1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. کتاب الحج
  10. /
  11. فصل في أحكام المواقيت‏
(مسألة ۱): لا يجوز الإحرام قبل المواقيت، و لا ينعقد (۱) و لا يكفي المرور عليها محرما، بل لا بد من إنشائه جديدا (۲) ففي خبر ميسرة: «دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام و أنا متغيّر اللون فقال عليه السّلام: من أين أحرمت بالحج؟ فقلت: من موضع كذا و كذا فقال عليه السّلام: ربّ طالب خير يزل قدمه ثمَّ قال: أ يسرّك إن صلّيت الظهر في السفر أربعا؟ قلت: لا، قال: فهو و اللّه ذاك». نعم، يستثنى من ذلك مواضع:

للنص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السّلام، في صحيح ابن أذينة: «و من أحرم دون الوقت فلا إحرام له»۱، و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح الحلبي: «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها»۲.

و المراد بعدم الجواز في قول الفقهاء التشريعي منه لأنّه المعلوم لا الحرمة الذاتية للشك فيها، و مقتضى الأصل عدمها فيكون الإحرام قبل الميقات كالصّلاة قبل الوقت محرما تشريعيا لا ذاتيا.

لإطلاق أدلة وجوب الإحرام من الميقات، و قاعدة الاشتغال بعد بطلان ما وقع منه أولا.

فرع: عدم انعقاد الإحرام قبل الميقات إنّما هو فيما إذا لم يكن محلّ عقد الإحرام ميقاتا و إلا فلا إشكال فيه فإذا خرج المكيّ من أدنى الحلّ إلى ميقات آخر و أحرم منه للعمرة المفردة يصح إحرامه، و كذا إذا خرج من كان من أهل الجحفة مثلا إلى مسجد الشجرة، و ذلك كله لإطلاق أدلة توقيت هذه المواقيت لأهلها و لمن مرّ عليها و تقدّم تفصيل ذلك كلّه في المسائل السابقة.

أحدها: إذا نذر الإحرام قبل الميقات، فإنّه يجوز و يصح للنصوص. منها: خبر أبي بصير (۳) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لو أنّ عبدا أنعم اللّه تعالى عليه نعمة، أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية، فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم» و لا يضر عدم رجحان ذلك- بل مرجوحيته- قبل النذر مع أنّ اللازم كون متعلق النذر راجحا و ذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر (٤) من الأخبار، و اللازم رجحانه حين‏ العمل و لو كان ذلك للنذر و نظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرم من حيث هو، مع صحته و رجحانه بالنذر. و لا بد من دليل يدل على كونه راجحا بشرط النذر فلا يرد أنّ لازم ذلك صحة نذر كل مكروه أو محرم و في المقامين المذكورين الكاشف هو الأخبار: فالقول بعدم الانعقاد- كما عن جماعة (٥)- لما ذكر لا وجه له، لوجود النصوص و إمكان تطبيقها على القاعدة (٦) و في إلحاق العهد و اليمين بالنذر و عدمه وجوه (۷).

و منها صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال عليه السّلام: فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال»۳.

و عن عليّ بن أبي حمزة قال: «كتبت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام أسأله عن رجل جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة قال عليه السّلام يحرم من الكوفة»4 و اعتمد على هذه الأخبار مشهور الفقهاء فلا وجه للمناقشة فيها مع كونها معتبرة سندا.

يعني: إنّه يكفي في صحة النذر مطلق الرجحان لا من كل جهة و يجزي كونه حين العمل و إن لم يكن حين إنشاء النذر و من الأخبار الواردة في‏ المقام نستكشف الرجحان حين العمل فلا يرد: أنّه غير معقول لتوقف النذر على رجحان المتعلق فلو حصل من نفس النذر لدار. و ذلك لأنّ الرجحان حين العمل كان ثابتا في علم اللّه و من النذر يستكشف ذلك، كما لا يرد أنّه يصح حينئذ نذر كل مكروه أو محرم، لأنّه لا دليل على الكشف فيهما بخلاف المقام، و قد تقدم في [مسألة ۱۷] من (فصل أوقات الرواتب)، و (فصل شرائط صحة الصوم) بعض الكلام.

نسب ذلك إلى الحليّ، و المختلف، و المعتبر تضعيفا لسند الأخبار، مع أنّ الأول منهم لا يعمل بأخبار الآحاد مطلقا.

و فيه: أنّ صحيح الحلبيّ لا قصور فيه من حيث السند و الباقي معتبر قد عمل به الأصحاب فلا وجه للإشكال من هذه الجهة.

و هي: أنّ مقتضى إطلاق ما دل على رجحان متعلق النذر كفاية الرجحان في الجملة لا اعتباره من كل جهة و الإحرام للنسك راجح ذاتا و إن كان مرجوحا قبل الميقات و يكفي رجحانه الذاتي في الجملة لصحة تعلق النذر مع الدليل عليه كما هو المفروض، مع أنّ لنا أن نقول: إنّ ما يدل على صحة نذر الإحرام قبل الميقات، و الصوم في السفر مقيد لإطلاق ما دل على اعتبار الرجحان في متعلق النذر، فهذا النزاع ساقط من أصله، لصحة الإحرام قبل الميقات بالنذر، و كذا الصوم في السفر بالنذر لأجل الدليل الخاصّ سواء كان‏ ذلك موافقا للقاعدة أو مخالفا لها فلا وجه لإتعاب النفس و جعل الحكم موافقا للقاعدة.
فروع‏ الأول: مقتضى إطلاق الكلمات عدم الفرق بين نذر الشكر، و الزجر، و المطلق و يقتضيه إطلاق خبر ابن أبي حمزة و الظاهر أنّ ذكر الشكر في صحيح الحلبي- المتقدم- من باب المثال لا الخصوصية، إذ الغالب في مثل هذا القسم من النذر إما أن يكون شكرا أو زجرا، و كذا خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«لو أنّ عبدا أنعم اللّه عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم بخراسان كان عليه أن يتم»٥ فإنّ ظاهره أيضا نذر الشكر. و على فرض كونه نذرا مطلقا يصح التمسك بإطلاقه لكل من الشكر، و الزجر، و الإطلاق و لا وجه لما يتوهم من أنّ الحكم مخالف للأصل فيجب الاقتصار على المتيقن. لأنّ الاقتصار إنّما هو فيما إذا لم يكن إطلاق في البين.
الثاني: لا فرق في ذلك بين تقارن إنشاء النذر للإحرام عرفا أو تقدمه عليه بزمان قريب أو بعيد، كل ذلك للإطلاق بعد حمل ما ذكر في الأخبار على الغالب و المثال.
الثالث: لا فرق في ذلك بين أقسام الإحرام سواء كان للحج أو للعمرة المفردة أو التمتعية كما صرّح بذلك في المستند و نسب الإطلاق إلى جمع من المتقدمين كما لا فرق في ذلك بين المحلّ القريب و البعيد و لا بين البر و البحر و الجو.

