1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الوقف و أخواته
  10. /
  11. خاتمة في الصدقة
التي قد تواترت النصوص على ندبها و الحث عليها (۱) خصوصا في أوقات مخصوصا كالجمعة و عرفة و شهر رمضان (۲). و على طوائف مخصوصة كالجيران (۳) و الأرحام (٤) بل ورد في الخبر «لا صدقة و ذو رحم محتاج»، و هي دواء المريض و دافعة البلاء و قد أبرم إبراما (٥) و بها يستنزل الرزق و يقضي الدين و تخلف البركة و تزيد في المال (٦) و بها تدفع ميتة السوء و الداء و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون إلى سبعين بابا من السوء (۷)، و بها في أول كل يوم يدفع نحوسة ذلك اليوم و شروره و في أول كل ليلة تدفع نحوسة تلك الليلة و شرورها (۸)، و لا يستقل قليلها فقد ورد: «تصدقوا و لو بقبضة أو ببعض قبضة و لو بشقة تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة و لا يستكثر كثيرها فإنها تجارة رابحة»، ففي الخبر: «إذا أملقتم تاجروا اللّه بالصدقة» و في خبر آخر: «انها خير الذخائر»، و في آخر: «إن اللّه تعالى يربي الصدقات لصاحبها حتى يلقاها يوم القيامة كجبل عظيم».

فلها آثار وضعية في الدنيا و الآخرة كما يستفاد من النصوص الآتية، و تدل على رجحانها في الجملة الأدلة الأربعة فمن العقل استقلاله بحسن الخير و نفع الغير و فضل الإحسان بالنسبة إلى الأخوان، و من الكتاب ما أمتن عز و جل على عباده بقوله تعالى‏ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ‏1، و قوله تعالى‏ وَ أَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً2، و قوله تعالى‏ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ‏3، إلى غير ذلك من الآيات المباركة، و أما الإجماع فهو من المسلمين بل العقلاء إذ لا يختص حسن الصدقة بملّة دون أخرى.

و أما السنة فهي متواترة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الصدقة تدفع ميتة السوء»4، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «تصدقوا فإن الصدقة تزيد في المال كثرة فتصدقوا رحمكم اللّه»5، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «التوحيد نصف الدين و استنزلوا الرزق بالصدقة»6، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «خير مال المرء و ذخائره الصدقة»7، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «داووا مرضاكم بالصدقة»8، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «اتقوا النار و لو بشق تمرة، و استنزلوا الرزق بالصدقة، ادفعوا البلاء بالدعاء، ما نقص‏

مال من صدقة، و صدقة و ذو رحم محتاج»9، و عن علي عليه السّلام: «الصدقة جنة من النار»10، و عنه عليه السّلام أيضا: «إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصدقة»11، إلى غير ذلك من الأخبار و تأتي الإشارة إلى بعضها.

لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الصدقة يوم الجمعة يضاعف أضعافا»12، و في رواية عبد اللّه بن سليمان: «كان أبو جعفر عليه السّلام إذا كان يوم عرفة لم يرد سائلا»13، و عن الصادق عليه السّلام: «من تصدق في شهر رمضان بصدقة صرف اللّه عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء»14، و يشهد لذلك العرف و الاعتبار أيضا فإن لفضل الزمان و المكان أثرا في زيادة فضل العبادة، و يمكن التعدي عن ذلك بأن يقال أن صدقة أهل التقوى أكثر ثوابا من صدقات الهمج الرعاء إلى غير ذلك مما يوجب زيادة الفضل.

لما ورد من كثرة التوصية بهم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه»15، و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما آمن بي من بات شبعان و جاره جائع»16، إلى غير ذلك من الأخبار التي تستفاد منها الأولوية فيها على الجار.

فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من مشى إلى ذي قرابة بنفسه و ماله ليصل رحمه أعطاه اللّه عز و جل أجر مائة شهيد و له بكل خطوة أربعون ألف حسنة و محي عنه‏

أربعون ألف سيئة و رفع له من الدرجات مثل ذلك و كان كأنما عبد اللّه عز و جل مائة سنة صابرا محتسبا»17، و عنه صلّى اللّه عليه و آله أيضا: «الصدقة بعشرة، و القرض بثمانية عشر، و صلة الإخوان بعشرين و صلة الرحم بأربعة و عشرين»18، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة بل المتواترة.

