1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الصلاة
  10. /
  11. فصل في الستر و الساتر
اعلم أنّ الستر قسمان: ستر يلزم في نفسه، و ستر مخصوص بحالة الصلاة (۱). فالأول: يجب ستر العورتين: القبل و الدّبر عن كلّ مكلّف من الرجل و المرأة، عن كلّ أحد من ذكر أو أنثى، و لو كان مماثلا محرما أو غير محرم (۲). و يحرم على كلّ منهما أيضا النظر إلى عورة الآخر (۳). و لا يستثنى من الحكمين إلا الزوج و الزوجة و السيد و الأمة (٤) إذا لم تكن مزوّجة و لا محلّلة (٥)، بل يجب الستر عن الطفل‏ المميّز. خصوصا المراهق (٦) كما إنّه يحرم النظر إلى عورة المراهق بل الأحوط ترك النظر إلى عورة المميّز (۷). و يجب ستر المرأة تمام بدنها عمن عدا الزوج و المحارم (۸). إلّا الوجه و الكفّين مع عدم التلذذ و الريبة (۹). و أما معهما فيجب الستر.و يحرم النظر (۱۰). حتّى بالنسبة إلى المحارم و بالنسبة إلى الوجه‏ و الكفّين (۱۱). و الأحوط سترها عن المحارم من السرة إلى الركبة مطلقا (۱۲)، كما أنّ الأحوط ستر الوجه و الكفّين عن غير المحارم مطلقا (۱۳).

هذا التقسيم شرعي بلحاظ حكم الستر في الموردين.

إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدين، بل كشف العورة عند الناس من المقبحات العقلائية النظامية، و لو مع قطع النظر عن الشرع و الشريعة و النظر إليها من أهمّ إثارة الشهوة الجنسية فلا يجوز في غير المأذون فيه شرعا.

هذا الفرع كسابقه من حيث النص و الإجماع و الضرورة، و قد مرّ في أحكام التخلّي ما يتعلق بهما.

بالضرورة من الدّين، و نصوصا يأتي التعرض لها في كتاب النكاح.

لقاعدة «دوران حلية النظر مدار حلية الوطي» المتسالم عليها، و قد تعرّضنا لها في كتاب النكاح، فراجع.

لإطلاق معاقد الإجماعات، و النبوي المعمول به: «ملعون ملعون الناظر و المنظور إليه»۱ من غير دليل على الخلاف.

مقتضى إطلاق الكلمات و النبوي المتقدم حرمته، و لم يعلم وجه التردد، مع أنّه (قدّس سرّه) جزم بالفتوى في [مسألة ۱] من (فصل أحكام التخلّي).

بضرورة المذهب، بل الدّين، و نصوص مستفيضة في أبواب متفرقة، و قال تعالى‏ وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى‏ جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ‏۲.

و الخمر جمع الخمائر: و هي المقنعة الساترة للرأس و الرقبة و تلقى أطرافها على الظهر و الكتفين و الصدر و تعميم الستر مأخوذ في جميع مشتقاته، ففي الحديث: «لا تجد المؤمن إلا إحدى ثلاث: في مسجد يعمره أو بيت يخمره أو معيشة يدبرها»۳.

و منه سمّي الخمر خمرا لاستتار العقل به. و قد ورد في تفسيره عن الصادق (عليه السلام) في صحيح الفضيل: «إنّ الذراعين من الزينة»4.

و الظاهر أنّ ذكر الذراعين من باب المثال لجميع البدن و المقطوع به من الآية الكريمة أنّها في مقام بيان ستر جميع البدن، لأنّ عامة البدن كان مستورا بالقميص خصوصا القمصان القديمة العربية التي كانت شاملة لجميع البدن، و محلّ الجيوب قد يظهر، فأمر اللّه تعالى بضرب الخمر- و هي المقانع- على الجيوب ليستر ما قد يظهر من البدن أيضا. فتكفي نفس هذه الآية الشريفة لوجوب ستر جميع بدنهنّ، لا سيّما مع ملاحظة التواريخ التي وردت في كيفية لباس النساء و كميته في القديم.

و أما الاستثناء بالنسبة إلى الزوج فهو من الضروريات، و يأتي ما يتعلق بالمحارم في النكاح إن شاء اللّه تعالى.

التلذذ هو الالتذاذ بالنظر فعلا، و الريبة هو خوف الوقوع في الحرام، و قد يعبّر عنه بخوف الفتنة، و هو إمّا موجود فعلا، أو يحصل بعد ذلك و إن كان غافلا حين النظر. و الظاهر شمول الكلمات للقسمين و المراد أن يكون عدم ستر الوجه و الكفين معرضا لوقوع الناس في الالتذاذ و الريبة و لو بعد حين بأن يتصوّر ما رآه سابقا فيلتذ بما رآه.

ثمَّ إنّه قد اختلفت الأقوال في وجوب ستر الوجه و الكفين، فمن قائل بالجواز، و من قائل بالمنع، و عن بعض الاحتياط وجوبا، و عن آخر استحبابا، و من قائل بالتفصيل بين النظرة الأولى فتجوز و بين النظرة الثانية فلا تجوز، حتّى أنّ الفقيه الواحد ربما ذهب إلى الجواز في المقام و إلى المنع في النكاح أو بالعكس. و المسألة متكررة في الفقه، فمن الفقهاء من ختم القول فيها في أحكام التخلّي و أحال سائر المواضع عليها و منهم من تعرض للتفصيل هنا، و منهم من بسط القول فيها في النكاح.

و لا بد لنا أولا من تأسيس الأصل الفطري العقلائي ثمَّ التعرض لما ورد من الشرع من التقرير له، ثمَّ بيان بعض ما يستفاد منه الجواز و الخدشة فيه.

فنقول: إنّ مقتضى الأصل عدم الجواز مطلقا، و تأسيس هذا الأصل يستند إلى وجوه: الأول: الآيات الكريمة، كآية الجلباب، قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ‏٥.

و آية الخمر٦، و آية الغض‏۷ و ظهورها في عورتي المرأة مطلقا حتّى الوجه و الكفين مما لا ينكر. و المراد من الغض هو كسر العين و عدم النظر، و إطلاقه يشمل جميع البدن- الوجه و الكفين و غيرهما- و كلمة (من) أما بيانية يعني غضوا أبصاركم، أو بمعنى الباء، كما في قوله تعالى‏ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ‏۸ فالمعنى يغضوا ببصرهم، كما يقال: سمع بأذنه و رأى بعينيه فهو نحو تأكيد و اهتمام بذلك لئلا يتسامح الناس فيه، لأنّ النظر إلى الوجه و الكفين أخف مئونة من غيره، و لعلّ هذا هو السرّ في دخول كلمة (من) في الغض دون حفظ الفرج، لأنّ النظر إليه قليل الاتفاق بناء على أن يكون المراد من الحفظ هنا، الحفظ عن النظر، كما في بعض الأخبار۹.

و توهم: عدم الإطلاق في آية الغض و في دلالتها لأنّ المراد بكلمة (من) التبعيض، فلا يستفاد منها التعميم، باطل: لتعلق الحكم بذات الطبيعة المهملة من كلّ قيد، مع أنّه لا فرق بين الغض و حفظ الفرج، و إطلاق الأخير مسلّم فلا بد و أن يكون الأول أيضا كذلك مع وحدة السياق، و التفكيك بلا دليل، بل على خلافه الدليل.

و أما كون (من) تبعيضية فهو احتمال مردود لتصريحهم بأنّها إمّا بيانية أو لابتداء الغاية أو زائدة، و على فرض كونها بمعنى التبعيض، كما عن الزمخشري فالمراد به- كما صرّح في كشافه- غض البصر عما يحرم الاقتصار على ما يحل، فلا تثبت به حلية النظر إلى الوجه و الكفين، مع أنّه متفرّد به و كم له من التفردات التي لا دليل عليها من عقل أو نقل أو عرف، فإطلاق الآية محكم‏ حتّى بالنسبة إلى الوجه و الكفّين.

