1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الصلاة
  10. /
  11. فصل في أحكام الأوقات
(مسألة ۱): لا يجوز الصلاة قبل دخول الوقت، فلو صلّى بطلت و إن كان جزءا منها قبل الوقت (۱)، و يجب العلم بدخوله حين الشروع فيها (۲) و لا يكفي الظنّ (۳) لغير ذوي الأعذار (٤). نعم، يجوز الاعتماد على شهادة العدلين على الأقوى (٥). و كذا على أذان‏ العارف (٦) العدل (۷)، و أما كفاية شهادة العدل الواحد فمحل إشكال (۸)، و إذا صلّى مع عدم اليقين بدخوله، و لا شهادة العدلين، أو أذان العدل بطلت (۹)، إلا إذا تبيّن بعد ذلك كونها بتمامها في الوقت مع فرض حصول قصد القربة (۱۰).

بالضرورة من الدّين إلّا ممّا استثني- كما يأتي- و مقتضى إطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من صلّى في غير وقت فلا صلاة له»۱ و حديث: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الوقت، و الطهور، و القبلة، و الركوع، و السجود»۲ بطلانها بوقوع جزء منها قبل الوقت أيضا.

للإجماع، و قاعدة الاشتغال، و النصوص قال أبو جعفر (عليه السلام): «فإذا استيقنت أنّها قد زالت بدأت بالفريضة»۳.

و عنه (عليه السلام) في خبر ابن مهزيار: «فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تتبينه»4.

و قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر ابن جعفر: «في الرجل يسمع الأذان، فيصلّي الفجر و لا يدري طلع أم لا، غير أنّه يظن لمكان الأذان أنّه طلع، قال: لا يجزيه حتّى يعلم أنّه قد طلع»٥.

على المشهور، و ادّعي عليه الإجماع، لأصالة عدم اعتباره، مضافا إلى ما تقدّم من الأخبار، و أمّا ما دلّ على جواز الاعتماد على أذان المؤذّنين و إن كانوا من المخالفين‏٦، فعلى فرض اعتباره لا يستفاد منه حجية مطلق الظن، مع أن المسلم لا يقدم على الأذان إلّا بعد علمه بدخول الوقت، فيمكن دعوى أنّه يحصل من أذان المسلمين العلم العادي بدخول الوقت و قد ورد: «أنّهم أشدّ مواظبة على الوقت»۷.

فلا وجه لعدّ مثل هذه الأخبار من أدلّة اعتبار الظن، كما إنّ قول الصادق (عليه السلام) في صحيح إسماعيل: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»۸ لا ربط له بحجية الظنّ في الوقت، بل هو دليل للمسألة الثالثة الآتية، فما نسب إلى الشيخين- من اعتبار الظنّ بالوقت و اختاره في الحدائق- مخدوش، لما عرفت.

يأتي تفصيله في [مسألة ٤] فراجع.

لأنّ اعتبار خبر العدلين من الأمور العقلائية التي يكفي فيها عدم ثبوت الردع من الشرع، مع أنّه قد ورد منه التقرير في موارد شتّى لا تعلم الخصوصية في تلك الموارد، كما لا يخفى، و يمكن استفادة التعميم من قوله (عليه السلام) في خبر مسعدة بن صدقة: «الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك أو تقوم به البيّنة»۹ فإنّه في مقام بيان قاعدة كلية تتبع في جميع الأبواب و الموارد إلّا ما خرج بالدليل. و قد نسب اعتبار شهادة العدلين في المقام إلى ظاهر أكثر الأصحاب.

لجملة من الأخبار:

منها: صحيح المحاربي قال: «قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام): صلّ الجمعة بأذان هؤلاء فإنّهم أشدّ شي‏ء مواظبة على الوقت»۱۰.

و قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن وهب: «قال النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): إنّ ابن مكتوم يؤذّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال»۱۱.

و في صحيح القسري: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أخاف أن نصلّي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس. فقال (عليه السلام): إنّما ذلك على المؤذّنين»۱۲.

و في رواية الهاشمي عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «المؤذن مؤتمن، و الإمام ضامن»۱۳.

و عنهم (عليهم السلام) «المؤذنون أمناء المؤمنين»۱4.

و نحوها غيرها. و مقتضى إطلاقها كفاية مجرد الوثوق سواء كان عدلا أو لا.

و أشكل‏ على هذه الأخبار بوجوه:

الأوّل: إعراض المشهور عنها.

و فيه: إنّه على فرض ثبوته مستند إلى اجتهاداتهم لا إلى ما ظفروا على ما لم نظفر به.

الثاني: معارضتها بخبر عليّ بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام): «في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر و لا يدري طلع أم لا غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه قد طلع. قال (عليه السلام): لا يجزيه حتّى يعلم أنّه قد طلع»۱٥.

و فيه أولا: أنّ المنساق من الأخبار المتقدّمة صورة حصول الوثوق من أذان المؤذن و من هذا الخبر صورة عدم حصوله، فلا تعارض بينهما. و المراد بقوله (عليه السلام): «حتّى يعلم» العلم الشرعي الذي هو عبارة أخرى عن مطلق الوثوق و الاطمئنان.

و ثانيا: أنّه معارض بخبره الآخر عن أخيه (عليه السلام): «عن رجل صلّى الفجر في يوم غيم أو بيت و أذّن المؤذّن و قعد و أطال الجلوس حتّى شكّ، فلم يدر هل طلع الفجر أم لا؟ فظنّ أنّ المؤذن لا يؤذن حتّى يطلع الفجر. قال (عليه السلام): أجزأه أذانهم»۱٦.

و أمّا موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون عن غير عارف؟ قال (عليه السلام): لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفا لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به»۱۷ فمحمول على الاكتفاء بأذان الغير عن الأذان لنفسه بقرينة الإقامة و الاقتداء لا على الاجتزاء به في دخول الوقت مع حصول الوثوق.

الثالث: أنّها محمولة على التقية و على مورد العذر.

و فيه: أنّه لا وجه لهذا الحمل بعد حصول الوثوق و اعتباره عند العقلاء كافة.

و بالجملة: إنّ ما ورد في اعتبار الأذان الموجب للوثوق مطابق لمرتكزات‏ العقلاء و طريقة الشارع في سائر الموارد خصوصا في الأمور العامة البلوى، فيكون حاكما على قاعدة الاشتغال، و ما دلّ على اعتبار العلم لو لم يكن المراد به مطلق ما يوجب الوثوق و الاطمئنان و لا بدّ و أن يراد به ذلك، و عن صاحب الجواهر التصريح به في موارد كثيرة و إن اضطرب كلامه في المقام.

