بالذنوب مملوءة و عينا بالرجاء ممدودة» فلا وجه لكلية ما قالوه.

(مسألة ٤۹): الأحوط الإدغام (۱٤۸) إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف «يرملون» مع الغنة في ما عدا اللام و الراء، و لا معها فيهما. لكن الأقوى عدم وجوبه (۱٤۹).

للأصل و الإطلاقات و العمومات، و صحة الكلام بدون الإدغام و الغنّة التي ذكروها لا دليل عليها من عقل أو نقل أو عرف.

ثمَّ إنّه لا بد و أن يستفصل منهم أنّ ما ذكروه في التجويد يختص بالقرآن أو يشمل كلّ لغة العرب، أو يشمل كلّ ما اشتمل على حروف الهجاء فيعم جميع اللغات لعدم خروجها عن حروف الهجاء، فإن كان الثاني فلم لم يهتم بذلك عرب الجاهلية؟ مع أنّه لا مفخر لهم إلا لغتهم، و إن كان الأخير فلم لا يعتني بذلك أدباء أهل كلّ لغة من لغات العالم مع إعمال نهاية وسعهم في تحسين لغتهم و تزيينها بكلّ ما أمكنهم ذلك، و ربما يعد مستهجنا عند فصحاء سائر اللغات، فلو أدغم أحد في الفارسية في جملة (من مى‏آيم) و جملة (من رفتم) و نحو ذلك لعدّ ذلك مستنكرا في لهجتهم، و كذا في سائر اللغات.

لتصريح جمع من علماء الأدب بالوجوب، مع أنّ المسألة من دوران الأمر بين التعيين و التخيير، و المشهور بين الفقهاء فيها هو الأول و لكن في كفاية الأول دليلا للوجوب- ما لم يكن إجماعا معتبرا- منع و كذا الثاني في مقابل الإطلاقات و العمومات.

(مسألة ٥۰): الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع (۱٥۰) و إن كان الأقوى عدم وجوبها، بل تكفي القراءة على النهج العربيّ (۱٥۱) و إن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب.

إذ لا موضوعية لقراءة القراء السبعة، بل هي طريق لإحراز النهج العربي فيكون المناط عليه بأيّ نحو أحرز و لو خالف قراءة القراء السبعة.

البحث في هذه المسألة من جهات:

الأولى: القراء السبعة و هم: نافع المدني، و ابن كثير المكي، و أبو عمرو البصري، و ابن عامر الدمشقي، و عاصم، و حمزة، و بزيادة أبي جعفر و يعقوب و خلف يكونون عشرة، و قد يقال: القراء العشرة.

الثانية: لم يدلّ أحد أنّ أحدا من القراءة السبعة أو العشرة أخذ قراءته عن النبيّ الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، لأنّهم ولدوا بعد رحلته صلّى اللّه عليه و آله بمدة كما لا يخفى على من راجع تواريخهم. نعم، همّ القراءة نسبة قراءتهم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو إلى أمير المؤمنين عليه السلام، كما هو شأن كلّ مبتدع.

و لكنه من مجرد الدعوى فإنّه لم يثبت بدليل معتبر. و أما ما رواه عيسى بن عبد اللّه الهاشمي عن أبيه عن آبائه قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاني آت من اللّه، فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع

على أمتي، فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن (على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع على أمتي، فقال: إنّ اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن) على سبعة أحرف»۱٥٥.

فإنّه مضافا إلى قصور سنده و عدم دلالته، معارض بروايات أخرى أصح سندا و أوضح دلالة على أنّ القرآن نزل على حرف واحد من عند واحد، كما سيأتي.

الثالثة: لاختلاف القراءات أسباب شتّى، كما عن جمع من أهل الخبرة:

منها: اختلاف اللهجات، و كون بعض القراءة من أولاد الأعاجم فلا يستقيم لسانه إلا بما تعوّد عليه من جهة وراثته.

