1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الوديعة
  10. /
  11. المقدمة
و هي استنابة في الحفظ، و بعبارة أخرى هي وضع المال عند الغير ليحفظه لمالكه (۱)، و يطلق كثيرا على المال الموضوع، و يقال لصاحب المال «المودع» و لذلك الغير «الودعي» و «المستودع» (۲). و هي عقد (۳) يحتاج إلى الإيجاب- و هو كل لفظ دال على تلك الاستنابة، كأن يقول «أودعتك هذا المال» أو «احفظه» أو «هو وديعة عندك» و نحو ذلك (٤)- و القبول (٥) الدال على الرضا بالنيابة في الحفظ (٦)، و لا يعتبر فيها العربية بل تقع بكل لغة (۷)، و يجوز أن يكون الإيجاب باللفظ، و القبول بالفعل (۸)- بأن قال له المالك مثلا هذا المال وديعة عندك فتسلم المال لذلك- بل يصح وقوعها بالمعاطاة (۹) بأن يسلم مالا إلى أحد بقصد أن يكون محفوظا عنده، و يحفظه فتشمله بهذا العنوان.

و هذا هو المعروف عند الناس و المرتكز في أذهانهم و تقدم غير مرة ان ما يذكر في تعريف العقود و نحوها شروح لفظية ربما يكون المعنى المغروس في الأذهان أظهر مما ذكروه في تعريفها فلا وقع للنقض و الإبرام و تفصيل الكلام بالنسبة إليها و أصل هذه المادة أنها تستعمل بمعنى الترك.

يقال: ودعه أي تركه و هو يكون لدواع كثيرة فإذا ترك ماله عند غيره لداعي حفظه يسمى ذلك بالوديعة.

و ظاهر جمع ان الوديعة تطلق على كل من المودع، و المستودع، كما أن البيع يطلق على كل من البائع و المشتري.

على المشهور بين الفقهاء، و تقتضيه مرتكزات الناس حيث يرونها متقومة برضاء الطرفين و ربطا بين القصدين و ليست من مجرد الإذن و الإباحة في الحفظ، لأن نوع الناس لا يتحملون حفظ مال الغير إلا بإبراز الرضاء و القبول به فتكون مثل الاستنابة في العمل تقريبا بل حقيقة، لأن الحفظ عمل محترم قد يبذل بإزائه المال عند متعارف الناس.

و أما احتمال انها من مجرد الإذن و الإباحة و الإيقاع و ان الرد مانع لا أن يكون القبول شرطا فهو خلاف ظواهر الكلمات بل الأذهان العرفية أيضا حيث ان نوع المستودعين يبرزون القبول بأي نحو كان.

لعدم ورود تحديد شرعي في هذا العقد العام البلوى في كل عصر و زمان فمقتضى الإطلاقات تحققها بكلما لا يستنكروه أهل المحاورة في إبراز هذا المعنى المعهود بين الناس و ظاهر الفقهاء التسالم على ذلك، و قد وسعوا فيها و في سائر العقود الجائزة بما لم يوسعوا في العقود اللازمة و العرف و الاعتبار يشهد بذلك أيضا.

لتقوم كل عقد بهما كما هو أوضح من أن يخفى.

الكلام فيه عين ما تقدم في الإيجاب من غير فرق.

للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، بعد صدق الوديعة على ما أنشأت بكل لغة.

لتحقق الوديعة بذلك أيضا عند متعارف الناس فتشمله الأدلة الشرعية بعد عدم ورود ردع من الشرع عن ذلك.

لأن المناط في صحة العقود مطلقا إظهار الرضاء بين الطرفين و الربط بين القصدين و هذا المعنى متحقق في المعاطاة أيضا فكل عقد يصح إنشاؤه بالمعاطاة حينئذ، للعمومات و الإطلاقات إلا ما خرج بالدليل على الخروج في‏ المقام فيشمله العموم و الإطلاق بلا كلام و يصح فيها تقديم القبول على الإيجاب بل هو الشائع في عارية الأثاث و نحوها، و ذلك لشمول الأدلة لذلك أيضا.

(مسألة ۱): لو طرح ثوبا مثلا عند أحد، و قال: هذا وديعة عندك، فإن قبلها بالقول أو الفعل الدال عليه و لو بالسكوت الدال على الرضا بذلك صار وديعة و ترتبت عليها أحكامها (۱0)، بخلاف ما إذا لم يقبلها حتى فيما إذا طرحه المالك عنده بهذا القصد و ذهب عنه، فلو تركه من قصد استيداعه و ذهب لم يكن عليه ضمان (۱۱) و إن كان الأحوط القيام بحفظه مع الإمكان (۱۲).

لفرض صدق الوديعة عرفا بعد كفاية السكوت في الرضا في مثل المقام فيترتب الحكم حينئذ قهرا.

نعم، لو فرض عدم الاكتفاء بالسكوت في إحراز الرضا لا وجه لتحققها و ترتب الأثر حينئذ و كذا مع الشك في الاكتفاء و عدمه.

لأصالة عدم تحقق الوديعة، و أصالة البراءة عن الضمان مضافا إلى الإجماع.

لاحتمال كفاية مجرد الإذن في تحقق الوديعة المعهودة و إن لم يقبل المستودع ما لم يكن منه رد في البين و إن كان هذا الاحتمال خلاف المشهور هذا إذا ذهب المستودع بعد طرح المودع و أما إذا وقف و لم يذهب فيمكن ان يجعل ذلك قبولا أيضا.

(مسألة ۲): إنما يجوز قبول الوديعة لمن كان قادرا على حفظها فمن كان عاجزا لم يجز له قبولها على الأحوط (۱۳).

قال في المسالك: «و قد تكون محرما، كما إذا كان عاجزا عن الحفظ أو غير واثق من نفسه بالأمانة لما فيه من التعرض للتفريط في مال الغير و هو محرم و مثله ما لو تضمن القبول ضررا على المستودع في نفسه أو ماله أو بعض المؤمنين»، و أشكل عليه في الجواهر بأن الحرمة فيما إذا كان عاجزا أو غير واثق من نفسه لا توجب بطلان العقد لكون النهي متعلقا بما هو خارج عن العقد فالعقد صحيح و يجب عليه الحفظ و عدم الخيانة.

و فيه: كما أن الخيانة في مال الغير محرمة كذا تعريض النفس بإيجاد مقدماتها القريبة يستنكر عند الملتزمين بدينهم و يلومون من يفعل ذلك، و ليس ذلك من باب مقدمة الحرام، بل يجعلونه بنفسه منكرا و لو رأوا ذلك من عادل يعيرونه أشد التعيير، بل لا يقتدون به و هذا المقدار يكفي في لزوم الاحتياط على ما ذكره، و لكن مع ذلك الجزم بالحرمة أنسب بمذاق الشرع و كثرة اهتمامه بأموال الناس و عدم التدخل فيها إلا مع إذن مالكي أو شرعي.

(مسألة ۳): الوديعة جائزة من الطرفين (۱٤)، فللمالك استرداد ماله متى شاء و للمستودع رده كذلك (۱٥)، و ليس للمودع الامتناع من قبوله (۱٦)، و لو فسخها من المستودع عند نفسه انفسخت و زالت‏ الأمانة المالكية و صار المال عنده أمانة شرعية (۱۷)، فيجب عليه رده إلى مالكه أو إلى من يقوم مقامه (۱۸)، أو اعلامه بالفسخ (۱۹)، و كون المال عنده، فلو أهمل في ذلك لا لعذر عقلي أو شرعي ضمن (۲0).

للإجماع و السيرة و تقوم العقود الإذنية بالترخيص في الرجوع متى شاء المتعاهدان إلا مع دليل على الخلاف و لا دليل على الخلاف إلا عموم أدلة اللزوم القابل للتخصيص بمثل ما مر من الإجماع و غيره و تقدم في العارية ما ينفع المقام فراجع، و هل يجوز اشتراط اللزوم فيهما أم لا، وجهان مبنيان على ان الجواز فيها ذاتي بحيث لا يقبل التغيير أو أنه إطلاقي، مقتضى أصالة عدم الدخل في الذات هو الثاني.

لأنه لا معنى للجواز إلا ذلك.

للإجماع و أصالة عدم ثبوت هذا الحق بالنسبة إليه بعد بناء العقد على الجواز.

أما الانفساخ بفسخ المستودع فهو مقتضى جواز عقد الوديعة حيث تزول برفع اليد عن كل من المتعاقدين عن العقد.

و أما زوال الأمانة المالكية فلتقومها بوجود عقد الوديعة و المفروض زواله بالفسخ فلا معنى لبقاء الحكم مع زوال الموضوع.

و أما صيرورته أمانة شرعية فلأن كل مال في يد غير مالكه إما غصب أو أمانة مالكية أو شرعية و المفروض انتفاء الأولين إجماعا فيتعين الأخير فالامانة المالكية باقية إلى أول عروض الأمانة الشرعية فتنقلب إليها قهرا فلا موضوع للغصب أصلا.

لإطلاق قوله تعالى‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها۱، و إطلاق النصوص المستفيضة بل المتواترة الواردة في رد الأمانات التي يأتي بعضها۲، الشاملة لكل من الأمانات المالكية و الشرعية.

لسقوط الأمانة المالكية بذلك حينئذ حتى عند المودع فيكون الاعلام بمنزلة رد الأمانة المالكية من هذه الجهة و ان حدثت الأمانة الشرعية من جهة أخرى لحدوث موضوعها بمجرد الفسخ.

