1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الحج
  10. /
  11. فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام
و هي أمور: أحدها: الكمال بالبلوغ و العقل (۱)، فلا يجب على الصبيّ و إن كان مراهقا (۲)، و لا على المجنون و إن كان أدواريا، إذا لم يف دور إفاقته بإتيان تمام الأعمال (۳). و لو حج الصبيّ لم يجز عن حجة الإسلام، و إن قلنا بصحة عباداته و شرعيتها كما هو الأقوى (٤)، و كان واجدا لجميع الشرائط سوى‏ البلوغ ففي خبر مسمع عن الصادق (عليه السلام): «لو أنّ غلاما حج عشر حجج ثمَّ احتلم كان عليه فريضة الإسلام»، و في خبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام): «عن ابن عشر سنين يحج؟ قال (عليه السلام): عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت» (٥).

بضرورة من المذهب إن لم يكن من الدّين، و حديث رفع القلم بالنسبة إليهما سواء كان المراد رفع قلم أصل التشريع أم رفع المؤاخذة الكاشف عن رفع الوجوب، فعن عليّ (عليه السلام): «إنّ القلم يرفع عن ثلاثة: عن الصبيّ حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ»۱.

و عنه (عليه السلام) أيضا: «في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبيّ الذي لم يبلغ- إلى أن قال- و قد رفع عنهما القلم»۲ غيرهما، و لنصوص خاصة في الصبيّ يأتي التعرض لبعضها.

لشمول إطلاق الدليل له أيضا.

بل يجزي في السقوط عدم وفاء دور الإفاقة بتهيئة المقدّمات المفوّتة، لشمول إطلاق دليل السقوط عنه لهذه الصورة أيضا.

لما تقدم مكرّرا في هذا الكتاب من شمول إطلاقات أدلة التشريع له أيضا. و إنّما المرفوع هو المؤاخذة على الترك لا أصل الصحة.

و كذا خبر ابن شهاب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن ابن عشر سنين يحج، قال (عليه السلام): عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت»۳، و أما قوله (عليه السلام): «الصبيّ إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر»4، فالمراد به درك الثواب، أو الحج المشروع في حقه لا الحج الذي بني عليه الإسلام و ما هو المعهود بين المسلمين.

(مسألة ۱): يستحب للصبيّ المميّز أن يحج (٦) و إن لم يكن مجزئا عن حجة الإسلام (۷). و لكن هل يتوقف ذلك على إذن الوليّ أو لا؟ المشهور- بل قيل: لا خلاف فيه- أنّه مشروط بإذنه، لاستتباعه المال في بعض الأحوال للهدي و الكفارة، و لأنّه عبادة متلقاة من الشرع مخالف للأصل، فيجب الاقتصار فيه على المتيقن، و فيه أنّه ليس تصرفا ماليا (۸) و إن كان ربما يستتبع المال و أنّ العمومات كافية في صحته و شرعيته مطلقا، فالأقوى عدم الاشتراط في صحته، و إن وجب الاستئذان في بعض الصور (۹). و أما البالغ فلا يعتبر في حجه المندوب إذن الأبوين (۱۰)، إن لم يكن مستلزما للسفر المشتمل على الخطر الموجب لأذيتهما (۱۱)، و أما في حجه الواجب فلا إشكال (۱۲).

أما أصل صحة حج المميّز فلا إشكال فيه إجماعا. و أما استحبابه فيكفي فيه العمومات المرغبة إلى الحج- كما تقدم- إذ لا قصور فيها عن الشمول له بعد أن كان المنساق من حديث رفع القلم رفع الإلزام و المؤاخذة لا أصل التشريع، و يدل عليه ظواهر الأخبار الخاصة التي تقدم بعضها الآخر، و يشهد له ما ورد في استحباب الإحجاج بغير المميّز.

للإجماع، و النصوص التي تقدم بعضها.

لأنّ المنساق من التصرف المالي ما كان مورد المال أولا و بالذات كالبيع‏ و الشراء و نحوهما، و حيث إنّ المسألة ابتلائية و لا تختص بسفر الحج بل تشمل جميع الأسفار الراجحة بل المباحة و غير السفر أيضا فلا بد من التعرض لما يتعلق بها من الأقسام و الأحكام فنقول: إنّ التصرف فيما يتعلق به أقسام:

الأول: تصرفاته في نفسه كأفعاله- كالحركة، و السكون، و القيام و القعود، و الصلاة، و الصوم و سائر الطاعات و العبادات- و لا ريب في صحتها بل قد ورد تمرينهم على الصلاة و الصوم‏٥– و نحو ذلك من الأمور الاختيارية و غيرها.

الثاني: تصرفاته في نفسه من التنظيف و إزالة المنفرات و نحو ذلك.

الثالث: تصرفاته في حفظ نفسه من الحر، و البرد، و دفع المؤذيات و نحو ذلك.

و مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية للوليّ على الصبيّ في هذه الأمور، فيصح بدون إذنهن، بل و مع نهيه أيضا إلا إذا كان عبادة و كان إتيانها إيذاء له فتفسد من جهة النهي في العبادة و هو مشكل أيضا، لأنّ الظاهر من النهي الموجب لبطلان العبادة ما كان موجبا للحرمة التكليفية و المفروض أنّه لا حرمة و لا تكليف بالنسبة إلى الصبيّ فمن أين يحصل الفساد؟! و يأتي التعرض للخبر الذي استدلوا به على الفساد و الجواب عنه.

الرابع: حيازته للمباحات.

الخامس: تصرفاته في ماله لحوائجه الضرورية كشربه من مائه، و سكونه في منزله، و ركوبه سيارته إلى غير ذلك.

السادس: تصرفاته في ماله للحوائج المتعارفة غير الضرورية كإعطاء الصدقات اللائقة بشأنه، و ذهابه إلى الحج المندوب و الزيارات إلى غير ذلك و مقتضى الأصل و الإطلاقات عدم صحة تصرفاته في هذه الموارد الثلاثة على إذن الوليّ أيضا.

هذا كلّه مع عدم المفسدة، و أما مع وجودها فالكل باطل لا أثر له.

السابع: مطلق عقوده و إيقاعاته قوليّا كان أو فعليا كالمعاطاة- مثلا- أي: ما يتضمن الحكم الوضعيّ من التمليك، و التملك و الإباحة و الزوجية، و التحرير و نحو ذلك. و نسب إلى المشهور عدم الصحة حتى مع إذن الوليّ سابقا أو إجازته لاحقا.

و قد ذكرنا في كتاب البيع في شرائط المتعاوضين أنّ إقامة الدليل على ما نسب إليهم مشكل جدّا فراجع، كما أنّ إقامة الدليل على ما في المقام من توقف صحة تصرفات الصبيّ في مال أو في نفسه على إذن الوليّ أشكل، لأنّ غاية ما يمكن أن يستدل به أمور:

الأول: دعوى عدم الخلاف في خصوص المقام.

الثاني: قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في خبر ابن مسلم: «أنت و مالك لأبيك»٦.

الثالث: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه و أمره، و من صلاح العبد طاعته و نصيحته لمولاه أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه و أمره، و من برّ الولد بأبويه أن لا يصوم تطوّعا، و لا يصلّي تطوّعا إلا بإذن أبويه و أمرهما. و إلا كان الضيف جاهلا و كانت المرأة عاصية، و كان العبد فاسقا، و كان الولد عاقا»۷.

الرابع: جميع الأدلة التي استدل بها على حجر الصغير من الكتاب و السنة مما يأتي التعرض لها في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى.

و الكل مخدوش: أما الأول‏ فعلى فرض تحققه فالمتيقن منه ما إذا كان تصرفه يأتي التعرض لها في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى.

و الكل مخدوش: أما الأول فعلى فرض تحققه فالمتيقن منه ما إذا كان تصرفه على خلاف الطريقة المألوفة العقلائية و المتشرعة فلا يشمل تصرفاته المتعارفة الصحيحة لدى المتشرعة الي ربما يمدحونه لها فالعرف، و العقل لا يحكم بفسادها، و الأدلة الشرعية قاصرة عن إثبات الفساد كما يأتي.

و أما الثاني: فهو حكم تشريفيّ أدبيّ، مع أنّ الظاهر أنّ الولد كان بالغا فلا ربط له بالمقام و يأتي في [مسألة ٥۸] ما يرتبط بالمقام.

و أما الثالث: ففيه أنّه ليس المراد من العقوق ما هو من الكبائر، إذ للعقوق مراتب كثيرة، كما في الحديث: من «أنّ أدنى العقوق- أن تقول لهما- أف»۸، مع أنّ ظاهر الحديث اعتبار أمر الوالدين في صحة تطوع الولد و الالتزام به مشكل جدّا، مع أنّ وجوب إطاعتهما في مطلق مقترحاتهما النفسانية ما لم يكن في البين جهة راجحة شرعية أو الكلام.

و أما الأخير فالمتأمل في مجموع ما ورد في حجر الصغير يدل على أنّ المناط إنّما هو صرفه المال فيما لا ينبغي كما هو الغالب في الصغار حيث لا يرون لأنفسهم تكليفا و لا عقوبة و لا يتوجهون إلى العواقب و المصالح و المفاسد، و هذا الشأن موجود في الغافلين من الكبار فضلا عن الصغار، و لكن لو حجر الشارع عليهم لعمت البلية نوع البرية، و لا يشمل دليل الحجر ما إذا كان صرف الصغير لماله فيما ينبغي له و كما ينبغي عند المتشرعة.

إن قيل: طنّ صرف الصغير ماله فيما لا ينبغي حكمة للحجر لا علته فيشمل الحجر ما إذا صرفه فيما ينبغي أيضا.

يقال: إنّ الحجر مطلقا مخالف لقاعدة السلطنة التي هي أهمّ القواعد النظامية فلا بد و أن يقتصر فيه على المتيقن من الأدلة لبية كانت أو لفظية. و لا ثمرة عملية لهذه المسألة أصلا. أما بالنسبة إلى الحكم الوضعي و هو الضمان لو تصرف الصغير في ماله فلا وجه لها، إذ لا يعقل ضمان الشخص لمال نفسه على نفسه. و أما بالنسبة إلى الحكم التكليفي، فهو منفيّ لفرض الصغر فعمله صحيح بلا محذور فيه. و يمكن أن يستفاد مما ورد في وصية البالغ عشرا في البر، و المعروف‏۹ كما يأتي في كتاب الوصية إن شاء اللّه تعالى أمور فراجع و تأمّل.

ثمَّ إنّ نهي الوالدين للولد عن إتيان عمل مندوب شي‏ء، و اعتبار إذن الوليّ في تصرف الصغير في ماله شي‏ء آخر، و الأول يشمل الأم أيضا و الأخير يختص بالأب و الصغير، و قد خلط بعض الفقهاء في تعبيراتهم بينهما فراجع.

كما إذا كان السفر موجبا لأذيتهما كما يأتي في البالغ.

للأصل، و الإطلاق و قاعدة السلطنة.

لحرمة إيذاء الوالدين بالأدلة الأربعة، بل يحرم إيذاء كل مؤمن فكيف بهما.

و أما قول أبي عبد اللّه (عليه السّلام) في خبر هشام بن الحكم: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه- إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله)- و من برّ الولد أن لا يصوم تطوعا، و لا يصلي تطوعا إلا بإذن أبويه و أمرهما و إلا كان الضيف جاهلا- إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله)- و كان الولد عاق»۱۰ ففيه- مضافا إلى قصور سنده بأحمد بن هلال- قصور دلالته أيضا عن إثبات الحرمة، إذ العقوق كما مر له مراتب كثيرة لا يحرم جميع مراتبه بل المتيقن منهما و هي المشتملة على الإيذاء من حيث الشفقة على النحو المتعارف، لا الشفقة على نحو الخيال و الوسوسة و بلا داع عقلائي صحيح.

فروع- (الأول): لا فرق فيما ذكر بين سفر الحج و سائر الأسفار الراجحة كالسفر لتحصيل أحكام الدّين، و زيارة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و الأئمة، و زيارة الأرحام، و قضاء حاجة المؤمن و نحو ذلك.

(الثاني): لو سافر الولد لأمر راجح ديني و لم يعلم به الوالدان، أو علما به بعد الرجوع يصح و لا شي‏ء عليه، لأنّ الأذية مانعة لا أن يكون الإذن شرطا.

(الثالث): المناط في المانعية الأذية الفعلية لا التقديرية، فلو كان السفر محفوفا بعوارض لو علما بها لحصلت الأذية لهما قطعا و لكن حيث لم يعلما لم تحصل الأذية لا بأس به.

(الرابع): لو نهيا عن السفر لمكان أذيتهما به و سافر الكبير يتم صلاته و لا يصح حجه، للنهي المنجز بالنسبة إليه. و أما إن سافر الصغير يقصّر في الصلاة و يصح حجه، لعدم تنجز النهي لأجل صغره.

لأنّه: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»۱۱.

(مسألة ۲): يستحب للوليّ أن يحرم بالصبيّ غير المميّز بلا خلاف، لجملة من الأخبار (۱۳). بل و كذا الصبية (۱٤) و إن استشكل فيها صاحب‏ المستند (۱٥). و كذا المجنون (۱٦) و إن كان لا يخلو عن إشكال، لعدم نصّ فيه بالخصوص، فيستحق الثواب عليه (۱۷). و المراد بالإحرام به جعله محرما لا أن يحرم عنه (۱۸) فيلبسه ثوبي‏ الإحرام (۱۹) و يقول: «اللهم إنّي أحرمت هذا الصبيّ ..» (۲۰) و يأمره بالتلبية، بمعنى: أن يلقنه إيّاها، و إن لم يكن قابلا يلبّي عنه، و يجنّبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه، و يأمره بكل فعل من أفعال الحج يتمكن منه، و ينوب عنه في كل ما لا يتمكن، و يطوف به، و يسعى به بين الصّفا و المروة، و يقف به في عرفات و منى، و يأمره بالرمي، و إن لم يقدر يرمي عنه، و هكذا يأمره بصلاة الطواف، و إن لم يقدر يصلّي عنه (۲۱).و لا بد من أن يكون طاهرا، و متوضئا و لو بصورة الوضوء (۲۲)، و إن لم يمكن فيتوضأ هو عنه، و يحلق رأسه، و هكذا جميع الأعمال.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن الحجاج قال:

«قلت له: إنّ معنا صبيا مولدا فكيف نصنع؟ فقال (عليه السلام) مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها فأتتها فسألتها كيف تصنع؟، فقال: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جرّدوه، و غسّلوه كما يجرّد المحرم، وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه، و احلقوا رأسه، ثمَّ زوروا به البيت، و مري الجارية أن تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة»۱۲.

و في صحيح ابن عمار عنه (عليه السلام) أيضا: «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدّموه إلى الجحفة أو إلى بطن مرّ يصنع بهم ما يصنع بالمحرم، يطاف بهم و يرمي عنهم، و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه»۱۳.

و هذا نحو تمرين بهذا العمل العظيم يمرن الصبيان به اهتماما بالعمل كما هو شأن الأعمال المهمة العظيمة.

إذ الظاهر أنّ ذكر الصبيّ في الأخبار من باب المثال لا الخصوصية مع أنّ لفظ الصبيان في الاستعمالات المتعارفة يستعمل في الأعمّ منهما.

لاشتمال الأدلة على الصبيّ، و إلحاق الصبية به يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

(و فيه): ما مرّ من أنّ ذكره من باب المثال «مع أنّ لفظ الصبيان يستعمل في الاستعمالات المتعارفة في الأعمّ منهما، و كذا الصبية في موثق يعقوب: «إنّ معي صبية صغارا، و أنا أخاف عليهم البرد، فمن أين يحرمون؟ قال: ائت بهم العرج فليحرموا منها»۱4.

و الإشكال عليه بأنّ المراد حج الصبية لا الحج بهم مخالف لظاهر قوله (عليه السلام): «ائت بهم العرج»، و لا بأس بالتمسك بقاعدة «إلحاق الإناث بالذكور فيما لهم و عليهم إلا ما خرج بالدليل» و توهم اختصاصها بخصوص التكاليف المتوجهة إلى نفسهم لا ما توجه إلى وليهم مخالف لظهور الإطلاق.

على المشهور بين الأصحاب، لما مرّ من أنّ ذكر الصبيّ في الأخبار من باب المثال فيشمل كل من لم يكن مكلفا، و لكن الأولى فيهما قصد الرجاء.

لأنّ امتثال الأمر العباديّ يوجب استحقاق الثواب، و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن سنان: «مرّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) برويثة و هو حاج فقامت إليه امرأة و معها صبيّ لها فقالت: يا رسول اللّه أ يحج عن مثل هذا؟

قال: نعم، و لك أجره»۱٥. هذا مضافا إلى ما يظهر من الأخبار من توسعة الثواب في الحج بجميع شؤونه و نواحيه، و تقدمت بعض الأخبار الدالة عليه في المقدمة.

لأنّه نيابة، و ظاهر الأدلة الإحرام به لا النيابة عنه.

لأنّه المتفاهم من الأدلة عرفا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «و ما يصنع بهم بالمحرم»۱٦، و في خبر أيوب: «كان أبي يجرّدهم من فخ»۱۷.

و أما صحيح ابن الحجاج: «فأحرموا عنه و جرّدوه»۱۸ فلا بد من حمل قوله (عليه السلام): «فأحرموا عنه» على نية ذلك و قصده لا النيابة عنه في تمام الأعمال بقرينة قوله (عليه السلام): «و جرّدوه»، و في خبر ابن الفضيل عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): «عن الصبيّ متى يحرم به؟ قال (عليه السلام) إذا أثغر»۱۹.

لما يأتي في [مسألة ۱۲] من (فصل كيفية الإحرام) من استحباب التلفظ بالنية فراجع، و مقتضى الإطلاق شموله للمقام أيضا.

كل ذلك، لأنّه لا معنى لإحجاج غير المميّز. إلا هذا فيأتي بما يقدر هو عليه، و يؤتي عنه بما لا يقدر عليه، مع ما يظهر من الأدلة من جواز النيابة في جميع ما ورد في أحكام الحج بعد ملاحظة المجموع و لا بأس بالتمسك بقاعدة الميسور أيضا، مضافا إلى قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح زرارة: «إذا حج الرجل بابنه- و هو صغير- فإنّه يأمره أن يلبّي، و يفرض الحج. فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه، و يطاف به، و يصلي عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون قال (عليه السلام):

يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار، و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب و إن قتل صيدا فعلى أبيه»۲۰.

لأنّ ذلك مقتضى القاعدة المستفادة من النصوص من إتيان الصبيّ مباشرة بالمقدور و إتيان النائب عنه بالمعذور و هو المطابق للمرتكزات في الأعمال التي يمرّن الصبيان عليها اهتماما بالعمل حتى يكبر عليه الصبيان و يشيب عليه الشبان.

(مسألة ۳): لا يلزم كون الوليّ محرما في الإحرام بالصبيّ بل يجوز له ذلك و إن كان محلا (۲۳).

للأصل. و الإطلاق، و الاتفاق.

(مسألة ٤): المشهور على أنّ المراد بالولي- في الإحرام بالصبيّ الغير المميّز- الوليّ الشرعيّ (۲٤)، من الأب و الجدّ، و الوصيّ لأحدهما، و الحاكم، و أمينه، أو وكيل أحد المذكورين، لا مثل العم، و الخال، و نحوهما، و الأجنبيّ. نعم، ألحقوا بالمذكورين، الام و إن لم تكن وليّا شرعيّا، للنص الخاص (۲٥) فيها. قالوا: لأنّ الحكم على خلاف القاعدة، فاللازم الاقتصار على المذكورين، فلا يترتب أحكام الإحرام إذا كان المتصدّي غيره، و لكن لا يبعد كون المراد الأعمّ منهم و من يتولّى أمر الصبيّ و يتكفّله و إن لم يكن وليّا شرعيّا، لقوله (عليه السلام): «قدّموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مر ..» فإنّه يشمل غير الوليّ الشرعيّ أيضا (۲٦) و أما في المميّز فاللازم إذن الوليّ الشرعيّ إن اعتبرنا في صحة إحرامه الإذن.

لذكر لفظ الوليّ في صحيح ابن عمار۲۱، لأنّ الحكم مخالف للأصل فلا بد فيه من الاقتصار على المتيقن، و لأنّه المنساق من الأدلة في هذا العمل المشتمل على الكلفة بحيث لا يحتملها غير الوليّ.

تقدم في خبر ابن سنان قوله (عليه السلام): «فقامت إليه امرأة و معها صبّي لها»، و يحتمل التعميم فيه لاحتمال أن تكون المرأة مرضعة لا أن تكون أما نسبيا و قد كانت المواضع كثيرة جدّا في تلك العصور.

نعم، الإطلاق ثابت، و لكن القرينة على التقييد موجودة و هي قلة المسافرة بصبيّ الغير خصوصا في الأسفار القديمة المشتملة على المتاعب و المشقات الكثيرة، و خصوصا في كلفة الإحرام به.

(مسألة ٥): النفقة الزائدة على نفقة الحضر على الوليّ لا من مال الصبيّ (۲۷) إلا إذا كان حفظه موقوفا على السّفر به، أو يكون السفر مصلحة له (۲۸).

لأصالة عدم ولايته على التصرف في مثل هذه الأمور.

لأنّهما حينئذ من مصالحه، و للوليّ الولاية في أن يصرف مال المولى عليه فيما يتعلق بمصالحه، و لكن لا بد من تقييده بما إذا كان حفظه موقوفا على السفر به، و أن لا تكون نفقة الحج به زائدة على نفقة مطلق السفر، و إلا فلا يجوز له أخذ الزائد للأصل.

(مسألة ٦): الهدي على الوليّ، و كذا كفارة الصيد إذا صاد الصبيّ (۲۹).و أما الكفارات الأخر المختصة بالعمد، فهل هي أيضا على الوليّ أو في مال الصبيّ، أو لا تجب الكفارة في غير الصيد، لأن عمد الصبيّ خطأ، و المفروض أنّ تلك الكفّارات لا تثبت في صورة الخطإ؟ وجوه لا يبعد قوة الأخير، إما لذلك و إما لانصراف أدلّتها عن الصبيّ (۳۰) لكن الأحوط تكفل الوليّ، بل لا يترك الاحتياط، بل هو الأقوى لأنّ قوله (عليه السلام): «عمد الصبيّ خطأ» مختص بالدّيات (3۱)، و الانصراف ممنوع (3۲)، و إلا فيلزم الالتزام به في الصيد أيضا.

على المشهور فيهما، لأصالة عدم ولاية الوليّ على إخراجهما من ماله، و أصالة عدم التعلق بمال الصبيّ بعد قصور أدلة المقام عن إثبات ذلك، و يدل على الأول أنّ معنى الإحجاج به القيام بما هو من لوازم الحج شرعا- من الهدي و نحوه- و لا يقال في العرف أحج زيد بعمرو إلّا أن قام بجميع الجهات المتعلقة بحجه.

و يقوى ذلك في غير المميز و الولي، لأنّ غير المميز كالآلة المحضة و السبب الوحيد هو الوليّ، و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن عمار: «سألته عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة و خرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام قال: قل لهم يغتسلون، ثمَ‏ «يحرمون و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم»۲۲.

و أما قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار: «و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه»۲۳ فلا يدل على كون الهدي على الصبيّ لاحتمال أن يكون المراد عدم وجدان الوليّ لأن يذبح عنهم. أو هذا الاحتمال يكفي في سقوط الاستدلال به على الحكم المخالف للأصل، كما أنّ قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: «يذبح عن الصغار، و يصوم الكبار»۲4 أعمّ من أن يكون الذبح من مال الصغير، أو من مال الوليّ فلا يصح الاستدلال لواحد منهما.

و يدل على أنّ كفارة الصيد من مال الوليّ ما تقدم في صحيح زرارة: «و إن قتل صيدا فعلى أبيه»۲٥ فما عن التذكرة من أنّها في ماله، و ما عن السّرائر من أنّه لا كفارة فيه لا على نفسه و لا على الوليّ، لا وجه له.

بدعوى: أنّ الكفارات العمدية مجازاة للذنب و لا ذنب بالنسبة إلى الصبيّ بخلاف كفارة الصيد، فإنّها من الضمان بلا فرق فيها بين الصبيان و غيرهم.

نعم دل الدليل على أنّه على الوليّ كما مرّ، و قدم الشارع هنا التسبيب على المباشر، لقوّة السبب بالنسبة إلى المباشر كما هو معلوم.

بقرينة قول عليّ (عليه السلام): «عمد الصبيّ خطأ تحمله العاقلة»۲٦ و شيوع استعمالها في الجنايات في الكتاب و السنة، و بناء العرف و العقلاء، و الفقهاء على اعتبار قصد الصبيان في أفعالهم و أقوالهم و ترتيب الأثر على أفعالهم و أقوالهم القصدية إلا ما خرج بتعبد من الشارع فراجع ما ذكرناه في معاملة الصبيّ، و إسلامه، و عباداته، و حيازته و غير ذلك مما هو كثير جدّا.

لأنّ الكفارات مطلقا من سنخ الوضعيات التي لا فرق فيها بين البالغين و غيرهم إلا إذا قام دليل معتبر على العدم، و يمكن أن يكون ما ورد في الصيد من باب المثال الشامل لجميع الكفارات، بل يمكن أن يستفاد من قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة: «و يتقي عليهم ما يتقي على المحرم»۲۷ أنّ لازم عدم الاتقاء و هو الكفارة متوجه إلى الولي، كما أنّ خطاب الاتقاء متوجه إليه. و يمكن أن يجعل ذلك موافقا لقاعدة «تقديم السبب على المباشر» لقوة السبب عرفا و شرعا كما لا يخفى.

فروع- (الأول): لا فرق في استحباب إحجاج الوليّ للصبيّ بين كونه مميزا أو غير مميز، لإطلاق الأدلة و اشتمال بعضها على الصغار و هو شامل للجميع، و لكن الأحوط في المميّز قصد الرجاء.

(الثاني): يصح للولي أن ينذر إحجاج صبيه مميزا كان أم لا مطلقا لعموم دليل النذر و إطلاقه مع كون المتعلق راجحا.

(الثالث): لو أحج بالصبيّ و لم يطف عنه طواف النساء، فالظاهر حرمة النساء عليه عند بلوغه، لعموم دليل حرمتهنّ بتركه بعد تحقق الإحرام الشرعي.

(مسألة ۷): قد عرفت أنّه لو حج الصبيّ عشر مرّات لم يجز عن حجة الإسلام بل يجب عليه بعد البلوغ و الاستطاعة لكن استثنى المشهور من ذلك: ما لو بلغ و أدرك المشعر، فإنّه حينئذ يجزئ عن حجة الإسلام، بل ادعى بعضهم الإجماع عليه (۳۳)، و كذا إذا حج المجنون ندبا (۳٤)، ثمَّ كمل قبل المشعر و استدلوا على ذلك بوجوه: أحدها: النصوص الواردة في العبد (۳٥)- على ما سيأتي- بدعوى: عدم خصوصية للعبد في ذلك، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال، ثمَّ حصوله قبل المشعر. و فيه: أنّه قياس، مع أنّ لازمه الالتزام به فيمن حج متسكعا ثمَّ حصل له الاستطاعة قبل المشعر، و لا يقولون به (۳٦). الثاني: ما ورد من الأخبار، من أنّ من لم يحرم من مكة أحرم من حيث‏ أمكنه (۳۷)، فإنّه يستفاد منها أنّ الوقت صالح لإنشاء الإحرام، فيلزم أن يكون صالحا للانقلاب أو القلب بالأولى و فيه: ما لا يخفى (۳۸). الثالث: الأخبار الدالة على أنّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحج (۳۹). و فيه: أنّ موردها من لم يحرم، فلا يشمل من أحرم سابقا لغير حجة الإسلام (٤۰)، فالقول بالإجزاء مشكل (٤۱)، و الأحوط الإعادة بعد ذلك إن‏ كان مستطيعا، بل لا يخلو عن قوة (٤۲) و على القول بالإجزاء يجري فيه الفروع الآتية في مسألة العبد، من أنّه هل يجب تجديد النية لحجة الإسلام أو لا (٤۳)؟ و أنّه هل يشترط في الإجزاء استطاعته بعد البلوغ من البلد أو من الميقات (٤٤) أو لا؟ و أنّه هل يجري في حج التمتع مع كون العمرة بتمامها قبل البلوغ أو لا؟ إلى غير ذلك (٤٥).

ادعاه العلامة في التذكرة، و الشيخ في الخلاف.

على المشهور، بل المتسالم عليه بين جميع الفقهاء من عدم الفرق بين الصبيّ و المجنون في ذلك، فيلزم منه أن يكون كل من ادّعى الإجماع في الصبيّ يكون مراده دعوى الإجماع في المجنون أيضا، و قد أطالوا القول في أمثال هذه الفروع و حق القول أن تنقح المسألة هكذا:

الأعمال الواجبة المتدرجة الوجود إذا حصل شرط الوجوب في أثنائها هل يكون ذلك مجزيا و مسقطا للواجب أو لا؟ مقتضي الإطلاقات هو الأول.

و ما يمكن أن يقال للثاني وجوه- الأول: عدم الأمر، و عدم الملاك في ذلك.

الثاني: عدم إمكان قصد الوجوب. الثالث: قاعدة الاشتغال. الرابع: اختلاف الحقيقتين فلا يجزي أحدهما عن الآخر.

و الكل مردود، أما الأول‏ أي: عدم الأمر و عدم الملاك فلأنّ الكلام في شرط الوجوب لا شرط أصل الصحة، فالملاك موجود، و كذا الأمر لما مرّ مكررا من أنّ عبادات الصبيّ شرعية، و كذا بالنسبة إلى غيره من العبد و المتسكع.

و أما الثاني: فلما أثبته المحققون من عدم اعتبار قصد الوجه أصلا، و مقتضى الأصل عدم اعتباره.

و أما الثالث: فهي محكومة بالإطلاقات و العمومات بعد صدق المتعلق بالنسبة إلى فاقد شرط الوجوب.

و أما الأخير: فبطلانه أوضح من أن يخفى، فمقتضى الأصل اللفظي عدم‏ وجوب الإعادة، بل و كذا الأصل العملي أيضا، لأنّه من الشك في أصل التكليف إلا إذا دل دليل بالخصوص عليها من نصّ، أو إجماع معتبر، و تقدم- في (فصل الأوقات) أنّه لو صلّى الصبيّ في الوقت ثمَّ بلغ، و في كتاب الصوم في شرائط صحته- ما يرتبط بالمقام و يأتي إن شاء اللّه تتمة الكلام.

منها: صحيح ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): مملوك أعتق يوم عرفة قال (عليه السلام): إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»۲۸.

و منها: صحيح ابن شهاب عن الصادق (عليه السلام): «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال (عليه السلام): يجزي عن العبد حجة الإسلام»۲۹.

و أما ما يتوهم من عدم ظهور الأخبار فيما نحن فيه فلا وجه له إذ لم يدع أحد ظهورها في المقام، و إنّما المدعي عدم استفادة الخصوصية بخصوص العبد بعد ملاحظة مجموعها مع سائر الأخبار.

أما كونه قياسا فهو مخالف لبناء الفقهاء (رحمهم اللّه)، على أنّ مورد السؤال لا يوجب تخصيص عموم الحكم و تقييد إطلاقه، مع بنائهم (رحمهم اللّه) على حمل ما يذكر في السؤال على المثال و الغالب. و أما عدم قولهم (رحمهم اللّه) بذلك في التسكع فهو لأجل الإجماع و لولاه لقلنا به فيه أيضا.

و هي أخبار كثيرة:

منها: ما عن ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات فما حاله؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك- إلى آخره- فقد تمَّ إحرامه»۳۰ و مثله غيره.

قال في الجواهر: «إنّه استئناس لا يكون دليلا حتى يستدل بها على المقام».

و فيه: أنّه إن كانت الأخبار استئناسا في موردها يصلح للاستئناس بها في المقام أيضا بعد ملاحظة سائر القرائن، بل إمكان جعل الحكم مطابقا للقاعدة أيضا كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

منها: قول الرضا (عليه السلام) في خبر ابن فضيل: «إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج»۳۱، و مثله غيره.

بل الظاهر أنّ موردها من لم يدرك غير الوقوف بالمشعر سواء كان محرما أم لا. و هذا هو المناسب للتسهيل و الامتنان الذي وردت هذه الأخبار لأجلهما.

ظهر مما تقدم عدم الإشكال في الإجزاء، و هو مقتضى العمومات و الإطلاقات أيضا، بل مقتضى أصالة عدم اشتراط تمام الأعمال بالبلوغ ذلك أيضا،فيكفي في الإجزاء تحققه في الجملة، و مع عدم الدليل على أزيد من ذلك، فالمرجع الأصل اللفظي و العملي فيما لم يقم دليل على الخلاف، خصوصا في هذا العمل الذي اهتم الشارع بتسهيله على أمته بأيّ نحو أمكنه.

ظهر مما مرّ أنّ الأقوى الإجزاء.

بناء على الإجزاء يكون حجة الإسلام من حين وقوعه، و لا يحتاج إلى تجديد النية إلا أنّه كان ندبا فصار واجبا، و لا دليل على اعتبار قصد الندب و الوجوب أصلا فضلا عن المقام، بل مقتضى الأصل خلافه.

يأتي في [مسألة ٦]- من اشتراط الاستطاعة- كفاية الاستطاعة من الميقات.

مقتضى إطلاق ما تقدم من صحيح ابن عمار هو الإجزاء، و هو مقتضى الأصل أيضا، لأنّ الشك في أصل التكليف بعد ذلك.

(مسألة ۸): إذا مشى الصبيّ إلى الحج فبلغ قبل أن يحرم من الميقات و كان مستطيعا لا إشكال في أنّ حجة حجة الإسلام (٤٦).

لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و يكفي استطاعته من محلّ بلوغه، بل من الميقات كما يأتي.

(مسألة ۹): إذا حج باعتقاد أنّ غير بالغ ندبا فبان بعد الحج أنّه كان بالغا، فهل يجزئ عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان أوجههما، الأول (٤۷) و كذا إذا حج الرجل- باعتقاد عدم الاستطاعة- بنية الندب ثمَّ ظهر كونه مستطيعا حين الحج.

الإشكال مبنيّ على تباين حقيقة حجة الإسلام مع الحج الندبي و هو خلاف مرتكزات المتشرعة، و إطلاق الأدلة بعد عدم دليل على التباين. و مجرّد الاختلاف في بعض الآثار أعمّ من اختلاف الحقيقة و تباينها خصوصا في الشرعيات المبنية على تفريق المتحد و جمع المتفرق، و كذا أنه مبنيّ على اعتبار قصد الوجوب و الندب في العبادة فلا تصح مع عدم قصدهما و لا قصد أحدهما في مقام الآخر.

و فيه: أنّه قد ثبت في محلّه عدم الدليل على اعتبارهما و لا مانعية قصد أحدهما في الآخر خطأ بعد تحقق قصد الإتيان بذات العمل، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدم الاعتبار و المانعية، و الظاهر عدم الفرق بين كون القصد بنحو وحدة المطلوب عرفا أو تعدّده. نعم، لو كان القصد بنحو وحدة المطلوب و بنحو الدقة العقلية بحيث رجع إلى عدم قصد حجة الإسلام في الواقع فلا وجه للإجزاء و لكنّه مجرّد الاحتمال العقليّ لا ما يتحقق خارجا عند الناس في أعمالهم فلا موضوع للتردّد و الإشكال كما لا يخفى.

الثاني: من الشروط الحرية، فلا يجب على المملوك (٤۸) و إن أذن له مولاه، و كان مستطيعا من حيث المال، بناء على ما هو الأقوى من القول بملكه (٤۹)، أو بذل له مولاه الزاد و الراحلة. نعم، لو حج بإذن مولاه صح‏ بلا إشكال (۵۰)، و لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام (۵۱) فلو أعتق بعد ذلك أعاد للنصوص: منها: خبر مسمع «لو أنّ عبدا حج عشر حجج ثمَّ أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك سبيلا». و منها: «المملوك إذا حج- و هو مملوك- أجزأه إذا مات قبل أن يعتق، فإن أعتق أعاد الحج». و ما في خبر حكم بن حكيم: «أيّما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام» محمول على إدراك ثواب الحج، أو على أنّه يجزيه عنها ما دام مملوكا لخبر أبان: «العبد إذا حج فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق» فلا إشكال في المسألة. نعم، لو حج بإذن مولاه، ثمَّ انعتق قبل إدراك المشعر، أجزأه عن حجة الإسلام بالإجماع و النصوص‏ و يبقى الكلام في أمور: أحدها: هل يشترط في الإجزاء تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام- بعد الانعتاق فهو من باب القلب، أو لا بل هو انقلاب شرعي؟ قولان مقتضى إطلاق النصوص الثاني و هو الأقوى (۵۲) فلو فرض أنّه لم يعلم بانعتاقه حتى‏ فرغ، أو علم و لم يعلم الإجزاء حتى يجدّد النية، كفاه و أجزأه. الثاني: هل يشترط في الإجزاء كونه مستطيعا حين الدخول في الإحرام، أو يكفي استطاعته من حين الانعتاق، أو لا يشترط ذلك أصلا؟ أقوال: أقواها الأخير، لإطلاق النصوص و انصراف ما دل على اعتبار الاستطاعة عن المقام (۵۳). الثالث: هل الشرط في الإجزاء إدراك خصوص المشعر (٥٤) سواء أدرك‏ الوقوف بعرفات أيضا أم لا؟- أو يكفي إدراك أحد الموقفين، فلو لم يدرك المشعر لكن أدرك الوقوف بعرفات معتقا كفى؟ قولان، الأحوط الأول. كما أنّ الأحوط اعتبار إدراك الاختياريّ من المشعر (۵۵)، فلا يكفي إدراك الاضطراريّ منه. بل الأحوط اعتبار إدراك كلا الموقفين (۵۶)، و إن كان يكفي الانعتاق قبل المشعر، لكن إذا كان مسبوقا بإدراك عرفات أيضا و لو مملوكا. الرابع: هل الحكم مختص بحج الإفراد و القران أو يجري في حج التمتع أيضا و إن كانت عمرته بتمامها حال المملوكيّة؟ الظاهر الثاني، لإطلاق النصوص خلافا لبعضهم فقال بالأول لأنّ إدراك المشعر معتقا إنّما ينفع للحج لا للعمرة الواقعة حال المملوكية. و فيه: ما مرّ من الإطلاق و لا يقدح ما ذكره ذلك البعض، لأنّهما عمل واحد هذا. إذا لم ينعتق إلا في الحج، و أما إذا انعتق في عمرة التمتع، و أدرك بعضها معتقا فلا يرد الإشكال.

للنصوص، و الإجماع، فعن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) في موثق ابن يونس: «ليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق»۳۲، و عنه (عليه السلام) أيضا: «ليس على المملوك حج، و لا جهاد، و لا يسافر إلا بإذن مالكه»۳۳.

لما تقدم، و لا بأس بالإشارة إلى إجماله. و خلاصة الكلام أنّ البحث في ملكية العبد تارة: بحسب الأصل العملي، و أخرى: بحسب الإطلاقات و العمومات، و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأول: فمقتضاه عدم الملكية مطلقا، لأنّها حادثة و مسبوقة بالعدم، فيجري الأصل في مورد الشك بالنسبة إلى الجميع حرّا كان أم عبدا.

أما الثاني: فمقتضى إطلاقات أدلة الحيازة، و البيع، و الشراء، و المعاوضات كلها حصول الملكية للجميع عبدا كان أو حرا.

أما الأخير فهي على قسمين:

الأول: ما يظهر منها أنّه يملك كصحيح عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له، و قد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة و رضي بذلك المولى، فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة قال: فقال: إذا أدى إلى سيده ما فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. ثمَّ قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): أ ليس قد فرض اللّه تعالى على العباد فرائض، فإذا أدوها إليه لم يسألهم عمّا سواها؟ قال:

قلت: للملوك أن يتصدّق مما اكتسب و يعتق، بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟، قال: نعم، و أجر ذلك له. قلت: فإن أعتق مملوكا مما اكتسب- سوى الفريضة- لمن يكون ولاء العتق؟ قال (عليه السلام): يذهب فيتولى من أحبّ، فإذا ضمن جريرته و عقله كان مولاه و وارثه. قال: قلت: أ ليس قد قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): الولاء لمن أعتق؟ قال: فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله.

قلت: فإن ضمن العبد الذي أعتقه جريرته و حدثه أ يلزمه ذلك و يكون مولاه و يرثه؟

فقال: لا يجوز ذلك، و لا يرث عبد حرّا»۳4.

و موثق ابن عمار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقلّ، أو أكثر، فيقول: حللني من ضربي إياك، و من كل ما كان منّي إليك، و مما أخفتك و أرهبتك، و يحلله و يجعله في حلّ رغبة فيما أعطاه، ثمَّ إنّ المولى بعد أصاب الدّراهم التي أعطاه في موضع وضعها فيه العبد فأخذها السيد، إحلال‏ هي له؟ فقال (عليه السلام): لا تحلّ له، لأنّه افتدى بها نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة- الحديث-»۳٥ و ظهورهما في أنّ العبد يملك مما لا ينكر.

الثاني: ما يظهر منه أنّه لا يملك كقول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «في المملوك ما دام عبدا، فإنّه و ماله لأهله، لا يجوز له تحرير، و لا كثير عطاء و لا وصية، إلا أن يشاء سيده»۳٦.

و صحيح ابن سنان: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) مملوك في يده مال أ عليه زكاة؟ قال (عليه السلام): لا، قلت: فعلى سيده؟ قال (عليه السلام): لا، لأنّه لم يصل إليه، و ليس هو للمملوك»۳۷، و قريب منهما غيرهما.

و فيه: أنّ أهمّ آثار الملكية السلطنة الفعلية و الاستيلاء التام على الملك بحيث لو انتفيا فكأنّه لا ملك عرفا، و لا ريب في أنّ العبد محجور عن التصرف في ملكه نصا، و إجماعا، فالمراد بالقسم الأول من الاخبار حصول ذات الملكية، و بالقسم الثاني نفي آثارها و هذا جمع صحيح عرفي و التفصيل يطلب من المطولات.

و أما دعوى الشهرة أو الإجماع على عدم الملكية فلا اعتبار بهما، لكونه اجتهاديا لا تعبديا. كما أنّ نقل الأقوال المختلفة لا فائدة فيها بعد كونها مستندة إلى كيفية الاستفادة من الأدلة بعد أن استقر المذهب منذ قرون على أنّه يملك. و من شاء العثور عليهما فليراجع المطولات.

لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها، فلا بد من الصحة حينئذ.

للنصوص، و الإجماع بقسميه قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في‏ الصحيح: «في مملوك أعتق يوم عرفة قال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»۳۸ و في المعتبر بزيادة: «و إن فاته الموقفان فقد فاته الحج، و يتم حجه، و يستأنف حجة الإسلام فيما بعد».

و في خبر شهاب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال (عليه السلام): يجزي عن العبد حجة الإسلام، و يكتب للسيد أجران: ثواب العتق، و ثواب الحج»۳۹ و مثله غيره.

و تقتضيه أصالة البراءة عن الوجوب بعد كون الشك في أصل التكليف بتجديد النية.

ثمَّ إنّ القلب و الانقلاب متقوّم بالاثنينية و لا اثنينية حقيقية في المقام، لما تقدم من أنّ الحج المندوب و الواجب واحد حقيقة و إن اختلفا في الحكم و بعض الآثار و هو أعمّ من الاختلاف في الذات و الحقيقة. نعم، يختلفان في الجهة الاعتبارية و هي الوجوب و الندب و المفروض عدم اعتبار قصدهما، مع أنّ إطلاق الروايات في هذا الحكم الابتلائي في الأزمنة القديمة- التي كان العتق شائعا في عشية عرفة- أقوى دليل على عدم الاعتبار، و لا فرق فيه بين أن يكون ما وقع منه بعنوان الندب، أو بعنوان حجة الإسلام، أو بقصد ذات الحج فقط، لشمول الإطلاق للجميع فلا وجه لتكثر الأقسام.