و منها: عدم انضباط الخط في تلك الأعصار مطلقا لا من حيث الذات، و لا من حيث النقطة و الإعراب، فإنّ إعراب القرآن حدث من أبي الأسود الدؤلي في عهد زياد ابن أبيه في البصرة، كما ضبطه التاريخ، و صرّح جمع من النقاد بأنّ الاختلاف بين القراءة حصل من الاجتهاد و الرأي و اختلاف المصاحف العثمانية العارية عن الإعراب و النقط مع التباس بعض الكلمات ببعض.

الرابعة: قد اشتهر عن القراءة أنّ كلا منهم يخطّئ الآخر و لا يجوّز الرجوع إليه، و هذا مما يوهن الاعتماد على كلّ منهم، بل يظهر عن جمع أنّ أصحاب الآراء في القراءة كانوا كثيرين و كان دأب الناس أنّه إذا أتى قارئ جديد أخذوا بقوله و تركوا قراءة من تقدمه، إذ كلّ قارئ لا حق ينكر سابقة و يبطل رأيه، فحصل اختلاف شديد، و اتفقوا على السبعة، كما أنّ أصحاب الآراء في الفقه كانوا كثيرا فحصل الاختلاف الشديد، فاتفقوا على الأربعة.

الخامسة: مقتضى الأصل عدم تعدّد قراءة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلا إذا دلّ عليه دليل يصح الاعتماد عليه، و قد استدل على ذلك بتواتر القراءات السبعة أو العشرة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و أنّه صلّى اللّه عليه و آله قرأ القرآن متعددا

بقراءات مختلفة، و قال الشهيد الثاني (قدس سره) في شرح الألفية في القراءات السبع: «الكلّ من عند اللّه تبارك و تعالى و نزول به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين تخفيفا على الأمة و تسهيلا على الملة».

و فيه: أنّه لا دليل على ذلك من عقل أو نقل، بل الأدلة على خلافه.

منها: صحيح فضيل بن يسار قلت لأبي جعفر عليه السلام: «إنّ الناس يقولون: نزل القرآن على سبعة أحرف فقال عليه السلام: كذبوا أعداء اللّه، و لكنه نزل على حرف واحد من عند واحد»۱٥٦.

و نحوه غيره، و عن السيوطي في الإتقان: «تعرض كثير من العوالم أنّ المراد بالأحرف القراءات السبعة، و هو جهل قبيح».

نعم، هذا التعبير: «نزل القرآن على سبعة أحرف»۱٥۷ أو «على سبعة أقسام»۱٥۸ ورد في أخبار الفريقين و لكنه مفسّر بقوله عليه السلام: «أمر و زجر و ترغيب و ترهيب و جدل و قصص و مثل»۱٥۹.

فما تقدم في صحيح الفضيل من كونه واحدا من عند واحد إنّما هو في مقام بيان وحدته النوعية و عدم التعدد في أصل النزول باختلاف القراءات، و ما ورد أنّه على سبعة أحرف و فسّر بما مرّ إنّما هو بلحاظ محتويات القرآن و مضامينه. و حيث إنّ دعوى تواتر القراءات عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله موهون جدا لتصريح خلق كثير من علماء الفريقين بعدم ثبوته، و أنّه مع ثبوت التواتر بالنسبة إلى كلّ سابق لا وجه لاختراع اللاحق قراءة أخرى على خلاف السابق. و قال في الجواهر: «من مارس كلماتهم علم أن ليس قراءتهم إلا باجتهادهم، و ما يستحسنونه بأنظارهم».

مع أنّه قد تعد قراءة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في مقابل قراءتهم.

السادسة: قد استفاض، بل تواتر نقل الإجماع على جواز القراءة بالقراءات المعروفة سبعة كانت أو عشرة، و تدل عليه جملة من النصوص أيضا.

منها: ما رواه سالم ابن أبي سلمة: «قرأ رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام- و أنا أستمع- حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللّه على حدّه و أخرج المصحف الذي كتبه عليّ عليه السلام»۱٦۰.

و منها: مرسل محمد بن سليمان عن أبي الحسن قلت له: «جعلت فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم، فقال عليه السلام: لا، اقرءوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم»۱٦۱.

