1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الحج
  10. /
  11. فصل في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين
في الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين و يشترط في انعقادها: البلوغ، و العقل، و القصد، و الاختيار. فلا تنعقد من الصبيّ و إن بلغ عشرا و قلنا بصحة عباداته و شرعيتها، لرفع قلم الوجوب عنه. و كذا لا تصح من المجنون و الغافل و الساهي، و السكران، و المكره (۱) و الأقوى صحتها من الكافر، وفاقا للمشهور في اليمين خلافا لبعض (۱) و خلافا للمشهور في النذر، وفاقا لبعض (۲)، و ذكروا في وجه الفرق عدم اعتبار قصد القربة في اليمين و اعتباره في النذر، و لا تتحقق القربة في الكافر، و فيه أولا: أنّ القربة لا تعتبر في النذر (۳)، بل هو مكروه (٤)، و إنّما تعتبر في متعلقه، حيث إنّ اللازم كونه راجحا شرعا (٥)، و ثانيا: إنّ‏ متعلق اليمين أيضا قد يكون من العبادات (٦)، و ثالثا: إنّه يمكن قصد القربة من الكافر أيضا. و دعوى: عدم إمكان إتيانه للعبادات لاشتراطها بالإسلام مدفوعة: بإمكان إسلامه ثمَّ إتيانه، فهو مقدور لمقدورية مقدّمته (۷)، فيجب عليه حال كفره كسائر الواجبات، و يعاقب على مخالفته، و يترتب عليها وجوب الكفارة، فيعاقب على تركها أيضا و إن أسلم صح إن أتى به، و يجب عليه الكفارة لو خالف و لا يجري فيه قاعدة جبّ الإسلام، لانصرافها عن المقام (۸). نعم، لو خالف و هو كافر، و تعلق به الكفارة فأسلم، لا يبعد دعوى سقوطها عنه كما قيل (۹).

و الأولان: التزام بعمل، أو ترك للّه تعالى على نحو خاص. و الأخير إخبار مؤكد بالقسم و يأتي الفصيل في محله.

كل ذلك للإجماع، و حديث رفع التسعة عن الأمة۱ و عدم تحقق القصد الجدّي في المجنون، و الغافل، و السكران، و عدم الرضا و طيب النفس من المكره، مع أنّ الالتزامات متقوّمة به في المحاورات خبرا كان، أو إنشاء، إيقاعا كان أو عقدا و أما ما استدل (رحمه اللّه) من رفع قلم الوجوب عن الصبيّ‏۲ فهو أعمّ من الصحة كما هو واضح، فعمدة الدليل على عدم الصحة فيه فهو ظهور إجماعهم عليه.

نسب ذلك إلى الشيخ، و ابن إدريس، و لا وجه له بل الوجه الصحة للإطلاقات و العمومات الشاملة للكافر أيضا بعد كونه معتقدا بالصانع في الجملة.

كما عن المدارك و الذخيرة، و الرياض لو لا ظهور الإجماع على خلافهم.

للأصل، و الإطلاق، و العموم. نعم، لا بد و أن يكون الملتزم له هو اللّه تعالى، فالناذر يوجب من قبل اللّه تعالى شيئا على نفسه و لم يردع عنه الشرع بل قرّره و هو أعمّ من اعتبار القربة في النذر كاعتبارها في العباديات: و الوفاء بمثل هذا الالتزام يوجب التقرب مع وجود المقتضي و فقد المانع، خصوصا في نذر التبرع، و الشكر مع أنّه على فرض اعتبارها فيه لا إشكال فيه أيضا فإنّ للتقرب إليه تعالى أنواع شتّى، و لأصل القرب إليه عزّ و جل مراتب غير متناهية، و لا دليل من عقل أو نقل على امتناع بعض مراتبها بالنسبة إلى الكافر، مع أنّ فضله تعالى كثير بل غير متناه، و ليس قربه تعالى منحصرا بالقرب المنعويّ حتى يمتنع ذلك بالنسبة إلى الكافر.

لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن عمار- في حديث- «إنّي لأكره الإيجاب أن يوجب الرجل على نفسه»۳.

(و عن أحدهما (عليهما السلام) في خبر الجرجاني: «لا توجب على نفسك الحقوق و اصبر على النوائب»4 و هذا هو المشهور أيضا. و عن بعض حمله على الإرشاد إلى حسن الصبر و هو بعيد.

لا ريب في اعتبار الرجحان في متعلق النذر و العهد في الجملة، إذ العاقل‏ بما هو عاقل لا يوجب شيئا على نفسه إلا مع إحراز رجحانه، و معنى أنّه يوجب المنذور على نفسه من قبل اللّه تعالى ذلك أيضا، إذ الإيجاب منه تعالى و لو بالعرض لا يتعلق إلا بالراجح، و يدل عليه قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الكناني: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل قال: عليّ نذر قال (عليه السلام): ليس النذر بشي‏ء حتى يسمّى للّه شيئا، صياما، أو صدقة، أو هديا، أو حجا»٥ فينعقد في فعل كل واجب أو مندوب عبادة كان أولا.

كما ينعقد في ترك كل حرام، و مكروه، بل و فعل مباح إذا عرضت عليه جهة راجحة، أو تركه إذا عرضت عليه جهة مرجوحة و أما المباح المتساوي الطرفين، فمقتضى الأصل عدم انعقاد النذر به بعد ظهور الإطلاقات فيما هو المتعارف. و ما يظهر من الخلاف لا بد من حمله أو طرحه كما يأتي التفصيل في محله.

الإشكال الأول كان مبنيا على أنّ نفس النذر متقوّم بقصد القربة، فلا ربط لهذا الوجوب بدفع الإشكال. نعم، هذا النقض مشترك الورود على كل منهما، و جوابه منحصر بظهور إجماعهم على عدم صحة العبادات المعهودة من الكافر سواء وقعت متعلق النذر و اليمين أم لا.

اعتبار التقرب فيما اعتبر فيه على قسمين:

الأول: نفس قصد القربة من حيث هو، و لا ريب في أنّه سهل المؤنة يمكن‏ حصوله من كل من يعتقد باللّه تعالى.

الثاني: حصول التقرب إليه تعالى بما قصد فيه القربة و هو يتوقف على إزالة الموانع عن قربه تعالى للمسلم فكيف بالكافر، فهذا التقرب اقتضائيّ لا أن يكون فعليا من كل جهة، ففي المسلم يتوقف على إزالة جملة من الصفات الذميمة من نفسه، و في الكافر يتوقف على إزالة كفره، مضافا إلى ذلك لأنّ اللّه تعالى قال‏ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ‏٦ و للقبول مراتب، كما أنّ للتقوى أيضا كذلك. و المرجوّ منه تعالى القبول بكل مرتبة من مراتبه و هو تعالى أعلم بمراتب القبول و الجزاء عليه و ظروف إعطاء الجزاء في الدنيا، و البرزخ، و الآخرة، أو الجميع.

لأنّ سبب الكفارة إنّما هو مخالفة النذر و قد تحقق ذلك بعد الإسلام لا قبله حتى تسقط بحديث الجبّ، مع إنّه قد مرّ أنّه لا بد في العمل بالحديث‏۷ من الجبر بالفتوى، و الإجماع. و لا إجماع عليه في المقام.

ذكره في الدروس في كفارة اليمين. و في استفادة الإجماع عنه إشكال بل منع. ثمَّ التعدّي من اليمين إلى النذر أشكل.

(مسألة ۱): ذهب جماعة إلى أنّه يشترط في انعقاد اليمين من المملوك إذن المولى، و في انعقاده من الزوجة إذن الزوج، و في انعقاده من الولد إذن الوالد لقوله (عليه السلام): «لا يمين لولد مع والده» (۱۰)، و لا للزوجة مع‏ زوجها، و لا للمملوك مع مولاه»، فلو حلف أحد هؤلاء بدون الإذن لم ينعقد. و ظاهرهم اعتبار الإذن السابق، فلا تكفي الإجازة بعده. مع أنّه من الإيقاعات، و ادعى الاتفاق (1۱) على عدم جريان الفضولية فيها و إن كان يمكن دعوى أنّ القدر المتيقن من الاتفاق ما إذا وقع الإيقاع على مال الغير- مثل الطلاق، و العتق، و نحوهما- لا مثل المقام مما كان في مال نفسه غاية الأمر اعتبار رضا الغير فيه (1۲)، و لا فرق فيه بين الرضا السابق و اللاحق. خصوصا إذا قلنا: إنّ الفضولي على القاعدة (۱۳) و ذهب جماعة إلى أنّه لا يشترط الإذن (۱٤) في الانعقاد، لكن للمذكورين حلّ يمين الجماعة إذا لم يكن مسبوقا بنهي أو إذن بدعوى: أنّ المنساق من الخبر المذكور و نحوه: أنّه ليس للجماعة المذكورة يمين مع معارضة المولى أو الأب أو الزوج و لازمه. جواز حلّهم له، و عدم وجوب العمل به مع عدم رضاهم به. و على هذا فمع النهي السابق لا ينعقد، و مع الإذن يلزم، و مع عدمهما ينعقد، و لهم حلّه و لا يبعد قوّة هذا القول: مع أنّ المقدر- كما يمكن أن يكون هو الوجود- يمكن أن يكون هو المنع و المعارضة، أي: لا يمين مع منع المولى، مثلا فمع عدم الظهور في الثاني، لا أقلّ من الإجمال (۱٥) و القدر المتيقن هو عدم الصحة مع المعارضة و النهي، بعد كون مقتضى العمومات الصحة و اللزوم. ثمَّ إنّ جواز الحلّ- أو التوقف على الإذن- ليس في اليمين بما هو يمين مطلقا- كما هو ظاهر كلماتهم- (۱٦) بل إنّما هو فيما كان المتعلق منافيا لحق المولى أو الزوج، و كان مما يجب فيه‏ طاعة الوالد إذا أمر أو نهى. و أما ما لم يكن كذلك فلا، كما إذا حلف المملوك أن يحج إذا أعتقه المولى، أو حلفت الزوجة أن تحج إذا مات زوجها أو طلّقها، أو حلفا أن يصليا صلاة الليل مع عدم كونها منافية لحق المولى أو حق الاستمتاع من الزوجة، أو حلف الولد أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن، أو نحو ذلك مما لا يجب طاعتهم فيها للمذكورين، فلا مانع من انعقاده. و هذا هو المنساق من الأخبار، فلو حلف الولد أن يحج إذا استصحبه الوالد إلى مكة- مثلا- لا مانع من انعقاده، و هكذا بالنسبة إلى المملوك و الزوجة، فالمراد من الأخبار: أنّه ليس لهم أن يوجبوا على أنفسهم باليمين ما يكون منافيا لحق المذكورين و لذا استثنى بعضهم الحلف على فعل الواجب أو ترك القبيح و حكم بالانعقاد فيهما، و لو كان المراد اليمين بما هو يمين لم يكن وجه لهذا الاستثناء. هذا كلّه في اليمين، و أما النذر فالمشهور بينهم أنّه كاليمين في المملوك و الزوجة، و ألحق بعضهم بهما الولد أيضا و هو مشكل، لعدم الدليل عليه- خصوصا في الولد- الا القياس على اليمين، بدعوى تنقيح المناط و هو ممنوع (۱۷) أو بدعوى: أنّ المراد من اليمين في الأخبار ما يشمل النذر، لإطلاقه عليه في جملة من الأخبار، منها: خبران في كلام الإمام (عليه السلام) (۱۸). و منها: أخبار في كلام الراوي و تقرير الإمام (عليه السلام) له (۱۹) و هو أيضا كما ترى، فالأقوى في الولد عدم الإلحاق (۲۰). نعم، في الزوجة و المملوك لا يبعد الإلحاق باليمين، لخبر قرب الإسناد عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) «إنّ عليا (عليه السلام) كان يقول: ليس على المملوك نذر الا بإذن مولاه»، و صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق، و لا صدقة، و لا تدبير، و لا هبة، و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها. إلا في حج، أو زكاة، أو بر والديها، أو صلة قرابتها» و ضعف الأول منجبر بالشهرة (۲۱) و اشتمال الثاني على ما نقول به لا يضرّ (۲۲) ثمَّ هل الزوجة تشمل المنقطعة أو لا؟ وجهان و هل الولد يشمل ولد الولد أو لا؟ كذلك وجهان (۲۳) و الأمة المزوجة عليها الاستئذان من الزوج و المولى (۲٤) بناءعلى اعتبار الإذن، و إذا أذن المولى للمملوك أن يحلف أو ينذر الحج لا يوجب عليه إعطاء ما زاد عن نفقته الواجبة عليه من مصارف الحج (۲٥)، و هل عليه تخلية سبيله لتحصيلها أو لا؟ وجهان (۲٦). ثمَّ على القول بأنّ لهم الحلّ، هل يجوز مع حلف الجماعة التماس المذكورين في حلّ حلفهم أو لا؟ وجهان (۲۷).