لا ريب في اشتراك الثلاثة في كونها نحو التزام بين العبد و معبوده‏ و تأكد هذا الالتزام تارة يكون بالنذر ..
و أخرى: بالعهد.
و ثالثة: باليمين و الكل مشترك في جامع الالتزام و حقيقته و متى أطلق أحدها يصح استفادة الآخرين أيضا من هذه الجهة الجامعة الاشتراكية. و لذا أطلق اليمين على النذر في بعض أخبار ما تقدم في (فصل الحج الواجب بالنذر و العهد و اليمين)٦.
و توهم: أنّ النذر تمليك اللّه تعالى لظاهر جملة: للّه عليّ. بخلاف العهد و اليمين إذ لا تمليك فيها (مردود) بأنّ كلمة اللام ظاهرة في الاختصاص المطلق، و الملكية، و الحقيقة لا بد و أن تستفاد من قرائن أخرى و هي مفقودة في المقام. نعم، لا ريب في تحقق جهة الاختصاص إلى اللّه تعالى و إضافة الالتزام إليه تعالى و هي حاصلة في العهد و اليمن أيضا. ففي الثلاثة يجعل الملتزم هو اللّه تأكيدا للالتزام و تثبيتا له لئلا يخالف ما التزم به مهما أمكن فاشتراك الثلاثة في الأحكام إلا ما خرج بالدليل هو الأقرب إلى معنى الالتزام الثابت في الجميع و أذهان المتشرعة.
و ما يتوهم: من لزوم الاقتصار على خصوص النذر لاقتصار الأصحاب إليه (مردود) أولا بإمكان حمله على الغالب و المثال. و ثانيا بأنّه ليس ذلك من الإجماع المعتبر حتى يلزم اتباعه، مع أنّ خبر أبي بصير- المتقدم- عام شامل للجميع.
و توهم أنّه شامل لمطلق الالتزام و لو كان شرط و عقد (مردود) بأنّ المنساق من الجعل في نظائر المقام النذر و شبهه لا الشرط و العقد

ثانيها: إلحاق العهد دون اليمين (۸) و لا يبعد الأول لإمكان‏ الاستفادة من الأخبار (۹) و الأحوط الثاني (۱۰)، لكون الحكم على خلاف القاعدة (۱۱). هذا و لا يلزم التجديد في الميقات، و لا المرور عليها (۱۲) و إن كان الأحوط التجديد خروجا عن شبهة الخلاف و الظاهر اعتبار تعيين المكان، فلا يصح نذر الإحرام قبل الميقات مطلقا، فيكون مخيّرا بين الأمكنة لأنّه القدر المتيقن، بعد عدم الإطلاق في الأخبار (۱۳). نعم، لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول: «للّه عليّ أن أحرم إما من الكوفة أو من البصرة» و إن كان الأحوط خلافه و لا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب، أو المندوب أو للعمرة المفردة (۱٤). نعم، لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط أن يكون في أشهر الحج، لاعتبار كون الإحرام لهما فيها، و النصوص إنّما جوزت قبل الوقت المكاني‏ فقط. ثمَّ لو نذر و خالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان- نسيانا أو عمدا- لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات. نعم، عليه الكفارة إذا خالفه متعمدا (۱٥).

ظهر مما تقدّم أنّه لا وجه لهذا التفصيل.

بنحو ما قلناه من الجامع القريب بينها و هو الإلزام و الالتزام على النفس.

بل الأحوط العمل بهما ثمَّ التجديد في الميقات لأنّ هذا ينطبق على كل من الصحة و البطلان.

أي: قاعدة عدم جواز الإحرام قبل الميقات المستفادة من الإطلاق و الاتفاق.

لإطلاق ما تقدم من الأخبار الظاهر، في عدم وجوب ذلك كله.

عدم ثبوت الإطلاق في الأخبار من مجرّد الدعوى و أيّ فرق بين هذه المطلقات و سائر المطلقات التي بنوا على ثبوت الإطلاق فيها، مع أنّه لا فرق بين الترديد في أصل المكان و الترديد بين المكانين حيث لم يستبعد فيه الجواز فيما يأتي.

لإطلاق الروايات و الكلمات الشاملة لكل منهما.

أما وجوب الكفارة مع التعمد في الترك، فلعموم ما دل على وجوبها في المخالفة العمدية. و أما صحة الإحرام مطلقا فلعموم ما دل على صحة الإحرام من الميقات الشامل للمورد و غيره. و توهم: أنّه مع العمد يكون تفويتا لحق اللّه تعالى فيحرم الإحرام من هذه الجهة و النهي في العبادة يوجب الفساد (مردود) بأنّه مسلّم إذا كان الإحرام من الميقات بقصد التوصل به إلى تفويت حق اللّه تعالى بحيث ينطبق عليه عنوان كونه مبغوضا له تعالى و أما لو لم يكن بهذا القصد بل كان لأجل مطلوبية ذات الإحرام من الميقات من حيث هو فلا وجه للبطلان و قد مرّ في نذر الحج، و نذر الجماعة بعض الكلام فراجع [مسألة ۳۱] من (فصل الحج الواجب بالنذر) و [مسألة ۱] من (فصل الجماعة)، و [مسألة ۷] من أول كتاب الصوم.