و في خبر ابن السمط عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «اقرءوا كما علّمتم»۱٦۲.

و لا ريب في ورودها في مقام تقرير قراءة الناس و صحة الاكتفاء بها تسهيلا على الشيعة و توحيدا للكلمة مهما أمكن، و لكن يظهر من بعض الأخبار أنّه بالنسبة إلى الكلمة لا كيفية القراءة۱٦۳. و لكن في إطلاق بعضها و الإجماع غنىّ و كفاية، إن لم نقل بأنّ المنصرف من الإطلاق و المتيقن من الإجماع خصوص الكمية بقرينة خبر سلمة بن أبي سلمة.

السابعة: حيث إنّ جميع تلك القراءات اجتهادية أو العوارض أخرى كما تقدم، فالصحة الواقعية أعمّ منها، كما في كلّ اجتهاد و كلّ جهة عارضة و عليه فقد تتصوّر قراءة صحيحة ليست مطابقة لأحدها فتجزي قهرا، لأنّ المناط فيها إحراز المطابقة للواقع، سواء طابقت القراءات المعهودة أم لا. نعم، لو ثبت أنّ للقراءات المعهودة موضوعية خاصة لا تجزي غيرها و لكنه ممنوع جدا، و الأخبار

و الإجماع لا يدلان إلا على صحة الاكتفاء بها، كما لا يدلان على أنّ غيرها لا يجزي، فكلّ قراءة تكون صحيحة بحسب العربية المعتبرة مجزية للإطلاقات و العمومات و إن خالفت القراءات السبعة.

الثامنة: يظهر من بعض الأخبار و السّير أنّ لأهل البيت عليهم السلام كانت قراءة معروفة، ففي خبر معلّى بن خنيس قال الصادق عليه السلام: «إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال .. ثمَّ قال عليه السلام: أما نحن فنقرؤه على قراءة أبي»۱٦4.

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد»۱٦٥.

يعني ابن مسعود. و روي أنّه أخذ سبعين سورة من القرآن من فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و البقية من عليّ عليه السلام‏۱٦٦ و في قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«أن يسمع القرآن غضّا ..» إشارة إلى بطلان القراءات، و إلا لقال صلّى اللّه عليه و آله: فليقرأ على قراءة ابن أم عبد.

ثمَّ إنّه يحتمل أن تكون كلمة «أبي» بياء المتكلم، و أن تكون بالتصغير و التشديد و هو أيضا صحيح، لأنّ قراءة أبيّ تشبه قراءة أهل البيت كثيرا، و يشهد لما قلناه إنهاء سند كثير من القراءة، كحمزة و عاصم و الكسائي إلى عليّ عليه السلام: فيصح أن يقال: إنّ الأصل في قراءة القراءات قراءة المعصوم عليه السلام، و يشهد له الاعتبار أيضا، لكونه مؤيدا بمصدر الوحي و التنزيل.

التاسعة: الاختلاف بين القراء السبعة أو العشرة إن كان في غير المادة اللغوية أو الهيئة العربية المعتبرة، كالجهات الراجعة إلى التجويد و التحسين، فمقتضى الأصل و العمومات و الإطلاقات، و ظهور إجماع الفقهاء عدم وجوب مراعاة تلك الجهات، فيجوز للمكلّف تركها رأسا و إن كان في المادة اللغوية أو

الهيئة العربية المعتبرة عند النحويين و الصرفيين فإما أن تكون من المتباينين أو التعيين و التخيير، أو الأقلّ و الأكثر فمقتضى القاعدة في الأول الاحتياط، و المشهور في الثاني هو التعيين، و مقتضى القاعدة في الأخير هو البراءة عن الأكثر، و لكن مقتضى الإجماع المستفيض بل المتواتر نقله، و النصوص التي تقدم بعضها هو إجزاء القراءات السبعة أو العشرة فيتخيّر المكلّف في الأخذ بأيّ منها شاء و أراد في صورتي الاختلاف و الاتفاق.