أما الأول فلما تقدم من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «داووا مرضاكم بالصدقة»19، و في رواية معاذ بن مسلم قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فذكروا الوجع فقال عليه السّلام:

داووا مرضاكم بالصدقة، و ما على أحدكم أن يتصدق بقوت يومه أن ملك الموت يدفع إليه الصك بقبض روح العبد فيتصدق فيقال له: رد عليه الصك»20، و أما الثاني فلوصية النبي لعلي عليه السّلام: «يا علي الصدقة ترد القضاء الذي قد أبرم إبراما»21.

أما الأول فلما تقدم من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «استنزلوا الرزق بالصدقة» و قول علي عليه السّلام: «إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصدقة»، و غيرها من الأخبار و أما بعده فلقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «حسن الصدقة يقضي الدين و يخلف بالبركة»22، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «البر و الصدقة ينفيان الفقر و يزيدان في العمر و يدفعان عن صاحبهما سبعين ميتة السوء»23، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «تصدقوا فإنّ الصدقة تزيد في المال كثرة فتصدقوا رحمكم اللّه»24.

لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إن اللّه لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء و الدبيلة و الحرق و الغرق و الهدم و الجنون و عد سبعين بابا من السوء»25.

لقول الصادق عليه السّلام: «باكروا بالصدقة فإن البلايا لا تتخطاها و من تصدق بصدقة أو النهار دفع اللّه عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم فإن تصدق أول الليل دفع اللّه عنه شر ما ينزل من السماء في تلك الليلة»26.

(مسألة ۱): يعتبر في الصدقة قصد القربة (۹)، و لو نوى الرياء بطل (۱۰)، و الأقوى أنه لا يعتبر فيها العقد المشتمل على الإيجاب و القبول كما نسب إلى المشهور، بل يكفي المعاطاة (۱۱) فتتحقق بكل لفظ أو فعل‏ من إعطاء أو تسليط قصد به التمليك مجانا مع نية القربة (۱۲)، و يشترط فيها الإقباض و القبض (۱۳).

لقول أبي عبد اللّه ع: «لا صدقة و لا عتق إلا ما أريد به وجه اللّه عز و جل»27، و عنه عليه السّلام أيضا: «إنما الصدقة للّه عز و جل فما جعل اللّه عز و جل فلا رجعة له فيه»28، مضافا إلى الإجماع و مرتكزات المتشرعة بل العقلاء الذين يعتقدون بالصدقة، و في رواية محمد بن عمر بن يزيد قال: «أخبرت أبا الحسن الرضا عليه السّلام اني أصبت بابنين و بقي لي ابني صغير، فقال عليه السّلام: تصدق عنه، ثمَّ قال حين حضر قيامي: مر الصبي فليتصدق بيده بالكسرة و القبضة و الشي‏ء و ان قلّ،

فإن كل شي‏ء يراد به اللّه و إن قل بعد أن تصدق النية فيه عظيم إن اللّه عز و جل يقول‏ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏ و قال‏ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ ما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ علم اللّه أن كل أحد لا يقدر على فك رقبة فجعل إطعام اليتيم و المسكين مثل ذلك تصدق عنه»29.

للأخبار الدالة على أن الرياء يوجب بطلان العمل الذي تعتبر فيه قصد القربة30، و حينئذ فإن كان الإذن في التصرف مقيدا بالقربة فلا يصح للطرف التصرف فيه و يبقى المال على ملك مالكه، و أما إن كانت القربة من باب تعدد المطلوب يصح له التصرف، لمكان الإذن و على أي حال لو تصرف لا يكون ضامنا لقاعدة «ما لا يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده».