ثالثها: إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي تقضّيه إن أخر الإحرام إلى الميقات، فإنّه يجوز له الإحرام قبل الميقات (۱٦) و تحسب له عمرة رجب، و إن أتى ببقية الأعمال في شعبان، لصحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل يجي‏ء معتمرا ينوي عمرة رجب، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، أ يحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أو يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال عليه السّلام: يحرم قبل الوقت لرجب‏ فإنّ لرجب فضلا». و صحيحة معاوية بن عمار سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «ليس ينبغي ان يحرم دون الوقت الذي وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الا أن يخاف فوت الشهر في العمرة» و مقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك لإدراك عمرة غير رجب أيضا، حيث إنّ لكل شهر عمرة. لكن الأصحاب خصصوا ذلك برجب (۱۷) فهو الأحوط، حيث إنّ الحكم على خلاف القاعدة و الأولى و الأحوط- مع ذلك- التجديد في الميقات (۱۸) كما أنّ الأحوط التأخير إلى آخر الوقت (۱۹) و إن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق (۲۰) إذا علم عدم الإدراك إذا أخر إلى الميقات بل هو الأولى، حيث أنه يقع باقي أعمالها أيضا في رجب (۲۱) و الظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة و الواجبة بالأصل أو بالنذر و نحوه (۲۲).

يدل عليه- مضافا إلى ما ذكره من النص‏۷– دعوى الإجماع عليه عن جمع منهم العلامة و الشهيد الثاني رحمه اللّه.

لظهور التعليل في صحيح إسحاق‏۸ في التخصيص به، و في الجواهر: «لم أجد عاملا به في غير رجب» أقول: و يقتضيه أصالة عدم المشروعية أيضا.

خروجا عن شبهة الخلاف، إذا لم يتعرض له كثير من الأصحاب كما في الجواهر.

اقتصارا في تخصيص العمومات الدالة على عدم جواز الإحرام قبل الميقات على الضرورة.

لإطلاق ما تقدم من صحيح ابن عمار، و إطلاق ما روي أنّ العمرة الرجبية تلي الحج في الفضل‏۹.

مراده رحمه اللّه: أنّ أولوية الإحرام قبل الضيق من جهة خاصّة و هي وقوع‏ باقي أعمال العمرة في رجب و هي لا تنافي الاحتياط في التأخير من جهة أخرى.

لظهور إطلاق النص و الفتوى.

(مسألة ۲): كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها (۲۳)، فلا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة (۲٤) أو دخول مكة (۲٥) أن يجاوز الميقات اختيارا الا محرما بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضا إلا محرما (۲٦) و إن كان أمامه ميقات آخر فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان. إلا إذا كان أمامه ميقات آخر، فإنّه يجيزه الإحرام منها، و إن أثم بترك الإحرام من الميقات الأول (۲۷) و الأحوط العود إليها مع الإمكان مطلقا (۲۸)، و إن كان أمامه ميقات آخر. و أما إذا لم يرد النسك و لا دخول مكة- بأن كان له عمل خارج مكة و لو كان في الحرم- فلا يجب الإحرام (۲۹). نعم، في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم (۳۰) و إن لم يرد دخول مكة لكن قد يدعى الإجماع على عدم‏ وجوبه. و إن كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات (۳۱).

للنصوص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن عمار: «من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لا تجاوزها إلا و أنت محرم»۱۰ و هل الحرمة ذاتية أو غيريّة؟ مقتضى ما يأتي من أنّ الإحرام جزء من النسك هو الثانية، و يقتضيه الأصل أيضا، لأنّ وجوب الإحرام للنسك معلوم و إنّما الشك في مطلوبيته الذاتية و هي مرتفعة بالأصل.

لما يأتي في [مسألة ۳] من (فصل كيفية الإحرام) أنّه جزء للحج أو العمرة.

يظهر من إطلاق بعض الكلمات أنّه يجب لدخول مكة من حيث هو مع قطع النظر عن شرطيته للنسك بحيث لو سقط النسك لعذر لوجب الإحرام لدخولها و لكنه مشكل بل ممنوع، لأنّ وجوبه للنسك معلوم و لغيره مشكوك و مقتضى الأصل عدمه، و المنساق من الأدلة أيضا ذلك كما يأتي نقلها.

قال في الجواهر: «ما دل على عدم حصول الإحلال له إلا بإتمام النسك كاف في عدم وجوب استقلاله إذ دعوى أنّه يحل بالوصول إلى مكة أو بالتقصير أو بغير ذلك لا دليل بل ظاهر الأدلة خلافها بل يمكن بعد التأمل في النصوص‏ استفادة القطع بتوقف الإحلال من الإحرام في غير المصدود و نحوه مما دل عليه الدليل على إتمام النسك و ليس هو إلا الأفعال عمرة أو حجة».
أقول: و من ذلك يظهر حكم فرع ربما يكون عام البلوى و هو: أنّه لو أحرم و دخل مكة و لم يتمكن من الإتيان بالنسك أصلا لعذر فيمكن حينئذ أن يقال:
بعدم الأثر أصلا لإحرامه لفرض أنّ وجوبه كان غيريا كوجوب تكبيرة الإحرام للصلاة فإذا لم يتمكن المكلف من الصلاة تصير تكبيرة الإحرام لغوا و ربما يأتي تفصيل ذلك في محله.