اعتبار كون المؤذّن عارفا بالوقت ممّا لا بدّ منه نصّا و إجماعا و عرفا كما تقدّم. و أمّا العدالة فلا دليل على اعتبارها بنحو الموضوعية، و مقتضى الأصل عدمها بعد كونه موثوقا به، و العدالة على فرض الاعتبار طريق إليه لا أن تكون معتبرة على نحو الصفتية المحضة.

ينشأ من السيرة العقلائية على الاعتماد على خبر الثقة، مع أنّ المنساق ممّا ورد في أذان الثقة خصوصا بعد قوله (عليه السلام)- كما تقدّم-: «أنّهم أشد شي‏ء مواظبة على الوقت» أنّه لا موضوعية للأذان من حيث هو، بل المناط حصول الوثوق بدخول الوقت سواء حصل من الأذان أو من الأخبار، و ما تقدّم من خبر مسعدة الذي حصر فيه (عليه السلام) الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك أو تقوم به البيّنة»۱۸ و فيه أنّ المراد بالاستنابة ما يصح الاعتماد عليه عند المتعارف سواء كانت علمية أو اطمينانية، و الأخيرة تشمل مطلق الوثوق لا الاستنابة اليقينية، و إلّا لاختلّ النظام و بطلت جملة من الأحكام.

و الإشكال جار في جميع أبواب الفقه و لا اختصاص له بالمقام. و لو لا التحديد بالبيّنة في جملة كثيرة بالأدلّة الخاصة لاكتفينا فيها أيضا بالعدل الواحد إذا حصل منه الوثوق العرفي، و لكن الاحتياط سبيل النجاة.

و خلاصة ما تقدّم أمور: الأوّل: اعتبار أذان العارف بالوقت من المسلمين- من أيّ مذهب كان- و يدلّ عليه سيرة المسلمين قديما و حديثا، و إطلاق النصوص الواردة في مقام البيان.

الثاني: لا يجب الفحص بعد أذان العارف إذا أحرز معرفته بالوقت و لا وجه للتشكيك فيه، لإطلاق قوله (عليه السلام): «المؤذّن مؤتمن»۱۹ و خبر القسري المتقدّم‏۲۰ و رواية عبد اللّه بن عليّ عن بلال قال: «سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يقول: المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم و صومهم و لحومهم و دمائهم لا يسألون اللّه عزّ و جلّ شيئا إلّا أعطاهم ..»۲۱.

و قد يكون مرجوحا، بل قد يحرم. و يشهد للمرجوحية خبر سعيد الأعرج قال: «دخلت على أبي عبد اللّه (عليه السلام) و هو مغضب و عنده جماعة من أصحابنا و هو يقول: تصلّون قبل أن تزول الشمس، قال: و هم سكوت. قال: فقلت: أصلحك اللّه ما نصلّي حتّى يؤذّن مؤذّن مكة، قال (عليه السلام): فلا بأس، أما إنّه إذا أذّن فقد زالت الشمس»۲۲.

الثالث: لو شكّ في أنّ المؤذن تفحص عن دخول الوقت أو لا، لا بدّ من حمل عمله- و هو الأذان- على الصحة، لأنّه مسلم.

الرابع: إذا تعاقب أذان المؤذنين يصح الاكتفاء بالأوّل صدورا من الثقة العارف بالوقت، لظهور الإطلاق الشامل له.

لعدم الإتيان بالمأمور به.

لوجود المقتضي و فقد المانع إن تحقّقت القربة منه، فتصح لا محالة لأنّ للعلم و قيام البيّنة و أذان العارف طريقيّة، لا أن يكون لها موضوعية، كما هو واضح.

(مسألة ۲): إذا كان غافلا عن وجوب تحصيل اليقين أو ما بحكمه فصلّى ثمَّ تبيّن وقوعها في الوقت بتمامها صحت (۱۱) كما أنّه لو تبيّن وقوعها قبل الوقت بتمامها بطلت (۱۲). و كذا لو لم يتبيّن الحال (۱۳). و أما لو تبيّن دخول الوقت في أثنائها ففي الصحة إشكال (۱٤). فلا يترك الاحتياط بالإعادة.

لتحقّق الصلاة جامعة للشرائط فلا بدّ من الإجزاء.

لعدم الإتيان بالمأمور به فلا وجه للإجزاء.

للأصل، و قاعدة الاشتغال.

ينشأ من الجمود على إطلاق قوله (عليه السلام) فيما مرّ من خبر ابن رياح: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت، فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»۲۳.

فإنّه يشمل الغافل أيضا مع تحقّق قصد الامتثال منه، إذ ليس للاعتقاد موضوعية خاصة، بل هو طريق لتحقّق قصد الامتثال، و قد تحقّق.

و من أنّ هذا الجمود على خلاف الأدلّة الظاهرة في اعتبار الوقت في تمام أجزاء الصلاة، فلا بدّ فيه من الاقتصار على المتيقن، و هو ما إذا حصلت له حجة معتبرة شرعا على دخول الوقت ثمَّ بان الخلاف و دخل الوقت في الأثناء، مع أنّ مقتضى حال المسلمين أنّهم لا يدخلون في الصلاة إلّا بعد إحراز دخول الوقت، فيكون شرط تحقّق الامتثال أن يتحقّق إحراز دخول الوقت، و منه يظهر وجه الاحتياط.

(مسألة ۳): إذا تيقن دخول الوقت فصلّى أو عمل بالظنّ المعتبر، كشهادة العدلين و أذان العدل العارف فإنّ تبيّن وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت بطلت، و وجب الإعادة (۱٥)، و إن تبيّن دخول الوقت في أثنائها و لو قبل السلام صحت (۱٦).و أما إذا عمل بالظنّ الغير المعتبر فلا تصح و إن دخل الوقت في أثنائها (۱۷). و كذا إذا كان غافلا على الأحوط، كما مرّ (۱۸). و لا فرق في الصحة في الصورة الأولى بين أن يتبيّن دخول الوقت في الأثناء بعد الفراغ أو في الأثناء (۱۹)، لكن بشرط أن يكون الوقت داخلا حين‏ التبيّن (۲۰). و أما إذا تبيّن أنّ الوقت سيدخل قبل تمام الصلاة فلا ينفع شيئا (۲۱).

لقاعدة الاشتغال، و حديث «لا تعاد»، و قول أبي جعفر في صحيح زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلات و مضى صومك»۲4. مضافا إلى الإجماع.