ثمَّ ان الاعلام هل هو في عرض الرد بحيث يتخير المستودع الفاسخ بين رد الوديعة فعلا إلى المودع أو اعلامه بالفسخ- قولا أو كتابا أو نحو ذلك- أو ان الاعلام مترتب على عدم التمكن من الرد الخارجي ظاهر إطلاق المتن و من عبر كعبارته هو الأول و هو صحيح بناء على ما يأتي في (مسألة ۱٥) من انه يكفي في‏ الرد مجرد رفع اليد عن الوديعة و التخلية بينها و بين المالك و لا يجب النقل، فإن الإعلام بالفسخ مع كونها أمانة شرعية في يده و أنه لا يجوز له التصرف فيها بأي وجه بمنزلة رفع اليد عنها و عن الأمانة الشرعية عرفا و إن كانت في يده بعد، لكنه بعنوان آخر لا بعنوان الوديعة المعهودة و لا الأمانة المالكية فالوديعة زالت بانتفاء موضوعها و ما هو الباقي ليست بوديعة.

لتحقق التفريط و معه يتحقق الضمان كما يأتي في (مسألة ٥).

(مسألة ٤): يعتبر في كل من المستودع و المودع البلوغ و العقل، فلا يصح استيداع الصبي و لا المجنون و كذا إيداعهما من غير فرق بين كون المال لهما أو لغيرهما من الكاملين (۲۱)، بل لا يجوز وضع اليد على ما أودعاه (۲۲) و لو أخذ منهما ضمنه (۲۳) و لا يبرئ برده إليهما (۲٤)، و إنما يبرئ بإيصاله إلى وليهما (۲٥). نعم، لا بأس بأخذه منهما إذا خيف هلاكه و تلفه في أيديهما فيؤخذ بعنوان الحسبة في الحفظ (۲٦)، و لكن لا يصير بذلك وديعة و أمانة مالكية (۲۷)، بل تكون أمانة شرعية (۲۸)، يجب عليه حفظها و المبادرة على إيصالها إلى وليهما و إعلامه بكونها عنده (۲۹)، و ليس عليه ضمان لو تلف في يده (۳0).

لدعواهم الإجماع و عدم الخلاف على كل ذلك و أرسلوه إرسال المسلمات.

لفرض عدم الإذن في ذلك لا من الشارع و لا من وليهما فيحرم لا محالة.

للإجماع، و قاعدة على اليد.

لأصالة بقاء الضمان بعد إسقاط الشارع يدهما عن الاعتبار.

لأنه صاحب الأمانة شرعا و لا بد أن ترد الأمانات إلى أهلها، مضافا إلى الإجماع.

الأمور الحسبية هي الأمور الخيرية التي أكد الشارع في إتيانها و رغب‏ فيها، بل الظاهر ان بناء العقلاء على تحسين التعرض لها و استنكار الإعراض عنها كحفظ مال اليتيم و اغاثة اللهفان و نحو ذلك مما هو كثير لكن بشرطها و شروطها و لا ريب في ان المقام من إحداها فيكون مأذونا في ذلك شرعا و لا يعد ذلك من الوديعة المعهودة بل اصطلحوا عليه بالأمور الحسبية.

لفرض عدم أهليته للإذن و عدم الاستيذان ممن هو أهل له كالولي فتكون أمانة شرعية من باب ثبوت الإذن من الشارع في الأمور الحسبية مثل قولهم عليهم السّلام: «اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه»۳، و غيره مما هو كثير.

لفرض حصول الإذن من الشارع في الحفظ من باب الحسبة و لأنه محسن فيشمله قوله تعالى‏ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏4، و لأن الأمانات منحصرة في المالكية و الشرعية فإذا انتفت الأولى تثبت الثانية لا محالة و لا وجه لتضمين الأمين مطلقا.

لأن ذلك كله حكم الأمانات كلها مالكية كانت أو شرعية كما تقدم بعضها و يأتي بعضها الآخر.

بلا تعد و تفريط، لقاعدة منافاة الضمان مع الاستيمان سواء كان الاستيمان مالكيا أو شرعيا.

(مسألة ٥): لو أرسل شخص كامل مالا بواسطة الصبي أو المجنون إلى شخص ليكون وديعة عنده و قد أخذه منهما بهذا العنوان فتصير وديعة عنده، لكونها حقيقة بين الكاملين و انما الصبي و المجنون بمنزلة الآلة (۳۱).

و كذا إذا أرسل المودع الوديعة إلى المستودع بواسطة حيوان معلم أو آلة جمادية يحصل منها هذا الغرض.

(مسألة ٦): لو أودع عند الصبي و المجنون مالا لم يضمناه بالتلف (۳۲)، بل بالإتلاف أيضا إذا لم يكونا مميزين لكونه هو السبب (۳۳).

لقاعدة: «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده»، مع ان المودع أسقط احترام ماله بالإيداع عند من ليس أهلا له شرعا.

كما تقتضيه مرتكزات المتشرعة بل متعارف الناس مطلقا حيث يتوجه اللوم و الاستنكار في أمثال المورد على السبب دون المباشر و يوبخونه على فعله و ينسبونه إلى السفاهة كما لا يخفى، و حيث أن المسألة ابتلائية لا بأس بالإشارة إليها بنحو الإجمال و البحث فيها.

تارة: من حيث الحكم التكليفي بالنسبة إلى ضمان الصبي.

و أخرى: من حيث الحكم الوضعي، و على كل منهما إما أن يكون الصبي غير مميز أو يكون مميزا. أما التكليفي فلا ريب في انتفائه نصا و فتوى، بالنسبة إلى المميز فضلا عن غيره بل هو من ضروريات الدين.

و أما الوضعي فإن كان من قبيل العرض بالنسبة إلى المعروض عرفا كالنجاسة و الطهارة الخبثية بل الحدث و الطهارة الحدثية. حيث أن موضوعهما النفس بحسب ظواهر الأدلة و إنظار المتشرعة بل المتعارف أيضا و في مثل هذه الأمور التي موضوعاتها ليست قائمة باعتبار العقلاء بل خارجية بنفسها اعتبرت أو لا، و نسبة الحكم الوضعي إليها نسبة العرض إلى المعروض يصح اتصافهم بها عرفا بل و شرعا، للإطلاقات الشاملة للجميع.

إلا أن يقال أن بعض مراتب غير المميز بمنزلة الحيوان الذي يستنكر العرف اعتبار الحدث و الطهارة الحدثية بالنسبة إليه و هكذا المجنون أيضا،و الشك في صحة الاتصاف يكفي في العدم للأصل بعد عدم صحة التمسك بالدليل من جهة الشك في الموضوع، هذا و إن كان الحكم الوضعي مما يتقوم موضوعه باعتبار العقلاء و مع عدم اعتبارهم أو الشك فيه فلا يبقى موضوع له كالضمان مثلا فإن موضوعه الذمة، و لا يعتبر العرف و العقلاء لغير المميز و المجنون فلا موضوع للضمان بالنسبة إليهما حتى يثبت فيكون اعتبار الضمان من قبيل الحكم بلا موضوع هذا إذا لم يكن في البين سبب أقوى على الخلاف و إلا فالمناط هو السبب بلا اشكال فيه كما في المقام.

(مسألة ۷): يجب على المستودع حفظ الوديعة (۳٤) بما جرت العادة (۳٥) بحفظها به و وضعها في الحرز الذي يناسبها كالصندوق المقفل للثوب و الدراهم و الحلي و نحوها و الإصطبل المضبوط بالغلق للدابة و المراح كذلك للشاة. و بالجملة: حفظها في محل لا يعد معه عند العرف مضيعا و مفرطا و خائنا حتى فيما إذا علم المودع بعدم وجود حرز لها عند المستودع، فيجب عليه بعد ما قبل الاستيداع تحصيله مقدمة للحفظ الواجب عليه (۳٦).و كذا يجب عليه القيام بجميع ماله دخل في صونها من التعيب أو التلف كالثوب بنشره في الصيف إذا كان من الصوف أو الإبريسم و الدابة يعلفها و يسقيها و يقيها من الحر و البرد. فلو أهمل ذلك ضمنها (۳۷).

للإجماع، بل الضرورة الفقهية إن لم تكن دينية و سيرة المتشرعة خلفا عن سلف على التزامهم بذلك مع أن الإيداع و الاستيداع متضمن عند العقلاء على الشرط الضمني البنائي في حفظ الوديعة عند الاستيداع فتشمله ما دل على وجوب الوفاء بالشرط بناء على شمولها للشروط في ضمن العقود الجائزة أيضا، مضافا إلى أنه لا معنى لأداء الأمانة الواجب بالأدلة الأربعة إلا الحفظ مقدمة للأداء فتشمل الحفظ أيضا عين تلك الأدلة بالدلالة الالتزامية، و لا إشكال في أن الحفظ ملازم لترك التفريط و الخيانة عرفا.

لأنه لم يرد فيه تحديد شرعي بل هو موكول إلى العرف، و هو يختلف باختلاف الودائع و الخصوصيات و سائر الجهات.

وجوب حفظ الأمانة يمكن أن يتصف بالوجوب النفسي كما هو المنساق من ظواهر الفتاوي و يمكن أن يكون مقدميا لأجل وجوب رد الأمانة كتابا٥، و سنة مستفيضة يأتي بعضها، و يمكن أن يكون من باب الملازمة العرفية بين حرمة الخيانة و وجوب الحفظ و الكل صحيح.

لتحقق التفريط و الخيانة عرفا بل و شرعا أيضا، لفرض أن حكمه فيهما منزل على الموضوع العرفي.

(مسألة ۸): تصح الوديعة باعتبار أصل المالية لا بلحاظ خصوص العينية الخارجية فيودع عنده مائة دينار عراقي مثلا أعم من أن يكون مورد وجوب الحفظ أربع من ورقة خمس و عشرين دينار أو عشر من ورقة عشرة دنانير مع التحفظ على أصل المالية (۳۸).