رواه منصور بن حازم- في الصحيح- عن الصادق (عليه السلام) قال:

«قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع مولاه و لا للمرأة مع زوجها. و لا نذر في معصية. و لا يمين في قطيعة»۸، و في خبر القداح عنه (عليه السلام) أيضا: «لا يمين لولد مع والده، و لا للمرأة مع زوجها، و لا للمملوك مع سيّده»۹.

ادعاه في غاية المراد. و يشكل الاعتماد عليه، لأنّهم يستدلون عليه بقوله (عليه السلام): «لا عتق إلا في ملك»۱۰، فيستفاد منه عدم تمامية الإجماع لديهم.

و أما هذا الحديث فكل ما يجاب عن قوله (عليه السلام): «لا يبع إلا في ملك»۱۱ يجاب به عنه أيضا فراجع ما ذكرناه في بيع الفضولي. و بعد كون الفضولي على طبق القاعدة كما أثبتناه في كتاب البيع لا فرق فيه بين أنواع العقود و الإيقاعات إلا ما دل الدليل بالخصوص على المنع عنه.

و لو كان لا حقا، فإنّ المعروف جواز عتق الراهن عبده المرهون مع الإجازة اللاحقة من المرتهن فيستفاد منه أنّ الإنفاق على فرض الاعتبار لا يشمل مثل الفرض خصوصا بعد كون الفضولي مطلقا على طبق القاعدة.

لأنّ خلاصة النزاع في الفضولي ترجع إلى أنّه هل يعتبر مقارنة الرضا مع الإنشاء، أو يكفي لحوقه به، و مقتضى الإطلاقات عدم الاعتبار، فالفضولي مطابق للإطلاقات و العمومات، و قاعدة الصحة الجارية في العقود و الإيقاعات مطلقا و ليس في البين ما يمنع عن ذلك إلا أصالة عدم ترتب الأثر و هي محكومة بالإطلاقات و العمومات.

نسب ذلك إلى المشهور.

مع أنّ ثبوت حق للمذكورين بحيث تكون صحة اليمين متوقفة على الاستئذان منهم مشكوك، و مقتضى الأصل عدمه، و التمسك بإطلاق أدلة حقوقهم و بأدلة المقام تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

ظاهر الكلمات مأخوذة من ظاهر الأخبار. و المحتملات فيه ثلاثة:

الأول: أن يكون لنفس اليمين من حيث هو موضوعية خاصة و لو لم يكن‏ منافيا لشي‏ء من حقّهم، و شأنهم، و سائر جهاتهم و كان فيه غرض صحيح شرعيّ.

الثاني: ما كان منافيا لحقوقهم.

الثالث: ما لم يكن منافيا لحقوقهم و لكن كان لاستيلائهم عليهم و المأنوس في المرتكزات، و المنساق من الروايات أحد الأخيرين و في غيرهما يرجع إلى الأصل و العمومات بعد الشك في شمول أدلة المقام له، و يشهد لما قلناه قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لا يمين للولد مع والده، و لا للمملوك مع سيده و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة»۱۲ فإنّ الذيل قرينة على أنّه لا موضوعية لحرمة اليمين في الصدر أيضا. بلى‏ يكون طريقا إلى تحقق العصيان فإنّ تحقق تبطل و إلا فلا.

تنقيح المناط على قسمين:

الأول: الملاك الواقعي للتشريع و لا ريب في قصور الأذهان عن دركه، فلا عبرة بمقطوعه فكيف بمظنونه.

الثاني: التقريبات العرفيّة المحاورية في مقام الإثبات و الاستظهار و الظاهر اعتباره و يرجع إلى الدّعوى الثانية حينئذ.

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق سماعة: «إنّما اليمين الواجبة- التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها- ما جعل للّه تعالى عليه الشكر إن هو عافاه من مرضه، أو عافاه من أمر يخافه، أو رد عليه ماله، أو رده من سفره، أو رزقه رزقا فقال: للّه عليّ كذا و كذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه»۱۳.

و في خبر السندي عنه (عليه السلام) أيضا: «قلت له: جعلت على نفسي مشيا إلى بيت اللّه. قال (عليه السلام): كفّر عن يمينك، فإنّما جعلت على نفسك يمينا، و ما جعلته للّه فف به»۱4.

و هي كثيرة:

منها: خبر ابن صدقة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): سئل عن رجل يحلف بالنذر، و نيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقلّ قال (عليه السلام): إذا لم يجعل للّه فليس بشي‏ء»۱٥.

و أشكل عليه‏ بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة (و فيه): أنّ الظهور حجة و لو لم‏ يكن حقيقة.

بناء على ما تقدم- من عدم الموضوعية في اليمين من حيث هو و إنّما المنع لأجل المنافاة مع الحق أو الاستيلاء- يكون الحكم موافقا للقاعدة و يجري في النذر أيضا. و أما بناء على الموضوعية المحضة- و إن لم يناف شيئا أبدا- فلا دليل عليه في أصل اليمين فكيف بالنذر.

أما منشأ الضعف، فلحسين بن علوان حيث لم يوثق. و أما الانجبار فهو متوقف أولا: على استناد المشهور إليه، و ثانيا: على كفاية في الانجبار. و الأول مشكل و إن قلنا بالثاني.

أما ما اشتمل عليه مما لا يقول به: فالعتق، و التدبير، و الهبة، فلا يتوقف صحتها منها على إذن الزوج، و أما أنّ ذلك لا يضرّ فلجريان سيرة الفقهاء على التفكيك في الرواية الواحدة في العمل ببعضها و طرح بعضها الآخر.

منشأ الوجهين الجمود على الإطلاق الصادق في المنقطعة، و ولد الولد.

و احتمال الانصراف إلى الدائمة و الولد بلا واسطة، و لكن الانصراف بدويّ و ظهور الإطلاق محكم.

لتعدد السبب، المقتضي لتعدد المسبب.

للأصل بعد عدم دليل عليه، و كون الإذن فيه أعمّ من ذلك.

منشأهما أصالة البراءة عن الوجوب، و أنّ الإذن في الشي‏ء إذن في لوازمه و لا يبعد الأخير.

منشأهما أنّه تسبب لعدم الوفاء بالنذر بعد تحققه فلا يجوز. و من أنّه لا دليل على حرمة مثل ذلك فمقتضى الأصل البراءة، و الظاهر هو الأخير، لأصالة البراءة عن حرمة مثل هذا التسبب.

(مسألة ۲): إذا كان الوالد كافرا ففي شمول الحكم له وجهان، أوجههما العدم للانصراف، و نفي السبيل (۲۸).

يمكن منع الانصراف بدعوى: أنّ ذلك من شؤون الوالدية التكوينية لا من جهة الاحترام الشرعي، كما أنّه لا وجه للتمسك بآية نفي السبيل‏۱٦، لإجمال معناه لما يأتي في كتاب البيع عند بيان عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر.

(مسألة ۳): هل المملوك المبعض حكمه حكم القن أو لا؟ وجهان، لا يبعد الشمول، و يحتمل عدم توقف حلفه على الإذن في نوبته في صورة المهاياة خصوصا إذا كان وقوع المتعلق في نوبته (۲۹).

إن وقع النذر و المتعلق كلاهما في نوبته، فالظاهر عدم شمول أدلة المقام له. و إن كان بالاختلاف، فمقتضى قاعدة السلطنة الشمول خصوصا إذا كان وقوع النذر في نوبة العبد و المتعلق في نوبة السيد و احتمال الانصراف بدويّ لا يعتنى به.

(مسألة ٤) الظاهر عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى، و كذا في المملوك و المالك، لكن لا تلحق الأم بالأب (۳۰).

أما عدم الفرق، فللإطلاق، و الاتفاق. و أما عدم الإلحاق فللأصل بعد عدم الدليل عليه. نعم، لو كان المناط المنافاة للحق و كان النذر منافيا لحقّها لا فرق حينئذ بين الأب و الأم.

(مسألة ٥): إذا نذر أو حلف المملوك بإذن المالك، ثمَّ انتقل إلى غيره- بالإرث أو البيع أو نحوه- بقي على لزومه (۳۱).

للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق فيما إذا لم يكن منافيا لحق مولى الثاني، و كذا في صورة المنافاة، إذ المملوك كأنّه وصل إليه مسلوب المنفعة من هذه الجهة فلا سلطنة له عليه فيها.

(مسألة ٦): لو نذرت المرأة أو حلفت حال عدم الزوجية ثمَّ تزوجت، وجب عليها العمل به و إن كان منافيا للاستمتاع بها، و ليس للزوج منعها من ذلك الفعل، كالحج و نحوه، بل و كذا لو نذرت أنّها لو تزوجت بزيد (۳۲)- مثلا صامت كل خميس، و كان المفروض أنّ زيدا أيضا حلف أن يواقعها كل خميس إذا تزوجها، فإنّ حلفها أو نذرها مقدّم على حلفه و إن كان متأخرا في الإيقاع لأنّ حلفه لا يؤثر شيئا في تكليفها بخلاف نذرها، فإنّه يوجب الصوم عليها، لأنّه متعلق بعمل نفسها، فوجوبه عليها يمنع من العمل بحلف الرجل.

هذه المسألة بفرعيها مبنية على أنّ التوقف على إذن الزوج أو ثبوت حقّ الحلّ له هل يكون في حدوث يمينها فقط، أو أنّه متعلق بذات اليمين من حيث الطبيعة السارية ما دامت اليمين باقية؟. فعلى الأول لا موضوع لحق الزوج أصلا لتحقق اليمين مستجمعا للشرائط فهو و الأجنبيّ بالنسبة إليها على السواء. و على الأخير له الحق لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات، و مقتضى ظواهر الأدلة هو الأخير، فيصح له حلّ نذرها في الفرعين.

إن قيل: فعلى هذا لو أذن الزوج في يمينها فيجوز له أن يرجع عن إذنه، لتعلق الحق بالطبيعة السارية، مع أنّهم لا يقولون به.

قلت: نعم، و لكن مرجع الإذن إلى إسقاط الحق فلا حق له بعد ذلك، مع أنّه خرج بدليل خاص يأتي التعرض له في كتاب النذر إن شاء اللّه تعالى. و أما الترجيح بالسبق الزماني، فقد تقدم أنّه لا دليل عليه ما لم تثبت الأهمية من جهة أخرى.

(مسألة ۷): إذا نذر الحج من مكان معيّن- كبلدة أو بلد آخر معيّن- فحج من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمته و وجب عليه ثانيا (۳۳). نعم، لو عينه في سنة، فحج في تلك السنة من غير ذلك المكان وجب عليه الكفارة، لعدم إمكان التدارك، و لو نذر أن يحج من غير تقييد بمكان، ثمَّ نذر نذرا آخر أن يكون ذلك الحج من مكان كذا، و خالف فحج من غير ذلك المكان، برئ من النذر الأول، و وجب عليه الكفارة لخلف النذر الثاني، كما أنّه لو نذر أن يحج حجة الإسلام من بلد كذا فخالف، فإنّه يجزيه عن حجة الإسلام (۳٤) و وجب عليه الكفارة لخلف النذر.

لإطلاق دليل وجوب الوفاء به بعد عدم صحة أن يكون ما أتى به امتثالا له لأجل المخالفة بينهما.

لأنّ المتعارف من مثل هذه النذور أنّها من باب تعدد المطلوب فالمقتضي لصحة حجة الإسلام موجود و المانع عنها مفقود. و المخالفة حصلت في القيد الخارج عن ذات حجة الإسلام. نعم، لو كان نذره بحيث لو حج من غير ذلك الطريق لم يحصل منه قصد القربة بطلت من هذه الجهة.