الثاني: دعوى إطباق الفقهاء على عدم جواز النظر إلى الوجه و الكفّين من كنز العرفان، و ظاهر جميع المتقدمين (قدّس سرّهم) التطابق على الحرمة، و إنّما نسب الجواز إلى الشيخ في النهاية و التبيان، و الأول ليس كتابا للفتوى، بل هو متون الأخبار- كما في الجواهر و الحدائق-، و التبيان أيضا ليس موضوعا لها. و نسب الجواز أيضا إلى الكليني و في النسبة نظر، لأنّ نقل أخبار الجواز أعم من الفتوى به، فإجماع كنز العرفان معتبر.

الثالث: الوجدان فإنّ كلّ من رجع إلى وجدان كلّ ذي غيرة من العقلاء الذين يعتنون بعرضهم من جميع أرباب الملل و الأديان يجد في فطرة عقولهم أصالة العورتية في المرأة مطلقا إلّا ما نصت الشريعة المقدسة على الخلاف، و اللّه جلّ جلاله غيور و من غيرته أنّه حرّم الفواحش، كما في الحديث‏۱۰، فأصالة الستر في النساء وجدانيّ لكلّ ذي فطرة سليمة يرجع إلى فطرته مع التفاته إلى تحفظ العرض، و هذا الأصل الفطري يكفي في اعتباره عدم ثبوت الردع عنه.

الرابع: الأخبار التي يمكن أن يستشهد بها لتقرير هذا الأصل، و هي واردة في مواضع شتّى.

منها: مفهوم قوله (عليه السلام) في صحيح البختري: «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوجها»۱۱.

و نحوه غيره.

و منها: قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «النساء عيّ و عورة، فاستروا عيّهنّ بالسكوت، و استروا عوراتهنّ بالبيوت»۱۲.

و منها: قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا تنزلوا النساء الغرف»۱۳.

و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): ليس للنساء من سروات الطريق شي‏ء، و لكنّها تمشي في جانب الحائط و الطريق»۱4.

و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من صافح امرأة تحرم عليه فقد باء بسخط من اللّه عزّ و جل»۱٥.

و عنه (عليه السلام) فيما أخذ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) البيعة على النساء: «أن لا يحتبين و لا يقعدن مع الرجال في الخلاء»۱٦.

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امرأة ليست له بمحرم»۱۷.

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم»۱۸.

و قوله (عليه السلام): «ما من أحد إلّا و هو يصيب حظا من الزنا، فزنا العينين النظر، و زنا الفم القبلة، و زنا اليدين اللمس، صدق الفرج ذلك أو كذب»۱۹.

و كذا يشهد له كيفية بيعة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) للنساء، فإنّه «لما بايع النساء و أخذ عليهنّ، دعا بإناء فملأه ثمَّ غمس يده في الإناء ثمَّ أخرجها ثمَّ أمرهنّ أن يدخلن أيديهنّ فيغمسن فيه»۲۰.

إلى غير ذلك مما لا يحصى، و هذه الأخبار و إن حملها الأصحاب على‏ الآداب في الجملة، و لكن لا شك في إمكان استفادة تقرير الأصل المزبور منها.

الخامس: الأدلة التي وردت في بيان موارد الاستثناء الواردة في القرآن الكريم و سنن المعصومين (عليهم السلام) قال تعالى‏ وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ۲۱.

فيستفاد منها مسلّمية أصل الحرمة حيث اهتموا (عليهم السلام) بذكر موارد الاستثناء، سؤالا و جوابا عند توهم الإباحة أو عند الضرورات كالخصيّ‏۲۲، و الأعمى‏۲۳ و من يريد التزوج‏۲4، و من تموت و ليس معها غيره، و نساء أهل الذمة، و من لا ينتهين إذا نهين‏۲٥ إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع جميع ذلك مما يؤيد الأصل الذي تعرضنا له.

و استدل المجوزون تارة: بمرسل مروك عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «قلت له: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟ قال: الوجه و الكفان و القدمان»۲٦.

و صحيح مسعد بن زياد قال: «سمعت جعفرا (عليه السلام) و سئل عما تظهر المرأة من زينتها، قال: الوجه و الكفين»۲۷.

و في خبر زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عزّ و جل‏ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها قال: «الزينة الظاهرة الكحل و الخاتم»۲۸.

و فيه: أنّه يمكن أن يكون المراد الظهور الاتفاقي لا الإظهار الاختياري، مع أنّ المقطوع به من مذاق الشرع عدم الترخيص لهنّ في إبداء الوجه و الكفين فيما هو معرض عرفي للتلذذ و خوف الفتنة، و لا ريب في المعرضية القريبة مع وجود الناظرين من الأجانب. نعم، مع احتمال وجود الناظر و انتفاء وجوده بالفعل لا يجب. و يمكن أن يكون هذا هو المراد من الصحيح.

و أخرى: بخبر عليّ بن جعفر۲۹: «سألته (عليه السلام) عن الرجل ما يصلح له أن ينظر من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال (عليه السلام): الوجه و الكفان و موضع السوار».

و في المرسل المزبور: «الوجه و الكفان و القدمان».

و فيه مضافا إلى قصور سندهما، و اشتمال الثاني على ما لا يقول به أحد من إباحة النظر إلى القدمين، أنّه يمكن أن يراد به النظر الاتفاقي، أي: لا يجب على الرجال التحفظ عن النظر بمقدار لا يقع النظر الاتفاقي أيضا، فإنّه من العسر و الحرج، مع أنّه يمكن أن يراد بالمحرم في قوله (عليه السلام): «إذا لم يكن محرما» غير الزوج من سائر المحارم، و كذا قوله (عليه السلام): «لا تحل له».

و ثالثة: بما ورد في تفسير قوله تعالى‏ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها۳۰، إنّ الزينة الظاهرة: الكحل و الخاتم و المسكة- أي السوار- و الثياب، و خضاب الكفين‏۳۱، فيستفاد منها عرفا أنّ محلّ الكحل- أي الوجه- و الكفان لا بأس بإظهارهما.

و فيه: مضافا إلى قصور سند هذه الأخبار، إمكان أن يراد بها أيضا عدم وجوب التحفظ عليهنّ لهذه المواضع عند احتمال وجود الأجنبي، لكونه عسرا و حرجا، مع إمكان حملها على الظهور الاتفاقي لا تعمد الإظهار للأجانب‏ لمواضع الزينة الظاهرة، فإنّه بعيد جدا عن مذاق الشرع و المتشرعة.

و رابعة: بما ورد في تغسيل الرجل الأجنبي المرأة الأجنبية عند الضرورة، ففي خبر المفضّل بن عمر: «في المرأة تموت في السفر مع رجال ليس فيهم ذو محرم، قال (عليه السلام): و لا يكشف لها شي‏ء من محاسنها التي أمر اللّه سبحانه بسترها، قلت: فكيف يصنع بها؟ قال (عليه السلام): يغسل بطن كفيها، ثمَّ يغسل وجهها ثمَّ يغسل ظهر كفيها»۳۲.

و نحوه غيره.

و فيه: أنّه لم يعمل به في مورده فكيف يتعدّى إلى غيره، و نسبه بعض الفقهاء إلى الشذوذ، كما في الجواهر.

و خامسة: بصحيح عليّ بن سويد قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إنّي مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: يا عليّ لا بأس إذا عرف اللّه من نيتك الصدق، و إياك و الزنا فإنّه يمحق البركة و يهلك الدّين»۳۳.

و فيه: أنّه ليس لنا العمل بإطلاقه فلا بد من الحمل على النظر الاتفاقي دون الاختياري العمدي.

و سادسة: برواية جابر (رضي اللّه عنه) حيث نظر إلى وجه الصديقة الطاهرة (عليها السلام) و قد اصفر من الجوع ثمَّ احمر بدعاء رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)۳4 و ما روي عن سلمان أنّه رأى يدها دامية من كثرة الرحى.

و فيهما: مضافا إلى قصور السند أنّه من المستبعد جدّا النظر العمدي من جابر إلى وجهها (عليها السلام) بمحضر من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله). نعم، يمكن أن يكون من الاتفاقي غير الاختياري، و كذا من سلمان (رضي اللّه عنه)، كيف و هي التي قالت لأبيها (صلّى اللّه عليه و آله): «خير النساء أن لا يرين الرجال، و لا يراهنّ الرجال، فقال (صلّى اللّه عليه و آله): «فاطمة منّي»۳٥.