للإطلاقات، و العمومات، و مرجع ذلك إلى الإذن في التصرف و التبديل مع حفظ أصل المالية و دعوى ظهور الأدلة في العين خارجي ممنوع لكونه من باب الغالب و ان كان كثرة الاهتمام بالوديعة تقتضي كونها بلحاظ العينية إلا مع القرينة على الخلاف.

(مسألة ۹): لو عين المودع موضعا خاصا لحفظ الوديعة اقتصر عليه، و لا يجوز نقلها إلى غيره بعد وضعها فيه و إن كان أحفظ فلو نقلها منه ضمنها (۳۹).نعم، لو كانت في ذلك المحل في معرض التلف جاز نقلها إلى مكان آخر احفظ و لا ضمان عليه حتى مع نهي المالك (٤۰) بأن قال لا تنقلها و ان تلفت، و ان كان الأحوط حينئذ مراجعة الحاكم مع الإمكان (٤۱).

أما عدم جواز نقلها عما عينه المودع فلأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه، و المفروض إن الإذن مقيد بوجه خاص فلا يصح التعدي‏ عنه، و أما الضمان فلتحقق التفريط و الخيانة حينئذ.

أما جواز النقل فلأنه من صغريات الحسبة التي أذن فيها الشارع. أما عدم الضمان فلفرض إذن الشارع في نقله فتكون كالأمانة الشرعية التي تلفت بلا تعد و لا تفريط، مع أنه إحسان محض، ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏٦، مضافا إلى انه لا تصدق الخيانة و التفريط على مثل هذا العمل عرفا فلا يتحقق موضوع الخيانة أصلا حتى يثبت الضمان فهي باقية على أمانته المالكية تلفت بلا تعد و لا تفريط فلا وجه للضمان.

و أما تعميم الجواز حتى في صورة نهي المالك فلأن نهيه في أمثال هذه الموارد إنما صدر بزعم أن ما عينه حرز حافظ فإذا تبين الخلاف يزول موضوع النهي بلا إشكال، بل يمكن دعوى القطع برضاه في بعض الموارد و بذلك تبقى على أمانتها المالكية بلا احتياج إلى إدخالها في الأمانة الشرعية.

الرجوع إلى الحاكم الشرعي في مثل هذه الأمور الحسبية متوقف على ان إتيانها متقومة بنظر الحاكم الشرعي كما في القضاء و الحدود و نحوهما، أو انها مطلوبة من كل من قدر عليها بحسب الوظيفة الشرعية، مقتضى الإطلاقات و العمومات هو الثاني و طريق الاحتياط الأول مع الإمكان لأن قولهم عليهم السّلام: «اللّه في عون المؤمن ما دام المؤمن في عون أخيه»۷ غير قابل للتخصيص.

(مسألة ۱۰): لو تلفت الوديعة في يد المستودع من دون تعد منه‏ و لا تفريط لم يضمنها (٤۲)، و كذا لو أخذها منه ظالم قهرا سواء انتزعها من يده أو أمره بدفعها له بنفسه فدفعها كرها (٤۳). نعم، يقوى الضمان لو كان هو السبب لذلك و لو من جهة إخباره بها أو إظهارها في محل كان مظنة الوصول إلى الظالم فوصل إليه بل مطلقا على احتمال قوي (٤٤).

للإجماع بل الضرورة الفقهية، و نصوص مستفيضة منها قول الصادق عليه السّلام: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان»۸، مضافا إلى ما ارتكز في النفوس من منافاة الاستيمان للضمان مع عدم التفريط و الخيانة.

كل ذلك لعدم تحقق التفريط و الخيانة مضافا إلى حديث: «رفع ما استكرهوا عليه»۹، الشامل للوضعيات أيضا، هذا مع ظهور الاتفاق.

النزاع في مثل هذه المسألة صغروي لا أن يكون كبرويا و المرجع في تخصيص الصغرى أهل الخبرة من العرف و الصور المفروضة ثلاثة:

الأول‏: صدق التسبيب من المستودع عند العرف لإتلاف الوديعة.

الثاني‏: صدق عدمه كذلك.

الثالث‏: الشك في انه من التسبيب أو لا، و مقتضى إطلاق أدلة عدم الضمان في الأمانة عدم الضمان بعد صدق الأمانة عليه كما هو المفروض.

و الأحوط التراضي.

(مسألة ۱۱): لو تمكن من دفع الظالم بالوسائل الموجبة لسلامة الوديعة وجب (٤٥) حتى انه لو توقف دفعه عنها على إنكارها كاذبا بل الحلف على ذلك جاز بل وجب (٤٦).فإن لم يفعل ضمن (٤۷)، و في وجوب التورية عليه مع الإمكان إشكال أحوط ذلك و أقواه العدم (٤۸).

لكونه مقدمة للحفظ الواجب عليه و تقدم الوجوب في مثله.

أما زوال حرمة الكذب لحفظ الوديعة فلأن حرمته تزول بعروض‏ عنوان خاص عليه يكون أرجح عنها و لا ريب في أن انطباق عنوان حفظ الوديعة عليه يوجب زوال حرمته لكثرة ما ورد من الاهتمام بحفظ الوديعة، مضافا إلى الإجماع عليه في المقام و ليس كذلك سائر المحرمات فلو توقف حفظ الوديعة على الغيبة مثلا لا يقولون بجوازه.

و أما وجوبه فلأنه مع زوال حرمة الكذب لا بد من وجوبه لوجود المقتضى للوجوب حينئذ و فقد المانع عنه.

و أما الحلف فالجملة من الأخبار منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره و اضطر إليه، و قال عليه السّلام: ليس شي‏ء مما حرم اللّه إلا و قد أحله لمن اضطر إليه»۱0، و منها خبر بياع السابري، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة أودعت رجلا مالا فلما حضرها الموت قالت له: إن المال الذي دفعته إليك لفلانة و ماتت المرأة فأتى أولياؤها الرجل فقالوا: لصاحبتنا مال لا نراه إلا عندك فاحلف لنا ما لنا قبلك شي‏ء، أ يحلف لهم؟ قال عليه السّلام: إن كانت مأمونة عنده فليحلف، و إن كانت متهمة عنده فلا يحلف، و يضع الأمر على ما كان فإنما لها من مالها ثلثه»۱۱، و مثله غيره.

لتحقق التفريط حينئذ، لأنه عبارة عما إذا تمكن من الحفظ و لم يفعله عن عمد و اختيار و هذا المعنى ثابت حينئذ عرفا.

ذهب جمع إلى وجوبها لأن بها يجمع بين ترك الكذب و حفظ الوديعة، و آخرون إلى عدم الوجوب لإطلاق الأخبار المرخصة للكذب في‏ المقام‏۱۲، و نظائره و عدم الإشارة فيها إلى التورية مع أن المفروض فيها الترخيص في الكذب و مع التورية لا كذب في البين حتى يحتاج إلى الترخيص.

(مسألة ۱۲): إذا كانت مدافعته عن الظالم مؤدية إلى الضرر على بدنه من جرح و غيره أو هتك في عرضه أو خسارة في ماله لا يجب تحمله (٤۹) بل لا يجوز في غير الأخير (٥0) بل فيه أيضا ببعض مراتبه (٥۱). نعم، لو كان ما يترتب عليها يسيرا جدا بحيث يتحمله غالب الناس كما إذا تكلم معه بكلام خشن لا يكون هاتكا له بالنظر إلى شرفه و رفعة قدره و إن تأذى منه بالطبع فالظاهر وجوب تحمله (٥۲).

للأصل بعد عدم دليل عليه و انصراف أدلة وجوب حفظ الوديعة عن مثله‏۱۳، مع أهمية حفظ النفس و العرض عن حفظ مال الغير.

لحرمة هتك العرض و الإضرار بالنفس فلا يتحقق موضوع وجوب الحفظ من جهة حرمة مقدمته و لا ينتقض ذلك بما تقدم في الكذب لأنه خرج بالنص الخاص كما مر.

كما إذا كان الهتك مما يتأثر منه نوع الناس، و المال مما يضر بالحال فيتحقق موضوع الحرمة و لا يبقى موضوع لوجوب حفظ الوديعة.

لفرض عدم تحقق الهتك و الضرر المحرم و انما تحقق مطلق الإيذاء الذي قد يكون خياليا و وهميا و لا دليل على حرمته و إن كان هو أيضا خلاف الأخلاق الشرعية و المجاملات الإنسانية خصوصا بالنسبة إلى بعض مراتب الإيمان الذي ورد فيه: «ان المؤمن لا يؤذي الذر» و يمكن اختلاف ذلك أيضا باختلاف الأشخاص و الخصوصيات فقد يحرم لأجل لعروض العناوين الثانوية و قد لا يحرم.

(مسألة ۱۳): لو توقف دفع الظالم عن الوديعة على بذل مال له أو لغيره فإن كان بدفع بعضها وجب (٥۳) فلو أهمل فأخذ الظالم كلها ضمن المقدار الزائد على ما يندفع به منها لا تمامها (٥٤). فلو كان يندفع بدفع نصفها فأهمل فأخذ تمامها ضمن النصف و لو كان يقنع بالثلث فأهمل فأخذ الكل ضمن الثلاثين و هكذا، و كذا الحال فيما إذا كان عنده من شخص وديعتان و كان الظالم يندفع بدفع إحديهما فأهمل حتى أخذ كلتيهما فإن كان يندفع بإحداهما المعينة ضمن الأخرى (٥٥) و إن كان بإحداهما لا بعينها ضمن أكثرهما قيمة (٥٦) و لو توقف دفعه على المصانعة معه بدفع مال من المستودع لم يجب عليه دفعه تبرعا و مجانا (٥۷).و أما مع الرجوع به على المالك فإن أمكن الاستيذان منه أو ممن يقوم مقامه كالحاكم عند عدم الوصول إليه لزم (٥۸) فإن دفع بلا استيذان لم يستحق الرجوع به عليه (٥۹) و إن كان من قصده ذلك (٦0) و إن لم يمكن الاستيذان فله ان يدفع و يرجع به على المالك إذا كان من قصده الرجوع عليه (٦۱).