للسيرة خلفا عن سلف و عدم معهودية الإيجاب و القبول اللفظي فيها بل الظاهر استنكار المتشرعة لذلك، فمقتضى الإطلاقات عدم اعتبار اللفظ فيها، و نسب إلى المشهور اعتبار الإيجاب و القبول اللفظي فيها و لم يستدلوا عليه بشي‏ء من عقل أو نقل و لم يشر إليه في شي‏ء من تلك الأخبار الكثيرة الواصلة إلينا. و المنساق من الأخبار أنها تصدق على مجرد البذل للّه تعالى و إن لم يكن بعنوان الارتباط العقدي بل يظهر من التأكيد على اختفائها و مداومة الأئمة عليهم السّلام على ذلك قيام تحققها بنفس المتصدق فقط، و كذا التصدق على الإبراء بقصد القربة أيضا، فهي بالإيقاع أشبه منه بالعقد. و قد أثبتنا مكررا أن المعاطاة موافقة للقاعدة ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف في المقام.

لما مر غير مرة من أن المناط في إبراز المقاصد كل لفظ أو فعل ظاهر فيها في المحاورات و لو كان الظهور مستندا إلى القرائن المعتبرة، و حيث أنها من العناوين المجانية فكل لفظ أو فعل يكون ظاهرا في هذا العنوان يجزي في تحققها. و أما القربة فهي إنما تتحقق بمجرد القصد و النية و لو لم يكن عليها دال في الخارج.

لتقوم تحقق كل عنوان مجاني بذلك كما هو معلوم مع اتفاقهم عليه.

(مسألة ۲): تجري في الصدقة الفضولية أيضا (۱٤).

لما تقدم في البيع من انها موافقة للقاعدة ما لم يدل دليل على الخلاف و لا دليل كذلك في المقام، و حينئذ فلو قصد الفضولي القربة و أجاز المالك كذلك تصح و إلا فيقصد المالك القربة حين الإجازة.

(مسألة ۳): لا يجوز الرجوع في الصدقة مع القربة بعد القبض و إن كانت على أجنبي على الأصح (۱٥).

لأصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل، و لإطلاق جملة من النصوص منها قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا ترجع في الصدقة إذا ابتغى وجه اللّه عز و جل»31، و في رواية أخرى عن الصادق عليه السّلام: «إنما الصدقة للّه عز و جل، فما

جعل للّه عز و جل فلا رجعة له فيه»32، و في خبر الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إنما مثل الذي يرجع في صدقته كالذي يرجع في قيئه»33، و يشهد له العرف و الاعتبار أيضا، و ما نسب إلى بعض فقهائنا منهم الشيخ في المبسوط انها جائزة، و إن صدقة التطوع بمنزلة الهدية المستفاد منه صحة الرجوع إلى غير ذي الرحم، ما دامت العين موجودة مخالف للعرف و الوجدان و الإطلاق و ظهور الاتفاق حتى من غير مبسوطة، فلا ريب في ضعفه و سقوطه، و أما ما في بعض النصوص، المشتملة على أن الصدقة جائزة فيمكن حمله على بعض المحامل كما لا يخفى.

(مسألة ٤): تحل صدقة الهاشمي لمثله و لغيره مطلقا حتى الزكاة المفروضة و الفطرة، و أما صدقة غير الهاشمي للهاشمي فتحل في المندوبة و تحرم في الزكاة المفروضة و الفطرة، و أما المفروضة غيرهما كالمظالم و الكفارة و نحوها فالظاهر أنها كالمندوبة و إن كان الأحوط عدم إعطائهم لها و تنزههم عنها (۱٦).

تقدم كل ذلك في كتاب الزكاة في الوصف الرابع من أوصاف المستحقين فراجع.

(مسألة ٥): يعتبر في المتصدق البلوغ و العقل و عدم الحجرلفلس أو سفه (۱۷). نعم، في صحة صدقة من بلغ عشر سنين وجه لكنه لا يخلو عن إشكال (۱۸).

لأن التصدق تصرف مالي و كل هؤلاء محجورون عن التصرف المالي كما تقدم في كتاب الحجر هذا مضافا إلى الإجماع في كل ذلك.