(مسألة ۸): إذا نذر أن يحج و لم يقيّده بزمان، فالظاهر جواز التأخير إلى ظنّ الموت أو الفوت، فلا يجب عليه المبادرة (۳٥)، إلا إذا كان هناك انصراف،فلو مات قبل الإتيان به- في صورة جواز التأخير- لا يكون عاصيا. و القول بعصيانه- مع تمكنه في بعض تلك الأزمنة و إن جاز التأخير- لا وجه له (۳٦). و إذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة (۳۷)، فلو أخر عصى، و عليه القضاء و الكفارة (۳۸)، و إذا مات وجب قضاؤه عنه، كما أنّ في صورة الإطلاق إذا مات- بعد تمكنه منه، قبل إتيانه- وجب القضاء عنه (۳۹). و القول بعدم وجوبه، بدعوى: أنّ القضاء بفرض جديد، ضعيف لما يأتي (٤۰). و هل الواجب القضاء من أصل التركة، أو من الثلث؟ قولان،فذهب جماعة إلى القول بأنّه من الأصل، لأنّ الحج واجب ماليّ، و إجماعهم قائم على أنّ الواجبات المالية تخرج من الأصل. و ربما يورد عليه بمنع كونه واجبا ماليا، و إنّما هو أفعال مخصوصة بدنية و إن كان قد يحتاج إلى بذل المال في مقدماته، كما أنّ الصلاة أيضا قد تحتاج إلى بذل المال في تحصيل الماء و الساتر و المكان و نحو ذلك. و فيه أنّ الحج في الغالب محتاج إلى بذل المال، بخلاف الصلاة و سائر العبادات البدنية، فإن كان هناك إجماع و غيره على أنّ الواجبات المالية من الأصل يشمل الحج قطعا، و أجاب صاحب الجواهر (رحمه اللّه) بأن المناط في الخروج من الأصل كون الواجب دينا، و الحج كذلك، فليس تكليفا صرفا- كما في الصلاة و الصوم- بل للأمر به جهة وضعية فوجوبه على نحو الدّينية بخلاف سائر العبادات البدنية، فلذا يخرج من الأصل، كما يشير إليه بعض الأخبار الناطقة بأنّه دين، أو بمنزلة الدّين (٤۱) قلت: التحقيق أنّ جميع‏ الواجبات الإلهية ديون للّه تعالى، سواء كانت مالا، أو عملا ماليا، أو عملا غير مالي، فالصلاة و الصوم أيضا ديون للّه، و لهما جهة وضع (٤۲) فذمة المكلّف مشغولة بهما، و لذا يجب قضاؤهما فإنّ القاضي يفرغ ذمة نفسه أو ذمة الميت، و ليس القضاء من باب التوبة، أو من باب الكفارة، بل هو إتيان لما كانت الذمة مشغولة به (٤۳)، و لا فرق بين كون الاشتغال بالمال أو بالعمل، بل مثل‏ قوله «للّه عليّ أن أعطي زيدا درهما» دين إلهي لا خلقي (٤٤) فلا يكون الناذر مديونا لزيد، بل هو مديون للّه بدفع الدرهم لزيد، و لا فرق بينه و بين أن يقول: «للّه عليّ أن أحج أو أن أصلي ركعتين» فالكل دين اللّه (٤٥)، و دين اللّه أحق أن يقضي، كما في بعض الأخبار (٤٦). و لازم هذا كون الجميع من الأصل. نعم، إذا كان الوجوب على وجه لا يقبل بقاء شغل الذمة به بعد فوته لا يجب قضاؤه، لا بالنسبة إلى نفس من‏ وجب عليه، و لا بعد موته سواء كان مالا أو عملا، مثل وجوب إعطاء الطعام لمن يموت من الجوع عام المجاعة فإنّه لو لم يعطه حتى مات لا يجب عليه و لا على وارثه القضاء لأنّ الواجب إنّما هو حفظ النفس المحترمة، و هذا لا يقبل البقاء بعد فوته، و كما في نفقة الأرحام فإنّه لو ترك الإنفاق عليهم مع تمكنه لا يصير دينا عليه، لأنّ الواجب سدّ الخلة، و إذا فات لا يتدارك. فتحصّل أنّ مقتضى القاعدة في الحج النذري إذا تمكن و ترك حتّى مات وجوب قضائه من الأصل لأنّه دين إلهي (٤۷) إلا أن يقال: بانصراف الدّين عن مثل هذه الواجبات و هو محل منع (٤۸) بل دين اللّه أحق أن يقضى. و أما الجماعة (٤۹) القائلون: بوجوب قضائه من الثلث، فاستدلوا بصحيحة ضريس، و صحيحة ابن أبي يعفور (۵۰) الدالتين على أنّ من نذر الإحجاج و مات قبله يخرج من ثلثه، و إذا كان نذر الإحجاج كذلك- مع كونه ماليا قطعا- فنذر الحج بنفسه أولى بعدم الخروج من الأصل و فيه: أنّ الأصحاب لم يعملوا بهذين الخبرين في موردهما، فكيف يعمل بهما في غيره (5۱)، و أما الجواب عنهما بالحمل على صورة كون النذر في حال المرض، بناء على خروج المنجزات من الثلث فلا وجه له بعد كون الأقوى خروجها من الأصل، و ربما يجاب عنهما بالحمل على صورة عدم إجراء الصيغة، أو على صورة عدم التمكن من الوفاء حتى مات، و فيهما ما لا يخفى خصوصا الأول (5۲).

للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق. و استدل على الفورية تارة:

بالانصراف إليها، و أخرى: بعدم تحقق الوجوب مع جواز التأخير عمدا. و ثالثة:

بما تقدم من أخبار التسويف‏۱۷ الدالة على الحرمة. و رابعة: بأنّه حق و لا يجوز التأخير فيه.

و الكل مردود لفرض عدم الانصراف، و لا ريب في صحة الوجوب و لو مع جواز التأخير. نعم، ينافيه الإذن في تركه مطلقا، و أخبار التسويف وردت في حجة الإسلام لا المقام. و عدم جواز تأخير الحق إنّما هو في ما إذا ثبت فوريته لا فيما إذا لم تثبت فيكون هذا الدليل عين المدعى.

لأنّ العقاب إنّما يدور مدار المخالفة العمدية لا مطلق ترك الواقع و مع جواز التأخير كيف تتحقق المخالفة، مع أنّ هذا القول غير معروف القائل مضافا إلى كونه بلا دليل فلا وجه لنقله.

لصيرورته واجبا فوريّا حينئذ.

أما العصيان و الكفارة فللمخالفة العمدية للنذر، و أما القضاء فللإجماع، و إرسالهم إرسال المسلّمات الفقهية.

لظهور الإجماع في الموردين بل الظاهر وجوب القضاء لو نسي الإتيان أو تركه لعذر بعد تمكنه منه لشمول الإجماع لذلك أيضا.

هذه المناقشة من صاحب المدارك و تبعه غيره. و هي مردودة: بأنّ الفرض‏ الجديد كاشف عن بقاء التكليف الأول ملاكا و خطابا أيضا. و أنّ القيد كان من باب تعدد المطلوب فلا موضوعية للفرض الجديد بوجه و إنّما هو كاشف عن بقاء الخطاب الأول، و ما لم يرد فيه القضاء يستفاد من الدليل أنّ القيد بالوقت فيه دخيل في ذات المطلوب و يكون من باب وحدة المطلوب. هذا مع أنّ هذا القول مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

ففي صحيح ضريس: «إنّما هو مثل دين عليه»۱۸، و في حسن معاوية:

«إنّه بمنزلة الدّين الواجب»۱۹، و في خبر الحارث: «إنّما هي دين عليه»۲۰. و يمكن استفادة الدينية في حجة الإسلام، و الواجب بالنذر من قوله تعالى‏ وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ‏ ..۲۱ و قول الناذر: للّه عليّ أن أحج- مثلا.

و لباب المقال: إنّ ما اشتغلت به الذمة إما مال أولا و بالذات- كالزكاة، و الخمس، و ديون الناس، و الكفارات، و الديات، و نحوها. و لا ريب في ثبوت الحكم التكليفيّ بوجوب الأداء. و إما تكليف مستلزم لصرف المال عرفا- كالحج- و إما تكليف محض- كالصلاة، و الصيام. و إما مردود من أنّه من أيّ الأقسام.

و يجب الإخراج من أصل المال في الأول نصا۲۲ و إجماعا. و كذا الثاني بالإجماع بلا فرق بين أن يوصي الميت بذلك أو لا. و أما في الأخيرين، فمقتضى العمومات الدالة على انتقال التركة إلى الوارث عدم جواز التصرف فيها إلا بإذنهم ما لم يدل دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك إلا إطلاق الدّين على الصلاة في الأخبار و هي أربعة أحاديث: جمعها صاحب الحدائق في قضاء الصلاة.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في إخباره عن وصايا لقمان: «و إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها بشي‏ء صلّها و استرح منها فإنّها دين»۲۳.

و منها: ما ذكره ابن بابويه في باب آداب المسافر و هو عين ما تقدم من وصية لقمان. و الظاهر عدم كونه حديثا آخر.

و منها: ما عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في ليلة الإسراء في حكاية تشريع الأذان و الصلاة: «ثمَّ قال حيّ الصلاة قال اللّه عزّ و جلّ: فرضتها على عبادي و جعلتها دينا»۲4 بناء على قراءته بفتح الدال و إن قرئ بكسر الدال فيخرج عن الاستدلال.

و منها: خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «قلت له: رجل عليه دين من صلاة فلم يقضه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك قال (عليه السلام): يؤخر القضاء و يصلي صلاة ليلته تلك»۲٥.

هذا ما ورد في خصوص الصلاة و هو مردود بين أن يراد به التشبه بالدّين في لابدية الإتيان به فلا يستفاد منه أزيد من مجرّد الوجوب التكليفي. أو يراد به الدّين الاصطلاحي العرفيّ الشرعيّ الذي له آثار خاصة. و استظهار الثاني من هذه الأخبار عليل ثمَّ التّعدي من الصلاة- التي ورد في موردها- إلى سائر الواجبات الإلهية بلا دليل، بل مقتضى الأصل هو العدم، لأنّ الشبهة من الأقلّ و الأكثر. و على فرض التعدّي فيصير الدليل هكذا: الواجبات دين و الدّين يخرج من الأصل فالواجبات تخرج من الأصل.

و فيه: أنّ كلية الكبرى غير مسلّمة، إذ ليس كل ما يسمّى دينا يخرج من الأصل بل هو دين خاص له أحكام و فروع مخصوصة، و مع الشك في كلية الكبرى أو ثبوت عدمها لا تصح النتيجة كما هو واضح و قد أثبتوا ذلك في فنّ الميزان، نعم، في كتاب الوصية من الجواهر: إنّ في عشرة كتب أو أكثر أنّ مطلق الواجب يخرج من الأصل، و لكنه لا تبلغ الشهرة المعتبرة فكيف بالإجماع، بل يظهر منهم أنّ عدم الخروج منه مظنة الإجماع فراجع و تأمل.

و منه تظهر الخدشة في قوله (رحمه اللّه): إنّ جميع الواجبات الإلهية ديون للّه تعالى، فإنّه (رحمه اللّه) إن أراد به الدّين الاصطلاحي الذي له أحكام مخصوصة فهو ممنوع صغرى و كبرى، و إن أراد به مطلق لابدية الأداء و عدم فراغ الذمة إلّا به فهو مسلّم، و لكنه أعمّ من الدينية الاصطلاحية.

إن أريد بجهة الوضع اشتغال الذمة فلا ريب فيه، و إن أريد بها ترتب الأحكام الخاصة للدّين فهو أول الدعوى و عين المدعى.

نعم، و لكن ليس كل ما هو أداء لما في الذمة دينا، لأنّ تفريغ ما في الذمة أعمّ من الدّين الاصطلاحي لغة، و عرفا، و شرعا.

إن أراد بذلك مجرّد الوجوب التكليفيّ فلا ينفع للمقام و إن أراد الدّين الاصطلاحي فلا دليل عليه، لأنّ مسألة النذر معروفة بالإشكال و اختلفت فيها الأقوال. و عن الماتن (رحمه اللّه) في حاشيته على المكاسب عند بيان أنّ الإجازة كاشفة أو ناقلة عند قول الشيخ (رحمه اللّه): «مسألة النذر المعروفة بالإشكال» ما هذا عين لفظه: «و الحق عدم تعلق الحق و إنّما هو مجرّد تكليف شرعيّ» فلا تحصل الملكية للّه و لا للمنذور له، و مقتضى الأصل صحة قوله (رحمه اللّه) في الحاشية، لأنّ أصل حصول الوجوب معلوم و حصول الزائد عليه مشكوك. نعم، مقتضى المرتكزات حصول نحو حق في البين في الجملة. و أما استفادة الدينية و الملكية من كلمة اللام في قول الناذر: للّه عليّ فلا وجه له، لأنّ كلمة اللام لا اقتضاء بالنسبة إلى هذه الجهات، نعم، إفادة الاختصاص لا تنكر و إنّما يستفاد الملكية و الحقيقة و سائر الجهات من القرائن الخارجية.

كونه دينا بمعنى لزوم تفريغ الذمة مسلّم. و أما الدّين بالمعنى الاصطلاحي الذي له أحكام خاصة فهو أول الدعوى.

هي رواية الخثعمية و هذه الجملة لا تدل على أزيد من أصل القضاء أي:

الإتيان في الجملة، و أما أنّه بنحو الوجوب أو من الأصل فهي ساكتة عنه كما يقال:

إذا أكرمت ولدك فالوالد أحقّ بالإكرام. و يأتي منه (رحمه اللّه) في ذيل [مسألة ۱۳] منه صدق الدّين فراجع.