و حيث ان بذل المال لحفظ الوديعة لا بد و أن يكون من المودع لأنه يرجع إلى مصلحة نفسه و هي حفظ ماله، و المفروض ان الوديعة أيضا مال المودع فيصح أخذ ما يتوقف عليه حفظها من ماله هذا مع الانحصار كما هو المفروض ظاهرا، و أما مع عدمه فالظاهر التخيير لو لم يكن ترجيح في البين.

لأن التعدي و التفريط انما حصل بالنسبة إليه فقط و أما البقية فقد وجب دفعها إلى الظالم فلا موضوع للتفريط بالنسبة إليها فلا ضمان.

لتحقق التفريط بالنسبة إليه فقط فيضمن.

لفرض أن مورد التفريط واحد لا بعينه و يصح انطباقه على الأكثر قيمة فيصدق التفريط بالنسبة إليه أيضا.

ان قيل: انه يصدق على الأقل قيمة أيضا فلا وجه للتخصيص.

يقال: مع صدق التفريط بالنسبة إلى الأكثر يدخل الأقل تحته لا محالة بخلاف العكس فلا موضوع للتخيير بل يتعين الأكثر.

للأصل بعد عدم دليل من عقل أو نقل على وجوب بذل المال لحفظ مال الغير لمصلحته الراجعة إليه دون الباذل، و ظاهرهم الإجماع أيضا على عدم‏ الوجوب في نظائر المقام.

لأنه متمكن حينئذ من حفظ الوديعة بالنحو الشرعي فتشمله أدلة وجوب حفظها.

لعدم حصول تسبيب من المودع لأخذ مال المستودع و لم يحصل استيفاء منه لماله حتى يوجب ضمانه لما صرفه المستودع، فمقتضى الأصل براءة ذمة المودع عن ضمان مثل هذا المال.

لأن مجرد القصد لا أثر له في الضمان ما لم يكن تسبيب أو استيفاء من الغير أو إتلاف لماله في البين و الكل منفي مع إمكان الاستيذان.

لأنه مأذون حينئذ شرعا من باب الحسبة و لم يقصد المجانية فيجب على المالك تداركه لأن صرف المال وقع لمصلحته بإذن من الشارع.

(مسألة ۱٤): لو كانت الوديعة دابة يجب عليه سقيها و علفها و لو لم يأمره المالك (٦۲). بل و لو نهاه (٦۳) و لا يجب ان يكون ذلك بمباشرته‏ و ان يكون ذلك في موضعها فيجوز أن يسقيها بواسطة غلامه مثلا و كذا يجوز إخراجها من منزله للسقي و ان أمكن سقيها في موضعها بعد جريان العادة بذلك (٦٤). نعم، لو كان الطريق مخوفا لم يجز إخراجها كما انه لا يجوز أن يولي غيره لذلك إذا كان غير مأمون إلا مع مصاحبة أمين معه (٦٥). و بالجملة: لا بد من مراعاة حفظها على المعتاد بحيث لا يعد معها عرفا مفرطا و متعديا (٦٦) هذا بالنسبة إلى أصل سقيها و علفها و أما بالنسبة إلى نفقتها فإن وضع المالك عنده عينها أو قيمتها أو اذن له في الإنفاق عليها من ماله على ذمته فلا إشكال (٦۷)، و إلا فالواجب أولا الاستيذان من‏ المالك أو وكيله (٦۸) فإن تعذر رفع الأمر إلى الحاكم (٦۹). ليأمره بما يراه صلاحا و لو ببيع بعضها للنفقة فإن تعذر الحاكم أنفق هو من ماله (۷0)، و يرجع به على المالك مع نيته (۷۱).

لوجوب حفظ الوديعة شرعا و لا يحصل الوجوب إلا بذلك و لا مدخلية في أمر المالك فيه بعد إذن المالك الحقيقي.

نعم، لو كان عدم أمره أو نهيه لأجل قصور في المستودع يمكن القول ببطلان أصل الوديعة حينئذ.

لأهمية مراعاة حق اللّه تعالى في الحيوان من ملاحظة حق الآدمي، و قد ورد التأكيد في مراعاته مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله: «في كل كبد حرى أجر»۱4، و غيره‏ مما هو كثير في الأبواب المتفرقة.

و أما لو نهاه عن سقي الشجرة مثلا، فيمكن القول بلزوم اتباع نهيه إلا إذا رجع ذلك إلى سفاهة المالك فلا يصح أصل الوديعة حينئذ، و لو أخل بذلك و لم يسقه و لم يعلف حتى مات لم يضمن شيئا للمالك لفرض انه أقدم على إتلاف ماله بالنهي عن التعليف.

كل ذلك لأن حفظ الوديعة من العرفيات المنزلة عليها الأدلة الشرعية، و العرف لا يفرق بين ذلك مع جريان الأصل عن تعيين جهة خاصة و صدق الحفظ عرفا على ذلك كله.

لأن متعارف الناس لا يقدمون على الإخراج في الأول، و على الاستيمان في الثاني إلا بالمصاحبة مع الأمين.

لأنه كما ان كيفية الحفظ و تشخيص خصوصياته موكولة إلى نظر العرف تعيين التعدي و التفريط أيضا موكول إلى نظره فمع حكمه بهما يترتب حكم التعدي أو التفريط و مع حكمه بالعدم لا موضوع لترتب آثار التعدي أو التفريط و مع الشك يرجع إلى الأصل.

في وجوب متابعة نظره لكون الأمر بيده لأنه المالك و «الناس‏ مسلطون على أموالهم»۱٥.

لأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه و المفروض تمكن الاستيذان منه أو من وكيله.

لأنه لا معنى لحكومته إلا ولايته الشرعية على مثل هذه الأمور الحسبية.

لتحقق موضوع الحسبة حينئذ بالنسبة إليه فيكون مأذونا شرعا في الإنفاق.

لأنه مع عدم نية الرجوع و إمكانها بالنسبة إليه ينطبق عليه عنوان التبرع و المجان و لا وجه للرجوع مع صدقهما.

نعم، لو كان غافلا عن هذه الجهة أو أنفق فعلا لأن يتأمل بعد ذلك في الرجوع و عدمه فمقتضى أصالة احترام المال و قاعدة «الناس مسلطون على أموالهم» صحة الرجوع بعد ذلك ان شاء.

(مسألة ۱٥): تبطل الوديعة بموت كل واحد من المودع و المستودع أو جنونه (۷۲) فإن كان هو المودع تكون في يد الودعي أمانة شرعية (۷۳).فيجب عليه فورا ردها الى الوارث المودع أو وليّه أو إعلامهما بها (۷٤)، فإن أهمل لا لعذر شرعي ضمن (٥۷). نعم، لو كان ذلك لعدم العلم بكون من يدعي الإرث وارثا أو انحصار الوارث فيمن علم كونه وارثا فأخر الرد و الاعلام لأجل التروي و الفحص عن الواقع لم يكن عليه ضمان على الأقوى (۷٦)، و إن كان الوارث متعددا سلمها إلى الكل أو الى من يقوم مقامهم (۷۷) و لو سلمها إلى البعض من غير إذن ضمن حصص الباقين (۷۸). و إن كان هو المستودع تكون أمانة شرعية في يد وارثه أو وليه يجب عليهما ما ذكر من الرد إلى المودع أو اعلامه فورا (۷۹).

للإجماع، و لأن العقود الإذنية متقومة بالإذن حدوثا و بقاء، و مع زوال موضوع الإذن بالموت و الجنون يزول القصد لا محالة.

لأن المفروض زوال إذن المالك و تعلق خطاب الشارع إلى الودعي برد الوديعة فورا الى مالكها الذي هو ورثة المودع و من لوازم هذا الخطاب كون المال في يده بإذن الشارع حتى يرده إلى مالكه بعد عدم وجه لكون اليد يد العدوان لا فعلا و لا سابقا، هذا مضافا إلى الإجماع على انقلاب الأمانة المالكية إلى الشرعية.

للإجماع بل الضرورة الفقهية إن لم تكن دينية و هذا حكم كل أمانة مالكية عند انقلابها إلى الشرعية.

لتحقق التفريط فيترتب عليه الضمان لا محالة.

للعذر الشرعي المقبول في التأخير فلا موضوع حينئذ للتفريط و لا منشأ للضمان.

لفرض انتقال الملك بالموت إلى الكل فيجب الدفع إليهم لأنهم الملاك و الدفع إلى من يقوم مقامهم كالدفع إليهم شرعا.

لعدم وصول حقهم إليهم في المال المشترك بين الجميع، مع ان التسليم إلى البعض دفع بغير إذن صاحب الحق بالنسبة إلى حصصهم فيوجب الضمان لا محالة من جهة تحقق التفريط.

الكلام فيه عين الكلام فيما تقدم من غير فرق.

(مسألة ۱٦): يجب رد الوديعة عند المطالبة (۸0) في أول وقت‏ الإمكان (۸۱) و ان كان المودع كافرا محترم المال (۸۲). بل و إن كان حربيا مباح المال على الأحوط (۸۳). و الذي هو الواجب عليه رفع يده عنها و التخلية بين المالك و بينها (۸٤) لا نقلها إلى المالك (۸٥) فلو كانت في صندوق مقفل أو بيت مغلق ففتحهما عليه فقال ها هي وديعتك خذها، فقد أدى ما هو تكليفه و خرج من عهدته (۸٦). كما أن الواجب عليه مع الإمكان الفورية العرفية (۸۷) فلا يجب عليه الركض و نحوه و الخروج من الحمام فورا و قطع الطعام و الصلاة و إن كانت نافلة و نحو ذلك (۸۸) و هل يجوز له التأخير ليشهد عليه قولان (۸۹). أقواهما ذلك (۹0) خصوصا لو كان الإيداع مع لإشهاد (۹۱) هذا إذا لم يرخص في التأخير و عدم الإسراع و التعجيل و إلا فلا إشكال في عدم وجوب المبادرة (۹۲).