مقتضى الأصل عدم تحريم ذلك إلا إذا ثبت أنّ ما تقدم من صحيح ابن سنان في مقام بيان تنزيل المحاذي منزلة الميقات الحقيقيّ من كل جهة و هو ممنوع، إذ غاية ما يستفاد منه إنّما هو أنّه في مقام التسهيل و الإرفاق في الجملة و هو يحصل بصحة الإحرام من المحاذي امتنانا على الناس، و أما حرمة العبور منه إلا محرما حتى لو كان بعده ميقات آخر أو محاذ كذلك فلا دلالة له عليه بوجه بل هو حكم امتنانيّ في مورد خاص و الشك في عمومه يكفي في عدم جواز التمسك به لذلك. نعم، احتمال إطلاق التنزيل من كل جهة يكفي لحسن الاحتياط.

أما الإثم فلتركه التكليف المنجز الفعليّ عمدا. و أما صحة الإحرام من الميقات الآخر.

فالبحث فيها تارة: بحسب الأصل العمليّ.

و أخرى: بحسب الأخبار.

و ثالثة: بحسب الكلمات.

أما الأولى: فشرطية الإحرام من أصل الميقات للنسك لا ريب فيها، لظهور الأدلة الواردة في الإحرام من الميقات في الشرطية إنّما الكلام في أنّ هذه الشرطية مختصة بخصوص أول ميقات مرّ الشخص عليه بحيث إذا لم يحرم منه وجب العود إليه مطلقا و إلا فلا إحرام له و يبطل نسكه حتى لو كان أمامه ميقات آخر. أو أنّ أصل الشرطية من باب تعدد المطلوب بالنسبة إلى المواقيت كالفورية في بعض ما وجب فورا حيث إنّه مع عصيان الفورية أولا لا يسقط أصل المأمور به بعد ذلك بل يجب أيضا فورا ففورا. و مقتضى الأصل هو الثاني، لأنّ التخصيص بخصوص الميقات الأول في ذات المطلوبية و أصل الطلب قيد زائد و مدفوع بالأصل، و هذا لا ينافي أصل الوجوب التكليفيّ و الوضعيّ بالنسبة إليه أيضا مع ترتب العصيان على المخالفة كما في مسألة الفورية الزمانية فتكون المواقيت الطوليّة كآنات الزمان بالنسبة إلى الفورية. و الفورية المكانية كالفورية الزمانية بعد ثبوت أصل الوجوب في الجملة.

أما الثانية و هي الأخبار: فإنّها على أقسام ثلاثة:

الأول: ما تقدم سابقا من أنّ كل من مرّ على ميقات يحرم منه و إطلاقها يشمل المقام بلا كلام فيأثم بترك الإحرام من الميقات الأول و يجب عليه الإحرام من الثاني.

الثاني: موثق ابن بكير عن زرارة: «عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم، فقدموا إلى الميقات و هي لا تصلي، فجهلوا أنّ مثلها ينبغي أن تحرم، فمضوا بها- كما هي- حتى قدموا مكة و هي طامث حلال، فسألوا الناس فقالوا:

تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر عليه السّلام فقال: تحرم من مكانها، قد علم اللّه تعالى بنيّتها»۱۱ و ظاهره عرض القضية على أبي جعفر عليه السّلام لأنّها وقعت من شيعته كما في صدر الحديث و لم ينكر عليه السّلام ما ذكر الناس لها و الظاهر أنّ الناس المسؤول عنهم شيعته أيضا لاستبعاد سؤال الشيعة عن غيرهم خصوصا في زمان حياة الإمام عليه السّلام.
الثالث: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال عليه السّلام: قال أبي عليه السّلام يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمَّ ليحرم»۱۲ و نحوه صحيحة الآخر: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال عليه السّلام: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم. فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمَّ ليحرم»۱۳.
و صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم فقال عليه السّلام: إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، فإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها»۱4.
و في خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم كيف يصنع؟ قال عليه السّلام: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون به فيحرم»۱٥.
و فيه أنّه يتعيّن حملها على مطلق الرجحان مع الإمكان جمعا بينها و بين غيرها أو على ما إذا لم يمكن الإحرام من ميقات آخر. هذا أما الثالثة: و هي الكلمات فصريح جمع منهم صاحب المدارك و المسالك و الجواهر صحة الإحرام من الميقات التي يكون في الامام و إن أثم‏ بترك الإحرام من الأول و أرسل ذلك في الأخير إرسال المسلمات بلا نقل خلاف فيه و هو المناسب لتسهيل الشارع في الحج خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة التي صعبت وسائل النقل و كثرت المشاكل و المشقات فيها.

جمودا على ظاهر ما تقدم من النصوص، و إطلاق بعض الكلمات الظاهر في وجوب العود و لو كان أمامه ميقات آخر فإنّ ذلك كله يصلح للاحتياط و إن لم يصلح للفتوى بعد رد بعضها إلى بعض.

على المشهور، للأصل بعد عدم دليل على كون الإحرام من الميقات واجبا نفسيا بل وجوبه مقدميّ و شرطيّ للنسك فقط.

ففي صحيح ابن مسلم: «سألت أبا جعفر عليه السّلام هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال عليه السّلام: لا إلا أن يكون مريضا أو به بطن»۱٦، و مثله صحيح عاصم بن حميد قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يدخل الحرم أحد إلا محرما؟ قال:

لا إلا مريض، أو مبطون»۱۷.

و لا بد من حمله على دخول الحرم لأجل الإتيان بالنسك في مكة بقرينة دعوى الإجماع- عن صاحب المدارك فقال رحمه اللّه: «أجمع العلماء على أنّ من مرّ على الميقات و هو لا يريد دخول مكة بل يريد حاجة فيما سواها لا يلزمه‏ الإحرام»- على عدم وجوب الإحرام لدخول الحرم من حيث هو مع أنّ إعراض المشهور يوجب الوهن فيه فلا وجه لاعتباره.