تقدم مرارا أنّ هذا مسلّم، و لكنّه أعمّ من المدّعى.

بل وجيه كما تقدم لا أقلّ من الشك فيه فلا يصح التمسك بخبر الخثعمية، و سائر ما اشتمل على لفظ الدّين.

نسب ذلك إلى الشيخ، و الصدوق، و المحقق و غيرهم (رحمهم اللّه).

ففي صحيح ضريس قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام): عن رجل- عليه حجة الإسلام- نذر نذرا في شكر ليحجنّ به رجلا إلى مكة» فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام، و من قبل أن يفي بنذره الذي نذر قال (عليه السلام):

إن ترك مالا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و أخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر. و أن لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر إنّما هو مثل دين عليه»۲٦.

و في صحيح ابن أبي يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل نذر للّه: إن عافى اللّه ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت اللّه الحرام، فعافى اللّه الابن و مات الأب فقال (عليه السلام): الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: و هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال: هي واجبة على الأب من ثلثه. أو يتطوّع ابنه فيحج عن أبيه»۲۷.

مضافا إلى اضطراب المتن فلا بد من رد علمهما إلى أهله.

لأنّ النذر بلا صيغة، أو مع عدم التمكن من الوفاء باطل لا أثر له، فلا وجه لإخراجه من الثلث أصلا.

(مسألة ۹): إذا نذر الحج مطلقا أو مقيدا بسنة معينة، و لم يتمكن من الإتيان به حتى مات لم يجب القضاء عنه، لعدم وجوب الأداء عليه حتى يجب القضاء عنه، فيكشف ذلك عن عدم انعقاد نذره (5۳).

و يدل عليه الإجماع و الأصل أيضا.

(مسألة ۱۰): إذا نذر الحج معلّقا على أمر كشفاء مريضة أو مجي‏ء مسافرة- فمات قبل حصول المعلق عليه، هل يجب القضاء عنه أم لا؟ المسألة مبنية على أنّ التعليق من باب الشرط أو من قبيل الوجوب المعلق (٥٤) فعلى الأول لا يجب (۵۵)، لعدم الوجوب عليه بعد فرض موته قبل حصول الشرط، و إن كان متمكنا من حيث المال و سائر الشرائط، و على الثاني يمكن أن يقال بالوجوب لكشف حصول الشرط عن كونه واجبا عليه من الأول إلا أن يكون نذره منصرفا إلى بقاء حياته حين حصول الشرط.

و بعبارة أخرى: أي شرط الوجوب فلا وجوب أصلا قبل حصوله أو شرط الواجب، فأصل الوجوب حاصل.

و هو الظاهر في المحاورات العرفية من مثل هذه النذور فلا قضاء عليه، بل مقتضى الأصل عدم وجوبه حتى على القول الثاني، للشك في كشف حصول الشرط في مثل المقام عن سبق الوجوب، لما يأتي من الانصراف إلى بقاء الحياة فلا أثر في خصوص المقام بين كون الشرط شرط الوجوب، أو شرط الواجب.

(مسألة ۱۱): إذا نذر الحج- و هو متمكن منه- فاستقر عليه، ثمَّ صار معضوبا- لمرض أو نحوه، أو مصدودا بعدوّ أو نحوه- فالظاهر وجوب استنابته حال حياته، لما مرّ من الأخبار سابقا في وجوبها، و دعوى اختصاصها بحجة الإسلام ممنوعة كما مرّ سابقا (۵۶) و إذا مات وجب القضاء عنه و إذا صار معضوبا أو مصدودا قبل تمكنه و استقرار الحج عليه، أو نذر و هو مغصوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكنه من حيث المال، ففي وجوب الاستنابة و عدمه حال حياته و وجوب القضاء عنه بعد موته قولان، أقواهما العدم (۵۷)، و إن قلنا بالوجوب بالنسبة إلى حجة الإسلام إلا أن يكون قصده من قوله: «للّه عليّ أن أحج» الاستنابة (۵۸).

ظاهر تلك الأخبار هو العموم. و لو فرض الانصراف إلى حجة الإسلام فهو بدويّ، مع أنّ إلغاء الخصوصية شائع في الاستظهارات العرفية فالأقوى ما اختاره هنا و إن كان يظهر منه (رحمه اللّه) العدم في المسألة السابقة فراجع [مسألة ۷] من الفصل السابق.

ثمَّ إنّ المراد بالمعضوب هو الممنوع لجهة من الجهات، و المصدود ما صد لعدوّ أو نحوه.

للأصل بعد عدم الدليل عليه، و تقدم ما يتعلق بحجة الإسلام في [مسألة ۷۱] في الفصل السابق فراجع و لكن بناء على الوجوب في حجة الإسلام يشكل الفتوى بالعدم في المقام بعد إلغاء خصوصية المورد عن الدليل إلا أن يكون انصراف معتبر للأدلة إلى غير المقام.

فيشمله عموم وجوب الوفاء بالنذر بلا خلاف و لا إشكال حينئذ.

(مسألة ۱۲): لو نذر أن يحج راجلا في سنة معينة، فخالف مع تمكنه وجب عليه القضاء و الكفارة (۵۹)، و إن مات قبل إتيانهما يقضيان من أصل التركة، لأنّهما واجبان ماليان بلا إشكال (۶۰)، و الصحيحتان المشار إليهما سابقا- الدالتان على الخروج من الثلث- معرض عنهما- كما قيل- أو محمولتان على بعض المحامل (۶۱). و كذا إذا نذر الإحجاج من غير تقييد بسنة معينة مطلقا، أو معلقا على شرط و قد حصل و تمكن منه و ترك حتى مات، فإنّه يقضى عنه من أصل‏ التركة (۶۲). و أما لو نذر الإحجاج بأحد الوجوه و لم يتمكن منه حتى مات ففي وجوب قضائه و عدمه وجهان، أوجههما ذلك (۶۳)، لأنّه واجب ماليّ أوجبه على نفسه فصار دينا، غاية الأمر إنّه ما لم يتمكن معذور، و الفرق بينه و بين نذر الحج بنفسه أنّه لا يعد دينا مع عدم التمكن منه و اعتبار المباشرة، بخلاف الإحجاج فإنّه كنذر بذل المال، كما إذا قال: «للّه عليّ أن أعطي الفقراء مائة درهم» و مات قبل تمكنه. و دعوى كشف عدم التمكن من عدم الانعقاد ممنوعة (6٤). ففرق بين إيجاب مال على نفسه، أو إيجاب عمل مباشريّ و إن استلزم صرف المال، فإنّه لا يعدّ دينا عليه بخلاف الأول (65).

أما الكفارة، فلعموم ما دل على لزومها بالمخالفة. و أما القضاء فلما مرّ في المسألة الثانية فراجع.

أما كون القضاء واجبا ماليا بلا إشكال فيه، لأنّ الإحجاج متقوّم بالمال.

و أما كون الكفارة كذلك، فهو مقتضى أصالة بقائها على ما هي عليه من التخيير أو الترتيب، فإن اختار وليّ الميت المالية يكون ماليا. و إن اختار الصوم تكون بدنيا، و في المرتبة مع تمكنهم من المال يكون ماليا، و مع العجز يصير بدنيا. و احتمال الاختصاص بزمان حياة الميت لا دليل عليه، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه.

تقدم ما يتعلق بها في [مسألة ۸] فراجع.

لما تقدم من أنّ الإحجاج واجب ماليّ، و كل واجب ماليّ يقضى من الأصل فهو كذلك يقضى من الأصل.

لأنّ الواجب الماليّ الذي يخرج من الأصل أعمّ مما كان مفاد النذر بالمطابقة أو بالالتزام المعتبر في المحاورة بلا فرق بين أن يقول: للّه عليّ أن أعطي مائة دينار لزيد ليصرفها في الحج، أو يقول: للّه عليّ أن أحجه و العرف لا يفرّق بينهما في جهة المالية.

و ما تقدم في [مسألة ۹] من كشف عدم التمكن من عدم الانتقال إنّما هو من جهة نفس الحج من حيث عمل نفسه لا من حيث المالية فلا منافاة بينه و بين المقام.

إن كان مراده (قدّس سرّه) نفي أصل الدينية فهو مخالف لما تقدم منه في [مسألة ۸] من أنّ الواجبات الإلهية ديون. و إن كان مراده نفي الدّينية المالية فهو خلاف الصدق المحاوري من أنّ الدّينية أعمّ مما كانت بالمطابقة أو بالالتزام المعتبر عند الناس، و نذر الإحجاج من الثاني عرفا.

(مسألة ۱۳): لو نذر الإحجاج معلقا على شرط- كمجي‏ء المسافر أو شفاء المريض- فمات قبل حصول الشرط، مع فرض حصوله بعد ذلك و تمكنه منه قبله، فالظاهر وجوب القضاء عنه (66) إلا أن يكون مراده التعليق على ذلك الشرط مع كونه حيّا حينه، و يدل على ما ذكرنا خبر مسمع بن عبد الملك فيمن كان له جارية حبلى، فنذر إن هي ولدت غلاما أن يحجه أو يحج عنه حيث قال الصادق (عليه السلام) بعد ما سئل عن هذا: «إنّ رجلا نذر في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن يحج عنه مما ترك أبوه» و قد عمل به جماعة و على ما ذكرنا لا يكون مخالفا للقاعدة كما تخيله سيد الرياض و قرّره عليه صاحب الجواهر، و قال: إنّ الحكم فيه تعبديّ على خلاف القاعدة.

الكلام في هذه المسألة تارة: بحسب القاعدة و أخرى: بحسب خبر مسمع. و ثالثة: بحسب أقوال الفقهاء و رابعة: فيما يرد على الماتن (رحمه اللّه).

أما الأول: فمقتضى إنّ الإحجاج متقوّم بالمال كما تقدم أنّه دين ماليّ لا بد فيه من القضاء و الخروج من أصل المال، و مقتضى الأصل و الإطلاق بقاء أثر نذره و لو بعد موته إلا أن يستفاد من القرائن تقييده ببقاء حياته إلى حين حصول الشرط و مع انتفائها أو الشك. فالأصل باق على حاله.

و أما الثاني: ففي موثق مسمع قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): كانت لي جارية حبلى، فنذرت للّه عزّ و جلّ إن ولدت غلاما أن أحجه عنه فقال: إنّ رجلا نذر للّه عزّ و جلّ في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الأب و أدرك الغلام بعد، فأتى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ذلك الغلام فسأله عن ذلك، فأمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أن يحج عنه مما ترك أبوه»۲۸ و هو كما ترى مشتمل على فرعين‏:

– الأول: ما إذا نذر بأنّه إن ولد له ولد، أن يحجه، أو يحج عنه و هو صريح سؤال السائل. الثاني: ما هو مورد قول الإمام (عليه السلام) فيما إذا نذر. بأنّه إن ولد له ولد و أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الوالد قبل أن يدرك الولد.

و مقتضى القاعدة في الأول وجوب العمل بالنذر مخيّرا بين إحجاج الولد أو الحجّ عنه كما هو مورد النذر مع تحقق الشرط في زمان الحياة و وجوب القضاء من أصل التركة إن مات، و لعله لأجل أنّ حكمه كان واضحا و مطابقا للقاعدة لم يتعرّض له الإمام (عليه السلام)، أو لأجل أنّ من بيان حكم الذيل يستفاد حكم الصدر بالأولوية هذا.

و الثاني‏ فهو من الواجب الماليّ عرفا سواء كان من إحجاج الولد، أم الحج عنه و لا إشكال فيه، كما لا إشكال في أنّه يخرج من الأصل كما تقدم.

إنّما الكلام في أنّ موت الوالد قبل إدراك الولد يكشف عن بطلان النذر، لعدم التمكن منه أو لا؟ فعلى الأول يكون الحكم مخالفا للقاعدة، و لم يظهر عامل به غير صاحب الجواهر في كتاب النذر بخلاف الأخير: و الظاهر في مثل النذر لإدراك الولد هو الأخير، لأنّ المقصود بحسب المتعارف من هذا النذر طلب الخلف من اللّه تعالى و حفظه عن الحوادث سواء كان الوالد حيا أم لا، فهذه النذور بمنزلة العقيقة التي تعمل لأجل حفظ الولد بقي الوالد أم لا. نعم، لا ريب في أنّ إحجاجه أو الحج عنه في زمان حياة الوالد مطلوب أيضا بنحو تعدد المطلوب لا التقييد الحقيقي، فعلى هذا يكون الحكم الثاني المذكور في الحديث موافقا للقاعدة أيضا و يستفاد منه حكم صدر الحديث بالأولى.