لعدم المال للمملوك غالبا، و لأنّه حيث تفضل مولاه عليه بالإعتاق، فاللّه أولى بأن يتفضل عليه بالتسهيل و التيسير و يقبل حجه عن حجة الإسلام و لو مع عدم الاستطاعة المالية، و لا دليل على اعتبار الاستطاعة إلا الجمود على أدلة اعتبارها حتى في المقام. و فيه أنّها منصرفة عنه. لما مرّ من القرينة.

كفاية إدراكه حرّا متفق عليه نصّا، و فتوى و تقدم قوله (عليه السلام) في الصحيح: «إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» هذا من حيث الإدراك حرّا. و أما من حيث كفاية الاختياري من أحدهما في صحة أصل الحج، أو كفاية الاضطراري منهما أو من أحدهما فهو حكم آخر فلا ربط له بالمقام، بل يعمّ تمام أقسام الحج و جميع الحجاج مكلفين كانوا أم لا، أحرارا كانوا أم لا، و يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى في أحكام الموقفين فلا وجه للتعرض له في المقام.

لأنّه المنساق من الكلمات، و المتيقن من الأدلة و إن كان الجمود على الإطلاق يقتضي الاجتزاء بالاضطراريّ أيضا، و الانصراف إلى الاختياريّ بدويّ لا يعتد به و يأتي تفصيل الأقسام في محلّه.

لاحتمال انصراف النصوص إلى هذه الصورة، و لكنّه بدويّ لا يعتد به في هذا الحكم التسهيليّ الامتناني.

للأصل ما لم تكن امارة على خلافه.

(مسألة ۱): إذا أذن المولى لمملوكه في الإحرام فتلبس به ليس له أن يرجع في إذنه (۵۷)، لوجوب الإتمام على المملوك و «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». نعم، لو أذن له ثمَّ رجع قبل تلبسه به لم يجز له أن يحرم إذا علم برجوعه (۵۸) و إذا لم يعلم برجوعه فتلبس به، هل يصح إحرامه و يجب إتمامه، أو يصح و يكون للمولى حلّه، أو يبطل؟ وجوه أوجهها الأخير، لأنّ الصحة مشروطة بالإذن، المفروض سقوطه بالرجوع، و دعوى أنّه دخل دخولا مشروعا فوجب إتمامه، فيكون رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف و لم يعلم الوكيل. مدفوعة: بأنّه لا تكفي المشروعية الظاهرية و قد ثبت الحكم في الوكيل بالدليل و لا يجوز القياس عليه (۵۹).

مقتضى قاعدة السلطنة جواز الرجوع، لأنّ صحة إحرامه مشروطة بإذنه حدوثا و بقاء. و استدل على عدم سلطنته عليه تارة: بأنّ الشروع في الإحرام يوجب إتمامه و لا ينحل عنه إلا بمحلل شرعيّ و رجوع المالك ليس محللا شرعيا كما في الإحرام للصلاة حيث لا يخرج منها إلا بالسلام. و أخرى: بأنّه لا يجب على العبد حينئذ إطاعة المولى، لأنّه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

و نوقش في الأول: بأنّ ما دلّ على وجوب إتمام الإحرام إنّما هو بحسب حكمه الأوليّ من حيث هو و لا نظر له بالنسبة إلى العوارض الخارجية كرجوع المولى و نحوه.

و فيه: أنّ ظاهره الإطلاق بالنسبة إلى جميع الجهات.

و في الثاني: بأنّه إذا ثبت صحة الرجوع فلا يكون من إطاعة المخلوق في معصية الخالق، بل مخالفة السيد تكون حينئذ من مخالفة اللّه تعالى.

و فيه ما تقدم من ظهور الإطلاق، فلا يبقى موضوع لصحة الرجوع، فتكون إطاعة العبد للسيد حينئذ من إطاعة المخلوق في معصية الخالق. نعم، لو فرض الشك في الإطلاق بحيث لا يصح التمسك به، فالمرجع قاعدة السلطنة و الظاهر عدم الشك فيه، مع استنكار المتشرعة للرجوع عن الإذن. و المسألة سيالة في موارد كثيرة، كإذن المالك للصلاة في داره، و الدفن في ملكه، و إذن الزوج في نذر الزوجة، و كذا الوالدين.

لعدم صحة المشروط مع انتفاء الشرط.

خلاصة الكلام: إن ثبت أنّ للمشروعية الظاهرية موضوعية خاصة في صحة الإحرام واقعا يكون المقام نظير المسألة السابقة في عدم جواز الرجوع، لعموم ما دلّ على أنّ الإحرام لا ينحل إلا بالمحلل الخاص و إن لم تكن لها موضوعية خاصة أو شك في ذلك فمقتضى قاعدة السلطنة جواز الرجوع، إذ لا يجوز التمسك بالإطلاق لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه.

(مسألة ۲): يجوز للمولى أن يبيع مملوكه المحرم بإذنه و ليس للمشتري حلّ إحرامه. نعم، مع جهله بأنّه محرم يجوز له الفسخ، مع طول الزمان الموجب لفوات بعض منافعه (۶۰).

أما جواز البيع، فلقاعدة السلطنة، و ظهور الإجماع. و أما عدم جواز حلّ إحرامه، فلما تقدم في المسألة السابقة. و أما الخيار فهو من خيار تخلف الوصف أو الشرط الضمني، كما يأتي في كتاب الإجارة (فصل إنّ الإجارة من العقود اللازمة).

بل و له الخيار مع قصر الزمان أيضا إن كان إحرامه موجبا لفوت بعض الأغراض الصحيحة العقلائية.

(مسألة ۳): إذا انعتق العبد قبل المشعر فهديه عليه، و إن لم يتمكن فعليه أن يصوم (۶۱) و إن لم ينعتق كان مولاه بالخيار بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصوم للنصوص، و الإجماعات (۶۲).

لأنّه حينئذ من الأحرار، فيشمله ما يشملهم من الأدلة، لوجود المقتضي و فقد المانع.

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «إن شئت فاذبح عنه و إن شئت فمره فليصم» و في صحيح جميل: «فمره فليصم، و إن شئت فاذبح عنه».

و ما يظهر منه تعيين الذبح كخبر ابن أبي حمزة قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع، ثمَّ أهل بالحج يوم التروية و لم أذبح‏ عنه، فله أن يصوم بعد النفر؟ فقال (عليه السلام): ذهبت الأيام التي قال اللّه تعالى، ألا كنت أمرته أن يفرد الحج؟ قلت: طلبت الخير. فقال (عليه السلام): كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة، و كان ذلك يوم النفر الأخير» محمول على الأفضلية جمعا، و إجماعا.

(مسألة ٤): إذا أتى المملوك المأذون في إحرامه بما يوجب الكفارة، فهل هي على مولاه، أو عليه و يتبع بها بعد العتق أو تنتقل إلى الصوم فيما فيه الصوم مع العجز، أو في الصيد عليه و في غيره على مولاه؟ وجوه أظهرها كونها على مولاه لصحيحة حريز (۶۳)، خصوصا إذا كان الإتيان بالموجب بأمره أو بإذنه.نعم، لو لم يكن مأذونا في الإحرام بالخصوص بل كان مأذونا مطلقا إحراما كان أو غيره لم يبعد كونها عليه حملا لخبر عبد الرحمن بن أبي نجران- النافي لكون الكفارة في الصيد على مولاه- على هذه الصورة (6٤).

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حريز: «كل ما أصاب العبد- و هو محرم- في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له في الإحرام»44 و هو في مقام بيان القاعدة الكلية، فيشمل الجميع، و يشهد له ما اشتهر من أنّ الإذن في الشي‏ء إذن في لوازمه، فتكون لوازمه عليه، مع أنّ العرف يرى المقام من تقديم السبب على المباشر.

و أما ما في الاستبصار من ضبط الصحيحة هكذا: «المملوك إذا أصاب الصيد .. إلخ».

ففيه: أنّه لا يعارض ضبط الكافي، و التهذيب، و الفقيه‏، إذ لا تعارض بين الكليّ و أفراده، مع أنّ الكافي أضبط كما هو المشهور، و يمكن أن يكون ذكر الصيد من باب المثال لا التخصيص.

و أما أنّه عليه و يتبع به بعد العتق فهو و إن كان موافقا لقوله تعالى‏ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏* و لكنّه مطروح للصحيح القابل لتخصيص الآية المعتبر سندا و دلالة، كما أنّ الانتقال إلى الصوم فيما فيه الصوم مخالف لإطلاقه أيضا.

و أما أنّه في الصيد عليه و في غيره على سيده فلا وجه له إلا ما يأتي من خبر ابن أبي نجران و هو قابل لحمله على العبد غير المأذون في إحرامه جمعا بينه و بين صحيح حريز كما سيأتي.

ففي رواية عبد الرحمن بن أبي نجران قال: «سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن عبد أصاب صيدا و هو محرم، هل على مولاه شي‏ء من الفداء؟ فقال (عليه السلام): لا شي‏ء على مولاه»، و صحيح حريز- المتقدم- يصلح للتصرف في ظاهر هذا الخبر، لأنّه نصّ في المأذون، و هذا ظاهر في التعميم فيحمل على غير المأذون جمعا بينهما. و هذا جمع عرفيّ مقبول.

(مسألة ٥): إذا أفسد المملوك المأذون حجه بالجماع قبل المشعر فكالحرّ في وجوب الإتمام و القضاء (65). و أما البدنة ففي كونها عليه، أو على مولاه، فالظاهر أنّ حالها حال سائر الكفارات على ما مرّ أنّ الأقوى كونها على المولى الآذن له في الإحرام (66). و هل يجب على المولى تمكينه من القضاء، لأنّ الإذن في الشي‏ء إذن في لوازمه، أو لا، لأنّه من سوء اختياره؟ قولان، أقواهما الأول (67) سواء قلنا: إنّ القضاء هو حجه أو إنّه عقوبة، و إنّ حجه هو الأول (68). هذا، إذا أفسد حجه و لم ينعتق، و أما إن أفسده بما ذكر ثمَّ انعتق، فإن انعتق قبل المشعر كان حاله حال الحرّ في وجوب الإتمام و القضاء و البدنة و كونه مجزيا عن حجة الإسلام إذا أتى بالقضاء، على القولين من كون الإتمام عقوبة و أنّ حجه هو القضاء، أو كون القضاء عقوبة (69)، بل على هذا إن لم يأت بالقضاء أيضا أتى بحجة الإسلام، و إن كان عاصيا في ترك القضاء (70)، و إن انعتق بعد المشعر فكما ذكر، إلا أنّه لا يجزيه عن حجة الإسلام (71)، فيجب عليه بعد ذلك إن استطاع و إن كان مستطيعا فعلا، ففي وجوب تقديم حجة الإسلام، أو القضاء وجهان مبنيان على أنّ القضاء فوريّ أم لا، فعلى الأول يقدم لسبق سببه (72)، و على الثاني تقدم حجة الإسلام لفوريتها دون القضاء.

لإطلاق أدلتهما الشامل للحرّ و العبد مطلقا من غير ما يصلح للتقييد بالحر.

لما مرّ من صحيح حريز الذي ورد في مقام القاعدة الكلية الشاملة للمقام أيضا.

لأنّ القضاء واجب شرعيّ عليه بالإفساد، و ليس للمولى منعه عما وجب عليه شرعا كما في سائر الواجبات الشرعية.

لوجوبه شرعا على كل تقدير و لا سلطة للمولى على مملوكه في الواجبات الشرعية.

لأنّه حرّ- و إنّ المستفاد من الأدلة تنزيل الحرية الحاصلة في الأثناء منزلة الحرية الثانية من حين الشروع في الحج- فتشمله جميع الأدلة الواردة في حج الحرّ بإطلاقاته و عموماته بلا مقيد و مخصّص في البين، فلا وجه للتشكيك حينئذ.

كما هو الحال فيمن كان حرّا من أول الشروع في الحج فإنّه إن لم يأت بالقضاء أثم و صح منه حجة الإسلام، لفرض أنّه الأول الذي أتى به.

لإطلاق دليل اعتبار الحرية في الإجزاء خرج منه ما إذا أعتق قبل المشعر و بقي الباقي.

مجرّد سبق السبب لا يوجب التقديم ما لم تحرز الأهمية بدليل آخر، كما ثبت ذلك في محله، و الظاهر أنّ الترجيح لحجة الإسلام لكثرة ما ورد فيها من‏ التأكيدات في أصلها و في فوريتها، فينتفي موضوع فورية القضاء حينئذ، لأنّها إنّما تثبت فيما إذا لم يكن واجب أهمّ آخر في البين و المفروض أنّ حجة الإسلام و فوريتها أهمّ.

(مسألة ٦): لا فرق فيما ذكر- من عدم وجوب الحج على المملوك، و عدم صحته إلا بإذن مولاه، و عدم إجزائه عن حجة الإسلام إلا إذا انعتق قبل المشعر- بين القنّ و المدبر و المكاتب، و أمّ الولد، و المبغض (73) إلا إذا هاياه مولاه، و كانت نوبته كافية، مع عدم كون السفر خطريا فإنّه يصح منه بلا إذن (7٤) لكن لا يجب، و لا يجزيه حينئذ عن حجة الإسلام و إن كان مستطيعا، لأنّه لم يخرج عن كونه مملوكا (75) و إن كان يمكن دعوى الانصراف عن هذه الصورة فمن الغريب ما في الجواهر من قوله: «و من الغريب ما ظنّه بعض الناس، من وجوب حجة الإسلام عليه في هذا الحال، ضرورة منافاته للإجماع المحكيّ عن المسلمين، الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية، المعلوم عدمها في المبعض» إذ لا غرابة فيه، بعد إمكان دعوى الانصراف مع أنّ في أوقات نوبته يجري عليه جميع آثار الحرية (76).

لإطلاق الأدلة الشامل للجميع بلا قيد و مقيد في البين.

لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فلا بد من الصحة حينئذ.

فهو رقّ عرفا و شرعا.

الانصراف ممنوع و المهاياة ليست إلا تقسيما للمنفعة فقط لا لذات المملوكية بحيث يصير العبد في زمان حرّا و في زمان رقا، فاستغراب صاحب الجواهر في محله.

(مسألة ۷): إذا أمر المولى مملوكه بالحج وجب عليه طاعته، و إن لم يكن مجزيا عن حجة الإسلام (77)، كما إذا آجره للنيابة عن غيره فإنّه لا فرق بين‏ صحة إجارته للخياطة أو الكتابة، و بين إجارته للحج أو الصّلاة أو الصّوم (78).

لإطلاق ما تقدم من مثل خبر مسمع الشامل للمقام أيضا.

لأنّ المنفعة ملك للمولى، فله أن ينتفع بملكه فيما شاء و أراد، لقاعدة السلطنة ما لم يكن نهي شرعيّ في البين و المفروض عدمه.

الثالث: الاستطاعة من حيث المال، و صحة البدن، و قوّته، و تخلية السّرب، و سلامته، وسعة الوقت، و كفايته بالإجماع و الكتاب، و السنة (79).

بل ببناء العقلاء أيضا، لأنّهم في الأسفار المتعارفة فيما بينهم لحوائجهم العرفية يعتبرون التمكن من حيث المال، و البدن و الطريق، وسعة الوقت، و غير ذلك مما يعتبر في المسافرة. فالاستطاعة بهذا المعنى عرفية أمضاها الشارع لا أن تكون تعبدية شرعية، بل يكفي عدم ثبوت الردع بعد ثبوت أصل وجوب سفر الحج، فكيف بما ورد من الإمضاء كتابا و سنة بالسنة شتّى. نعم، يزيد سفر الحج على غيره من الأسفار بثوبي الإحرام، و الأضحية، و الكفارة لو اتفق موجبها فلا يعتبر فيه شي‏ء شرعا زائدا على ما يعتبر في سائر الأسفار المتعارفة.

و بالجملة: السفر إلى محل تارة: يلحظ بحسب مجرّد إمكانه الذاتي و لو مع عدم المقتضي و وجود المانع و لا يقدم نوع العقلاء عليه إلا نادرا.

و أخرى: يلحظ بحسب الوقوع الخارجي، و هذا النحو من السفر لا يقدم نوع الناس عليه إلا بعد إحراز المقتضيات و فقد الموانع، و الاستطاعة الشرعية ليست إلا عبارة عن هذا، و ما ورد في الأخبار إرشاد إليها. ثمَّ إنّه لم يذكر (رحمه اللّه) في المقام اشتراط وجود نفقة العيال، و تعرض له في [مسألة ٥٦] و يأتي التفصيل هناك.

(مسألة ۱): لا خلاف و لا إشكال في عدم كفاية القدرة العقلية في وجوب الحج، بل يشترط فيه الاستطاعة الشرعية (80) و هي- كما في جملة من الأخبار- الزاد، و الراحلة، فمع عدمها لا يجب (8۱) و إن كان قادرا عليه عقلا، باكتساب و نحوه (8۲). و هل يكون اشتراط وجود الراحلة مختصا بصورة الحاجة إليها- لعدم قدرته على المشي، أو كونه مشقة عليه أو منافيا لشرفه- أو يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة إليه؟ مقتضى إطلاق الأخبار، و الإجماعات المنقولة: الثاني و ذهب جماعة من المتأخرين إلى الأول، لجملة من الأخبار المصرّحة بالوجوب إن أطاق المشي بعضا أو كلا (83) بدعوى أنّ مقتضى الجمع بينها و بين‏ الأخبار الأول حملها على صورة الحاجة. مع أنّها منزلة على الغالب، بل انصرافها إليها و الأقوى هو القول الثاني، لإعراض المشهور عن هذه الأخبار مع كونها بمرأى منهم و مسمع، فاللازم طرحها (8٤)، أو حملها على بعض المحامل، كالحمل على الحج المندوب، و إن كان بعيدا عن سياقها. مع أنّها مفسّرة للاستطاعة في الآية الشريفة (85)، و حمل الآية على القدر المشترك بين الوجوب و الندب بعيد (86) أو حملها على من استقر عليه حجة الإسلام سابقا، و هو أيضا بعيد (87)، أو نحو ذلك. و كيف كان فالأقوى ما ذكرنا، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالأخبار المزبورة، خصوصا بالنسبة إلى من لا فرق عنده بين المشي و الركوب، أو يكون المشي أسهل لانصراف الأخبار الأول عن هذه الصورة بل لو لا الإجماعات المنقولة و الشهرة لكان هذا القول (88) في غاية القوّة (89).

أما عدم كفاية القدرة العقلية، فلضرورة المذهب بل الدّين. و أما اعتبار الاستطاعة الشرعية فقد ظهر مما تقدم أنّ الاستطاعة عرفية أمضاها الشارع لا أن‏ تكون تعبدية شرعية، و جميع ما ورد في الأخبار إرشاد إلى العرف لا أن يكون حكما مستقلا تعبدا، و ذلك لاشتمالها على الزاد، و الراحلة، و صحة البدن، و تخلية السرب، ففي صحيح الخثعمي قال: «سأل حفص الكناسي أبا عبد اللّه (عليه السلام)- و أنا عنده- عن قوله اللّه عزّ و جل‏ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلّى في سربه، له زاد و راحلة فلم يحج، فهو ممن يستطيع الحج؟ قال (عليه السلام): نعم».

و قريب منه صحيح هشام بن الحكم‏ و كل ذلك شرائط عرفية في كل سفر لدى العرف و العقلاء في جملة أسفارهم، و هي مما تختلف بحسب الأزمنة و الأمكنة و الأشخاص على ما يأتي في المسائل الآتية من التفصيل، فلو كان قد ورد من الشرع يجب عليكم الحج- من دون ذكر الاستطاعة لا كتابا و سنة- لم يكن الا مثل ما ورد من الترغيب إلى زيارة النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في أنّ العرف لا يقدمون عليه إلا بعد التمكن العرفي منه، مع ما ارتكز في النفوس من نفي الحرج و الضرر، و المشقّات الخلاف المتعارفة.

لضرورة من المذهب بل الدّين في الجملة و لو حج كذلك لا يجزيه عن حجة الإسلام بل قد يأثم مع تحمل الضرر نفسا أو عرضا، أو نحو ذلك.

و لكن لو اكتسب و صار مستطيعا وجب عليه. لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع فتشمله الأدلة بلا مدافع.

كصحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل عليه دين. أ عليه أن يحج؟ قال (عليه السلام): نعم، إنّ حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين. و لقد كان أكثر من حج مع النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) مشاة. و لقد مرّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بكراع الغميم فشكوا إليه الجهد و العناء فقال: شدّوا أزركم و استبطنوا، ففعلوا ذلك، فذهب عنهم»٥۰.

و عنه (عليه السلام) أيضا في تفسير آية الاستطاعة: «يخرج و يمشي إن لم يكن عنده، قلت: لا يقدر على المشي قال (عليه السلام): يمشي و يركب، قلت: لا يقدر على ذلك- أعني المشي- قال: يخدم القوم و يخرج معهم»٥۱.

و في صحيح ابن مسلم: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) فإن عرض عليه الحج فاستحيي؟ قال: هو ممن يستطيع الحج. و لم يستحيي و لو على حمار أجدع أبتر.

قال: فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل»٥۲.

و إطلاق هذه الأخبار مخالف لقاعدة نفي العسر و الحرج، و القطع بعدم رضا الشارع بمهانة أمته، فلا بد أن تحمل على الإرشاد إلى إظهار الخشوع و ترك الكبرياء في هذا السفر الذي هو من أعظم المشاعر الدينية، و من مظاهر الحشر الأكبر الذي يستوي فيه الغني و الفقير، و الوضيع و الشريف، و لا بد فيه من عدم التجمل بالزخارف الدنيوية كما يفعل في أسفار السرور، أو تحمل على من يكون من شأنه ارتكاب هذه الأمور في أسفاره و سائر أموره المعاشية بحيث لا حرج و لا عسر و لا مهانة بالنسبة إليه، بل يكون موافقا لشأنه و مرتبته كما يأتي في ذيل [مسألة ۲].

و قد كان هذا القسم من الأسفار شائعا في الأزمنة القديمة و قد أدركنا بعضها من بعض الأشخاص الذي كان أهلا لذلك و لم يكن عمله مهانة و ذلة.

لأنّ طرح هذه النصوص المعتبرة مع صحة السند، و كثرة العدد لا يحتمل في حق الأعاظم، لقصور في الدلالة. و مع ذلك لا يحصل الاطمئنان في الفتوى للفقيه.

مع ذكر «حجة الإسلام» في بعضها كما تقدم، مضافا إلى أنّه إذا سقط الواجب بالعسر و الحرج و المهانة و الذلة، فالمندوب أولى بالسقوط.

لأنّ سياقها في حجة الإسلام فلا يناسب غيرها.

لأنّ المتفاهم منها إنّما هو الترغيب إلى إتيان حجة الإسلام ابتداء خصوصا صحيح ابن عمار.

مع عدم الحرج، أو المهانة.

لا قوة فيه فضلا عن أن يكون في غايته مع انطباق العسر و الحرج و خلاف المتعارف عليه. نعم، إن كان ذلك متعارفا لا بأس به و لا نزاع حينئذ.

(مسألة ۲): لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب و البعيد، حتى بالنسبة إلى أهل مكة، لإطلاق الأدلة فما عن جماعة: من عدم اشتراطه بالنسبة إليهم لا وجه له (90).

أما عدم الفرق. فلإطلاق الأدلة. و أما أنّه لا وجه له بالنسبة إلى أهل مكة فلا بد و أن يقيد بمن لم يكن من عادته المشي في سائر أسفاره المتعارفة و إلا فهو مستطيع و لو لم تكن له راحلة، إذ ليست للراحلة موضوعية خاصة و إنّما تكون طريقا للوصول إلى المقصد بلا حرج، و مشقة و مهانة. و من تكون عادته المشي في أسفاره لا حرج بالنسبة إليه و لا مشقة و لا مهانة إلا أن يقال: إنّ الزاد و الراحلة يلاحظان بالنسبة إلى النوع لا خصوص الشخص، فالمدار على النوع لا عليه. ثمَّ إنّ المراد بالجماعة الذين ذهبوا إلى عدم الاشتراط منهم المحقق، و الشهيد الثاني، و نسبه في المدارك إلى أصحابنا و لا دليل لهم على ذلك إلا الانصراف و هو مخدوش كما هو معلوم.

(مسألة ۳): لا يشترط وجودهما عينا عنده، بل يكفي وجود ما يمكن صرفه في تحصيلهما من المال. من غير فرق بين النقود و الأملاك (91)، من البساتين و الدّكاكين و الخانات و نحوها، و لا يشترط إمكان حمل الزاد معه، بل يكفي إمكان تحصيله في المنازل بقدر الحاجة، و مع عدمه فيها يجب حمله مع الإمكان من غير فرق بين علف الدابة و غيره، و مع عدمه يسقط الوجوب.

كل ذلك، لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و سيرة الناس في أسفارهم المتعارفة التي يحتاجون إلى السفر إليها، و ذكر جملة من هذه الفروع لا موضوع له في هذه الأزمنة.

(مسألة ٤): المراد بالزاد هنا: المأكول و المشروب و سائر ما يحتاج إليه المسافر، من الأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج إليه، و جميع ضروريات ذلك السفر بحسب حاله: قوّة و ضعفا، و زمانه: حرّا و بردا، و شأنه: شرفا و ضعة. و المراد بالراحلة مطلق ما يركب، و لو مثل السفينة في طريق البحر، و اللازم وجود ما يناسب حاله بحسب القوّة و الضعف بل الظاهر اعتباره من‏ حيث الضعة و الشرف، كما و كيفا فإذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة، بحيث يعدّ ما دونهما نقصا عليه، يشترط في الوجوب القدرة عليه، و لا يكفي ما دونه و إن كانت الآية و الأخبار مطلقة (92)، و ذلك لحكومة قاعدة نفي العسر و الحرج على الإطلاقات. نعم، إذا لم يكن بحدّ الحرج وجب معه الحج و عليه يحمل ما في بعض الأخبار من وجوبه و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب.

لا إطلاق فيها بعد لزوم تنزيلها على المتعارف بين الناس و لا ريب في أنّهم يلاحظون في أسفارهم المتعارفة الضعة و الشرف كما و كيفا. و مع الشك في الإطلاق من هذه الجهة لا يصح التمسك بها، لأنّه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك. و ذكر مثل هذه الفروع لا موضوع له في هذه الأزمنة، مع أنّه بعد كون الموضوع من العرفيات لا وجه لتدخل الفقيه فيه.

(مسألة ٥): إذا لم يكن عنده الزاد و لكن كان كسوبا يمكنه تحصيله بالكسب في الطريق لأكله و شربه و غيرهما من بعض حوائجه، هل يجب عليه أو لا؟ الأقوى عدمه (93)، و إن كان أحوط (9٤).

لأنّه من تحصيل الاستطاعة و ذلك غير واجب، لأنّ المنساق من الأدلة الاستطاعة الفعلية لا ما تكون بالقوة. فما عن المستند من الوجوب مخدوش. نعم، من كان هذا شأنه في جميع أسفاره المتعارفة و يسافر لإمرار معاشه هكذا و يعيش بهذا النّحو، فالظاهر الوجوب عليه، لصدق كونه مستطيعا، و يمكن أن يحمل كلام المستند عليه.

خروجا عن خلاف المستند.

(مسألة ٦): إنّما تعتبر الاستطاعة من مكانه لا من بلده (95) فالعراقي‏ إذا استطاع و هو في الشام وجب عليه، و إن لم يكن عنده بقدر الاستطاعة من العراق بل لو مشى إلى ما قبل الميقات متسكعا، أو لحاجة أخرى من تجارة أو غيرها، و كان له هناك ما يمكن أن يحج به وجب عليه. بل لو أحرم متسكعا فاستطاع و كان أمامه ميقات آخر، أمكن أن يقال بالوجوب عليه، و إن كان لا يخلو عن إشكال (96).

لصدق الاستطاعة، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها، مع أنّ مشي الطريق لا موضوعية فيه بوجه، مضافا إلى إطلاق صحيح ابن عمار «قلت لأبي عبد اللّه‏ (عليه السلام): الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكة، فيدرك الناس و هم يخرجون إلى الحج، فيخرج معهم إلى المشاهد، أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام): نعم». و منه يظهر الوجه في بقية المسألة و لا بد من تحقق الاستطاعة و إلا فلا يجب كما هو معلوم.

أما دليل إمكان الوجوب عليه، فللجمود على الإطلاق و العمومات، و أما وجه الإشكال فلأنّه لا يجوز لكل من أحرم إحراما صحيحا أن ينشئ إحراما آخر إلا بعد إتمام نسك الإحرام الأول إلا بدليل يدل على تبديل الإحرام و هو مفقود في المقام، و لا ريب في أنّ الإحرام الأول وقع صحيحا فلا يصح تبديله.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ أهمية حجة الإسلام بعد تحقق شرائطه دليل على جواز التبديل، بل يمكن أن يستكشف من ذلك بطلان ما وقع منه من الإحرام للحج الندبي، كما يمكن أن يقال: بالانقلاب، كما مرّ في حج المملوك و الصبيّ، فلا بطلان للإحرام الأول حينئذ، بل كان متصفا بالندب فعرض ما يوجب اتصافه بالوجوب و لا محذور فيه من عقل أو نقل.

(مسألة ۷): إذا كان من شأنه ركوب المحمل أو الكنيسة و لم يوجد سقط الوجوب. و لو وجد و لم يوجد شريك للشق الآخر، فإن لم يتمكن من أجرة الشقين سقط أيضا (97)، و إن تمكن فالظاهر الوجوب، لصدق الاستطاعة فلا وجه لما عن العلامة. من التوقف فيه، لأنّ المال له خسران لا مقابل له. نعم، لو كان بذله مجحفا و مضرّا بحاله لم يجب (98)، كما هو الحال في شراء ماء الوضوء.

لعدم الاستطاعة في الصورتين، فلا موضوع للوجوب حينئذ، و كذا الكلام في مثل وسائل النقل الحديثة- كالسيارة و الطيارة- بلا فرق في البين.

المناط كله على صدق الاستطاعة و عدمه و لو كان عدم الصدق لأجل الحرج بحيث يصدق عدم الاستطاعة عرفا لأجل الحرج.

(مسألة ۸): غلاء أسعار ما يحتاج إليه، أو أجرة المركوب في تلك السنة لا يوجب السقوط، و لا يجوز التأخير عن تلك السنة مع تمكنه من القيمة بل و كذا لو توقف على الشراء بأزيد من ثمن المثل (99) و القيمة المتعارفة، بل و كذا لو توقف على بيع أملاكه بأقلّ من ثمن المثل، لعدم وجود راغب في القيمة المتعارفة فما عن الشيخ: من سقوط الوجوب ضعيف. نعم، لو كان الضرر مجحفا بماله مضرّا بحاله لم يجب (100)، و إلا فمطلق الضرر لا يرفع الوجوب، بعد صدق الاستطاعة و شمول الأدلة. فالمناط هو الإجحاف و الوصول إلى حدّ الحرج الرافع للتكليف (101).

كل ذلك لصدق الاستطاعة، فتشمله إطلاقات الأدلة و عموماتها و لا مقيّد و لا مخصّص لها ما لم ينطبق عنوان الحرج، فيسقط الوجوب حينئذ لأجل الحرج كما يأتي في الفرع اللاحق.

لقاعدة نفي الحرج و الضرر التي هي من أهمّ القواعد الامتنانية المقدمة على جميع الأحكام الأولية و الثانوية.

كما هو الشأن في جميع التكاليف الشرعية من أولها إلى آخرها.

ثمَّ إنّ غلاء أسعار الحج أقسام: فتارة يكون نوعيا في نوع البلاد، و أخرى:

يكون موسميا أي: في موسم الحج و في طريقه. و ثالثة: يكون اقتراحيا فقط و لا يسقط في الأولين، و يشكل عدم سقوطه في الأخير، لأنّه ضرر و حرج كما لا يخفى.

(مسألة ۹): لا يكفي في وجوب الحج وجود نفقة الذهاب فقط، بل يشترط وجود نفقة العود إلى وطنه إن أراده (102) و إن لم يكن فيه أهل و لا مسكن مملوك و لو بالإجارة للحرج في التكليف بالإقامة في غير وطنه المألوف له. نعم، إذا لم يرد العود، أو كان وحيدا لا تعلق له بوطن، لم يعتبر وجود نفقة العود، لإطلاق الآية و الأخبار في كفاية وجود نفقة الذهاب و إذا أراد السكنى في بلد آخر غير وطنه لا بد من وجود النفقة إليه إذا لم يكن أبعد من وطنه، و إلا فالظاهر كفاية مقدار العود إلى وطنه (103).

اشتراط نفقة العود إلى الوطن في الاستطاعة و عدمه يدور مدار الحرج و عدمه، فمع صدق الحرج بدونها تشترط و لا تتحقق الاستطاعة إلا بها، و مع عدم الحرج تتحقق الاستطاعة و لو بدونها و هذا مما يختلف باختلاف الأشخاص و ليس بيانه من وظيفة الفقيه.

إلا إذا كان مضطرا إلى الإقامة في غير وطنه، فلا بد من ملاحظة وجود النفقة إليه حينئذ مطلقا.

(مسألة ۱۰): قد عرفت أنّه لا يشترط وجود أعيان ما يحتاج إليه في نفقة الحج من الزاد و الراحلة، و لا وجود أثمانها من النقود، بل يجب عليه بيع ما عنده من الأموال لشرائها لكن يستثنى من ذلك ما يحتاج إليه في ضروريات معاشه (10٤)، فلا تباع دار سكناه اللائقة بحاله، و لا خادمه المحتاج إليه، و لا ثياب تجمّله اللائقة بحاله فضلا عن ثياب مهنته- و لا أثاث بيته من الفراش و الأواني و غيرهما مما هو محلّ حاجته، بل و لا حليّ المرأة مع حاجتها بالمقدار اللائق بها بحسب حالها في زمانها و مكانها، و لا كتب العلم لأهله التي لا بد له منها فيما يجب تحصيله، لأنّ الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية، و لا آلات الصنائع المحتاج إليها في معاشه، و لا فرس ركوبه مع الحاجة إليه، و لا سلاحه، و لا سائر ما يحتاج إليه لاستلزام التكليف بصرفها في الحج العسر و الحرج، و لا يعتبر فيها الحاجة الفعلية فلا وجه لما عن كشف اللثام: من أنّ فرسه إن كان صالحا لركوبه في طريق الحج فهو من الراحلة، و إلا فهو في مسيرة إلى الحج لا يفتقر إليه بل يفتقر إلى غيره، و لا دليل على عدم وجوب بيعه حينئذ. كما لا وجه لما عن الدروس: من التوقف في استثناء ما يضطر إليه، من أمتعة المنزل و السلاح، و آلات الصنائع فالأقوى استثناء جميع ما يحتاج إليه في معاشه (105) مما يكون إيجاب بيعه مستلزما للعسر و الحرج. نعم، لو زادت أعيان المذكورات عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج و كذا لو استغنى عنها بعد الحاجة، كما في حليّ المرأة إذا كبرت عنه و نحوه (106).

لقاعدة نفي الحرج، و ظهور الإجماع، و السيرة و ذلك أيضا يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة، فربّ شي‏ء يكون من ضروريات معاش شخص و لا يكون كذلك بالنسبة إلى شخص آخر، و ربّ شي‏ء يكون من ضروريات المعاش في محل دون محل آخر.

للحاجة مراتب كثيرة منها: الحاجة الفعلية الابتلائية و لا ريب في الاستثناء، و منها: الحاجة القريبة النوعية و هي أيضا استثناء، و منها: الحاجة البعيدة النوعية، و منها: الحاجة الفرضية و يشكل استثناؤهما خصوصا الأخيرة.

كل ذلك لصدق الاستطاعة حينئذ و قد تقدم أنّه لا يعتبر فيها النقد الفعلي، بل المناط التمكن من الحج عرفا و لو بيع ما لا يحتاج إليه فعلا سواء كان مما يحتاج إليه سابقا أم لا.

(مسألة ۱۱): لو كان بيده دار موقوفة تكفيه لسكناه، و كان عنده دار مملوكة، فالظاهر وجوب بيع المملوكة إذا كانت وافية لمصارف الحج، أو متمّمة لها. و كذا في الكتب المحتاج إليها إذا كان عنده من الموقوفة مقدار كفايته، فيجب بيع المملوكة منها. و كذا الحال في سائر المستثنيات إذا ارتفعت حاجته‏ فيها بغير المملوكة، لصدق الاستطاعة حينئذ إذا لم يكن منافيا لشأنه (107)، و لم يكن عليه حرج في ذلك. نعم، لو لم تكن موجودة، و أمكنه تحصيلها لم يجب عليه ذلك، فلا يجب بيع ما عنده و في ملكه، و الفرق: عدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة، بخلاف الصورة الأولى. إلا إذا حصلت بلا سعي منه، أو حصلها مع عدم وجوبه، فإنّه بعد التحصيل يكون كالحاصل أولا.

و لا في معرض الزوال عرفا، و المناط في ذلك كله صدق الاستطاعة مع ملاحظة الشأن و الشرف، و سائر الجهات و عدم الصدق، فيجب الحج مع صدقها كذلك و لا يجب مع عدم الصدق، و المرجع فيه متعارف المتشرعة، و مع الشك في الصدق و عدمه، فمقتضى الأصل عدم الوجوب أيضا.

ثمَّ إنّ حق هذه المسألة أن تعنون هكذا: «هل يعتبر في استثناء ما يحتاج إليه الملكية أو يكفي تمكنه عرفا فيما يحتاج إليه بغير الملك؟» مقتضى الأصل و الإطلاق هو الثاني. هذا إذا كان فعلا مستوليا على ما يمكن رفع حاجاته به. و أما إذا أمكن تحصيله بلا عسر و حرج و مهانة، فلا يكون مستطيعا لما يأتي في المتن.

(مسألة ۱۲): لو لم تكن المستثنيات زائدة عن اللائق بحاله بحسب عينها، لكن كانت زائدة بحسب القيمة، و أمكن تبديلها بما يكون أقلّ قيمة مع كونه لائقا بحاله أيضا، فهل يجب التبديل للصرف في نفقة الحج أو لتتميمها؟ قولان (108) من صدق الاستطاعة، و من عدم زيادة العين عن مقدار الحاجة، و الأصل عدم وجوب التبديل. و الأقوى الأول إذا لم يكن فيه حرج أو نقص عليه، و كانت الزيادة معتدا بها، كما إذا كانت له دار تسوى مائة، و أمكن تبديلها بما يسوى خمسين، مع كونه لائقا بحاله من غير عسر، فإنّه يصدق الاستطاعة. نعم، لو كانت الزيادة قليلة جدّا بحيث لا يعتنى بها، أمكن دعوى عدم الوجوب، و إن كان الأحوط التبديل أيضا.

اختار الوجوب جمع منهم الشهيد في الدروس، و المسالك، و العلامة، و صاحب الجواهر، لصدق الاستطاعة عرفا. و نسب عدم الوجوب إلى المحقق الثاني، للأصل. و فيه: أنّه محكوم بالإطلاق بعد صدق الاستطاعة عليه عرفا. نعم، لو لم تصدق الاستطاعة عرفا، أو شك العرف في صدقها، فتصل النوبة إلى الأصل حينئذ. و يمكن اختلاف الصدق، و الشك، و عدم الصدق بحسب الموارد و الأشخاص الخصوصيات و بذلك يمكن جعل النزاع لفظيا.

(مسألة ۱۳): إذا لم يكن عنده من أعيان المستثنيات لكن كان عنده ما يمكن شراؤها به من النقود أو نحوها، ففي جواز شرائها و ترك الحج إشكال. بل الأقوى عدم جوازه (109)، ألا أن يكون عدمها موجبا للحرج عليه، فالمدار في ذلك هو الحرج و عدمه، و حينئذ فإن كانت موجودة عنده لا يجب بيعها إلا مع عدم الحاجة، و إن لم تكن موجودة لا يجوز شراؤها إلا مع لزوم الحرج في تركه. و لو كانت موجودة و باعها بقصد التبديل بآخر لم يجب صرف ثمنها في‏ الحج، فحكم ثمنها حكمها، و لو باعها لا بقصد التبديل (110) وجب بعد البيع- صرف ثمنها في الحج، إلا مع الضرورة إليها على حدّ الحرج في عدمها.

هذه المسألة و ما بعدها من صغريات الأهمّ و المهمّ و لا نصّ، و لا إجماع في المسألة و إن كان فيها أقوال متشتتة مع كون أصل الدليل واحد فلو كان شراء تلك الأعيان في هذه المسألة، و التزويج في المسألة التالية أهمّ بحيث ينطبق الحرج على تركه لا يكون مستطيعا، و مع عدم الحرج يستطيع و يجب عليه الحج، و لا وجه للتطويل بأزيد من ذلك، و تشخيص الحرج ليس بنظر الفقيه، بل هو شخصيّ موكول إلى نفس المكلف و هو على نفسه بصيرة. فتارة: يصدق الحرج في ترك اشترائها وجدانا بحيث يكون في معيشته محتاجا إلى الاشتراء إليها فلا استطاعة حينئذ، لأنّها إنّما تلحظ بعد ما يحتاج إليه في معيشته لا أن تكون في عرضه. و أخرى: لا يصدق و يجب الحج عليه حينئذ. و ثالثة: يشك في الصدق و عدمه و المرجع عموم وجوب الحج، لأنّ المخصص إن كان منفصلا و مرددا بين الأقلّ و الأكثر يكون حجة في المتيقن، و في غيره إلى العموم و لا يضرّ ذلك بحجية العام.

لا أثر للقصد و عدمه، بل المناط كله الضرورة و الحرج من ترك الشراء، فمعه لا يجب الحج قصد التبديل أم لا و مع عدمه وجب الحج قصد التبديل أم لا.

(مسألة ۱٤): إذا كان عنده مقدار ما يكفيه للحج، و نازعته نفسه إلى النكاح، صرّح جماعة بواجب الحج (111) و تقديمه على التزويج، بل قال بعضهم: و إن شق عليه ترك التزويج و الأقوى- وفاقا لجماعة أخرى- عدم وجوبه، مع كون ترك التزويج حرجا عليه، أو موجبا لحدوث مرض، أو للوقوع في الزنا و نحوه (112). نعم، لو كانت عنده زوجة واجبة النفقة و لم يكن له حاجة فيها، لا يجب أن يطلقها و صرف مقدار نفقتها في تتميم مصرف الحج، لعدم صدق الاستطاعة عرفا (113).

منهم المحقق في الشرائع و لا دليل لهم يصح الاعتماد عليه. و العجب أنّ بعضهم جعلوا المسألة من الدوران بين وجوب الحج و استحباب التزويج، فقدّموا الحج من هذه الجهة، و الظاهر أنّ هذا مما لا ينبغي النزاع لأحد في تقديم الحج حينئذ من الأصاغر فضلا عن الأكابر، فالمدار كله على الحرج و عدمه. و تجري الصور الثلاثة التي تعرضنا لها في المسألة السابقة هنا أيضا.

لأنّ العذر الشرعيّ كالعقليّ فلا يكون مستطيعا مع هذا العذر الشرعيّ و يأتي في [مسألة ٦۳] أنّه يعتبر في وجوب الحج أن لا يكون مستلزما لترك واجب أهمّ، أو ارتكاب محرّم.

إلا إذا كانت مطالبة للطلاق خصوصا إذا كان الطلاق خلعيا و بذلت العوض.