من إطلاق أدلة المنع و عمومها الشامل له أيضا، و من خبر الحلبي:

«انه سأل الصادق عليه السّلام عن صدقة الغلام إذا لم يحتلم؟ قال عليه السّلام: نعم لا بأس به إذا

وضعها في موضع الصدقة»34، المحمول على ما إذا بلغ عشر سنين بقرينة ما ورد في الوصية35، و غيرها، لكن خبر الحلبي مرسل يشكل الاكتفاء به في الجزم بالحكم، مع احتمال أن يكون الصبي من مجرد الآلة فقط.

(مسألة ٦): لا يعتبر في المتصدق عليه في الصدقة المندوبة الفقر و لا الإيمان بل و لا الإسلام فيجوز على الغني و على المخالف و على الذمي‏ و إن كانا أجنبيين (۱۹). نعم، لا يجوز على الناصب و لا على الحربي و إن كانا قريبين (۲۰).

كل ذلك للاتفاق و الإطلاق غير القابل للتقييد، و إطلاق قوله تعالى:

لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏36، و لخبر عمرو بن ابي نصر قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إن أهل البوادي يقتحمون علينا و فيهم اليهود و النصارى و المجوس فنتصدق عليهم؟ قال عليه السّلام: «نعم»37، و لقوله عليه السّلام: «ان اللّه تبارك و تعالى يحب إبراد الكبد الحري و من سقى كبدا حرى من بهيمة و غيرها أظله اللّه يوم لا ظل إلا ظله»38، و عن معلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه خرج و معه جراب من خبز فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدس الرغيف و الرغيفين حتى أتى على آخرهم ثمَّ انصرفنا، فقلت جعلت فداك يعرف هؤلاء الحق؟ فقال عليه السّلام: لو عرفوه لواسيناهم بالدقة- و الدقة هي الملح، إلى أن قال- إن عيسى بن مريم لما مر على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء، فقال له بعض الحواريين: يا روح اللّه و كلمته لم فعلت هذا و انما هو شي‏ء من قوتك؟ قال: فعلت هذا الدابة تأكله من دواب الماء و ثوابه عند اللّه عظيم»39، و يشمل ذلك الإنسان بالأولى خصوصا عند الحاجة و الضرورة.

لقول مولانا الهادي عليه السّلام: «من تصدق على ناصب فصدقته عليه لا له»40، و أما الحربي فلا ريب في عدم كونه أهلا للإحسان إليه.

(مسألة ۷): الصدقة المندوبة سرا أفضل، فقد ورد: «أن صدقة السر تطفئ غضب الرب» و «تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» و: «تدفع سبعين بابا من البلاء» و في خبر آخر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله- إلى أن قال- و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله». نعم، إذا اتّهم بترك المواساة فأراد دفع التهمة عن نفسه أو قصد اقتداء غيره به لا بأس بالإجهار بها (۲۱)، و لم يتأكد إخفائها. هذا في الصدقة المندوبة و أما الواجبة فالأفضل إظهارها مطلقا (۲۲).

لأن العناوين الأولية تتغير بعروض العناوين الثانوية.

لقاعدة: ان كل ما أوجب اللّه عليك فإعلانه أفضل من أسراره و كل ما كان مندوبا فإسراره أفضل من إعلانه»، و تدل عليها روايات كثيرة تقدم جملة منها في كتاب الصلاة41، و منها رواية عمار الساباطي قال: «قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: يا عمار الصدقة و اللّه في السر أفضل من الصدقة في العلانية و كذلك و اللّه العبادة في السر أفضل منها في العلانية»42، و قريب منه غيره و عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: صدقة السر تطفئ غضب الرب»43، و عنه عليه السّلام أيضا: «سبعة يظلهم اللّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله- إلى أن قال- و رجل‏

تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم يعلم يمينه ما تنفق شماله»44.

(مسألة ۸): يستحب اختيار الصدقة على المؤمن على ما سواها من العبادات المندوبة (۲۳).