للضرورة الدينية، و تدل عليه الأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها۱٦، و من السنة نصوص مستفيضة منها وصية أبي عبد اللّه عليه السّلام في موثق ابن سيابة: «عليك بصدق الحديث و أداء الأمانة»۱۷، و في موثق أبي كهمس: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام عبد اللّه ابن أبي يعفور يقرأك السلام قال عليه السّلام: عليك و عليه السلام، إذا أتيت عبد اللّه فأقرأه السلام و قل له: ان جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به على عليه السّلام عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فالزمه فإن عليا عليه السّلام إنما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بصدق الحديث و أداء الأمانة»۱۸، و قوله عليه السّلام: «اتقوا اللّه و عليكم بأداء الأمانة»۱۹، و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء، و من العقل حكمه الجزمي بقبح الخيانة.

لأن وجوبه فوري عند كل من قال بوجوبه.

للإجماع، و لأصالة احترام المال، و ظاهر جملة من النصوص و هي على عناوين يمكن استفادة الإطلاق منها بعد ظهور أن ذكرها من باب المثال:

الأول‏: قوله عليه السّلام: «لا عذر فيها لأحد أداء الأمانة إلى البر و الفاجر»۲0.

الثاني‏: قوله عليه السّلام: «لو أن قاتل علي عليه السّلام ائتمنني على أمانة لأديتها إليه»۲۱.

الثالث‏: قوله عليه السّلام: «أدّوا الأمانة إلى الأسود و الأبيض و إن كان شاميا»۲۲، و ظهوره في التعميم مما لا ينكر.

الرابع‏: قوله عليه السّلام: «أدوا الأمانة إلى من ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو إلى قاتل الحسين عليه السّلام»۲۳، و ظهوره في التعميم و لو بالنسبة إلى الحربي مما لا ينكر لأنه عليه السّلام جعل المناط حيثية الايتمان و النصيحة و هذه الحيثية تنطبق على‏ الحربي و غيره.

الخامس‏: قوله عليه السّلام: «أدّوا الأمانة إلى أهلها و ان كانوا مجوسا»۲4.

السادس‏: قول علي عليه السّلام: «أدّوا الفريضة و الأمانة الى من ائتمنكم و لو إلى قتلة أولاد الأنبياء»۲٥، و لا ريب في شمول مثل هذه التعبيرات لمطلق الكافر الذي يكون محترم المال، و لإطلاق قوله تعالى‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها۲٦.

لشمول قوله عليه السّلام: «من ائتمنك و أراد منك النصيحة» للحربي أيضا، و لصدق عنوان الخيانة التي هي أخص من احترام المال و اباحته.

و منشأ الإشكال إمكان دعوى انصراف الأدلة عنه لفرض اباحة ماله و ان ماله كالمباحات الأولية للمسلمين فمن استولى منهم على مال الحربي بأي وجه كان يملكه فلا يبقى موضوع للرد أصلا بعد جواز استيلائهم على ماله بأي وجه أمكن، و لكن الحكم مع ذلك مشكل لذكر الناصب في خبر إسماعيل: «ان رجلا قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام الناصب يحل لي اغتياله؟ قال أدّ الأمانة إلى من ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو الى قاتل الحسين عليه السّلام»۲۷، مع أنه ورد النص بإباحة ماله في قوله عليه السّلام: «خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا بخمسه»۲۸.

لأنه ليست الوديعة من المعاوضات حتى يتقوم بالتسليم و التسلم و القبض و الإقباض فبكل وجه سقط عرفا اعتبار الاستنابة و الالتزام بالحفظ يتحقق رد الوديعة و زوال موضوعها و لا ريب في سقوطهما بالتخلية بعنوان الرد فينتفي موضوع الوديعة قهرا، مع أن ظاهرهم الإجماع على كفايته، مضافا إلى انه يكفي مجرد التخلية في المعاوضات أيضا، كما مر ففي المقام تكفي بالأولى.

لأصالة عدم وجوبه عليه بعد صدق الرد بمجرد التخلية عرفا.

لدلالة مثل هذه الافعال و التعبيرات على إسقاط التزامه بحفظ الوديعة و جعل نفسه كالأجنبي بالنسبة إلى مال المالك مع إعلام المالك فيتحقق الرد بذلك لا محالة، و لا فرق فيما قلنا بين صورة مطالبة المالك و عدمه فيتحقق بذلك في الصورتين، لدلالة التخلية- بين الوديعة و مالكها و القول له خذ وديعتك- على الرد في الصورتين و ان كانت مع سبق مطالبة المالك لوديعته أصرح و أقوى، هذا كله إذا تحققت التخلية مع اعلام المودع بذلك و ازالة الموانع عن أخذ ماله و أما مع تحقق التخلية و عدم الاعلام فلا يتحقق الرد بلا كلام و كذا العكس.

أما أصل الفورية فلأنها المستفاد من سياق ما ورد في رد الأمانات مطلقا من الكتاب و السنة مع كثرة التأكيد في الرد.

و أما العرفية فلتنزل جميع الفوريات الشرعية عليها الا ما خرج بالدليل و لا دليل في المقام على الخلاف.

و أما اعتبار الإمكان فلأن كل تكليف مشروط به كما هو معلوم و المراد به التمكن العرفي لا الدقي العقلي لعدم ابتناء الشرعيات عليه كما تقدم مكررا.

لأن جميع ذلك لا ينافي صدق الفورية بحكم المتعارف و مع الشك‏ فمقتضى الأصل بقاؤها.

منشأ القول بالمنافاة انه غير محتاج إليه لا شرعا و لا عرفا فيكون منافيا للفورية و منشأ القول بعدم المنافاة: أن فائدته انه يترتب عليه قطع النزاع و المخاصمة فيترتب عليه الفائدة فلا يكون منافيا، و الظاهر أن النزاع صغروي فمع وجود الأثر و الفائدة لا ينافيها و مع عدم الأثر ينافي و المرجع فيه متعارف المتشرعة.

مع وجود أثر له في البين عرفا.

لذهاب بعض إلى اختصاص عدم المنافاة للفورية بهذه الصورة و هو ان انطبق على الاحتياج العرفي إلى الإشهاد فعلا لا إشكال فيه و أما مع عدمه فهو من الدعوى بلا دليل.

لأن وجوب المبادرة إنما كان لمراعاة حق المودع و مع رضائه بالتأخير لا موضوع لوجوبها.

(مسألة ۱۷): لو أودع اللص ما سرقه عند أحد لا يجوز له رده عليه مع الإمكان (۹۳)، بل يكون أمانته شرعية (۹٤) في يده فيجب عليه إيصاله إلى صاحبه ان عرفه و إلا عرّف سنة، فإن لم يجد صاحبه تصدق به عنه، فإن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم، فإن اختار أجر الصدقة كان له، و إن اختار الغرامة غرم له و كان الأجر له (۹٥).

لأنه بمجرد وضع يده عليه صار ضامنا له شرعا و لا تفرغ ذمته إلا برده إلى مالكه لقوله تعالى‏ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها۲۹، و اللص ليس أهلا لها، و لا فرق في الآية الكريمة بين الأمانات المالكية الصحيحة و الأمانات الشرعية و المقام يكون من الثانية كما هو واضح هذا مضافا إلى الإجماع، و قاعدة على اليد۳0.

أما عدم كونه أمانة مالكية فلعدم الإذن من المالك.

و أما كونها أمانة شرعية فلإيجاب الشارع عليه حفظها و إيصالها إلى المالك و لا معنى للأمانة الشرعية إلا هذا كاللقطة و غيرها مضافا إلى ما يأتي من خبر حفص.

الأصل في هذا التفصيل- مع موافقته للاعتبار الصحيح عند العرف و العقلاء- خبر حفص المعمول به عند الفقهاء، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا، و اللص مسلم فهل يرد عليه؟ قال عليه السّلام: لا يرده فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل، و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا فإن أصاب صاحبها ردها عليه، و إلا تصدق بها و إن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم فإن اختار الأجر فله، و إن اختار الغرم غرم له فكان الأجر له»۳۱

(مسألة ۱۸): كما يجب رد الوديعة عند مطالبة المالك يجب ردها إذا خاف عليها من تلف أو سرق أو حرق و نحو ذلك (۹٦) فإن أمكن إيصالها إلى المالك أو وكيله الخاص أو العام تعين و إلا فليوصلها إلى الحاكم لو كان قادرا على حفظها و لو فقد الحاكم أو كانت عنده أيضا في معرض التلف بسبب من الأسباب أودعها عند ثقة أمين متمكن من حفظها (۹۷).

لمعرضيتها للتلف في الخوف عليها و عدم تمكنه من الحفظ عند حصول الخوف كما هو المفروض فيكون عدم الرد حينئذ تعديا فلو تلف ضمن، مضافا إلى ظهور الاتفاق على وجوب الرد حينئذ.

على المعروف أما تعين الرد إلى الثلاثة الأولى على الترتيب فلتحقق الرد إلى نفس المالك في الأول و إلى من هو مأذون منه في الأخيرين.