(مسألة ۱٥): إذا لم يكن عنده ما يحج به، و لكن كان له دين على‏ شخص بمقدار مئونته أو بما تتم به مئونته، فاللازم اقتضاؤه (11٤) و صرفه في الحج إذا كان الدّين حالا، و كان المديون باذلا، لصدق الاستطاعة حينئذ، و كذا إذا كان مماطلا و أمكن إجباره بإعانة متسلّط، أو كان منكرا و أمكن إثباته عند الحاكم الشرعي و أخذه بلا كلفة و حرج. بل و كذا إذا توقف استيفاؤه على الرجوع إلى حاكم الجور- بناء على ما هو الأقوى من جواز الرجوع إليه مع توقف استيفاء الحق عليه- لأنّه حينئذ يكون واجبا بعد صدق الاستطاعة، لكونه مقدمة للواجب المطلق، و كذا لو كان الدّين مؤجلا، و كان المديون باذلا قبل الأجل لو طالبه. و منع صاحب الجواهر الوجوب حينئذ، بدعوى: عدم صدق الاستطاعة محلّ منع، و أما لو كان المديون معسرا أو مماطلا لا يمكن إجباره، أو منكرا للدين و لم يمكن إثباته، أو كان الترافع مستلزما للحرج أو كان الدّين مؤجلا مع عدم كون المديون باذلا. فلا يجب، بل الظاهر عدم‏ الوجوب لو لم يكن واثقا ببذله مع المطالبة (115).

الصور المتصورة خمسة:

الأول: عدم وجود المال بقدر الاستطاعة و التمكن من تحصيله و لا ريب في عدم وجوب الحج، لأنّه من تحصيل الاستطاعة و ذلك غير واجب.

الثاني: وجوده بقدرها مع وجود المانع عن التصرف فيه و إمكان إزالة المانع بما هو المتعارف من غير حرج و مشقة و منّة، و لا ريب في أنّه مستطيع يجب عليه الحج، لصدق الاستطاعة عرفا.

الثالث: وجوده بقدرها مع وجود مانع عن التصرف و عدم التمكن عن إزالة المانع عقلا، أو شرعا، أو عرفا. و المنساق من ظواهر الأدلة عدم الاستطاعة، لأنّ مثل هذا المانع عذر يعذره اللّه تعالى، فيشمله قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثمَّ دفع ذلك و ليس له شغل يعذره‏ به، فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»٥۳ و لا فرق بين أنحاء العذر و مراتبها مع صدق عنوان العذر عرفا.

الرابع: أن يشك في أنّه من أيّ القسمين، فيجب الحج للعمومات و الإطلاقات، لأنّ المخصص المنفصل إذا تردد بين الأقلّ و الأكثر لا يضرّ بالتمسك بالعام في غير متيقن التخصيص و هو الأقلّ.

الخامس: أن يشك في أنّه من الاستطاعة الفعلية، أو من القدرة على تحصيل الاستطاعة، و مقتضى الأصل عدم وجوب الحج، لعدم صحة التمسك بالأدلة لوجوبه، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك. نعم، قد يجب الفحص كما يأتي.

و منه يعلم أنّ نزاع الفقهاء في المقام صغرويّ. فإنّ الدّين المؤجل تارة: يكون على شخص يكون في طلبه من المديون منه على الدّائن و لو بأدنى مرتبة من المنة فلا تتحقق الاستطاعة معها. و أخرى: يكون بين صديقين بحيث لو اطلع المديون على أنّ الدّائن يريد الحج لا عطاه دينه فورا و يوبخه على ترك المطالبة، و لا يحكم العرف في مثله بعدم تحقق الاستطاعة، و مجرّد ثبوت حق للمديون على التأخير مع بنائه على الإرفاق كما هو المفروض لا يوجب عدم صدق الاستطاعة، فيكون مراد صاحب الجواهر (رحمه اللّه) بالمنع عن الاستطاعة الصورة الأولى و هو متفق عليه بين الجميع.

و مراد من قال بتحققها في الصورة الثانية و هو أيضا متفق عليه بينهم فيصير النزاع.

لفظيا.

و أما توهم: أنّ في قبول دين غير الحال منه و لا يجب على المالك قبولها- كما في قبول الهبة- فلا يجب الحج في الصورة الثانية أيضا (مدفوع) لأنّه خلاف الفرض، مع أنّ القياس مع الفارق، لأنّ الملك في الهبة لا يحصل إلا بالقبض بخلاف الدّين فإنّ الملك فيه حاصل للدائن.

كل ذلك لعدم صدق الاستطاعة أو الشك في تحققها، فلا موضوع للوجوب حينئذ في جميع المذكورات و إن وجب الفحص في بعض الموارد.

(مسألة ۱٦): لا يجب الاقتراض للحج إذا لم يكن له مال و إن كان قادرا على وفائه بعد ذلك بسهولة (116)، لأنّه تحصيل للاستطاعة، و هو غير واجب (117). نعم، لو كان له مال غائب لا يمكن صرفه في الحج فعلا، أو مال حاضر لا راغب في شرائه، أو دين مؤجل لا يكون المديون باذلا له قبل الأجل و أمكنه الاستقراض و الصرف في الحج ثمَّ وفاؤه بعد ذلك فالظاهر وجوبه (118) لصدق الاستطاعة حينئذ عرفا، إلا إذا لم يكن واثقا بوصول الغائب أو حصول الدّين بعد ذلك، فحينئذ لا يجب الاستقراض، لعدم صدق الاستطاعة في هذه الصورة.

أما عدم وجوب الاقتراض، فلظواهر الأدلة، و إجماع الإمامية بل المسلمين. و أما الأداء بالسهولة، فله مراتب كثيرة منها إذا جرت عادة الصديقين أو الشريكين على أخذ ما يحتاج إليه من النقود من مال صديقه أو شريكه بلا توجه و التفات من صاحب المال ثمَّ أداؤه دفعة أو تدريجا بلا تعرض من صاحب المال لذلك بوجه و هو يطمئن و يثق من نفسه بالأداء، فالظاهر صدق الاستطاعة حينئذ إلا أن يقال: بأنّه خلاف المنصرف منها عند العرف، و يكفي الشك في تحقق الاستطاعة في عدم وجوب الحج عليه كما مر.

لإجماع الإمامية بل المسلمين كما مرّ.

إن كان ذلك متعارفا له في سائر حوائجه- كما إذا كانا شريكين صديقين بحيث يأخذ كل منهما من مال الآخر لحوائجه متى شاء و أراد و يضعه متى تمكن منه من دون تعرض لصاحب المال لذلك أصلا- بحيث يصدق أنّه قادر على المال فعلا و يلام على ترك الحج لو ترك من هذه الجهة فلا إشكال في صدق الاستطاعة حينئذ.

و أما مع عدم كونه كذلك، فالشك في تحققه يكفي في عدم الوجوب.

و أما توهم: أنّه يعتبر في الاستطاعة الملك، و القدرة، و إمكان الاستعانة به على الحج، لقوله (عليه السلام) في تفسيرها: «له زاد و راحلة»٥4 و قوله (عليه السلام):

«إذا قدر الرجل على ما يحج به»٥٥ و قوله (عليه السلام): «عنده ما يحج به»٥٦ أو غيره. فهو فاسد، لأنّه من التطويل فيما لا يلزم التطويل فيه، بل المناط كله صدق الاستطاعة عرفا و لو لم يكن مالكا لشي‏ء- كما في الحج البذلي، و كما يأتي في [مسألة ۲۹] فمع صدقها يجب، و مع عدم الصدق أو الشك فيه لا يجب. و المسألة عرفية لا أن تكون نظرية فقهية.

(مسألة ۱۷): إذا كان عنده ما يكفيه للحج، و كان عليه دين، ففي كونه مانعا عن وجوب الحج مطلقا- سواء كان حالا مطالبا به أم لا، أو كونه مؤجلا- أو عدم كونه مانعا إلا مع الحلول و المطالبة، أو كونه مانعا إلّا مع التأجيل أو الحلول مع عدم المطالبة، أو كونه مانعا إلا مع التأجيل وسعة الأجل للحج و العود أقوال؟ و الأقوى كونه مانعا، إلا مع التأجيل و الوثوق بالتمكن من أداء الدّين إذا صرف ما عنده في الحج و ذلك لعدم صدق الاستطاعة في غير هذه الصورة (119)، و هي المناط في الوجوب، لا مجرّد كونه مالكا للمال و جواز التصرف فيه بأيّ وجه أراد، و عدم المطالبة في صورة الحلول أو الرّضا بالتأخير لا ينفع في صدق الاستطاعة. نعم، لا يبعد الصدق إذا كان واثقا بالتمكن من الأداء، مع فعلية الرضا بالتأخير من الدائن، و الأخبار الدالة على جواز الحج‏ لمن عليه دين (120) لا تنفع في الوجوب، و في كونه حجة الإسلام (121) و أما صحيح معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام): «عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: نعم، إنّ حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين».و خبر عبد الرحمن عنه (عليه السلام) أنّه قال: «الحج واجب على الرجل و إن كان عليه دين». فمحمولان على الصورة التي ذكرنا (122) أو على من استقر عليه الحج سابقا و إن كان لا يخلو من إشكال (123)، كما سيظهر فالأولى الحمل الأول (12٤). و أما ما يظهر من صاحب المستند (125) من أنّ كلا من أداء الدّين و الحج واجب- فاللازم- بعد عدم الترجيح- التخيير بينهما في صورة الحلول مع المطالبة، أو التأجيل مع عدم سعة الأجل للذهاب و العود، و تقديم الحج في صورة الحلول مع الرضا بالتأخير، أو التأجيل مع سعة الأجل للحج و العود و لو مع عدم الوثوق بالتمكن من أداء الدّين بعد ذلك، حيث لا يجب المبادرة إلى الأداء فيهما فيبقى وجوب الحج بلا مزاحم. ففيه: أنّه لا وجه للتخيير في الصورتين الأوليين، و لا لتعيين تقديم الحج في الأخيرتين بعد كون الوجوب- تخييرا أو تعيينا- مشروطا بالاستطاعة، الغير الصادقة في المقام خصوصا مع المطالبة و عدم الرضا بالتأخير. مع أنّ التخيير فرع كون الواجبين مطلقين و في عرض واحد، و المفروض أنّ وجوب أداء الدّين مطلق، بخلاف وجوب الحج فإنّه مشروط بالاستطاعة الشرعية (126). نعم، لو استقر عليه وجوب الحج سابقا فالظاهر التخيير لأنّهما حينئذ في عرض واحد (127) و إن كان يحتمل تقديم الدّين إذا كان حالا مع المطالبة أو مع عدم‏ الرضا بالتأخير لأهمية حق الناس من حق اللّه لكنّه ممنوع، و لذا لو فرض كونهما عليه بعد الموت يوزع المال عليهما و لا يقدّم دين الناس و يحتمل تقديم الأسبق منهما في الوجوب، لكنه أيضا لا وجه له كما لا يخفى (129).

لما تقدم في [مسألة ۹] من أنّ الاستطاعة إنّما تتحقق بعد استثناء الضروريات المحتاج إليها، و أداء الدّين من أهمّ ما يحتاج إليه، فتلحظ الاستطاعة بعد استثنائه. نعم، مع وثوقه بالأداء، كوثوقه بحصول سائر مئونة التي يحتاج إليها تصدق الاستطاعة عرفا، فيكون المقام مثل اعتبار الرجوع عن كفاية. و يأتي في [مسألة ٥۷] أنّه يكفي الاطمئنان المتعارف في تحققه و حصوله.

ثمَّ لا وجه لنقل الأقوال مع عدم صحة الاستناد إليها خصوصا في كتاب أعدّ للفتوى لا الاستدلال، و النقض و الإبرام. و القول الأول للشرائع، و الثاني للمدارك، و الثالث يرجع إلى الثاني فلا وجه لعدّه مستقلا، و الرابع لكشف اللثام. و الكل مخدوش، لما مرّ مرارا من أنّ المناط على صدق الاستطاعة عرفا و عدمه و هو يختلف باختلاف الخصوصيات و الأشخاص. و يمكن أن يكون النزاع لفظيا.

كصحيح ابن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) يكون، عليّ الدّين، فتقع في يدي الدّراهم فإن وزعتها بينهم لم يبق شي‏ء فأحج بها أو أوزعها بين الغرماء؟ فقال (عليه السلام): تحج بها، و ادع اللّه تعالى أن يقضي عنك دينك»٥۷ و مثله صحيح ابن العطار٥۸.

أما عدم دلالتهما على الوجوب، فلعدم قرينة عليه إلا أن يقال: «تحج بها» جملة خبرية وقعت موقع الإنشاء فتدل على الوجوب. و لكنه باطل، إذ لا قرينة في البين تدل على أنّها وردت في مورد الإنشاء، و على فرض كون محبوبية أصل الحج قرينة عليه، فيدل على مطلق الرجحان لا الوجوب. و أما عدم استفادة كونه حجة الإسلام فكذلك، إذ لا قرينة عليه من حال أو مقال، مع أنّه لا بد من تقييده بعدم كون الدّين حالا و الدائن مطالبا.

مع أنّها موهونة بإعراض المشهور عن إطلاقها، فلا وجه للتمسك بها.

لانسباق الحكم الأولي الثابت لذات الحج منها لا ما ثبت بالنسبة إلى عوارضه من الاستقرار و نحوه.

بل الأولى طرحها رأسا، لوهنها بالإعراض.

قد وقع الخلط في كلام صاحب المستند بين التعارض و التزاحم في الدليلين العرضيين أي: كونهما في عرض واحد و الدليلين الطوليين أي: كون أحدهما مقدّما على الآخر لحكومة أو نحوها. و المقام من الثاني لا الأول، لحكومة استثناء ما يحتاج إليه الشخص عرفا و شرعا على دليل الاستطاعة حكومة عرفية شرعية و قد أثبتنا في كتابنا «تهذيب الأصول» أنّه لا تعارض بين دليلي الحاكم و المحكوم. و في المستند، و العوائد من هذا القسم من الاستدلالات كثير «قدس اللّه سرهما و رفع مقامهما في الدرجات العالية».

لا وجه للتقييد بالشرعية، لأنّ أداء الدّين من الحوائج العرفية المقدم على الاستطاعة مطلقا.

لما اشتهر من تقديم حق الناس على حق اللّه تعالى عند الدوران و لكنه لم يثبت أصله و لا كليته، و ما ورد من: «أنّ الذنوب ثلاثة: ذنب يغفر، و ذنب لا يغفر و ذنب لا يترك، فالذي يغفر ظلم الإنسان نفسه، و الذي لا يغفر ظلم الإنسان ربّه و الذي لا يترك ظلم الإنسان غيره»٥۹ لا يصلح للاستدلال به، إذ لا يستفاد منه أهمية حق الناس من حق اللّه تعالى، مع أنّ جميع الذنوب تكون ظلما للّه تعالى، و كيف لا يكون الظلم على اللّه تعالى ظلما على النفس، و كذا الظلم على الغير. فكل ظلم متعلقه الأولي هو النفس أولا و بالذات و إن كان متعلقه الخارجي هو الغير.

و يمكن أن يختص ظلم الإنسان ربه بخصوص الشرك فقط، لإطلاق قوله تعالى‏ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ*٦۰ هذا، مع أنّ ظهور اتفاقهم على التوزيع بعد الموت يكشف عن عدم الأهمية لحق الناس و إلا وجب تقديمه على غيره بعده أيضا.

و ما يقال: من أنّه بعد الموت يتعلق بالعين و حيث لا ترجيح فيتعيّن التوزيع بخلاف زمان الحياة فإنّه في الذمة فتلاحظ الأهمية لا محالة (مخدوش): بأنّه من مجرّد الدعوى بلا دليل عليه، لأنّه مع ثبوت الأهمية لا فرق بينه و بين زمان الحياة و بعد الموت و التعلق بالعين أو بالذمة. نعم، بناء اللّه جلّ جلاله على التفضل، و الغفران، و عدم المؤاخذة. و بناء الناس على المؤاخذة خصوصا بعض النفوس، و ما ورد: «أنّ اللّه تعالى لا يترك ظلم العباد بعضهم لبعض حتى يرضى المظلوم»٦۱ لا يصلح للاستدلال به كما في جملة من الأخبار: «إنّ اللّه تعالى يرضى المؤمنين بعضهم عن بعض في يوم القيامة»٦۲ فراجع الأخبار الكثيرة فالكل يرجع بالتالي إلى اللّه تعالى فإنّ بيده الغفران مباشرة أو تسبيبا.

لأنّه لا دليل من عقل، أو نقل على الترجيح بمجرد الأسبقية ما لم يكن مرجح في البين من جهات أخرى.

(مسألة ۱۸): لا فرق- في كون الدّين مانعا من وجوب الحج- بين أن يكون سابقا على حصول المال بقدر الاستطاعة أولا (130)، كما إذا استطاع للحج. ثمَّ عرض عليه دين، بأن أتلف مال الغير- مثلا- على وجه الضمان من دون تعمد، قبل خروج الرفقة، أو بعده قبل أن يخرج هو، أو بعد خروجه قبل الشروع في الأعمال فحاله حال تلف المال من دون دين، فإنّه يكشف عن عدم كونه مستطيعا (13۱).

لأنّ أداء الدّين من الحوائج الضرورية و قد تقدم أنّ الاستطاعة إنّما تلحظ بعدها، و لا فرق في الحوائج الضرورية بين ما حصلت قبل وصول المال إلى حدّ الاستطاعة أو بعده إذا انطبق الحرج على كل منهما كما إذا احتاج إلى صرف ماله بعد الاستطاعة للمعالجة فلا موضوع للاستطاعة حينئذ مع الاحتياج إلى صرف المال فيها، و هكذا في سائر الحوائج العرفية التي يقع في الحرج بعدم صرف ماله فيها.

و الوجه في ذلك كله حكومة ما دل على قضاء الحوائج المتعارفة شرعية كانت أو عرفية على الاستطاعة فتلحظ الاستطاعة بعد جميع ذلك مطلقا.

(مسألة ۱۹): إذا كان عليه خمس أو زكاة، و كان عنده مقدار ما يكفيه للحج لولاهما، فحالهما حال الدّين مع المطالبة لأنّ المستحقين لهما مطالبون فيجب صرفه فيهما و لا يكون مستطيعا، و إن كان الحج مستقرا عليه سابقا تجي‏ء الوجوه المذكورة: من التخيير، أو تقديم حق الناس (13۲)، أو تقديم الأسبق. هذا إذا كان الخمس أو الزكاة في ذمته، و أما إذا كانا في عين ماله فلا إشكال في تقديمهما على الحج (13۳)، سواء كان مستقرا عليه أم لا، كما أنّهما يقدمان على ديون الناس أيضا (13٤). و لو حصلت الاستطاعة و الدّين و الخمس و الزكاة معا (13٥) فكما لو سبق الدّين.

و تقدّم ما يتعلق به، و للحاكم الشرعي مع اقتضاء المصلحة و تحقق سائر الجهات أن يؤخر أخذه عنه حتى يحج ثمَّ يأخذه منه تدريجا مع الاستيثاق من كل جهة.

لتعلقها بالعين بخلاف الحج فإنّه متعلق بالذمة فقط. هذا مع استقرار الحج. و أما مع عدمه فوجوب أدائهما مانع عن تحقق الاستطاعة رأسا.

لا وجه لحصول الدّين و الاستطاعة معا، لما مرّ من أنّ الدّين يمنع عن حصولها و إنّما تلحظ الاستطاعة بعد أداء الدّين.

أي: في صورة ما إذا كانا في عين ماله، لما مرّ من تعلقها بالعين و تعلق الدّين بالذمة فقط.

(مسألة ۲۰): إذا كان عليه دين مؤجل بأجل طويل جدّا كما بعد خمسين سنة- فالظاهر عدم منعه (136) عن الاستطاعة، و كذا إذا كان الديان مسامحا في أصله، كما في مهور نساء أهل الهند، فإنّهم يجعلون المهر ما لا يقدر الزوج على أدائه- كمائة ألف روبية، أو خمسين ألف- لإظهار الجلالة، و ليسوا مقيدين بالإعطاء و الأخذ، فمثل ذلك لا يمنع من الاستطاعة و وجوب الحج كالدّين ممن بناؤه على الإبراء، إذا لم يتمكن المديون من الأداء، أو واعده بالإبراء بعد ذلك (137).

لعدم ترتب آثار الدّين الفعلي بالنسبة إليه عرفا.

مع الوثوق و الاطمئنان المتعارف بالوفاء بوعده.

(مسألة ۲۱): إذا شك في مقدار ماله و أنّه وصل إلى حدّ الاستطاعة أو لا هل يجب عليه الفحص أم لا؟ وجهان، أحوطهما ذلك (138) و كذا إذا علم‏ مقداره و شك في مقدار مصرف الحج، و أنّه يكفيه أولا.

لوجوب الفحص في كل ما كان معرضا عرفيا للوقوع في خلاف الواقع و قد أفتى (رحمه اللّه) بوجوب الفحص في (فصل غسل الجنابة) في ما إذا شك في الخارج أنّه منّي أو لا، مع أنّه من الشبهة الموضوعية. و نسب إلى المشهور وجوب الفحص عند الشك في تحقق النصاب في الزكاة، و دل عليه خبر زيد الصائغ‏٦۳ و قد مرّ في [مسألة ۳] من زكاة النقدين. و مورد السؤال و إن كان هو الزكاة و لكن يمكن استفادة التعميم من حكم الإمام (عليه السلام) بمناسبة الحكم و الموضوع في كل مقام. و المناط كله المعرضية العرفية القريبة في الشبهة للوقوع في خلاف الواقع إلا في مثل الطهارة الخبثية، لبناء الشارع فيها على التسهيل و التيسير، و الا فيما دل الدليل على عدم لزوم الفحص فيه. و المناط في وجوب الفحص في الأحكام ذلك أيضا. و ما اشتهر من أنّه لا يجب الفحص في الشبهات الموضوعية إن كان من الإجماع المعتبر يصح الاعتماد عليه و إلا فلا اعتبار به. و كونه من الإجماع المعتبر أول الدعوى.

(مسألة ۲۲): لو كان بيده مقدار نفقة الذهاب و الإياب و كان له مال غائب لو كان باقيا يكفيه في رواج أمره بعده العود، لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه، فالظاهر وجوب الحج بهذا الذي بيده، استصحابا لبقاء الغائب (139) فهو كما لو شك في أنّ أمواله الحاضرة تبقى إلى ما بعد العود أم لا فلا يعد من الأصل المثبت (140).

لإطلاق أدلة اعتبار الاستصحاب الشامل لكل ما إذا ترتب الأثر الشرعيّ على المستصحب سواء كان بالنسبة إلى ما مضى أو ما يأتي. نعم، لا بد له من حصول الوثوق و الاطمئنان باستيلائه على المال بعد العود و لو لم يحصل لا وجه للاستصحاب، لأنّ مجرّد البقاء من حيث هو لا أثر له. و لعل نظر من أشكل في الاستصحاب إلى هذه الصورة.

فيترتب الأثر الشرعيّ عليه و هو وجوب الحج عليه بلا واسطة فلا يكون مثبتا. نعم، لو كان المراد إثبات نفس البقاء من حيث هو يكون مثبتا و لكن لا وجه له أصلا مع إمكان إرادة إثبات الوجوب.

(مسألة ۲۳): إذا حصل عنده مقدار ما يكفيه للحج، يجوز له قبل أن يتمكن من المسير- أن يتصرّف فيه (141) بما يخرجه عن الاستطاعة، و أما بعد التمكن منه فلا يجوز و إن كان قبل خروج الرفقة، و لو تصرف بما يخرجه عنها بقيت ذمته مشغولة به، و الظاهر صحة التصرف- مثل الهبة، و العتق- و إن كان فعل حراما لأنّ النهي متعلق بأمر خارج (142). نعم، لو كان قصده في ذلك‏ التصرف الفرار من الحج لا لغرض شرعيّ، أمكن أن يقال بعدم الصحة (143). و الظاهر أنّ المناط في عدم جواز التصرف المخرج هو التمكن في تلك السنة (1٤٤)، فلو لم يتمكن فيها، و لكن يتمكن في السنة الأخرى لم يمنع عن جواز التصرف، فلا يجب إبقاء المال إلى العام القابل إذا كان له مانع في هذه السنة، فليس حاله حال من يكون بلده بعيدا عن مكة بمسافة سنتين.

المناط كله في جواز التفويت و عدمه حصول اليأس العرفي من المسير و عدم حصوله، فمع حصول اليأس المتعارف عنه يجوز، و مع عدمه لا يجوز، و مع الشك يأتي حكمه و ذلك مما يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص و الأزمنة، و الأمكنة، و ليس تشخيصه من وظيفة الفقيه، و كل ما ذكره الفقهاء طريق إلى ذلك لا أن يكون له موضوعية خاصة، إذ لا دليل على ما ذكروه، إذ لا نصّ و لا إجماع في المسألة فلا بد و أن تطابق مع القاعدة و هي: قاعدة «قبح تعجيز المكلف نفسه عما يتعلق به التكليف» و هي من القواعد العقلائية في الجملة فيما إذا احتمل التكليف احتمالا عقلائيا. و منشأ قبحه أنّ التعجيز نحو استخفاف و هتك بشأن المولى، و إذا ثبت القبح العقلي تثبت الحرمة الشرعية، و كل ما صدق التعجيز يحرم، و كل ما لم يصدق فلا حرمة، و في مورد الشك يكون جريان البراءة و عدمه مبنيا على جريانها في مورد الشك في القدرة. و قد ذكرنا في الأصول و بعض المسائل السابقة ما يتعلق به فراجع و يمكن أن يفصّل في الشك بحسب مراتب احتمال السير شدة و ضعفا.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ ذكر وقت الحج و القافلة و نحوهما من التعبيرات في الكلمات مثال لمطلق التمكن من المسير و ليس محدودا بحدّ خاص و وقت مخصوص، لعدم الدليل عليه من نص أو إجماع معتبر، و المدار في ذلك كله عرف المتشرعة و أهل خبرة هذه الأمور و لا وجه لنقل الكلمات و التعرض لها، لأنّ كلها اجتهادات من الفقهاء (رحمهم اللّه) بحسب أنظارهم و المناسبات المرتكزة في أذهانهم الشريفة. و مما ذكرناه يظهر أنّ ما أطال به بعض ليس في محله إذ لا موضوع للتطويل بعد بيان أصل القاعدة.

المعروف أنّ تعلق النهي بالداخل و الخارج له فرق في العبادات فيقتضي الفساد في الأول دون الأخير، و الأول كقوله (عليه السلام): «لا تصلّ في الحرير»٦4 و الثاني كقوله تعالى‏ إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ‏٦٥ و أما في غير العبادات فالنهي فيها لا يقتضي الفساد مطلقا إلا إذا كان إرشادا إليه سواء تعلق بالسبب أم بالمسبب أو بالعوضين، فيفسد إن كان المنهي إرشادا إلى‏ الفساد، و أما إذا لم يكن إرشادا إليه بل كان من مجرّد التكليف فقط فلا فساد و إن أثم من حيث مخالفة التكليف، و يمكن أن يكون مراده (رحمه اللّه) بتعلق النهي بأمر خارج يعني أنّه ليس إرشادا إلى الفساد.

لا وجه لعدم الصحة حتى بناء على هذا القصد أيضا إذ لا يخرج النهي به عن كونه تكليفا و لا يصير بذلك إرشادا إلى الفساد، كما لا يؤثر هذا القصد في تحريم المقدمية، لحرمتها في المقدمات التوليدية مع العلم بترتب الحرام قصد التوصل بها إليه أو لا، و لا تحرم في غيرها قصد التوصل أو لا فراجع ما ذكرناه في كتابنا الأصول.

الأقسام ثلاثة- فتارة: يكون صرف وجود الاستطاعة أينما تحققت منشأ لوجوب الحج و حفظ المال، و عدم جواز التعجيز. و على هذا لا فرق بين الحج الذي في سنته الاستطاعة و مسافة قليلة و فيما يستغرق مسافة سنين لفرض أنّ صرف وجودها منشأ لوجوبه.

و أخرى: تكون الاستطاعة الحاصلة في زمان خاص موجبة لوجوبه و هي التي ترى المتشرعة تفويتها تفويتا و تعجيزا للتكليف بالحج.

و ثالثة: يشك في أنّه من أيّ القسمين؟ و مقتضى سيرة المتشرعة قديما و حديثا و المتيقن من الأدلة هو الثانية و الأولى مورد البراءة، إذا المسألة من صغريات الأقلّ‏ و الأكثر لتعين الثانية و الشك في الأولى. و منه يعلم حكم صورة الشك أيضا، لأنّ المرجع فيها البراءة عن غير ما هو المعلوم. و نحن قد جعلنا المدار على صدق التمكن و عدمه و عليه أيضا لا فرق بين التمكن في هذه السنة أو سنة أخرى بعد صدق التمكن عند متعارف أهل خبرة هذه الأمور.

(مسألة ۲٤): إذا كان له مال غائب بمقدار الاستطاعة- وحده، أو منضما إلى ماله الحاضر- و تمكن من التصرف في ذلك المال الغائب، يكون‏ مستطيعا (145) و يجب عليه الحج و إن لم يكن متمكنا من التصرف فيه و لو بتوكيل من يبيعه هناك- فلا يكون مستطيعا (146) إلا بعد التمكن منه أو الوصول في يده (147). و على هذا، فلو تلف في الصورة الأولى بقي وجوب الحج (148) مستقرا عليه، و إن كان التمكن في حال تحقق سائر الشرائط، و لو تلف في الصورة الثانية لم يستقر (149)، و كذا إذا مات مورثه و هو في بلد آخر، و تمكن من التصرف في حصته أو لم يتمكن، فإنّه على الأول يكون مستطيعا، بخلافه على الثاني.

المرجع في صدق الاستطاعة و عدمها و صدق التمكن من التصرف في هذه المسألة حكم العرف، فإن صدق ذلك بنظر المتعارف يجب الحج، و مع عدمه لا يجب، و مع الشك فالأحوط الفحص. و أما دليل اعتبار التمكن من التصرف فهو مضافا إلى الإجماع ظواهر النصوص الواردة في بيان الاستطاعة، و تدل عليه المرتكزات العرفية أيضا.

من جهة عدم التمكن من التصرف في ماله و هو شرط الاستطاعة و مع فقد الشرط لا وجه لوجود المشروط.

لفرض عدم صدق التمكن من التصرف إلا بذلك.

فيما إذا كان مقصرا، و أما مع عدمه فلا وجوب للحج، لعدم الاستطاعة حينئذ كما مرّ.

إذا لم يكن مقصّرا و إلا فيستقر كما هو واضح.

(مسألة ۲٥): إذا وصل ماله إلى حدّ الاستطاعة، لكنه كان جاهلا به أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه ثمَّ تذكر بعد أن تلف ذلك المال، فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه (150) إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده، و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة في غاية الأمر: أنّه معذور في ترك ما وجب عليه (151). و حينئذ فإذا مات- قبل التلف أو بعده- وجب الاستيجار عنه إذا كانت له تركة بمقداره، و كذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره- بهبة أو صلح- ثمَّ علم بعد ذلك أنّه بقدر الاستطاعة. فلا وجه لما ذكره المحقق القمّي في أجوبة مسائله: من عدم الوجوب، لأنّه لجهله لم يصر موردا، و بعد النقل و التذكر ليس عنده ما يكفيه، فلم يستقر عليه، لأنّ عدم التمكن- من جهة الجهل و الغفلة- لا ينافي الوجوب الواقعيّ، و القدرة التي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي، و هي موجودة، و العلم شرط في التنجز لا في أصل التكليف (152).

لأنّ المدار في تحقق الشرط على الواقع و العلم و الإحراز طريق إليه كما في جميع الأحكام و موضوعاتها و شرائطها.

إن لم يكن مقصّرا و إلا فهو معاقب بناء على أنّ الجاهل المقصّر معاقب و يجب عليه الحج إن صدق التفويت.

و إن كان مراده (قدّس سرّه) التمسك بإطلاق قوله (عليه السلام): «من ترك الحج و لم يكن له شغل يعذره اللّه به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»٦٦ ففيه أنّ المراد بالعذر العذر الواقعيّ لا العذر الاعتقادي، و المقام من الثاني لا الأول.

(مسألة ۲٦): إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحج ندبا، فإن قصد امتثال الأمر المتعلق به فعلا، و تخيّل أنّه الأمر الندبيّ أجزأ عن حجة الإسلام، لأنّه حينئذ من باب الاشتباه في التطبيق (153) و إن قصد الأمر الندبيّ على وجه التقييد لم يجز عنها (15٤) و إن كان حجه صحيحا (155)، و كذا الحال إذا علم باستطاعة ثمَّ غفل عن ذلك، و أما لو علم بذلك و تخيل عدم فوريتها فقصد الأمر الندبيّ فلا يجزئ، لأنّه يرجع إلى التقييد (156).

تقدم في [مسألة ۹] من اشتراط البلوغ و يأتي في [مسألة ۱۰۹] ما ينفع‏ المقام. إن قيل: كيف مع أنّه لم يقصد المأمور به و لا بد من قصده، لتقوّمه بالقصد.

قلت: يكفي القصد الإجماليّ بالنسبة إليه و المفروض تحققه.

إن رجع إلى قصد عدم الحج لو كان في الواقع واجبا و لم نقل بالانقلاب القهري إلى الواجب فلا ريب في عدم الإجزاء عن الواجب حينئذ. و أما لو كان التقييد بالندب من باب التقييد العرفي غير المنافي لقصد ذات الحج في الجملة أيضا فيجزي عن حجة الإسلام، لوجود المقتضي و فقد المانع، و كذا لو قلنا بالانقلاب القهري إلى الواجب فلا ريب في عدم الإجزاء عن الواجب حينئذ و أما لو كان التقييد بالندب من باب التقييد العرفي غير المنافي لقصد ذات الحج في الجملة أيضا فيجزي عن حجة الإسلام، لوجود المقتضي و فقد المانع، و كذا لو قلنا بالانقلاب القهري و يأتي ما ينفع المقام في بعض المسائل الآتية.

يأتي- في [مسألة ۱۰۹]- أنّ من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه و حج تطوعا أو نيابة الإشكال في صحة الحج و الاحتياط الوجوبي منه (رحمه اللّه) في الترك.

و المقام متحد معها بحسب القاعدة.

إلا أن يقال: إنّ مقتضى القاعدة الصحة في المسألتين و خرجت المسألة الآتية لظهور إجماعهم على البطلان فيها و لا إجماع في المقام عليه.

تقدم أنّه يمكن القول بالصحة حتى مع التقييد.

(مسألة ۲۷): هل تكفي في الاستطاعة الملكية المتزلزلة للزاد و للراحلة و غيرهما كما إذا صالحه شخص ما يكفيه للحج بشرط الخيار له إلى مدّة معينة أو باعه محاباة ذلك؟- وجهان أقواهما العدم، لأنّهما في معرض الزوال (157)، إلا إذا كان واثقا بأنّه لا يفسخ (158). و كذا لو وهبه و أقبضه إذا لم يكن رحما، فإنّه ما دامت العين موجودة له الرجوع، و يمكن أن يقال بالوجوب هنا، حيث إنّ له التصرف في الموهوب، فتلزم الهبة (159).

لأنّ المنساق من الأدلة بحسب الأذهان العرفية تمكن صرف المال فعلا و الاستيلاء عليه بحسب المتعارف بلا احتمال ضمان و تدارك، بحسب القواعد المعتبرة الشرعية و هذا غير متحقق في الملك المتزلزل و إن كان مقتضى أصالة عدم الفسخ ثبوت الاستطاعة ظاهرا، و لكن ظهور الأدلة فيما ذكرناه مقدّم عليها كما هو واضح.

بحيث يصدق عرفا أنّه مستطيع فعلا و مسلّط على التصرف في المال كيفما شاء بلا ضمان و تدارك عليه. و هذا مما يختلف بحسب الأشخاص، و مراتب الوثوق و الاطمئنان و مع ذلك كله لو فسخ بعد ذلك يكشف عن عدم الاستطاعة، كما أنّه لو لم يفسخ يكشف ذلك عن تحققها واقعا و لكنه كان معذورا في ترك الفورية هذا بالنسبة إلى المفسوخ عليه.

و أما بالنسبة إلى الفاسخ، فهو من الشك في الاستطاعة وجب عليه الفحص عن حاله في أنّه هل يفسخ أو لا، بل الأحوط الفحص و السؤال على المفسوخ عليه أيضا.

إن لم يكن ذلك بقصد تحصيل الاستطاعة و إلا فلا يجب، لما مرّ من عدم وجوب تحصيلها.

(مسألة ۲۸): يشترط في وجوب الحج- بعد حصول الزاد و الراحلة- بقاء المال إلى تمام الأعمال (160)، فلو تلف بعد ذلك- و لو في أثناء الطريق- كشف عن عدم الاستطاعة (161)، و كذا لو حصل عليه دين قهرا عليه، كما إذا تلف مال غيره خطأ و أما لو أتلفه عمدا، فالظاهر كونه كإتلاف الزاد و الراحلة عمدا في عدم زوال استقرار الحج (162).

لأنّه المنساق من الأدلة عرفا، و المرتكز في أذهان المتشرعة في هذا العمل المتقوّم بصرف المال حدوثا و بقاء.

لقاعدة انعدام المشروط بانعدام شرطه بعد كون الاستطاعة شرطا حدوثا و بقاء.

أما في حصول الدّين قهرا فلا ريب في عدم صدق تفويت الاستطاعة.  أنّه لا إشكال في صدق التفويت في صورة التعمد لأنّ التعمد إلى السبب تعمد إلى المسبب.

(مسألة ۲۹): إذا تلف- بعد تمام الأعمال- مئونة عوده إلى وطنه، أو تلف ما به الكفاية من ماله في وطنه- بناء على اعتبار الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة- فهل يكفيه عن حجة الإسلام أو لا؟ وجهان، لا يبعد الإجزاء (163) و يقرّبه ما ورد (16٤) من أنّ من مات بعد الإحرام و دخول الحرام أجزأه عن حجة كما الإسلام، بل يمكن أن يقال بذلك إذا تلف في أثناء الحج أيضا (165).

لبناء الشارع على التسهيل و التيسير في تكاليفه خصوصا في الحج مع معرضية نفقات الحجاج للضياع و التلف- خصوصا في الأزمنة القديمة- و عدم التعرض في النصوص لهذا الأمر العام البلوى بيانا من المعصوم (عليه السلام) و سؤالا من الرواة عنه (عليهم السلام) فيكشف ذلك عن مسلمية الإجزاء بحيث كان مفروغا عنه لديهم و قد قطع بالإجزاء جمع منهم صاحب المدارك.

بدعوى: أنّه إذا أجزأ مع تلف ذات المكلف حينئذ فمع بقاء الذات و تلف بعض الصفات و إتيان بقية الأعمال يكون الإجزاء بالأولى. و هذا تقريب إجماليّ لا كلية له حتى يرد عليه ما في بعض الشروح و الحواشي.

ثمَّ إنّ الأقسام كثيرة:

الأول: ذهاب أصل الاستطاعة قبل الشروع في الإحرام.

الثاني: ذهابها في أثناء الأعمال، و ظاهرهم عدم الإجزاء في القسمين.

الثالث: ذهاب مئونة الرجوع الى الوطن في أثناء الأعمال.

الرابع: ذهابها قبل الشروع في الأعمال.

الخامس: ذهابها بعد تمام الأعمال.

السادس: ذهاب ما به الكفاية قبل الشروع في الأعمال.

السابع: ذهابه بعد الشروع فيه.

الثامن: بعد الفراغ من الأعمال، و كذا بالنسبة إلى مئونة العيال كما يأتي في‏ [مسألة ٥٦] و مقتضى ما ذكرناه هو الإجزاء في جميع هذه الأقسام.

إن قيل: نعم، لو لا قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

(يقال): ظهور بناء الشارع على التسهيل و التيسير في هذا العمل حاكم على القاعدة.

لعموم التسهيل و التيسير، وسعة رحمة اللّه على عبده الضعيف الفقير الذي أمّ بيته و فقدت نفقته.

(مسألة ۳۰): الظاهر عدم اعتبار الملكية (166) في الزاد و الراحلة، فلو حصلا بالإباحة اللازمة كفى في الوجوب، لصدق الاستطاعة، و يؤيده‏ الأخبار الواردة في البذل فلو شرط أحد المتعاملين على الآخر في ضمن عقد لازم أن يكون له التصرف في ماله بما يعادل مائة ليرة مثلا، وجب عليه الحج و يكون كما لو كان مالكا له.

لإطلاق قوله (عليه السلام): «إذا كان عنده ما يحج به»٦۷. و قوله (عليه السلام): «يجد ما يحج به»٦۸، و قوله (عليه السلام): «إذا قدر الرجل على ما يحج به»٦۹.

و أما مثل قوله (عليه السلام) في تفسير الاستطاعة: «بأن يكون له زاد و راحلة»۷۰ فلا يستفاد منه أزيد من الاختصاص و هو متحقق في الإباحة أيضا.

و لا يرد النقض بالمباحات الشرعية- كالاصطياد، و الاحتطاب، و أخذ المعدن مع أنّه لا وجه للوجوب فيها إذ نقول بالوجوب فيها أيضا لو لم يكن من تحصيل الاستطاعة عرفا كما إذا كان قادرا على أخذ مقدار منه بدون أيّ مئونة.

ثمَّ إنّه لا تعتبر في الإباحة أن تكون لازمة كما قيده (رحمه اللّه) بها، بل تكفي الإباحة العرفية لازمة كانت أم لا، بحيث يذم عند الناس على ترك القبول و عدم الصرف في حوائجه المتعارفة.

و بالجملة: سفر الحج كسائر الحوائج المتعارفة يجري فيه جميع ما يجري فيها بلا فرق.

(مسألة ۳۱): لو أوصى له بما يكفيه للحج فالظاهر وجوب الحج عليه بعد موت الموصي خصوصا إذا لم يعتبر القبول في ملكية الموصى له (167) و قلنا بملكيته ما لم يرد فإنّه ليس له الرد حينئذ.

إن كانت الوصية من الإيقاع كما قرّبناه في محلّه من أنّ الرد مانع لا أن يكون القبول شرطا، فلا ريب في تحقق الملكية و لو لم يقبل و إن كانت من العقود كما نسب إلى المشهور، فإن عدّ القبول من تحصيل الاستطاعة فلا يجب و إلا وجب و الظاهر اختلاف ذلك بحسب الموارد و الأشخاص. و مع الشك لا بد من التأمل و الفحص، لأنّه من الشك في الاستطاعة، و تقدم وجوب الاحتياط فيه.

(مسألة ۳۲): إذا نذر- قبل حصول الاستطاعة- أن يزور الحسين (عليه السلام) في كل عرفة، ثمَّ حصلت لم يجب عليه الحج (168). بل و كذا لو نذر إن جاء مسافرة أن يعطي الفقير كذا مقدارا، فحصل له ما يكفيه لأحدهما، بعد حصول المعلّق عليه، بل و كذا إذا نذر- قبل حصول الاستطاعة- أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلا في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك، فإنّ هذا كلّه مانع عن تعلق وجوب الحج به. و كذا إذا كان عليه واجب مطلق فوريّ قبل حصول الاستطاعة، و لم يمكن الجمع بينه و بين الحج ثمَ‏ حصلت الاستطاعة، و إن لم يكن ذلك الواجب أهمّ (169) من الحج، لأنّ العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب (170). و أما لو حصلت الاستطاعة أولا ثمَّ حصل واجب فوريّ آخر لا يمكن الجمع بينه و بين الحج، يكون من باب المزاحمة، فيقدم الأهمّ منهما (171)، فلو كان مثل إنقاذ الغريق قدم على الحج‏ و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب الحج فيه و إلا فلا (172). إلا أن يكون الحج قد استقر عليه سابقا، فإنّه يجب عليه و لو متسكعا.

البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل العملي. و أخرى: بحسب الأدلة العامة. و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة. و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم وجوب الحج بعد الشك في أنّ هذا النحو من الاستطاعة المالية يوجب وجوبه أم لا، بعد الفحص في الأدلة و عدم استفادة شي‏ء منها.