و سابعة: بما ورد في الإحرام من عدم تغطية وجوههنّ‏۳٦.

و فيه: أنّه لا تدل على جواز النظر، بل و لا على الكشف و إنّما مفادها عدم وضع شي‏ء على وجوههنّ مما يتسترن به في غير حال الإحرام، فيجوز أن يتسترن بغير تلك الكيفية المعهودة عندهنّ في حال الإحلال.

و ثامنة: بأنّ في ستر الوجه عسر و حرج. و لا يخفى بطلان هذا الوجه.

و تاسعة: بأنّ عدم اهتمام الرواة بالسؤال عنهما يكشف عن عدم وجوب الستر، مع ورود الترخيص في الكشف في الصلاة۳۷.

و فيه: أنّ السؤال عن الشعر الذي هو بعض جمال المرأة و وجوب ستره عليها يدل بالأولى على ستر الوجه الذي فيه تمام جمالها و كمالها.

و عاشرة: بالسيرة. و فيه: أنّ سيرة المتشرعات على الخلاف. نعم، من لا تبالي منهنّ بالدّين تكشف عن غير الوجه، فضلا عن الوجه، هذا مضافا إلى إطلاق آية الغض‏۳۸ و قولهما (عليهما السلام): «زنا العين النظر، و زنا الفم القبلة، و زنا اليدين اللمس»۳۹.

و السيرة العملية بين المتدينين و المتدينات بترك النظر و الستر، و قوله (عليه السلام): «النظرة سهم من سهام إبليس».

و قوله (عليه السلام) في مكاتبة الصفار في الشهادة على المرأة: «تتنقب و تظهر للشهود».

و الملازمة الغالبة بين النظر و الريبة خصوصا في هذه الأعصار، و أصالة العورتية في المرأة إلّا ما خرج بالدليل، و لو رجعنا إلى فطرة النساء عند إرادة التوبة عما ارتكبن من المحرّمات يعدن ذلك منها و يتبن من كشف وجوههنّ و أيديهنّ أيضا، فلا يترك الاحتياط بالستر و ترك النظر.

و أما ما ورد من الروايات الدالة على النظرة الأولى لك و الثانية عليك لا لك‏– التي استند إليها من فصّل في الجواز بين الأولى و الثانية- فلا بد من حملها على النظرات الاتفاقية، إذ يبعد من الشارع الإذن في الانتفاع بالنظرة الأولى، كما هو مفاد قوله (عليه السلام): «لك» أو الحمل على النظر في مقام الخطبة، فالمراد بها أنّك لا تعاقب، لكونها اتفاقية.

ثمَّ إنّ النظر إلى الوجه و الكفين على أقسام:

الأول: النظر الاتفاقي و لا ريب في عدم حرمته.

الثاني: النظر الإجمالي الالتفاتي من غير تكرار بحيث لا يكون مقام تمييز الجهات و الخصوصيات، كالنظر العبوري بالنسبة إلى سائر الأشياء، و يمكن دعوى انصراف الأدلة المانعة عنه.

الثالث: النظر التفصيلي الالتفاتي، كنظر المشتري إلى ما يريد شراءه، و الرجل إلى امرأة يريد أن يتزوجها و لا يجتزي أحد على القول بجوازه، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

نصّا و إجماعا، بل بضرورة من الدّين، ففي خبر شعيب بن واقد عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام): «من ملأ عينيه من حرام ملأ اللّه عينيه يوم القيامة من النار إلّا أن يتوب و يرجع».

و في خبر آخر عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شي‏ء من جسدها كان حقا على اللّه أن يدخله النار- إلى أن قال- و من ملأ عينيه من امرأة حراما حشاهما اللّه يوم القيامة بمسامير من نار»44.

و يدل على وجوب الستر عليهنّ جميع ما تقدّم في تأسيس الأصل بالفحوى.

بضرورة من المذهب، بل الدّين، و لما تقدم من النصوص.

لما تقدم في [مسألة ٥] من (فصل أحكام التخلّي) ما يدل على أنّ العورة ما بين السرة و الركبة، بل إلى نصف الساق، و يأتي هنا في [مسألة ۳] أيضا، و عن العلامة (قدّس سرّه): ليس للمحرم التطلع في العورة و الجسد عاريا، و عن التنقيح: «المنع عنه إلّا الثدي حال الإرضاع». و تقتضيه سيرة من يعتني بدينه من المؤمنين و المؤمنات.

لما تقدم، و لا يترك هذا الاحتياط، و يأتي منه (رحمه اللّه) في النكاح الاحتياط الوجوبي في ذلك، بل لا مناص للفقيه من أن لا يجزم بالإباحة، لما يأتي في قول أبي الحسن (عليه السلام): «لما فيه من تهييج الرجال» و أي تهيج أشد من ذلك.

(مسألة ۱): الظاهر وجوب ستر الشعر الموصول بالشعر، سواء كان من الرجل أو المرأة، و حرمة النظر إليه (۱٤).و أما القرامل من غير الشعر، و كذا الحليّ، ففي وجوب سترهما و حرمة النظر إليهما مع مستورية البشرة إشكال، و إن كان أحوط (۱٥).

أما وجوب ستر الشعر الأصلي على المرأة و حرمة النظر إليه فهو من المسلّمات نصّا و إجماعا. و أما الوصلي فإن كان من غير المرأة فمقتضى الأصل عدم وجوب ستره و عدم حرمة النظر إليه، و إن كان منها- و كانت أجنبية- فمقتضى الأصل حرمة النظر إليها، و مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب ستره على الواصلة، و لا يجري استصحاب وجوبه لتعدد الموضوع، و مع الشك في أنّه من الرجل أو المرأة لا يجري الأصل الموضوعي، للشك في الموضوع، و لا يصح التمسك بالإطلاق لذلك أيضا فيتعيّن الرجوع إلى البراءة سترا و نظرا.

هذا بحسب الأصل العملي. نعم، مقتضى عمومات الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر وجوب ستره لو شملت المقام و لكنّها لا تختص بالواصلة، بل تشمل عامة المكلّفين، كسائر موارد الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. إلّا أن يقال: باختصاصه بها في الجملة كما في من نجس مسجدا أو مصحفا، انظر [مسألة ۳ و ۲۸] من (فصل يشترط في صحة الصلاة).

و أما الأدلة الخاصة فقد يدعى أنّ ما يدل على وجوب ستر الشعر الأصلي و حرمة النظر إليه يدل عليهما في الشعر الوصلي بالملازمة لشيوعه بين النساء في كلّ عصر و زمان، و عمدة ما استدل به عليهما قول مولانا الرضا (عليه السلام) في جواب مسائل ابن سنان: «و حرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج و إلى غيرهنّ من النساء لما فيه من تهييج الرجال و ما يدعو إليه التهييج من الفساد و الدخول فيما لا يحلّ و لا يحمل و كذلك ما أشبه الشعور، إلّا الذي قال اللّه تعالى‏ وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أي غير الجلباب، فلا بأس بالنظر إلى‏ شعور مثلهنّ». فإن إطلاق قوله (عليه السلام): «شعور النساء .. و كذلك ما أشبه الشعور» يشمل الشعر الوصلي أيضا إن كان للمرأة و للتأمل فيه مجال.

منشأ الإشكال إطلاق قوله تعالى‏ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ‏4۷ الشامل لجميع ما هو زينة لهنّ خصوصا مثل الحليّ الذي هو من أجلّ زينتهنّ و من مهيجات الشهوة، و إطلاق ما تقدم من قول الرضا (عليه السلام): «و كذلك ما أشبه الشعور» الشامل للحليّ أيضا.

و من احتمال أن يكون المراد بالأول مواضع الزينة من الجسد، كما فسّر به في بعض الأخبار، و أن يكون المراد من الثاني مثل السنّ، و الظفر، و نحوهما مما هو جزء البشرة عرفا.

(مسألة ۲): الظاهر حرمة النظر إلى ما يحرم النظر إليه في المرآة، و الماء الصافي مع عدم التلذذ (۱٦). و أما معه فلا إشكال في حرمته.