يظهر ذلك عن الجامع و التذكرة، و نسب الفتوى به في المستند إلى جمع و جعله الأحوط بل الأظهر، و عنون في الوسائل: «باب إنّه لا يجوز دخول مكة و لا الحرم بغير إحرام»۱۸ فراجع.

و لكن إن كان المراد بدخول الحرم أو مكة الإتيان بالنسك فلا نزاع لأحد في البين و إن كان المراد أنّ لنفس دخول الحرم موضوعية خاصة للإحرام حتى مع عدم التكليف بالنسك فلا يستفاد ذلك من الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض قال في المدارك: «و يجب على الداخل فيها (أي: مكة) أن ينوي بإحرامه الحج و العمرة لأنّ الإحرام عبادة و لا يستقل بنفسه بل إما بحج أو عمرة و يجب إكمال النسك الذي تلبّس به ليتحلل من الإحرام».

و قال في الجواهر: «و فيه أنّه إن كان إجماعا فذاك و إلا أمكن الاستناد في مشروعيته إلى إطلاق الأدلة في المقام و غيرها، و كونه جزء منهما لا ينافي مشروعيته في نفسه- إلى أن قال- لكن قد يقال: إنّ ما دل على عدم حصول الإحلال له إلا بإتمام النسك كاف في عدم ثبوت استقلاله، إذ دعوى أنّه يحلّ بالوصول إلى مكة أو بالتقصير أو بغير ذلك لا دليل عليها بل ظاهر الأدلة خلافها».

أقول: استفادة المشروعية في نفس الإحرام من حيث هو من الإطلاقات ممنوعة، لتنزلها على ما هو المتعارف من الإحرام و هو ما كان جزء لحج أو عمرة و الشك في مشروعيته بنفسه يكفي في العدم بعد توقيفية العبادة.

فروع .. الأول: لو أراد دخول مكّة و لكن لا يقدر على النسك لعذر لا يجب عليه‏ الإحرام، لما مرّ من أنّ وجوبه غيريّ لا نفسيّ و إن كان أحوط.
الثاني: لو كان بانيا على عدم الإتيان بالنسك عصيانا، فالظاهر عدم وجوب الإحرام عليه، لما تقدم و لكنّه عاص بالنسبة إلى ترك الإحرام عصيانا انبساطيا من ذي المقدمة إلى المقدمة.
الثالث: لو نهى الزوج زوجته عن الإتيان بالحج أو العمرة المندوبة و مع ذلك حجت أو اعتمرت فهل يجب عليها الإحرام بدعوى أنّه جزء لكل نسك و لو كان فاسدا أو لا يجب: لكونه جزء لما هو صحيح فقط؟ وجهان الظاهر هو الأخير.
الرابع: لو أراد إتيان النسك و يعلم أنّه يقع باطلا من جهة الرياء أو نحوه فهل يجب الإحرام أو لا؟ الظاهر هو الأخير، لما مر.
الخامس: لو أحرم لإتيان النسك جامعا للشرائط فمنع عن الإتيان به يأتي حكمه إن شاء اللّه.
السادس: لو أحرم لإتيان النسك ثمَّ أبطل نسكه أو منع من الإتمام فهل تجب عليه الكفارة إن أتى بما فيه الكفارة من تروك الإحرام وجهان.

(مسألة ۳): لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود إليها لضيق الوقت أو لعذر آخر- و لم يكن أمامه ميقات آخر بطل إحرامه و حجه على المشهور الأقوى (۳۲)، و وجب عليه قضاؤه (۳۳) إذا كان مستطيعا (۳٤) و أما إذا لم يكن مستطيعا فلا يجب (۳٥)، و إن أثم بترك‏ الإحرام (۳٦) بالمرور على الميقات خصوصا إذا لم يدخل مكة (۳۷) و القول بوجوبه عليه و لو لم يكن مستطيعا بدعوى: وجوب ذلك عليه إذا قصد مكة، فمع تركه يجب قضاؤه لا دليل عليه (۳۸) خصوصا إذا لم يدخل مكة (۳۹) و ذلك لأنّ الواجب عليه إنّما كان الإحرام لشرف البقعة (٤۰)- كصلاة التحية في دخول المسجد- فلا قضاء مع تركه مع أنّ وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحج عليه و أيضا إذا بدا له و لم يدخل مكة كشف عن عدم الوجوب من الأوّل (٤۱).و ذهب بعضهم إلى أنّه لو تعذر عليه العود إلى الميقات أحرم من مكانه (٤۲)، كما في الناسي و الجاهل نظير ما إذا ترك التوضي إلى أن ضاق الوقت، فإنّه يتيمم و تصح صلاته، و إن أثم بترك الوضوء متعمدا.و فيه: أنّ البدلية في المقام لم تثبت بخلاف مسألة التيمم، و المفروض أنّه ترك ما وجب عليه متعمدا (٤۳).

لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه مضافا إلى ظهور عدم الخلاف فيه.

أي: الإتيان به في السنة الأخرى.

لعمومات الأدلة، و إطلاقاتها الشاملة له حينئذ.

لانتفاء الواجب المشروط بانتفاء شرطه.

أي: بترك الحج المترتب على ترك الإحرام إن كان الحج واجبا عليه و الا فقد تقدم أنّ نفس الإحرام من حيث هو ليس له طلب نفسي حتى يتحقق الإثم بتركه.

أي: لا يجب القضاء خصوصا في هذه الصورة.

هذا القول للشهيد في المسالك و لا دليل عليه من عقل أو نقل سواء أراد قضاء نفس الإحرام أو قضاء النسك الذي لا يكون واجبا ذاتا كحجة الإسلام أو بالعرض من نذر أو نحوه، و مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب القضاء مطلقا إلا مع دليل يدل عليه و هو مفقود و على فرض كون الإحرام لدخول الحرم واجبا بنفسه مع قطع النظر عن النسك فليس كل واجب له قضاء إلا مع الدليل عليه و مثل هذا القول النادر الذي لا دليل عليه لا ينبغي أن يذكر في مثل هذه الكتب.