(مسألة ٥۱): يجب إدغام اللام مع الألف و اللام في أربعة عشر حرفا (۱٥۲)، و هي: التاء، و الثاء، و الدال، و الذال، و الراء، و الزاء، و السين، و الشين، و الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء، و اللام و النون، و إظهارها في بقية الحروف، فتقول في: «اللّه»، و «الرّحمن»، و «الرّحيم»، و «الصراط»، و «الضّالّين» مثلا بالإدغام. و في «الحمد»، و «العالمين»، و «المستقيم» و نحوها بالإظهار.

لكون الإدغام فيها من الواجبات النحوية، و قد صرّح ابن الحاجب بوجوب الإدغام فيها. و من إرساله ذلك إرسال المسلّمات يظهر كونه إجماعيا لديهم، و قد قالوا: إنّ ما هو واجب في النحو واجب عند الفقهاء أيضا. و الظاهر جريان متعارف المحاورة في اللغة العربية عليه أيضا.

(مسألة ٥۲): الأحوط الإدغام في مثل: «اذهب بكتابي» و «يدرككم» مما اجتمع المثلان في كلمتين مع كون الأول ساكنا، لكن الأقوى عدم وجوبه (۱٥۳).

للأصل و الإطلاق، و عدم كون ترك الإدغام غلطا محاوريا، و لكن عن الشافية و شرحها الوجوب، فإن كان ذلك مسلّما عند جميع النحويين يكون واجبا فقهيا بناء على ثبوت الملازمة بينهما، و إلا فلا. و ثبوت الإجماع مشكل.

(مسألة ٥۳): لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسنات (۱٥٤) كالإمامة، و الإشباع، و التفخيم، و الترقيق و نحو ذلك، بل و الإدغام غير ما ذكرنا و إن كان متابعتهم أحسن.

لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة، و عدم مدخلية ذلك كلّه في المادة و لا الهيئة العربية المعتبرة. نعم، لا ريب في كونه من محسنات اللفظ و مما يوجب زينته.

(مسألة ٥٤): ينبغي مراعاة ما ذكروه (۱٥٥) من إظهار التنوين و النون الساكنة إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق و قلبهما فيما إذا كان بعدهما حرف الباء، و إدغامهما إذا كان بعدهما أحد حروف يرملون، و إخفاؤهما إذا كان بعدهما بقية الحروف، لكن لا يجب شي‏ء من ذلك حتّى الإدغام في يرملون كما مرّ.

إذ لا ريب في حسن ما ذكروه، و أنّه يوجب تزيين اللفظ و المراد بالقلب هو الاعتماد على الخيشوم بحيث يحصل الميم، و المراد بالتخفيف عدم الاعتماد عليه.

(مسألة ٥٥): ينبغي أن يميز بين الكلمات، و لا يقرأ بحيث يتولد بين الكلمتين كلمة مهملة كما إذا قرأ الْحَمْدُ لِلَّهِ* بحيث يتولد لفظ «دلل» (۱٥٦) أو تولد من‏ لِلَّهِ رَبِ‏ لفظ «هرب» و هكذا في‏ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ تولد «كيو» و هكذا في بقية الكلمات. و هذا معنى ما يقولون إنّ في الحمد سبع كلمات مهملات و هي «دلل»، و «هرب» و «كيو» و «كنع» و «كنس» و «تع» و «بع».

تولد هذه الكلمات على أقسام ثلاثة: الأول: ما إذا كان من قصده التلفّظ بها. الثاني: ما إذا لم يكن كذلك و لكن تولدت بحيث أوجب تغيير الهيئة

المعتبرة في الألفاظ. الثالث: ما إذا لم يكن قصديا و لا موجبا لتغيير الهيئة، بل حصل بالدقة العقلية مع إتيان الكلمة على نحو العربية المعتبرة فيها مادة و هيئة بنظر العرف و الأولان يوجبان البطلان بخلاف الأخير و الوجه في كلّ منها معلوم.