نسب ذلك إلى المشهور، لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن رياح: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك»۲٥.

و عن جمع من الفقهاء (قدّس سرّهم) عدم الإجزاء، لقاعدة الاشتغال و عدم توثيق إسماعيل بن رياح و فيه: أنّ الخبر من الموثق بقرائن: خارجية- كاعتماد جمع من الأعاظم بل المشهور عليه، و ذكره في مجامع الحديث قديما و حديثا، و اعتناء المشايخ الثلاثة به- و داخلية، كاشتمال سنده على الأجلاء، و كون الراوي عنه ابن أبي عمير، و وقوع أحمد بن محمد بن عيسى الذي هو معروف بالتثبت في السند. مع أنّه لا غمز فيه إلّا احتمال كونه عاميّا، و هو موهون‏ أولا: لكونه من أصحاب الصادق (عليه السلام)، و رواية مثل ابن أبي عمير عنه ينفي هذا الاحتمال.

و ثانيا: أنّه لا منافاة بين كونه عاميا و كونه موثوقا، إذ ربّ عاميّ صدوق و ربّ غير عاميّ لا يصدق، فيتعيّن العمل به، و لا وجه لقاعدة الاشتغال بعد ذلك. و معنى قوله (عليه السلام): «و أنت ترى» أي تعتقد اعتقادا يصح الاستناد إليه شرعا، و إطلاقه يشمل جميع ما في المتن كما أنّ إطلاق قوله (عليه السلام): «و أنت في الصلاة» يشمل جميع الحالات الصلاتية و لو قبل السلام، لصدق أنّه في الصلاة ما لم يتحقّق الفراغ منه بإتيان الجزء الأخير من السلام.

فتحصل من هذا الحديث قاعدة تسهيلية امتنانية بالنسبة إلى أوّل الوقت و هي قاعدة: «من وقع بعض صلاته في الوقت فقد أدرك الوقت بتمام صلاته».

و هذه بالنسبة إلى أوّل الوقت كقاعدة: «من أدرك الوقت فقد أدرك الوقت» بالنسبة إلى آخر الوقت إلّا أنّ القاعدة الثانية أعم موردا لشمولها للعامد و المعذور بخلاف القاعدة الجارية في أوّل الوقت فإنّها تختص بخصوص من حصل له الاعتقاد بدخول الوقت.

لقاعدة الاشتغال بلا دليل حاكم عليها بعد أن كان المنصرف من قوله (عليه السلام): «و أنت ترى» ما يصح الاعتماد عليه مع ملاحظة حال المسلم من أنّه يهتم بإحراز دخول الوقت.

تقدّم في المسألة السابقة، فراجع.

لأنّ إطلاق قوله (عليه السلام) فيما تقدّم في الموثق: «فدخل الوقت و أنت في الصلاة» يشمل الصورتين، و ظاهره أنّه أمر تكوينيّ لا ربط للعلم و الجهل به حين الدخول، و الشارع رتب الأثر على ذات هذا الأمر التكويني، كما في الزوال و المغرب و الصبح و نحوها.

لأنّه لو لم يكن الوقت داخلا حين الفراغ يكشف ذلك عن وقوع تمام الصلاة قبل الوقت.

لقاعدة الاشتغال بعد خروج هذه الصورة عن ظاهر النص، لأنّ ظاهر قوله (عليه السلام) فيما مرّ في الموثق: «و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة» إنّما هو فيما إذا استمر اعتقاد كون صلاته في الوقت من أوّل الصلاة إلى آخرها فدخل الوقت في الأثناء، و قوله (عليه السلام) «و إذا تبيّن أنّه سيدخل الوقت فهو يرى أنّ الوقت ليس بداخل» فكيف يصدق أنّه يرى أنّه في وقت في تمام الصلاة» و كيف يحصل منه قصد الامتثال في بقية الأجزاء التي يعلم بوقوع بعضها قبل الوقت.

(مسألة ٤): إذا لم يتمكن من تحصيل العلم أو ما بحكمه لمانع في السماء من غيم أو غبار، أو لمانع في نفسه من عمىً أو حبس أو نحو ذلك، فلا يبعد كفاية الظنّ (۲۲)، لكن الأحوط التأخير حتّى يحصل اليقين، بل لا يترك هذا الاحتياط (۲۳).

للأصل، و نفي الحرج، و تعذر اليقين، و الإجماع- كما عن التنقيح- و قبح التكليف بما لا يطاق.

و الكلّ مردود: إذ يرد على الأوّل أنّه لا أصل لهذا الأصل، بل مقتضى الأصل عدم الاعتماد عليه. و على الثاني بأنّه لا موضوع له، لإمكان الصبر حتّى يحصل اليقين. و على الثالث بأنّه لا يتمّ ما لم ينضم إليه سائر مقدّمات الانسداد، و من مقدّماته عدم إمكان الاحتياط و هو ممكن في المقام. و على الرابع بأنّه لا اعتبار به مع الخلاف. و على الأخير بأنّه لا موضوع له في المقام بعد إمكان الاحتياط، مع أنّه عين الدليل الثالث، فلا وجه لتكراره بعبارة أخرى.

و استدلّوا أيضا بجملة من الأخبار:

منها: ما تقدّم من نصوص الأذان‏۲٦.

و منها: ما دلّ على الاكتفاء بصياح الديك‏۲۷.

و فيه: أنّه لا وجه للتعدّي عن الأولى إلى غير موردها، و العمل بالثانية في موردها مشكل، فضلا عن التعدّي منه إلى غيره، مع أنّ المنساق منها بلحاظ القرائن الخارجية الاطمئنان العرفي، و هو أخص من مطلق الظن.

و منها: قول عليّ (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن جابر: «إنّ اللّه تعالى إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلا على أوقات الصلاة فموسّع عليهم تأخير الصلوات ليتبيّن لهم الوقت»۲۸.

و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق سماعة في الصلاة إذا لم ير الشمس و القمر و النجوم: «تجتهد رأيك و تعمد القبلة جهدك»۲۹.

و عنه (عليه السلام) في موثق ابن بكير: «ربما صلّيت الظهر في يوم غيم فانجلت فوجدتني صلّيت حين زال النهار، فقال (عليه السلام): لا تعد و لا تعد»۳۰.

و بما ورد من أنّ الإمام الكاظم (عليه السلام): «كان في حبس الفضل بن الربيع يقوم للصلاة إذا أخبره الغلام بالوقت»۳۱.