و أما الثاني: فالتمسك بعمومات وجوب الحج تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، للشك في تحقق الاستطاعة مع مثل هذا النذر الذي يكون الوفاء به مذهبا لموضوع الاستطاعة، فيبقى استصحاب وجوب الوفاء به مقتضيا للوجوب بلا مزاحم و معارض بعد عدم جواز التمسك بعموم وجوب الوفاء، لأنّه أيضا من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

و أما الثالث: فقد يظهر منهم التسالم على عدم وجوب حجة الإسلام فيما لو نذر حجا غير حجة الإسلام ثمَّ استطاع، و الظاهر كون نذر الحج من باب المثال فيشمل نذر زيارة الحسين (عليه السلام) أيضا و سائر النذور المنافية لحجة الإسلام مع إطلاق صحيح الحلبي: «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثمَّ دفع ذلك و ليس له شغل يعذره اللّه تعالى فيه فقد ترك فريضة من فرائض الإسلام»۷۱ و النذر عذر شرعيّ، فيصلح للمانعية.

و أما الأخير: فعن بعض تقديم حجة الإسلام، و عن آخرين عدم تحقق الاستطاعة و لزوم الوفاء بالنذر و النزاع بينهم صغرويّ، لأنّ من يقول بتقديم حجة الإسلام يثبت أهميته من وجوب الوفاء بالنذر، و من يذهب إلى لزوم الوفاء بالنذر يثبت أهمية الوفاء به من حجة الإسلام هذا.

و يمكن دفع المناقشة في التمسك بالعمومات بأنّه يصير من التمسك بها في الشبهة المصداقية إن ثبت أهمية وجوب الوفاء بالنذر من وجوب الحج، أو كان احتماله احتمالا معتنى به في الجملة.

و أما إن كان من مجرّد الاحتمال البدوي فهو لا يوجب عدم جواز التمسك بالدليل و إلا لسقط الاستدلال بجملة من العمومات، و لا منشأ لاحتمال الأهمية في وجوب الوفاء بالنذر الّا سبق وجوده على الاستطاعة، و السبق الوجوديّ لا يوجب تأكد الملاك و لا اشتداد الوجوب و تنظير الأسبق وجودا في الأحكام الشرعية على العلل‏ العقلية التكوينية حيث لا يبقى مع العلة الأولى مجال للعلة المتأخرة التي تكون من سنخ الأولى لا وجه له لا من العقل و لا من النقل، إذ الأحكام الشرعية من الاعتباريات التي تقبل التغيير بالوجوه و الاعتبار مع عدم ابتناء الشرعيات على العقليات.

و أما تنظير المقام بما إذا آجر نفسه أولا بالإجارة الخاصة مباشرة ثمَّ استطاع فإنّه لا يجب عليه الحج فهو فاسد، لأهمية وجوب العمل بالإجارة، لأنّه اجتمع فيه حق اللّه و حق الناس، و مع إحراز الأهمية لا إشكال فيه من أحد. بل يمكن إثبات أهمية الحج، لكثرة ما ورد فيه من التأكيدات الأكيدة كتابا و سنة و أنّه ركن الإسلام و مما بني عليه، و لم يرد مثل ذلك بل ثلثها في وجوب الوفاء بالنذر، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا.

نعم، لو ثبت أنّ كل وجوب سابق و لو كان أضعف من اللاحق يزيل موضوع اللاحق فلا تتحقق الاستطاعة حينئذ و لكنه من مجرّد الدعوى بلا دليل. و أما دعوى الاتفاق على أنّ من نذر الحج ثمَّ استطاع لا يجب عليه حجة الإسلام فهو على فرض اعتباره المتيقن منه مورده فقط، مع أنّ كونه من الإجماع المعتبر أول الدعوى، لأنّ المسألة معنونة في كتب متأخري المتأخرين فراجع المطولات.

و أما صحيح الحلبي فهو أيضا فيما إذا أحرزت الأهمية و مع عدم إحرازها لا وجه للتمسك به، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، فالإطلاقات الدالة على كثرة الاهتمام بحجة الإسلام لا مانع من التمسك بها من غير فرق بين كون المقام من المتزاحمين الذين لا بد من وجود الملاك في كل منهما، أو المانع و الممنوع اللذين يرجعان إلى التعارض الذي لا ملاك إلا في أحدهما إذ التقديم في كل منهما يحتاج إلى ترجيح إما في الملاك- كما في المتزاحمين- أو في جهة من الجهات في الجملة كما في المانع و الممنوع، و المتعارضين و هما موجودان في الحج، و كذا الكلام في الأمثلة التي يذكرها (رحمه اللّه) فيما بعد.

بل لا بد من كونه أهمّ كما تقدم و لا يظنّ منهم (رحمهم اللّه) الالتزام بتقديم أضعف مراتب الوجوب السابق على وجوب الحج بعد الاستطاعة اللاحقة مع كونه من أركان الدّين.

إن قيل: نعم، إنّما هو من أركان الدّين و له أهمية كبرى مع ثبوته، و أما مع الشك فيه فلا موضوع للأهمية (يقال): إحراز أهميته من طرق ثبوته سواء كان المقام من المتزاحمين أم المتعارضين و إن كان من الأول فالعلم بأهمية الملاك أيضا من طرق إحراز الثبوت.

ثمَّ إنّ اصطلاحات ذكرناها في كتابنا (تهذيب الأصول):

منها: المتزاحمان و هو ما إذا كان الحكمان تامان ملاكا و خطابا من كل جهة و لكن المكلّف لا يقدر على الجمع بينهما.

و منها: المتعارضان و هو ما إذا لم يكن في البين إلا حكم واحد ثبوتا و لكن في مرحلة الإثبات ورد دليلان واجدان لشرائط الحجة فلا بد حينئذ من إعمال المرجحات، و مع التساوي بينهما فالتخيير.

و منها: المانع و الممنوع و يعبّر عنه بالمتواردين أيضا و هو ما إذا كان أحد الحكمين مقيدا بعدم الآخر كتقييد وجوب الحج بأن لا يكون في البين واجب فعليّ منجز أهمّ منه، و زعم أنّ المقام من هذا القبيل و مما ذكرناه ظهر أنّه لا وجه لهذا الزعم.

مع ثبوت أهمية و إلا فتقديم أضعف مرتبة من الوجوب على أقوى المراتب لا يقول به أحد عند الدوران.

قد ظهر مما تقدم أنّه لا بد من ملاحظة الأهمية مطلقا سواء كان حصول‏ الواجب قبل الاستطاعة أم بعدها، لأنّ ما يكون مانعا عن البقاء يكون مانعا عن الحدوث أيضا، فإن كان في مرحلة البقاء من التزاحم ففي الحدوث يكون كذلك فلا وجه للتفكيك بينهما.

لأنّه مع كون الواجب الآخر أهمّ لا يكون مستطيعا في هذه السنة من جهة المزاحمة بالأهمّ. نعم، مع عدم أهمية ذلك الواجب يكون مستطيعا و يجب عليه و إن لم يحج وجب الحج في السنة اللاحقة و لو زالت الاستطاعة.

(مسألة ۳۳): النذر المعلق على أمر قسمان (173)، تارة يكون التعليق على وجه الشرطية، كما إذا قال: «إن جاء مسافري فللّه عليّ أن أزور الحسين (عليه السلام) في عرفة» و تارة: يكون على النحو الواجب المعلّق، كأن يقول: «للّه عليّ أن أزور الحسين (عليه السلام) في عرفة عند مجي‏ء مسافري». فعلى الأول يجب الحج إذا حصلت الاستطاعة قبل مجي‏ء مسافرة، و على الثاني لا يجب، فيكون حكمه حكم النذر المنجز، في أنّه لو حصلت الاستطاعة و كان العمل بالنذر منافيا لها لم يجب الحج سواء حصل المعلق عليه قبلها أم بعدها، و كذا لو حصلا معا لا يجب الحج، من دون فرق بين الصورتين و السر في ذلك أنّ‏ وجوب الحج مشروط و النذر مطلق، فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة (17٤).

خلاصة الكلام: أنّ تعليق الإنشاء من حيث هو إنشاء محال، إذ لا تعليق في الإيجاديات بما هو إيجاد، بل إما أن يوجد أو لا، و لا يتصور أن يوجد معلقا، لأنّه خلف. نعم، يصح تعليق المنشأ عرفا و عقلا، و هو إما أن يكون ذات العمل الخارجيّ من حيث إنّه عمل خارجيّ و يعبّر عنه بالمعلق، و إما أن يكون فعلية الوجوب من حيث هو وجوب و اعتبار في حد نفسه.

و بعبارة أخرى: الإنشاء بمعنى اسم المصدر لا من حيث هو إنشاء و قائم بالمنشإ أي: بمعنى المصدر و يعبّر عنه بالواجب المشروط و قد حققنا في كتابنا تهذيب‏ الأصول إمكان كل من القسمين و وقوعهما خارجا و عدم المانع عنهما ثبوتا. و قد ظهر مما تقدم أنّ في هذه المسألة أيضا يقدم الحج على الوفاء بالنذر، لكونه من أركان الدّين بخلاف النذر، فيكون الحج أهم منه كما مرّ، فراجع.

بناء على أنّ مطلق الوجوب يمنع عن الاستطاعة. و أما بناء على أنّه لا يمنع ما لم يكن أهمّ فلا وجه للمنع عنه، لما تقدم من أهمية الحج.

الحج البذلي‏ و هو: واجب فوريّ كحجة الإسلام، بالأدلة الثلاثة فمن الكتاب إطلاق آية الاستطاعة۷۲، و من الإجماع محصّلة و منقولة، و من السنة نصوص كثيرة منها صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في تفسير آية الاستطاعة- «قلت: فمن عرض عليه الحج فاستحيا قال؟ (عليه السلام): هو ممن يستطيع الحج»۷۳.

و مثله خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام)- كما في التذكرة- «قلت له:

رجل عرض عليه الحج فاستحيى أ هو ممن يستطيع الحج؟ قال (عليه السلام):

نعم».

و تدل عليه العمومات و الإطلاقات أيضا، لأنّ المراد بالاستطاعة كما مرّ التمكن المتعارف من المسير و هو يحصل بالبذل كما يحصل بغيره و تقدم في [مسألة ۲۹] عدم اعتبار الملكية فراجع. و لا بد في الحج البذلي أن لا يكون حرجيا و مخالفا لشأنه.

فما يظهر من الأخبار الدالة على وجوبه و لو على حمار أجدع أبتر۷4 لا بد من رد علمه إلى أهله، لإعراض المشهور عنها و منافاتها للحرج المنفيّ. و يمكن حمل مثل هذه الأخبار على الترغيب إلى الحج و أن لا يكلف المبذول له الباذل بل يقنع باليسير، فإنّ أهمية المقصد لائقة بأن يتحمل في دركه المشاق و المتاعب ما لم يصل إلى حدّ الحرج.

(مسألة ۳٤): إذا لم يكن له زاد و راحلة، و لكن قيل له: «حج و عليّ‏ «نفقتك و نفقة عيالك» (175) وجب عليه، و كذا لو قال: حج بهذا المال و كان كافيا له (176) ذهابا و إيابا و لعياله، فتحصل الاستطاعة ببذل النفقة كما تحصل بملكها (177) من غير فرق بين أن يبيحها له أو يملّكها إيّاه (178)، و لا بين أن يبذل عينها أو ثمنها، و لا بين أن يكون البذل واجبا عليه- بنذر أو يمين أو نحوهما، أو لا (179)، و لا بين كون الباذل موثوقا به أو لا على الأقوى، و القول‏ بالاختصاص بصورة التمليك ضعيف، كالقول بالاختصاص بما إذا وجب عليه، أو بأحد الأمرين (180): من التمليك أو الوجوب. و كذا القول بالاختصاص بما إذا كان موثوقا به (181)، كل ذلك لصدق الاستطاعة، و إطلاق المستفيضة من الأخبار، و لو كان له بعض النفقة فبذل له البقية وجب أيضا (182)، و لو بذل له نفقة الذهاب فقط و لم يكن عنده نفقة العود لم يجب (183)، و كذا لو يبذل نفقة عياله (18٤). إلا إذا كان عنده ما يكفيهم إلى أن يعود، أو كان لا يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا (185).

لظهور الإجماع على اعتبار نفقة العيال في الحج البذل أيضا، و يأتي اعتباره في الحج الأصلي في [مسألة ٥٦] مع فروع تنفع للمقام فراجع. و يمكن أن يقال بأصالة المساواة بين الاستطاعتين إلا ما خرج بالدليل.

و كذا لو اعتقد كفايته على ما يأتي من التفصيل في [مسألة ٤۹].

لإطلاق الأدلة الشاملة لكل منهما.

لما تقدم من عدم اعتبار الملكية في الاستطاعة و يكفي القدرة الفعلية و هي تحصل بالبذل و لو كان بنحو الإباحة. و ما في بعض الأخبار الواردة- في تفسير الاستطاعة- بأن يكون له زاد و راحلة لا يراد بكلمة «اللام» الملكية بقرينة غيره، بل المراد التمكن الفعلي من الذهاب و الإياب و هو حاصل بالإباحة أيضا.

ثمَّ إنّ الملكية في مورد البذل تحصل بإيجاب من الباذل و قبول المبذول له سواء كان ذلك قوليا أم فعليا، بل يمكن أن يستفاد من إطلاق الأدلة كفاية إنشاء التمليك من الباذل و لو لم يقبل المبذول له.

كل ذلك لإطلاق الأدلة الشامل لجميع ذلك.

نسب القول الأول إلى ابن إدريس. و الثاني إلى تذكرة العلامة. و الأخير إلى جمع. و عن المسالك الاختصاص ببذل عين الزاد و الراحلة دون أثمانها. و الكل تقييد للإطلاق من غير دليل معتبر عليه.

كون الباذل موثوقا به تارة: يراد به كونه موثوقا به في نفسه من كل جهة.

و أخرى: من جهة خصوص البذل فقط و لو لم يكن موثوقا به من سائر الجهات، و مقتضى المرتكزات و السيرة العقلائية في مثل هذه الأمور و المنساق من أدلة البذل كفاية الوثوق من الجهة الثانية و إن لم يكن موثوقا به من سائر الجهات، فليس لنفس القول من حيث هو موضوعية خاصة بل المناط كله صدق البذل عرفا، و لا يصدق ذلك بحسب المتعارف إلا مع الاطمئنان العرفي به فلا يثبت الوجوب لا بالنسبة إلى الحكم الواقعي و لا الظاهري، فالاطمئنان بالوفاء مأخوذ في موضوع هذا الحكم.

نعم، مع الشك لا بد من الفحص، لأنّه من الشك في الاستطاعة و قد لزم الفحص فيه، و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فمن لا يعتبر الوثوق أي:

من كل جهة و من يعتبره أي من جهة خاصة. و الظاهر كون ذلك متفقا عليه بينهم إذ لا يعتبر العرف و العقلاء الأثر على من لا يعتنى بأقواله و أفعاله.

لتحقق الاستطاعة عرفا، إذ لا فرق بين التمام و الإتمام في القدرة على الحج و التمكن منه، و يشمله إطلاق أدلة المقام.

لعدم تحقق الاستطاعة، و عدم شمول أخبار البذل، لأنّ المنساق منها نفقة الحج و هي عبارة عن نفقة الذهاب و الإياب، و كل ما يكون مورد الاحتياج في هذا السفر عرفا.

التمكن من نفقة العيال معتبر في أصل الاستطاعة فمن تمكن من نفقة الحج و مع الذهاب إليه لا يقدر على نفقة عياله ليس بمستطيع كما يأتي في [مسألة ٥٦]، و أخبار البذل منزلة على ذلك أيضا، و يكفي الأصل في عدم الوجوب مع عدم التمكن من نفقة العيال بالذهاب إلى الحج بعد الشك في شمول إطلاق أخبار البذل لمثله، مع أنّ نفقة العيال واجبة مع التمكن منها و أهمّ من وجوب الحج و لا بد في وجوب الحج مطلقا بذليا كان أو غيره أن لا يكون مستلزما لترك واجب أهمّ.

أما في الصورة الأولى، فلأنّ البذل حينئذ يصير من الإتمام لا التمام و تقدم وجوبه بالأول كالثاني. و أما في الصورة الأخيرة، فلإطلاق أدلة البذل من غير مانع إذ لا يجب عليه الإنفاق بعد تمكنه منه فلا يكون الحج منافيا لترك واجب فعلي، و المفروض أنّ البذل إنّما هو لجهة خاصة و هو الحج و لا يكون مطلقا حتى يجب قبول المبذول و صرفه في الإنفاق الأهمّ من الحج.

هذا إذا كان المراد بالعيال خصوص واجب النفقة. و يحتمل إرادة العيال العرفيّ أيضا إذا عدّ الإنفاق عليهم من المؤنة تنزيلا للحج البذلي منزلة الحج الأصلي في هذه الجهة كما هو المنساق من إطلاق أدلته، كما أنّه يحتمل عدم الوجوب فيما إذا لم يتمكن من نفقتهم مع ترك الحج أيضا. و قد قواه بعض مشايخنا، لعدم صدق الاستطاعة عرفا، مقتضى الأصل عدم الوجوب بعد عدم كون أدلة البذل في مقام بيان هذه الجهات حتى يتمسك بإطلاقه، و يقتضيه أصالة المساواة بين الحج البذلي و الحج الأصلي.

(مسألة ۳٥): لا يمنع الدّين من الوجوب في الاستطاعة البذلية (186). نعم، لو كان حالا، و كان الدّيان مطالبا. مع فرض تمكنه من أدائه لو لم يحج‏ و لو تدريجا، ففي كونه مانعا أو لا وجهان (187).

أرسل ذلك إرسال المسلمات فراجع المطولات، و يقتضيه إطلاق أدلة البذل و بذلك يخرج عن أصالة المساواة بين الاستطاعتين.

وجه عدم المنع الجمود على إطلاق الأدلة و الكلمات. و وجه المنع الأصل بعد عدم إحراز كون الإطلاق متعرضا لهذه الجهة أيضا مع أنّ وجوب أداء الدّين مع التمكن منه واجب فوريّ و تقدم في [مسألة ۱٦] أنّه مانع عن الحج. و لعل المتشرعة أيضا يستنكرون الذهاب إلى الحج مع التمكن من أداء الدّين لو لم يذهب إليه،.

و طريق الاحتياط للدائن التسامح و الرضا و الاستيثاق منه حتى يذهب و يرجع و يؤدي دينه.

(مسألة ۳٦): لا يشترط الرجوع إلى كفاية في الاستطاعة البذلية (188).

للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و لأنّ اعتباره في الحج الأصليّ إنّما هو لأجل الحرج فإنّه إن كان عنده الرجوع عن كفاية و توقف الحج على صرفه فيه فهو حرج، و إن لم يكن عنده ذلك و توقف الحج على صرف ما عنده من المال في الحج ثمَّ بعد الرجوع يكون في المشقة فهو حرج أيضا و كل منهما منفيان في المقام، لفرض أنّ نفقة الحج ليس من نفسه حتى يلزم المحذور، فهو في حرج على أيّ حال إن لم تكن له كفاية الرجوع حج أو لم يحج.

(مسألة ۳۷): إذا وهبه ما يكفيه للحج لأن يحج وجب عليه القبول على الأقوى، بل و كذا لو وهبه و خيّره بين أن يحج به أو لا (189). أما لو وهبه و لم يذكر الحج و لا تعينا و لا تخييرا، فالظاهر عدم وجوب القبول، كما عن المشهور (190).

كل ذلك لإطلاق أدلة المقام، و صدق عرض الحج عليه عرفا، و لكن يعتبر أن لا يكون في القبول مهانة و نحوها مما يأبى المتعارف عن القبول. و من يمنع عن الوجوب فإن أراد صورة المنة و نحوها يكون النزاع بيننا و بينه لفظيا، و إن أراد صورة وجود المقتضي و فقد المانع من كل جهة، فظهور الإطلاق شاهد على خلافه إلا أنه يدعي الانصراف إلى هذه الصورة و هو أيضا لا وجه له كما لا يخفى.

علل ذلك بأنّه نوع من الاكتساب و هو غير واجب في الحج، و باشتماله على المنة. و الأول مردود بإطلاق أدلة المقام. و الثاني بأنّه لا كلية فيه. و يختلف‏ باختلاف الموارد و الأشخاص. فيكون النزاع صغرويا.

(مسألة ۳۸): لو وقف شخص لمن يحج أو أوصى أو نذر كذلك- فبذل المتولّي- أو الوصيّ أو الناذر- له وجب عليه، لصدق الاستطاعة، بل لإطلاق الأخبار. و كذا لو أوصى له بما يكفيه للحج يشرط أن يحج، فإنّه يجب عليه بعد موت الموصي (19۱).

لصدق عرض الحج عليه عرفا سواء كانت الوصية على الجهة أم على الشخص، لشمول الإطلاق لكل منهما.

(مسألة ۳۹): لو أعطاه ما يكفيه للحج خمسا، أو زكاة و شرط عليه أن يحج به فالظاهر الصحة (19۲) و وجوب الحج عليه إذا كان فقيرا، أو كانت الزكاة من سهم سبيل اللّه.

أما صحة أصل الشرط فمبنيّ على ثبوت ولاية المالك عليه، و مقتضى الأصل عدمها و إن كان يمكن أن يستفاد من كثرة إرفاق الشارع بالملاك جوازها و كون ذلك من فروع أصل ولايته على الإخراج، فيندفع ما يتوهم تارة: من الشك في ثبوت ولاية المالك لذلك إن كان الشرط إنشاء محضا. و أخرى: بأنّه إن كان الشرط بمعنى التقييد للإعطاء فإنّه جزئيّ خارجيّ لا يقبل التقييد. فإنّه فاسد أيضا، لأنّه يصح تقيد الجزئيّ الخارجيّ بقيود فضلا عن قيد واحد، لأنّ القيد في معنى الوصف، فنقول: «جاء زيد العالم السيد ابن فلان» إلى غير ذلك من الأوصاف.

ثمَّ أنّه لا بد من ملاحظة الأهمّ و المهمّ في إعطاء الزكاة للحج سواء كانت من سهم الفقراء، أم من سهم سبيل اللّه.

و لو فرض لغوية الشرط يمكن القول بوجوب الحج عليه، لإطلاق أدلة عرض الحج عليه. هذا كله إذا كان من ناحية المالك بنفسه، و أما لو كان ذلك بعد مراجعة الحاكم الشرعي و أنّه رأى الصلاح فيه فلا إشكال حينئذ.

و أما الحج من الحقوق بلا شرط أو معه، فمبنيّ على جواز صرفها في غير الضروريات الشرعية و العرفية، و يمكن تقريب الجواز بأنّه أيضا كسائر المصارف‏ العرفية و الحوائج المتعارفة التي يصح صرف الحقوق فيها للمستحق و لكن الأحوط الاقتصار في المقام على سهم سبيل اللّه، كما أنّ الأحوط للمالك عدم الشرط. نعم، لا بأس به من سهم سبيل اللّه، لورود النص فيه، و قد تقدّم في كتاب الزكاة في بيان سهم سبيل اللّه [مسألة ۲۲]، و مسائل الختام ما ينفع المقام فراجع.

(مسألة ٤۰): الحج البذلي مجز عن حجة الإسلام، فلا يجب عليه إذا استطاع مالا بعد ذلك على الأقوى (193).

للنصوص، و الإجماع ففي صحيح ابن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال (عليه السلام) بل هي حجة تامة»۷٥، و يدل عليه أيضا قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن وهب: «هو ممن يستطيع الحج»۷٦ فيقال:

هذا ممن يستطيع الحج و كل من كان كذلك لا عن نيابة يجزيه الحج في العمر مرّة فهذا يجزيه الحج في العمر مرّة، و يدل عليه أيضا قوله (عليه السلام) في موثق ابن عبد الملك: «قضى عنه حجة الإسلام و تكون تامة، و ليست بناقصة و إن أيسر فليحج»۷۷، و مثله خبر أبي بصير فيقال: هذا قضى حجة الإسلام و كل من قضاها لا تجب عليه حجة مرّة أخرى فهذا كذلك، فيحمل ذيل موثق ابن عبد الملك، و أبي بصير، على الندب جمعا. هذا مع أنّ هجر الأصحاب عنهما أوهنهما، فلا وجه لما في الاستبصار- الذي لم يعد للفتوى- من الوجوب عليه مرّة أخرى إن أيسر، و يمكن حمل قوله (رحمه اللّه) على إرادة الندب فلا مخالف في المسألة.

(مسألة ٤۱): يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام (19٤) و في جواز رجوعه عنه‏ بعده (195) وجهان (196) و لو وهبه للحج فقبل فالظاهر جريان حكم الهبة عليه (197)، في جواز الرجوع قبل الإقباض و عدمه بعده إذا كانت لذي رحم، أو بعد تصرف الموهوب له.

لأصالة بقاء ولايته و سلطنته على ماله فله التصرف فيه كيفما شاء و أراد، و الظاهر عدم ضمان المبذول لما صرفه في مقدّمات الحج لقاعدة الغرور إن تحقق غرور.

البحث في هذه المسألة من جهات:

الأولى: في الحكم التكليفي للرجوع و عدمه. الثاني: في حكم إتمام الحج.

الثالث: ضمان المبذول له لما صرفه من مال الباذل، و ضمان الباذل لما يصرف المبذول له في مصارف الرجوع.

أما الأولى: و هي سيالة في الفقه و تقدم في [مسألة ۱۱] من (فصل مكروهات الدفن)، و [مسألة ۲۱] من (فصل مكان المصلّي)، و [مسألة ۲۹] من الاعتكاف إلى غير ذلك مما مرّ، و يأتي في هذا الكتاب. و كبرى المسألة أنّه إذا كان شي‏ء متدرج الوجود و كانت صحة هذا الشي‏ء متوقفة على إذن شخص و رضاه فهل يكفي إذنه في مجرّد حدوث هذا الشي‏ء و لا يحتاج بعد ذلك إلى إذنه، بل لا أثر لمنعه و نهيه، أو يعتبر إذنه حدوثا و بقاء فله المنع في مرحلة البقاء؟ و ليس في هذه المسألة السيالة نصّ و لا إجماع معتبر، بل المسألة نظرية اجتهادية تختلف فيها الآراء و الأنظار كما هو الشأن في جميع الفروع الاجتهادية. و القواعد التي يمكن أن يعوّل عليها في المقام و هي كثيرة:

الأولى: قاعدة السلطنة الدالة على أنّ صحة ذلك متوقفة على إذن المالك و رضاه حدوثا و بقاء و له السلطنة على ماله بأيّ نحو شاء ما لم ينه عنها الشرع و المفروض عدم ورود نهي من الشارع عن رجوعه عن إذنه، و مع رجوعه عن إذنه لا وجه للصحة من عقل أو نقل، فكل من يعتمد عليها لا بد له من أن يقول بالبطلان بعد الرجوع عن الإذن.

الثاني: قاعدة «الإقدام» يعني: أنّ المالك حيث إنه كان متوجها و لو في الجملة أنّ العمل متدرج الوجود و يستغرق مدّة من الزمان قليلة كانت أو كثيرة، فكأنّه بمجرد إذنه هتك ماله في مرحلة البقاء و أسقط رضاه عن الاعتبار، فللمتصرف حق عليه في الإتمام لا أن يكون له حق على المتصرف في النقض و كل من اعتمد عليها لا بد من القول بالصحة و لو مع نهي المالك.

و فيه: أنّ مجرّد الإذن في شي‏ء أتمّ من هذا النحو من الاقدام و لا يستفاد ذلك‏ منه بأيّ نحو من أنحاء الدلالات. فهذه القاعدة لا وجه لها في المقام.

الثالث: قاعدة «أنّ الإذن في الشي‏ء إذن في لوازمه» فإذا أذن في الحدوث فقد أذن في البقاء أيضا فلا أثر للرجوع بعد ذلك، و كل من اعتمد عليها لا بد له من القول بالصحة.

و فيه: أنّه لم تثبت هذه القاعدة بنحو الكلية بدليل عقليّ أو نقليّ: نعم، هي ثابتة في الجملة و بنحو الإهمال، و قاعدة السلطنة حاكمة عليها بلا إشكال.

الرابع: قاعدة: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»۷۸ فإبطال مثل الصلاة، أو الإحرام معصية فلا بد و أن لا يرتكبها المتلبس بهما لأجل طاعة المخلوق الذي هو المالك.

و فيه: أنّ المقام من البطلان، لقاعدة أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه لا الإبطال كما هو واضح.

الخامس: عدم جواز إبطال عمل الغير فلا يجوز للمالك الرجوع، لأنّه إبطال لعمل الغير.

و فيه: أنّها على فرض الصحة إنّما يكون فيما إذا لم يكن لمن يتعرض للإبطال حق في البين، و أما إذا كان له الحق لقاعدة السلطنة فلا، فقاعدة السلطنة حاكمة على هذه القاعدة على فرض ثبوتها.

السادس: قاعدة «إنّ حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد» و ظاهرهم التسالم على أنّه لو أذن المالك بالبناء و الغرس أو الزرع في ملكه ثمَّ رجع عن إذنه يلزم على المأذون إخلاء الأرض عما عمل فيه- على تفصيل يأتي في المعاملات.

و فيه: أنّه إن ثبت إجماع فهو معتبر في مورده دون المقام، و كذا ما لو قالوه من أنّه لو أذن في رهن ملكه ليس له الرجوع عن الإذن بعد وقوع الرهن لا يجزي ذلك في المقام أيضا، لأنّه يحصل بالرهن حق للمرتهن فرجوعه يكون تصرفا في حقّ الغير فلا سلطنة له عليه، و يمكن أن يقال في المقام أيضا: إنّه يحصل حق للّه تعالى في مثل‏ الصلاة و الإحرام فلا سلطنة له في إبطال هذا الحق.

السابع: قاعدة «الصحة» و استصحاب الوجوب على الباذل بعد الشك في شمول قاعدة السلطنة في المقام، و لها وجه خصوصا إن كان المالك في مقام الاقتراح بلا غرض عقلائيّ صحيح، فالأحوط الوجوبيّ للمالك عدم الرجوع بعد التلبس بالإحرام، مع استنكار المتشرعة للرجوع بلا فرق في ذلك بين كون البذل وعدا، أو إيقاعا، فالشك في ثبوت سلطنته و ولايته حينئذ يكفي في عدم جريانهما و جريان استصحاب الوجوب، مع أنّ مثل هذه الموارد يرى العرف، و كذا وجدان الباذل أنّ هذا الإقدام إنّما هو إقدام على إتمام العمل، إذ مجرّد الحدوث من حيث إنّه حدوث لا أثر له حتى يقدم العاقل عليه إلا أن يزاحمه شي‏ء أهمّ منه، فالرجوع بلا مزاحمة الأهم خلاف العرف و الوجدان.

و يمكن أن يستدل على وجوب الوفاء على الباذل حتى يتم العمل بإطلاق أدلة المقام الدال على وجوب الإتمام على المبذول فإنّه يدل بالملازمة العرفية على وجوب الوفاء و عدم الرجوع بالنسبة إلى الباذل أيضا، إذ ليس المراد بالوجوب مجرّد حدوث الحج فقط، بل الحج بمعنى اسم المصدر أي: العمل الخاص من أوله إلى آخره، و لا فرق فيه تمكن المبذول له من إتمام الحج من شخص آخر أم لا، لأنّ إطلاق ما دلّ على الوجوب يشمل الصورتين و العرف يرى الملازمة بين الوجوبين فيهما، فكما أنّه يجب على المستطيع صرف المال في إتمام الحج يجب على الباذل صرف المال في إتمام من أحجه، فعدم جواز الرجوع في المقام أوفق بالاعتبارات و المرتكزات.

و أما الرجوع في أثناء الصلاة إذا أذن المالك في الصلاة في ملكه ثمَّ رجع فيمكن أن يقال: إنّ عمدة الدليل على حرمة قطع الصلاة في سعة الوقت هو الإجماع و المتيقن منه غير هذه الصورة فلا موضوع للبحث عن عدم جوازه، كما أنّ عدم جواز رجوع الزوج بعد الإحرام فيما إذا أحرمت الزوجة بإذنه، و كذا الولد بالنسبة إلى الوالدين لأجل أهميّة إتمام الإحرام من مراعاة حقهما فلا مورد لمراعاة الحق حينئذ، إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»۷۹. و كذا في الرجوع في الاعتكاف الواجب و تأتي في‏ المعاملات جملة من الفروع المناسبة للمقام.

و أما الجهة الثانية و هي: حكم إتمام الحج فمقتضى الأدلة الدالة على أنّه لا يتحلّل من الإحرام إلا بما جعله الشارع محلّلا وجوب إتمام الإحرام إما متسكعا، أو في نفقة غيره بالأجرة أو نحو ذلك، و مع عدم التمكن من ذلك كله يجري عليه حكم المحصور. و أما إجزاء حجه عن حجة الإسلام فقد تقدم حكمه في [مسألة ۲۸] فراجع.

و أما الجهة الثالثة و هي: ضمان الباذل الراجع عن بذله لمصارف المبذول له حتى يرجع إلى محله فدليله منحصر بقاعدة الغرور، و الظاهر أنّه مطابق لمرتكزات المتشرعة أيضا و إن كان الأحوط التصالح و التراضي.

و منه يظهر عدم ضمان المبذول له للنفقات المصروفة بعد رجوع الباذل لكونه مغرورا من قلبه فلا ضمان بالنسبة إليه و إن كان الأحوط التراضي.

و أما توهم اختصاص قاعدة الغرور بخصوص الموارد التي ورد فيها النصّ فهو مخالف لسيرة الأصحاب بالعمل بها في كل باب، مع أنّها من القواعد النظامية العقلائية لا التعبدية حتى تختص بخصوص مورد النص، فالنص ورد على طبق القاعدة لا مخالفا لها.

ظهور مما تقدم أنّ مقتضى استصحاب الوجوب هو الوجه الثاني.

لعموم دليلها الشامل للمقام و غيره.

(مسألة ٤۲): إذا رجع الباذل في أثناء الطريق، ففي وجوب نفقة العود عليه أو لا وجهان (198).

تقدم أنّ مقتضى قاعدة الغرور الوجوب و معها لا تجري أصالة البراءة و الأحوط التراضي.

(مسألة ٤۳): إذا بذل لأحد اثنين أو ثلاثة فالظاهر الوجوب عليهم كفاية (199) فلو ترك الجميع استقر عليهم الحج فيجب على الكل، لصدق الاستطاعة بالنسبة إلى الكل (200) نظير ما إذا وجد المتيممون ماء يكفي لواحد منهم، فإن تيمّم الجميع يبطل.

بناء على شمول الأدلة لمثل هذا البذل أيضا، و عدم انصرافها عنه و إلا فلا موضوع للوجوب أصلا.

و لكن الظاهر الشمول لظهور الإطلاق كما في أصل حدوث الوجوب. فتكون كيفية الاستقرار تابعة لأصل الحدوث.

لا وجه لذلك بعد عدم كفاية المال إلا للواحد، فيكون الاستقرار على نحو الوجوب الكفائي أيضا، فلو حج واحد منهم كفى. و تقدم ما يتعلق بالتيمم في [مسألة ۲۲] من (فصل أحكام التيمم) فراجع.

(مسألة ٤٤): الظاهر أنّ ثمن الهدي على الباذل (201) و أما الكفارات فان أتى بموجبها عمدا اختيارا فعليه، و إن أتى بها اضطرارا أو مع الجهل أو النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره، ففي كونه عليه أو على الباذل وجهان (202).

لأنّه من مصارف الحج، و المراد ببذل الحج بذل مصارفه التي منها الهدي الذي يلحظ في الحج- خصوصا فيما إذا غلت الأثمان- و لا دليل على الانقلاب إلى الصوم بل مقتضى الأصل عدمه، نعم، لو قبل المبذول له الصوم بدلا عن الهدي يجب حينئذ، لشمول الإطلاق له على هذا.

أما كونها عليه في صورة العمد، فلاستناد السبب إليه شرعا و عرفا، فيكون المباشر حينئذ أقوى من السبب و يكون الباذل أجنبيا عنها مع العمد.

و أما مع الجهل و النسيان فيما لا فرق فيه بين العمد و غيره فالظاهر كونها على‏ الباذل، لأنها من لوازم الحج الغير المنوط بالاختيار حينئذ، و الاذن في الشي‏ء اذن في لوازمه الحج الغير المنوط بالاختيار حينئذ، و الاذن في الشي‏ء اذن في لوازمه الشرعية بحسب المتعارف، فبذل الحج بذل له بجميع تبعاتها الشرعية مع صحة الاستناد إلى بذل الحج و في صورة العمد لا يصح الاستناد إلى الباذل، بل يستند إلى الفاعل.

نعم، لو كان الجهل عن تقصير الفاعل بحيث يتوجه اللوم عرفا إليه يشكل حينئذ كونه على الباذل، لأنه في حكم العمد.

(مسألة ٤٥): إنّما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة (203)، فلو بذل للافاقي بحج القران أو الافراد أو العمرة مفردة (20٤) لا يجب عليه، و كذا لو بذل للمكي لحج التمتع لا يجب عليه، و لو بذل لمن حج حجة الإسلام لم يجب عليه ثانيا (205) و لو بذل لمن استقر عليه حجة الإسلام و صار معسرا وجب عليه (206) و لو كان عليه حجة النذر أو نحوه و لم يتمكن فبذل له باذل وجب عليه (207)، و إن قلنا بعدم الوجوب أو وهبه لا للحج لشمول الأخبار من حيث التعليل فيها. بأنه بالبذل صار مستطيعا. و لصدق الاستطاعة عرفا.

لظهور النصوص- كما تقدم- و الإجماع في ذلك و هو المنساق منهما عرفا.

اما حج القران، فلأنه غير مشروع للآفاقي. و أما العمرة المفردة، فعدم الوجوب مبني على عدم وجوبها على من تمكن منها فقط و نسب إلى المشهور عدم الوجوب حينئذ، و لكنه خلاف الاحتياط، و ظواهر بعض الإطلاقات و يأتي التفصيل في محله.

للأصل بعد كون الحج البذلي عين حجة الإسلام حسب الأدلة و هي لا تجب في العمر إلا مرة.

أي: وجوبا فعليا بعد تحقق أصل الوجوب و استقراره، لكنه لم يكن متمكنا من إتيانه، فيجب عليه الإتيان به فعلا، لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع و لا اختصاص لذلك ببذل المال، فلو كان مستطيعا من حيث المال و سائر الجهات، و لكن يكون في البين مانع لا يتمكن من ازالته و تعهد شخص بإزالته بلا منة و مهانة وجب عليه القبول.

لوجود المقتضى له و فقد المانع، فلا بد من الوجوب و لا ربط لما ذكره من التعليلين بالمقام، لأنها في مقام تشريع الوجوب و المقام من تفريغ الذمة عن الواجب المتحقق قبل ذلك، فيجب عليه تحصيل مقدمة الواجب المطلق.

(مسألة ٤٦): إذا قال له: «بذلت لك هذا المال مخيرا بين أن تحج به أو تزور الحسين (عليه السلام) وجب عليه الحج (208).

لصدق عرض الحج عليه عرفا، و تمكنه منه عرفا و قد مر في أول الكتاب من ان المراد بالاستطاعة التمكن العرفي و هو حاصل في المقام و قد مرّ في [مسألة ۲٦] بعض الكلام فراجع.

(مسألة ٤۷): لو بذل ما لا ليحج بقدر ما يكفيه، فسرق في أثناء الطريق سقط الوجوب (209).

لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و كذا الكلام في الاستطاعة الغير البذلية كما تقدم في [مسألة ۲۷].

(مسألة ٤۸): لو رجع على بذله في الأثناء، و كان في ذلك المكان يتمكن من أن يأتي ببقية الأعمال من مال نفسه أو حدث له مال بقدر كفايته، وجب عليه الإتمام، و أجزه عن حجة الإسلام (210).

لصدق الاستطاعة عرفا و لا يعتبر أن تكون من منزله، بل تكفي في الوجوب و إن كان من محله الفعلي أي محل كان و قد تقدم في [مسألة ٥] من مسائل الاستطاعة فراجع.

(مسألة ٤۹): لا فرق في الباذل بين أن يكون واحدا أو متعددا (211)، فلو قالا له: «حج و علينا نفقتك» وجب عليه.

لظهور الإطلاق و الاتفاق، و صدق الاستطاعة و لو بذل كل واحد تمام مصارف الحج يجب بالأول و يلغو البقية مع الترتب و يتخير المبذول له في‏ الأخذ من أيهما شاء كلا أو بعضا مع كونه عرضا.

(مسألة ٥۰): لو عين له مقدارا ليحج به، و اعتقد كفايته فبان عدمها، وجب عليه الإتمام في الصورة التي لا يجوز له الرجوع (212)، إلا إذا كان ذلك مقيدا بتقدير كفايته.

أي: يجب على الباذل الإتمام فيما لا يجوز له الرجوع فيه عن بذله، و ذلك لأن ظاهر البذل للحج هو الالتزام بتمام نفقة الحج إلا مع القرينة على الخلاف و المفروض عدمها. و منه يظهر حكم ما إذا كان مقيدا بالكفاية، فإن التقييد بها قرينة على عدم التزامه بالزائد و حينئذ فإن تمكن المبذول له من الإتمام من نفسه وجب عليه و الا فلا.

(مسألة ٥۱): إذا قال: «اقترض و حج و علي دينك» ففي وجوب ذلك عليه نظر، لعدم صدق الاستطاعة عرفا (213) نعم لو قال: «اقترض لي و حج به» وجب مع وجود المقرض كذلك.

الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص، فربما يصدق كما إذا كان بينهما صداقة بحيث يرجع كل منهما في حوائجه إلى الآخر و يكون المال بينهما سواء، و كذا قوله اقترض لي و حج به فإنه أيضا يختلف باختلاف الموارد و الأشخاص فالنزاع في المسألة صغروي لا أن يكون كبرويا.

(مسألة ٥۲): لو بذل له مالا ليحج به فتبين بعد الحج انه كان مغصوبا. ففي كفايته للمبذول له عن حجة الإسلام و عدمها وجهان: أقواهما العدم اما لو قال: «حج و علي نفقتك» ثمَّ بذل له مالا فبان كونه مغصوبا، فالظاهر صحة الحج و أجزأه عن حجة الإسلام (21٤)، لأنه استطاع بالبذل‏ و قرار الضمان على الباذل في الصورتين (215)، عالما كان بكونه مال الغير أو جاهلا (216).

بل الظاهر عدم الفرق بين الصورتين، لعدم تحقق الاستطاعة مطلقا بالحرام الواقعي، و لاعتبار أن يكون البذل من الحلال إذ ليس المدار فيه على مجرد الإنشاء من حيث هو إنشاء بل المناط المال الخارجي و هو حرام في الصورتين و مجرد الإنشاء من حيث هو لا موضوعية فيه بوجه.

و أما تقريب الصحة في الصورتين بأنّ النهي لم يتعلق بذات العبادة من حيث هي حتى يبطل و إنّما البذل و الصرف خارجه، فالنّهي خارجيّ لا أن يكون ذاتيا (مخدوش):

أولا: بأنّه لا يتم فيما إذا كان ثوبي إحرامه من الحرام و كان عالما به.

و ثانيا: بأنّه لا ربط للنهي في العبادة بالمقام أصلا، بل نقول: إنّ مقتضى ظواهر الأدلة أنّه يعتبر في الاستطاعة مطلقا- أصلية كانت أو بذلية- أن لا تكون من الحرام، فلا موضوع لكفاية هذا الحج عن حجة الإسلام.

و القول بالصحة في الصورة الثانية، بأنّ عنوان البذل إنّما تعلق بالذمة و هو حلال و إن تحقق الأداء من الحرام. (باطل) للصدق العرفي بأنّ البذل حصل من الحرام فما استظهره من الفرق مخدوش.