لما ورد عن أبي الحسن الأول عليه السّلام: «في الرجل يكون عنده الشي‏ء أ يتصدق به أفضل أم يشتري به نسمة؟ فقال الصدقة أحب إليّ»45، و عن أبي جعفر عليه السّلام: «لأن أعول أهل بيت من المسلمين أشبع جوعتهم و أكسو عورتهم و أكف وجوههم عن الناس أحب إليّ من أحج حجة و حجة حتى انتهى إلى عشر و عشر مثلها و مثلها حتى انتهى إلى سبعين»46، و يستفاد من إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ليس شي‏ء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن و هي تقع في يد الرب تبارك و تعالى قبل أن تقع في يد العبد»47، أفضليتها من جميع العبادات المندوبة، و في رواية سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إن اللّه عز و جل يقول: ما من شي‏ء إلا و قد وكلت به من يقبضه غيري إلا الصدقة فإني أتلقفها بيدي تلقفا»48، فتكون الصدقة أفضل من جميع المصارف المالية التي يصرفها الناس في مندوباتهم فضلا عن مباحاتهم، و يصح الإتيان بالمندوب المالي بعنوان الصدقة أيضا سواء كان المصرف فقيرا أو لا، لعدم اعتبار الفقر في مصرف الصدقة المندوبة.

(مسألة ۹): يستحب أن يقبّل الإنسان يده بعد التصدق مطلقا (۲٤).

لأنها تشرفت بالإضافة التشريفية بأخذ اللّه تبارك و تعالى الصدقة منه قبل أخذ المستحق كما يستفاد ذلك من الآية المباركة:

أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ‏49، و في رواية محمد بن مسلم كان علي بن الحسين عليه السّلام يقبّل يده عند الصدقة فقيل له: ذلك قال عليه السّلام: «لأنها تقع في يد اللّه قبل أن تقع يد السائل»50، و قريب منه غيره و مقتضى إطلاق الآية الشريفة و الأخبار عدم الفرق بين كون الآخذ مؤمنا أو لا.

(مسألة ۱۰): لا تختص الصدقة المندوبة بالمال فقط بل تجري في كل ما فيه غرض صحيح شرعي إن أريد به وجه اللّه تعالى (۲٥).

لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية عبد الأعلى: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: كل معروف صدقة»51، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الكلمة الطيبة صدقة»52، و يدل على ذلك آيات كثيرة منها قوله تعالى‏ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ‏53، و منها قوله تعالى‏ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها54، إلى غير ذلك من الآيات المباركة، و عن علي عليه السّلام: «ان اللّه فرض عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم زكاة ما ملكت أيديكم»55، فمثل هذه الأخبار إما أن تجعل هذه الأمور من الصدقة موضوعا أو تجعلها منها حكما و على أي تقدير يتحقق فيها الثواب بلا إشكال. و عن نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إن على كل مسلم في كل يوم صدقة، قيل: من يطيق ذلك؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: أماطتك الأذى عن الطريق صدقة و أمرك بالمعروف صدقة و نهيك عن المنكر صدقة و إرشادك الرجل إلى الطريق صدقة و عيادتك المريض صدقة و ردك السلام صدقة»56، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «دخل عبد الجنة بغصن‏

من شوك كان على طريق المسلمين فأماط عنه»57.

(مسألة ۱۱): لو دار الأمر بين التوسعة على العيال و الصدقة المندوبة يقدم الأول (۲٦).

لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «كل معروف صدقة و أفضل الصدقة عن ظهر غني، و ابدء بمن تعول، و اليد العليا خير من اليد السفلى و لا يلوم اللّه على الكفاف»58، و عنه صلّى اللّه عليه و آله: «عيال الرجل أسراؤه و أحب العباد إلى اللّه عز و جل أحسنهم صنعا إلى أسرائه»59.

(مسألة ۱۲): يستحب المساعدة و التوسط في إيصال الصدقة إلى المستحق فعن مولانا الصادق عليه السّلام: «لو جرى المعروف على ثمانين كفا لأوجروا كلهم من غير أن ينقص صاحبه من أجره شيئا» بل في خبر آخر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال في خطبة له: «من تصدق بصدقة عن رجل إلى مسكين كان له مثل أجره و لو تداولها أربعون ألف إنسان ثمَّ وصلت إلى المسكين كان لهم أجر كامل».
(مسألة ۱۳): يكره كراهة شديدة أن يتملك من الفقير ما تصدق به بشراء أو اتهاب أو بسبب آخر (۲۷). بل قيل بحرمته (۲۸)، نعم لا بأس بأن يرجع إليه بالميراث (۲۹).

لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصحيح: «إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردها إلا في ميراث»60، المحمول على الكراهة الشديدة لمخالفته لأصول المذهب و قواعده، و إطلاق قوله عليه السّلام: «و لا يستردها» يشمل جميع أنحاء الاسترداد.

نعم، ظاهر الحديث اعتبار العلم بذلك فلو أخذ الآخذ الصدقة من المعطي و بعد مدة ردها إليه بعنوان الهدية مثلا و لم يعلم بذلك كان أخذه بلا كراهة و إن كان الأولى تركه مطلقا.

نسب ذلك إلى ظاهر النهاية و المقنعة.

لما تقدم في الصحيح.

(مسألة ۱٤): يكره رد السائل و لو ظن غناه بل أعطاه و لو شيئا يسيرا فعن مولانا الباقر عليه السّلام: «أعط السائل و لو كان على ظهر فرس»، و عنه عليه السّلام قال: «كان فيما ناجى اللّه عز و جل به موسى عليه السّلام قال: يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو برد جميل- الخبر».
(مسألة ۱٥): يكره كراهة شديدة السؤال من غير احتياج بل مع الحاجة أيضا و ربما يقال بحرمة الأول (۳۰)، و لا يخلو من قوة (۳۱) فعن‏ النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من فتح على نفسه باب مسألة فتح اللّه عليه باب فقر»، و عن مولانا الصادق عليه السّلام قال: «قال علي بن الحسين عليه السّلام: ضمنت على ربي أنه لا يسأل أحد من غير حاجة إلا اضطر به المسألة يوما إلى أن يسأل من حاجة»، و عن مولانا الباقر عليه السّلام: «لو يعلم السائل ما في المسألة ما سأل أحد أحدا، و لو يعلم المعطي ما في العطية ما رد أحد أحدا، ثمَّ قال عليه السّلام: إنه من سأل و هو يظهر غنى لقي اللّه مخموشا وجهه يوم القيامة». و في خبر آخر: «من سأل من غير فقر فإنما يأكل الخمر». و في خبر آخر: «من سأل الناس و عنده قوت ثلاثة أيام لقي اللّه يوم القيامة و ليس على وجه لحم». و في آخر قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ثلاثة لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم الديوث و الفاحش المتفحش و الذي يسأل الناس و في يده بظهر غنى».

يظهر ذلك من صاحب الوسائل حيث عنوان الباب: «باب تحريم السؤال من غير احتياج»61، و ذكر جملة من الروايات فيه.

قال المحقق في الشرائع في كتاب الشهادات: «لا تقبل شهادة السائل بكفه لأنه يسخط إذا منع»، و عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «شهادة الذي يسأل في كفه ترد»62، و قال في الجواهر و نعم ما قال: «ثمَّ إنه قد يستفاد من النصوص المزبورة بل و الفتوى عدم حرمة السؤال بالكف فضلا عن غيره، و إلا لكان المتجه فيه تعليل رد الشهادة به اللهم إلا أن يحمل ذلك على عدم الحكم بفسقه بمجرد سؤاله بالكف الذي يمكن أن يكون لضرورة إذ فعل المسلم محمول على الصحة مع الإمكان فترد شهادته لسؤاله و ان كان على ظاهر العدالة، و لكن لا يخفى عليك‏

أن هذا بعد فرض معلومية حرمة السؤال و لو بالكف مع فرض عدم تدليس به كما لو صرح بغنائه عن ذلك، و هو و إن كان مغروسة في الذهن و النصوص مستفيضة بالنهي عن سؤال الناس لكن كثير منها محمول على بعض مراتب الأولياء، و هو الغنى عن الناس و الالتجاء إلى اللّه تعالى، و آخر منها محمول على المدلّس بإظهار الحاجة و الفقر لتحصيل مال من الناس بهذا العنوان و هم الذين يسئلون الناس إلحافا عكس الذي يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، و أما حرمة السؤال من حيث كونه سؤالا و لو بالكف فلا دليل مطمئن به على حرمته و إن كان مغروسا في الذهن فتأمل فإنه لم يحضرني للأصحاب فيه منقح».