و أما الثالث: فإن كان الحكم في السؤال و مورد الجواب مطابقا للقاعدة كما قلناه، فلا وجه للتفكيك في العمل بمورد السؤال و عدمه بمورد جواب الإمام (عليه السلام) بل الظاهر عمل الكلّ بها حينئذ، و كذا لو كان الحكم فيهما مخالفا للقاعدة و تعبدنا بالنص فلا وجه للتفكيك أيضا و لو لم يكن النص معتبرا و كان المدرك هو الإجماع و تمَّ بالنسبة إلى الحكم الأول فقط دون الثاني لكان للتفكيك وجه و لكنه مشكل. و يأتي التفصيل في كتاب النذر إن شاء اللّه تعالى.

و أما الرابع: فيرد على قوله (رحمه اللّه): «و تمكنه منه قبله» أنّه لا فرق بناء على ما اختاره في المسألة السابقة بين التمكن منه و عدمه.

و ثانيا: قوله: «و قد عمل به جماعة» أنّه في الفرع الثاني لم نظفر على عمل أحد غير صاحب الجواهر، مع أنّه مجمل على كل تقدير فراجع و تأمل.

(مسألة ۱٤): إذا كان مستطيعا و نذر أن يحج حجة الإسلام انعقد على الأقوى، و كفاه حج واحد (67)، و إذا ترك حتى مات وجب القضاء عنه و الكفارة من تركته (68). و إذا قيّده بسنة معينة فأخر عنها وجب عليه الكفارة (69)، و إذا نذره في حال عدم الاستطاعة انعقد أيضا (70) و وجب عليه تحصيل الاستطاعة (71) مقدمة إلا أن يكون مراده الحج بعد الاستطاعة.

أما الانعقاد فلما يأتي في كتاب النذر إن شاء اللّه من صحة نذر الواجب، لوجود المقتضي و فقد المانع، و إمكان تأكد وجوب شي‏ء واحد من جهات شتى كما هو أوضح من أن يخفى، فتشمله إطلاقات أدلة النذر و عموماتها، مضافا إلى الأصل بعد كون الشك في أصل تعدد التكليف لو فرض شك في ذلك. و أما كفاية حج واحد، فلظهور الإطلاق و الاتفاق.

أما وجوب القضاء، فلكونه حجة الإسلام و هي تقضى من أصل التركة، نصّا و إجماعا- كما مرّ- و كذا الكفارة على ما هي عليه من التخيير أو الترتيب، لأنّها من الواجب المالي.

لتحقق المخالفة العمدية الموجبة للكفارة إجماعا.

لوجود المقتضي للانعقاد و فقد المانع عنه، فلا بد من انعقاد النذر حينئذ.

لأنّ ذلك مقتضى وجوب الوفاء بالنذر و فعليته فلا وجه لما عن جمع من عدم وجوبه، لأنّ أصل حجة الإسلام لا يجب تحصيل الاستطاعة فيها، إذ فيه: أنّ عدم الوجوب فيها لأجل عدم فعلية وجوب في البين قبلها بخلاف المقام الذي يكون وجوب الوفاء بالنذر و إطلاقه فعليا. نعم، لو كان أراد الحج بعد الاستطاعة لا يجب حينئذ كما هو واضح.

(مسألة ۱٥): لا يعتبر في الحج النذري الاستطاعة الشرعية بل يجب مع القدرة العقلية (72) خلافا للدروس، و لا وجه له (73) إذ حاله حال سائر الواجبات التي تكفيها القدرة عقلا.

لإطلاق أدلته من غير ما يصلح للتقييد بالخلاف، كما في جميع النذور المطلقة المتعلقة بأفعال خاصة.

مراد صاحب الدروس (قدّس سرّه) نحو قدرة خاصة لا تستلزم العسر و الحرج الذي لا يتحملهما نوع الناس، لأنّ للقدرة العقلية مراتب متفاوتة، فإذا حكم متعارف المتشرعة أنّه غير قادر على الذهاب إلى الحج، فالظاهر عدم الوجوب عليه و إن كان قادرا عليه بالدقة العقلية، و كذا في سائر ما يجب بالنذر من الصوم، و الصلاة و نحوهما.

و بالجملة: مثل دليل الحرج كما هو مقدّم على التكاليف الأولية كذا يقدم على التكاليف الثانوية الواجبة بالنذر و نحوه، و يمكن استظهار ذلك من الجميع بلا نزاع في البين.

(مسألة ۱٦): إذا نذر حجا غير حجة الإسلام في عامه و هو مستطيع لم ينعقد (7٤) إلا إذا نوى ذلك على تقدير زوالها فزالت و يحتمل الصحة مع الإطلاق أيضا إذا زالت، حملا لنذره على الصحة.

لأنّه نذر غير مشروع. هذا مع التفاته إلى فعلية التكليف بالحج و إلى مزاحمة نذره مع تكليفه الفعليّ و كان النذر بقصد تقويته. و أما لو كان متعلق النذر ما هو الصحيح في علم اللّه تعالى و بحسب الموازين الشرعية من دون بناء على التفويت و المزاحمة، فيصح نذره، للإطلاقات و العمومات. و حينئذ فإن زالت الاستطاعة يعمل‏ بالنذر و لو لم تزل و خالف تكليف حجة الإسلام و أتي بالمنذور، فالمسألة من صغريات الترتب.

و توهم: بطلان أصل النذر، لتردد المنذور بين ما هو باطل واقعا و صحيح كذلك فاسد لكفاية قصد الصحيح الواقعي في انعقاده و المفروض تحققه و منه يظهر صحة ما في المتن.

(مسألة ۱۷): إذا نذر حجا في حال عدم الاستطاعة الشرعية ثمَّ حصلت له، فإن كان موسعا أو مقيدا بسنة متأخرة قدم حجة الإسلام‏ لفوريتها (75)، و إن كان مضيقا- بأن قيده بسنة معينة و حصل فيها الاستطاعة، أو قيده بالفورية قدمه (76) و حينئذ فإن بقيت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت، و إلا، فلا، لأن المانع الشرعي كالعقلي (77) و يحتمل وجوب تقديم النذر (78) و لو مع كونه موسعا، لأنه دين عليه، بناء على ان الدين- و لو كان موسعا- يمنع عن تحقق الاستطاعة خصوصا مع ظن عدم تمكنه من الوفاء بالنذر ان صرف استطاعته في حجة الإسلام.

و لو كان مقصود من النذر طبيعة الحج مع قصد التعميم تجزى عن الحج المنذور أيضا.

بناء على كون وجوب الوفاء بالنذر أهم من حجة الإسلام و هو ممنوع، و مجرد السبق الزماني لا يوجب الأهمية ما لم تثبت من جهة أخرى و تقدم في [مسألة ۳۱] من الفصل السابق بعض الكلام فراجع.

و لكن مع ثبوت أهمية عن حجة الإسلام و إلا فلا منع في البين و ثبوت الأهمية أول الكلام و مع عدم ثبوتها، فالحكم هو التخيير.

و لكنه ضعيف، لجواز التأخير في الواجب الموسع مطلقا. و احتمال انصراف الدين المانع عن وجوب حجة الإسلام عن الحج النذري الموسع.

نعم، لو وقع بتركه في الحرج في سائر حوائجه المتعارفة لو تركها لكان لهذا الاحتمال وجه.

(مسألة ۱۸): إذا كان نذره في حال عدم الاستطاعة فوريا ثمَّ استطاع و أهمل عن وفاء النذر في عامه، وجب الإتيان به في العام القابل مقدما على حجة الإسلام (79) و إن بقيت الاستطاعة إليه، لوجوبه عليه فورا ففورا، فلا يجب عليه حجة الإسلام إلا بعد الفراغ عنه. لكن عن الدروس انه قال- بعد الحكم بأن استطاعة النذر شرعية لا عقلية- «فلو نذر ثمَّ استطاع صرف ذلك إلى النذر (80)، فإن أهمل و استمرت الاستطاعة إلى العام القابل وجب حجة الإسلام أيضا» و لا وجه له (81). نعم، لو قيد نذره بسنة معينة، و حصل فيها الاستطاعة فلم يف به و بقيت استطاعته إلى العام المتأخر أمكن أن يقال بوجوب حجة الإسلام أيضا، لأن حجه النذري صار قضاء موسعا ففرق بين الإهمال مع الفورية و الإهمال مع التوقيت، بناء على تقديم حجة الإسلام مع كون النذر موسعا.

ان ثبت أهميته بالنسبة إليها و لكنها غير ثابتة، بل الظاهر هو العكس، لكثرة ما ورد عن الشارع من الاهتمام بحجة الإسلام.

لعله (قدس سره) قال ذلك لترجيح الحج النذري من جهة سبقه على حجة الإسلام، و لكن تقدم ان السبق الوجودي لا يوجب التقدم ما لم تثبت الأهمية من جهة أخرى. و قد مرّ مرارا أهمية حجة الإسلام منه. مع انه كانت الاستطاعة في كل منهما شرعية، فتقديم النذر يكون من الترجيح بلا مرجح، فلا وجه له من هذه الجهة أيضا.

لأنه مع وجوب الحج النذري عليه فورا ففورا في كل سنة كيف تجب عليه حجة الإسلام؟! إذ لا يصير مستطيعا حينئذ بالنسبة إليها بناء على ما اختاره (رحمه اللّه).

(مسألة ۱۹): إذا نذر الحج و أطلق من غير تقييد بحجة الإسلام و لا بغيره، و كان مستطيعا أو استطاع بعد ذلك فهل يتداخلان (82) فيكفي حج واحد عنهما، أو يجب التعدد، أو يكفي نية الحج النذري عن حجة الإسلام دون العكس؟ أقوال، أقواها الثاني، لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب (83) و القول بأن الأصل هو التداخل ضعيف (8٤). و استدل للثالث بصحيحتي رفاعة و محمد بن مسلم (85): «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه فمشى هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام: نعم» و فيه: ان ظاهر هما كفاية الحج النذري عن حجة الإسلام مع عدم الاستطاعة، و هو غير معمول به و يمكن حملهما على انه نذر المشي لا الحج، ثمَّ أراد أن يحج، فسأل (عليه السلام) عن انه هل يجزيه هذا الحج الذي أتى به عقيب هذا المشي أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بالكفاية. نعم، لو نذر أن يحج مطلقا- أي حج كان (86)- كفاه عن نذره حجة الإسلام بل الحج النيابي و غيره أيضا، لأن مقصوده حينئذ حصول الحج منه في الخارج بأي وجه كان (87).

نسب القول بالتداخل إلى الشيخ، و الذخيرة، و المدارك. و القول بعدمه إلى الأكثر. و التفصيل إلى جمع منهم الشيخ في النهاية، و موضوع البحث ما إذا لم يكن من قصد الناذر التعميم حتى بالنسبة إلى حجة الإسلام و إلا فلا إشكال و لا خلاف في الاجزاء.

لما ثبت في محله من ظهور الشرط في التعدد المنافي للتداخل، و هو مقدم على ظهور الجزاء الدال على كفاية ذات الطبيعة من حيث هي الدال على التداخل، مع انه إن أحرز التعميم في قصده حتى بالنسبة إلى حجة الإسلام، فيصح التداخل، قيل به في محله أو لا. و إن كان قصده التعدد فلا وجه كذلك.

نعم، فيما إذا لم يحرز قصده و انحصر الاستظهار بظاهر لفظه يجري بحثه حينئذ فلا بد من العمل بمقتضى القواعد و مقتضاها عدم التداخل كما قلناه.

استدل على التداخل بأصالة البراءة عن التكليف بالنسبة إلى غير الواحد المعلوم، و بأن علل الشرع معرفات و لا بأس باجتماع معرفات متعددة لشي‏ء واحد.

و يرد الأول: بأنه لا وجه للأصل العملي مع اللفظ الظاهر في التعدد و يرد الأخير: بأن بحث التداخل إنما هو من جهة ظهور اللفظ في التعدد و عدمه في المحاورات العرفية و لا ربط له بمسألة ان علل الشرع معرفات أولا مع انه لا أصل لهذه الجملة: (علل الشرع معرفات) من عقل أو نقل و قد فصل ذلك في بحث المفاهيم في الأصول فراجع.

فعن رفاعة بن موسى قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه الحرام فمشى، هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ قال (عليه السلام): نعم. قلت: أرأيت إن حج عن غيره و لم يكن له مال، و قد نذر أن يحج ماشيا، أ يجزي ذلك عنه من مشيه؟ قال (عليه السلام): نعم»۲۹ و مثله صحيح ابن مسلم‏۳۰.