و أما الحاكم الشرعي و الثقة الأمين فللإذن الشرعي في جواز رد الأمانة المالكية إليهما مع عدم إمكان الرد إلى المالك أو وكيله، و المشهور ان الحاكم مقدم على الثقة الأمين مع إمكان الرد إليه و قبوله لها، و يمكن دعوى السيرة على خلاف هذا الترتيب فنوع المتشرعين يضعون الامانة مع الخوف عند الثقة من دون مراجعة الحاكم الشرعي بل ينزلون البنوك و المصارف منزلة الثقة الأمين من غير مراجعة الحاكم.

و الظاهر انه مع عدم إمكان ردها إلى المالك أو وكيله تنفسخ الأمانة المالكية و تصير الامانة شرعية و هي ترد إلى الحاكم مع الإمكان و مع عدمه فإلى الثقة الأمين لإذن الشارع لهم في الحفظ.

(مسألة ۱۹): إذا ظهر للمستودع إمارة الموت بسبب المرض المخوف أو غيره يجب عليه ردها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان (۹۸) و إلا فإلى الحاكم (۹۹)، و مع فقده يوصي و يشهد بها (۱00) فلو أهمل عن ذلك ضمن (۱0۱) و ليكن الإيصاء و الاشهاد بنحو يترتب عليهما حفظ الوديعة و عدم ذهابها على مالكها (۱0۲) فلا بد من ذكر الجنس و الوصف و تعيين المكان و المالك (۱0۳) فلا يكفي قوله عندي وديعة لبعض الناس فإن مثل هذا لا يجدي في إيصالها إلى مالكها (۱0٤). نعم، يقوى عدم لزومهما رأسا و من أصله فيما إذا كان الوارث مطلعا عليها و كان ثقة أمينا (۱0٥).

لصيرورة الأمر برد الأمانة مضيقا و فوريا بالنسبة إليه حينئذ و يشهد له سيرة المتشرعة و المهتمين بحقوق الناس فيحصل التضييق و الفورية.

تارة: بمطالبة المالك.

و أخرى: بخوف الفوت.

لأنه بمنزلة مالكها شرعا فيكون الرد إليه كالرد إلى المالك شرعا.

لانحصار وجوب الحفظ الواجب عليه فعلا في ذلك، مضافا إلى‏ ظهور الإجماع و ان اختلفت عباراتهم في كيفية التعبير.

لتحقق التفريط حينئذ عرفا و شرعا فيتحقق الضمان قهرا.

لأنه لا أثر لوجوب الوصية إلا ذلك و مع عدمه تصير لغوا بل يتحقق التفريط و الضمان.

و كذا سائر الجهات التي تتوقف كيفية التعيين عليها المختلفة باختلاف أنحاء الودائع و الأمكنة.

و كذا مثل هذا التعبير من سائر التعابير المجملة عرفا.

لكون الوارث حينئذ بنفسه مكلفا شرعا برد الوديعة فيكون بعد فوت المورث هو المكلف بالرد و حيث انه ثقة أمين فلا أثر حينئذ للوصية إلا التأكيد.

و لكن يمكن أن يقال: بأنه يستفاد مما ورد من كثرة التأكيد و الحث على رد الوديعة كما تقدم بعضها ان القيام نفس المستودع بالوصية و الإشهاد نحو موضوعية خاصة قطعا لعذرة و إن علم بقيام الوارث بذلك لو لم يوص به و حينئذ فمقتضى إطلاق وجوب رد الأمانة وجوب الإيصاء و الإشهاد و ان علم بقيام الوارث به.

(مسألة ۲۰): يجوز للمستودع ان يسافر و يبقى الوديعة في حرزها السابق عند أهله و عياله لو لم يكن السفر ضروريا (۱0٦) إذا لم يتوقف‏ حفظها على حضوره و الا فيلزم عليه اما الإقامة و ترك السفر و إما ردها إلى مالكها أو وكيله مع الإمكان و إيصالها إلى الحاكم مع التعذر (۱0۷) و مع فقده فالظاهر تعيين الإقامة و ترك السفر (۱0۸) و لا يجوز أن يسافر بها و لو مع أمن الطريق و لا إيداعها عند الأمين على الأحوط لو لم يكن أقوى (۱0۹).و أما لو كان السفر ضروريا له فإن تعذر ردها إلى المالك أو وكيله و كذا إيصالها إلى الحاكم تعين إيداعها عند أمين (۱۱0) فإن تعذر سافر بها محافظا لها بقدر الإمكان (۱۱۱) و ليس عليه ضمان (۱۱۲). نعم، في مثل سفر الحج و نحوه من الأسفار الطويلة الكثيرة الخطر اللازم ان يعامل فيه معاملة من ظهر له أمارة الموت من ردها ثمَّ الإيصاء و الاشهاد بها على ما سبق تفصيله (۱۱۳).

لأصالة الإباحة بالنسبة إلى السفر، و أصالة البراءة بالنسبة إلى وجوب‏ الإقامة بعد عدم فرض خطر من السفر على الوديعة.

لانحصار حفظ الوديعة حينئذ في هذه الأمور فيجب ما تيسر و يسقط ما تعذر و تعسر.

مقدمة لحفظ الامانة الواجب عليه فعلا و هي مقدمة منحصرة ان لم نجز له إيداعها عند الأمين و لا أن يسافر بها و إلا فيخير بين الأمور الثلاثة.

أما عدم جواز السفر بالودائع و الأمانات فإنه المنساق من الأدلة و الروايات الواردة في الاهتمام الأكيد بحفظها و التأكيد الشديد على ذلك في سيرة المتشرعة بل المهتمين بحفظ أموالهم و ودائعهم فإنهم لا يسافرون بالأموال خصوصا في الأزمنة القديمة التي كانت الأسفار خطيرة، و يشير إليه قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«ان المسافر و ماله لعلى قلت إلا ما وقى اللّه تعالى»۳۲، و مع الشك في شمول الأدلة له لا يصح التمسك بها لأنه من التمسك بها في الشبهة الموضوعية فيرجع إلى أصالة عدم جواز هذا التصرف الخاص مع إمكان الحفظ في السفر.

و أما الوضع عند الأمين فهو أيضا كذلك لكونه مترتبا على عدم إمكان حفظه بنفسه و المفروض تمكنه منه بترك السفر و على هذا فيكون بالسفر بها أو وضعها عند الأمين متعديا يضمن بالتلف.

و ما يقال: في وجه جواز المسافرة بها و الإيداع عند الأمين من انه إذا كان ذلك بقصد حفظ الامانة يشمله إطلاق أدلة حفظ الأمانة فلا يكون ذلك تعديا.

لا وجه له: لأن مجرد القصد لا يكفي بل لا بد من انطباق عنوان الحفظ عرفا و عدم صدق التعدي و التفريط كذلك و مقتضى السيرة عدم انطباق الأول بل و صدق الثاني خصوصا في الأمانات الخطيرة المهمة.

لكونه حينئذ أحفظ للوديعة من المسافرة بها عند متعارف الناس.

لانحصار طريق الحفظ في المسافرة بها حينئذ.

لفرض عدم تحقق عنوان التعدي و التفريط بل كان بانيا على الحفظ بقدر الإمكان.

لانحصار طريق الحفظ في ذلك حينئذ و كذا الودائع الخطيرة و لو كانت المسافرة غير طويلة بحيث يخشى عليها من السفر بها عادة.

(مسألة ۲۱): المستودع أمين ليس عليه ضمان لو تلفت الوديعة أو تعيبت بيده (۱۱٤) إلا عند التفريط أو التعدي (۱۱٥). كما هو الحال في كل أمين (۱۱٦) أما التفريط (۱۱۷) فهو الإهمال في محافظتها و ترك ما يوجب حفظها (۱۱۸) على مجرى العادات بحيث يعدّ معه عند العرف مضيعا و مسامحا (۱۱۹) كما إذا طرحها في محل ليس بحرز و ذهب عنها غير مراقب لها أو ترك سقي الدابة و علفها أو ترك نشر ثوب الصوف و الإبريسم في الصيف أو أودعها أو سافر بها من غير ضرورة أو ترك التحفظ من الندى فيما تفسده النداوة كالكتب و بعض الأقمشة و غير ذلك و أما التعدي (۱۲0) و هو: ان يتصرف فيها بما لم يأذن له‏ المالك مثل ان يلبس الثوب أو يفرش الفراش أو يركب الدابة (۱۲۱) إذا لم يتوقف حفظها على التصرف (۱۲۲) كما إذا توقف حفظ الثوب و الفراش من الدود على اللبس و الافتراش أو يصدر منه بالنسبة إليها ما ينافي الأمانة و يكون يده عليها على وجه الخيانة كما إذا جحدها لا لمصلحة الوديعة و لا لعذر من نسيان و نحوه (۱۲۳) و قد يجتمع التفريط مع التعدي كما إذا طرح الثوب أو القماش أو الكتب و نحوها في موضع يعفّنها أو يفسدها (۱۲٤).و لعل من ذلك ما إذا أودعه دراهم مثلا في كيس مختوم أو مخيط أو مشدود فكسر ختمه أو حل خيطه و شده من دون ضرورة و مصلحة (۱۲٥) و من التعدي خلط الوديعة بماله سواء كان بالجنس أو بغيره و سواء كان بالمساوي أو بالأجود أو بالأردى (۱۲٦). و أما لو مزجه بالجنس من مال المودع كما إذا أودع عنده دراهم في كيسين غير مختومين و لا مشدودين فجعلهما كيسا واحدا ففيه إشكال (۱۲۷).

إجماعا بل ضرورة من الفقه، و نصوصا كثيرة منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان»۳۳، و عنه عليه السّلام أيضا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ليس لك ان تتهم من ائتمنته و لا تأمنن الخائن و قد جربته»۳4، إلى غير ذلك من الاخبار و لا يخفى ان هذه الامانة ليست تعبدية شرعية بل حصلت‏ من استيمان المودع و المالك و من القواعد النظامية أن من استأمن شخصا باختياره ينافي ذلك تضمينه مع التلف و كذا الحكم في الأمانات الشرعية أيضا حيث ان التأمين مطلقا ينافي التضمين مع التلف.