لأنّه الغارّ الذي لا بد من رجوع المغرور إليه.

لأنّ اشتراط حلية ما يستطاع به واقعيّ لا فرق فيه بين صورتي العلم و الجهل.

(مسألة ٥۳): لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج بأجرة يصير بها مستطيعا وجب عليه الحج. و لا ينافيه وجوب قطع الطريق عليه للغير، لأنّ الواجب عليه- في حج نفسه- أفعال الحج، و قطع الطريق مقدمة توصلية (217)، بأيّ وجه أتى بها كفى و لو على وجه الحرام، أو لا بنيّة الحج. و لذا لو كان‏ مستطيعا قبل الإجارة جاز له إجارة نفسه للخدمة في الطريق، بل لو آجر نفسه لنفس المشي معه بحيث يكون العمل المستأجر عليه نفس المشي صح أيضا (218) و لا يضر بحجه. نعم، لو آجر نفسه لحج بلديّ لم يجز له أن يؤجر نفسه لنفس المشي (219) كإجارته لزيارة بلدية أيضا، أما لو آجر للخدمة في الطريق فلا بأس و إن كان مشيه للمستأجر الأول فالممنوع وقوع الإجارة على نفس ما وجب عليه أصلا أو بالإجارة (220).

كما هو كذلك في قطع كل طريق إلى كل مقصود، و يشهد له العرف، و العقل، و الاعتبار.

و ما عن بعض من الإشكال بأنّ ظاهر الآية الشريفة۸۰، وجوب السفر فإن‏ أراد به الوجوب الطريقي للوصول إلى المقصود فهو من الوجوب التكوينيّ الذي لا ربط له بالشرع، و إن أراد به الوجوب النفسيّ فهو مخالف لفهم المتعارف من الآية و لو بنحو أن يكون الطريق جزءا من الواجبات النفسية للحج، و إن أراد انبساط الوجوب النفسيّ من الواجب حتى إلى المقدمة فلا يختص ذلك بخصوص مقدّمة الحج، بل يجري في جميع المقدمات و جميع الواجبات كما حقّقناه في تهذيب الأصول، و إن أراد الوجوب الشرعيّ المقدميّ غير الانبساطي النفسيّ فهو من المقدّمة التوصيلية كما في المتن و يشهد لما ذكرناه إطلاق جملة من الأخبار:

منها: خبر الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها، فيحج و هو كري، تغني عنه حجته أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج، فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة؟ أو لا يكون حتى يذهب به إلى الحج و لا ينوي غيره؟ أو يكون ينويهما جميعا، أ يقضي ذلك حجته؟ قال (عليه السلام): نعم، حجته تامة»۸۱ فإنّ ذيله كالصريح في عدم اعتبار قصد الحج و قطع الطريق و هو موافق للأصل، و الإطلاق أيضا.

و منها: صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «الرجل يمر مجتازا- يريد اليمن أو غيرها من البلدان- و طريقه بمكة، فيدرك الناس و هم يخرجون إلى الحج، فيخرج معهم إلى المشاهد، أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: (عليه السلام): نعم»۸۲.

و منها: خبره الآخر عنه (عليه السلام) «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

الرجل يخرج في تجارة إلى مكة، أو يكون له إبل فيكريها، حجته ناقصة أم تامة؟ قال (عليه السلام): لا بل حجته تامة»۸۳ فإنّ هذه الأخبار كالصريح فيما ذكرناه.

لأنّ اللابدية التكوينية لا تنافي عروض الوجوب الشرعيّ عليها من جهة أخرى، كعروض الوجوب الشرعيّ لحركات الركوعية و السجودية، مع أنّها لا بد منها في إتيانها تكوينا فما هو الواجب على نفسه إنّما هو اللابدية التكوينية و ما هو الحاصل بالإجارة إنّما هو الوجوب العرضيّ الشرعيّ و لا منافاة بينهما.

و شبهة: أنّه مسلوب القدرة بالنسبة إلى المشي و متعلق الإجارة لا بد و أن يكون مقدورا. شبهة ضعيفة: قد مرّ الجواب عنها في أخذ الأجرة على الواجبات. و يأتي في كتاب الإجارة أيضا.

لفرض أنّ نفس مشيه صار ملك الغير لا يجوز له التصرف فيه بغير إذن مالكه.

بحيث يكون التنافي و التضاد بينهما في الملكية الفعلية و لا تنافي كذلك في البين، لما مرّ من أنّه لا تنافي بين اللابدية التكوينية و الوجوب الشرعيّ العرضيّ، فلا وجه لإشكال بعض أعاظم مشايخنا في حاشيته في المقام من التنافي بين كلام الماتن هنا و كلامه فيما سبق من أنّه إذا كان المستأجر عليه نفس المشي صح. لأنّ المشي واجب عليه أصلا، و ذلك لأنّ وجوب المشي عليه أصلا إنّما هو لأجل اللابدية التكوينية و هو لا ينافي عروض الوجوب الشرعي لجهة أخرى.

(مسألة ٥٤): إذا استؤجر- أي: طلب منه إجارة نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعا- لا يجب عليه القبول (221) و لا يستقر الحج عليه (222) فالوجوب عليه مقيّد بالقبول و وقوع الإجارة (223) و قد يقال (22٤) بوجوبه إذا لم يكن حرجا عليه، لصدق الاستطاعة، و لأنّه مالك لمنافعه فيكون مستطيعا قبل الإجارة، كما إذا كان مالكا لمنفعة عبده أو دابته، و كانت كافية في استطاعته و هو كما ترى، إذ نمنع صدق الاستطاعة بذلك (225) لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في بعض صوره، كما إذا كان من عادته إجارة نفسه للأسفار (226).

لأنّه من تحصيل الاستطاعة عرفا و هو غير واجب.

لعدم حدوث الاستطاعة ما لم يقبل فكيف يستقر الحج ما لم تحدث الاستطاعة.

لفرض صدق الاستطاعة بعد ذلك، كما في جميع الموارد التي لا يجب فيها تحصيل الاستطاعة، و لكنّه يصير مستطيعا بعد حصول السبب فيجب عليه الحج حينئذ.

يظهر ذلك من المستند.

و لا أقلّ من الشك في الصدق، فليس لنا التمسك بإطلاق أدلتها حينئذ، لأنّه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك. نعم، لا ريب في صدق القدرة على تحصيل الاستطاعة و لكنّه غير واجب. و من يقول بأنّ الاستطاعة التمكن من المال و القدرة عليه يريد به المال الموجود لا تحصيله، فلا وجه لإشكال بعض الشراح على الماتن (رحمه اللّه).

و أما ما في المستند من أنّه مالك لمنافعه فإن أراد به السلطنة على صرفها في تحصيل المال فهو مما لا ريب فيه، و إن أراد بذلك الملكية الفعلية من كل جهة بحيث يخرج به من الفقر إلى الغني الفعلي و لو لم يصرف منافعه و أخذ عوضها، فهو مخالف للوجدان.

بحيث يكون إعداد نفسه لذلك كحصول المال عرفا. و يمكن أن يكون‏ مراد صاحب المستند هذه الصورة أيضا، فيكون النزاع صغرويا.

(مسألة ٥٥): يجوز لغير المستطيع أن يؤجر نفسه للنيابة عن الغير. و إن حصلت الاستطاعة بمال الإجارة قدّم الحج النيابيّ (227) فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب عليه لنفسه، و إلا فلا.

إن كان مقيدا بتلك السنة و إلّا قدّم حجة الإسلام إن لم يتوقف الحج النيابي على حفظ المال و إلا فلا يكون مستطيعا، لعدم التمكن عن التصرف في المال، فيأتي بالحج النيابي فإن بقيت الاستطاعة إلى السنة القابلة يحج حجة الإسلام و إلّا فلا.

(مسألة ٥٦): إذا حج لنفسه، أو من غيره تبرعا أو بالإجارة، مع عدم كونه مستطيعا لا يكفيه عن حجة الإسلام (228) فيجب عليه الحج إذا استطاع بعد ذلك و ما في بعض الأخبار: من إجزائه عنها، محمول على الإجزاء ما دام فقيرا (229)، كما صرّح به في بعضها الآخر (230) فالمستفاد منها أنّ حجة الإسلام مستحبة على غير المستطيع (231) و واجبة على المستطيع، و يتحقق الأول بأي وجه أتى به و لو عن الغير تبرعا أو بالإجارة و لا يتحقق الثاني إلا مع حصول شرائط الوجوب (232).

نصّا، و إجماعا قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر آدم بن عليّ: «من حج عن إنسان و لم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه اللّه ما يحج به و يجب عليه الحج»۸4، و قريب منه خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لو أنّ رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج»۸٥، بعد حمله على عدم كونه من الحج البذلي و إلا فيسقط عنه الحج بعد ذلك، نصّا، و إجماعا إن استطاع بعد ذلك كما يأتي.

فعن ابن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «حج الصرورة يجزي عنه، و عمن حج عنه»۸٦.

و في صحيحة الآخر: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل حج عن‏ غيره، أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام): نعم»۸۷.

و في صحيح جميل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره، ثمَّ أصاب مالا، هل عليه الحج؟ فقال: يجزي عنهما جميعا۸۸.

مع إمكان الحمل على الإجزاء من حيث الثواب، أو على الإجزاء المادامي لا الدائمي، مع وهنها بالإعراض.

لما تقدم من خبر أبي بصير، و كذا ما سبق في قول أبي الحسن (عليه السلام) بدعوى: أنّ المراد بالإجزاء المادامي لا الدائمي- كما تقدم.

المعروف أنّ حجة الإسلام لا تكون إلا واجبة، ففي هذا التعبير مسامحة واضحة و لا بأس بها، إذ الاستحباب قابل للمسامحة دليلا و تعبيرا.

أما الأول، فلأنّه قصد حجة الإسلام فيشمله ثوابها. و أما الثاني فلأدلة اعتبار شرائط خاصة في الوجوب، كما مرّ.

(مسألة ٥۷): يشترط في الاستطاعة- مضافا إلى مئونة الذهاب و الإياب- وجود ما يموّن به عياله حتى يرجع، فمع عدمه لا يكون مستطيعا (233) و المراد بهم من يلزمه نفقته لزوما عرفيا و إن لم يكن ممن يجب عليه نفقته شرعا على الأقوى، فإذا كان له أخ صغير، أو كبير فقير لا يقدر على التكسب، و هو ملتزم بالإنفاق عليه، أو كان متكفلا لإنفاق يتيم في حجره و لو أجنبي يعدّ عيالا له، فالمدار على العيال العرفي (23٤).

للأصل، و الإجماع، و خبر أبي الربيع- الوارد في تفسير الاستطاعة- «سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن قول اللّه عزّ و جلّ‏ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فقال (عليه السلام): ما يقول الناس؟ قلت له: الزاد و الراحلة. قال: فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال: هلك الناس إذا، لئن كان من له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و يستغني به عن الناس، ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا، فقيل له: فما السبيل؟ قال (عليه السلام) السعة في المال، إذا كان يحج ببعض و يبقي بعضا لقوت عياله»۸۹.

لأنّه المنساق من لفظ العيال في المحاورات المتعارفة، و تقتضيه سهولة الشريعة المقدسة و رأفته بالنسبة إلى الجميع. و لو أسقطوا نفقتهم، أو أخذوا و تبرعوا بها إلى المعيل، أو كانوا في نفقة الغير فالظاهر عدم اعتبار الاستثناء حينئذ، لأنّ المنساق من الدليل فعلية الصرف و الإنفاق لا الشأنية كما مرّ في استثناء المؤنة في الزكاة و الخمس.

(مسألة ٥۸): الأقوى وفاقا- لأكثر القدماء- اعتبار الرجوع إلى كفاية (235)، من تجارة، أو زراعة، أو صناعة أو منفعة ملك له، من بستان، أو دكان، أو نحو ذلك، بحيث لا يحتاج إلى التكفف، و لا يقع في الشدّة و الحرج. و يكفي كونه قادرا على التكسب اللائق به، أو التجارة باعتباره و وجاهته، و إن لم يكن له رأس مال يتجر به. نعم، قد مرّ عدم اعتبار ذلك في الاستطاعة البذلية و لا يبعد عدم اعتباره- أيضا- فيمن يمضي أمره بالوجوه اللائقة به، كطلبة العلم من السادة و غيرهم، فإذا حصل لهم مقدار مئونة الذهاب و الإياب، و مئونة عيالهم إلى حال الرجوع وجب عليهم بل و كذا الفقير (236) الذي عادته و شغله أخذ الوجوه و لا يقدر على التكسب، إذا حصل له مقدار مئونة الذهاب و الإياب له و لعياله، و كذا كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده، إذا صرف ما حصل له من مقدار مئونة الذهاب و الإياب، من دون حرج عليه.

للأصل، و الإجماع، و أدلة نفي الحرج، و يشهد له قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الأعمش الوارد في الاستطاعة: «أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله، و ما يرجع إليه بعد حجه»۹۰.

و في مجمع البيان في تفسير آية الاستطاعة المروي عن أئمتنا: «أنّه الزاد و الراحلة، و نفقة من تلزمه نفقته، و الرجوع إلى كفاية، إما من مال، أو ضياع، أو حرفة»۹۱.

مع عدم الحرج و المشقة الزائدة بواسطة الحج بالنسبة إلى ما كانوا عليه قبل الحج، و كذا من يكون في نفقة الغير، كل ذلك لإطلاق أدلة الاستطاعة الشامل للجميع، لوجود المقتضي و فقد المانع.

(مسألة ٥۹): لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده و يحج به (237) كما لا يجب على الوالد أن يبذل له. و كذا لا يجب على الولد بذل المال لوالده ليحج به. و كذا لا يجوز للوالد الأخذ من مال ولده للحج. و القول بجواز ذلك أو وجوبه- كما عن الشيخ- ضعيف، و إن كان يدل عليه صحيح سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم، يحج منه حجة الإسلام. قلت: و ينفق منه؟ قال: نعم. ثمَّ قال: إنّ مال الولد لوالده. إنّ رجلا اختصم و هو و والده إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فقضى أنّ المال و الولد للوالد» و ذلك لإعراض الأصحاب عنه، مع إمكان حمله على الاقتراض من ماله، مع استطاعته من مال نفسه. أو على ما إذا كان فقيرا، و كانت نفقته على ولده، و لم يكن نفقة السفر إلى الحج أزيد من نفقته في الحضر إذ الظاهر الوجوب حينئذ.

على المشهور، لأصالة الاحترام في الأموال، و لقاعدة السلطنة، و قول الحجة (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف): «لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه»۹۲.

و خبر علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال (عليه السلام) لا إلا أن يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف و لا يصلح للولد أن يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذن والده»۹۳.

و عن حسين بن أبي العلاء قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال (عليه السلام): قوته بغير صرف إذا اضطر إليه، قلت له: فقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له: (صلّى اللّه عليه و آله): أنت و مالك لأبيك، فقال (عليه السلام): إنّما جاء بأبيه إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فقال: يا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) هذا أبي و قد ظلمني ميراثي من أمي، فأخبر الأب أنّه أنفقه عليه و على نفسه فقال (صلّى اللّه عليه و آله):

أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي‏ء. أو كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يحبس الأب للابن؟!!»۹4.

و في خبر الثمالي عن أبي جعفر (عليه السلام): «إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثمَّ قال أبو جعفر (عليه السلام): ما أحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج إليه مما لا بد منه إنّ‏ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ»۹٥.

و مثل هذه الأخبار محكمات أخبار الباب و شارحة لسائر الأخبار، و موافقة للعدل و المشهور بين الأصحاب و مرتكزات المتشرّعة، بل جميع الناس، و مخالفة للظلم و العدوان.

(مسألة ٦۰): إذا حصلت الاستطاعة لا يجب أن يحج من ماله، فلو حج في نفقة غيره لنفسه أجزأه (238) و كذا لو حج متسكعا بل لو حج من مال الغير غصبا صح (239) و أجزأه (240). نعم، إذا كان ثوب إحرامه و طوافه و سعيه من المغصوب لم يصح (241) و كذا إذا كان ثمن هديه غصبا (242).

للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و تحقق الامتثال فلا بد من الإجزاء.

لتحقق الامتثال فيهما أيضا. و صرف المال لا موضوعية فيه، بل هو طريق للوصول إلى المقصود، فإذا حصل يجزي لا محالة صرف المال أو لا.

لإطلاق الأدلة الشامل لهذه الصورة أيضا و إن أثم للتصرف في المغصوب، و ليس المقام من النهي في العبادة حتى يبطل.

إذا اشتراه بعين المغصوب لا بالذمة، و لكن لو اشترى بالذمة ثمَّ فرغ ذمته بالمغصوب فيصح إحرامه، و سعيه، و إن اشتغلت الذمة بالثمن.

فيفسد هديه، لأنّه عبادة، و النهي في العبادة يوجب الفساد و إن صح حجه، لعدم كون الهدي من الأركان، و يجب عليه الهدي ثانيا على تفصيل يأتي في محلّه.

(مسألة ٦۱): يشترط في وجوب الحج الاستطاعة البدنية، فلو كان مريضا لا يقدر على الركوب، أو كان حرجا عليه- و لو على المحمل أو الكنيسة- لم يجب. و كذا لو تمكن من الركوب على المحمل لكن لم يكن عنده مئونته و كذا لو احتاج إلى خادم و لم يكن عنده مئونته (243).

كل ذلك للإجماع، و قاعدة نفي الحرج، و عدم صدق الاستطاعة عرفا.

(مسألة ٦۲): و يشترط أيضا: الاستطاعة الزمانية، فلو كان الوقت ضيقا لا يمكنه الوصول إلى الحج، أو أمكن لكن بمشقة شديدة لم يجب (2٤٤) و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجب، و إلا فلا.

لما تقدم في سابقة من قاعدة نفي الحرج، و ظهور الإجماع، و عدم صدق الاستطاعة لدى المتعارف.

(مسألة ٦۳): و يشترط أيضا. الاستطاعة السربية، بأن لا يكون في الطريق مانع لا يمكن معه الوصول إلى الميقات أو إلى تمام الأعمال، و إلا لم يجب (245). و كذا لو كان غير مأمون بأن يخاف على نفسه، أو بدنه، أو عرضه، أو ماله و كان الطريق منحصرا فيه، أو كان جميع الطرق كذلك (246) و لو كان هناك طريقان، أحدهما أقرب لكنّه غير مأمون، وجب الذهاب من الأبعد المأمون (247). و لو كان جميع الطرق مخوفا إلا أنّه يمكنه الوصول إلى الحج بالدوران في البلاد- مثل ما إذا كان من أهل العراق، و لا يمكنه إلا أن يمشي‏ إلى كرمان، و منه إلى خراسان، و منه إلى بخارا، و منه إلى الهند، و منه إلى بوشهر، و منه إلى جدّة مثلا، و منه إلى المدينة، و منها إلى مكة- فهل يجب أو لا؟ وجهان، أقواهما عدم الوجوب، لأنّه يصدق عليه أنّه لا يكون مخلّى السرب (248).

لظاهر الآية الشريفة۹٦، و النصوص المشتملة على تخلية السرب‏۹۷، و الإجماع بقسميه.

لصدق عدم تخلية السرب في جميع ذلك و لو حج و صادف الأمن يأتي تفصيله في [مسألة ٦4].

لصدق تخلية السّرب بالنسبة إليه، فالمقتضي للوجوب موجود و المانع عنه مفقود، فتشمله الأدلة لا محالة.

الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد، و الأشخاص، و الأزمان، و الخصوصيات، فربما تصدق الاستطاعة و ربما لا تصدق. و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فالمناط كله صدق التمكن العرفي و عدمه و مع الشك فيه لا يجب، للأصل.

(مسألة ٦٤): إذا استلزم الذهاب إلى الحج تلف مال له في بلده معتدّ به لم يجب (249)، و كذا إذا كان هناك مانع شرعيّ من استلزامه ترك واجب فوريّ سابق على حصول الاستطاعة أو لا حق مع كونه أهمّ من الحج (250) كإنقاذ غريق أو حريق و كذا إذا توقف على ارتكاب محرّم كما إذا توقف على ركوب دابة غصبية، أو المشي في الأرض المغصوبة.

لقاعدة نفي الضرر. و دعوى: أنّ أصل تشريع الحج ضروري متوقف على صرف المال، فلا تشمله القاعدة (مدفوعة): بأنّه على فرض كون مورد الحكم ضرريا بحسب أصل التشريع الأولي لا يستلزم ذلك عدم جريان القاعدة إن تحقق فيه ضرر آخر زائدا على أصل تشريعه، لإطلاق دليلها و ورودها مورد الامتنان الشامل لجميع ذلك.

فما عن كاشف اللثام من اختصاص الضرر في المقام بضرر النفس و العرض (مخدوش) إلا أن يقال: إنّ الحج ملازم غالبا للحرج و الضرر خصوصا في الأزمنة القديمة. فالإطلاقات و العمومات شاملة له حتى مع ثبوت الضرر و الحرج الخارج عن مورد أصل تشريعه، و لكنه من مجرّد الدعوى خصوصا فيما إذا كان مجحفا.

فإنّه عذر شرعيّ حينئذ و يصدق عليه ما تقدم في صحيح الحلبي‏۹۸ أنّه مما يعذره اللّه تعالى. و أما مع إحراز عدم الأهمية، أو الشك فيها فلا يجري الحديث، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فتشمله أدلة وجوب الحج، لتحقق الاستطاعة العرفية. و تقدم في [مسألة ۳۱] بعض الكلام. و منه يظهر الوجه في قوله (رحمه اللّه): «و كذا إذا توقف.».

(مسألة ٦٥): قد علم مما مرّ أنّه يشترط في وجوب الحج- مضافا إلى البلوغ، و العقل، و الحرية- الاستطاعة المالية، و البدنية، و الزمانية، و السربية، و عدم استلزامه الضرر، أو ترك واجب، أو فعل حرام، و مع فقد أحد هذه لا يجب (251) فبقي الكلام في أمرين: أحدهما: إذا اعتقد تحقق جميع هذه مع فقد بعضها واقعا أو اعتقد فقد بعضها و كان متحققا، فنقول: إذا اعتقد كونه بالغا أو حرّا- مع تحقق سائر الشرائط- فحج ثمَّ بان أنّه كان صغيرا أو عبدا، فالظاهر- بل المقطوع- عدم إجزائه عن حجة الإسلام (252). و إن اعتقد كونه غير بالغ أو عبدا- مع تحقق سائر الشرائط- و أتى به أجزأه عن حجة الإسلام كما مرّ سابقا (253). و إن تركه مع بقاء الشرائط إلى ذي الحجة فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه (25٤)، فإن‏ فقد بعض الشرائط بعد ذلك- كما إذا تلف ماله- وجب عليه الحج و لو متسكعا (255). و إن اعتقد كونه مستطيعا مالا و أنّ ما عنده يكفيه فبان الخلاف بعد الحج، ففي إجزائه عن حجة الإسلام و عدمه وجهان، من فقد الشرائط واقعا. و من أنّ القدر المسلم من عدم إجزاء حج غير المستطيع عن حجة الإسلام غير هذه الصورة (256) و إن اعتقد عدم كفاية ما عنده من المال و كان في الواقع كافيا و ترك الحج، فالظاهر الاستقرار عليه (257) و إن اعتقد عدم الضرر أو عدم الحرج فحج فبان الخلاف فالظاهر كفايته (258)، و إن اعتقد المانع- من العدوة، أو الضرر أو الحرج- فترك الحج، فبان الخلاف فهل يستقر عليه الحج أو لا؟ وجهان. و الأقوى عدمه، لأنّ المناط في الضرر الخوف، و هو حاصل (259) إلا إذا كان اعتقاده على خلاف رؤية العقلاء و بدون الفحص‏ و التفتيش (260)، و إن اعتقد عدم مانع شرعيّ فحج، فالظاهر الإجزاء إذا بان الخلاف (261)، و إن اعتقد وجوده فترك فبان الخلاف، فالظاهر الاستقرار (262). ثانيهما: إذا ترك الحج مع تحقق الشرائط متعمّدا، أو حج مع فقد بعضها كذلك أما الأول فلا إشكال في استقرار الحج مع بقائها إلى ذي الحجة (263). و أما الثاني فإن حج مع عدم البلوغ، أو مع عدم الحرية فلا إشكال في عدم إجزائه (26٤) إلا إذا بلغ أو انعتق قبل أحد الموقفين، على إشكال في البلوغ قد مرّ (265)، و إن حج مع عدم الاستطاعة المالية فظاهرهم مسلمية عدم‏ الإجزاء (266)، و لا دليل عليه إلا الإجماع، و إلا فالظاهر أنّ حجة الإسلام هو الحج الأول، و إذا أتى به كفى و لو كان ندبا (267)، كما إذا أتى الصبيّ صلاة الظهر مستحبا- بناء على شرعية عباداته- فبلغ في أثناء الوقت، فإنّ الأقوى عدم وجوب إعادتها (268) و دعوى: أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب ممنوعة، بعد اتخاذ ماهية الواجب و المستحب (269). نعم، لو ثبت تعدد ماهية حج المتسكع و المستطيع تمَّ ما ذكر، لا لعدم إجزاء المستحب عن الواجب، بل لتعدد الماهية، و إن حج مع عدم أمن الطريق، أو مع عدم صحة البدن مع كونه حرجا عليه، أو مع ضيق الوقت كذلك، فالمشهور بينهم عدم إجزائه عن‏ الواجب (270). و عن الدروس: الإجزاء إلا إذا كان إلى حدّ الإضرار بالنفس، و قارن بعض المناسك فيحتمل عدم الإجزاء، ففرق بين حج المتسكع و حج هؤلاء و علّل الأجزاء: بأنّ ذلك من باب تحصيل الشرط، فإنّه لا يجب، لكن إذا حصّله وجب و فيه أنّ مجرّد البناء على ذلك لا يكفي في حصول الشرط مع أنّ غاية الأمر حصول المقدمة، التي هو المشي إلى مكة، و منى و عرفات. و من المعلوم أنّ مجرّد هذا لا يوجب حصول الشرط الذي هو عدم الضرر، أو عدم الحرج. نعم، لو كان الحرج أو الضرر في المشي إلى الميقات فقط، و لم يكونا حين الشروع في الأعمال تمَّ ما ذكره، و لا قائل بعدم الإجزاء في هذه الصورة هذا و مع ذلك فالأقوى ما ذكره في الدروس لا لما ذكره، بل لأنّ الضرر و الحرج إذا لم يصلا إلى حدّ الحرمة إنّما يرفعان الوجوب و الإلزام لا أصل الطلب (27۱)، فإذا تحملهما و أتى بالمأمور به كفى.

للأصل بعد انتفاء شرط الوجوب.

لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

راجع [مسألة ۹ و مسألة ۲٥]، و يأتي في [مسألة ۱۰۹] ما ينفع المقام.

و الوجه في الإجزاء وجود المقتضي و فقد المانع واقعا، و كون العلم و الإحراز طريقا إليه فلا بد من الإجزاء لا محالة.

أما أصل الاستقرار، فيدل عليه ظهور الإطلاق و الاتفاق. و أما التحديد ببقاء الشرائط إلى ذي الحجة فيأتي التعرض له في [مسألة ۸۰] فلا وجه للتعرض له في المقام، و الظاهر أنّ نظره (رحمه اللّه) هنا بالتحديد بذي الحجة إنّما هو على نحو الإهمال و الإجمال لا التفصيل، كما يأتي في تلك المسألة فلا منافاة بينهما في ذلك.

لأنّه تكليف كل من فاته الحج بعد القدرة عليه إجماعا.

لا وجه للتمسك بالقدر المتيقن مع العمومات و الإطلاقات الدالة على الاشتراط، و أصالة عدم الإجزاء. فالمقام من موارد التمسك بقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه فلا وجه للإجزاء.

لأنّ المدار في تحقق الشرط إنّما هو الواقع دون الاعتقاد فتشمله الإطلاقات. نعم، هو معذور ما دام الاعتقاد إن لم يكن مقصّرا. و تقدم في [مسألة ۲٤] ما ينفع المقام.

لأنّ أدلة نفي الحرج لا ترفع أصل الملاك و إنّما ترفع الإلزام الذي يكون في رفعه الامتنان مع الحرج، فإذا تحمل المكلف الحرج و أتى بالعمل فالحكم بفساده يكون خلاف الامتنان، فالنهي ساقط لأجل الاعتقاد بالعدم، و الملاك باق فلا بد من الإجزاء إلا إذا بلغ الحرج و الضرر إلى حدّ يرفع به أصل الملاك أيضا، و مع الشك فمقتضى الأصل بقاؤه.

لأنّ للخوف المتعارف موضوعية خاصة في سقوط التكليف أو تبدله إلى البدل إن كان له البدل، كما في الطهارة المائية و لا واقع للخوف وراء نفسه فلا موضوع‏ حينئذ لتبيّن الخلاف حتى يبحث عنه.

نعم، بعد زواله يكون من تبدل الموضوع لا من تبيّن الخلاف، و لا فرق بين حصوله من أيّ منشأ و سبب، و لا بين كونه نفسيا أو عرضيا أو ماليا بعد كونه بالنحو المتعارف.

فلا اعتبار به حينئذ أصلا و لا يوجب سقوط التكليف و لا تبدله إن كان له بدل، لأنّ المناط فيه حصول الخوف المتعارف بعد الفحص و اليأس، فمقتضى الأصل و الإطلاق عدم الأثر لمثل هذا النحو من الخوف.

لما تقدم في صورة عدم اعتقاد الحرج و الضرر. نعم، لو كان المانع متحدا مع بعض أفعال الحج و لم يكن معذورا في جهله فلا وجه للإجزاء حينئذ، لفعلية النهي، و النهي في العبادة يوجب البطلان كما ثبت بالبرهان.

لأنّ المناط في تحقق الشرائط على الواقع دون الاعتقاد نعم، لا إثم عليه إن كان معذورا و جاهلا.

أما أصل الاستقرار فهو من ضروريات الفقه إن لم يكن من المذهب.

و أما التحديد بذي الحجة، فتقدم إجمالا ما يتعلق به في أول المسألة، و يأتي تفصيله في [مسألة ۸۰].

إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها في شرائط وجوب حجة الإسلام.

راجع [مسألة ۷] من أول الكتاب.

و يدل عليه- مضافا إلى الإجماع- قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط المعتبر في وجوب المشروط بالأدلة الثلاثة إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه، كما يأتي.

بل الظاهر أنّ حجة الإسلام حجة خاصة لها شرائط مخصوصة و ليس بنحو صرف وجود الحج المنطبق على كل حج أتى به أو لا، و الظاهر كونه خلاف المرتكزات، مضافا إلى كونه خلاف المنساق من الأدلة.

نعم، و لكن القياس مع الفارق، لأنّ المطلوب في الصلاة هو صرف الوجود المنطبق على أول وجودها، فليست الصلاة المأتيّ بها في حال الصغر غير ما يؤتي بها بعد الكبر فلا فرق بينهما إلا بالوجوب و عدمه بخلاف حجة الإسلام مع غيرها فإنّهما مختلفان في متعارف المتشرعة و بحسب المنساق من الأدلة كما مرّ، و الشك في الاتحاد يكفي في عدم الإجزاء، لقاعدة الاشتغال.

و لكن لا بد من إحراز الاتحاد، و الشك فيه يكفي في عدم الإجزاء. و منه يظهر ما في قوله (رحمه اللّه): «نعم، لو ثبت تعدد ماهيته» إذ يكفي عدم الثبوت و لا نحتاج إلى ثبوت العدم، مع أنّه (رحمه اللّه) سيصرّح في [مسألة ۱۰۹] بأنّه لو حج تطوعا لا يجزيه عن حجة الإسلام فراجع.

خلاصة المقال: إن الضرر و الحرج إما في المقدمات فقط، أو مقارن للمناسك، أو في نفس المنسك:

أما الأول: فلا ريب في الصحة و الإجزاء إن حصلت الأعمال مع عدمها، لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات، فلا بد من الإجزاء حينئذ، و قد مرّ في بعض المسائل السابقة أنّ المناط تحقق الشرائط من الميقات و إن لم تكن موجودة قبلها.

و أما الثاني: كما إذا كان مشغولا بالطواف و سرق منه مال يتضرّر به، أو حدثت حادثة وقع بها في الحرج، فيمكن القول بالإجزاء أيضا، للإطلاقات و العمومات بعد كون مثل هذه الأمور الابتلائية في مثل هذه العبادة العظيمة التي لها معرضية لمثل هذه الأمور و إيجاب الإعادة و القضاء خلاف سهولة الشريعة خصوصا في الحج الذي بناء الشارع فيه على التسهيل.

و أما الأخير: فعدم الإجزاء فيه يدور مدار سقوط الطلب بملاكه مطلقا و بجميع مراتبه و هو مشكل بل ممنوع، و مقتضى الأصل بقاؤه و لا ملازمة بين سقوط الإلزام و سقوطه، بل مقتضى الامتنان و التسهيل في مثل هذا المشهد العظيم المعرّض للمشقة و الحرج غالبا عدم السقوط. نعم، إذا بلغ الضرر إلى حدّ الحرمة لا وجه حينئذ لبقاء الملاك و الصحة و ذلك يختلف بحسب الحالات و الأشخاص و الموارد و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

سواء قلنا إنّ الوجوب بسيط- كما أثبتناه في الأصول- أم أنّه مركب من أصل الطلب و المنع من الترك:

أما على الأول‏ فيستفاد أصل الطلب من باب تعدد الدال و المدلول، لأنّ من أدلة الحرج الدالة على الترخيص في الترك يستفاد رفع الإلزام، و رفع الإلزام أعمّ من رفع أصل المحبوبية المتحقق فيه كما هو شأن جميع الذوات البسيطة المتشككة بحسب المراتب كما إذا رفعنا شدّة النور و بقي أصله في الجملة مع أنّ جميع المراتب بسيطة لا أن تكون مركبة من أصل النور و الشدّة و قد ثبت ذلك في علم الحكمة.

و أما علي الثاني‏ فالأمر أوضح، و هذه حصة خاصة من الطلب ليس لنا أن نحدّها بحدّ الاستحباب و الندب. فما عن بعض مشايخنا في حاشيته من أنّه: «لم يعرف أنّ هذا الطلب المدعى ثبوته بعد رفع الوجوب استحبابي أو نوع آخر و كيف تولد بعد رفع الوجوب» لا وجه له. كما لا وجه عن بعض (رحمه اللّه) من أنّه: «لا دليل على اشتراط عدم الحرج و الضرر في الاستطاعة لا مطلقهما و لا خصوص ما كان آتيا من قبل الشارع» لأنّها بحسب مرتبة الوجوب مشروطة بنفي الحرج و الضرر بالأدلة الأربعة. و أما بحسب التفضل و الامتنان و التسهيل لو تحملهما المكلف فلا اشتراط، و هذا نحو تفضل بعد التحمل و الوقوع لا أن يكون أمرا بالتحمل و الإيقاع و بينهما فرق كما هو معلوم.

(مسألة ٦٦): إذا حج مع استلزامه لترك واجب أو ارتكاب محرّم لم يجزه عن حجة الإسلام (27۲) و إن اجتمع سائر الشرائط لا لأنّ الأمر بالشي‏ء نهي عن‏ ضدّه، لمنعه أولا، و منع بطلان العمل بهذا النهي ثانيا، لأنّ النهي متعلق بأمر خارج (273) بل لأنّ الأمر مشروط بعدم المانع، و وجوب ذلك الواجب مانع، و كذا النهي المتعلق بذلك المحرّم مانع، و معه لا أمر بالحج (27٤). و نعم، لو كان الحج مستقرّا عليه، و توقف الإتيان به على ترك واجب أو فعل حرام دخل في تلك المسألة (275)، و أمكن أن يقال بالإجزاء، لما ذكر: من منع اقتضاء الأمر بشي‏ء للنهي عن ضدّه، و مع كون النهي المتعلق بأمر خارج موجبا للبطلان.

بشرط كون الواجب و ترك الحرام أهمّ من حجة الإسلام و اقتران ترك‏ الواجب و فعل الحرام بمناسك الحج كما تقدم.

إن كان المراد بالأمر الخارج مقدّمات الحج فلا ريب في خروجها عن مورد البحث، لعدم كونها عبادية حتى يوجب النهي عنها الفساد، و إن كان المراد به الخارج أي: الخروج الوجودي و المفهومي ففي جميع موارد مسألة الضدّ يكون النهي خارجا بهذا المعنى، فإنّ أحد الضدّين غير الآخر مفهوما و وجودا، و إنّما البحث في سراية النّهي من حيث المقدمية- كما عن بعض-، أو من حيث الملازمة- كما عن آخرين- فلا محصّل لهذا التعليل على أيّ تقدير.

مع كون الواجب و الحرام أهمّ، و كون ترك الأول و فعل الآخر مقارنا بالمناسك كما مرّ، و يمكن مع ذلك تصحيح الحج بالترتب إن لم يكن ترك الواجب و فعل الحرام مع المنسك، و قد اشتهر بين المحققين تصحيح المهم مع ترك الأهم، و تعرّضنا لمسألة الترتب في الأصول فراجع.

لا فرق في المسألتين في البطلان مع اتحاد ترك الواجب و فعل الحرام مع المنسك، و الصحة بدونه فلا وجه لما استدل (رحمه اللّه) به من الوجهين فما ذكره (رحمه اللّه) في هذه المسألة مختل النظام من البدء إلى الختام.

(مسألة ٦۷): إذا كان في الطريق عدوّ لا يندفع إلا بالمال فهل يجب بذله و يجب الحج أو لا؟ أقوال ثالثها الفرق بين المضرّ بحاله و عدمه (276) فيجب في الثاني دون الأول.

المدار على صدق الاستطاعة و عدمه، فمع صدقها تجب و إلا فلا و هذا القول هو المتعيّن، و يختلف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص و الحالات، و الظاهر جريان السيرة على دفع المال في الجملة للحج في كل عصر بنحو من الأنحاء و عنوان من العناوين.

(مسألة ٦۸): لو توقف الحج على قتال العدوّ لم يجب، حتى مع ظنّ الغلبة عليه و السلامة (277) و قد يقال: بالوجوب في هذه الصورة.

المناط كله صدق الاستطاعة، و التمكن، و تخلية السرب فمع الصدق العرفي و لو بالقتال في الجملة يجب. و لا يجب مع عدم الصدق و لا ريب في اختلاف ذلك باختلاف الموارد. و يمكن أن يجعل النزاع صغرويا فراجع و تأمل.

(مسألة ٦۹): لو انحصر الطريق في البحر وجب ركوبه إلا مع خوف الغرق أو المرض خوفا عقلائيا (278) أو استلزامه الإخلال بصلاته، أو إيجابه لأكل النجس أو شربه (279)، و لو حج مع هذا صح حجة (280)، لأنّ ذلك في المقدّمة، و هي المشي إلى الميقات، كما إذا ركب دابة غصبية إلى الميقات.

أما الوجوب فلإطلاق الأدلة. و أما السقوط مع الخوف فلأدلة نفي الحرج و الضرر على ما تقدّم من التفصيل.

الإخلال بالصلاة، و أكل النجس، أو شربه، تارة: يكون بحسب ما هو المتعارف في نوع الأسفار بالنسبة إلى المتدينين من تبديل الطهارة المائية إلى الترابية و نحو ذلك، و الاضطرار إلى المخالطة مع من لا يتحرج عن النجاسة فلا يكون مثل ذلك مانعا عن الوجوب، لأنّ ذلك متعارف بالنسبة إلى نوع الأسفار، و الأدلة منزلة على هذا المتعارف.

و أخرى: يكون بما هو خلاف المتعارف، فيصير حينئذ عذرا مانعا عن الوجوب، لأهمية الاهتمام بالصلاة عن وجوب الحج، و كذا أكل النجس أو شربه.

و أجزأ عن حجة الإسلام مع اجتماع سائر الشرائط، لوجود المقتضي من الميقات و فقد المانع فتشمله الإطلاقات و العمومات قهرا فلا بد من الإجزاء.

(مسألة ۷۰): إذا استقر عليه الحج، و كان عليه خمس أو زكاة أو غيرهما من الحقوق الواجبة وجب عليه أداؤها، و لا يجوز له المشي إلى الحج قبلها (28۱) و لو تركها عصى، و أما حجة فصحيح إذا كانت الحقوق في ذمته (28۲) لا في عين ماله، و كذا إذا كانت في عين ماله و لكن كان ما يصرفه في مئونته من المال الذي لا يكون فيه خمس أو زكاة أو غيرهما، أو كان مما تعلق به الحقوق و لكن كان ثوب إحرامه، و طوافه و سعيه، و ثمن هديه من المال الذي ليس فيه حق (28۳). بل و كذا إذا كانا مما تعلق به الحق من الخمس و الزكاة، إلا أنه بقي عنده مقدار ما فيه منهما بناء على ما هو الأقوى من كونهما في العين على نحو الكليّ في المعيّن (28٤) لا على وجه الإشاعة.

إن كان المشي إليه منافيا لفورية أدائهما، و أما إن أمكنه الأداء في الطريق وجب عليه المشي و الأداء، جمعا بين الحقين و عملا بكل واحد من الفورين.

أما العصيان، فلمخالفة التكليف الفعلي مع إمكان الإتيان به. و أما صحة الحج، فلوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها، لعدم المنافاة بين اشتغال الذمة بشي‏ء و إتيان واجب آخر ما لم يكن صحته مقيدة بعدم اشتغال الذمة به كما في صحة صوم المندوب حيث إنّها مقيدة بعدم اشتغال الذمة بالصوم الواجب، و كما في إتيان الحاضرة في أول الوقت لمن عليه الفائتة بناء على القول به.

لما مر من وجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها حينئذ.

و هو المتيقن من الأدلة، و هو الذي تقتضيه سهولة الشريعة في المقام، مع كثرة ابتلاء المسألة بين الأنام، و تقدم في الزكاة و الخمس بعض الكلام.

(مسألة ۷۱): يجب على المستطيع الحج مباشرة، فلا يكفيه حج غيره عنه- تبرعا أو بالإجارة- إذا كان متمكنا من المباشرة بنفسه (28٥).

للأصل، و إجماع المسلمين، و ظواهر أدلة الفريقين.