الصور أربعة: فتارة ينذر حجة الإسلام بالخصوص. و اخرى: ينذر حجا غيرها، و قد تقدم حكمهما في [مسألة ۱٤ و ۱٦] فراجع. و ثالثة: ينذرهما بنحو الإهمال و غير قاصد للتعميم لكل حج، و قد تقدم حكمه في صدر هذه المسألة. و رابعة: يقصد الحج بعنوان التعميم لكل حج حتى للنيابة و حجة الإسلام و قد ذكر حكمه هنا.

فيجزي لا محالة، لأن المقصود إتيان الحج بالعنوان المهمل من كل‏ جهة القابل للانطباق على كل ما يسمى حجا في الشريعة.

(مسألة ۲۰): إذا نذر الحج- حال عدم الاستطاعة- معلقا على شفاء ولده مثلا، فاستطاع قبل حصول المعلق عليه فالظاهر تقديم حجة الإسلام (88). و يحتمل تقديم المنذور إذا فرض حصول المعلق عليه قبل خروج الرفقة مع كونه فوريا، بل هو المتعين إن كان نذره من قبيل الواجب المعلق (89).

لوجود المقتضى له و فقد المانع عنه، فيشمله الإطلاقات، و العمومات.

بدعوى: ان من حصول المعلق عليه يستكشف تمامية النذر، فيكون عذرا شرعيا مانعا عن تحقق الاستطاعة.

و فيه:

أولا: ان لنا أن نقول: ان من تحقق الاستطاعة يستكشف عدم انعقاد النذر من أوله.

و ثانيا: قد سبق مكررا ان سبق النذر لا يوجب المنع و لا يكون عذرا إلا إذا أثبت أهميته من الحج و ثبوتها له ممنوع، و لذا ذهب جمع إلى تعيين حجة الإسلام حينئذ أيضا.

(مسألة ۲۱): إذا كان عليه حجة الإسلام و الحج النذري و لم يمكنه الإتيان بهما أما لظن الموت أو لعدم التمكن إلا من أحدهما، ففي وجوب تقديم الأسبق سببا، أو التخيير، أو تقديم حجة الإسلام لأهميتها وجوه، أوجهها الوسط، و أحوطها الأخير (90). و كذا إذا مات و عليه حجتان و لم تف‏ تركته إلا لأحديهما و أما إن وفت التركة فاللازم استيجارهما و لو في عام واحد (9۱).

بل هو المتعين لأهميته و لا وجه للتخير العقلي- مع احتمال الأهمية في حجة الإسلام- و لا الشرعي، لفقد الدليل عليه و قد مر مرارا أن الأسبقية لا يوجب الترجيح.

لإطلاق دليل وجوبهما الشامل لهذه الصورة، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(مسألة ۲۲): من عليها الحج الواجب بالنذر الموسع يجوز له الإتيان بالحج المندوب قبله (9۲).

للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(مسألة ۲۳): إذا نذر أن يحج أو يحج انعقد و وجب عليه أحدهما على وجه التخيير، و إذا تركهما حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا و إذا طرء العجز من أحدهما معينا تعين الآخر، و لو تركه أيضا حتى مات يجب القضاء عنه مخيرا (9۳) أيضا، لأن الواجب كان على وجه التخيير، فالفائت هو الواجب المخير، و لا عبرة بالتعيين العرضي، فهو كما لو كان عليه كفارة الإفطار في شهر رمضان، و كان عاجزا عن بعض الخصال ثمَّ مات، فإنه يجب الإخراج عن تركته مخيرا و إن تعين عليه- في حال حياته- في إحديهما فلا يتعين في ذلك المتعين (9٤). نعم، لو كان حال النذر غير متمكن إلا من أحدهما معينا، و لم يتمكن من الآخر إلى إن مات، أمكن أن يقال باختصاص القضاء بالذي كان متمكنا منه بدعوى: ان النذر لم ينعقد بالنسبة إلى ما لم يتمكن منه، بناء على ان عدم التمكن يوجب عدم الانعقاد (95) و لكن الظاهر ان مسألة الخصال ليست كذلك، فيكون الإخراج من تركته على وجه التخيير و إن لم يكن في حياته متمكنا الا من البعض أصلا (96)، و ربما يحتمل- في الصورة المفروضة و نظائرها- عدم انعقاد النذر بالنسبة إلى الفرد الممكن أيضا. بدعوى: ان متعلق النذر هو أحد الأمرين على وجه التخيير، و مع تعذر أحدهما لا يكون وجوب الآخر تخييريا. بل عن الدروس اختياره في مسألة ما لو نذر ان رزق ولدا أن يحجه أو يحج عنه، إذا مات الولد قبل تمكن الأب من أحد الأمرين. و فيه: ان مقصود الناذر إتيان أحد الأمرين من دون اشتراط كونه على وجه التخيير، فليس النذر مقيدا بكونه واجبا تخييريا (97) حتى يشترط في‏ انعقاده التمكن منهما.

أما التخيير في الأداء، فلأجل كونه مورد النذر، فيشمله إطلاق دليل وجوب الوفاء به. و أما التخيير في القضاء، فلأنه تابع للأداء في التعيين و التخيير، فيتخير الولي بين استيجار من يحج عنه أو إحجاج شخص من تركته.

لأن التكاليف الثانوية الحاصلة في ظرف الحياة عذر موقت في زمان الحياة فقط بمعنى: انه لو أتى به يكون تكليفه ذلك و يجزى عنه لا ان ينقلب الواقع و لو بعد الممات، فمن كان تكليفه الوضوء مع الجبيرة أو كان تكليفه الطهارة الترابية و فات عنه الصلاة كذلك لا يقضي صلاته بالوضوء جبيرة و لا  بالطهارة الترابية، بل تقضى بحسب الحكم الواقعي و قد تقدمت نظائر كثيرة للمسألة.

هذا بحسب الحكم الظاهري في ظرف الحياة. و أما الحكم الواقعي الأعم من زمان الحياة و بعد الموت، فليس هو إلا التخيير، لفرض التمكن الواقعي منه في علم اللّه تعالى و لو بالاستنابة بعد الموت بلا فرق فيه بين كون القضاء بالأمر السابق أو بالأمر الجديد، لكون كل منهما يلحظ بالنسبة إلى الواقع في علم اللّه تعالى.

لأنه حكم واقعي لا يتغير بعروض الاضطرار في ظرف الحياة.

و بعبارة أخرى: التخيير لم يلحظ بعنوان الموضوعية بل طريقا إلى‏ ذات ما هو المطلوب و المراد.

و الحق: ان النزاع بين الشهيد (رحمه اللّه) و غيره صغروي، فإنه إن أريد الناذر التخيير من حيث هو بنحو الموضوعية و كان بعض الأطراف متعذرا فلا وجه لتحقق النذر، لفرض ان التخيير لوحظ بنحو الموضوعية و الخصوصية التخييرية. و إن أراد الناذر في نذره ذات ما هو المطلوب و كان التخيير طريقا محضا إليه فلا إشكال في الصحة حينئذ و المتعارف من نذور الناذرين هو القسم الثاني و الأول انما هو مجرد احتمال و خارج عن المتعارف بين الناس.

(مسألة ۲٤): إذا نذر أن يحج أو يزور الحسين (عليه السلام) من بلده ثمَّ مات قبل الوفاء بنذره وجب القضاء من تركته و لو اختلف أجرتهما يجب الاقتصار على أقلهما اجرة (98)، إلا إذا تبرع للوارث بالزائد، فلا يجوز للوصي اختيار الأزيد اجرة و إن جعل الميت أمر التعيين إليه (99) و لو أوصى باختيار الأزيد اجرة خرج الزائد من الثلث.

أما وجوب القضاء من أصل التركة، فلأنه واجب مالي يخرج منه.

و أما وجوب الاقتصار على الأقل، فلأصالة عدم جواز التصرف في التركة بغير إذن الورثة إلا في المتيقن.

و فيه: ان إطلاق دليل النذر يشمل الأكثر فلا وجه للاقتصار على المتيقن مع وجود الإطلاق.

نعم، لا ريب في انه أحوط كما اختاره (قدس سره) في [مسألة ۲۰] من (فصل الكفن)، و [مسألة ۱۰۱] من الفصل السابق.

ان وسع الثلث للزيادة يجوز له اختيارها، لإطلاق دليل وصايته نعم ان لم يسع لها فلا موضوع للزيادة حينئذ.

(مسألة ۲٥): إذا علم إن على الميت حجا و لم يعلم انه حجة الإسلام‏ أو حج النذر وجب قضائه عنه من غير تعيين و ليس عليه كفارة (100) و لو تردد ما عليه بين الواجب بالنذر أو بالحلف وجبت الكفارة أيضا و حيث انها مرددة بين كفارة النذر و كفارة اليمين فلا بد من الاحتياط (101) و يكفي حينئذ إطعام ستين مسكينا، لأن فيه إطعام عشرة أيضا الذي يكفي في كفارة الحلف.

أما وجوب القضاء، فللعلم التفصيلي به و أما عدم وجوب الكفارة، فللأصل بعد الشك فيها و عدم دليل عليها.

أما وجوب أصل الكفارة، فللعلم به تفصيلا. و أما الاحتياط فلا دليل على وجوبه، إذ المسألة من صغريات الأقل و الأكثر. و قد تقدم له نظائر في كتاب الخمس و الزكاة.

(مسألة ۲٦): إذا نذر المشي في حجه الواجب عليه أو المستحب انعقد مطلقا حتى في مورد يكون الركوب أفضل، لأن المشي في حد نفسه أفضل من الركوب بمقتضى جملة من الأخبار (102)، و إن كان الركوب قد يكون أرجح لبعض الجهات، فإن أرجحيته لا توجب زوال الرجحان عن المشي في حد نفسه (103) و كذا ينعقد لو نذر الحج ماشيا مطلقا و لو مع‏ الإغماض عن رجحان المشي، لكفاية رجحان أصل الحج في الانعقاد، إذ لا يلزم أن يكون المتعلق راجحا بجميع قيوده و أوصافه. فما عن بعضهم: من عدم الانعقاد في مورد يكون الركوب أفضل لا وجه له و أضعف منه دعوى (10٤)، الانعقاد في أصل الحج لا في صفة المشي فيجب مطلقا لأن المفروض نذر المقيد، فلا معنى لبقائه مع عدم صحة قيده.

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الشامي: «ما عبد اللّه بشي‏ء أفضل من الصمت و المشي إلى بيته»۳۱ و مثله غيره.

فيكون حينئذ كالعبادة المكروهة، لأن تعدد جهة الراجحية و المرجوحية يوجب الاختلاف، فلا يصير الذات مرجوحا. هذا إذا لم ينطبق عليه عنوان يوجب زوال أصل الرجحان عن الذات و إلا فيتبع حكم ذلك العنوان.

نسب الأول إلى القواعد. و الأخير إلى الإيضاح. و خلاصة المقال: انه يكفي في النذر قصد الخصوصية الراجحة في الجملة، للإطلاقات و لا يعتبر الرجحان من كل جهة بعد كون أصل الفعل مباحا، لعدم دليل عليه، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه، فإذا كانت في المشي جهة راجحة ينعقد النذر. و إن كانت هناك حيثية أخرى يكون لها الركوب أفضل.

نعم، لو زالت جهة رجحان المشي أصلا فلا وجه لانعقاد النذر حينئذ، و ذلك يختلف باختلاف الموارد، و الجهات، و الأشخاص.

(مسألة ۲۷): لو نذر الحج راكبا انعقد و وجب (105)، و لا يجوز حينئذ (106) المشي و إن كان أفضل، لما مر من كفاية رجحان المقيد دون قيده. نعم، لو نذر الركوب في حجه في مورد يكون المشي أفضل لم ينعقد (107)، لأن المتعلق حينئذ الركوب لا الحج راكبا. و كذا ينعقد لو نذر أن يمشي بعض الطريق من فرسخ في كل يوم أو فرسخين، و كذا ينعقد لو نذر الحج حافيا (108). و ما في صحيحة الحذاء، من أمر النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بركوب أخت عقبة بن عامر مع كونها ناذرة أن تمشي إلى بيت اللّه حافية، قضية في واقعة، يمكن أن يكون لمانع من صحة نذرها، من إيجابه كشفها، أو تضررها أو غير ذلك (109).

لشمول إطلاقات أدلة النذر، و عموماته له أيضا.

يعني: بالنسبة إلى الوفاء بالنذر، لكونه خلاف المنذور.

لما علله (قدس سره) من ان المنذور ذات الركوب من حيث هو و لا رجحان فيه، و متعلق النذر لا بد و أن يكون راجحا و لكنه نزاع صغروي فإذا كان‏ قصد نذره من الركوب التقوي على العبادة لا إشكال في انعقاده، لانطباق عنوان الرجحان عليه حينئذ.