أقول: و هو قول متين جدا فالجزم بحرمة السؤال من حيث هو مشكل و لا ينبغي ترك الاحتياط بتركه. و اللّه تعالى هو العالم.

  1. سورة التوبة: 104.
  2. سورة الحديد: 18.
  3. سورة الزمر: 73.
  4. الوسائل باب: 9 من أبواب الصدقات الحديث: 3.
  5. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 8.
  6. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 13.
  7. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 16.
  8. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 18.
  9. الوسائل باب: 7 من أبواب الصدقات الحديث: 2.
  10. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 17.
  11. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقات الحديث: 20.
  12. الوسائل باب: 15 من أبواب الصدقات الحديث: 1.
  13. الوسائل باب: 15 من أبواب الصدقات الحديث: 2.
  14. الوسائل باب: 15 من أبواب الصدقات الحديث: 3.
  15. الوسائل باب: 86 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 5.
  16. الوسائل باب: 88 من أبواب أحكام العشرة الحديث: 1.
  17. الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
  18. الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة الحديث: 5.
  19. الوسائل باب: 3 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
  20. الوسائل باب: 3 من أبواب الصدقة الحديث: 2.
  21. الوسائل باب: 8 من أبواب الصدقة الحديث: 4.
  22. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقة الحديث: 3.
  23. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقة الحديث: 4.
  24. الوسائل باب: 1 من أبواب الصدقة الحديث: 8.
  25. الوسائل باب: 9 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
  26. الوسائل باب: 8 من أبواب الصدقة الحديث: 5.
  27. الوسائل باب: 13 من أبواب الوقوف.
  28. الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف الحديث: 1.
  29. الوسائل باب: 4 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
  30. الوسائل باب: 12 من أبواب مقدمة العبادات.
  31. الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 7.
  32. الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 1.
  33. الوسائل باب: 11 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 4.
  34. الوسائل باب: 24 من أبواب الصدقة.
  35. الوسائل باب: 44 من أبواب الوصايا.
  36. سورة الممتحنة: 8.
  37. الوسائل باب: 21 من أبواب الصدقة الحديث: 7.
  38. الوسائل باب: 19 من أبواب الصدقة الحديث: 2.
  39. الوسائل باب: 19 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
  40. الوسائل باب: 21 من أبواب الصدقة الحديث: 8.
  41. راجع ج: 9 صفحة: 132.
  42. الوسائل باب: 17 من أبواب مقدمة العبادات.
  43. الوسائل باب: 13 من أبواب الصدقة الحديث: 5.
  44. الوسائل باب: 13 من أبواب الصدقة الحديث: 11.
  45. الوسائل باب: 2 من أبواب الصدقة الحديث: 2.
  46. الوسائل باب: 2 من أبواب الصدقة الحديث: 1 و 2.
  47. الوسائل باب: 18 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
  48. الوسائل باب: 18 من أبواب الصدقة الحديث: 3.
  49. سورة التوبة: 104.
  50. الوسائل باب: 29 من أبواب الصدقة الحديث: 2.
  51. الوسائل باب: 41 من أبواب الصدقة الحديث: 1.
  52. سنن البيهقي ج: 4 باب وجوه الصدقة صفحة: 188.
  53. سورة البقرة: 110.
  54. سورة الأنعام: 160.
  55. الوسائل باب: 34 من أبواب فعل المعروف الحديث: 3.
  56. مستدرك الوسائل باب: 40 من أبواب الصدقة.
  57. سفينة البحار ج: 2 صفحة: 82.
  58. الوسائل باب: 42 من أبواب الصدقة الحديث: 5.
  59. الوسائل باب: 88 من أبواب مقدمات النكاح.
  60. الوسائل باب: 12 من أبواب الوقوف و الصدقات.
  61. راجع الوسائل باب: 31 من أبواب الصدقة.
  62. الوسائل باب: 32 من أبواب الصدقة الحديث: 16.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"