(مسألة ۷۲): إذا استقر الحج عليه، و لم يتمكن من المباشرة- لمرض لم يرج زواله، أو حصر كذلك، أو هرم بحيث لا يقدر، أو كان حرجا عليه- فالمشهور وجوب الاستنابة عليه، بل ربما يقال بعدم الخلاف فيه (286) و هو الأقوى، و إن كان ربما يقال بعدم الوجوب (287) و ذلك لظهور جملة من الأخبار في الوجوب (288). و أما إن كان موسرا من حيث المال، و لم يتمكن من المباشرة مع عدم استقراره عليه، ففي وجوب الاستنابة و عدمه قولان لا يخلو أولهما عن قوّة لإطلاق الأخبار المشار إليها (289) و هي و إن كانت مطلقة من حيث رجاء الزوال و عدمه (290) لكن المنساق من بعضها ذلك مضافا إلى ظهور الإجماع على‏ عدم الوجوب، مع رجاء الزوال و الظاهر فورية الوجوب (29۱)، كما في صورة المباشرة و مع بقاء العذر إلى أن مات يجزيه حج النائب (29۲)، فلا يجب القضاء عنه و إن كان مستقرّا عليه و إن اتفق ارتفاع العذر بعد ذلك، فالمشهور أنّه يجب عليه مباشرة (293) و إن كان بعد إتيان النائب، بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه لكن الأقوى عدم الوجوب، لأنّ ظاهر الأخبار: أنّ حج النائب هو الذي كان واجبا على المنوب عنه (29٤)، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجبا عليه، و لا دليل على وجوبه مرّة أخرى (29٥)، بل لو قلنا باستحباب الاستنابة، فالظاهر كفاية فعل النائب بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه، و معه لا وجه لدعوى أنّ المستحب لا يجزئ عن الواجب إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب‏ نفس ما كان واجبا، و المفروض في المقام أنّه هو بل يمكن أن يقال: إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب- بأن كان الارتفاع بعد إحرام النائب- أنه يجب على الإتمام، و يكفي عن المنوب عنه (296) بل يحتمل ذلك و إن كان في أثناء الطريق، قبل الدخول في الإحرام (297) و دعوى: أنّ جواز النيابة ما داميّ كما ترى (298)، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع و كون الإجارة لازمة لا دليل على انفساخها (299) خصوصا إذا لم يكن إبلاغ النائب المؤجر ذلك (300) و لا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر- من المرض و غيره- و بين من كان معذورا خلقة (30۱)، و القول بعدم الوجوب في الثاني و إن قلنا بوجوبه في الأول ضعيف (30۲)، و هل يختص الحكم بحجة الإسلام، أو يجزي في الحج النذري و الإفسادي أيضا؟ قولان و القدر المتيقن هو الأول (30۳)، بعد كون الحكم على خلاف القاعدة (30٤) و إن لم يتمكن المعذور من الاستنابة- و لو لعدم وجود النائب، أو وجوده مع عدم رضاه إلا بأزيد من أجرة المثل، و لم يتمكن‏ من الزيادة، أو كانت مجحفة- سقط الوجوب (305) و حينئذ فيجب القضاء عند بعد موته إن كان مستقرّا عليه، و لا يجب مع عدم الاستقرار (306). و لو ترك الاستنابة مع الإمكان عصى بناء على الوجوب و وجب القضاء عنه مع الاستقرار، و هل يجب مع عدم الاستقرار أيضا أو لا؟ وجهان أقواهما نعم، لأنّه استقرّ عليه بعد التمكن من الاستنابة (307) و لو استناب- مع كون العذر مرجوّ الزوال- لم يجز عن حجة الإسلام (308)، فيجب عليه بعد زوال العذر. و لو استناب مع رجاء الزوال و حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية (309). و عن صاحب المدارك عدمها و وجوب الإعادة لعدم الوجوب مع‏ عدم اليأس، فلا يجزئ عن الواجب و هو كما ترى (310). و الظاهر كفاية حج المتبرّع عنه (311) في صورة وجوب الاستنابة، و هل يكفي الاستنابة من الميقات، كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ وجهان، لا يبعد الجواز حتى إذا أمكن ذلك في مكة، مع كون الواجب عليه هو التمتع، و لكن الأحوط خلافه (312) لأنّ القدر المتيقن من الأخبار الاستنابة من مكانه كما أنّ الأحوط عدم كفاية التبرع عنه لذلك أيضا.

استظهره في المستند من جملة من العبارات الواردة في مسألة استنابة المعذور بلا تفصيل بين الاستقرار و عدمه، و حكي الإجماع عليه عن جمع.

نسب ذلك إلى إطلاق بعض كلمات العلامة (رحمه اللّه).

كصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قال: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر شيخا كبيرا لم يحج قط، و لم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه»۹۹.

و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان عليّ (عليه السلام) يقول: لو أنّ رجلا أراد الحج، فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج، فليجهز رجلا من ماله ثمَّ ليبعثه مكانه»۱۰۰.

و في صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إنّ عليا رأى شيخا لم يحج قط، و لم يطق الحج من كبره، فأمره أن يجهز رجلا فيحج عنه»۱۰۱ و مثلها أخبار أخرى.

و نوقش فيها تارة: بأنّها في مقام أصل التشريع دون الوجوب.

و أخرى: بأنّها غير ظاهرة في المستطيع.

و ثالثة: بمعارضتها مع خبر ابن حفص عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رجلا أتى عليّا (عليه السلام) و لم يحج قط، فقال: إنّي كنت كثير المال، و فرّطت في الحج حتى كبرت سنّي، فقال (عليه السلام): تستطيع الحج؟ فقال: لا. فقال له‏ عليّ (عليه السلام): إن شئت فجهّز رجلا ثمَّ ابعثه يحج عنك»۱۰۲.

و رابعة: بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «و إن كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه، فإنّ عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له»۱۰۳، و مثله خبر ابن أبي حمزة: «سألته عن رجل مسلم حال بينه و بين الحج مرض أو أمر يعذره اللّه تعالى فيه، فقال (عليه السلام): عليه أن يحج من ماله صرورة لا مال له»۱۰4 فإنّ وجوب إحجاج الصرورة لا وجه له.

و الكل مخدوش:

أما الأولان‏ فخلاف الظاهر منها خصوصا بملاحظة قوله (عليه السلام): «أمر شيخا كبيرا» إذ لا فرق بين هذه الأخبار و سائر الأخبار التي يستفاد منها الوجوب و الإلزام في سائر أبواب الفقه.

و أما الثالثة: ففيه‏ أولا: إنّه في مقام بيان التخيير بين حج نفسه إن أمكن و إحجاج غيره مع عدم التمكن لا جعل أصل الحكم معلقا على مشيئته و إرادته.

و ثانيا: لا وجه للأخذ به في مقابل الصحاح المعمول بها فلا بد من طرحه، أو حمله. و أما الأخير: فالتفكيك في الروايات من حيث القبول في بعض جملاتها و عدمه في بعضها الآخر شائع في الفقه، مع أنّه من باب الغالب حيث إنّ الغالب فيمن ينوب إنّما هو من لا مال له و قد فسّر الصرورة بمن لا مال له.

ثمَّ إنّه قد اختلفوا فيمن استقر عليه الحج و له عذر مرجوّ الزوال، فعن جمع وجوب الاستنابة. و عن آخرين عدمه، فراجع المطولات و الحق عدم الوجوب مع رجاء الزوال عرفا، للأصل بعد الشك في شمول الأدلة له.

لو لا صحة دعوى انصرافها، بل ظهورها عرفا في من استقر عليه الحج‏ من كل جهة خرج خصوص من لم يتمكن من المباشرة نصا، و إجماعا و بقي الباقي داخلا تحت إطلاق ما دل على اعتبار صحة البدن و تخلية السرب و غير ذلك من الشرائط، و لم يثبت حكومة مثل هذه الإطلاقات على أدلة اعتبار تلك الشرائط، و الشك فيها يكفي في عدم ثبوتها، لأنّه لا بد في الحكومة من إحراز تقدم أحد الدليلين على الآخر، و لا يكفي مجرّد الاحتمال في صحة الاستدلال.

لا إطلاق لتلك الأخبار لوجود القرينة الصارفة المتصلة و هي: ما ارتكز في الأذهان من أنّ الاستنابة، و الأبدان الاضطرارية للتكاليف الواقعية تدور مدار ثبوت العذر واقعا و استمراره، فجميع أدلة التكاليف واردة مع اقترانها بهذا المرتكز فكيف يثبت لها إطلاق في مورد رجاء زوال العذر، و الإجماع المدعى في بعض الكلمات على عدم الوجوب مع الرجاء- على فرض تحققه- ناشئ عن هذا المرتكز لا أن يكون تعبديا. نعم، لو دل دليل على أنّ لنفس حدوث العذر فقط موضوعية خاصة في انقلاب التكليف يكون متبعا لكنّه مفقود في المقام، و كذا رجاء زوال العذر لا موضوعية له، بل هو طريق إلى الواقع فلو رجا الزوال و أخر و لم يزل العذر باقيا فلا يثبت التكليف، و لو رجا و أخر و زال يثبت مع اجتماع سائر الشرائط و لو لم يرج و أخر و لم يكن في الواقع عذر يستقر عليه الحج فجميع الطرق و الأعذار الظاهرية لا موضوعية لها إلا الخوف كما تقدم بعض الكلام. و يأتي بعضه الآخر و المسألة سيالة في موارد كثيرة من الفقه.

و يمكن أن يقال: بأصالة عدم انقلاب التكليف المباشريّ إلى النيابي إلا في الأعذار المستمرة واقعا و مدرك هذا الأصل ظواهر الأدلة، و استصحاب بقاء وجوب المباشرة و مرتكزات المتشرّعة و لا وجه بعد ذلك للتطويل، مع أنّ جملة منه بلا طائل، و جملة أخرى منه من نقل الكمات التي لا اعتبار بها ما لم يكشف عن إجماع معتبر، أو شهرة كذلك.

لإطلاق أدلة الفورية الشاملة للمباشرة في النائب أيضا إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل عليه من نصّ أو إجماع.

لظهور الإطلاق و الاتفاق و أنّه لا معنى لصحة النيابة إلا ذلك.

لأنّه بزوال العذر ينكشف عدم تحقق موضوع الاستنابة من الأول فلا وجه للإجزاء حينئذ، لأنّ الإجزاء كان ما داميا لا دائميا. نعم، لو قيل بأنّ صرف وجود العذر موضوع لوجوب الاستنابة تصح و يجزي لا محالة و لكنّه ممنوع، و الشك في أنّه من أيّ القسمين يكفي في جريان قاعدة الاشتغال و عدم الإجزاء كما هو معلوم.

بناء على كفاية صرف وجود العذر. و أما بناء على أنّ مورد الاستنابة العذر المستمر فينكشف زواله عن أنّه غير الذي كان واجبا على المنوب عنه فلا موضوع للإجزاء على هذا، و تقدم أنّ الشك في أنّ الاستنابة ما دامية أو دائمية في عدم الإجزاء.

إن ثبت أنّه عين الحج الذي وجب عليه مطلقا. و أما إن ثبت العدم أو شك فيه، فمقتضى القاعدة الوجوب، و قد تقدم أنّه بانكشاف الخلاف ينكشف عدم تحقق موضوع الاستنابة.

كيف يكفي مع انكشاف عدم الأمر بالاستنابة و عدم الملاك لها بل يشكل وجوب إتمام الإحرام أيضا، لانكشاف أنّ الصحة فيه حين حدوثه كانت ظاهرية لا واقعية و لا دليل على وجوب إتمام الإحرام كذلك، بل مقتضى الأصل عدمه بعد الشك في شمول دليل وجوب إتمام الإحرام للمقام.

تبيّن مما مرّ أنّه ضعيف و إفراط من القول.

يكفي الشك في أنّه دائميّ في ثبوت ما دامية و لا يحتاج إلى دليل أزيد من ذلك.

أما كون الاستنابة بأمر الشارع فلا ينفع بعد تبيّن خلافه إلا إذا ثبت أنّ موضوعها صرف وجود العذر مطلقا و هو ممنوع و يكفي الشك فيه، لعدم ثبوته كما مرّ.

و أما أنّه لا دليل على انفساخ الإجارة فيكفي في الدليل عليه أنّه بعد زوال العذر انكشف عدم مشروعيتها أصلا، لعدم تمكن الأجير من الإتيان بما استؤجر عليه فلا تصح حتى تكون لازمة فتنفسخ الإجارة قهرا كما في جميع الموارد التي تقع الإجارة على ما لا واقعية له. و يأتي في كتاب الإجارة تفصيل المقام.

إمكان الإبلاغ و عدمه لا ينفع في صحة الحج و عدمها بعد انكشاف عدم مشروعية الإجارة. نعم، إذا لم يبلغ الأجير خبره حتى فرغ من العمل استحق الأجرة، لقاعدة الغرور و هو أعمّ من فراغ ذمة المنوب عنه، و كذا تستحق بالنسبة لو تبيّن في الأثناء لذلك أيضا.

لإطلاق ما تقدم من صحيح الحلبي‏۱۰٥ الشامل لهما و لا منافاة بينه و بين صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «كان عليّ (عليه السلام) يقول: لو أنّ رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثمَّ ليبعثه مكانه»۱۰٦، إذ لا منافاة بين المثبتين، و لا مفهوم له حتى يعارض به صحيح الحلبي.

جعل في الشرائع هذا القول أشبه، و اختاره في الجواهر، للأصل، و صحيح ابن مسلم. و فيه: أنّ الأصل لا وجه له، مع إطلاق صحيح الحلبي، و تقدم ما في صحيح ابن مسلم: و هذا كله مبنيّ على وجوب الاستنابة بالنسبة إلى من لم يستقر عليه الحج، و قد مرّ عدم الوجوب، فيكون أصل هذا البحث في موضوع غير معلوم، بل معلوم العدم.

ظاهر الأخبار هو العموم و سيصرّح (رحمه اللّه) بالتعميم في [مسألة ۱] من الفصل التالي إلا أن يكون في البين انصراف صحيح الى حجة الإسلام غير مستند إلى غلبة الوجود. و هو مشكل بل ممنوع و صرح بالتعميم في الدروس أيضا.

لو ثبت العموم و عدم الانصراف يكون المدار على العموم لا على القاعدة، لأنّها محكومة به.

لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

أما الوجوب مع الاستقرار، فلما يأتي من الأدلة الدالة عليه في (فصل قضاء الحج) و أما عدمه مع عدم الاستقرار، فلأصالة البراءة بعد اختصاص تلك الأدلة بمن استقر عليه الحج.

بناء على وجوب أصل الاستنابة حينئذ و تقدم منعه، فلا موضوع لهذا الفرع إلا على مبناه (رحمه اللّه)، و الأحوط لكبار الورثة الاستنابة عنه من سهامهم.

تقدم أنّه لا موضوعية لرجاء الزوال و اليأس، بل المناط كله على الواقع فقط و هما يعتبران طريقا محضا إلى الواقع و لا موضوعية فيهما بوجه إلا مع الدليل عليها و هو مفقود في المقام، فإن استناب مع رجاء الزوال و كان العذر باقيا يجزي عن حجة الإسلام، و إن استناب مع اليأس و ارتفع العذر فلا يجزي.

تبيّن مما تقدم أنّ الظاهر عدمها، لأنّ المناط على الواقع دون الرجاء من حيث هو فلا أثر حينئذ للرجاء غير المصادف للواقع حين العمل، فكلام صاحب المدارك موافق للقاعدة. و لكن يمكن أن يقال: إنّ العذر كان موجودا حين عمل النائب و اليأس حصل بعده، فاليأس كان موجودا في علم اللّه حين العمل أيضا و المدار على الواقع و ما هو في علم اللّه تعالى، فالحق مع الماتن، و لا وجه لكلام صاحب المدارك.

لما ذكرناه من الخدشة فيه.

قد يقال: حيث إنّ الحكم مخالف للقاعدة، فلا بد و أن يقتصر على مورد الدليل. و كذا الكلام في الاستنابة على الميقات. و لكنه مخدوش لأنّ ذكر الاستنابة في الأدلة و الكلمات من باب الغالب لا الموضوعية الخاصة و إنّما المناط كله عمل الحج من حيث هو من دون دخل للنيابة و الطريق أصلا فيصح التبرع للصورتين أيضا. هذا و لو كان التبرع بتسبب منه فلا إشكال في الإجزاء، إذ لا يقصر حينئذ عن النيابة كما هو واضح.

ظهر وجه الاحتياط مما مرّ فراجع و تأمل.

(مسألة ۷۳): إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق، فإن مات بعد الإحرام و دخول الحرام أجزأه عن حجة الإسلام (313)، فلا يجب القضاء عنه. و إن مات قبل ذلك وجب القضاء عنه و إن كان موته بعد الإحرام على المشهور الأقوى خلافا لما عن الشيخ، و ابن إدريس فقالا: بالإجزاء حينئذ أيضا. و لا دليل لهما على ذلك إلا إشعار بعض الأخبار كصحيحة يزيد العجلي حيث قال فيها- بعد الحكم بالإجزاء إذا مات في الحرم- «و إن كان مات- و هو صرورة قبل أن يحرم- جعل جملة و زاده و نفقته في حجة الإسلام» فإنّ مفهومه الإجزاء إذا كان بعد أن يحرم لكنّه معارض بمفهوم صدرها (31٤) بصحيح ضريس (315) و صحيح زرارة و مرسل المقنعة (316) مع أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله: «قبل أن يحرم» قبل أن يدخل في الحرم (317)، كما يقال: «أنجد» أي: دخل في نجد، و «أيمن» أي: دخل اليمن، فلا ينبغي الإشكال في عدم كفاية الدخول في الإحرام كما لا يكفي الدخول في الحرم بدون الإحرام، كما إذا نسيه في الميقات و دخل الحرم ثمَّ مات، لأنّ المنساق من اعتبار الدخول في الحرم كونه بعد الإحرام، و لا يعتبر دخول مكة، و إن كان الظاهر من بعض الأخبار ذلك (318) لإطلاق البقية في كفاية دخول الحرم، و الظاهر عدم الفرق بين كون الموت حال الإحرام أو بعد الإحلال، كما إذا مات بين الإحرامين (319)، و قد يقال بعدم الفرق أيضا (320) بين كون الموت في الحل أو الحرم بعد كونه بعد الإحرام و دخول الحرم، و هو مشكل لظهور الأخبار في الموت في الحرم (321)، و الظاهر عدم الفرق بين حج التمتع و القران و الإفراد (322)، كما أنّ الظاهر أنّه لو مات في أثناء عمرة التمتع أجزأه عن حجه أيضا (323)، بل لا يبعد الإجزاء- إذا مات في أثناء حج القران أو الإفراد- عن عمرتها و بالعكس (32٤) لكنه مشكل، لأنّ الحج و العمرة فيهما عملان مستقلان (325) بخلاف حج التمتع فإنّ العمرة فيه داخلة في الحج فهما عمل واحد. ثمَّ الظاهر اختصاص حكم‏ الأجزاء بحجة الإسلام، فلا يجزئ الحكم في حج النذر و الإفساد إذا مات في الأثناء. بل لا يجري في العمرة المفردة (326) أيضا و إن احتمله بعضهم (327). و هل يجري الحكم المذكور فيمن مات مع عدم استقرار الحج عليه فيجزيه عن حجة الإسلام إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم، و يجب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك؟ وجهان، بل قولان (328)، من إطلاق الأخبار في التفصيل المذكور، و من أنّه لا وجه لوجوب القضاء عمّن لم يستقرّ عليه بعد كشف موته عن عدم الاستطاعة الزمانية، و لذا لا يجب إذا مات في البلد قبل الذهاب، أو إذا فقد بعض الشرائط الأخر مع كونه موسرا. و من هنا ربما يجعل الأمر بالقضاء فيها قرينة على اختصاصها بمن استقرّ عليه. و ربما يحتمل اختصاصها بمن لم يستقر عليه و حمل الأمر بالقضاء على الندب. و كلاهما مناف لإطلاقها مع أنّه على الثاني يلزم بقاء الحكم فيمن استقر عليه بلا دليل، مع أنّه مسلّم بينهم، و الأظهر الحكم بالإطلاق، إما بالتزام وجوب القضاء في خصوص هذا المورد من الموت في الطريق- كما عليه جماعة- و إن لم يجب إذا مات مع فقد سائر الشرائط أو الموت و هو في البلد إما بحمل الأمر بالقضاء على القدر المشترك و استفادة الوجوب فيمن استقرّ عليه من الخارج (329)، و هذا هو الأظهر (330). فالأقوى جريان الحكم المذكور فيمن لم يستقر عليه أيضا، فيحكم بالإجزاء إذا مات بعد الأمرين، و استحباب القضاء عنه إذا مات قبل ذلك (331).

للنصوص، و الإجماع منها صحيح ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق، فقال (عليه السلام): إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام»۱۰۷.

و منها: صحيح بريد العجلي قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل‏ خرج حاجا، و معه جمل له و نفقة و زاد، فمات في الطريق قال (عليه السلام) إن كان صرورة ثمَّ مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام، و إن كان مات- و هو صرورة قبل أن يحرم- جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام»۱۰۸.

لأنّ مفهوم قوله (عليه السلام): «ثمَّ مات في الحرم» إنّما هو عدم الإجزاء إن مات قبله سواء كان محرما أم لا، و لا ريب أنّ هذا الصحيح مشتمل على شرطين أحدهما: قوله (عليه السلام): «إن كان صرورة ثمَّ مات في الحرم فقد أجزأ حجة الإسلام» ثانيهما: قوله (عليه السلام): «و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم».

و الأقسام المتصوّرة في المقام ثلاثة:

الأول: تقييد الشرطية الثانية فيكون المراد قبل أن يحرم و يدخل الحرم و مفاده عدم الإجزاء و وجوب القضاء و هو مسلّم بين الكل.

الثاني: التصرف في الشرطية الأولى بأن يراد من قوله (عليه السلام): «مات في الحرم» أي: مات قبل الإحرام حتى يتحد الصدر و الذيل و يصير دليلا لما نسب إلى الشيخ و ابن إدريس، و لا ريب في كونه خلاف الظاهر، و لا يصح مستندا لهذا الحكم المخالف للأصل.

الثالث: إجمال الصحيح من حيث المفهوم، فلا يصلح للاستدلال به مطلقا مع معارضته بصحيح ضريس.

تقدم نقله عن أبي جعفر (عليه السلام) و أنّه نصّ في اعتبار دخول الحرم في الإجزاء، و عدم الإجزاء مع عدم الدخول فيه.

ففي‏ الأول: «قلت فإن مات و هو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة قال (عليه السلام): يحج عنه إن كان حجة الإسلام و يعتمر إنّما هو شي‏ء عليه»۱۰۹ فيدل على أنّ مجرّد الإحرام لا يكفي في الإجزاء. و أما إطلاق وجوب القضاء عنه فلا بد من حمله إما على من استقر عليه الحج أو على الندب، جمعا و إجماعا.

و في‏ الأخير: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «من خرج حاجا فمات في الطريق فإنّه إن كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه»۱۱۰ و هو محمول على ما إذا مات محرما بقرينة غيره، مضافا إلى قصور سنده.

لكنه احتمال بعيد و لا وجه له.

تقدم ذلك في صحيح زرارة الدال بالمفهوم على اعتبار دخول مكة في الإجزاء بالنسبة إليه. و لكنه مشكل، لكونه في مورد سؤال السائل فلا عبرة بمفهومه.

لظهور الإطلاق الشامل لهما.

قاله في الدروس، و المدارك. و عن الأخير: إنّ بهذا التعميم قطع المتأخرون.

و قد صرّح به في صحيح ضريس، مع أنّ الحكم مخالف للأصل فلا بد أن يقتصر على خصوص مورد الدليل إلا أن يدل دليل معتبر على عدم الفرق بين الموت في الحرم و غيره و هو مفقود. نعم، من قطع بعدم الفرق بينهما فهو مجبول على العمل بقطعه.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ ذلك إنّما هو من باب الغالب، لأنّ بناء الحجاج على عدم الخروج عن الحرم غالبا و حينئذ فيشمل من مات في عرفات أيضا، مع أنّ مقتضى كون الحكم إرفاقيا هو التوسعة فيه.

لظهور الإطلاق الشامل للجميع، و يقتضيه إطلاق ظاهر كلمات المشهور أيضا.

لإطلاق الروايات و الكلمات الشامل له أيضا. الحج و العمرة في التمتع عمل واحد، فما ورد في حجة يشمل عمرته و بالعكس.

لإمكان أن يراد بالحج الوارد- في أخبار المقام- الحج و ما يلزمه من الأعمال في تلك المشاعر العظام، فيشمل العمرة و بالعكس، مع أنّ هذا تفضل خاص للمضيف بالنسبة إلى ضيفه فلا وجه لأن يحدّ بحدّ خاص إلا بالدليل المخصوص.

فلا ربط لما ورد في أحدهما بالآخر، و أخبار المقام ورد في الحج فلا يشمل العمرة إلا بدليل من الخارج، و في التمتع ثبت بالدليل و هو ما يأتي من الأخبار الدالة على أنّهما عمل واحد و لم يرد ذلك في القرآن و الإفراد، بل ورد بالعكس. إلا أن يقال:

إنّ المراد بالحج في أخبار المقام و هو الحج مع لوازمه الشرعية و كل ما يفعل في تلك‏ المشاعر العظام، فيشمل العمرة حينئذ مطلقا، مع أنّ الحكم مبنيّ على الامتنان، و التسهيل و الإرفاق و التفضل.

كل ذلك لأنّ الحكم مخالف للأصل فلا بد و أن يقتصر فيه على المنساق من مورد الدليل إلا أن يتمسك بذيل الإرفاق و التسهيل و الامتنان الشامل لذلك كله، و لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كانت هذه الأخبار في مقام جعل البدل للواقع، أو في مقام رفع اليد عنه، لأنّ كلا منهما من طرق تفضل الشريعة و توسعته على أمته.

هو صاحبي المدارك و الحدائق، و ليس لهم دليل إلا الجمود على لفظ الحج الوارد في الدليل الشامل لكل ما يسمّى حجا.

و أورد عليه: أنّه خلاف المنساق منه ظاهرا بل لا يشمل الحج النيابي أيضا.

نعم، ورد فيه الدليل الخاص به كما يأتي في فصل النيابة [مسألة ۱۰] فراجع. لكن الإيراد ممنوع و مناسبة الحكم و الموضوع و التسهيل و الإرفاق خصوصا في الأزمنة القديمة التي يتحمل فيها من المتاعب في سفر الحج شيئا كثيرا يقتضي التعميم، فتلك المتاعب صارت حكمة لتشريع هذا الحكم الإرفاقي، و يمكن أن يستفاد التعميم فيما ورد في الحج النيابي أيضا كما سيأتي.

نسب الأول إلى المبسوط، و النهاية، و القواعد، و حكى الأخير في الجواهر عن بعض.

و هو الإجماع المسلم بينهم و استفادة الندب من الدليل الظاهر في الوجوب بتعدد الدال المدلول شائع في الفقه، بل دأب أهل المحاورة في مقام الإفادة و الاستفادة كما لا يخفى.

و قد يقال: إنّ النصوص واردة في مقام الإجزاء بعد الفراغ عن ثبوته على المكلف باجتماع الشرائط، فلا يشمل من لم يستقر عليه الحج.

و فيه: أنّه من مجرّد الاحتمال و الادعاء من غير دليل عليه، و ظاهر الإطلاق مع كون الحكم تسهيلا و امتنانيا الشمول لمن لم يستقر عليه الحج أيضا.

و ما يتوهم: من أنّ الحكم مخالف للأصل لا بد و أن يقتصر فيه على المتيقن (مدفوع): بأنّه فيما إذا كان الدليل لبيا لا في الدليل اللفظي الظاهر في مطلق حجة الإسلام مع السياق الوارد في التسهيل و الامتنان على الأنام.

و طريق الاحتياط تصدي كبار الورثة لذلك من مالهم أو من سهامهم.

(مسألة ۷٤): الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع، لأنّه مكلّف‏ بالفروع، لشمول الخطابات له أيضا (332). و لكن لا يصح منه ما دام كافرا كسائر العبادات (333) و إن كان معتقدا لوجوبه، و آتيا به على وجهه مع قصد القربة (33٤)، لأنّ الإسلام شرط في الصحة (335)، و لو مات لا يقضى عنه، لعدم كونه أهلا للإكرام و الإبراء (336). لو أسلم مع بقاء استطاعته وجب عليه، و كذا لو استطاع بعد إسلامه (337)، و لو زالت استطاعته ثمَّ أسلم لم يجب عليه على الأقوى، لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله (338). كقضاء الصّلاة و الصّيام، حيث إنّه‏ واجب عليه حال كفره كالأداء، و إذا أسلم سقط عنه، و دعوى: أنّه لا يعقل الوجوب عليه، إذ لا يصح منه إذا أتى به و هو كافر و يسقط عنه إذا أسلم مدفوعة (339). بأنّه لا يمكن أن يكون الأمر به حال كفره أمرا تهكميا ليعاقب لا حقيقيا. لكنّه مشكل بعد عدم إمكان إتيانه به، لا كافرا و لا مسلما (340).و الأظهر أن يقال: إنّه حال استطاعته مأمور بالإتيان به مستطيعا و إن تركه فمتسكعا، و هو ممكن في حقه، لإمكان إسلامه و إتيانه مع الاستطاعة و لا معها إن ترك، فحال الاستطاعة مأمور به في ذلك الحال، و مأمور- على فرض تركه حالها بفعله- بعدها و كذا يدافع الإشكال في قضاء الفوائت، فيقال: إنّه في الوقت مكلّف بالأداء، و مع تركه بالقضاء و هو مقدور له بأن يسلم فيأتي بها أداء، و مع تركها قضاء فتوجه الأمر بالقضاء إليه إنّما هو في حال الأداء على نحو الأمر المعلق. فحاصل الإشكال أنّه إذا لم يصح الإتيان به حال الكفر و لا يجب عليه إذا أسلم فكيف يكون مكلّفا بالقضاء و يعاقب على تركه؟. و حاصل الجواب: أنّه يكون مكلّفا بالقضاء في وقت الأداء على نحو الوجوب المعلق (3٤۱) و مع تركه الإسلام في الوقت فوّت على نفسه الأداء و القضاء، فيستحق العقاب عليه.و بعبارة أخرى: كان يمكنه الإتيان بالقضاء بالإسلام في الوقت إذا ترك الأداء و حينئذ فإذا ترك الإسلام و مات كافرا يعاقب على مخالفة الأمر بالقضاء، و إذا أسلم يغفر له، و إن خالف أيضا و استحق العقاب.

أثبتنا ذلك في هذا الكتاب مكرّرا۱۱۱ فراجع.

لأن العبادة مطلقا متقوّمة بكون العابد صالحا للتقرب إلى اللّه تعالى، و الكافر بمعزل عن ذلك ما دام على كفره.

لأنّ قوّة المانع تزيل المقتضي عن اقتضائه. فالصحة حينئذ تكون من قبيل حصول المعلول بلا علة.

إجماعا بقسمة من الإمامية بل من المسلمين.

لأنّ صحة العمل عن النائب فرع إمكان التقرب للمنوب عنه، و مع موت المنوب عنه على كفره كيف يمكن التقرب بالنسبة إليه حتى يصح عمل نائبه.

كل ذلك لعمومات الأدلة الشاملة له بلا مانع في البين، فالمقتضي للوجوب في الصورتين موجودة و المانع عنه مفقود فلا بد من الوجوب.

تقدم بعض ما يتعلق بقاعدة الجبّ في قضاء الصلاة فراجع.

و لباب المقام: أنّ القاعدة من المتفق عليها في جميع الملل و الأديان، إذ كل من ترك ملة و أخذ بغيرها يعمل بها فيما يأتي و لا يؤاخذ بالنسبة إلى ما مضى في الجملة، و حديث الجبّ‏۱۱۲ ورد على هذا الأمر الارتكازي بين جميع الملل و لأديان. و الإسلام‏ أولى و أحق بتلك، لابتنائه على السهولة و التيسير و التسهيل، فلا ينبغي له المؤاخذة على الأعمال السابقة في الجملة.

و لكن إطلاق الجبّ بالنسبة إلى كل شي‏ء تكليفيا كان أو وضعيا يحتاج إلى تأييد الحديث بقرينة خارجية من إجماع أو نحوه، فهو على إجماله معتبر و لكنه جزء الدليل لا أن يكون تمامه نظير قاعدة الميسور، و قاعدة الإلزام و نحوهما من القواعد المعتبرة في الجملة و تفصيل تلك الموارد، و تميز الفروع التي اتفقوا على دخولها تحت القاعدة، و ما اتفقوا على خروجها عنها، و ما شك فيها دخولا و خروجا يحتاج إلى مجال واسع نسأل اللّه تعالى أن يرزقنا ذلك.

ثمَّ إنّه لا مجال للبحث عن سند الحديث بعد اشتهاره بين الفريقين و اعتماد الفقهاء عليه في الجملة، و جريان عادتهم على الاستدلال به لا عليه كما يظهر من العلامة في المنتهى و التذكرة.

الظاهر أنّ أصل هذا الإشكال حدث عن أبي حنيفة و قرّره صاحب المدارك و لا اختصاص له بمورد دون آخر. و لبابه: أنّ التكليف بالحج في المقام- و قضاء الصلاة و الصيام- لغو، لأنّه مع البقاء على الكفر لا يصح منه و مع الإسلام يسقط عنه فلا يعقل أصل هذا التكليف. و قد أجيب عنه بوجوه خمسة على ما سيأتي.

و الأمر التهكمي إنّما يصح فيما إذا أمكن صدور عقلا، و ما هو اللغو الباطل لا يمكن صدوره من الحكيم تعالى.

و أما ما يتوهم من أنّ أدلة إثبات التكليف متساوية بالنسبة إلى الكافر و غيره لا وجه لاستفادة التهكمية بالنسبة إلى الكافر، و التكليفية بالنسبة إلى غيره (مخدوش):

لأنّ هذه الاستفادة تكون من باب تعدد الدال و المدلول بالنسبة إلى الكافر كما هو واضح فلا محذور في البين من هذه الجهة.

هذا هو الجواب الثاني عن الإشكال و استفادة الوجوب المعلق بالنسبة إلى الكافر تكون للقربة الخارجية، و يمكن أن يكون تكليفا واحدا بالنسبة إلى شخص مطلقا، و بالنسبة إلى آخر مشروطا، و بالنسبة إلى ثالث معلقا، و بالنسبة إلى رابع مندوبا كل ذلك لأجل القرائن الخارجية. و قد تعرضنا في الأصول- لإمكان الواجب المعلق و أجبنا عن الإشكالات الواردة عليه فراجع.

الثالث: إنّ المستفاد من مجموع الأدلة أنّ الكافر مكلف بالحج بعد زوال الاستطاعة و استقرار الحج عليه، و كذا بقضاء الصلاة و الصيام لتمكنه من إتيانها بالإسلام فلا إشكال في ثبوت التكليف ملاكا و خطابا. و تظهر الثمرة: في أنّه لو مات على كفره يعاقب على ترك ذلك كله، و لو أسلم يكون إسلامه بدلا عما وجب عليه و يسقط المبدل بالإتيان بالبدل.

الرابع: أنّه من قبيل تفويت الواجب كمن ترك التعليم حتى ضاق الوقت عنه‏ و لم يتمكن منه حيث إنّه يسقط عنه الواجب باختياره و يعاقب على تركه. و في المقام لو مات كافرا يعاقب على ترك الحج لتمكنه من الإتيان به بأن يسلم و يأتي به.

و إن أسلم يصير مورد تفضل اللّه تعالى بسقوط التكليف عنه. فالمسألة ذات أثر شرعيّ.

الخامس: إنّ أصل الإشكال إنّما يحدث بالنسبة إلى القضاء، فإنّه مع الإسلام يسقط و مع عدمه لا يصح، فلا يعقل بالأمر به و هو مبنيّ على تعدد الأمر بالنسبة إلى الأداء و إلى القضاء. و لنا أن ننفي أصل تعدد الأمر حتى لا يلزم المحذور، و نقول:

أنّه ليس في البين إلا أمر واحد بالنسبة إلى الأداء بنحو تعدد المطلوب فلا أمر إلا بالنسبة إلى الأداء فإن أسلم و أتى به يسقط و إن لم يسلم يعاقب على تركه، و إن أسلم بعد الوقت يسقط أمر الأداء بماله من التبعات و لا محذور فيه من عقل أو نقل. و هناك أجوبة أخرى عن الإشكال ظاهرة الخدشة من شاء العثور عليها فليراجع المطولات.

(مسألة ۷٥): لو أحرم الكافر ثمَّ أسلم في الأثناء لم يكفه و وجب عليه الإعادة من الميقات (342) و لو لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه (343). و لا يكفيه إدراك أحد الوقوفين مسلما، لأنّ إحرامه باطل.

لوقوع إحرامه باطلا، فلا أثر له، لأنّ الإسلام من شرائط صحة العبادات مطلقا، و لا فرق فيه بين كون الإحرام عبادة مستقلة أو جزء النسك.

إلحاقا له بالناسي و الجاهل بدعوى: أنّ ورود الدليل فيهما من باب المثال، فيشمل كل من لم يتمكن من الرجوع. و تشهد له قاعدة الميسور أيضا.

(مسألة ۷٦): المرتد يجب عليه الحج، سواء كانت استطاعته حال‏ إسلامه السابق أو حال ارتداده (3٤٤)، و لا يصح منه (345) فإن مات قبل أن يتوب يعاقب على تركه (346)، و لا يقضي عنه على الأقوى، لعدم أهليته للإكرام و تفريغ ذمته كالكافر الأصلي، و إن تاب وجب عليه و صح منه و إن كان فطريا على الأقوى من قبول توبته (347)، سواء بقيت استطاعته أو زالت قبل توبته، فلا تجري فيه قاعدة جبّ الإسلام، لأنّها مختصة بالكافر الأصليّ بحكم التبادر (348)، و لو أحرم في حال ردته ثمَّ تاب وجب عليه الإعادة كالكافر الأصلي (349)، و لو حج في حال إسلامه ثمَّ ارتد لم يجب عليه الإعادة على الأقوى، ففي خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «من كان مؤمنا فحج ثمَّ أصابته فتنة ثمَّ تاب، يحسب له كل عمل صالح عمله، و لا يبطل منه شي‏ء» و آية الحبط مختصة بمن مات على كفره، بقرينة الآية الأخرى و هي قوله تعالى: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ‏ و هذه الاية دليل على قبول توبة المرتد الفطري (350) فما ذكره بعضهم، من عدم قبولها منه لا وجه له (351).

لتكليف الكفار بالفروع كتكليفهم بالأصول على ما أثبتناه غير مرّة، بلا فرق فيه بين جميع أصناف الكفار من الأصليّ و المرتد بقسميه.

لتقوم العبادة بالقربة و عدم لياقة الكافر للتقرب إلى اللّه تعالى.

لأنّه لا معنى لصحة التكليف إلا صحة المعاقبة على الترك و هذه من اللوازم العقلية لها.

لإطلاقات قبول التوبة و عموماتها الشاملة له أيضا۱۱۳، و ليس في البين ما يصلح للتقييد و التخصيص، و قد تقدّم في كتاب الطهارة راجع (الثامن من المطهرات). و إذا قبلت توبته يصير كأحد من المسلمين حينئذ في جميع التكاليف مطلقا.

و يظهر منهم (رحمهم اللّه) التسالم على الاختصاص به، و يشهد له الاعتبار العرفيّ أيضا.

لما مرّ من تقوم العبادة بأجزائها، و جزئياتها بكون العابد لائقا للتقرب، و الكافر لا يليق بذلك.

بدعوى: أنّه يعتبر في الحبط الذي هو عبارة عن عدم القبول الموت كافرا، فمن لم يمت كافرا لا يحبط عمله. و عدم الحبط مرتبة من مراتب القبول. و توهم: أنّ عدم الحبط أعمّ من القبول مردود بأنّ الحبط هو البطلان، و عدم البطلان عبارة أخرى عن الصحة، و التوبة الصحيحة تجري لا محالة بل تتقبل. نعم، للقبول مراتب كثيرة.

و لو نوقش في دلالة الآية تكفينا الإطلاقات و العمومات في قبولها منه كما تقدم.

(مسألة ۷۷): لو أحرم مسلما ثمَّ ارتد ثمَّ تاب لم يبطل إحرامه على الأصح، كما هو كذلك لو ارتد في أثناء الغسل ثمَّ تاب، و كذا لو ارتد في أثناء الأذان أو الإقامة أو الوضوء ثمَّ تاب قبل فوات الموالاة. بل و كذا لو ارتد في أثناء الصلاة (352) ثمَّ تاب قبل أن يأتي بشي‏ء أو يفوت الموالاة، على الأقوى من عدم كون الهيئة الاتصالية جزءا فيها (353). نعم، لو ارتد في أثناء الصّوم بطل، و إن تاب بلا فصل (35٤).

كل ذلك لأصالة الصحة، و عدم المانعية، و عدم كون الزمان متقوّما في تلك الأمور و داخلا في ذاتها و حقيقتها.

المراد بالهيئة الاتصالية هنا الأكوان المتخللة الفارغة عن التلبس بإتيان الجزء، و مقتضى الأصل عدم جزئيتها للصلاة بعد عدم دليل عليها.

لأنّ الزمان بجميع آناته متقوّم لحقيقة الصوم، فتبطل النية في الزمان الذي ارتد فيه، لما مرّ من جهة عدم كون الكافر لائقا للتقرب، فلا يقع فيه الصوم قهرا. و يكون نظير نية القطع و القاطع مع عدم الإتيان بالمفطر حيث يبطل الصوم، لوقوع جزء من الصوم بلا نية.

(مسألة ۷۸): إذا حج المخالف ثمَّ استبصر لا يجب عليه الإعادة (355) بشرط أن يكون صحيحا في مذهبه (356)، و إن لم يكن صحيحا في مذهبنا من غير فرق بين الفرق، لإطلاق الأخبار. و ما دل على الإعادة من الأخبار محمول‏ على الاستحباب بقرينة بعضها الآخر من حيث التعبير بقوله (عليه السلام): «يقضي أحبّ إليّ» و قوله (عليه السلام): «و الحج أحبّ إليّ» (357).

لنصوص كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح العجلي: «كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمَّ منّ اللّه تعالى و عرفه الولاية فإنّه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنّه يعيدها، لأنّه وضعها في غير موضعها، لأنّها لأهل الولاية. و أما الصلاة، و الحج، و الصيام فليس عليه قضاء»۱۱4 و كذا صحيح الفضلاء و هذا هو المشهور.

و عن ابني الجنيد و البراج وجوب الإعادة لقوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير: «لو أنّ رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجته، فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و إن كان قد حج»۱۱٥.

و في مكاتبة الهمداني إلى أبي جعفر (عليه السلام) «إنّي حججت- و أنا مخالف- و كنت صرورة و دخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج؟. فكتب (عليه السلام) إليه: أعد حجك»۱۱٦.

و فيه: أنّهما مضافا إلى قصور سندهما، و إعراض الأصحاب عنهما محمولان على الندب بقرينة غيرهما مما يأتي، أو محمولان على بعض مراتب النصب و الخلاف الموجب للكفر.

لأنّه المنساق من أدلة التقرير، و المرتكز في أذهان المتشرعة- منهم- و منا، فترد الأدلة على ذلك المرتكز.

و أما ما مرّ من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح العجلي: «لأنّه وضعها في غير موضعها، لأنّها لأهل الولاية» فليس في مقام بيان اعتبار الصحة الواقعية أو التعميم حتى للفاسد عندهم، بل في مقام الفرق بين حق الناس و حق اللّه تعالى، فتكون الزكاة مثل ما إذا أدى المديون دينه إلى غير الدّائن و هو لا يجزي عند الكل. أما حق اللّه تعالى فهو مبنيّ على العفو و التفضل و الرحمة، فلا بد من الإجزاء، كما أنّ وليّ الزكاة إن قبل ما أعطاه من الزكاة يجزئ أيضا.

فروع- (الأول): لو كان باطلا في مذهبه و صحيحا في مذهب غيره من مذاهب العامة- كما إذا عمل الحنفي بمقتضى مذهب المالكي مثلا- فيمكن القول بالإجزاء، لأنّ المنساق من الأدلة التسهيل و الترغيب و إيجاد الألفة.

(الثاني): لو عمل بمقتضى مذهبنا و كان عمله صحيحا عندنا و باطلا عندهم يمكن القول بالإجزاء بالأولى، و لكنّه مشكل، لاحتمال أن يكون لتقرير خصوص مذهبهم موضوعية خاصة للايتلاف بين المسلمين، مع أنّ صحة عملهم عندنا غير متصوّرة بعد كون الاعتقاد بالولاية من شروط الصحة، كما عن المشهور إلا أن يراد الصحة بالنسبة إلى غير هذا الشرط.

(الثالث): لو لم يعمل شيئا في حال الضلال ثمَّ استبصر وجب عليه قضاء ما فاته، لعمومات الأدلة، و إطلاقاتها.

(الرابع): الظاهر شمول إطلاقات الأدلة لمن كان مستبصرا ثمَّ ضلّ ثمَّ استبصر.

(الخامس): صحة ما مضى من الأعمال بعد الاستبصار يمكن أن تكون لأجل كون الإيمان من الشرط المت، كما يمكن أن تكون تفضّلا من اللّه تعالى، و الأول يرجع إلى الأخير أيضا كما لا يخفى.