لصدق الرؤية عرفا، فتشملها الأدلة، و احتمال الانصراف إلى الرؤية بلا واسطة شي‏ء- كما في المستند- لا وجه له، لأنّه من الانصرافات البدوية التي لا يعتنى بها. نعم، يصح دعوى الانصراف عن الصورة، و الأحوط فيه الاجتناب أيضا.

(مسألة ۳): لا يشترط في الستر الواجب في نفسه ساتر مخصوص، و لا كيفية خاصة، بل المناط مجرد الستر و لو كان باليد و طلي الطين و نحوهما (۱۷). (و أما الثاني):- أي الستر حال الصلاة فله كيفية خاصة. و يشترط فيه ساتر خاص (۱۸). و يجب مطلقا (۱۹) سواء كان هناك ناظر محترم أو غيره أم لا، و يتفاوت بالنسبة إلى الرجل و المرأة. أما الرجل: فيجب عليه ستر العورتين أي: القبل من القضيب و البيضتين و حلقة الدبر لا غير (۲۰)، و إن كان الأحوط ستر العجان أي: ما بين حلقة الدبر إلى أصل القضيب (۲۱) و أحوط من ذلك ستر ما بين السرة و الركبة (۲۲) و الواجب ستر لون البشرة (۲۳)، و الأحوط ستر الشبح (۲٤) الذي يرى‏ من خلف الثوب من غير تميز للونه، و أما الحجم- أي: الشكل- فلا يجب ستره. و أما المرأة: فيجب عليها ستر جميع بدنها حتّى الرأس و الشعر (۲٥). إلّا الوجه المقدار الذي يغسل في الوضوء، و إلا اليدين‏ إلى الزندين، و القدمين إلى الساقين ظاهرهما و باطنهما (۲٦)، و يجب‏ ستر شي‏ء من أطراف هذه المستثنيات من باب المقدمة (۲۷).

إذ المناط إبداء المانع عن الرؤية و لو بإطفاء الضوء و إيجاد الظلمة أو الجلوس بنحو لا ترى الصورة، و يكفي وضع اليد على القبل، و أما الدّبر فمستور بالأليتين، فلا يجب ستره بشي‏ء آخر، و كذا بالنسبة إلى المرأة في الستر الواجب نفسا، و يكفي فيه إيجاد المانع عن الرؤية بأيّ نحو حصل و لو بالابتعاد عن الرائي.

لأنّه لا يكفي فيه وضع اليد لستر القبل، و لا الأليتين لستر الدّبر و لا الظلمة و نحوها، و يأتي بيان الساتر الخاص في الفصل اللاحق.

للنص، و الإجماع، بل الضرورة، ففي صحيح محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال: إذا كان كثيفا فلا بأس به».

و مثله خبر الأنصاري- في حديث- قال: «صلّى بنا أبو جعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار و لا رداء، فقال: إنّ قميصي كثيف، فهو يجزي أن لا يكون عليّ إزار و لا رداء»٥۰.

و المنساق من الكثيف عرفا ما كان مانعا عن الرؤية مطلقا- كان هناك ناظر أو لا- و قد فسّر الكثيف بالستر، فيما يأتي من أخبار ثوب المرأة حال الصلاة، فلا وجه للإشكال بأنّه لا يشمل ما إذا لم يكن هناك ناظر.

و استدل أيضا بما ورد في صلاة العاري من إبدال الركوع و السجود بالإيماء. و فيه: أنّها مختلفة، كما يأتي في [مسألة ٤۳] من الفصل اللاحق، و أما قول الصادق (عليه السلام) في مرفوع حماد: «لا تصلّ فيما شفّ أو وصف»٥۱. فقصور سنده يمنع عن الاعتماد عليه، و كذا حديث الأربعمائة: «لا يقومن أحدكم بين يدي الربّ جلّ جلاله و عليه ثوب يشف»٥۲.

مع أنّ الشفيف من الثوب ما يرى تحته من ورائه، فلا يكون ساترا و لا يجوز حينئذ.

للإجماع، و ظواهر الأدلة، و يشهد له العرف أيضا، و في مرسل الواسطي عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: «العورة عورتان: القبل و الدّبر، و الدّبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة»٥۳.

و مقتضى الأصل عدم وجوب ستر شي‏ء آخر، لأنّ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر.

من باب المقدمة العلمية، و عن الكركي جعله أولى، و هو المطابق للأصل، و لما مرّ من خبر الواسطي الحاصر لها بالعورتين.

لا ريب في كونه من الآداب المستحسنة لدى المتشرعة، بل الذين‏ يعتنون بمثل هذه الأمور مطلقا، و عن عليّ (عليه السلام): «ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم»٥4 و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «العورة ما بين السرّة و الركبة»٥٥ المحمول على مجرد الرجحان جمعا، و إجماعا، لما عن الصادق (عليه السلام): «الفخذ ليست من العورة»٥٦. و عنه (عليه السلام) أيضا: «الركبة ليست من العورة» كما في الجواهر.

مقتضى الأصل عدم وجوب ستر شي‏ء مما شك في وجوب ستره إلّا فيما هو المعلوم من مفاد الأدلة، و المعلوم إنّما هو اللون فقط، فيرجع في وجوب ستر غيره إلى البراءة كما في كلّ شبهة وجوبية دائرة بين الأقلّ و الأكثر.

إنّ عدّ الشبح من مراتب تمييز اللون عرفا، فيشمله ما دلّ على وجوب ستر اللون، و إن كان من مجرد ظلّ الشي‏ء، فمقتضى الأصل عدم وجوب ستره، و يظهر منه (رحمه اللّه) هذا التفصيل في أول فصل أحكام التخلّي فراجع، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

و أما الحجم، فمقتضى الأصل و السّيرة عدم وجوب ستره، و لا مجال في المقام للرجوع إلى قاعدة الاشتغال، لما ثبت في محلّه من أنّ المرجع هو البراءة في الشبهة الوجوبية- نفسية كانت أو غيرية- كما لا وجه للتمسك بقول الصادق (عليه السلام): «لا تصلّ فيما شف أو وصف»٥۷. بناء على ضبطه (بواوين)، لقصور سنده و اضطراب متنه، لأنّه ضبط تارة: «فيما شفّ أو صفّ، يعني الثوب الصقيل. و أخرى: بواوين، فراجع أخبار الباب.

أما وجوب ستر جميع الجسد و الرأس، فبإجماع الفقهاء، و نصوص كثيرة يستفاد منها استفادة قطعية اشتراط ستر الرأس و البدن، إما بثلاثة أثواب، أو ثوبين، أو ملحفة واحدة، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن أبي يعفور: «تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: إزار، و درع و خمار، و لا يضرها بأن تقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما و تقنع بالآخر قلت: فإن كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال: لا بأس إذا تقنعت بملحفة، فإن لم تكفها فتلبسها طولا»٥۸. و عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد بن مسلم قال: «المرأة تصلّي في الدرع، و المقنعة إذا كان كثيفا يعني ستيرا»٥۹.

و في صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة، قال: درع و ملحفة فتنشرها على رأسها و تجلّل بها»٦۰.

و في صحيح ابن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السلام): «عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال: تلتف فيها و تغطي رأسها و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا بأس»٦۱.

و لا ريب في أنّ الظاهر من بعضها، و المصرح في بعضها الآخر وجوب ستر رأسها أيضا، مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في الموثق: «لا يصلح للحرة إذا حاضت إلّا الخمار إلّا أن لا تجده»٦۲.

و أما خبر ابن بكير- عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا بأس بالمسلمة الحرة أن تصلّي و هي مكشوفة الرأس»٦۳.

و مثله خبره الآخر٦4، فمحمول على غير البالغة، أو مردود، لهجر الأصحاب عن ظاهره، فلا وجه لما نسب إلى ابن الجنيد (رحمه اللّه) من عدم وجوب ستر الرأس عليها في الصلاة.

و أما الشعر، فاستدل على وجوب ستره تارة: بما دل على وجوب ستر الرأس، فإنّه يدل بالملازمة العرفية على ستر الشعر أيضا.

و فيه: أنّ الملازمة في الجملة مسلّمة، و بنحو الكلية باطلة، لأنّ الشعر الطويل من الامام و الخلف، أو منهما لا يستر بستر الرأس قطعا.