نصا و إجماعا من الفقهاء بل من العقلاء فعن محمد بن الحسن قال:

«كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام: رجل دفع الى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره فضاعت، هل يجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه؟ فوقع عليه السّلام هو ضامن لها إن شاء اللّه»۳٥، و تقتضيه قاعدة اليد بعد زوال أمانته و ثبوت خيانته بالتعدي أو التفريط.

فتزول أمانته و تثبت خيانته بالتعدي أو التفريط فيضمن ما تعدى فيه أو فرط، لقاعدة اليد و الإجماع و النصوص الواردة في الأبواب المتفرقة كما سيأتي التنبيه عليها، مع ان الحكم من ضروريات الفقه.

التعدي و التفريط ليسا من الحقائق الشرعية حتى يحتاج إلى بيان الشارع و لا من الموضوعات المستنبطة حتى يحتاج إلى نظر الفقيه بل هما من المفاهيم العرفية المختلفة باختلاف الأمانات و الأزمنة و الأمكنة بل الرسوم و العادات فالمرجع فيهما تحقق الصدق العرفي فمع الصدق كذلك لا ريب في زوال الأمانة و ثبوت الخيانة و تحقق الضمان و مع صدق العدم لا ريب في بقاء الأمانة و عدم الخيانة و عدم الضمان و مع الشك و التردد في الصدق و عدمه من أهل العرف فالمرجع أصالة عدم الخيانة و أصالة بقاء الاستيمان و عدم الضمان إلا أن يثبت الخلاف.

إن قيل: ان من كثرة اهتمام الشارع بالودائع و الأمانات يستفاد ان المناط في عدم الضمان صدق التحفظ فمع عدم صدقه يثبت الضمان سواء صدقت الخيانة أو لا فلا وجه لتثليث الأقسام.

يقال: انه مخالف لظواهر الكلمات المعلقة للضمان على التعدي أو التفريط فتكون الأقسام ثلاثة حينئذ.

يصح تفسير التفريط بالأمر الوجودي أي: الإهمال و المسامحة في حفظ الشي‏ء، كما يصح تفسيره بالأمر العدمي أي عدم العناية و الاهتمام بحفظه، و صغرياته قد تكون وجودية كطرح الثوب في مكان يكون معرضا لفساده و قد يكون عدميا كعدم نشر الصوف مثلا في الصيف فيفسد و لا ثمرة عملية في البين إلا دعوى جريان الأصل الموضوعي فيه مع الشك عند كونه وجوديا فلا ضمان عليه و جريانه فيما إذا كان عدميا أيضا و لكن لا يثبت به الضمان لكونه من الأصل المثبت.

و فيه: انه لا فائدة في جريان الأصل بعد قبول قول المستودع لكونه أمينا مع وجود أصالة عدم الخيانة و بقاء الامانة و أصالة البراءة عن الضمان.

لأن المرجع في صدق التفريط هو العرف لما تقدم من أن الموضوع من العرفيات لا من الشرعيات التعبدية و لا العقليات و لا الموضوعات المستنبطة.

المرجع فيه أيضا هو العرف المختلف باختلاف الجهات‏ و الخصوصيات.

فتارة: يصدق التعدي.

و أخرى: يصدق عدمه.

و ثالثة: يتردد العرف في الصدق و عدمه، و الحكم واضح مما مر فلا وجه للإعادة.

فإن كل ذلك تصرف يحتاج إلى الإذن و مع عدمه يحرم و لا يجوز بل يكون خيانة.

فإنه يجوز بل يجب حينئذ مقدمة للحفظ الواجب كما مر.

لأن المتشرعة يرون ذلك منافيا للأمانة بل يعدونه من الخيانة.

أما صدق التعدي فلفرض انه تصرف فيه بما لم يأذن به المالك و هو الطرح في مكان يكون معرضا للفساد و أما صدق التفريط فلفرض أنه أهمل في عدم أخذه من ذلك المكان الذي يكون معرضا له فيكون تعديا باعتبار أصل حدوث هذا العمل و تفريطا باعتبار البقاء، و يمكن انطباق التعدي و التفريط باعتبار أصل الحدوث أيضا، لأن التعدي و التفريط من الأمور الإضافية فيصح أن يكون شي‏ء واحد تعديا من حيث عدم الإذن فيه و تفريطا من حيث انطباق عنوان الإهمال و المسامحة في الحفظ عليه عرفا و بعد تحقق الضمان بتحقق صرف الوجود من كل منهما لا ثمرة عملية بل و لا علمية للبحث عن اجتماعهما أو افتراقهما.

لأن كسر الختم و حل الخيط فعل غير مأذون فيه فيكون تعديا و من حيث انه نحو إهمال و مسامحة في حفظ الوديعة يكون تفريطا و لا ريب في كونه مستنكرا عند المتشرعة و يلام المستودع عليه و يتأمل الناس في إيداع الوديعة لديه بعد اطلاعهم على صدور هذا العمل منه فينطبق عليه عنوان الخيانة لديهم، مع أن صدق التعدي و التفريط يستلزم صدق الخيانة أيضا.

كل ذلك لعدم الإذن من المالك في الخلط فيكون تعديا لا محالة بل يكون تفريطا أيضا لصدق الإهمال في حفظ الوديعة عرفا لأن المتشرعة و المهتمين بحفظ الودائع يعدون ذلك إهمالا في حفظ الوديعة عرفا و عدم مبالاة بها.

من أنه تصرف غير مأذون فيه بالخصوص من المالك فيكون تعديا، و من احتمال ان عدم الختم و الشد قرينة عرفية على الإذن في مثل هذا التصرف فلا يكون تعديا و يمكن الاختلاف باختلاف الأشخاص و الجهات و سائر القرائن.

(مسألة ۲۲): معنى كونها مضمونة بالتفريط و التعدي كون ضمانها عليه و لو لم يكن تلفها مستند إلى تفريطه و تعديه و بعبارة أخرى تتبدل يده الأمانية غير الضمانية إلى الخيانية الضمانية (۱۲۸).

للإجماع و النص كما تقدم في مكاتبة محمد بن الحسن إلى أبي‏ محمد عليه السّلام‏۳٦، و تدل عليه قاعدة اليد بعد سقوط اليد عن الأمانية و انقلابها إلى الخيانة.

(مسألة ۲۳): لو نوى التصرف في الوديعة و لم يتصرف فيها لم يضمن بمجرد النية (۱۲۹). نعم، لو نوى الغصبية بأن قصد الاستيلاء عليها و التغلب على مالكها كسائر الغاصبين ضمنها لصيرورة يده يد عدوان بعد ما كانت يد استيمان (۱۳0) و لو رجع عن قصده لم يزل الضمان (۱۳۱) و مثله ما إذا جحد الوديعة أو طلبت منه فامتنع من الرد مع التمكن عقلا و شرعا فإنه يضمنها بمجرد ذلك (۱۳۲) و لم يبرأ من الضمان لو عدل عن جحوده أو امتناعه (۱۳۳).

للأصل بعد عدم صدور فعل منه يشعر بالخيانة و العدوان فلا يزول قبضه عن كونه قبضا عن المالك بمجرد صدور هذه النية منه.

نعم، لا ريب في كونه نحو تجري و موجبا لملامة الملاك بل المتشرعة لو أطلعوا عليه.

كما يشهد به الوجدان و اعترف به جمع من الأعيان منهم العلامة و المحقق الثاني و صاحب الجواهر.

لزوال الأمانة بتحقق الخيانة و حصول الاستيمان ثانيا يحتاج إلى حصول إذن جديد من المالك و هو مفقود فتجري أصالة بقاء الضمان حينئذ.

لانقلاب يد الأمانة إلى الخيانة و تحقق العدوان بالوجدان.

لثبوت خيانته حينئذ و لا وجه لعدم الضمان مع تحقق العدوان.

(مسألة ۲٤): لو كانت الوديعة في كيس مختوم مثلا ففتحها و أخذ بعضها ضمن الجميع (۱۳٤) بل المتجه الضمان بمجرد الفتح كما سبق (۱۳٥) و أما لو لم تكن مودعة في حرز أو كانت في حرز من المستودع فأخذ بعضها فإن كان من قصده الاقتصار عليه فالظاهر قصر الضمان على المأخوذ دون ما بقي (۱۳٦) و أما لو كان من قصده عدم الاقتصار بل أخذ التمام شيئا فشيئا فلا يبعد أن يكون ضامنا للجميع (۱۳۷).

لصدق الخيانة في الوديعة فينقلب الاستيمان إلى الخيانة و العدوان.

تقدم في (مسألة ۲۱) و تقدم وجهه هناك.

لصدق الخيانة بالنسبة إلى المأخوذ و أصالة بقاء الأمانة بالنسبة إلى البقية بعد عدم وقوع خيانة منه في حرز المودع و عدم كون الوديعة ملحوظة من حيث المجموع عرفا خصوصا مع بنائه على إبقاء الأمانة في البقية.

لأنه بقصده التعدي في الجميع ثبتت الخيانة منه بالنسبة إلى الجميع فانقلبت الأمانة إلى الخيانة حينئذ و لا يلحظ أخذه متدرجا بعد ذلك لأنه متفرع على خيانته الأولية المتحققة بالنسبة إلى قصد أخذ الجميع.

و منه يظهر انه ينبغي الجزم بالضمان بالنسبة إلى الجميع.