(السادس): مقتضى الإطلاقات تمامية حجه و لو مع تركه لطواف النساء، فيجوز للمؤمنة التزويج معه و لو لم يأت بطواف النساء.

في صحيح العجلي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن رجل حج» و هو لا يعرف هذا الأمر، ثمَّ منّ اللّه تعالى عليه بمعرفته و الدينونة به، أ عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال (عليه السلام): قد قضى فريضته و لو حج لكان أحبّ إليّ. قال: و سألته عن رجل حج و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة، ناصب متدين، ثمَّ منّ اللّه عليه فعرف هذا الأمر يقضي حجة الإسلام؟ فقال (عليه السلام) يقضي أحبّ إليّ»۱۱۷.

(مسألة ۷۹): لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحج (358) إذا كانت مستطيعة، و لا يجوز له منعها منه (359). و كذا في الحج الواجب بالنذر و نحوه إذا كان مضيّقا (360)، و أما في الحج المندوب فيشترط إذنه، و كذا في الواجب الموسّع‏ قبل تضيقه على الأقوى (36۱)، بل في حجة الإسلام يجوز له منعها من الخروج‏ مع أول الرفقة، مع وجود الرفقة الأخرى قبل تضيق الوقت. و المطلقة الرجعية كالزوجة في اشتراط إذن الزوج ما دامت في العدّة (362) بخلاف البائنة، لانقطاع عصمتها منه (363)، و كذا المعتدّة للوفاة فيجوز لها الحج، واجبا كان أو مندوبا (36٤) و الظاهر أنّ المنقطعة كالدّائمة في اشتراط الإذن (365)، و لا فرق في اشتراط الإذن بين أن يكون ممنوعا من الاستمتاع بها كمرض أو سفر أو لا (366).

للأصل، و النصوص، و الاتفاق، فعن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح قال: «سألته عن المرأة لم تحج، و لها زوج، و أبى أن يأذن لها في الحج، فغاب زوجها، فهل لها أن تحج؟ قال (عليه السلام): لا طاعة له عليها في حجة الإسلام»۱۱۸.

و عنه (عليه السلام) أيضا قال: «سألته عن امرأة لها زوج و هي صرورة، و لا يأذن لها في الحج قال (عليه السلام): تحج و إن لم يأذن لها»۱۱۹.

و في صحيح معاوية بن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): امرأة لها زوج، فأبى أن يأذن لها في الحج، و لم تحج حجة الإسلام، فغاب عنها زوجها و قد نهاها أن تحج، فقال (عليه السلام): لا طاعة له عليها في حجة الإسلام «و لا كرامة لتحج إن شاءت»۱۲۰.

لأصالة عدم حقّ له عليها في المقام، مع أنّه أمر بالمنكر، و مخالف لقاعدة السلطنة.

إجماعا، و لأهمية مراعاة حق اللّه تعالى، و قد أرسل قوله (عليه السلام) «لا» طاعة لمخلوق في معصية الخالق»۱۲۱ إرسال المسلّمات في أبواب الفقه.

أما في المندوب، فللإجماع، و إطلاق ما دلّ على أنّه ليس للزوجة الخروج من بيتها إلا بإذن زوجها خرج منه الواجب المضيق و بقي الباقي.

و في موثق ابن عمار عن الكاظم (عليه السلام): «المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجني مرّة أخرى، أ له أن يمنعها من ذلك؟ قال (عليه السلام): نعم، يقول لها: حقي عليك أعظم من حقّك عليّ في هذا»۱۲۲.

و عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «و لا تخرج من بيتها إلا بإذنه»۱۲۳.

و أما في الموسع قبل التضيق فلإطلاق موثق ابن عمار فإنّه يشمل كل ما ليس فيه معصية اللّه بالنسبة إلى منع الزوج، فيشمل منعه لها عن الخروج مع أول الرفقة قبل التضيق، إذ ليس في ذلك معصية حتى لا يكون لمنعه أثر.

هذا، و لكن يمكن أن يقال: إنّ حقه ثابت ما لم يكن المورد موردا للوجوب الشرعي و لو بنحو الواجب الموسع، لأنّ منعها عن ذلك مع الالتفات إلى هذه الجهة نحو تصرّف في سلطان الشارع، و تضييق لما وسعه اللّه تعالى. و الشك في ثبوت مثل هذا الحق للزوج بالنسبة إلى زوجته يكفي في جريان أصالة عدم حق له عليها هذا بعد عدم عموم متكفل لإثبات مثل هذا الحق المطلق له عليها.

و تلخيص المقال: إنّ ما تأتي به الزوجة أقسام:

الأول: أن يكون واجب مضيق فلا ريب في عدم حق للزوج على منعها عن الإتيان به سواء توقف الإتيان به على الخروج من المنزل- كالحج- أم لا، و سواء كان الإتيان منافيا لحق الاستمتاع منها أم لا إن ثبت شرعا أهمية إتيان ذلك الواجب من مراعاة حقه- كالصلاة، و الصوم، و الحج و نحوهما، و الوجه في ذلك كله معلوم و هو ثبوت الأهمية الموجب للتقديم عقلا و نقلا.

الثاني: أن يكون واجبا متوقفا على الخروج من المنزل، أو كان إتيانه منافيا للاستمتاع و لم تثبت أهميته من حق الزوج مع كونه مضيقا، و ظاهر إطلاق كلماتهم عدم حق المنع للزوج، و يدل عليه تمسكهم بإطلاق قوله (عليه السلام): «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»۱۲4.

الثالث: هذه الصورة و سابقتها مع كون الواجب موسعا. و عن جمع: إنّ للزوج حق المنع إلى أن يصير الواجب مضيقا فلا حق له حينئذ، لثبوت عموم حقه و عدم المزاحمة بين الوسعين و لا بين المضيق و الموسع و هذا صحيح لو كان مناط التقديم حيثية المزاحمة من حيث هي، و لكن لو كان المناط ملاحظة نفس الوجوبين من حيث هو وجوب، فتقديم حق الزوج يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

إن قيل: يمكن أن يستفاد التوقف على إذنه مما ورد من أنّه لا نذر في مالها إلا بإذنه. و لا تصوم تطوعا إلا بإذنه- كما تقدم.

(يقال): هذا مختص بمورده و ليس لنا التعدّي منه إلى غيره، لأنّ ثبوت الحق المطلق له عليها مناف لقاعدة السلطنة الثابتة ببناء العقلاء المقرّرة شرعا.

و بالجملة مقتضى أصالة عدم حق له عليها إلا في مورد الدليل، و قاعدة سلطنة الناس على أنفسهم عدم حق المنع للزوج إلا إذا دل عليه دليل بالخصوص و هو مفقود في المقام.

إن قيل: الدليل في المقام ما دلّ على أنّه ليس لها أن تخرج من البيت إلا بإذن زوجها، كما يأتي التعرض له في أحكام النشوز من كتاب النكاح.

(يقال): في شموله للخروج المتصف بطبيعيّ الوجوب إشكال بل منع، و الشك في الشمول يكفي في عدمه في مقابل قاعدة السلطنة.

ثمَّ إنّه لا بدّ و أن يبحث من أنّ حقه عليها من الحقوق الاقتراحية و يدور مدار مشيته و إرادته المطلقة، أو إنّه يدور مدار الأغراض الصحيحة العقلائية و يأتي في‏ كتاب النكاح بعض القول فيه، و في فروع أخرى ترتبط بالمقام.

ثمَّ إنّه قد يظهر من بعض الروايات أنّه لو كان المورد من بعض المندوبات و تركتها الزوجة لطاعة زوجها تثاب بأكثر من إتيان ذلك المندوب كخبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ رجلا من الأنصار على عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته عهدا أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم، قال: و إنّ أباها قد مرض فبعثت المرأة إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) تستأذنه أن تعوده فقال: لا، اجلسي في بيتك و أطيعي زوجك- إلى أن قال- قال:

فمات أبوها فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه فقال: لا، اجلسي في بيتك و أطيعي زوجك قال: فدفن الرجل فبعث إليها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّ اللّه قد غفر لك و لأبيك بطاعتك لزوجك»۱۲٥.

نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «المطلقة إن كانت صرورة حجت في عدتها، و إن كانت حجت فلا تحج حتى تقضي عدتها»۱۲٦.

و في صحيح ابن عمار: «و لا تحج المطلقة في عدتها»۱۲۷ المحمول على الرجعية إجماعا، مع أنّهم (رحمهم اللّه) أرسلوا إرسال المسلّمات قولهم (رحمهم اللّه): «المطلقة رجعية زوجة».

للأصل، بعد انقطاع الاعتصام، و لظهور الإجماع.

نصوصا، و إجماعا ففي موثق زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«سألته عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها أ تحج في عدتها؟ قال (عليه السلام):

نعم»۱۲۸، و يقتضيه الأصل، و ظهور الاتفاق، و قاعدة السلطنة.

لعموم جملة من الأخبار، و إطلاقها الشامل لها أيضا، مضافا إلى ظهور عدم الخلاف.

للإطلاق، و ظهور الاتفاق الدال على أنّ ذلك من جهة أصل حق الزوجية لا من متفرّعات الاستمتاع.

فروع- (الأول): عبادات الزوجة إن توقفت على الخروج من بيتها تتوقف على إذن الزوج إلا في المضيّق من الواجبات، و كذا الموسع من الواجب كما مرّ، لكن الأحوط فيه الاستئذان.

(الثاني): إن لم تتوقف عبادة الزوجة على الخروج من بيتها و كانت منافية لحق الاستمتاع تتوقف على إذن الزوج أيضا.

(الثالث): إن لم تتوقف العبادة على الخروج و لم تكن منافية لحق الاستمتاع أيضا، فمقتضى الأصل، و قاعدة السلطنة عدم حق له عليها في منعها. نعم، ورد النص في أنّ نذرها من مالها، و صومها تطوعا يتوقف على إذنه‏۱۲۹، و التعدّي منهما إلى غيرهما يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و السيرة بين المتشرعين و المتشرعات عدم الإذن و الاستئذان لذلك.

(الرابع): يظهر مما مرّ حكم أفعالها المباحة فإنّها قد تتوقف على الإذن و قد لا تتوقف.

(الخامس): لو منعها في صورة جواز المنع له فإن أتت بعمل توصليّ، فليس عليها إلا الإثم و يزول برضائه و لو بعد حين، و إن أتت بعبادة تفسد إن كان من النهي في العبادة و إلا يكون من مسألة الضد.

(مسألة ۸۰): لا يشترط وجود المحرم في حج المرأة إذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها، كما دلت عليه جملة من الأخبار (367). و لا فرق بين كونها ذات بعل أو لا (368) و مع عدم أمنها يجب عليها استصحاب المحرم و لو بالأجرة، مع‏ تمكنها منه، و مع عدمه لا تكون مستطيعة (369) و هل يجب عليها التزويج تحصيلا للمحرم؟ وجهان (370). و لو كانت ذات زوج، و ادعى عدم الأمن عليها و أنكرت، قدم قولها مع عدم البينة، أو القرائن الشاهدة (371)، و الظاهر عدم‏ استحقاقه اليمين عليها (372 الا أن ترجع الدعوى إلى ثبوت حق الاستمتاع له عليها بدعوى أنّ حجها مفوّت لحقه، مع عدم وجوبه عليها فحينئذ عليها اليمين على نفي الخوف (373). و هل للزوج- مع هذه الحالة- منعها من الحج باطنا إذا أمكنه ذلك؟ وجهان (37٤) في صورة عدم تحليفها و أما معه فالظاهر سقوط حقه (375). و لو حجت بلا محرم مع عدم الأمن، صح حجها إن حصل‏ الأمن قبل الشروع في الإحرام (376)، و إلا ففي الصحة إشكال و إن كان الأقوى الصحة (377).

منها: صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المرأة تخرج إلى مكة بغير وليّ، فقال (عليه السلام): لا بأس، تخرج مع قوم ثقاة»۱۳۰.

و في صحيح ابن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «المرأة تريد الحج و ليس معها محرم، هل يصلح لها الحج؟ فقال (عليه السلام): نعم، إذا كانت مأمونة»۱۳۱.

و في صحيح صفوان الجمال قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): قد عرفتني بعملي، تأتيني المرأة، أعرفها بإسلامها و حبّها إيّاكم و ولايتها لكم، ليس لها محرم فقال (عليه السلام) إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإنّ المؤمن محرم المؤمنة ثمَّ تلا هذه الآية «وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ‏ ..»۱۳۲ ، و مثله غيره، و يشهد له الأصل، و ظهور الإجماع، و قاعدة السلطنة.

لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و في صحيح ابن عمار عنه (عليه السلام):

«عن المرأة تحج بغير وليّ؟ قال (عليه السلام): لا بأس. و إن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها، و ليس لهم سعة فلا ينبغي لها أن تقعد، و لا ينبغي لهم أن‏ يمنعوها»۱۳۳ و ظهوره في عدم الفرق بين من لها زوج و من لا زوج لها مما لا ينكر.

لكون ذلك من مؤن الحج، فمع التمكن منها يجب، و مع العدم لا وجه للوجوب.

ثمَّ إنّ الواجب استصحاب من تثق به و لو لم يكن محرما فلا وجه لاختصاص الحكم بالمحرم، بل يجب عليها الحج إذا كانت مأمونة، كما في صحيح ابن خالد، فتحج بنفسها فقط مع الأمن على نفسها، و قد جرت السيرة على حج المؤمنات بأنفسهن في هذه العصور بلا استنكار عليهنّ من أحد.

الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد و الأشخاص فتارة: يكون التزويج من تحصيل الاستطاعة فلا يجب. و أخرى: يكون من تحصيل مقدمات السفر فيجب و المرجع في تشخيصه عرف المتشرعة. و منه يظهر أنّه يمكن أن يجعل النزاع في المقام صغرويّا.

حيث إنّ الزوجة عرض الزوج، فيكون خوف هتك عرضه و عدم الأمن عليه مما يقوم به عرفا فله الحق، و له المطالبة بالتحفظ على عرضه بإقامة الدعوى عند الحاكم الشرعي: بأنّي لست آمنا على عرضي و أتخوف عليه، فيكون مدعيا و إذا أنكرت الزوجة ذلك- و قالت: لا خوف عليّ و على عرضك- تكون منكرة فيجري عليها حكم المدعي و المنكر فيقبل قولها مع عدم البينة و القرائن المعتبرة، و لا يمين عليها، لأنّ الأمن و عدم الخوف مما لا يعرف غالبا إلا من قبل نفس الشخص، فيكون مثل الحيض، و الطهر، و الحمل مما يقبل قولها فيها بلا يمين، نعم، لو كانت متهمة، لاحتاج القبول إلى اليمين.

هذا إذا انطبق على تقرير الدعوى عنوان المدعي و المنكر. و يمكن تطبيق التداعي عليه بأن يدعى الزوج ثبوت الخوف في السفر، و تدعي الزوجة أنّ السفر مأمون فيجري عليه حينئذ حكمه.

و أما تشخيص أنّ تقرير الدعوى على أيّ نحو يكون من المدعي و المنكر و على أيّ نحو يكون من التداعي فلا ربط له بالمقام و يأتي تفصيله في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

لما مرّ من أنّ هذه الأمور مما لا تعرف إلا من قبل الشخص، فيكون مثل الحيض، و الحمل و نحوهما.

حيث إنّ الدعوى من الزوج إنّما هو تفويت الحق و إنكار الزوجة لا بد و أن يتوجه إلى هذه الدعوى بأن تنكر التفويت، للزوم المطابقة بين الدعوى و الإنكار، فيتحقق موضوع اليمين حينئذ بلا إشكال. و أما الحلف على نفي الخوف- كما في المتن- فلا وجه له بالنسبة إلى هذا النزاع، لعدم كون الخوف موردا لتقرير الدعوى حتى يتوجه اليمين بالنسبة إلى نفسه على الزوجة كما لا يخفى.

من أنّ التحفظ على عرضه من حقوقه، فله المنع، و إعمال حقه. و من حيث إنه مع إنكارها الخوف لا يبقى موضوع لحقه لتحقق الوجوب حينئذ بلا إشكال، فلا حق له حتى يمنعها باطنا، نعم، يصح المنع باطنا تعليقا على تحقق الخوف في علم اللّه تعالى.

يسقط الحق في الظاهر، لانقطاع الخصومة ظاهرا بالحجة الشرعية- بينة كانت أو يمينا- إن ثبت هذا النحو من الحق له بأن يعمل عند الشك فيه، و لكن‏ ثبوته محل إشكال، بل مقتضى الأصل عدمه. و أما في الواقع فالحق باق لو كانت كاذبة، فله حق المنع و الحبس على هذا التقدير مع علمه بكذبها و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

لتحقق المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فلا بد من الصحة و الإجزاء حينئذ.

لما تقدم في المسائل السابقة من بقاء الملاك و إن سقط الوجوب فراجع.

نعم، لو كان المورد من النهي في العبادة فلا وجه للصحة حينئذ.

(مسألة ۸۱): إذا استقر عليه الحج بأن استكملت الشرائط و أهمل حتى زالت أو زال بعضها- صار دينا عليه و وجب الإتيان به بأيّ وجه تمكن (378)، و إن مات فيجب أن يقضى عنه إن كانت له تركة (379) و يصح التبرع عنه (380)، و اختلفوا فيما به يتحقق الاستقرار على أقوال، فالمشهور مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعاله مستجمعا للشرائط و هو إلى اليوم الثاني عشر من ذي الحجة. و قيل باعتبار مضيّ زمان يمكن فيه الإتيان بالأركان جامعا للشرائط، فيكفي بقاؤها إلى مضيّ جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي، و ربما يقال باعتبار بقائها إلى عود الرفقة، و قد يحتمل كفاية بقائها إلى زمان يمكن فيه الإحرام و دخول الحرم، و قد يقال بكفاية وجودها حين خروج الرفقة (381)، فلو أهمل استقر عليه، و إن فقدت بعض ذلك، لأنّه كان مأمورا بالخروج معهم، و الأقوى اعتبار بقائها إلى زمان يمكن فيه العود إلى وطنه بالنسبة إلى الاستطاعة المالية، و البدنية، و السربية، و أما بالنسبة إلى مثل العقل فيكفي بقاؤه إلى آخر الأعمال، و ذلك لأنّ فقد بعض الشرائط يكشف عن عدم الوجوب عليه واقعا، و أنّ وجوب الخروج مع الرفقة كان ظاهريّا و لذا لو علم من الأول أنّ الشرائط لا تبقى الى الآخر لم يجب عليه (382). نعم، لو فرض تحقق الموت بعد تمام الأعمال كفى بقاء تلك الشرائط إلى آخر الأعمال، لعدم الحاجة حينئذ إلى نفقة العود، و الرجوع إلى كفاية و تخلية السرب و نحوها، و لو علم من الأول بأنّه يموت بعد ذلك، فإن كان قبل تمام الأعمال لم يجب عليه المشي (383)، و إن كان‏ بعده وجب عليه (38٤). هذا إذا لم يكن فقد الشرائط مستندا إلى ترك المشي و الا استقر عليه، كما إذا علم أنّه لو مشى إلى الحج لم يمت أو لم يقتل أو لم يسرق ماله مثلا، فإنّه حينئذ يستقرّ عليه الوجوب، لأنّه بمنزلة تفويت الشرط على نفسه. و أما لو شك في أنّ الفقد مستند إلى ترك المشي أو لا، فالظاهر عدم الاستقرار، للشك في تحقق الوجوب و عدمه واقعا، هذا بالنسبة إلى استقرار الحج لو تركه، و أما لو كان واجدا للشرائط حين المسير فسار، ثمَّ زال بعض الشرائط في الأثناء فأتم الحج على ذلك الحال. كفى حجة عن حجة الإسلام (385) إذا لم يكن المفقود مثل العقل، بل كان هو الاستطاعة البدنية أو المالية، أو السربية و نحوها على الأقوى.

نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «يخرج و يمشي إن لم يكن له مال، قلت: لا يقدر على المشي قال (عليه السلام): يمشي و يركب، قلت: لا يقدر على ذلك أعني: المشي قال (عليه السلام): يخدم القوم و يخرج معهم»۱۳4 المحمول على من استقر عليه الحج.

للنصّ، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي:

«تقضي عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله»۱۳٥، و في موثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن الرجل يموت، و لم يحج حجة الإسلام، و لم يوص بها و هو موسر فقال (عليه السلام) يحج عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك»۱۳٦ و قريب منه خبر العجلي و غيره.

للإجماع، و النصوص:

منها: صحيح ابن عمار قال سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض إخوانه، هل يجزي ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال: بلى هي حجة تامة»۱۳۷.

و خبر عامر بن عميرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) بلغني عنك أنّك قلت: لو أنّ رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه فقال (عليه السلام): نعم، أشهد بها على أبي أنّه حدثني أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أتاه رجل فقال: يا رسول اللّه إنّ أبي مات و لم يحج، فقال له رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): حج عنه فإنّ ذلك يجزي عنه»۱۳۸.

نسب القول‏ الأول‏ إلى التذكرة، و مهذب البارع. و الثاني إلى التذكرة أيضا، و الثالث إلى القواعد. و الأخير إلى جمع منهم صاحب المستند.

و الكل مخدوش:

أما الأول‏، فلأنّه مبنيّ على التفكيك بين أجزاء الواجب و لا دليل عليه، بل مقتضى القاعدة عدمه إلا مع وجود دليل مخصوص و هو مفقود.

و الثاني: لا وجه له بالنسبة إلى العقل، و صحة البدن، بل هو خلاف التسهيل المبنيّ عليه الشريعة، خصوصا في مثل هذا التكليف المشتمل على المشقة، و تقدم في [مسألة ۹ و ۲۸] بعض ما ينفع المقام، فراجع.

و الثالث: تنظير للمقام بمن مات بعد الإحرام و دخول الحرم و هو قياس لا نقول به، و الأخير خلاف الإرفاق، و خلاف ظواهر الأدلة على اعتبار الشرائط ذهابا و إيابا، و مقتضى الأصل عدم تنجز التكليف مطلقا إلا بتحقق موضوعه و بجميع شرائطه و فقد جميع موانعه إلا بدليل خاص يدل على الخلاف، و لم يعلم مخالفة ما نسب إلى المشهور لهذا الأصل، و إطلاقات وجوب القضاء منزلة على ذلك أيضا فلا وجه للأخذ بإطلاقها مع عدم إحراز ورودها مورد البيان من كل جهة، بل وردت لبيان أصل تشريع القضاء في الجملة، فاللازم تتميم الحكم بحسب القواعد، و ما تقتضيه مرتكزات المتشرّعة المنزلة عليها الأدلة و هي ما ذكر (قدّس سرّه) في المتن.

لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط واقعا.

لعدم الوجوب بالنسبة إليه من جهة انتفاء الشرط واقعا. نعم، لو قلنا بشمول دليل الإجزاء الوارد في من مات بعد الإحرام و دخول الحرم لمن يعلم أنّه يموت كذلك لوجب بالنسبة إلى من حصل له علم ذلك و لكنّه مشكل بل ممنوع، لكون الحكم مخالفا للقاعدة فلا بد فيه من الاقتصار على مورد دليله.

لتحقق الشرط واقعا، فتشمله الأدلة.

تقدم ما يتعلق به في [مسألة ٦4] فراجع، فلا وجه للتكرار و الإعادة مع قرب العهد بها.

(مسألة ۸۲): إذا استقر عليه العمرة فقط، أو الحج فقط- كما فيمن وظيفته حج الإفراد و القران- ثمَّ زالت استطاعته، فكما مرّ يجب عليه أيضا بأيّ وجه تمكن و إن مات يقضى عنه (386).

لظهور الإجماع، و إرسالهم لذلك كله إرسال المسلّمات من غير تعرض للخلاف، و يصح التمسك له بإطلاق بعض ما تقدم من الأخبار.

(مسألة ۸۳): تقضى حجة الإسلام من أصل التركة (387) إذا لم يوص بها، سواء كانت حج التمتع، أو القران، أو الإفراد، و كذا إذا كان عليه‏ عمرتها (388) و إن أوصى بها من غير تعيين كونها من الأصل أو الثلث فكذلك أيضا (389)، و أما إن أوصى بإخراجها من الثلث وجب إخراجها منه (390)، و تقدم على الوصايا المستحبة. و إن كانت متأخرة عنها في الذكر (391) و إن لم يف الثلث‏ بها أخذت البقية من الأصل (392)، و الأقوى أنّ حج النذر أيضا كذلك، بمعنى: أنّه يخرج من الأصل كما ستأتي الإشارة إليه (393). و لو كان عليه دين، أو خمس، أو زكاة و قصرت التركة، فإن كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا قدّم، لتعلقهما بالعين، فلا يجوز صرفه في غيرهما، و إن كانا في الذمة فالأقوى أنّ التركة توزع على الجميع بالنسبة (39٤)، كما في غرماء المفلس، و قد يقال: بتقدم الحج على غيره و إن كان دين الناس، لخبر معاوية ابن عمار (395) الدال على تقديمه على الزكاة و نحوه خبر آخر، لكنّهما موهونان بإعراض الأصحاب، مع أنّهما في خصوص الزكاة (396)، و ربما يحتمل تقديم دين الناس لأهميته (397) و الأقوى ما ذكر من التخصيص و حينئذ فإن وفت حصة الحج به فهو، و إلا فإن لم تف إلا ببعض الأفعال- كالطواف فقط، أو مع السعي- فالظاهر سقوطه (398)، و صرف حصته في الدّين أو الخمس أو الزكاة. و مع وجود الجمع توزع عليها. و إن وفت بالحج فقط أو العمرة فقط ففي مثل حج القران و الإفراد تصرف فيها مخيّرا بينهما (399)، و الأحوط تقديم الحج (٤00)، و في حج القران التمتع الأقوى السقوط و صرفها في الدّين و غيره، و ربما يحتمل فيه أيضا التخيير، أو ترجيح الحج لأهميته أو العمرة لتقدمها لكن لا وجه لها بعد كونهما في التمتع عملا واحدا (٤01)، و قاعدة الميسور لا جابر لها في المقام (٤02).

إجماعا، و نصوصا كثيرة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «يقضي عن الرجل» «حجة الإسلام من جميع ماله»۱۳۹.

و عنه (عليه السلام) في موثق سماعة: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يموت، و لم يحج حجة الإسلام، و لم يوص بها و هو موسر فقال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك»۱4۰.

و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح العجلي: «عن رجل استودعني مالا و هلك، و ليس لولده شي‏ء و لم يحج حجة الإسلام قال (عليه السلام): حج عنه، و ما فضل فأعطهم»۱4۱.

و أما صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل توفي، و أوصى أن يحج عنه قال (عليه السلام): إن كان صرورة فمن جميع المال، إنّه بمنزلة الدّين الواجب. و إن كان قد حج فمن ثلثه. و من مات و لم يحج حجة الإسلام، و لم يترك إلا قدر نفقة الحمولة، و له ورثة، فهم أحقّ بما ترك، فإن شاؤوا أكلوا و إن شاؤوا حجوا عنه»۱4۲.

فصدره نصّ في الخروج من الأصل و لا بد من طرح ذيله، أو رد علمه إلى أهله، لكونه مخالفا للإجماع.

و أما استفادة ذلك من الآية الكريمة وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ‏۱4۳ بدعوى: أنّ المراد من اللام الملك فلا وجه له، لعدم دلالتها على الملك أولا بل هي لمطلق الاختصاص، و على فرض الدلالة على الملك فهي أعمّ من كونه من الأصل أو من الثلث. فتأمل.

نعم، يمكن أن يجعل خروج الماليات مطلقا من الأصل مطابقا للقاعدة، لأنّها تتعلق بالشخص من جهتين.

الأولى: جهة الإعطاء، و الدفع. و الصرف القائمة بحياته و التي تكون فعلا من أفعاله.

الثانية: الإضافة المالية القائمة به من جهة استيلائه على المال. و هما جهتان مختلفتان عقلا و عرفا. و إذا مات تنعدم الجهة القائمة بذاته، لانتفاء موضوعها بالموت، و تبقى الإضافة المالية السارية في جميع ما كان مستوليا عليه من المال، و لا معنى لصحة الخروج من الأصل إلا هذا. فالنصوص وردت على طبق القاعدة لا على خلافها.

كل ذلك لإطلاق الأدلة الشامل للجميع، و لأنّ المراد بالحج في الأدلة- الواردة في المقام- ما يشمل العمرة أيضا، إجماعا.

إجماعا، و نصّا ففي صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل مات، فأوصى أن يحج عنه قال (عليه السلام): إن كان صرورة فمن جميع المال، و إن كان تطوّعا فمن ثلثه»۱44 و مثله غيره.

لوجوب العمل بالوصية بالأدلة الثلاثة- الأربعة- كما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

نصّا، و إجماعا عند التزاحم، و في صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة أوصت بمال في الصدقة، و الحج و العتق فقال (عليه السلام): ابدأ بالحج فإنّه مفروض، فإن بقي شي‏ء فاجعل في العتق طائفة، و في الصدقة طائفة»۱4٥.

ثمَّ إن أقسام الوصية بالحج ثلاثة:

الأول: أن يعلم أنّه حجة الإسلام أو حج واجب، فيخرج من الأصل.

الثاني: أن يعلم أنّه حج ندبيّ و يخرج من الثلث.

الثالث: أن يشك في أنّه من أيّهما، و مقتضى أصالة عدم الوجوب عدم صحة إخراجه من الأصل إلا بإذن الورثة، و لا يستفاد من هذا الحديث ما يخالف الأصل و يأتي في (فصل الوصية بالحج) ما ينفع المقام. هذا مع التزاحم. و أما مع عدمه فلا تقدم و لا تأخير في البين.

ثمَّ إنّ مورد الوصية بالثلث تارة: يكون من الواجبات المالية. و أخرى: يكون واجبا غير مالي. و ثالثة: يكون من المندوبات أو المباحات. و رابعة: يكون من المالي و غيره من الواجبات. و خامسة: يكون من المالي و المندوبات. و سادسة: يكون من الواجب غير المالي و المندوبات.

و في الكل إما أن يفي الثلث بالجميع فيجب العمل به أو لا يفي. فيقدم المالي ثمَّ سائر الواجبات ثمَّ المندوبات و يأتي التفصيل في كتاب الوصية.

لإطلاق ما دل على إخراجه من الأصل الشامل للإتمام كالتمام و التحديد بالثلث في الوصية، و إن لم يف بالحج يخالف الكتاب، لأنّها حيف حينئذ، و إطلاق السنة الدالة على أنّ الحج يخرج من الأصل تماما أو إتماما فلا تنفذ، و لا يجوز العمل بها.

لأنّه أيضا واجب ماليّ كحجة الإسلام، و يأتي في [مسألة ۸] من الفصل التالي- في فصل الوصية- بعض الكلام.

لبطلان الترجيح بلا مرجح و هذا هو المشهور بين الفقهاء.

قال: «قلت له: رجل يموت و عليه خمسمائة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم فأوصى بحجة الإسلام، و أن يقضى عنه دين الزكاة؟ قال (عليه السلام) يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة»۱4٦ و قريب منه خبره الآخر۱4۷.

مضافا إلى قصور السند، و إمكان أن يكون ذلك مقتضى التوزيع في تلك الأزمنة أيضا.

تقدم ما يتعلق بها في [مسألة ۱٦] فراجع.

لأصالة عدم المشروعية بعد عدم الدليل على التبعيض، فيكون وجوب الحج حينئذ كالعدم، لسقوطه بالتعذر فيصرف حصته في سائر الديون.

لعدم الترجيح بينها في مقام تعلق أصل الحق بالمال و إن كان الحج أهمّ بحسب التكليف الخارجي. و يمكن أن يقال: إنّ ذلك يوجب احتمال الأهمية في‏ الحج مطلقا، فيقدم على العمرة كذلك، فلا يترك الاحتياط.

لما مرّ آنفا.

نصوصا، و إجماعا كما يأتي في محلّه. و ما في بعض الحواشي من إمكان استفادة الأهمية مما يأتي في [مسألة ۸٥] لا وجه له، لأنّ ما يأتي في تلك المسألة في مقام بيان كفاية الحج الميقاتي عن البلدي، فلا ربط له بالمقام فراجع و تأمل.

لاختلاف كلمات الأعلام الكاشف عن عدم تحقق الإجماع، و تقدم مرارا أنّ هذه القاعدة كجزء الدليل لإتمامه فلا بد و أن تنجبر بالعمل في صحة التمسك بها.

(مسألة ۸٤): لا يجوز للورثة التصرف في التركة قبل استئجار الحج إذا كان مصرفه مستغرقا لها (٤03).بل مطلقا على الأحوط (٤0٤) إلا إذا كانت واسعة جدّا (٤05)، فلهم التصرف في بعضها حينئذ مع البناء على إخراج الحج من بعضها الآخر كما في الدّين (٤06) فحاله حال الدّين.

فلا إشكال فيه من أحد إما بناء على عدم انتقال التركة إلى الورثة مع الدّين المستغرق، و بقاؤه على حكم ملك الميت فهو واضح، إذ ليست التركة ملكا للورثة حتى يجوز لهم التصرف فيها، و كذا بناء على القول بالانتقال إليهم متعلقا لحقّ الغير، إذ لا يصح التصرف في متعلق حق الغير أيضا. كما لا يجوز التصرف في ماله إلا برضاه، و لا ريب نصّا و فتوى في أنّ الحق يتعلق بالتركة بعد موت من عليه الحق، قال عليّ (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس: «إنّ الدّين قبل الوصية، ثمَّ الوصية على أثر الدّين، ثمَّ الميراث بعد الوصية فإنّ أول القضاء كتاب اللّه تعالى»۱4۸.

و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر السكوني: «أول شي‏ء يبدأ به من المال الكفن ثمَّ الدّين، ثمَّ الوصية، ثمَّ الميراث»۱4۹ و غير ذلك من الأخبار و ظهورها في عدم‏ حق للورثة في التصرف في التركة قبل تفريغ ذمة الميت مما لا ينكر.

بناء على تعلق حق الديان بالمال بنحو الإشاعة، كما هو الظاهر من الأدلة، و عدم الترجيح في التعين لبعض دون بعض.

و أما صحيح البزنطي: «سئل عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال (عليه السلام): إن استيقن أنّ الذي عليه يحبط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال»۱٥۰ و نحوه مما يمكن أن يستفاد منه أنّه بنحو الكليّ في المعيّن فهو مخدوش، إذ لا ظهور له في ذلك، فإنّه يمكن حمله على العلم برضاء الدّيان حينئذ بعد فوت رئيس العائلة و بقاء العيال في الشدة و الحيرة.

و أما بحسب الأصل فالمسألة من الأقلّ و الأكثر، لأنّ تعلق الحق في التركة بمقدار الدّين معلوم و بالزائد منه مشكوك، فتكون النتيجة مثل الكليّ في المعيّن، و لكنّه لا تصل النوبة إلى الأصل بعد ظهور الأدلة في الإشاعة، و استنكار المتشرّعة للتصرف في التركة قبل أداء الدّين. و يأتي تمام الكلام في كتاب الإرث إن شاء اللّه تعالى.

بحيث يستهجن المتشرعة التصرف في تمام التركة، لأجل مثل هذا الدّين.

بشرط تحقق الاستيثاق و قبول ولىّ أمر الميت و الدّيان بحيث لو تلف المال يكون الوليّ ضامنا.

(مسألة ۸٥): إذا أقرّ بعض الورثة بوجوب الحج على المورث و أنكره‏ الآخرون لم يجب عليه إلا دفع ما يخص حصته بعد التوزيع (٤07)، و إن لم يف ذلك بالحج لا يجب عليه تتميمه من حصته (٤08) كما إذا أقرّ بدين و أنكره غيره من الورثة فإنّه لا يجب عليه دفع الأزيد، فمسألة الإقرار بالحج أو الدّين مع إنكار الآخرين نظير مسألة الإقرار بالنسب، حيث أنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ آخر و أنكره الآخر لا يجب عليه إلا دفع الزائد عن حصته، فيكفي دفع ثلث ما في يده، و لا ينزل إقراره على الإشاعة على خلاف القاعدة للنص (٤09).

لأنّ الدّين كذلك بالإجماع، و الحج دين نصّا، و فتوى، فيشمله الإجماع قهرا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك خبر ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين قال (عليه السلام): يلزمه ذلك في حصته»۱٥۱، و مثله خبر أبي البختري عنه (عليه السلام): «في رجل مات و ترك ورثة، فأقر أحد الورثة بدين على أبيه: أنّه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث، و لا يكون ذلك في ماله كله. و إن أقرّ اثنان من الورثة، و كان عدلين أجيز ذلك على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا. و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنّما يلزمه في حصته»۱٥۲.

للأصل فيه و فيما يأتي من الدّين، و بالإقرار بالنسب بعد عدم دليل يصلح للخلاف.

قد اعترف (رحمه اللّه) في حاشيته على المكاسب بأنّه على طبق القاعدة أيضا فراجع ما فصله عند ما تعرّضه الشيخ (رحمه اللّه) في مسألة من باع نصف الدار.

و على هذا فالنص ورد على طبقها لا على خلافها. و يظهر من صاحب الجواهر ذلك أيضا.

و خلاصة الكلام: أنّ الإقرار مطلقا محمول على الإشاعة سواء كان بدين، أم حج، أم نسب، أم غيرها لوجود المقتضي- و هو الظهور العرفي المحاوريّ فيها- و فقد المانع من عقل، أو نقل، و مع وجوده و كونه من القرينة المعتبرة يعمل به حينئذ، فإن كان في بعض الموارد مانع في البين عن تحقق الإشاعة الخارجية في جميع المال فيعمل به كما في الإقرار بالنسب و الدّين لأنّ المقرّ له معترف بأنّ للمقر ثلث التركة مع كونهم إخوة ثلاثة و قد غصب المنكر حقّه فالمانع إنّما هو التخاصم الواقع بين المقرّ له و المنكر، و لا ربط له بعدم الحمل على الإشاعة و المتعارف يرون المنكر منازعا أو غاصبا لحق المقر له، و كذا في إقرار أحد الورثة بالدّين إذا اعطى مقدار ما يلزمه من الحصة يرونه بريئا مما أقرّ به و لا يلزمونه بإعطاء تمام حقه. و هذا هو المنساق من الخبرين و مراد المجمعين.

و ما يقال: من أنّ الدّين يتعلق بالتركة بنحو الكليّ في المعيّن، أو الكليّ في الكل، أو التبعيض فيجب على المقرّ إعطاء جميع ما عنده سواء كان بمقدار الدّين أم أقلّ منه، فيكون كما إذا كان بعض التركة مغصوبا في حال حياة الميت أو بعد وفاته أو تلف بعد وفاته في تعين البقية للوفاء بالدّين، فكذا إذا أقرّ بعض الورثة و أنكر الآخرون يتعيّن الوفاء بمن أقرّ.

(مدفوع): بأنّه لا بد و أن يحسب الغصب و التلف بالنسبة إلى ذات مال الميت و حصص جميع الورثة حتى لا يلزم الضرر على أحدهم، فيكون التالف على الجميع و الباقي لهم، و كذا بالنسبة إلى المنكر و المقرّ، لأنّ الدّين بالنسبة إلى أصل المال من حيث هو و المقرّ أيضا يقرّ هكذا فلا وجه لإلزامه بالتمام عقلا و لا شرعا و لا عرفا، فهذا الحكم موافق للقاعدة و يجري في غير مورد الإقرار من علم أحد الورثة بالدّين و جهل الآخرين أو تمرده، و مورد الخلاف اجتهادا أو تقليدا أو غير ذلك و لكن الأحوط التراضي خروجا عن خلاف من خالف و لتمام الكلام محلّ آخر.

ثمَّ إنّ وجوب رفع المقرّ بالحج ما يختص بحصته إنّما هو فيما إذا أمكن الحج به من الميقات أو وجد متبرع بالإتمام، و مع عدمهما و عدم كفايته للحج أصلا فلا وجه للوجوب. و هذا بخلاف الإقرار بالدّين، فيجب عليه ما يختص بحصته و لو كان أقلّ‏ قليل و الفرق واضح.

(مسألة ۸٦): إذا كان على الميت الحج، و لم تكن تركته وافية به، و لم يكن دين فالظاهر كونها للورثة (٤10)، و لا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت (٤11)، لكن الأحوط التصدق عنه للخبر عن الصادق (عليه السلام) (٤12): «عن رجل مات، و أوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدّق بها فقال (عليه السلام): ما صنعت بها؟ قلت: تصدّقت بها، فقال (عليه السلام): ضمنت الا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان ..» نعم، لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرع بدفع التتمة لمصرف الحج وجب إبقاؤها (٤13).

لإطلاق ما دل على أنّ ما تركه الميت فلوارثه و لا مانع عنه في البين كما هو المفروض.

للأصل بعد عدم دليل عليه.

لا ربط له بالمقام، لأنّ مورد الخبر الوصية بالحج بتمام التركة و ما نحن فيه فيما إذا لم يوص به فلا مخصص لعمومات الإرث في المقام بخلاف مورد الوصية و يأتي في محله تفصيل الكلام.

لقاعدة المقدمية أي: إعمال القدرة في الإتيان بالواجب مهما أمكن، و قاعدة الاشتغال عند الشك في القدرة.

(مسألة ۸۷): إذا تبرّع متبرّع بالحج عن الميت رجعت أجرة الاستئجار إلى الورثة (٤1٤) سواء عيّنها الميت أم لا (٤15). و الأحوط صرفها في وجوه البر أو التصدق عنه خصوصا فيما إذا عينها الميت للخبر المتقدم (٤16).

لعموم أدلة الإرث من غير مانع في البين بعد فراغ ذمة الميت بحج المتبرع عنه نصّا و فتوى، ففي صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض إخوانه، هل يجزي ذلك عنه؟

أو هل هي ناقصة؟ قال (عليه السلام): بل هي حجة تامة»۱٥۳.

لإطلاق ما تقدم من الصحيح و غيره الشامل للصورتين.

مقتضى القاعدة، أنّه إذا عيّن مالا بالوصية للحج و كان من الثلث و فرغ ذمته عن الحج بالتبرع، و علم من الوصية أنّ التعيين للحج كان من باب تعدد المطلوب- أنّ المال يصرف في وجوه البر حينئذ و إن لم يكن من الثلث، أو لم يعلم أنّه من باب تعدد المطلوب، فيرجع المال إلى الوارث، لعموم أدلة الإرث من غير مانع في البين. و أما الخبر المتقدم فهو في مورد الوصية بتمام المال للحج، فإن كان مندوبا فيتوقف على إمضاء الورثة فيما زاد على الثلث، و إن كان واجبا فلا أثر للوصية، لأنّه يخرج من الأصل أوصى به أو لا.

(مسألة ۸۸): هل الواجب الاستئجار عن الميت من الميقات أو البلد؟ المشهور: وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن، و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب. و ذهب جماعة إلى وجوبه من البلد مع سعة المال، و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب. و ربما يحتمل قول ثالث (٤17)، و هو الوجوب من البلد مع سعة المال، و إلا فمن الميقات و إن أمكن من الأقرب إلى البلد فالأقرب (٤18) و الأقوى‏ هو القول الأول (٤19) و إن كان الأحوط القول الثاني لكن لا يحسب الزائد عن‏ أجرة الميقاتية على الصغار الورثة (٤20)، و لو أوصى بالاستئجار من البلد وجب، و يحسب الزائد عن أجرة الميقاتية من الثلث (٤21). و لو أوصى و لم يعيّن شيئا كفت الميقاتية (٤22) إلا إذا كان هناك انصراف إلى البلدية أو كانت قرينة على إرادتها، كما إذا عيّن مقدارا يناسب البلدية (٤23).