و بخبر الكناني: «عن رجل صام ثمَّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء علّة فأفطر، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، قال (عليه السلام): قد تمَّ صومه و لا يقضيه»۳۲.

الكلّ لا يصلح للاعتماد عليه: أمّا خبر ابن جابر فمضافا إلى قصور سنده قصور الدلالة أيضا. و أمّا موثق سماعة فظاهره تعيّن القبلة بالاجتهاد، و التعدّي عنها إلى الوقت قياس. و أمّا موثق ابن بكير فإنّه على خلاف المطلوب أدلّ، و هو إرشاد إلى حسن التأخير في الجملة عند الموانع العامة و أمّا ما اشتمل على فعل الكاظم فهو قاصر سندا و دلالة، لإمكان حصول الوثوق له (عليه السلام) من قول الغلام مع ملاحظة سائر القرائن و أنّه جعله رقيبا للوقت ثقة به. و أمّا خبر الكناني فهو وارد في الصوم و حمل الصلاة عليه قياس، و لم يثبت عدم الفصل بينهما. و قد استدلّوا بأخبار أخر تكون كما ذكر في قصور الدلالة، فلم ينهض دليل معتبر في مقابل أصالة عدم اعتبار الظن، و قاعدة الاشتغال تكون حاكما عليها، هذا.

و لكن يمكن أن يقال: أنّ المناقشة في كلّ واحد ممّا ذكروا و إن أمكنت لكن من مجموعها مع عمل المشهور الذين فيهم الأساطين، و بناء الشريعة على السهولة خصوصا في مثل هذا الأمر العام البلوى سيّما في الأزمنة القديمة التي لم تتيسر معرفة الأوقات لكلّ أحد مع أنّ اعتبار الظنّ في عدد الركعات و في أفعال الصلاة، و في القبلة كما يأتي كلّ ذلك ممّا يوجب الاطمئنان بفتوى المشهور، كما في سائر الأحكام الاجتهادية المستندة إلى مثل هذه الاستظهارات.

ظهر وجهه ممّا مرّ.

(مسألة ٥): إذا اعتقد دخول الوقت فشرع، و في أثناء الصلاة تبدل يقينه بالشك لا يكفي في الحكم بالصحة (۲٤)، إلّا إذا كان حين‏ الشك عالما بدخول الوقت، إذ لا أقلّ من أنّه يدخل تحت المسألة المتقدمة من الصحة مع دخول الوقت في الأثناء (۲٥).

إذ لا أثر للاعتقاد الزائل بالشك، و تقدّم أنّ المنساق من الدليل‏ الاعتقاد المستقر مع دخول الوقت في الأثناء.

مع إحراز دخول الوقت حينئذ. و أمّا إذا علم بأنّه سيدخل الوقت في الأثناء فلا ينفع شيئا، كما تقدّم في ذيل المسألة الثالثة.

(مسألة ٦): إذا شك بعد الدخول في الصلاة في أنّه راعى الوقت و أحرز دخوله أم لا، فإن كان حين شكه عالما بالدخول (۲٦) فلا يبعد الحكم بالصحة (۲۷)، و الا وجبت الإعادة بعد الإحراز (۲۸).

أي حين التبيّن لا أن يعلم أنّه سيدخل بعد ذلك كما تقدّم في المسألة الثالثة.

و لا إشكال فيها إن علم بوقوع تمام الصلاة في الوقت و إن علم بوقوع بعضها في خارج الوقت، أو احتمل ذلك، فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء إلّا إذا قيل بشمول إطلاق ما تقدّم من حديث ابن رياح لهاتين الصورتين أيضا و هو مشكل، بل ممنوع، لظهوره فيما إذا كان قبل الشروع في الصلاة معتقدا بدخول الوقت لا أن يكون شاكا مترددا فيه.

لقاعدة الاشتغال بلا دليل حاكم عليها. و لو أتمّها- في الفرض- برجاء المطلوبية و بعد الفراغ أحرز دخول الوقت في الأثناء، فلا يصح الحكم بالصحة، من جهة خبر ابن رياح‏۳۳، لظهوره ممّن يعتقد دخول الوقت، فلا يشمل الشاك المتردّد كما مرّ، و هل يمكن التصحيح من جهة قاعدتي الصحة و الفراغ أو لا؟ وجهان لا يبعد الأوّل، لإطلاق دليلهما، و كونهما تسهيليان امتنانيان، و لا مقيّد في البين إلّا مفهوم خبر ابن رياح، و كونه حجّة أوّل الكلام‏ و طريق الاحتياط واضح، و لو شكّ في الوقت، أو كان غافلا و صلّى، و حصل منه قصد القربة في الصورتين ثمَّ بان وقوع الصلاة في الوقت تصح و لا شي‏ء عليه، و لو بان الخلاف تبطل و كذا لو بقي الشك على حاله، و لكن البطلان في صورة الغفلة مبنيّ على عدم جريان قاعدة الفراغ و يأتي التفصيل.

(مسألة ۷): إذا شك بعد الفراغ من الصلاة في أنّها وقعت في الوقت أو لا، فإن علم عدم الالتفات إلى الوقت حين الشروع وجبت الإعادة (۲۹).و إن علم أنّه كان ملتفتا و مراعيا له و مع ذلك شك في أنّه كان داخلا أم لا بني على الصحة و كذا إن كان شاكا في أنّه كان ملتفتا أم لا (۳۰). هذا كلّه إذا كان حين الشك عالما بالدخول و إلّا لا يحكم بالصحة (۳۱) مطلقا و لا تجري قاعدة الفراغ، لأنّه لا يجوز له حين الشك الشروع في الصلاة، فكيف يحكم بصحة ما مضى مع هذه الحالة؟

بناء على عدم جريان قاعدة الفراغ مع إحراز الغفلة حين الشروع في العمل، و لكن لا دليل يصح الاعتماد عليه، لاعتبار هذا الشرط بل مقتضى الإطلاقات- و كون الحكم تسهيليا امتنانيا- عدم اعتباره، مضافا إلى خبر حسين بن أبي العلاء قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخاتم إذا اغتسلت قال: حوّله من مكانه و قال في الوضوء: تدره فإن نسيت حتّى تقوم في الصلاة، فلا آمرك أن تعيد الصلاة»۳4.

نعم، في خبر بكر بن أعين قال: «قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ؟ قال: هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»۳٥.