و لباب المقال ان النذر على أقسام:

الأول: ما فيه جهة رجحان ذاتا أو عرضا و لا ريب في صحته و انعقاده.

الثاني: ما ليس فيه ذلك مطلقا و لا ريب في عدم صحته و عدم انعقاده.

الثالث: ما فيه جهة رجحان في الجملة و لكن إتيانه مناف لما هو أرجح منه و لا يجتمع الأرجح مع الإتيان به بحسب الوجود الخارجي، و مقتضى إطلاق أدلة النذر و عمومها صحته أيضا و الا لبطل جملة كثيرة من النذور الراجحة مع وجود ما هو أرجح منها كما هو واضح.

كل ذلك لوجود الرجحان فيها في الجملة، فيشمله إطلاقات أدلة النذر و عموماتها.

في صحيحة الحذاء قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا. فقال: إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) خرج حاجا فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل، فقال: من هذه؟! فقالوا: أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية. فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب، فإن اللّه غني عن مشيها و حفاها قال:

فركبت»۳۲ مع انه (صلّى اللّه عليه و آله) ولي المؤمنين و المؤمنات، فله (صلّى اللّه عليه و آله) أن يحل النذر بكل ما يراه (صلّى اللّه عليه و آله) من المصلحة.

ثمَّ ان المنساق من الرواية ان الامام (عليه السلام) أجاب عن سؤال السائل بنقل القضية لا أن يجيب عنه مستقلا. و في نقله (عليه السلام) لها احتمالان:

الأول: بطلان النذر، لأن اللّه غني عن المشي و الحفا أي: غير راض به، و ما كان اللّه تعالى غنيا عنه فهو غير مشروع و قد اختار ذلك في الدروس.

الثاني: أن يكون المراد بالغناء الاستغناء العرفي لا عدم الرضا، كما هو الظاهر من لفظ الغناء في المحاورات، فلا يدل على البطلان حينئذ بل يدل على صحة الترخيص في الترك عند وجود بعض المصالح فيه فلا وجه لما اختاره في الدروس، لأن مقتضى القاعدة الصحة. و هذا الصحيح لا يصلح لطرحها بعد و هنا بالاعراض عن العمل به مطلقا، مع معارضته بخبر سماعة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حافيا قال (عليه السلام): فليمش، فإذا تعب فليركب»۳۳.

(مسألة ۲۸): يشترط في انعقاد النذر ماشيا أو حافيا تمكن الناذر و عدم تضرره بهما، فلو كان عاجزا أو كان مضرا ببدنه لم ينعقد (110). نعم، لا مانع منه إذا كان حرجا لا يبلغ حد الضرر، لأن رفع الحرج من باب الرخصة لا العزيمة (111) هذا إذا كان حرجيا حين النذر، و كان عالما به (112) و أما إذا عرض الحرج بعد ذلك، فالظاهر كونه مسقطا للوجوب (113).

لعدم القدرة في الأول، و الحرمة في الأخير فلا وجه للانعقاد، مع ان متعلق النذر لا بد و أن يكون مقدورا كما يأتي في كتاب النذر.

فلا يوجب الحرمة و المرجوحية المطلقة حتى يبطل النذر. هذا مع ان وضع المشي على الحرج و المشقة نوعا، فمثل هذا النذر الالتزام به، و شمول أدلة نفي الحرج لمثله ممنوع.

ثمَّ ان الرخصة: عبارة عن المشروعية مع الترخيص في الترك، فيجوز الإتيان بقصد المشروعية. و العزيمة: عبارة عن عدمها فلا يجوز الإتيان بقصد المشروعية و ان صح بعنوان الرجاء و ليس المراد بها الحرمة الذاتية حتى يحرم الإتيان به مطلقا.

لأنه مع العلم بالحرج و الاقدام عليه لعمده، و اختياره لا تشمله أدلة نفي العسر و الحرج، لأنها امتنانية، و المفروض انه أقدم عليه باختياره.

لأدلة نفي العسر و الحرج الحاكمة على جميع الأحكام الأولية و الثانوية و لا فرق في ذلك بين العلم و الجهل.

(مسألة ۲۹): في كون مبدء وجوب المشي أو الحفاء: بلد النذر أو الناذر، أو أقرب البلدين إلى الميقات، أو مبدء الشروع في السفر، أو أفعال الحج أقوال (11٤). و الأقوى أنه تابع للتعيين أو الانصراف (115)، و مع عدمهما فأول أفعال الحج إذا قال: «للّه علي أن أحج ماشيا»، و من حين الشروع في السفر إذا قال: «للّه علي أن أمشي إلى بيت اللّه» أو نحو ذلك (116) كما ان الأقوى ان منتهاه- مع عدم التعيين- رمي الجمار، لجملة من الأخبار (117) لا طواف النساء كما عن المشهور، و لا الإفاضة من عرفات، كما في بعض‏الأخبار (118).

يظهر الأول عن جمع: منهم المحقق في الشرائع. و الثاني عن جمع منهم الشهيد في الدروس. و استحسن في المسالك الثالث. و في كشف اللثام الأخير.

لأنهما متبعان في المحاورات مطلقا.

لانسباق أفعال الحج من التعبير الأول عرفا. و الشروع في السفر من التعبير الثاني كذلك.

(117) منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح جميل: «إذا حججت» ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي»۳4، و في صحيح الحلبي به: «سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الماشي متى ينقضي مشيه؟ قال (عليه السلام): إذا رمى الجمرة و أراد الرجوع فليرجع راكبا فقد انقضى مشيه و إن مشى فلا بأس»۳٥ و في صحيح ابن همام عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الذي عليه المشي في الحج: إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و ليس عليه شي‏ء»۳٦.

نسب ذلك إلى المشهور و لم يثبت ذلك، كما لم يثبت عليه الدليل على فرض صحة النسبة إلا دعوى انه آخر أفعال الحج. و يأتي التفصيل في محله.

ففي خبر يونس بن يعقوب قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) متى ينقطع مشي الماشي؟ قال (عليه السلام): إذا أفاض من عرفات»۳۷ و لكن أسقطه عن الاعتبار عدم ظهور عامل به.

(مسألة ۳۰): لا يجوز لمن نذر الحج ماشيا أو المشي في حجه أن يركب البحر لمنافاته لنذره، و إن اضطر إليه لعروض المانع من سائر الطرق سقط نذره (119). كما انه لو كان منحصرا فيه من الأول لم ينعقد و لو كان في طريقه نهر أو شط لا يمكن العبور إلا بالمركب فالمشهور أنه يقوم فيه، لخبر السكوني (120) و الأقوى عدم وجوبه، لضعف الخبر (121) عن إثبات الوجوب و التمسك بقاعدة الميسور لا وجه له (122) و على فرضه فالميسور و هو التحرك لا القيام (123).

لعدم التمكن من الامتثال فيه، و عدم كون المتعلق مقدورا في الفرع التالي.

عن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): «ان عليا (عليه السلام) سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه فعبر في المعبر قال (عليه السلام): فليقم في المعبر قائما حتى يجوزه»۳۸.

الضعف منجبر، مع ان السكوني معتمد عند لأصحاب. إن قلت:

يشكل العمل بالخبر، لأنه ان كان المنذور المشي في جميع نقاط المسافة، فهو من نذر غير المقدور في الطريق الذي فيه البحر، يبطل النذر و لا موضوع له حتى يعمل بالحديث. و إن كان مورده المشي في البر، فيكون القيام في المعبر لغوا إلا أن يكون ذلك من التعبد المحض و هو بعيد.

قلت: المنذور هو المشي في طريق الحج عرفا، فينعقد النذر صحيحا إجمالا ثمَّ يعمل فيه بما هو مقتضى الدليل و مقتضاه هو المشي فيما أمكن و القيام فيما لا يمكن مع كون أصل الذهاب بواسطة المعبر، كما مرّ في الخبر، و لا تعبد في البين، إذ المشي عبارة عن الذهاب إليه بكيفية خاصة مركبة من القيام و الحركة نحو المطلوب مباشرة و إذا تعذرت المباشرة في الحركة فيكفي بالمعبر. و أما القيام فحيث انه ممكن فلا وجه لسقوطه.

الظاهر ان خبر السكوني ورد مطابقا لقاعدة الميسور. و القاعدة في المقام مؤيدة بالخبر و بعمل المشهور.

لا وجه لهذا الاحتمال، إذا المراد بالميسور ما يعد ميسورا عرفا و بحسب المرتكزات لا ما يعد مستنكرا و الحركة في المعبر بأي وجه كانت لا يعد من الميسور، بل تعد مباينا مع المشي، لعدم حصول قطع المسافة بها بوجه أصلا.

(مسألة ۳۱): إذا نذر المشي فخالف نذره فحج راكبا، فإن كان المنذور الحج ماشيا من غير تقييد بسنة معينة وجب عليه الإعادة، و لا كفارة (12٤) إلا إذا تركها أيضا (125) و إن كان المنذور الحج ماشيا في سنة معينة فخالف و أتى به راكبا وجب عليه القضاء و الكفارة (126). و إذا كان المنذور المشي في حج معين وجبت الكفارة دون القضاء، لفوات محل النذر و الحج صحيح في جميع الصور (127). خصوصا الأخيرة (128) لأن النذر لا يوجب شرطية المشي في أصل الحج و عدم الصحة من حيث النذر لا يوجب عدمها من حيث الأصل، فيكفي في صحته الإتيان به بقصد القربة و قد يتخيل البطلان، من حيث ان المنوي- و هو الحج النذري- لم يقع، و غيره لم يقصد (129) فيه: ان الحج في حد نفسه مطلوب، و قد قصده في ضمن قصد النذر (130)، و هو كاف الا ترى أنه لو صام أياما بقصد الكفارة ثمَّ ترك السابع لا يبطل الصيام في الأيام السابقة أصلا، و انما تبطل من حيث كونها صيام كفارة و كذا إذا بطلت صلاته لم تبطل قراءته و أذكاره التي أتى بها من حيث كونها قرآنا أو ذكرا. و قد يستدل للبطلان- إذا ركب في حال الإتيان بالأفعال- بأن الأمر بإتيانها ماشيا موجب للنهي عن إتيانها راكبا. و فيه منع كون الأمر بالشي‏ء نهيا عن ضده و منع استلزامه البطلان على القول به. مع انه لا يتم فيما لو نذر الحج ماشيا مطلقا، من غير تقييد بسنة معينة و لا بالفورية لبقاء محل الإعادة.

لعدم تحقق المخالفة حتى تتعلق به الكفارة.

لا يتحقق الحنث الموجب للكفارة إلا إذا كان المنذور موقتا لفظا أو انطبقا و قهرا، كما إذا حصلت أمارات الوفاة، فلا يجوز التأخير حينئذ. و إن أخر و فات عنه تجب الكفارة.

لتحقق المخالفة العمدية في المنذور الموقت، فيجبان معا نصا و إجماعا. و يأتي التفصيل في كتاب النذر.

خلاصة الكلام: انه إن كان المشي قيدا ملحوظا في الحج بعنوان وحدة المطلوب بحيث يوجب فقده فقد قصد القربة يبطل الحج في جميع الصور، لفقد قصد القربة. و إن كان ملحوظا بعنوان تعدد المطلوب كما هو الظاهر من مثل هذه النذور حيث ان السير لا يعد في النذور المتعارفة من الأجزاء المقومة للحج- كالطواف، و السعي، و الوقوف- حتى يفسد الحج بتركه فيصح الحج في جميع الصور بلا إشكال، لوجود المقتضي للصحة و فقد المانع عنها فيصح لا محالة.

لعدم انطباق عنوان محرم فيها على الحج حتى يوجب البطلان إلا بناء على كون المشي جزء من أفعال الحج و لا وجه له، كما تقدم.

و بعبارة أخرى: المأمور به غير مقصود و ما هو المقصود غير المأمور به، فيبطل من هذه الجهة.

لأن جميع أفعال البرية و الخيرية يتوجه القصد إلى ذاتها أولا و بالذات، و إلى الخصوصية الملحوظة فيها ثانيا و بالعرض، فتكون الخصوصية الملحوظة فيها ملحوظا مستقلا لا أن يكون بعنوان التقييد الدقي العقلي الحقيقي فاصل القصد موجود فيها وجدانا.

و توهم: ان ذلك من قبيل الداعي، كما إذا اعطى زيدا درهما بعنوان الوفاء بالدين و إن علم زيد بأنه غير مديون لا يجوز له الأخذ. فاسد و قياس مع الفارق بين العبادات، و البريات، و الخيرات، و مثل الديون، و المعاوضات.

و أما نسبة ذلك إلى ظاهر الأصحاب من انه تعتبر في إتيان المأمور به قصد الخصوصيات المعتبرة فيه، فإن لم يقصد يقع باطلا.