لأنّه لا قائل بوجوب القضاء حينئذ فيمكن أن يكون القول بوجوبه في هذه الصورة مخالفا للإجماع.

إن قيل: بوجوب الإحرام لدخول مكة أو دخول الحرم، و كذا ان قلنا بأنّه للنسك لفرض عدم وجوبها عليه فلا وجه لوجوب القضاء على كل تقدير.

فلا أداء حينئذ حتى يترتب عليه القضاء و لكن يمكن أن يقال: بأنه‏ تابع للملاك لا لفعلية الخطاب، فيصح تصوير القضاء حينئذ.

نسب هذا القول إلى جمع من المتأخرين و نسب إلى إطلاق المبسوط، و المصباح و مختصره، و اختاره في كشف اللثام، و في المستند، لإطلاق صحيح الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال عليه السّلام: يرجع إلى ميقات بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمَّ ليحرم»۱۹ فإن إطلاق ترك الإحرام يشمل العامد أيضا.

و أشكل عليه تارة: بأنّه لا بد من حمله على صورة العذر بقرينة صحيحة الآخر المذكور فيه النسيان‏۲۰.

و أخرى: بأنّه بنفسه منصرف إلى صورة العذر من جهة لزوم حمل فعل المسلم على الصحة.

و ثالثة: بأنّه خلاف المشهور و الأخبار الدالة على توقيت المواقيت.

و يرد الأوّل: بأن مفاد هذا الصحيح حكم إرفاقيّ و تسهيليّ امتنانيّ و ما كان كذلك لا وجه لتقييده بعد أن وسّع الشارع على المكلف. و الثاني: بأنّه بدوي. و الأخير: بأنّه لم يثبت الشهرة على الخلاف و نسبة هذا الصحيح إلى أخبار توقيت المواقيت نسبة العام إلى الخاص و لا وجه للأخذ بالعام مع وجود الخاص.

التعمد إنّما يوجب الإثم و أما عدم صحة التكليف الاضطراري بعد ذلك فهو يحتاج إلى دليل آخر و هو مفقود، كما في جميع موارد التكاليف الاضطرارية التي يوجد موضوعها بالعمد و الاختيار، فإنّ ظاهرهم التسالم على انقلاب التكليف الاختياري فيها إلى الاضطراريّ و المسألة سيالة في جميع الموارد.

(مسألة ٤): لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا، يجوز له أن يحرم من أدنى الحلّ (٤٤) و إن كان متمكنا من العود إلى الميقات فأدنى الحلّ له مثل كون الميقات أمامه، و إن كان الأحوط- مع ذلك- العود إلى الميقات و لو لم يتمكن من العود، و لا الإحرام من أدنى الحلّ بطلت عمرته (٤٥).

لما تقدم في الميقات العاشر من أنّ أدنى الحل ميقات للعمرة المفردة و تقدم أيضا في [مسألة ۲] ان من كان أمامه ميقات آخر يجزيه الإحرام و إن أثم بترك الإحرام من الميقات الأول و يجري في المقام جميع ما مرّ هناك و تقدم فيها وجه الاحتياط أيضا.

لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، مضافا إلى الإجماع.

(مسألة ٥): لو كان مريضا و لم يتمكن من النزع و لبس الثوبين يجزيه النية و التلبية (٤٦)، فإذا زال عذره نزع و لبسهما (٤۷)، و لا يجب حينئذ عليه العود إلى الميقات (٤۸). نعم، لو كان له عذر عن أصل إنشاء الإحرام- لمرض أو إغماء- ثمَّ زال وجب عليه العود إلى الميقات إذا تمكن (٤۹)، و إلا كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكن الا منه (٥۰)، و إن تمكن العود في الجملة وجب (٥۱).و ذهب بعضهم (٥۲) إلى أنّه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره، لمرسل جميل عن أحدهما عليهما السّلام: «في مريض أغمي عليه فلم يفق حتى أتى الموقف قال عليه السّلام: يحرم عنه رجل» و الظاهر أنّ المراد أنّه يحرمه رجل، و يجنبه عن محرّمات الإحرام، لا أنّه ينوب عنه في الإحرام (٥۳). و مقتضى هذا القول عدم وجوب العود إلى الميقات بعد إفاقته و إن كان ممكنا و لكن العمل به مشكل، لإرسال الخبر، و عدم الجابر (٥٤) فالأقوى العود مع‏ الإمكان، و عدم الاكتفاء به مع عدمه (٥٥).

البحث في هذه المسألة تارة بحسب الأدلة العامة.

و أخرى: بحسب الأدلة الخاصة.

و ثالثة: بحسب الأصل العملي.

و رابعة: بحسب كلمات الفقهاء.

أما الأول: فمقتضى العمومات وجوب الإحرام من الميقات. بجميع ما يعتبر في الإحرام من النية، و التلبية، و لبس الثوبين و حيث إنّ لبس الثوبين ليس شرطا لصحة الإحرام و يمكن تحققه بدونه فنفس تلك العمومات دالة على وجوب النية و التلبية من الميقات.

أما الثاني‏ فمنها: صحيح صفوان: «فلا تجاوز الميقات إلا من علة»۲۱، و تقتضيه العمومات الدالة على أنّ: «كل ما غلب اللّه على عباده فهو أولى بالعذر»۲۲ و لا بد من الاقتصار على مورد العذر و مورده نزع الثياب و لبس الثوبين فقط و لا عذر في مجرد النية و التلبية فمقتضى العمومات عدم سقوطها.

و دعوى: أنّ مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام: «إلا من علة» هو عدم الإحرام مطلقا مع العلة حتى التلبية و النية (مدفوع) بأنّ مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، و ظهور قوله عليه السّلام: «إلا من علة» كون السقوط دائرا مدار العلة و لا علة بالنسبة إلى النية و التلبية إلّا أن تكون العلة حكمة للسقوط مطلقا و هو خلاف الظاهر. و أما مرسل المحاملي عن أحدهما عليهما السّلام: «إذا خاف الرجل على نفسه أخّر إحرامه إلى الحرم»۲۳ فمع قصور سنده يمكن حمله على ما قلناه أيضا، إذ لا يتصوّر الخوف على النفس بالنسبة إلى مجرد النية و التلبية.