فإن كان قوله (عليه السلام): «أذكر منه حين يشك» علة تامة منحصرة للحكم، فلا تجري القاعدة مع الغفلة، و إن كان في مقام بيان بعض مناسبات الحكم و حكمه، كما هو الغالب في الأخبار، و في مقام بيان حال غالب المتوضئين، فيصح الأخذ بالإطلاق، لما ثبت في محلّه من أنّ الحكمة و الغلبة لا توجب التقييد في الإطلاقات، فالجزم بوجوب الإعادة مشكل، و تقدم منه (رحمه اللّه) في [مسألة ٥۰] من (فصل شرائط الوضوء) الاحتياط فيها، فراجع فإنّها متحدة مع المقام.

لقاعدة الفراغ في الصورتين و شمول دليلها لهما.

بل يحكم بالصحة، لعموم القاعدة لما إذا لم يعلم بالدخول حين الشك أيضا، و التعليل عليل، لجواز التفكيك بين مؤديات الأحكام الظاهرية بالعمل من جهة و المخالفة من جهة أخرى، كما في الشك في الطهارة و الاستقبال و نحوهما من الشرائط بعد الفراغ من الصلاة، فيصح ما أتى به من الصلاة مع أنّه لا يجوز له الدخول في صلاة أخرى إلّا بعد تحصيلها، فليكن المقام مثلها.

(مسألة ۸): يجب الترتيب بين الظهرين بتقديم الظهر. و بين العشاءين بتقديم المغرب، فلو عكس عمدا بطل (۳۲). و كذا لو كان جاهلا بالحكم (۳۳).و أما لو شرع في الثانية قبل الأولى غافلا، أو معتقدا لإتيانها عدل بعد التذكر إن كان محلّ العدول باقيا، و إن كان في الوقت المختص بالأولى على الأقوى كما مرّ، لكن الأحوط الإعادة في هذه الصورة. و إن تذكر بعد الفراغ صح و بنى على أنّها الأولى في متساوي العدد- كالظهرين تماما أو قصرا- و إن كان في الوقت المختص على الأقوى، و قد مرّ أنّ الأحوط أن يأتي بأربع ركعات أو ركعتين بقصد ما في الذمة و أما في غير المتساوي كما إذا أتى بالعشاء قبل المغرب و تذكر بعد الفراغ، فيحكم بالصحة و يأتي بالأولى. و إن وقع العشاء في الوقت المختص بالمغرب، لكن الأحوط في هذه الصورة الإعادة.

بضرورة المذهب، بل الدين. هذا إن اكتفى بما أتى به بلا ترتيب. و أما لو أتى بالعصر أولا ثمَّ أتى بالظهر ثمَّ أتى بعصر فهل يجزي حينئذ أو لا؟ وجهان.

بناء على اختصاص حديث «لا تعاد»۳٦ بخصوص الناسي و عدم‏ شموله للجاهل و إلّا فيصح و لا دليل على الاختصاص إلّا دعوى الانصراف.

نعم، ظهور التسالم، و الإجماع- على أنّ الجاهل بالحكم مطلقا كالعامد إلّا ما خرج بالدليل حتّى أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات الفقهية- يمنع عن التمسك بعموم الحديث، لمورد الجهل بالحكم، و لكنّه مع ذلك محلّ تردد، إذ الحديث تسهيلي و امتناني، و الامتنانيات مقدمة على جلّ الأحكام لو لا كلّها إلّا مع نص صحيح، أو إجماع معتبر على الخلاف، و نتعرض لتفصيل الحال في مستقبل المقال إن شاء اللّه تعالى، و تقدم ما يتعلق ببقية المسألة في المسألة الثالثة من (فصل أوقات اليومية و نوافلها) فلا وجه للإعادة.

(مسألة ۹): إذا ترك المغرب و دخل في العشاء غفلة، أو نسيانا، أو معتقدا لإتيانها فتذكر في الأثناء عدل إلّا إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة، فإنّ الأحوط حينئذ إتمامها عشاء ثمَّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب (۳٤).

تقدم حكم هذه المسألة في المسألة الثالثة أيضا و قد جزم (رحمه اللّه) هناك ببطلان العشاء و ذكرنا هناك أنّه لا وجه للبطلان فراجع و لا وجه للإعادة.

(مسألة ۱۰): يجوز العدول في قضاء الفوائت أيضا من اللاحقة إلى السابقة (۳٥) بشرط أن يكون فوت المعدول عنه معلوما.و أما إذا كان احتياطيّا، فلا يكفي العدول في البراءة من السابقة و إن كانت احتياطية أيضا، لاحتمال اشتغال الذمة واقعا بالسابقة دون اللاحقة، فلم يتحقق العدول من صلاة إلى أخرى، و كذا الكلام في‏ العدول من حاضرة إلى سابقتها فإنّ اللازم أن يكون الإتيان باللاحقة من باب الاحتياط و إلّا لم يحصل اليقين بالبراءة من السابقة بالعدول، لما مرّ.

لظهور الإجماع و التسالم، و لا نص عليه بالخصوص إذ المنصوص خصوص العدول من الحاضرة إلى مثلها أو إلى الفائتة، و قد يستشهد للمقام بالأولوية، و بأنّ القضاء في حكم الأداء إلا ما خرج بالدليل. و الأول قياس و الثاني يحتاج إلى دليل للتعميم و هو مفقود.

و لباب القول: أنّ الشقوق العقلية المتصورة في العدول أربعة: لأنّه إما من الحاضرة إلى الحاضرة، أو منها إلى الفائتة، أو من الفائتة إلى مثلها، أو من الفائتة إلى الحاضرة. و قد ورد النص‏۳۷ في الأولين و ادّعي الإجماع فيهما بخلاف الأخيرين، و مقتضى الأصل عدم جواز العدول، فتبقى الأخيرة تحت الأصل كما يأتي في المسألة اللاحقة.

ثمَّ إنّه لا بأس بالإشارة- إجمالا- إلى قاعدة عدم جواز العدول بالنية في أثناء عمل إلى آخر، و قد استدلوا عليه بأمور:

منها: الإجماع المتكرر في كلماتهم.

و منها: سيرة المتشرعة.

و منها: القاعدة المقرّرة في العلوم العقلية من أنّ الشي‏ء لا يتغيّر عمّا وقع عليه».

و منها: الأصل.

و منها: أنّ موارد تحديد العدول في الصلاة، و الحج خرجت بالنص الخاص، فيستكشف عدم الجواز في غير المنصوص.

و منها: أنّه لم يعهد ذلك من النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و المعصومين و أصحابهم.