(مسألة ٥٦): إذا لم يقف على أحد في‏ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و وصله ب اللَّهُ الصَّمَدُ يجوز أن يقول أحدُ اللّه الصمد بحذف التنوين من‏ أَحَدٌ (۱٥۷)، و أن يقول أحدن اللّه الصمد بأن يكسر نون التنوين، و عليه ينبغي أن يرقق اللام من «اللّه» و أما على الأول فينبغي تفخيمه كما هو القاعدة الكلية (۱٥۸) من تفخيمه إذا كان قبله مفتوحا أو مضموما و ترقيقه إذا كان مكسورا.

هذه القاعدة الكلية إنّما تكون بين القراء لا أهل العربية و قد تقدم عدم وجوب مراعاة ما يعتبر عند القراءة إلا إذا طابقت القواعد المعتبرة العربية.

المشهور بين أهل العربية أنّ التنوين لا يحذف من الاسم المتمكن المنصرف إلا في المضاف إلى ابن الواقعة بين علمين- مثل جاء زيد بن عمرو- و لكن نسب إلى أبي عمر و هو أحد القراءة السبعة قراءة حذف التنوين عند وصل لفظ أحد إلى لفظ الجلالة، و بناء على صحة الاكتفاء بقراءة كلّ واحد من القراء السبعة يصح الحذف مع الوصل في المقام أيضا و لكن يمكن أن يقال: إنّ الاكتفاء بقراءة كلّ واحد منهم إنّما هو فيما إذا لم تكن الشهرة العربية على الخلاف.

(مسألة ٥۷): يجوز قراءة مالك و ملك (۱٥۹) يوم الدّين و يجوز في الصراط بالصاد و السين (۱٦۰) بأن يقول: «الصراط المستقيم» و «سراط الذين».

نسب قراءة السين إلى ابن كثير و يعقوب، و يظهر من مجمع البحرين أنّ قلب السين صادا مع الطاء، و القاف، و الغين، و الخاء قاعدة عند بني تميم، فيقولون سراط و صراط، و بسطه و بصطه، و سيقل و صيقل و مسبغة و مصبغة، و سخر و صخر، و لكن طريق الاحتياط القراءة بالصاد، لاتفاق المصاحف على ضبطه كذلك، بل و اتفاق المسلمين على قراءته بالصاد و في مثله يشكل الاعتماد على قراءة ابن كثير و ما نسب إلى بني تميم.

الأول: قراءة عاصم و الكسائي من القراء السبعة و نسب إلى غيرهم أيضا، و الثاني: قراءة بقية القراء السبعة و قد ذكروا وجوها اعتبارية في ترجيح إحدى القراءتين على الأخرى، فراجع التفاسير، و يمكن الخدشة في الجميع،

و أصل البحث ساقط بالنسبة إليه تعالى، لأنّ مالكيته عين ملكه و بالعكس و كلّ منهما عبارة عن قيوميّته المطلقة بالنسبة إلى الأشياء و هي عين ذاته و ليست من الملكية و المالكية الاعتبارية حتّى يصلح الفرق الاعتباري بينهما، و الظاهر أنّ قراءة الأئمة عليهم السلام كانت (مالك) بالألف كما يأتي في [مسألة ٤] من (فصل مستحبات القراءة)، فهو الأولى و الأرجح.

(مسألة ٥۸): يجوز في كفوا أحد أربعة وجوه (۱٦۱): «كفؤا»- بضم الفاء و بالهمزة-، و «كفؤا»- بسكون الفاء و بالهمزة-، و «كفؤا»- بضم الفاء و بالواو-، و «كفوا»- بسكون الفاء و بالواو-، و إن كان الأحوط ترك الأخيرة (۱٦۲).