نسب هذا القول إلى الصدوق: و القول الثاني إلى الدروس. و نسبه الماتن إلى الاحتمال لعدم ثبوت أصله و على أيّ تقدير فكل من القولين لا دليل عليه كما يأتي.

هذا التعبير ورد في عبارات جمع من الفقهاء (رحمهم اللّه) فإن كان مرادهم مراعاة أقلّ نفقة فالأقل، فله وجه موافق، لأصالة البراءة عن وجوب النفقة الزائدة.

و إن كان المراد غير ذلك فلا دليل عليه من عقل أو نقل فراجع المطولات تجد الكلمات مشوشة.

ينبغي أن تعدّ هذه المسألة من البديهيات بعد القطع بعدم دخل الطريق في المناسك لا شرطا و لا جزء و إنّما هو مقدمة عقلية فقط، و لا وجه لذكر الأقوال التي لا مستند لها، مع أنّ بعضها لم يعرف قائله، فمقتضى الأصل و الإطلاق وجوب الإتيان بنفس المناسك فقط و تفريغ الذمة بذلك إلا أن يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك كما يأتي. و لعله لوضوح الحكم لم يرد خبر في المقام مع عموم الابتلاء به و إنّما وردت الأخبار في الوصية بالحج.

نعم، صحيح حريز مطلق شامل لما نحن فيه و غيره قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل أعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة، فحج عنه من البصرة قال (عليه السلام)، لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تمَّ حجه»۱٥4 و هو موافق للقاعدة بالنسبة إلى أصل فراغ الذمة عن الحج كما قلناه. و يصح التمسك بما ورد في الوصية بالحج للمقام أيضا بالأولوية بدعوى: أنّه إذا صح و أجزأت الميقاتية في الوصية بالحج التي ورد التشديد فيها كتابا، و سنة، ففي غير الوصية يجزي بالأولى، ففي خبر زكريا بن آدم قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (عليه السلام): أما ما كان دون الميقات فلا بأس»۱٥٥.

و في صحيح عليّ بن رئاب عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «في رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام، فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما قال (عليه السلام):

يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) من قرب»۱٥٦ إلى غير ذلك من الأخبار.

و الظاهر بل المنساق من مثل هذه الأخبار أنّه في مقام جعل قاعدة كلية للحج النيابي مطلقا. و قد اشتهر أنّ مورد السؤال لا يخصص عموم الحكم.

و يمكن إرجاع قول المشهور إلى القول الأول، فإنّ من قال بالوجوب من الميقات إنّما قاله في مقابل نفي الوجوب عن البلد و إلا فمقتضى الأصل، و قاعدة السلطنة عدم وجوب شي‏ء زائد عن نفقة أقرب المواقيت على الورثة خصوصا بعد كون بعضهم قصّر و لم يعلم منهم القول بالوجوب حينئذ من مطلق الميقات.

و أما القول الثاني: فاستدل عليه‏ أولا: بأنّ نفقة الطريق كانت عليه في زمان حياته فهكذا بعد موته. و ثانيا: بصحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام):

«الرجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال (عليه السلام): على قدر ماله، إن وسع ماله فمن منزله، و إن لم يسعه ماله فمن الكوفة، و إن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة»۱٥۷.

و ثالثا: بما ادعاه الحليّ من تواتر الأخبار بذلك و لكن الكل باطل:

أما الأول: فلا ريب في أنّ نفقة الطريق لا تجب نفسا و لا مقدمة، بل إنّما تجب طريقا محضا، و قد مرّ أنّه لو حج المستطيع في نفقة غيره يصح و يجزي حجة فما لا يجب في زمان الحياة إلا طريقا محضا لأداء المناسك يكون بعد الموت أيضا كذلك.

و أما الثاني: فهو في الوصية بالحج دون مطلق الحج و الغالب في الوصية تعين المال أيضا.

و أما الأخير: فلم يظهر فيه على خبر شاذ فكيف بالتواتر. و منه يعلم أنّه لا دليل لما نسب إلى جماعة من وجوبه من البلد مع سعة المال و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و كذا احتمال الوجوب من البلد مع السعة و إلا فمن الميقات.

و خلاصة الكلام: من البدء إلى الختام لا بدّ من إتمام الحكم في المقام بحسب الأصول، و الإطلاقات، و القواعد الأولية و مقتضى الأصل و الإطلاق و قاعدة سلطنة الوارث على الإرث إنّما هو قول المشهور.

و يمكن إرجاع القول الأول إليه أيضا. و الأخبار الواردة في الوصية بالحج‏۱٥۸ ما كان منها ظاهرا فيما قلناه فهو. و ما هو مخالف له يحمل على ما إذا عيّن المال أيضا كما هو الغالب في موارد الوصية بالحج. و بحسب الأصل من صغريات الأقلّ و الأكثر، فإنّ الأقلّ نفقة واجب بلا إشكال، و الزائد عليه مشكوك، فيرجع فيه إلى الأصل. و يمكن أن يراد بقول المشهور: «أقرب المواقيت» الأقل أجرة مع كون الذهاب عنه متعارفا فيطابق قولهم مع هذا الأصل أيضا.

بل مطلق القصر و لو كان كبيرا، و ذلك لعدم الولاية على ذلك من أحد، بل و لا يجبر الكبار الكاملين عليه أيضا إن لم يرضوا بذلك، لأصالة عدم صحة الإجبار في فعل الفاعل المختار.

أما أصل وجوب العمل بالوصية فبالأدلة الثلاثة- بل الأربعة- كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى، و أما كون الزائد من الثلث، فلعدم كونه من الواجبات المالية الأولية على الميت- كالدّين، و مناسك الحج- و إنّما وجب بالوصية و هو يخرج من الثلث كما يأتي.

للأصل، و الإطلاق، و تقدم في صدر المسألة فراجع.

الوصية بالحج تارة: ظاهرة في البلدية عرفا. و أخرى: ظاهرة في الميقاتية.

و ثالثة: مجملة. و في الأخيرتين تكفي الميقاتية، و مقتضى الأصل و الإطلاق عدم وجوب الزائد. و في الأولى يعمل بظاهر الوصية مع إخراج الزائد عن الميقاتية من الثلث، لما مرّ و يأتي.

(مسألة ۸۹): لو لم يمكن الاستئجار إلا من البلد وجب، و كان جميع المصرف من الأصل (٤2٤).

لأنّه حينئذ واجب ماليّ أصليّ لا بد من خروجه من الأصل و لم يحصل من ناحية الوصية من حيث هي حتّى يلزم إخراجه من الثلث.

(مسألة ۹۰): إذا أوصى بالبلدية، أو قلنا بوجوبها مطلقا فخولف و استوجر من الميقات، أو تبرع عنه متبرع منه، برئت ذمته، و سقط الوجوب من البلد. و كذا لو لم يسع المال إلا من الميقات (٤25).

كل ذلك لتحقق أصل المأمور به فلا بد من الإجزاء، و الطريق ليس دخيلا في المكلّف به لا جزء كالأشواط بالنسبة إلى الطواف، و لا شرطا كالطهارة بالنسبة إليه. نعم، يأثم الوصيّ إن تعمد ذلك، لأنه تغيير للوصية عن وجهها بلا عذر مقبول.

و ما يقال: من أنّه مع علم النائب بذلك لا يحصل منه قصد القربة فيبطل العمل حينئذ (مردود): بأنّ مورد قصد القربة شي‏ء و مورد الإثم شي‏ء آخر، فلا ربط لأحدهما بالآخر حتى يبطل، حتى لو كان النائب هو الوصيّ بنفسه.

(مسألة ۹۱): الظاهر أنّ المراد من البلد هو الذي مات فيه كما يشعر به خبر زكريا بن آدم (رحمه اللّه): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجزيه- أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال (عليه السلام) ما كان دون الميقات فلا بأس به». مع أنّه آخر مكان كان مكلفا فيه بالحج، و ربما يقال إنّه بلد الاستيطان، لأنّه المنساق من النص و الفتوى، و هو كما ترى، و قد يحتمل البلد الذي صار مستطيعا فيه، و يحتمل التخيير بين البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة، و الأقوى ما ذكرنا، وفاقا لسيد المدارك، و نسبه إلى ابن إدريس أيضا. و إن كان الاحتمال الأخير و هو التخيير قويّا جدّا (٤26).

مع عدم قرينة معينة، و عدم تعارف في البين على التعين و إلا فلا وجه له،و خبر زكريا لا يدل على تعين بلد الموت، لأنّ الغالب إنّما هو الموت في بلد الاستيطان، و الظاهر تعين بلد الاستيطان، لأنّه المنساق من إطلاق البلد عرفا، و يكفي هذا في نفي التخيير فالمدار عليه إلا مع قرينة معتبرة على الخلاف، و منها: ما إذا مات في أثناء المسافرة إلى الحج فمات في بلد، إذ المنسبق إلى الأذهان من البلد حينئذ بلد موته، و يشهد له الاعتبار أيضا، لأنّه جاء بنفسه إلى هذا البلد فلا وجه لإلقائه و صرف النظر عنه.

(مسألة ۹۲): لو عين بلدة غير بلده كما لو قال: استأجروا من النجف أو من كربلاء- تعيّن (٤27).

لما دل على وجوب العمل بالوصية من الكتاب و السنة، و ليس في هذه الوصية مخالفة لهما حتى تبطل.

(مسألة ۹۳): على المختار من كفاية الميقاتية لا يلزم أن يكون من الميقات أو الأقرب إليه فالأقرب، بل يكفي كل بلد دون الميقات (٤28)، لكن الأجرة الزائدة على الميقات- مع إمكان الاستئجار منه- لا تخرج من الأصل، و لا من الثلث إذا لم يوص بالاستئجار من ذلك البلد إلا إذا أوصى بإخراج الثلث من دون أن يعيّن مصرفه، و من دون أن يزاحم واجبا ماليا عليه (٤29).

لأنّ الإجزاء من الميقات أعمّ من الوجوب منه، كما هو واضح.

أما عدم احتساب الأجرة الزائدة من الأصل و لا من الثلث مع عدم الوصية، فلأنّها حينئذ ليست واجبا ماليا بالذات و لا مما أوصى به، فلا بد و أن يتحملها الوصيّ من ماله.

و أما جواز أخذها من الثلث مع عدم تعين المصرف حينئذ، فلأنّه مع التعين يتعيّن المصرف و ليس للوصيّ تغيره، و كذا مع المزاحمة لواجب آخر، لأنّ الأجرة الزائدة ليست واجبا ماليا حتى يزاحم بها واجبا ماليا آخر لفرض كفايته الميقاتية، و عدم كون الأجرة الزائدة عليها عن الواجب المالي مطلقا، لما مرّ. و الظاهر كون العبارة: «من» دون أن يزاحم واجبا آخر عليه» و ذلك مثل الوصية بالصلاة بناء على عدم كونها ماليا.

(مسألة ۹٤): إذا لم يكن الاستئجار من الميقات و أمكن من البلد وجب (٤30)، و إن كان عليه دين الناس أو الخمس أو الزكاة، فيزاحم الدّين إن لم تف التركة، بهما، بمعنى: أنّها توزع عليهما بالنسبة.

لإطلاق الأدلة الدالة على وجوبه بكل نحو أمكن، فتصير الأجرة من البلد حينئذ كالدّين و يجري عليها حكم التحصيص و التقسيط كما في سائر الديون.

(مسألة ۹٥): إذا لم تف التركة بالاستئجار من الميقات لكن أمكن الاستئجار من الميقات الاضطراري- كمكة أو أدنى الحلّ- وجب (٤31). نعم، لو دار الأمر بين الاستئجار من البلد أو الميقات الاضطراري قدم الاستئجار من البلد، و يخرج من أصل التركة، لأنّه لا اضطرار للميت مع سعة ماله (٤32).

لعموم أدلة البدلية الاضطرارية الشامل للحج النيابي أيضا، و ظاهرهم الاتفاق عليه.

فلا تشمله أدلة البدل الاضطراري حينئذ لعدم تحقق موضوعه مع التمكن من الاختياري.

(مسألة ۹٦): بناء على المختار من كفاية الميقاتية لا فرق بين الاستئجار عنه و هو حيّ أو ميت، فيجوز لمن هو معذور- بعذر لا يرجى زواله- أن يجهز رجلا من الميقات، كما ذكرنا سابقا (٤33) أيضا فلا يلزم أن يستأجر من بلده على الأقوى، و إن كان الأحوط ذلك (٤3٤).

تقدم في [مسألة ۷۱] فراجع.

خروجا عن خلاف من خالف في ذلك.

(مسألة ۹۷): الظاهر وجوب المبادرة إلى الاستئجار في سنة الموت خصوصا إذا كان الفوت عن تقصير من الميت (٤35)، و حينئذ فلو لم يمكن إلا من البلد وجب و خرج من الأصل و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى و لو مع العلم بإمكان الاستئجار من الميقات توفيرا على الورثة، كما أنّه لو لم يمكن من الميقات إلا بأزيد من الأجرة المتعارفة في سنة الموت وجب و لا يجوز التأخير إلى السنة الأخرى توفيرا عليهم (٤36).

أما أصل الفورية و وجوب المبادرة، فلأنّه دين حال. و الأصل في الديون‏ الحالة وجوب المبادرة إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود.

و في صحيح ابن شاذان: «إنّ حبس الحقوق من غير عسر من الكبائر»۱٥۹.

و أما صورة تقصير الميت، فلفعلية الفورية و الكبيرة بالنسبة إليه، فيستصحب إلى ما بعد موته فلا بد من إغاثته و تفريغ ذمته لعله يخلص من تبعات ما فعل.

كل ذلك لأجل الفورية و وجوب المبادرة، فتصير الأجرة الزائدة على الميقاتية من الدّين و الواجب المالي حينئذ و يجري عليه حكمه من لزوم إخراجه من الأصل.

(مسألة ۹۸): إذا أهمل الوصي أو الوارث الاستئجار فتلفت التركة، أو نقصت قيمتها فلم تف بالاستئجار ضمن، كما أنّه لو كان على الميت دين، و كانت التركة وافية و تلفت بالإهمال ضمن (٤37).

لضمان الأمين بالتفريط، نصّا و إجماعا- كما سيأتي في محله- و تقدم في كتاب الزكاة ما ينفع المقام. هذا مع الأمانة، و أما مع عدمها و البناء على الخيانة فضمانه واضح لا ريب فيه عند العقلاء فضلا عن الفقهاء.

(مسألة ۹۹): على القول بوجوب البلدية و كون المراد بالبلد الوطن، إذا كان له وطنان الظاهر وجوب اختيار الأقرب إلى مكة (٤38) إلا مع رضا الورثة بالاستئجار من الأبعد، نعم، مع عدم تفاوت الأجرة الحكم التخيير.

بل الأقل اجرة مع كون الذهاب منه متعارفا كما مرّ.

(مسألة ۱۰۰): بناء على البلدية الظاهر عدم الفرق بين أقسام الحج (٤39) الواجب فلا اختصاص بحجة الإسلام، فلو كان عليه حج نذريّ لم يقيد بالبلد و لا بالميقات يجب الاستئجار من البلد، بل و كذا لو أوصى بالحج ندبا، اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث.

لأنّ المدار على الاستظهار من الدليل بلا فرق بين المصاديق، فإذا استفيد من التكليف بالحج أنّه من البلد لا يفرق فيه بين كونه واجبا بالذات أو بالعرض، و كذا إذا استفيد ذلك من النصوص الواردة في الوصية بالحج‏۱٦۰ التعدّي عن موردها، و تقدم الخدشة في كل منهما، ففي النذر لا بد من اتباع قصد الناذر، و كذا في الوصية.

و مع الإجمال تكفي الميقاتية، و من يقول بالبلدية فظاهر إطلاق كلامه وجوبها في صورة الإجمال أيضا، بل ظاهره عدم صحة الوصية و النذر بالميقاتية فتأمل.

(مسألة ۱۰۱): إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في اعتبار البلدية أو الميقاتية فالمدار على تقليد الميت (٤٤0)، و إذا علم أنّ الميت لم يكن مقلّدا في هذه المسألة، فهل المدار على تقليد الوارث، أو الوصيّ، أو العمل على طبق فتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده إن كان متعينا و التخيير مع تعدد المجتهدين و مساواتهم؟ وجوه: و على الأول فمع اختلاف الورثة في التقليد يعمل كل على تقليده، فمن يعتقد البلدية يؤخذ من حصته بمقدارها بالنسبة- فيستأجر مع الوفاء بالبلدية بالأقرب فالأقرب إلى البلد، و يحتمل الرجوع إلى الحاكم (٤٤۱) لرفع النزاع، فيحكم بمقتضى مذهبه، نظير ما إذا اختلف الولد الأكبر مع الورثة في الحبوة و إذا اختلف تقليد الميت و الوارث في أصل وجوب الحج عليه و عدمه- بأن يكون الميت مقلّدا لمن يقول بعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية فكان يجب عليه الحج، و الوارث مقلّدا لمن يشترط ذلك فلم يكن واجبا عليه، أو بالعكس فالمدار على تقليد الميت (٤٤۲).

إن عيّن ذلك له و أما مع عدم التعين، فيصح للوارث العمل بتكليفه اجتهادا أو تقليدا، لأنّه مأمور بتفريغ ذمة الميت بما هو صحيح شرعا و لا ريب في حصوله بذلك و إن خالف تكليف الميت، إذ لا موضوعية لتكليف الميت من حيث هو إنّما هو طريق شرعيّ لحكم الشارع بفراغ ذمته و المفروض حصوله بعمل الوارث بتكليفه أيضا. و يأتي منه (رحمه اللّه) في (فصل الوصية بالحج) أنّ المدار على تكليف الوصيّ و الوارث.

بل هو المتعيّن مع التنازع.

تقدم أنّ المدار على تقليد الوارث مع عدم اشتراط العمل بتكليف الميت عليه.

(مسألة ۱۰۲): الأحوط- في صورة تعدد من يمكن استئجاره- استئجار من أقلّهم أجرة (٤٤۳) مع إحراز صحة عمله مع عدم رضا الورثة أو وجود قاصر فيهم، سواء قلنا بالبلدية أو الميقاتية، و إن كان لا يبعد جواز استئجار المناسب لحال الميت (٤٤٤) من حيث الفضل و الأوثقية مع عدم قبوله إلا بالأزيد و خروجه من الأصل كما لا يبعد عدم وجوب المبالغة في الفحص (٤٤٥) عن أقلّهم أجرة، و إن كانت أحوط (٤٤6).

مقتضى أصالة عدم الولاية على الإخراج إلا فيما هو المعلوم تعيّن ذلك.

و منشأ التردد إطلاق ما ورد في النيابة، و الوصية بالحج. و لكن كونها في مقام البيان حتى من هذه الجهة مشكل، فلا وجه للتمسك بإطلاقه.

إن كان استئجار الأقلّ أجرة هتكا للميت يتعيّن استئجار المناسب له بالأزيد. و أما مع عدم انطباق عنوان الهتك فلا وجه لتعينه. بل مقتضى الأصل عدمه.

للأصل بعد عدم دليل عليه. نعم، مقتضى أصالة عدم الولاية إلا بعد

الفحص المتعارف وجوبه بنحو ما هو المتعارف بين المتشرعة في التفحص فيما يتعلق بأمورهم الدّينية.

لأنّ الاحتياط حسن على كلّ حال.

(مسألة ۱۰۳): قد عرفت أنّ الأقوى كفاية الميقاتية لكن الأحوط الاستئجار من البلد (٤٤7) بالنسبة إلى الكبار من الورثة بمعنى: عدم احتساب الزائد عن أجرة الميقاتية على القصر إن كان فيهم قاصر.

خروجا عن خلاف من أوجبه.

(مسألة ۱۰٤): إذا علم أنّه كان مقلّدا و لكن لم يعلم فتوى مجتهده في هذه المسألة، فهل يجب الاحتياط، أو المدار على تقليد الوصي أو الوارث؟ وجهان أيضا (٤٤8).

تقدم أنّ المدار على تقليد المتصدّي لتفريغ ذمته وصيّا كان أو وارثا فلا وجه للتكرار.

(مسألة ۱۰٥): إذا علم استطاعة الميت مالا و لم يعلم تحقق سائر الشرائط في حقه، فلا يجب القضاء عنه (٤٤9) لعدم العلم بوجوب الحج عليه، لاحتمال فقد بعض الشرائط.

إن لم يكن أصل موضوعيّ في البين يقتضي الوجوب و إلا فيعمل به، فإذا علم بتحقق الشرائط ثمَّ شك في فقدها قبل استقرار الحج يستصحب البقاء فيجب القضاء كما في نظير الحج من الصلاة، و الصوم، و نحوهما التي علم فيها بتحقق التكليف ثمَّ يشك في الإتيان بها لو لم تكن قاعدة معتبرة على خلاف الاستصحاب.

(مسألة ۱۰٦): إذا علم استقرار الحج عليه و لم يعلم أنّه أتى به أم لا، فالظاهر وجوب القضاء عنه، لأصالة بقائه في ذمته (٤50). و يحتمل عدم وجوبه‏ عملا بظاهر حال المسلم (٤5۱) و أنّه لا يترك ما وجب عليه فورا، و كذا الكلام إذا علم أنّه تعلق به خمس، أو زكاة، أو قضاء صلوات، أو صيام، و لم يعلم أنّه أداها أم لا.

فيجب عليه تفريغ ذمة الميت و تقدم نظيرها في [مسألة ۳۰] من (فصل) (صلاة الاستئجار)، و [مسألة ٥] من مسائل ختام الزكاة، و كلامه (رحمه اللّه) في المقام مخالف لما تقدّم منه في مسائل الختام.

مقتضى الأصل عدم اعتبار ظاهر الحال ما لم تؤيد بقرينة معتبرة توجب الاطمئنان، أو أصل معتبر. نعم، ظاهر المقال حجة معتبرة عند العقلاء، لأنّ حجية الظواهر من الأصول النظامية لديهم و لم يردع عنه الشارع. و يمكن أن يجعل النزاع في اعتبار ظاهر الحال صغرويا، فمن يقول باعتباره أي: عند احتفافه بأصل معتبر أو قرينة كذلك، و من يقول بالعدم أي: عند عدم احتفافه به.

(مسألة ۱۰۷): لا يكفي الاستئجار في براءة ذمة الميت و الوارث بل يتوقف على الأداء. و لو علم أنّ الأجير لم يؤد وجب الاستئجار ثانيا (٤5۲)، و يخرج من الأصل إن لم يمكن استرداد الأجرة من الأجير (٤5۳).

لإطلاق الأدلة، و قاعدة الاشتغال. و ليس لنفس الاستئجار من حيث هو موضوعية خاصة، بل المناط كله فراغ ذمة فما لم تفرغ يجب التفريغ.

إذا تفحص من يتصدّى لذلك وصيّا كان أو وارثا و بذل جهده بالقدر المتعارف و الا فهو ضامن و لا يخرج من تركة الميت. نعم، لم يكن الأخذ منه أيضا يخرج من الأصل أيضا، لأنّه واجب ماليّ على الميت.

(مسألة ۱۰۸): إذا استأجر الوصيّ أو الوارث من البلد غفلة عن كفاية الميقاتية ضمن ما زاد عن أجرة الميقاتية (٤5٤) للورثة أو لبقيتهم.

لقاعدتي اليد و الإتلاف، و للورثة إجازة إجارته، فيرتفع الضمان قهرا.

(مسألة ۱۰۹): إذا لم يكن للميت تركة و كان عليه الحج لم يجب على الورثة شي‏ء، و إن كان يستحب على وليّه، بل قد يقال بوجوبه، للأمر به في‏ بعض الأخبار (٤55).

أما عدم الوجوب على الورثة، فللأصل، و الإجماع، و ظواهر النصوص المشتملة على أنّه «يحج عنه من صلب ماله»۱٦۱.

و أما الخبر فهو قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ضريس: «و إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام»۱٦۲.

و يمكن حمله على أنّ الوليّ يقضيه من مال الميت لا من مال نفسه، و لكن الاستحباب سهل المؤنة. و قابل للمسامحة و أما القول بالوجوب، فنسب إلى أبي عليّ (رحمه اللّه) و لا دليل له غير ما مرّ من صحيح ضريس و هو مخالف للأصل، و المشهور.

و يمكن حمله على مال الميت دون الندب إن لم يكن له مال.

(مسألة ۱۱۰): من استقرّ عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له أن يحج عن غيره تبرعا أو بإجارة، و كذا ليس له أن يحج تطوعا (٤56) و لو خالف فالمشهور البطلان، بل ادعى بعضهم عدم الخلاف فيه و بعضهم الإجماع عليه، و لكن عن سيد المدارك: التردد في البطلان. و مقتضى القاعدة الصحة، و إن كان عاصيا في ترك ما وجب عليه، كما في مسألة الصلاة مع فورية وجوب إزالة النجاسة عن المسجد، إذ لا وجه للبطلان إلا دعوى أنّ الأمر بالشي‏ء نهي عن ضدّه، و هي محلّ منع و على تقديره لا يقتضي البطلان، لأنّه نهي تبغي (٤57).و دعوى أنّه يكفي في عدم الصحة عدم الأمر مدفوعة بكفاية المحبوبية في حدّ نفسه في الصحة (٤58)، كما في مسألة ترك الأهمّ و الإتيان بغير الأهمّ من الواجبين المتزاحمين، أو دعوى: أنّ الزمان مختص بحجته عن نفسه، فلا يقبل لغيره، و هي أيضا مدفوعة بالمنع، إذ مجرّد الفورية لا يوجب الاختصاص (٤59)، فليس المقام من قبيل شهر رمضان حيث إنّه غير قابل لصوم آخر، و ربما يتمسك للبطلان في المقام بخبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): «عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال (عليه السلام): نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله (٤60)، و هي تجزئ عن الميت إن كان للصرورة مال و إن لم يكن له مال».و قريب منه: صحيح سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) و هما كما ترى بالدلالة على الصحة أولى، فإنّ غاية ما يدلان عليه: أنّه لا يجوز له ترك حج نفسه و إتيانه عن غيره، و أما عدم الصحة فلا. نعم، يستفاد منهما عدم إجزائه عن نفسه، فتردد صاحب المدارك في محلّه، بل لا يبعد الفتوى بالصحة، لكن لا يترك الاحتياط. هذا كله لو تمكن من حج نفسه، و أما إذا لم يتمكن فلا إشكال في الجواز و الصحة عن غيره، بل لا ينبغي الإشكال في الصحة (٤6۱) إذا كان لا يعلم بوجوب الحج عليه، لعدم علمه باستطاعته مالا، أو لا يعلم بفورية وجوب الحج عن نفسه فحج عن غيره أو تطوعا. ثمَّ على فرض صحة الحج عن الغير- و لو مع التمكن. و العلم بوجوب الفورية- لو آجر نفسه لذلك، فهل الإجارة أيضا صحيحة، أو باطلة مع كون حجه صحيحا عن الغير؟ الظاهر بطلانها و ذلك لعدم قدرته شرعا على العمل المستأجر عليه (٤62). لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه فورا، و كونه صحيحا على تقدير المخالفة لا ينفع في صحة الإجارة، خصوصا على القول بأنّ الأمر بالشي‏ء نهي عن ضدّه، لأنّ اللّه إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه، و إن كانت الحرمة تبعية. فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد مع قولكم بالصحة هناك؟ (٤63) كما إذا باعه عبدا و شرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبائع خيار تخلّف الشرط. قلت: الفرق أنّ في ذلك المقام المعاملة- على تقدير صحتها- مفوّتة لوجوب العمل بالشرط، فلا يكون العتق واجبا بعد البيع لعدم كونه مملوكا له بخلاف المقام حيث إنّا لو قلنا بصحة الإجارة لا يسقط وجوب الحج عن نفسه فورا، فيلزم اجتماع أمرين متنافيين فعلا، فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة (٤6٤) و إن قلنا إنّ النهي التبعيّ لا يوجب البطلان، فالبطلان من جهة عدم القدرة على العمل، لا لأجل النهي عن الإجارة (٤65) نعم، لو لم يكن متمكنا من الحج عن نفسه يجوز له أن يؤجر نفسه للحج عن غيره (٤66)، و إن تمكن بعد الإجارة عن الحج عن نفسه لا تبطل إجارته (٤67). بل لا يبعد صحتها لو لم يعلم باستطاعته، أو لم يعلم بفورية الحج عن نفسه فآجر نفسه للنيابة و لم يتذكر إلى أن فات محلّ استدراك الحج عن نفسه كما بعد الفراغ، أو في أثناء الأعمال (٤68).ثمَّ لا إشكال في أنّ حجه عن الغير لا يكفيه عن نفسه بل إما باطل- كما عن المشهور- أو صحيح عمن نوى عنه، كما قوّيناه، و كذا لو حج تطوعا لا يجزيه عن حجة الإسلام في الصورة المفروضة، بل إما باطل، أو صحيح و يبقى عليه حجة الإسلام، فما عن الشيخ: من أنّه يقع عن حجة الإسلام لا وجه له، إذ الانقلاب القهري لا دليل عليه، و دعوى: أنّ حقيقة الحج واحدة، و المفروض إتيانه بقصد القربة، فهو منطبق على ما عليه من حجة الإسلام. مدفوعة: بأنّ وحدة الحقيقة لا تجدي (٤69) بعد كون المطلوب هو الإتيان بقصد ما عليه (٤70)، و ليس المقام من باب التداخل بالإجماع، كيف و إلا لزم كفاية الحج عن الغير أيضا (٤71) عن حجة الإسلام؟ بل لا بد من تعدد الامتثال مع تعدد الأمر وجوبا و ندبا (٤72)، أو مع تعدد الواجبين، و كذا ليس‏ المراد من حجة الإسلام الحج الأول- بأيّ عنوان كان (٤73) كما في صلاة التحية، و صوم الاعتكاف فلا وجه لما قاله الشيخ (٤7٤) أصلا. نعم، لو نوى الأمر المتوجه إليه فعلا، و تخيّل أنّه أمر ندبيّ غفلة عن كونه مستطيعا، أمكن القول بكفايته عن حجة الإسلام لكنّه خارج عما قاله الشيخ. ثمَّ إذا كان الواجب عليه حجا نذريا أو غيره، و كان وجوبه فوريا فحاله ما ذكرنا في حجة الإسلام من عدم جواز حج غيره، و أنّه لو حج صح أو لا، و غير ذلك من التفاصيل المذكورة بحسب القاعدة (٤75).

كل ذلك، لقاعدة عدم جواز تفويت الواجب الفعلي. مضافا إلى ظهور الإجماع على عدم الجواز في المقام.

أي: خارج عن حقيقة ذات العبادة فلا تسري المبغوضية إليها حتى تفسد، بل تصح للعبادة و إن كان عاصيا حين الإتيان بها.

لأنّها الأصل للأمر و هو حاصل منها و متفرّع عليها، و لا ملازمة بين سقوط الأمر و سقوطها بوجه أصلا.

و ما في بعض الحواشي من أنّه لا سبيل إلى هذه الدعوى فيما اعتبرت القدرة فيه شرطا شرعيا كالحج و نحوه (مخدوش): لاختلاف المورد في المقام، لأنّ القدرة الشرعية معتبرة في حجة الإسلام، و المأتي به إنّما هو الحج المندوب أو الحج عن الغير إجازة أو تبرعا، و لا يعتبر فيها القدرة الشرعية. هذا و الظاهر أنّ مسألة النيابة في المقام أجنبية عن مسألة الضد، لأن النائب يقصد أمر المنوب عنه و هو ثابت بالنسبة إليه قطعا فلا تصل النوبة إلى القول بكفاية المحبوبية الذاتية في الصحة.

لأنّ الفورية أعمّ من التوقيت شرعا و عرفا بل و عقلا أيضا.

أي: ليس يجزي عن نفسه حجه عن الميت، و قوله (عليه السلام):

«و هي تجزي عن الميت»۱٦۳ أي: إنّ ما أتى به من الحج عن الميت تجزي عن الميت… إلخ» و يصح الاستدلال به حينئذ على خلاف المشهور و في صحيح الأعرج: «إنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال (عليه السلام):

نعم، إذا لم يجد الصرورة ما يحج به. فإن كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله، و هو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن مال»۱٦4. و هو ظاهر في الحرمة التكليفية، و الصحة الواقعية، فيدل على خلاف المشهور أيضا.

و قد يستدل على المشهور بأنّ ظاهر قوله تعالى‏ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ‏۱٦٥ كون العمل الحجي من المستطيع ملكا للّه تعالى، فيكون مثل الأجير الخاص الذي ليس له حق صرف عمله بغير من استأجره و قد تمسك (رحمه اللّه) بهذه الجهة في موارد كثيرة.

(و فيه)- أولا: أنّه لا يستفاد منه أزيد من أصل الاختصاص و هو يناسب الحكم التكليفي بقرينة الأخبار.

و ثانيا: على فرض استفادة الملكية فإنّما هي بالنسبة إلى الذمة فقط فلا ينافي كون العمل الخارجي للغير.

لما تقدم من قصور الأدلة عن إثبات البطلان في صورة العلم و العمد، فكيف بصورة الجهل و العذر. نعم، لو كان الجهل عن تقصير فهو كالعمد بناء على صحة إجماعهم على إلحاقه به.

بناء على أنّ الأمر بالشي‏ء يقتضي النّهي عن ضدّه يصير العمل حراما، فلا يكون مقدورا شرعا، و غير المقدور شرعا كغير المقدور عقلا. و أما بناء على عدم الاقتضاء فهو مقدور عليه، بناء على صحة الترتب كما هو الحق، فدليل البطلان منحصر بمسألة الضد. و الصحة مترتبة على صحة الترتب.

لا وجه للصحة هناك، بل لو قلنا بالصحة في المقام لا نقول بها في الشرط، لأنّ مقتضى المرتكزات أنّه مع الشرط يحصل للشارط على المشروط عليه حق لا يصح التصرف المنافي للمشروط عليه في مورد الحق، فلا يصح التصرف في مورد الحق بدون رضاء من له الحق، و القول بالصحة في شرط العتق ضعيف، و تقدم من الماتن في كتاب الزكاة أنّ نذر التصدق بالعين الزكوي يمنع عن تعلق الزكاة به، و لا فرق بين النذر و الشرط من هذه الجهة. و يأتي في أحكام الشروط تتمة الكلام إن شاء اللّه تعالى.

التنافي، و عدم الصحة مبنيان على عدم صحة الترتب، و أما معها فتصح و إن عصى كما في جميع موارد فرض الترتب.

لو لم يكن النهي لكانت مقدورة بواسطة الترتب فهو منسوب بالنتيجة إلى النهي.

لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها حينئذ فتشملها أدلة صحة الإجارة.

بناء على أنّ سبق واجب يمنع عن وجوب اللاحق المنافي له مطلقا. و أما بناء على الترجيح بالأهمية فلا بد من تقديم ما هو الأهمّ و الظاهر أنّه الحج عن نفسه و لم يثبت كون مجرّد السبق الزماني من حيث هو من المرجحات ما لم يرجع إلى أهميّة الملاك.

كل ذلك مع العذر و عدم التقصير، فإنّ الترخيص الظاهريّ حينئذ يجزي في صحة الإجارة. و أما مع التقصير أو العذر فقد تقدم حكمه آنفا.

بعد فرض وحدة الحقيقة لا بد من الإجزاء لوجود المقتضي و فقد المانع عنه كما يأتي.

لا ريب في أنّه قد تحقق منه قصد ما عليه في الجملة، و لذا يصححه (قدّس سرّه) فيما يأتي إن كان من باب الاشتباه في التطبيق، فيتحقق الانطباق القهري على المأتيّ به لا محالة.

و بعبارة أخرى: الوحدة الصورية الوحدة بين الواجب و المندوب في المقام مع القصد الإجمالي تكفي في الانطباق القهري إلا أن يرجع إلى قصد عدم الحج لو كان واجبا. و الشيخ لا يقول بالإجزاء حينئذ أيضا.

هذا الإشكال غير وارد لتعدد العمل عن نفسه و عن غيره في عرف المتشرّعة فلا بد من التعيين في القصد بلا إشكال بخلاف الواجب و المندوب عن نفسه، إذ لا يرى العرف فرقا بينهما و لم يتضح من الأدلة خلافه، مع أنّه بناء على الانقلاب القهري يلغى قصد الغير و يجزي أيضا.

هذا عين المدعى لا ينبغي أن يجعل دليلا عليه، مع أنّ كونهما من حقيقة واحدة يغني عن توجيه نية مستقلة إلى كل منهما، بل تكفي نية واحدة على الإجمال.

هذا من لوازم وحدة الحقيقة و فروعها، و قد اعترف (رحمه اللّه) في [مسألة ٦٥] فراجع.

ظهر مما تقدم إمكان توجيهه، و لكنّه خلاف المشهور، مع أنّه (قدّس سرّه) وافق المشهور في خلافه فراجع.

لأنّه بعد كون الحكم موافقا للقاعدة يجزي في جميع المصاديق من غير فرق بينهما. هذا مع ظهور التسالم عليه.

  1. الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
  2. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب قصاص النفس حديث: ۲.
  3. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  4. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  5. راجع ج: ۷ من هذا الكتاب صفحة: ۳۲۷.
  6. الوسائل باب: ۷۸ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۱.
  7. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: ۲ و ۳.
  8. الوسائل باب: ۱۰4 من أبواب أحكام الأولاد.
  9. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الوصية حديث: ۱.
  10. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: ۳.
  11. الوسائل باب: ٥۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۷۰.
  12. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ۱.
  13. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ۳.
  14. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ۷.
  15. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب أقسام الحج حديث: ۲.
  16. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ۳.
  17. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ٦.
  18. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ۱.
  19. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ۸.
  20. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ٥.
  21. تقدم في صفحة: ۲٦.
  22. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ۲.
  23. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ۳.
  24. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ٥.
  25. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أقسام الحج حديث: ٥.
  26. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب قصاص النفس حديث: ۲.
  27. تقدم في صفحة: ۲۸.
  28. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  29. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  30. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المواقيت حديث: ۳ و ۲.
  31. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: ۳ و غيره.
  32. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  33. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  34. الوسائل باب: ۹ من أبواب بيع الحيوان حديث: ۱.
  35. الوسائل باب: ۹ من أبواب بيع الحيوان حديث: ۳.
  36. الوسائل باب: ۷۸ من أبواب الوصية حديث: ۱.
  37. الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.
  38. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  39. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  40. الوسائل باب: ٥۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۷.
  41. الوسائل باب: ۲ من أبواب الذبح حديث: ۲.
  42. الوسائل باب: ۲ من أبواب الذبح حديث: ۱.
  43. الوسائل باب: ۲ من أبواب الذبح حديث: 4.
  44. الوسائل باب: ٥٦ من أبواب كفارات الصيد حديث: ۱.
  45. راجع الاستبصار ج: ۲ صفحة: ۲۱٦، و التهذيب ج: ٥ صفحة: ۳۸۳ و الفقيه ج: ۲ صفحة: ۲٦4 ط: النجف و الكافي ج: 4 صفحة ۳۰4 ط: طهران.
  46. سورة الأنعام، الآية ۱٦4.
  47. الوسائل باب: ٥٦ من أبواب كفارات الصيد حديث: ۲.
  48. الوسائل باب: ۸ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  49. الوسائل باب: ۸ من أبواب وجوب الحج حديث: ۷.
  50. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  51. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  52. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  53. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  54. الوسائل باب: ۸ من أبواب وجوب الحج حديث: ۷.
  55. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  56. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۸.
  57. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱۰.
  58. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱۰.
  59. ورد مضمونه في الوسائل باب: ۷۸ من أبواب جهاد النفس حديث: ۱.
  60. سورة النساء، الآية 4۸.
  61. راجع مضمونه في الوسائل باب: ۷۸ و ۷۹ من أبواب جهاد النفس حديث: ۲.
  62. راجع مضمونه في الوسائل باب: ۷۸ و ۷۹ من أبواب جهاد النفس حديث: ۲.
  63. الوسائل باب، ۷ من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: ۱.
  64. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب لباس المصلي.
  65. سورة الجمعة، الآية ۹.
  66. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  67. تقدم في صفحة: ٦٥.
  68. تقدم في صفحة: ٦٥.
  69. تقدم في صفحة: ٦٥.
  70. تقدم في صفحة: ٦٥.
  71. تقدم في صفحة: ٦۲.
  72. سورة آل عمران، الآية ۹۷.
  73. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  74. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱۱.
  75. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  76. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  77. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ٦.
  78. تقدم في صفحة: 4٥.
  79. تقدم في صفحة: 4٥.
  80. سورة آل عمران، الآية ۹۷.
  81. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب وجوب الحج حديث: ٥.
  82. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  83. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  84. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  85. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ٥.
  86. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  87. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  88. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ٦.
  89. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  90. الوسائل باب: ۹ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  91. الوسائل باب: ۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ٥.
  92. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأنفال حديث: ٦.
  93. الوسائل باب: ۷۸ من أبواب ما يكتسب به حديث: ٦.
  94. الوسائل باب: ۷۸ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۸.
  95. الوسائل باب: ۷۸ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۲.
  96. سورة آل عمران، الآية ۹۷.
  97. الوسائل باب: ۸ من أبواب وجوب الحج حديث: 4 و ۱۰.
  98. الوسائل باب: ٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  99. الوسائل باب: ۲4 من أبواب وجوب الحج حديث: ٦.
  100. الوسائل باب: ۲4 من أبواب وجوب الحج حديث: ٥.
  101. الوسائل باب: ۲4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  102. الوسائل باب: ۲4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  103. الوسائل باب: ۲4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  104. الوسائل باب: ۲4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۷.
  105. الوسائل باب: ۲4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۲. و تقدم في ص: ۱۱٦.
  106. الوسائل باب: ۲4 من أبواب وجوب الحج حديث: ٥. و تقدم في ص: ۱۱۷.
  107. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  108. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  109. راجع الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الحج حديث: ۳.
  110. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  111. تقدم في صفحة 4٥ من مجلد ۱۱ و جلد ۳ ص ۱۲۹ و في موارد اخرى.
  112. تعرض- قدس سرّه- لقاعدة الجب في موارد منها جلد ۷ صفحة: ۲۸۹.
  113. راجع الوسائل باب: ۸٦ من أبواب جهاد النفس حديث: ۸ و غيره.
  114. الوسائل باب: ۳ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۱ و ۲ و ۳.
  115. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ٥.
  116. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳.
  117. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  118. الوسائل باب: ٥۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  119. الوسائل باب: ٥۹ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  120. الوسائل باب: ٥۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  121. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  122. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۷.
  123. الوسائل باب: ۷۹ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  124. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  125. الوسائل باب: ۹۱ من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: ۱.
  126. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  127. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  128. الوسائل باب: ٦۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  129. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات حديث: ۱.
  130. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  131. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  132. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  133. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  134. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  135. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  136. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  137. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  138. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  139. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  140. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  141. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
  142. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  143. سورة آل عمران، الآية ۹۷.
  144. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  145. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱. و باب: ٦٥ من أبواب أحكام الوصايا.
  146. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۲ و باب: 4۲ من أبواب أحكام الوصايا.
  147. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۲ و باب: 4۲ من أبواب أحكام الوصايا.
  148. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الوصايا حديث: ۲.
  149. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الوصايا حديث: ۱.
  150. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الوصايا حديث: ۱.
  151. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الوصايا حديث: ۳.
  152. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الوصايا حديث: ٥.
  153. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  154. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
  155. الوسائل باب: ۲ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
  156. الوسائل باب: ۲ من أبواب النيابة في الحج حديث: 4.
  157. الوسائل باب: ۲ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۳.
  158. الوسائل باب: ۲ من أبواب النيابة في الحج حديث: 4 و غيره من الأحاديث.
  159. الوسائل باب: ۸٦ من أبواب جهاد النفس حديث: ۸.
  160. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب وجوب الحج.
  161. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  162. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  163. الوسائل باب: ٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۳.
  164. الوسائل باب: ٥ من أبواب النيابة في الحج حديث: ۱.
  165. سورة آل عمران، الآية ۹۷.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"