و الكل قابل للخدشة، أمّا الأول فالشك في تعبديته يكفي في عدمها، لاحتمال أن يكون التسالم حصل مما ذكرناه من الوجوه المغروسة في أذهانهم الشريفة، و أما الثاني: فهو مسلّم، لكنّه لا يدل على البطلان لو عدل، لأنّ السيرة فعل مجمل لا يدل على حرمة العدول، و أما الثالث: فهي مسلّمة في التكوينيات دون الاعتباريات و الجعليات، و أما الرابع: فيمكن أن يقرّر الأصل بأنّه من الشك في أصل الشرطية لا الفراغ حتّى يكون مورد الاحتياط، و أمّا الخامس: بأنّ عدم التعهد منهم أعمّ من عدم الجواز كما هو واضح، فلا محذور ثبوتا في أن تكون العبادات كالعقود في إمكان تصحيحها بالإجازة سواء كانت قبل تحققها، أو في أثنائها، أو بعدها، و يدل عليه قوله (عليه السلام) فيما تقدم من الصحيح: «إنّما هي أربع مكان أربع»۳۸.

و يشهد له ما ورد في امتداد وقت النية في الصوم الواجب غير المعيّن إلى الزوال و في المندوب إلى قبل الغروب‏۳۹ هذا، و لكن مثل هذه الشبهات مما لا تخفى على الأساطين، و مع ذلك التزموا بعدم جواز العدول مطلقا إلّا ما خرج بالدليل و جعلوا ذلك قاعدة مسلّمة بحيث يستدل بها لا عليها و بذلك يكشف أنّ ما تعرّضنا له من الشبهات من الشبهة في مقابل البديهة، فمقتضى القاعدة عدم جواز العدول مطلقا إلّا ما خرج بالدليل في الأثناء فضلا عما بعد الفراغ.

(مسألة ۱۱): لا يجوز العدول من السابقة إلى اللاحقة (۳٦) في الحواضر و لا في الفوائت، و لا يجوز من الفائتة إلى الحاضرة و كذا من النافلة إلى الفريضة و لا من الفريضة إلى النافلة إلّا في مسألة إدراك الجماعة، و كذا من فريضة إلى أخرى إذا لم يكن بينهما ترتيب، و يجوز من الحاضرة إلى الفائتة. بل يستحب في وسعة وقت الحاضرة.

لما تقدم في قاعدة عدم جواز العدول إلّا فيما دلّ عليه الدليل، و لا دليل عليه إلّا فيما مرّ في المسألة السابقة، و تقدم في [مسألة ۳] من (فصل أوقات الفريضة) و يأتي في [مسألة ۲۰] من (فصل النية) و [۲۷] من (فصل أحكام الجماعة)، و [۲۸] من (فصل قضاء الصلاة) ما ينفع المقام.

(مسألة ۱۲): إذا اعتقد في أثناء العصر أنّه ترك الظهر فعدل إليها ثمَّ تبيّن أنّه كان آتيا بها، فالظاهر جواز العدول منها إلى العصر ثانيا، لكن لا يخلو عن إشكال (۳۷) فالأحوط بعد الإتمام الإعادة أيضا (۳۸).

ينشأ من صدق العدول في النية من السابقة إلى اللاحقة في الجملة خصوصا إذا أتى بشي‏ء من أجزاء السابقة، فلا يجوز. و من أنّ العدول الممنوع منه إنّما هو فيما إذا لم ينطبق عليه عنوان الخطإ في التطبيق قهرا كما في المقام، فإنّه قاصد للأمر الفعلي واقعا، فزعم أنّه الظهر ثمَّ بان الخلاف فمقتضى استصحاب الصحة عدم البطلان خصوصا إذا لم يأت بشي‏ء من أجزاء المعدول إليه حين العدول.

و بعبارة أخرى: نفس العدول من حيث هو عدول ليس من المبطلات ما لم ينطبق عليه عنوان خارجيّ من العناوين المبطلة من فقد النية في بعض أجزاء المعدول إليه، أو زيادة الركن أو نحو ذلك و الكلّ منتف في المقام سيّما مع عدم الإتيان بشي‏ء من أجزاء المعدول إليه، بل و مع الإتيان به أيضا، لأنّ مقتضى الأصل و حديث «لا تعاد» الصحة ما لم تكن من الخمسة.

ظهر وجه الاحتياط فيما مرّ.

(مسألة ۱۳): المراد بالعدول أن ينوي كون ما بيده هي الصلاة السابقة بالنسبة إلى ما مضى منها و ما سيأتي (۳۹).

العدول في النية من الأمور الوجدانية لكلّ أحد، و ما ورد في الأخبار كقوله (عليه السلام): «فانوها الأولى»، و قوله (عليه السلام): «فانوها العصر»، و قوله (عليه السلام): «فانوها المغرب» أو قوله (عليه السلام): «انوها العشاء».

إلى غير ذلك من الأخبار وردت تقريرا لحكم الوجدان لا أن يكون من التعبد.

(مسألة ۱٤): إذا مضى من أول الوقت مقدار أداء الصلاة بحسب حاله في ذلك الوقت من السفر، و الحضر، و التيمم و الوضوء و المرض و الصحة و نحو ذلك- ثمَّ حصل أحد الأعذار المانعة من التكليف بالصلاة- كالجنون و الحيض و الإغماء وجب عليه القضاء (٤۰)، و إلّا لم يجب. و إن علم بحدوث العذر قبله و كان له هذا المقدار وجبت المبادرة إلى الصلاة (٤۱). و على ما ذكرنا، فإن كان تمام المقدّمات حاصلة في أول الوقت يكفي مضيّ مقدار أربع ركعات للظهر و ثمانية للظهرين و في السفر يكفي مضيّ مقدار ركعتين للظهر و أربعة للظهرين و هكذا بالنسبة إلى المغرب و العشاء. و إن لم تكن المقدّمات أو بعضها حاصلة لا بد من مضيّ مقدار الصلاة و تحصيل تلك المقدمات. و ذهب بعضهم (٤۲) إلى كفاية مضيّ مقدار الطهارة و الصلاة في الوجوب و إن لم يكن سائر المقدمات حاصلة، و الأقوى الأول و إن كان هذا القول أحوط.

عمدة الاحتمالات في وجوب القضاء أربعة:

الأول: دورانه مدار فعلية التكليف بالأداء من كلّ جهة حتّى بالنسبة إلى المقدمات الاختيارية.

الثاني: دورانه مدار ذات الصلاة من حيث هي بمراتبها الاضطرارية مطلقا.

الثالث: دورانه مدار ثبوت المقتضي للصلاة و لو لم يصل إلى مرتبة الفعلية.