لكونه خلاف المشهور بين القراء و إن قال به قائل منهم، و لكن عن أبان بن تغلب- الذي قيل فيه ليس أحد أقرأ منه و له قراءة معروفة و هو أقدم من القراء السبعة و أعلم منهم من كلّ جهة أنّه رضوان اللّه تعالى عليه- قال: «إنّ الهمزة رياضة و ذلك لأنّ في أدائها كلفة شديدة لأنّها أدخل حروف الحلق و لها نبرة كريهة». و روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «نزل القرآن بلسان قريش و ليسوا بأهل بز، أي همزة و لو لا أنّ جبريل نزل بالهمزة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما همزنا»۱٦۸، و من قول علي عليه السلام و قول أبان بن تغلب يظهر أنّ الأولى بل المتعين هو الوجه الأخير لعدم الهمز فيه على كل حال.

قال في مجمع البيان: «قرأ إسماعيل عن نافع و حمزة و خلف و رويس (كفؤا) ساكنة الفاء مهموزة، و قرأ حفص (كفوا) مضمومة الفاء مفتوحة الواو و غير مهموزة، و قرأ الباقون (كفؤا) بالهمزة و ضم الفاء- إلى أن قال:- أما كفوا و كفؤا فأصله الضم فخفف مثل طنب و طنب و عنق و عنق»، و الظاهر أنّ مراده الوجه الأخير، و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله- في حديث- «كفوا و كفئا و كفاء واحد»۱٦۷.

(مسألة ٥۹): إذا لم يدر إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها أنّه الصاد مثلا أو السين أو نحو ذلك يجب عليه أن يتعلّم و لا يجوز له أن يكرّرها بالوجهين لأنّ الغلط من الوجهين ملحق بكلام الآدميين (۱٦۳).

إن كان المرجع في صدق كلام الآدمي العرف، فلا ريب في أنّه يصدق عليه أنّه قرأ القرآن الملحون و لا يصدق عليه أنّه تكلّم بكلام الآدمي و إن كان المرجع فيه قصد المتكلم و إرادته، فلا ريب في أنّه لم يقصد التكلم بالكلام الآدمي، و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة هذا بحسب الموضوع و أما الإلحاق الحكمي فيحتاج إلى دليل عليه بالخصوص و هو مفقود. و كذا الكلام في الدعاء و الذكر الملحون، فإن انطبق على الغلط عنوان الزيادة العمدية تبطل الصلاة من هذه الجهة لو لم نقل بالانصراف و يأتي في [مسألة ۲٤] من (فصل الركوع) ما ينفع المقام.

(مسألة ٦۰): إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي من حيث الأعراب أو البناء أو مخرج الحرف فصلّى مدة على تلك الكيفية ثمَّ تبيّن له كونه غلطا، فالأحوط الإعادة أو القضاء و إن كان الأقوى عدم الوجوب (۱٦٤).

لأصالة البراءة عنهما، مع أنّ الحكم من الابتلائيات بين الناس جدا في كلّ عصر و زمان و لم يشر إلى القضاء و الإعادة في خبر من الأخبار لا سؤالا من الأنام و لا بيانا ابتدائيا من الإمام عليه السلام هذا، مع جريان حديث لا تعاد عند تحقق الغفلة كما هو الغالب في العوالم.

فروع- (الأول): مع اختلاف اللهجة و عدم القدرة على التصحيح يجزي ما قدر عليه، لما تقدم في [مسألة ۳۳].

(الثاني): لو توقف تعلم القراءة أو الصلاة على صرف مال لا بعنوان الأجرة له وجب ذلك.

(الثالث): إذا لم يقدر على قراءة سورة معينة صحيحة يجب عليه أن يختار غيرها و كذا الكلام في الذكر و الدعاء.

(الرابع): لو عرضت له آفة- أو قلع أسنانه- لا يقدر معها على القراءة الصحيحة، أو اضطربت القراءة يجتزي بما قدر، و لا تجب المعالجة و إن كانت أحوط مع القدرة، و كذا لو تغيّرت المخارج بواسطة الأسنان الصناعية.

(الخامس): لو انجرّ إخراج الحروف عن المخارج إلى الوسوسة فالأحوط الترك، و يأتي بالمقدور.