و أما الثالث: فمقتضى قاعدة الاشتغال هو الإتيان بهما بعد عدم شرطية لبس الثوبين للإحرام، و تشهد لما قلناه قاعدة الميسور أيضا.

و أما الأخير: فعن ابن إدريس، و العلامة في جملة من كتبه، و الشهيد الثاني في مسالكه، و صاحبي الجواهر و الرياض وجوب النية و التلبية و تأخير لبس ثوبي الإحرام إلى حين التمكن، و حمل ابن إدريس كلام الشيخ في النهاية على ذلك أيضا و يمكن أن يحمل كلام كل من أطلق عليه أيضا و على فرض عدم إمكان الحمل فلا يضرّ بشي‏ء، إذ المسألة اجتهادية و لا إجماع في البين على أحد من الطرفين.

لإطلاق دليل لبسهما الشامل له حينئذ.

للأصل بعد عدم دليل عليه من نصّ، أو إجماع مع تحقق أصل الإحرام منه من الميقات، و يشهد للإجزاء ظاهر صحيح صفوان- المتقدم- فيلبس ثوبي الإحرام من حيث تمكن.

لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ، فتشمله الإطلاقات و العمومات الدالة على وجوب الإحرام من الميقات بعد عدم تحقق إنشاء أصل الإحرام منه من الميقات. هذا إذا لم يكن أمامه ميقات آخر و إلا فيحرم منه على ما تقدم.

يأتي التعرض له في المسألة التالية فراجع.

لأنّ هذه المسافة وجب قطعها محرما، فمقتضى قاعدة الميسور وجوب ما أمكن و سقوط ما تعذر، مضافا إلى ما يأتي من صحيح ابن عمار و غيره.

و دعوى: أنّه خلاف بعض الأخبار الدالة على أنّه يحرم من مكانه‏۲4 مردود: بأنّه لا بد من تقييده بالصحيح و غيره فلا وجه للتمسك بالأصل في مقابل الصحيح.

نسب هذا القول إلى جمع. كالعلامة في القواعد، و الشهيد في الدروس و الشيخ في جملة من كتبه و المحقق في المعتبر.

فيكون المراد الإحرام به كغير المميّز و قد تقدم في [مسألة ۲] من أول كتاب الحج و يمكن حمل كلمات الجماعة عليه أيضا لا أن يكون المراد الإحرام عنه نيابة كما ينسبق من المرسل، لأصالة عدم الإجزاء حينئذ، و قصور المرسل عن إثباته. ثمَّ إنّ المرسل نقل في الوسائل: «أغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الوقت»۲٥ و المفاد واحد و إن اختلف التعبير.

لأنّ مجرد اعتماد جمع عليه لا يجبر سنده، و كذا قول المجلسي رحمه اللّه إنّه مرسل كالحسن مع مخالفة الحكم للأصل. نعم، لو أفاق قبل الوقوفين كما هو المفروض يمكن القول بصحة حجة، تمسكا بما دل على الإجزاء فيما إذا أعتق المملوك قبلهما، و تقدم في [مسألة ۷ و ۸] من أول كتاب الحج ما ينفع المقام فراجع و قال في الجواهر: «و منه يعلم عدم انحصار الدليل في المرسل المزبور».

للأصل، و عدم ما يصلح للاعتماد عليه في مقابله.

(مسألة ٦): إذا ترك الإحرام من الميقات- ناسيا أو جاهلا بالحكم أو الموضوع وجب العود إليه مع الإمكان (٥٦) و مع عدمه فإلى ما أمكن (٥۷)، الا إذا كان أمامه ميقات آخر (٥۸) و كذا إذا جاوزها محلا- لعدم كونه قاصدا للنسك، و لا لدخول مكة (٥۹) ثمَّ بدا له ذلك- فإنّه يرجع إلى الميقات مع التمكن و إلى ما أمكن مع عدمه.

نصوصا، و إجماعا ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم قال عليه السّلام: قال أبي عليه السّلام: يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثمَّ ليحرم»۲٦ و الظاهر أنّ ذكر النسيان من باب مورد الاحتياج للسؤال لا الخصوصية بقرينة صحيحة الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال عليه السّلام: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»۲۷.

و في صحيح ابن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم فقال عليه السّلام: إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه فإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم. بقدر ما لا يفوتها»۲۸ إلى غير ذلك من الأخبار

لما تقدم من صحيح ابن عمار، و قاعدة الميسور.

فيحرم منه حينئذ لما تقدم في [مسألة ۲] من هذا الفصل فراجع، و ظاهرهم الإجماع على عدم الفرق فيما تقدم من الأحكام بين مطلق الأعذار و إنّ عنوان خصوص النسيان و الجهل من باب العذر الغالب لا التخصيص.

إجماعا، و نصّا، و تقدم صحيح الحلبي: «رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ..» و هو بإطلاقه شامل لمن تركه و هو يريد النسك و لمن تركه و هو لا يريده و على فرض الانصراف إلى الأول يكفي الإجماع، و قطع الأصحاب كما في المدارك.

(مسألة ۷): من كان مقيما في مكة و أراد حج التمتع وجب عليه الإحرام لعمرته من الميقات إذا تمكن، و إلا فحاله حال الناسي (٦۰).

تقدم تفصيل ذلك في [مسألة ٤] من (فصل أقسام الحج) فراجع.