ففيه. أولا: ان الخصوصيات الحاصلة من ناحية الأمر لا دليل على اعتبار قصدها، بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه.

و ثانيا: ان قصد الخصوصيات انما يعتبر في درك تلك الخصوصية لا في الجامع المشترك بينها و لا ريب في كون تلك الجامع مقصودا في الجملة و هو يكفي للصحة.

(مسألة ۳۲): لو ركب بعضا و مشي بعضها فهو كما لو ركب الكل، لعدم الإتيان بالمنذور (13۱)، فيجب عليه القضاء أو الإعادة ماشيا و القول بالإعادة و المشي في موضع الركوب، ضعيف لا وجه له (13۲).

لأنه المشي في تمام طريق الحج و لم يتحقق ذلك.

نسب هذا القول إلى جمع منهم: الشيخ (رحمه اللّه)، لأن المنذور هو قطع المسافة بالمشي و هو كما يتحقق باستمرار المشي يحصل بالتلفيق أيضا.

و فيه: انه خلاف العرف، إذ لا يصدق في المحاورات انه مشي تمام الطريق كما هو واضح، فما وقع منه مركب من الركوب و المشي و هو غير المنذور عرفا.

نعم، لو كان مقصوده من النذر هذا النحو من التحليل الدقي العقلي لا بأس بالقول به. و لعل نظر الشيخ (رحمه اللّه) و من تبعه إلى ذلك. و أما خبر إبراهيم بن عبد الحميد: «أن عباد بن عبد اللّه البصري سأل الكاظم (عليه السلام) عن رجل جعل للّه نذرا على نفسه المشي إلى بيته الحرام فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر قال (عليه السلام): ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به»۳۹، فأسقطه عن الاعتبار عدم عامل به.

(مسألة ۳۳): لو عجز عن المشي بعد انعقاد نذره لتمكنه منه، أو رجائه (133) سقط. و هل يبقى حينئذ وجوب الحج راكبا أو لا، بل يسقط أيضا؟ فيه أقوال: أحدها: وجوبه راكبا مع سياق بدنة (13٤). الثاني: وجوبه بلا سياق (135). الثالث: سقوطه إذا كان الحج مقيدا بسنة معينة. أو كان مطلقا مع‏ اليأس عن التمكن بعد ذلك، و توقع المكنة مع الإطلاق و عدم اليأس (136). الرابع: وجوب الركوب مع تعيين السنة، أو اليأس في صورة الإطلاق، و توقع المكنة مع عدم اليأس (137). الخامس: وجوب الركوب إذا كان بعد الدخول في الإحرام (138) و إذا كان قبله فالسقوط مع التعيين، و توقع المكنة مع الإطلاق و مقتضى القاعدة و إن كان هو القول الثالث (139) إلا ان الأقوى- بملاحظة جملة من الأخبار- هو القول الثاني، بعد حمل ما في بعضها من الأمر بسياق الهدى، على الاستحباب بقرينة السكوت عنه في بعضها الآخر مع كونه في مقام‏ البيان (140)، مضافا إلى خبر عنبسة الدال على عدم وجوبه صريحا فيه (141) من غير فرق في ذلك بين أن يكون العجز قبل الشروع في الذهاب أو بعده، و قبل الدخول في الإحرام أو بعده و من غير فرق أيضا بين كون النذر مطلقا أو مقيدا بسنة، مع توقع المكنة و عدمه (142) و إن كان الأحوط في صورة الإطلاق- مع عدم اليأس من المكنة، و كونه قبل الشروع في الذهاب- الإعادة إذا حصلت المكنة بعد ذلك، لاحتمال انصراف الأخبار عن هذه الصورة (143). و الأحوط إعمال قاعدة الميسور أيضا بالمشي بمقدار المكنة، بل لا يخلو عن قوة للقاعدة، مضافا إلى الخبر: «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه حاجا قال (عليه السلام) فإذا تعب فليركب» و يستفاد منه كفاية الحرج و التعب في جواز الركوب و إن لم يصل إلى حد العجز (1٤٤). و في مرسل حريز: «إذا حلف الرجل أن لا يركب، أو نذر أن لا يركب، فإذا بلغ مجهوده ركب».

لإطلاق النصوص الشامل لصورة الرجاء أيضا. و إلا فتبين الخلاف مع الرجاء يكشف عن عدم انعقاد النذر.

نسب إلى جمع: منهم الشيخ و عن خلافه دعوى الإجماع عليه، لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت له: رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه و عجز عن المشي، قال (عليه السلام): فليركب، و ليسق بدنة، فإن ذلك يجزي إذا عرف اللّه تعالى منه الجهد»، و في صحيح ذريح المحاربي: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل حلف ليحجن ماشيا، فعجز عن ذلك فلم يطقه قال (عليه السلام): فليركب، و ليسق الهدى».

نسب إلى جمع: منهم المفيد، و الشيخ في نذر الخلاف، لصحيح رفاعة عنه (عليه السلام) أيضا: «رجل نذر أن يمشي إلى بيت اللّه قال (عليه السلام): فليمش قلت: فإنه تعب قال (عليه السلام): فإذا تعب ركب» و مثله صحيح ابن مسلم: «سئل أحدهما (عليه السلام) عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت اللّه تعالى فلم يستطع قال (عليهما السلام): يحج راكبا».

نسب إلى الحلي، و العلامة، و المحقق الثاني، لقاعدة سقوط التكليف الموقت مع العجز عنه في وقته مع وحدة المطلوب كما هو الظاهر من التوقيت في المقام، و أصالة بقاء التكليف المطلق ما لم يحصل العجز الدائمي، و لكنه لا بد من الإتيان به مع تجدد التمكن منه إن تمكن.

نسب إلى الشهيد الثاني في المسالك و الروضة، لأن نذر المشي إلى الحج من باب تعدد المطلوب، فلا يسقط أصل الحج بتعذر مطلوب آخر و هو المشي إليه.

نعم، مقتضى الأصل بقاء التكليف مع الإطلاق، و توقع المكنة و عدم اليأس.

نسب إلى المدارك. اما وجوب الركوب بعد الإحرام، فلما دل على وجوب إتمام الحج و العمرة بعد التلبس بهما. و أما السقوط مع التعين إذا كان قبله، فللعجز بعد كونه التكليف من باب وحدة المطلوب و اما توقع المكنة مع الإطلاق، فلأصالة بقاء التكليف و عدم ما يوجب السقوط.

لما مر من قاعدة سقوط التكليف الموقت مع العجز عنه إن كان من‏ باب وحدة المطلوب كما هو الظاهر في المقام.

تقدم في صحيحي رفاعة و ابن مسلم. و لا وجه لإشكال بعضهم بأن كل مطلق و مقيد كذلك، فكما يحمل المطلق على المقيد في سائر الموارد فليكن في المقام كذلك أيضا، و ذلك لأن من شرط الحمل عليه إحراز وحدة المطلوب فيهما. و أما إذا أحرز التعدد من قرائن خارجية أو الداخلية أو شك فيه فلا وجه لحمله عليه.

فعن عنبسة بن مصعب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

اشتكى ابن لي، فجعلت للّه على ان هو برئ أن أخرج إلى مكة ماشيا، و خرجت امشي حتى أتيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو فيه، فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت فهل علىّ شي‏ء؟ قال (عليه السلام): أذبح فهو أحب إلي قال: أي شي‏ء هو إلي لازم أم ليس لي بلازم؟ قال (عليه السلام): من جعل للّه على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي‏ء عليه، و كان اللّه تعالى أعذر لعبده»44.

و الاشكال عليه: بكون عنبسة ضعيفا (مردود) بأن ابن أبي عمير جعله في صحيحه من أصحابنا، و روى عنه البزنطي و هو ظاهر في اعتماده عليه، مع ان الخبر موافق لسهولة الشريعة و الامتنان، مضافا إلى أنه يكفي الشك في وجوب الذبح في عدم وجوبه. و مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض يكفي في حصول الشك و عدم الوجوب.

كل ذلك لإطلاق خبر عنبسة و غيره، و أصالة البراءة بعد عدم إمكان‏ استفادة الوجوب مما تقدم من الأخبار.

هذا الاحتمال حسن فلا يترك الاحتياط.

و تقتضيه سهولة الشريعة المقدسة، و كثرة تفضل اللّه تعالى على خلقه، و تقدم قول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «إن اللّه تعالى غنى عن مشيها و حفائها» و لا شك في انه تعالى أغنى الأغنياء عن تكاليفه الأولية المجعولة لعباده فكيف بما يجعله العباد على أنفسهم فلا بد فيه أيضا من مراعاة التسهيل و التيسير.

(مسألة ۳٤): إذا نذر الحج ماشيا فعرض مانع آخر غير العجز عن المشي من مرض، أو خوف، أو عدو، أو نحو ذلك- فهل حكمه حكم العجز فيما ذكر، أولا (145) لكون الحكم على خلاف القاعدة؟ وجهان (146) و لا يبعد التفصيل (147) بين المرض و مثل العدو، باختيار الأول في الأول و الثاني في الثاني. و إن كان الأحوط الإلحاق مطلقا.

وجه الإلحاق ان ما ذكر في الروايات من التعب، و الاشتكاء، و عدم الاستطاعة شامل لجميع ما يمنع عن الوصول إلى المقصود إلا بالحرج سواء كان القصور في الفاعل كالمرض، أو لمانع في الأرض مثل ما يمنع عن المشي عليه‏ كالرمضاء و الأشواك، أو لمانع في الجو و الفضاء كالحر، و البرد، و الرياح مما لا يتحمل عادة ففي الكل جامع قريب و هو حرجية الوصول إلى المقصود فتشمل الأدلة لجميع ذلك. و وجه عدم الإلحاق الجمود على النص، و لكنه جمود بارد بعد القطع بأن المدار على حيثية الحرجية.

إن أراد ان السقوط في موارد العجز على خلاف القاعدة، فهو باطل لموافقته لقاعدة الحرج. لأنه موافق لأصالة الإطلاق لا أن يكون مخالفا لها. و إن أراد الإتيان بالمشي بقدر المكنة مخالف فهو باطل أيضا، لكونه موافقا لقاعدة الميسور.

لا يخفى أنه بعيد لما ذكرنا من ان المناط حيثية الحرج المتحققة في الكل. هذا و اللّه تعالى هو العالم.

  1. الوسائل باب: ٥۸ من أبواب جهاد النفس حديث: 4.
  2. تقدم في صفحة: ۲۰.
  3. الوسائل باب: ٦ من أبواب النذر حديث: ۱.
  4. الوسائل باب: ٦ من أبواب النذر حديث: ۲.
  5. الوسائل باب: ۱ من أبواب النذر حديث: ۲.
  6. سورة المائدة، الآية: ۲۷.
  7. تقدم في صفحة: ۱٥٤- ۱٥٥
  8. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب اليمين حديث: ۲.
  9. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب اليمين حديث: ۱.
  10. الوسائل باب: ٥ من أبواب العتق.
  11. ورد مضمونه في الوسائل باب: ۲۸ من أبواب أحكام العقود.
  12. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب اليمين حديث: ۲.
  13. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب النذر حديث: 4.
  14. الوسائل باب: ۸ من أبواب النذر حديث: 4.
  15. الوسائل باب: ۱ من أبواب النذر حديث: 4.
  16. سورة النساء، الآية: ۱4۱.
  17. تقدم في صفحة: ۱۱- ۱۲.
  18. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  19. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  20. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  21. سورة آل عمران، الآية: ۹۷.
  22. راجع ج: ۷ صفحة: ۳۳۹.
  23. راجع ج: ۷ صفحة: ۳۳۹.
  24. تقدمت في ج: ۷ صفحة: ۳۳۹.
  25. تقدمت في ج: ۷ صفحة: ۳۳۹.
  26. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  27. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  28. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب النذر حديث: ۱.
  29. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  30. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  31. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب وجوب الحج حديث: ٦.
  32. الوسائل باب: ۳4 من أبواب وجوب الحج حديث: 4.
  33. الوسائل باب: ۳4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۱۰.
  34. لوسائل باب: ۳٥ من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  35. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب وجوب الحج حديث: ٥.
  36. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  37. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب وجوب الحج حديث: ٦.
  38. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  39. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب النذر حديث: ۱.
  40. الوسائل باب: ۳4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۲.
  41. الوسائل باب: ۳4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۳.
  42. الوسائل باب: ۳4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۱.
  43. الوسائل باب: ۳4 من أبواب وجوب الحج حديث: ۹.
  44. الوسائل باب: ۳4 من أبواب وجوب الحج حديث: ٦.
  45. تقدم في صفحة: ۲۱۹.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"