(السادس): لو علم أنّه غلط عمدا في إحدى صلواته اليومية يجزيه قضاء ثنائية و ثلاثية و رباعية بقصد ما في الذمة، و لو تردد أنّه غلط عمدا أو غفلة لا شي‏ء عليه.

(السابع): لو قلد من يقول بصحة قراءة كالوصل بالسكون، و الوقف بالحركة، مثلا ثمَّ قلّد من يقول بالبطلان، بها يصح ما أتى من الصلوات على تقليد الأول و ليس عليه قضاء و لا إعادة، لما تقدم في مباحث التقليد.

(الثامن): لو لم يعلم أنّ قراءته صحيحة أو باطلة و صلّى مع ذلك و حصل منه قصد القربة ثمَّ بعد مدة علم بالصحة يصح ما أتى به من الصلوات و لا شي‏ء عليه.

  1. الوسائل باب: ۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  2. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  3. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  4. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  5. الوسائل باب: ۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  6. الوسائل باب: ۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  7. راجع صفحة: ۳۱.
  8. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  9. الوسائل باب: 4۷ من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
  10. الوسائل باب: ۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  11. الوسائل باب: 4۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  12. الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  13. الوسائل باب: ۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  14. الوسائل باب: ۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  15. الوسائل باب: ۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  16. الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  17. الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۷.
  18. الوسائل باب: ٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  19. الوسائل باب: ٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  20. الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
  21. الوسائل باب: ۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  22. الوسائل باب: ۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
  23. الوسائل باب: 4۷ من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
  24. الوسائل باب: ۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  25. الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
  26. الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
  27. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
  28. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  29. الوسائل باب: ۱ من أبواب القواطع في الصلاة حديث: 4.
  30. الوسائل باب: ۱ من أبواب تكبيرة الإحرام.
  31. الوسائل باب: 44 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  32. الوسائل باب: 44 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  33. الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  34. الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث.
  35. الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث.
  36. الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  37. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  38. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  39. الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  40. الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  41. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الركوع حديث: ٥.
  42. الوسائل باب: 4۳ من أبواب قراءة القرآن حديث: ۳.
  43. الوسائل باب: 4۳ من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.
  44. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  45. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  46. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الركوع حديث: ٥.
  47. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الركوع حديث: ٥.
  48. الوسائل باب: 4۳ من أبواب قراءة القرآن حديث: ۳ و 4.
  49. الوسائل باب: ٥٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  50. الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
  51. الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  52. الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  53. الوسائل باب: 4۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  54. الوسائل باب: 4۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۷.
  55. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  56. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  57. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  58. مجمع البيان ج: ٥ صفحة: ۲.
  59. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۹.
  60. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
  61. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  62. مستدرك الوسائل باب: ۷ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  63. مستدرك الوسائل باب: ۷ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  64. الهداية باب القراءة صفحة: ۷.
  65. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  66. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  67. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱۰.
  68. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۷.
  69. الوسائل باب: 4 من أبواب القراءة الصلاة حديث: ۲.
  70. الوسائل باب: ۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  71. الوسائل باب: ۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  72. الوسائل باب: ۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲ و ۱.
  73. الوسائل باب: ۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۹.
  74. الوسائل باب: ۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱۱.
  75. الوسائل باب: ۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  76. الوسائل باب: ۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  77. الوافي ج: ۲ ص: ۱٥.
  78. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱ و ۲.
  79. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  80. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  81. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  82. مستدرك الوسائل باب: ٥۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  83. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  84. الوسائل باب: ٦۹ من أبواب القراءة في الصلاة.
  85. الوسائل باب: ٦۹ من أبواب القراءة في الصلاة.
  86. الوسائل باب: ٦۹ من أبواب القراءة في الصلاة.
  87. الوسائل باب: ٦۹ من أبواب القراءة في الصلاة.
  88. الوسائل باب: ٦۹ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  89. الوسائل باب: ٦۹ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  90. الوسائل باب: ٦ من أبواب صلاة الجمعة.
  91. راجع الوسائل باب: ۷۰ من أبواب القراءة في الصلاة.
  92. تقدمت في صفحة: ۲۸٥.
  93. الوسائل باب: ۷۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  94. مستدرك الوسائل باب: ٥۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  95. الوسائل باب: ۱ من أبواب القيام حديث: ۷.
  96. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  97. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  98. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  99. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  100. سورة الإسراء: ۲۱.
  101. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  102. راجع الوسائل باب: ۳۳ من أبواب القراءة في الصلاة.
  103. الوسائل باب: ۷۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  104. الوسائل باب: ۷۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۹.
  105. الوسائل باب: ۷۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  106. الوسائل باب: ۷۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  107. الوسائل باب: ۷۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  108. الوسائل باب: ۷۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۸.
  109. راجع الوسائل باب: ۲٥ من أبواب القراءة في الصلاة.
  110. راجع الوسائل باب: ٦ من أبواب قضاء الصلوات.
  111. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  112. راجع الوسائل باب: ٥٦ من أبواب المزار، و مستدرك الوسائل باب: ۱۷ من أبواب القراءة في الصلاة.
  113. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  114. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  115. روضة الكافي ج: ۸ صفحة: ٦۱ الطبعة الحديثة.
  116. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  117. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  118. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  119. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب أحكام المساجد حديث: ۱.
  120. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  121. سورة طه: ۲۲.
  122. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  123. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  124. الوسائل باب: 4۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  125. الوسائل باب: 4۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  126. السنن الكبرى- البيهقي- ج: ۲ صفحة: ۳۸۱.
  127. الوسائل باب: ٥۹ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  128. الوسائل باب: ٥۲ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  129. راجع الوسائل باب: ۱ من أبواب الاستحاضة حديث: ٥.
  130. مستدرك الوسائل باب: ۲۳ من أبواب قراءة في القرآن حديث: ۳.
  131. الوسائل باب: ٦۷ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  132. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب قراءة القرآن حديث: 4.
  133. تقدم في صفحة: ۳۰۹.
  134. سورة المزمل: ۲۰.
  135. الوسائل باب: ۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  136. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٥.
  137. كنز العمال ج: 4 صفحة: ۹۳ الحديث: ۱۹4٦.
  138. الوسائل باب: ۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  139. الوسائل باب: ۳ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  140. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الذكر حديث: ۱.
  141. سنن أبي داود ج: ۱ رقم ۸۳۲.
  142. سورة النور: 4۲.
  143. الوسائل باب: 4 و غيره من أبواب القراءة في الصلاة.
  144. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الركوع حديث: ٥.
  145. الوسائل باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  146. سورة المزمل: 4.
  147. الوسائل باب: ۱۸ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  148. مستدرك الوسائل باب: ۱4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  149. تفسير الصافي المقدمة الحادية عشر.
  150. راجع المقدمة الثالثة من تفسيره الصافي.
  151. سفينة البحار ج: ۲ صفحة: ٥۸۱.
  152. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الركوع حديث: ٥.
  153. سورة مريم: ۷٥.
  154. سورة الحج: ۱٥.
  155. الوسائل باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ٦.
  156. هذه الصحيحة و غيرها مذكورة في الهامش من كتاب الوسائل باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة.
  157. راجع الوسائل هامش باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة. و الجزء الأول من الإتقان للسيوطي صفحة: ۱۳۱.
  158. راجع الوسائل هامش باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة. و الجزء الأول من الإتقان للسيوطي صفحة: ۱4۲.
  159. راجع الإتقان للسيوطي ج: ۱ صفحة: ۱۳٦.
  160. الوسائل باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
  161. الوسائل باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۲.
  162. الوسائل باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۳.
  163. راجع الوسائل باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱ و 4.
  164. الوسائل باب: ۷4 من أبواب القراءة في الصلاة حديث: 4.
  165. كنز العمال ج: ۱٦ صفحة: ۷۹.
  166. كنز العمال ج: ۱٦ صفحة: ۸4.
  167. البخاري ج: ٦ صفحة: ۲۲۲.
  168. راجع مواهب الرحمن ج: ۱ صفحة: ۲٦4. الطبعة الثالثة- بغداد.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"