(مسألة ۸): لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثمَّ ذكر وجب عليه العود مع الإمكان، و إلا ففي مكانه، و لو كان في عرفات- بل المشعر- و صح حجه (٦۱).و كذا لو كان جاهلا بالحكم (٦۲) و لو أحرم له من غير مكة مع العلم و العمد لم يصح (٦۳) و إن دخل مكة بإحرامه، بل وجب عليه الاستيناف مع الإمكان، و الا بطل حجه (٦٤).نعم، لو أحرم من غيرها نسيانا، و لم يتمكن من العود إليها صح إحرامه من مكانه (٦٥).

أما وجوب العود مع الإمكان، فلإطلاق الأدلة الدالة على وجوب الإحرام لحج التمتع من مكة الشامل للفرض أيضا.

و أما وجوبه في مكانه و لو في المشعر مع عدم الإمكان في غيره، فلفحوى ما يأتي في المسألة التالية و الظاهر عدم الاختصاص بالمشعر بل لو تذكر بعد الإفاضة منه أيضا وجب عليه ذلك.

و أما صحة الحج فلما يأتي من مرسل جميل المنجبر بالعمل، و صحيح‏ ابن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال عليه السّلام يقول: «اللهم على كتابك و سنة نبيك» فقد تمَّ إحرامه فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمَّ حجه»۲۹ و لا بد من حمله على صورة عدم إمكان الرجوع إلى مكة كما هو الغالب في الأزمنة القديمة جمعا بينه و بين سائر الأخبار. و عن أبي الصباح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم، كيف يصنع؟ قال عليه السّلام: يخرج من الحرم ثمَّ يهلّ بالحج»۳۰.
و في خبر ابن كليب قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام، فلم تحرم حتى دخلنا مكة و نسينا أن نأمرها بذلك قال عليه السّلام: فمروها فلتحرم من مكانها من مكة، أو من المسجد»۳۱ و كل ما ذكرناه هو المشهور بين الأصحاب (قدّست أسرارهم).

لما يأتي من مرسل جميل، و ما تقدم من صحيح ابن جعفر، و هذا هو المشهور بين الأصحاب رحمه اللّه.

للأصل، و النص، و الإجماع. و تقدم التفصيل في (فصل صورة حج التمتع) عند قوله رحمه اللّه: «الرابع أن يكون إحرام حجه من بطن مكة» فراجع.

كل ذلك لأصالة عدم الإجزاء، و قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه و تقدم ذلك كله في الفصل المزبور أيضا.

لما تقدم في صدر هذه المسألة، و هذا هو المشهور بين الإمامية.

(مسألة ۹): لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال من الحج أو العمرة- فالأقوى صحة عمله (٦٦).و كذا لو تركه جهلا حتى أتى بالجميع (٦۷).

على المشهور بل نسب إلى الأصحاب- عدا الحلي- لمرسل جميل المنجبر عن بعض أصحابنا، عن أحدهما عليهما السّلام: «في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها، و طاف، و سعى قال عليه السّلام: يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تمَّ حجه و إن لم يهل»۳۲. و المراد بقوله عليه السّلام: «إذا كان قد نوى ذلك» أي: نوى الحج بأجزائه و شرائطه على ما هو المرتكز بين المسلمين لا نية خصوص الإحرام، لأنّها ملازمة عادة لإتيان الإحرام فلا وجه لما عن الحليّ من بطلان حجه، لقصور الخبر سندا، و عدم تحقق النية مع أنّ الأعمال بالنيات.

لانجبار السند بالعمل، مع موافقته للتسهيل، و الإرفاق، و الامتنان المبنيّ عليها الشريعة خصوصا في الحج. و أما استدلاله بأنّ الأعمال بالنيات‏۳۳ فعن المعتبر:

«لست أدري كيف تخيل هذا الاستدلال؟! و كيف توجيهه؟» فراجع المطوّلات تجد بطلان دليله.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ نسيان إحرام عمرة حج التمتع أيضا كذلك، لكونها مع حج التمتع عملا واحدا فيشمله خبر جميل.

و أما نسيان إحرام العمرة المفردة فمقتضى الأصل عدم الإجزاء بعد عدم شمول الحديث له إلا أن يقال: إنّ ما ذكر في خبر جميل من باب المثال لا الخصوصية، مع أنّ الحكم إرفاقيّ فلا بد و أنّ يشمل العمرة المفردة أيضا.

إجماعا، و نصّا تقدم في صحيح ابن جعفر فراجع. و ترك إحرام العمرة التمتعية جهلا حتى فرغ من الحج كترك إحرام حج التمتع جهلا في الصحة، لما مرّ من أنّهما عمل واحد بخلاف ترك إحرام العمرة المفردة جهلا و إن احتملنا أن يكون ذكر الحج من باب المثال و لا بعد في ذلك

  1. الوسائل باب: ۹ من أبواب المواقيت حديث: ۳.
  2. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب المواقيت حديث: ۱
  3. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب المواقيت حديث: ۱
  4. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب المواقيت حديث: ۲.
  5. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب المواقيت حديث: ۳.
  6. راجع ج: ۱۲ صفحة: ۲۱۷.
  7. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب المواقيت حديث: ۲.
  8. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  9. الوسائل باب: 4۸ من أبواب العمرة حديث: ۱.
  10. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  11. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ٦.
  12. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  13. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ۷.
  14. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: 4.
  15. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ۹.
  16. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب الإحرام حديث: ۲.
  17. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب الإحرام حديث: ۱.
  18. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب الإحرام.
  19. تقدم في صفحة: 44
  20. تقدم في صفحة: 4٥
  21. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  22. الوسائل باب: ۳ من أبواب قضاء الصلاة حديث: ۱٦.
  23. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب المواقيت حديث: ۸
  24. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ۱۰. و هي رواية علي بن جعفر.
  25. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المواقيت حديث: 4
  26. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  27. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ۷.
  28. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: 4.
  29. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ۸.
  30. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ۳.
  31. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المواقيت حديث: ٥.
  32. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المواقيت حديث: ۱.
  33. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب مقدمات العبادات حديث: ٥.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"