الرابع: دورانه مدار التكليف الفعلي بالصلاة مع الطهارة فقط و لو لم تكن باقي الشرائط حاصلة، و مقتضى كثرة اهتمام الشارع بالصلاة هو الوجه الثالث، فتجري أصالة وجوب القضاء إلّا ما خرج بالدليل و على هذا لا يكون القضاء تابعا للأداء- كما صرّح به في الجواهر في باب القضاء- كما في النائم و الناسي ممن لا خطاب بالنسبة إليهم، فكل من تمكن من الصلاة و لو بأبدالها الاضطرارية و لم يأت بها لمانع وجب عليه القضاء و هذا القول حسن ثبوتا، و طريق استظهاره كثرة اهتمام الشارع بالصلاة، و لكن ما ورد في قضاء الحائض للصلاة ينافيه، مع أنّ هذا التضييق ينافي الشريعة المبنية على التوسعة و التسهيل، فيكون المستفاد من الأدلّة، و من توسعة الشريعة هو الوجه الأول راجع [مسألة ۳۱] من (فصل أحكام الحائض) و يأتي في باب القضاء بعض الكلام أيضا، مع أنّ الشك في وجوب القضاء يكفي في عدم وجوبه، للبراءة العقلية و الشرعية، و لا يصح التمسك بإطلاقات أدلته، لأنّها في مقام بيان أصل وجوبه في الجملة و ليست متكفّلة للحالات و الخصوصيات المعتبرة في التكليف الاختياري و الاضطراري و سائر الجهات كما لا يخفى، و لا وجه لاستصحاب بقاء التكليف بالأداء، للشك في ثبوته الأدائي أيضا. فكيف يستصحب مع عدم اليقين السابق. نعم، لو تيقن به لا بأس بالاستصحاب بناء على أنّ الوقت و خارجه من الحالات العارضة للتكليف لا أن يكون من المقوّمات حتّى يتبدل الموضوع بهما.

و بالجملة: وجوب القضاء في الصورة المفروضة في المتن مسلّم نصّا، و فتوى، و أصلا و في غيره مشكوك و لا دليل لوجوبه بحيث يصح الاعتماد عليه.

لكونها مضيقة حينئذ و لو تركها وجب القضاء لتنجز التكليف بالأداء.

نسب ذلك إلى جمع منهم المحقق في ظاهر الشرائع، و تقدم ما يصلح وجها له مع المناقشة فيه، و يمكن أن يكون نظرهم (رحمهم اللّه) إلى قولهم (عليهم السلام): «الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور، و ثلث ركوع، و ثلث سجود»44.

فإنّ إطلاق مثل هذه التعبيرات يشهد للاكتفاء بدرك هذه الأمور الثلاثة في وجوب القضاء. و فيه ما لا يخفى.

(مسألة ۱٥): إذا ارتفع العذر المانع من التكليف في آخر الوقت (٤۳)، فإن وسع للصلاتين وجبتا، و إن وسع لصلاة واحدة أتى‏ بها، و إن لم يبق إلّا مقدار ركعة وجبت الثانية فقط، و إن زاد على الثانية بمقدار ركعة وجبتا معا. كما إذا بقي إلى الغروب في الحضر مقدار خمس ركعات، و في السفر مقدار ثلاث ركعات، أو إلى نصف الليل مقدار خمس ركعات في الحضر، و أربع ركعات في السفر. و منتهى الركعة تمام الذكر الواجب من السجدة الثانية (٤٤). و إذا كان ذات الوقت واحدة- كما في الفجر- يكفي بقاء مقدار ركعة (٤٥).

تقدم حكم هذه المسألة في [مسألة ۳ و 4 و ۱۱] من (فصل أوقات اليومية).

إتمام الركعة بتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية، لتمامية واجبات السجدة، و الركعة بذلك و رفع الرأس من السجود ليس من واجباته و مقوّماته، بل هو مقدمة محضة لإتيان سائر واجبات الصلاة و يأتي في [مسألة ۳] من فصل الشك في الركعات ما ينفع المقام فراجع.

لقاعدة من أدرك.

(مسألة ۱٦): إذا ارتفع العذر في أثناء الوقت المشترك بمقدار صلاة واحدة. ثمَّ حدث ثانيا- كما في الإغماء و الجنون الأدواري- فهل يجب الإتيان بالأولى، أو الثانية، أو يتخيّر وجوه (٤٦).

لا وجه لوجوب إتيان الثانية، لمكان الترتيب و عدم دليل على سقوطه. كما لا وجه للتخيير، لاحتمال الأهمية، لإتيان الأولى انظر [مسألة ۳] من (فصل أوقات اليومية).

(مسألة ۱۷): إذا بلغ الصبيّ في أثناء الوقت وجب عليه الصلاة إذا أدرك مقدار ركعة أو أزيد (٤۷). و لو صلّى قبل البلوغ، ثمَ‏ بلغ في أثناء الوقت فالأقوى كفايتها (٤۸)، و عدم وجوب إعادتها و إن كان أحوط (٤۹). و كذا الحال لو بلغ في أثناء الصلاة (٥۰).

لتحقق المقتضي- و هو عمومات أدلة التكاليف- و فقد المانع- و هو الصغر- و قاعدة من أدرك، فلا بد من الوجوب و الإجزاء بعد الإتيان.

لعمومات أدلة التكاليف و إطلاقاتها، و لا مانع في البين إلّا حديث «رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم»، و حديث «عمد الصبيّ خطأ».

و دعوى الإجماع عن بعض على عدم شرعية عبادات الصبيّ، و إنّما هي تمرينية فقط.

و المنساق من الأول رفع الإلزام و العقاب فقط، لأنّه في مقام الامتنان و يكفي رفعهما فيه. و الثاني مختص بالديات. و عهدة إثبات الأخير على مدعيه، فالملاك عام و الدليل شامل و المانع مفقود، فالتعميم متعيّن، و يأتي في (فصل قضاء الصلاة) و في كتاب الصوم و الحج التعرض لهذه المسألة أيضا، و هي سيّالة في جميع عبادات الصبيّ، و هي إذا اجتمعت الشرائط عين عبادات البالغين إلّا في وصف الوجوب و عدمه، و هو خارج عن حقيقة المأمور به، و لا يعتبر في القصد أيضا، و يأتي في كتاب الحج بعض الكلام.

ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.

لشمول ما تقدم من الأدلة لهذه الصورة أيضا، بل بالأولى، كما لا يخفى.

(مسألة ۱۸): يجب في ضيق الوقت الاقتصار على أقلّ الواجب (٥۱) إذا استلزم الإتيان بالمستحبات وقوع بعض الصلاة خارج‏ الوقت، فلو أتى بالمستحبات مع العلم بذلك يشكل صحة صلاته، بل تبطل على الأقوى (٥۲).