و أخرى: بقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح فضيل قال: «صلّت فاطمة (عليها السلام) في درع و خمارها على رأسها، ليس عليها أكثر مما وارت به شعرها و أذنيها»٦٥ بناء على أنّه في مقام بيان تحديد الواجب من الستر، و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح زرارة المتقدم: «درع و ملحفة فتنشرها على رأسها و تجلّل بها»٦٦.

و فيه: أنّ الأول ليس في مقام بيان تحديد ما يجب ستره في الصلاة، بل ظاهره أنّه في مقام بيان عدم كون ثيابها وسيعة، كما كانت متعارفة في تلك الأزمان. و الثاني: أنّه يدل على المطلوب لو كان التجلّل واجبا، و الظاهر عدم قائل بوجوبه، فلا يستفاد منه إلّا وجوب ستر الرأس و تقدم أنّه أخصّ من ستر تمام الشعر، و لذا حكي عن القاضي عدم وجوب ستره، و استظهره في المدارك عن عبارات أكثر الأصحاب، و عن البحار ليس في كلام الأكثر تعرّض لذلك.

و توقف فيه الشهيد في الألفية و صاحب الكفاية.

و لكن التزام المتشرعات بالستر في كلّ عصر، و ظهور صحيح الفضيل في مسلّمية ستر الشعر، فكأنّه (عليه السلام) جعل أصل الستر الواجب ما استتر الشعر و الأذنان، و احتمال الملازمة بين الستر الواجب نفسا و الستر في الصلاة إلا ما خرج بالدليل، و فتوى جمع من الفقهاء بالوجوب مما يوجب الاطمئنان به، و لعلّ عدم تعرّض الأكثر له، لأجل أنّ الوجوب كان مفروغا عنه لديهم، أو لأجل اكتفائهم بذكر الرأس عنه. هذا في الشعر الأصلي، و أما الوصلي، فيأتي حكمه في المسألة اللاحقة.

مقتضى الأصل عدم وجوب الستر الصلاتي لو شك في وجوبه بالنسبة إلى جزء من أجزاء البدن، لأنّ المقام من الشك في الشرطية، و من موارد الأقلّ و الأكثر و لا دليل على الملازمة بين الستر الواجب في نفسه و بين الستر الصلاتي، بل مقتضى الأصل العدم. نعم، هو من مجرد الاحتمال- خصوصا بعد ما ورد أنّها عورة، كما تقدم- و لا بأس به، لكن لا يثبت به الوجوب.

ثمَّ إنّ تفصيل هذه المسألة لا بد و أن يكون في ضمن فروع حتّى لا يختلط بعضها ببعض:

(الأول): لا يجب للمرأة ستر وجهها في الصلاة للأصل، و الإجماع، و السيرة، و ظهور الروايات- المتقدمة المشتملة على الدرع، و الإزار، و الخمار- في ذلك لأنّها لا تستر الوجه قطعا، و في موثق سماعة قال: «سألته عن المرأة تصلّي متنقبة؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و إن أسفرت فهو أفضل»٦۷.

(الثاني): لم يقع لفظ الوجه في أدلّة المقام، و إنّما ذكر في كلمات‏ الفقهاء العظام، و المراد به عندهم الوجه الوضوئي، بل هو المراد في الإطلاق العرفي أيضا و هو المستفاد مما تقدم من الأخبار، لأنّها تدل على كفاية الملحفة و الخمار و هي لا تستر الوجه الوضوئي عادة. و مع الشك، فالمرجع البراءة، للشك في الشرطية. و احتمال- أن تكون الملحفة، و المقنعة و الخمار ملقاة من الطرف الإمامي كما تلقى من الطرف الخلفي- منفي بالأصل، و العرف، و السيرة في ألبستهنّ المتعارفة الاستعمال في المنزل.

(الثالث): لا يجب عليها ستر اليدين إلى الزندين، للأصل، و الإجماع، و لأنّ الدّرع و الخمار الوارد في الأدلة كفايتهما لصلواتها- لا يستران اليد. و ما يقال: من أنّ الأكمام كانت طويلة في الأزمنة القديمة لم يثبت بنحو يعتمد عليه، و على فرض ثبوته لم يثبت كونه في مطلق أكمامهنّ، و إنّما كان في الألبسة التجملية لا الألبسة المنزلية المتعارفة، مع أنّه يكفي الشك في عدم صحة التمسك بالإطلاق، فيرجع إلى البراءة لا محالة.

(الرابع): لا يجب عليها ستر القدمين إلى الساقين على المشهور، للأصل، و لعدم الملازمة بين لبس الدرع و الملحفة، و الإزار و ستر القدم و على فرض ثبوت كونها طويلة الذيل إنّما كان الطول من الخلف لا من الامام و إلا لتعسر عليهنّ المشي، مع أنّه يكفي عدم النص- في هذا الحكم الابتلائي و كون القدم في معرض البروز و الظهور- في عدم الوجوب، و أما مفهوم صحيح ابن جعفر: «فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك، فلا بأس»٦۸ فلا يدل على وجوب ستر القدم، لأنّ الرجل أعم من القدم بلا إشكال، بل ظاهر في المقدار المعتنى به منه لا خصوص القدم.

(الخامس): لا فرق في القدم بين الظاهر و الباطن، لجريان ما تقدم من الأدلة فيها. و عن جمع التخصيص بالظاهر فقط و لا دليل على ذلك إلا إذا كان الدليل منحصرا بالإجماع. فيقتصر فيه على المتيقن.

و فيه أولا: منع انحصار الدليل فيه. و ثانيا: أنّ كون المتيقن هو الظاهر أول الدعوى.

أو أنّ الباطن مستور بالأرض في حال القيام و الركوع و في غيرهما بالثياب، فاكتفى الشارع بذلك و سكت عن حكمه، فلا بد من ستره في تمام الأحوال.

و فيه: أنّه وجه حسن ثبوتا، و لكن لا يصلح للاكتفاء به في مقام الإثبات و إن صلح للاحتياط ما لم يوجب الوسوسة.

تنبيه: يجب على الشارع بيان حدود المكلّف به و قيوده، خصوصا في الابتلائيّات العامة- كالقبلة و الطهارة و الستر الصلاتي و نحوها- و إذا بيّن ذلك للرجال يجري بالنسبة إلى النساء أيضا، لقاعدة الاشتراك المسلّمة نصّا و فتوى، كما تعرّضنا لها٦۹. هذا إذا كان الموضوع مشتركا بينهما، و أما مع الاختصاص بالنساء كالستر الصلاتي لهنّ، فلا بد له من تفصيله و شرحه، خصوصا مع اختلاف كيفية الستر في العالم بالنسبة إلى المسلمات من الأمة، و ليس لأحد أن يأخذ بما ورد في لباس المسلمات من أهل الحجاز حين تشريع الستر الصلاتي مع كثرة اختلافه أيضا بينهنّ فضلا عن ستر النساء في سائر أنحاء العالم، فاللازم الأخذ بالمعلوم من مفاد الأدلة اللفظية ثمَّ الأخذ بما دل عليه إجماع معتبر، أو شهرة معتبرة، و مع عدمهما، فالمرجع أصالة البراءة كما هو كذلك في جميع الأدلة الاجتهادية، و قد تعرّضنا للأدلة اللفظية و الإجماع و مورد جريان الأصل، فراجع و تأمّل.

لأنّها جارية في جميع ما يتوقف العلم بتحقق حدود المكلّف به‏ عليه، كما تقدم في الغسلات الوضوئية، و مسحات التيمم، و يأتي في غيرهما و هي سيالة في الفقه.

(مسألة ٤): لا يجب على المرأة حال الصلاة ستر ما في باطن الفم من الأسنان و اللسان، و لا ما على الوجه من الزينة- كالكحل و الحمرة و السواد و الحلي- و لا الشعر الموصول بشعرها و القرامل و غير ذلك و إن قلنا بوجوب سترها عن الناظر (۲۸).

كلّ ذلك للأصل، و عدم الإشارة إلى وجوب ستر شي‏ء من ذلك في الأدلة مع كون الحكم ابتلائيا خصوصا بعد ما ورد من إطلاق: «لا تصلّي المرأة عطلاء»۷۰.

و لا دليل على الملازمة بين الستر في غير الصلاة و الستر فيها، بل مقتضى الأصل عدمها.

(مسألة ٥): إذا كان هناك ناظر ينظر بريبة إلى وجهها أو كفيها أو قدميها يجب عليها سترها، لكن لا من حيث الصلاة، فإن أثمت و لم تسترها لم تبطل الصلاة. و كذا بالنسبة إلى حليّها و ما على وجهها من الزينة و كذا بالنسبة إلى الشعر الموصول و القرامل في صورة حرمة النظر إليها (۲۹).

أما وجوب الستر مع الناظر، فلإطلاق دليله الشامل لحال الصلاة أيضا. و أما عدم البطلان مع المخالفة، فلعدم كون هذا الستر شرطا في صحة الصلاة، و عدم اقتضاء الأمر بالشي‏ء النّهي عن ضده.

(مسألة ٦): يجب على المرأة ستر رقبتها حال الصلاة (۳۰). و كذا تحت ذقنها، حتّى المقدار الذي يرى منه عند اختمارها على الأحوط (۳۱).

للأخبار- المتقدمة- المشتملة على الخمار و الملحفة المستلزم لستر الرقبة.

مقتضى الأصل- كما تقدم- عدم وجوب ستره، و لكن يمكن أن يستفاد من الكلمات اشتراط ستر جميع جسدها إلّا ما خرج بالدليل و إثبات هذه الكلية بالدليل مشكل، و لكنه موافق للاحتياط.

(مسألة ۷): الأمة كالحرّة في جميع ما ذكر من المستثنى و المستثنى منه (۳۲)، و لكن لا يجب عليها ستر رأسها و لا شعرها و لا عنقها (۳۳) من غير فرق بين أقسامها من القنة، و المدبّرة و المكاتبة، و المستولدة (۳٤). و أما المبعّضة: فكالحرّة مطلقا (۳٥). و لو أعتقت في أثناء الصلاة و علمت به و لم يتخلّل بين عتقها و ستر رأسها زمان صحت صلاتها (۳٦)، بل و إن تخلّل زمان إذا بادرت إلى ستر رأسها للباقي من صلاتها بلا فعل مناف (۳۷). و أما إذا تركت سترها حينئذ بطلت (۳۸). و كذا إذا لم تتمكن من‏ الستر إلا بفعل المنافي (۳۹)، و لكن الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة. نعم، لو لم تعلم بالعتق حتّى فرغت صحت صلاتها على الأقوى (٤۰)، بل و كذا لو علمت لكن لم يكن عندها ساتر، أو كان الوقت ضيّقا (٤۱) و أما إذا علمت عتقها، لكن كانت جاهلة بالحكم- و هو وجوب الستر- فالأحوط إعادتها (٤۲).

للإطلاق الشامل لهما.

للنص، و الإجماع، قال أبو الحسن (عليه السلام) في صحيح ابن الحجاج: «ليس على الإماء أن يتقنعن في الصلاة»۷۱.

لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)- في حديث: «و سألته عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار؟ قال: لو كان عليها لكان عليها إذا هي حاضت و ليس عليها التقنع في الصلاة»۷۲.

للنصّ، و الإجماع، و في صحيح ابن حمران عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل أعتق نصف جاريته- إلى أن قال:- قلت: فتغطي رأسها حين أعتق نصفها؟ قال: نعم، و تصلّي، هي مخمّرة الرأس»۷۳.

لوجوب المقتضي للصحة- فيما إذا أتت بها من الصلاة بلا ستر و مع الستر- و فقد المانع عنها، فتشملها الأدلة قهرا.

لأصالة الصحة. هذا إذا لم تأت بشي‏ء من الأفعال حين الكشف أو أعادته رجاء بعد الستر إن لم يكن من الزيادة المبطلة و الصحة حينئذ لا إشكال فيها بناء على أنّ الستر شرط للأفعال الصلاتية إذ المفروض إتيانها مستجمعة للشرائط.

و أما لو كان شرطا للأكوان الصلاتية أيضا، فيشكل الصحة، لخلو بعض أكوانها عن الستر، و لكن مقتضى الأصل عدم اشتراط الأكوان الصلاتية به، إذ المسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر، و استظهار الاشتراط من الأدلة مشكل، بل ممنوع، إذ المنساق منها خصوص الأفعال.

و أما التمسك للصحة بحديث «لا تعاد»۷4 فمبني على شموله لغير الخلل السهوية مطلقا و هو مشكل، كما أنّ التمسك بصحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا إعادة عليه و قد تمت صلاته»۷٥ بناء على تعميمه لكلّ ما وجب ستره في الصلاة مطلقا- لا وجه له، لأنّه في صورة الغفلة، فلا يشمل المقام.

لترك الشرط عمدا. هذا إذا أتت بالأفعال و اكتفت بها، و أما إذا أتت بها و أعادتها بعد الستر رجاء و لم يكن الفعل مبطلا، فيمكن الحكم‏ بالصحة، لما تقدم.

لأنّ الإتيان بالمنافي يوجب البطلان لا محالة، و عن جمع- منهم الشيخ و المحقق- الصحة بناء على سقوط الستر الواجب حينئذ، لتوقفه على إتيان المنافي و هو محذور شرعيّ و العذر الشرعيّ كالعقليّ، فيسقط الوجوب حينئذ.

و فيه: أنّه كذلك لو كان في ضيق الوقت، و كان قطع الصلاة حتّى في مثل الفرض حراما. و الأول خلاف الفرض، و الثاني لا دليل عليه، بل مقتضى إطلاق دليل اشتراط الستر عدم الحرمة، و منه يعلم وجه الاحتياط بالإتمام و الإعادة.

لما تقدم من صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) الظاهر في اختصاص الاشتراط بصورة العلم و الالتفات، و ما تقدم من حديث «لا تعاد»۷٦ و حديث «الرفع»۷۷.

أما في الأول فلعدم القدرة حينئذ على الستر، فيسقط الاشتراط قهرا، لكن مع استيعاب العذر لتمام الوقت. و أما في الأخير، فلأهمية الوقت عن الستر في المقام، على ما هو المتسالم عليه بين الأعلام.

للإجماع على أنّ الجاهل بالحكم كالعامد في بطلان العمل‏ المخالف للواقع إلّا في موارد خاصة ليس المقام منها. نعم، لو قلنا بشمول حديث «لا تعاد» لمورد الجهل يصح التعويل عليه، و لكنّه مشكل. و وجه الاحتياط بالإتمام المناقشة في كلية الإجماع، و احتمال شمول حديث «لا تعاد»۷۸ لصورة الجهل أيضا، فيجب الإتمام حينئذ، و يأتي تفصيل الحديث في محلّه.

(مسألة ۸): الصبيّة الغير البالغة حكمها حكم الأمة في عدم وجوب ستر رأسها و رقبتها (٤۳) بناء على المختار من صحة صلاتها و شرعيتها (٤٤). و إذا بلغت في أثناء الصلاة، فحالها حال الأمة المعتقة في الأثناء في وجوب المبادرة إلى الستر، و البطلان مع عدمها إذا كانت عالمة بالبلوغ.

إجماعا محققا، و يدل عليه مفهوم قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار»۷۹ بناء على استفادة الشرطية للصلاة من الخمار.

و أما التمسك بحديث: «رفع القلم عن الصبيّ»۸۰.

فقالوا: إنّه لا ينفع للمقام، لأنّ المنساق منه رفع الإلزام لا الجزئية و الشرطية.

و فيه: أنّ سياقه الامتناني يقتضي التعميم مطلقا إلّا ما نصّ الشرع على الخلاف فكلّ ما كان تحت استيلاء الشارع وضعا يرفع بهذا الحديث إلا مع التصريح بعدمه.

لوجود المقتضي للشرعية و هو عمومات الأدلة و إطلاقاتها و فقد المانع، لما تقدم من أنّ حديث «رفع القلم» لا يرفع إلّا الإلزام دون أصل التشريع، و تقدم ما يتعلق ببقية المسألة في المسألة السابقة.