لأنّ إدراك الوقت أهمّ من إتيان ما زاد على أقلّ الواجب، و مقتضى القاعدة حينئذ ترك المهمّ لدرك الأهمّ.

لوجوه استدل بها عليه:

منها: أنّ الأمر بالشي‏ء يقتضي النّهي عن ضدّه.

و منها: أنّ الإتيان بما زاد على أقلّ الواجب تشريع مبطل.

و منها: أنّه من الزيادة العمدية المبطلة.     

و منها: انطباق كلام الآدمي عليه.

و الكلّ مردود: أمّا الأول فلما ثبت في محلّه من عدم الاقتضاء، و على فرضه فلا وجه لبطلان أصل الصلاة. و أمّا الثاني فلأنّ التشريع أمر قصدي متقوّم بالقصد، و المفروض عدم تحققه، و على فرضه فكونه من القبح الفاعليّ مسلّم، و أمّا كونه موجبا لبطلان العمل في المقام فهو أول الكلام و أمّا الثالث فلأنّه كيف يكون من الزيادة العمدية مع بقاء ملاك الاستحباب و أمّا الأخير فهو خلاف مرتكزات المتشرعة، فلا تصلح مثل هذه الوجوه للفتوى و إن صلحت للاحتياط.

إلّا أن يقال بانطباق الجرأة و المبغوضية على مثل هذا العمل، و العمل الذي يجترئ به على المولى لا يصلح للتقرب به لديه.

(مسألة ۱۹): إذا أدرك من الوقت ركعة أو أزيد يجب ترك المستحبات محافظة على الوقت بقدر الإمكان (٥۳). نعم، في المقدار الذي لا بدّ من وقوعه خارج الوقت لا بأس بإتيان المستحبات (٥٤).

لما مرّ من لزوم تقديم الأهم على المهم.

لعموم أدلتها، و إطلاقاتها الشاملة لهذه الصورة أيضا.

(مسألة ۲۰): إذا شك في أثناء العصر في أنّه أتى بالظهر أم لا، بنى على عدم الإتيان و عدل إليها إن كان في الوقت المشترك، و لا تجري قاعدة التجاوز (٥٥). نعم، لو كان في الوقت المختص بالعصر يمكن البناء على الإتيان باعتبار كونه من الشك بعد الوقت (٥٦).

لأنّ موردها- كما هو ظاهر أدلتها- الأجزاء التي لها وحدة اعتبارية في تحقق عمل واحد، فلا تشمل ما إذا كان واجبا نفسيا و تكليفا مستقلا و إن كان له نحو شرطية في التذكر لعمل آخر، و لو شككنا في أنّ مثل المقام من مجاريها لا يصح التمسك بعموم أدلّتها، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و ما يتوهم من شمول إطلاق صحيح زرارة الدال على جريان القاعدة في ما إذا شك في القراءة و هو في الركوع، لأنّ القراءة ليست جزءا في حال النسيان للمقام أيضا. مردود: لأنّ جزئيتها و وجوبها الغيري لا ريب فيهما نصّا و إجماعا، فيتحقق مجرى القاعدة من حيث الجزئية الواقعية و لا ينافي في ذلك سقوطها في ظرف النسيان، بخلاف ما نحن فيه حيث إنّ الظهر واجب مستقل من كلّ جهة، و لا وجه لتوهم الغيرية أو الجزئية فيه.

إن قيل: نعم، هما يشتركان في جامع الشرطية في حال التذكر.

يقال: هذا لا يدل على التعميم في مجرى القاعدة بعد كون المنساق من أدلتها الأجزاء و الواجبات الغيرية. هذا إذا كان الشك في أثناء العصر و أما إن كان بعد العلم بإتيان العصر فيأتي حكمه في [مسألة ۱] من فصل الشك.

بناء على شمول دليل الشك بعد الوقت لمثله أيضا، و لم نقل باختصاصه بما إذا خرج الوقت تكوينا، كالمغرب بالنسبة إلى الظهرين مثلا.

و اللّه تعالى هو العالم.

  1. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب المواقيت حديث: ۷.
  2. الوسائل باب: ۹ من أبواب القبلة حديث: ۱.
  3. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  4. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب المواقيت حديث: ۳.
  5. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب المواقيت حديث: 4.
  6. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۱
  7. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۹.
  8. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  9. الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
  10. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۱
  11. الوسائل باب: ۸ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۲.
  12. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۳.
  13. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۲.
  14. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۷.
  15. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب المواقيت حديث: 4.
  16. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: 4.
  17. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الأذان و الإقامة حديث: ۱.
  18. الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.
  19. تقدما في صفحة: ۱٥۲.
  20. تقدما في صفحة: ۱٥۲.
  21. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان حديث: ۷.
  22. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأذان حديث: ۹.
  23. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  24. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب المواقيت حديث: ۱۷.
  25. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  26. تقدم ذكرها في صفحة: ۱٥۲.
  27. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت.
  28. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب المواقيت حديث: ۲.
  29. الوسائل باب: ٦ من أبواب القبلة حديث: ۲.
  30. الوسائل باب: 4 من أبواب المواقيت حديث: ۱٦.
  31. الوسائل باب: ٥۹ من أبواب المواقيت حديث: ۲.
  32. الوسائل باب: ٥۱ من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: ۳.
  33. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب المواقيت و تقدم في صفحة: ۱4٥.
  34. الوسائل باب: 4۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  35. الوسائل باب: 4۲ من أبواب الوضوء حديث: ۷.
  36. الوسائل باب: ۹ من أبواب القبلة و تقدم في صفحة: ۷۰.
  37. راجع الوسائل باب: ٦۳ من أبواب المواقيت.
  38. الوسائل باب: ٦۳ من أبواب المواقيت: ۱.
  39. الوسائل باب: ۲ و ۳ من أبواب وجوب الصوم.
  40. الوسائل باب: ۹ من أبواب القبلة و سبق في صفحة: ۷۰.
  41. راجع الوسائل باب: ٦۳ من أبواب المواقيت.
  42. راجع الوسائل باب: ٦۳ من أبواب المواقيت.
  43. راجع الوسائل باب: ٦۳ من أبواب المواقيت.
  44. الوسائل باب: ۹ من أبواب الركوع حديث: ۱.
  45. الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
  46. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب العاقلة حديث: ۳.
  47. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب خلل الصلاة حديث: ۱.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"