(مسألة ۹): لا فرق في وجوب الستر و شرطيته بين أنواع الصّلوات الواجبة و المستحبة (٤٥). و يجب أيضا في توابع الصلاة من قضاء الأجزاء المنسية، بل سجدتي السهو على الأحوط. نعم، لا يجب في صلاة الجنازة و إن كان هو الأحوط فيها أيضا. و كذا لا يجب في سجدة التلاوة و سجدة الشكر (٤٦).

لظهور الإطلاق، و الاتفاق على دخالة الشرائط في طبيعة الصلاة و ماهيتها مطلقا إلا ما خرج بالدليل، و قد تعرضنا لقاعدة اشتراك النوافل مع الفرائض المسلّمة نصّا، و إجماعا في غير ما نصّ على الخلاف‏۸۱.

أما الأول، فلظهور أدلة قضائها في إتيانها بما لها من الأجزاء و الشرائط، مضافا إلى ظهور الإطلاق، و الاتفاق.

و أما الثاني، فلما يأتي في [مسألة ۷] من (فصل موجبات سجود السهو و كيفيته).

و أما الثالث، فلما تقدم في [مسألة ۱] من (فصل شرائط صلاة الميت).

و أما الأخير، فللأصل و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(مسألة ۱۰): يشترط ستر العورة في الطواف أيضا (٤۷).

نصّا، و إجماعا، ففي النبويّ المعمول به: «و لا يطوف بالبيت عريان»۸۲.

و المتيقن منه كشف العورة.

(مسألة ۱۱): إذا بدت العورة كلّا أو بعضا لريح أو غفلة لم تبطل الصلاة (٤۸)، لكن إن علم به في أثناء الصلاة وجبت المبادرة إلى سترها و صحت أيضا، و إن كان الأحوط الإعادة بعد الإتمام، خصوصا إذا احتاج سترها إلى زمان معتدّ به.

نصّا، و إجماعا، روى ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام): عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا إعادة عليه و قد تمت صلاته»۸۳.

و يصح التمسك بحديث «الرفع»۸4 لنفي الإعادة و القضاء، بل و نفي الشرطية أيضا في حال الغفلة، و النسيان و الاضطرار، و قد تقدم حكم البقية في المسألة السابعة، فراجع. 

(مسألة ۱۲): إذا نسي ستر العورة ابتداء أو بعد التكشف في الأثناء، فالأقوى صحة الصلاة (٤۹)، و إن كان الأحوط الإعادة (٥۰). و كذا لو تركه من أول الصلاة أو في الأثناء غفلة (٥۱). و الجاهل‏ بالحكم كالعامد على الأحوط (٥۲).

لحديث «لا تعاد»۸٥، و لحديث «الرفع»۸٦ على ما قلناه.

لما عن بعض من دعوى الإجماع على البطلان، و لكن هذه الدعوى تصلح للاحتياط و لا تصلح للاعتماد.

لما تقدم من صحيح ابن جعفر، و لحديث «لا تعاد»، و حديث «الرفع»۸۷ على ما اخترناه.

و عن جمع أنّه الأقوى، للإجماع على أنّ الجاهل بالحكم بمنزلة العامد إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج في المقام، و لكن الكلام في تعميم معقده بحيث يكون كقاعدة كلية مع كثرة ما خرج عنه، و لعلّه احتاط (رحمه اللّه) لذلك.

(مسألة ۱۳): يجب الستر من جميع الجوانب بحيث لو كان هناك ناظر لم يرها، إلا من جهة التحت فلا يجب (٥۳). نعم، إذا كان واقفا على طرف سطح أو على شباك بحيث ترى عورته لو كان هناك ناظر، فالأقوى و الأحوط وجوب الستر من تحت أيضا (٥٤)، بخلاف ما إذا كان واقفا على طرف بئر و الفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر، فيصدق الستر عرفا.و أما الواقف على طرف السطح لا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى، فلو لم يستر من جهة التحت بطلت صلاته و إن لم يكن هناك ناظر، فالمدار على الصدق العرفي و مقتضاه ما ذكرنا.

أما الأول، فلأنّه لا معنى لوجوب الستر إلا التحفظ عن وقوع النظر فيما يكون معرضا له، فكلّ ما كان معرضا له يشمله الدليل قهرا فيجب.

و أما الأخير، فللأصل، و الإجماع، و عدم المعرضية للنظر، مضافا إلى إطلاق النصوص الدالة على كفاية الدرع و القميص للصلاة۸۸.

المدار كلّه على المعرضية العرفية لوقوع النظر حتّى يجب التستر عنه و هو مختلف باختلاف الموارد، فقد يكون البئر و السرداب كذلك و قد لا يكون كذلك، فيجب التستر مع المعرضية العرفية و لا يجب مع عدمها، و لا فرق فيه بين الستر الصلاتي و غيره، و المناط كلّه على صدق كونه مكشوف العورة في الصلاة، و هو يصدق مع المعرضية للنظر من جهة التحت و لا يصدق مع عدمها.

(مسألة ۱٤): هل يجب الستر عن نفسه بمعنى أن يكون بحيث لا يرى نفسه أيضا، أم المدار على الغير؟ قولان الأحوط الأول، و إن كان الثاني لا يخلو من قوّة (٥٥)، فلو صلّى في ثوب واسع الجيب بحيث يرى عورة نفسه عند الركوع لم تبطل على ما ذكرنا، و الأحوط البطلان. هذا إذا لم يكن بحيث قد يراها غيره أيضا، و إلا فلا إشكال في البطلان.

للأصل بعد أن كان المنساق من أدلة وجوب الستر الستر عن الغير، و يشهد للجواز جواز مسّ المصلّي عورته في الصلاة، و لكن الاحتياط في الستر حتّى عن نفسه جمودا على بعض الإطلاقات، و تحفظا لشأن الصلاة فإنّها حالة تناسب ستر العورة حتّى عن نفسه مع اشتغاله بالقيام و الركوع و السجود عند اللّه تعالى فهذه الحالات تناسب ستر العورة عن نفسه أيضا.

(مسألة ۱٥): هل اللازم أن يكون ساتريته في جميع الأحوط حاصلة من أول الصلاة إلى آخرها، أو يكفي الستر بالنسبة إلى كلّ حالة عند تحققها؟ مثلا إذا كان ثوبه مما يستر حال القيام لا حال الركوع، فهل تبطل الصلاة فيه و إن كان في حال الركوع يجعله على وجه يكون ساترا، أو يتستّر عنده بساتر آخر، أو لا تبطل؟ وجهان أقواهما الثاني (٥٦) و أحوطهما الأول (٥۷). و على ما ذكرنا فلو كان ثوبه مخرّقا، بحيث تنكشف عورته في بعض الأحوال لم يضرّ إذا سدّ ذلك الخرق في تلك الحالة بجمعة أو بنحو آخر و لو بيده على إشكال في الستر بها (٥۸).

لصدق الستر الصلاتي عرفا، و الأصل البراءة عما زاد و المسألة من صغريات الأقل و الأكثر.

جمودا على احتمال اعتبار الساترية في كلّ حال.

من انسباق الستر بما هو خارج عن بدن المصلّي عرفا، فلا يجوز التستر باليد. و من أنّ هذا الانسباق إنّما هو فيما إذا كان الساتر منحصرا باليد و أما إن كان الساتر غيرها و ضمه بيده، فيصدق الستر بغير اليد لدى العرف، و لذا لا يشكل أحد فيما إذا أدخل قبله في علبة- مثلا- و أمسكها بيده.

(مسألة ۱٦): الستر الواجب في نفسه من حيث حرمة النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر، و لو كان بيده أو يد زوجته، أو أمته. كما أنّه يكفي ستر الدّبر بالأليتين (٥۹). و أما الستر الصّلاتي: فلا يكفي فيه ذلك و لو في حال الاضطرار (٦۰)، بل لا يجزئ التستّر بالطّلي بالطّين. أيضا حال الاختيار (٦۱).نعم، يجزئ حال الاضطرار على الأقوى (٦۲) و إن كان الأحوط خلافه (٦۳). و أما الستر بالورق و الحشيش: فالأقوى جوازه حتّى في‏ حال الاختيار (٦٤)، لكن الأحوط الاقتصار على حال الاضطرار (٦٥) و كذا يجزئ مثل القطن و الصوف غير المنسوجين (٦٦)، و إن كان الأولى المنسوج منهما أو من غيرهما مما يكون من الألبسة المتعارفة (٦۷).

لأنّ الواجب إنّما هو إبداء المانع عن وقوع النظر عرفا و هو يحصل بأيّ شي‏ء اتفق، مع أنّ تحقق ستر الدبر بالأليتين منصوص‏۸۹ كما تقدم.

لظهور الإجماع على عدم كفاية الستر بيده، أو يد زوجته، أو أمته، و كذا عدم كفاية ستر الدّبر بالألية في الجملة، و يأتي في [مسألة ٤۳] من الفصل اللاحق ما يرتبط بالمقام.

لانصراف أدلة التستر الصلاتي عن مثل الطّين في حال الاختيار بل الظاهر استنكار المتشرّعة لذلك عند الوقوف لدى اللّه عزّ و جل حين المخاطبة معه تعالى مع التمكن من التستر بغيره هذا إذا كان رقيقا، و أما إن كان غليظا و كان له حجم بحيث كان كإدخال العورة في علبة- مثلا- فالظاهر تحقق التستر به عرفا، و مقتضى الأصل عدم اعتبار قيد زائد على أصل التستر بعد حمل ما ورد في الأدلة من لفظ القميص‏۹۰ و نحوه، على مجرد المثال لا الخصوصية من حيث المادة و الهيئة.

و أما استنكار المتشرعة، فهو من مجرد الاستحسان و لا يكون دليلا يصح الاعتماد عليه لأنّ الوقوف عاريا مع إزار ضيق لدى العظماء هتك، فكيف بأعظم العظماء مع أنّه تصح فيه الصلاة إجماعا حتّى في حال الاختيار.

يظهر ذلك من المشهور في حال الاضطرار و لا إشكال فيه مع وجود الناظر، للعلم التفصيلي بوجوبه حينئذ إما من جهة النظر، أو من جهة الصلاة. و أما مع عدم وجوده، فلإطلاق صحيح ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام): «قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه، عريانا و حضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ و هو قائم»۹۱.

فإنّ إطلاق قوله (عليه السلام): «و إن لم يصب شيئا يستر به عورته». يشمل الطّين، فإنّه شي‏ء يستر به العورة.

و دعوى اختصاصه بمثل الحشيش لا وجه له، و تقدم إمكان القول بإجزاء التستر في الصلاة ببعض مراتب الطّين السخين في حال الاختيار أيضا.

خروجا عن خلاف مثل صاحب المدارك حيث لم يجعل الطّين‏ ساترا حتّى مع الاضطرار، و ظهر مما مر أنّه لا دليل له عليه.

لأصالة البراءة عن اشتراط مادة خاصة و هيئة مخصوصة في الستر الصلاتي بعد حمل ما ورد في النصوص من الثوب، و الدرع- الذي هو القميص- و نحوهما۹۲ على مجرد المثال. و لا يتوهم: أنّ التستّر به مشروط بفقد الثوب فيما تقدم من صحيح ابن جعفر. فإن فقد الثوب ذكر فيه في كلام السائل من باب الاتفاق لا أن يكون شرطا مذكورا في كلام الإمام (عليه السلام).

خروجا عن خلاف بعض الفقهاء من اختصاصهم التستر في الصلاة بالورق و الحشيش بما إذا تعذر الثوب، و لكنّه قول بلا دليل.

لأصالة البراءة عن اعتبار النسج و الخياطة بعد حمل الأدلة المشتملة على الثوب و القميص و نحوهما على الغالب.

جمودا على ما في الأدلة مهما أمكن و خروجا عن شبهة الخلاف.

  1. الوسائل باب: ۳ من أبواب آداب الحمام حديث: ٥.
  2. سورة النور: ۳۱.
  3. النهاية لابن الأثير باب الخاء مع الميم.
  4. الوسائل باب: ۱۰۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  5. سورة الأحزاب: ٥۹.
  6. سورة النور: ۳۱.
  7. سورة النور: ۳۰- ۳۱.
  8. سورة الشورى: 4٥.
  9. الوسائل باب: ۱ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ۳.
  10. الوسائل باب: ۷۷ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۲.
  11. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۳.
  12. الوسائل باب: ۲4 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 4.
  13. الوسائل باب: ۹۲ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  14. الوسائل باب: ۹۷ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  15. الوسائل باب: ۱۰٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  16. الوسائل باب: ۹۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  17. الوسائل باب: ۹۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۲.
  18. راجع الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  19. راجع الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۲.
  20. الوسائل باب: ۱۱٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ٥.
  21. سورة النور( ۲٤) الآية ٦۰.
  22. الوسائل باب: ۱۲٥ من أبواب مقدمات النكاح.
  23. راجع الوسائل باب: ۱۲۹ من أبواب مقدمات النكاح.
  24. راجع الوسائل باب: ۳٦ من أبواب مقدمات النكاح.
  25. راجع الوسائل باب: ۱۱۳ من أبواب مقدمات النكاح.
  26. الوسائل باب: ۱۰۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۲.
  27. الوسائل باب: ۱۰۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ٥.
  28. الوسائل باب: ۱۰۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۳.
  29. قرب الإسناد ج: ۱ باب ما يجب على النساء في الصلاة.
  30. سورة النور( ۲٤) الآية: ۳۱.
  31. راجع الوسائل باب: ۱۰۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۳ و 4.
  32. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب غسل الميت حديث: ۱، و الأحاديث: ۲ و ۸ و ۱۰.
  33. الوسائل باب: ۱ من أبواب مقدمات النكاح المحرم حديث: ۳.
  34. الوسائل باب: ۱۲۰ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۳.
  35. الوسائل باب: ۱۲۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۳.
  36. راجع الوسائل باب: 4۸ و ٥۹ من أبواب تروك الإحرام.
  37. راجع الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي.
  38. سورة النور( ۲٤) الآية: ۳۱.
  39. الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب مقدمات النكاح حديث: 4.
  40. الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  41. الفقيه باب: ۲۹ من أبواب القضاء حديث: ۲.
  42. الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۸ و ۱۱ و ۱۳ و ۱4 و ۱۷.
  43. الوسائل باب: ۱۰٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  44. الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱٦.
  45. راجع الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب مقدمات النكاح و باب: ۱۰۷ منها.
  46. الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱۲.
  47. سورة النور( ۲٤) الآية ۳۱.
  48. الوسائل باب: ۱۰۹ من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.
  49. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  50. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۷.
  51. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
  52. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب لباس المصلّي حديث: ٥.
  53. الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: ۲.
  54. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب أحكام الملابس حديث: ۳.
  55. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب نكاح العيد و الإماء حديث: ۷ ج: ۱4.
  56. الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: ۱ و 4.
  57. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
  58. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۸.
  59. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۳.
  60. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۹.
  61. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۲.
  62. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: 4.
  63. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب لباس المصلّي حديث: ٥.
  64. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب لباس المصلّي حديث: ٦.
  65. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  66. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۹.
  67. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  68. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۲.
  69. راجع ج: ۲ صفحة: ۲۱٥.
  70. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  71. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۲
  72. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۷.
  73. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱۲.
  74. الوسائل باب: ۹ من أبواب القبلة حديث: ۱.
  75. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  76. تقدّما في صفحة: ۲٥۱.
  77. تقدّما في صفحة: ۲٥۱.
  78. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب قواطع الصلاة حديث: ۲.
  79. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۳.
  80. الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمات العبادات حديث: ۱۱.
  81. راجع صفحة: ۲۱۲.
  82. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب الطواف حديث: ۱.
  83. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱
  84. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب قواطع الصلاة حديث: ۲.
  85. الوسائل باب: ۹ من أبواب القبلة حديث: ۱.
  86. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب قواطع الصلاة حديث: ۲.
  87. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب قواطع الصلاة حديث: ۲.
  88. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي.
  89. الوسائل باب: 4 من أبواب آداب الحمام حديث: ۲ و ۳.
  90. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  91. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  92. راجع الوسائل باب: ۲۸ من أبواب لباس المصلّي.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"