نعم، لو لم يقصد أخذ الجميع أولا و كان بانيا على إبقاء الامانة لكنه حصل له قصد مستقل عند أخذ البعض مقتصرا عليه حين الأخذ ثمَّ بدئ له ان يأخذ البعض الآخر و هكذا حتى أتم الجميع يكون ضامنا للجميع لفرض وقوع الخيانة بالنسبة إلى التمام متدرجا فالأقسام ثلاثة:

الأول‏: أخذ البعض مقتصرا عليه فقط مع البناء على إبقاء الأمانة في البقية أو الغفلة عن ذلك.

الثاني‏: البناء على المجموع لكن أخذ البعض و اقتصر عليه فقط.

الثالث‏: أخذ الكل متدرجا مع البناء في كل مرة على الاقتصار على خصوص ما أخذ فقط و حكم الكل واضح.

و أما خبر الخثعمي عن الصادق عليه السّلام: «قلت له: الرجل يكون عنده المال وديعة يأخذ منه بغير إذن؟ فقال عليه السّلام: لا يأخذ إلا ان يكون له وفاء قلت: أرأيت إن وجد من يضمنه و لم يكن له وفاء و أشهد على نفسه الذي يضمنه يأخذ منه؟

قال عليه السّلام: نعم»۳۷، و خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: «سألته عن رجل كانت عنده وديعة لرجل فاحتاج إليها هل يصلح له أن يأخذ منها و هو مجمع أن يردها بغير إذن صاحبها؟ فقال عليه السّلام: إذا كان عنده وفاء فلا بأس أن يأخذ و يرده»۳۸، فمخالفان لأصول المذهب و لا عامل بهما كما في الجواهر غيره من الكتب الفقهية.

(مسألة ۲٥): لو سلمها الى زوجته أو ولده أو خادمه ليحرزوها ضمن (۱۳۸) إلا أن يكونوا كالآلة لكون ذلك بمحضره و باطلاعه و مشاهدته (۱۳۹).

لأن الإذن من المودع كان مختصا بخصوص المستودع.

نعم، لو كان إذنه عاما بحيث شملهم أيضا فلا ضمان لفرض التعميم في الإذن من المودع مثلا.

لأن حفظهم حفظ نفسه حينئذ لفرض كونهم من مجرد الآلة كما لو كان الحفظ بحراسة حيوان.

(مسألة ۲٦): إذا فرط في الوديعة ثمَّ رجع عن تفريطه بأن جعلها في الحرز المضبوط و قام بما يوجب حفظها أو تعدى ثمَّ رجع كما إذا لبس الثوب ثمَّ نزعه لم يبرأ من الضمان (۱40). نعم، لو جدد المالك له الاستيمان ارتفع الضمان (۱٤۱) فهو مثل ما إذا كان مال بيد الغاصب فجعله بيده أمانة فإن الظاهر انه بذلك يرتفع الضمان من جهة تبدل عنوان يده من العدوان إلى الاستيمان و لو أبرأه من الضمان ففي سقوطه بذلك قولان (۱٤۲). نعم، لو تلفت العين في يده و اشتغلت ذمته بعوضها لا إشكال في صحة الإبراء و سقوط الحق به (۱٤۳).

لانقلاب يده من الأمانة إلى الخيانة و سقوط إذن المالك بذلك فتتمحض يده في العدوان و لا ريب حينئذ في تحقق الضمان و العصيان حدوثا و بقاء.

لفرض حصول إذن جديد من المالك فلا يبقى موضوع معه‏  للضمان.

هذا إذا أخذ المالك الوديعة عنه ثمَّ أعطاه بعنوان الوديعة الثانية المستقلة لا ريب و لا إشكال فيه.

و أما لو كان المال في يد المستودع و جدد مجرد الإذن فقد يقال ببقاء الضمان للأصل.

و فيه: ان المتشرعة يحكمون بتبدل الموضوع حينئذ فكيف يجري معه الأصل، مع انه قد صار يده بعد الإذن كيد المالك فلا يتصور موضوع للضمان مع ذلك.

معروفان مبنيان على ان مورد الإبراء و الإسقاط لا بد و ان يكون اشتغالا ذميا متحققا و ثابتا فلا موضوع له في المقام لعدم ثبوت اشتغال الذمة إلا بعد التلف و المفروض عدم التلف بعد، أو يكفي فيه مجرد المنشئية الاقتضائية لاشتغال الذمة و لو لم يكن فعليا فيصح حينئذ لتحقق المنشئية و الاقتضاء و التأهل، و الظاهر ان مراتب الاقتضاء و المنشئية مختلفة فمع صدق الإبراء و الاسقاط عرفا يصح، و مع عدم الصدق أو الشك فيه فمقتضى الأصل البقاء و لعله بذلك يمكن الجمع بين الكلمات فراجع.

لتحقق اشتغال الذمة فعلا فيكون المقتضي للإبراء و الإسقاط موجودا و المانع عنه مفقود فيصح الإبراء و الإسقاط فلا إشكال فيه من أحد حينئذ.

(مسألة ۲۷): لو أنكر الوديعة أو اعترف بها و ادعى التلف أو الرد و لا بينة فالقول قوله بيمينه (۱٤٤). و كذلك لو تسالما على التلف و لكن ادعى‏ عليه المودع التفريط أو التعدي (۱٤٥).

أما قبول قوله فلظهور الإجماع، و لأنه أمين و محسن فيشمله إطلاق مرسل المقنع المنجبر، قال: «سئل الصادق عليه السّلام عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال عليه السّلام: نعم و لا يمين عليه»۳۹، و قوله عليه السّلام في موثق ابن صدقة:

«ليس لك ان تأتمن من خانك، و لا تتهم من ائتمنت»40، و قول أبي جعفر عليه السّلام:

«لم يخنك الأمين و لكن ائتمنت الخائن»، الذي يستفاد منه حكمان:

الأول‏: عدم المبادرة إلى اتهام الأمين ما لم تثبت خيانته بحجة معتبرة.

الثاني‏: عدم استيمان الخائن فإن الملامة تتوجه إلى المالك دون الخائن الذي يكون ملاما و منفورا على كل حال.

و أما اعتبار عدم البينة للمالك في قبول قول المستودع فهو واضح لا ريب فيه لأنها حجة معتبرة على صدق الدعوى و مع وجود الحجة المعتبرة على صدق المدعى لا موضوع لقبول قول المنكر، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر».

و أما لزوم اليمين عليه فمقتضى كونه أمينا و محسنا، و في مصلحة المالك عدم الاحتياج في قبول قوله إليها كما في جميع موارد الاستيمانات من المضاربة و غيرها، و في الفقيه: «قضى مشايخنا (رضي اللّه عنهم) على أن قول المودع مقبول فإنه مؤتمن و لا يمين عليه» هذا بالنسبة إلى أصل قبول قوله مع صرف النظر عن قطع المنازعة بينهما.

و أما بملاحظة رفع الخصومة و المنازعة فلا بد من أحدهما، لانحصار رفعها بالبينة أو اليمين و مع عدم الأولى- كما هو المفروض- يتعين الثاني.

و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال بعدم اعتبار اليمين أي:

في أصل قبول قوله و من قال بالاعتبار أي: في رفع الخصومة و المنازعة.

لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

(مسألة ۲۸): لو دفعها إلى غير المالك و ادعى الإذن من المالك فأنكر المالك و لا بينة فالقول قول المالك (۱٤٦) و أما لو صدّقه على الإذن، لكن أنكر التسليم إلى من اذن له فهو كدعواه الرد إلى المالك مع إنكاره في القول فالقول قوله (۱٤۷).

لأصالة عدم الإذن و حيث لا بينة في البين فلا بد من يمينه لقطع الخصومة و المنازعة.

لثبوت وكالته عند المالك حينئذ فتكون دعوى الرد إليه كدعوى الرد إلى الموكل في أنه يقدم قول المستودع حينئذ لأنه أمين و محسن و ليس للمالك أن يتهمه كما مر.

(مسألة ۲۹): إذا أنكر الوديعة فلما أقام المالك البينة عليها صدقها، لكن ادعى كونها تالفة قبل ان ينكر الوديعة لا تسمع دعواه (۱٤۸) فلا يقبل منه اليمين و لا البينة (۱٤۹) على إشكال (۱٥0)، و أما لو ادعى تلفها بعد ذلك‏ فلا إشكال في انه تسمع دعواه (۱٥۱)، لكن يحتاج إلى البينة (۱٥۲).

لأن دعواه التلف كالإقرار بأصل الوديعة، و هو ينافي إنكاره الأول فيصير إقراره لغوا و باطلا بإنكاره الأول.

لأن قبولها متفرع على سماع الدعوى و مع عدم السماع لا موضوع لها ثمَّ انه مع عدم السماع فالظاهر كشف إنكاره عن الخيانة عرفا فيزول الاستيمان و يتحقق الضمان لو تلف.

الأقوال في المسألة أربعة:

الأول‏: القبول لأنه دعوى صدر من الكامل فيشمله إطلاق الأدلة و لعموم‏ «البينة على المدعى و اليمين على من أنكر»، الشامل للمقام أيضا.

الثاني‏: عدم القبول لأن كلامه متناقض و لا وجه لسماع الكلام المتناقض من حيث الإنكار و دعوى التلف قبله المنافي لإنكار أصل الوديعة عرفا، و لأنه بإنكاره الأول أوجد سبب الضمان، و هذا رجوع منه فلا يقبل.

الثالث‏: يجوز له إحلاف المالك فقط لا أن يتوجه على نفسه يمين أو بينة.

الرابع‏: التفصيل بين ما إذا أظهر لإنكاره سببا ظاهرا فيقبل و بين عدمه فلا يقبل، و ليس في المسألة دليل خاص من إجماع أو غيره يعتمد عليه، و انما هي اجتهادية محضة و النزاع صغروي بينهم.

و الحق انه إن أمكن الجمع بين كلاميه بحسب القرائن المعتبرة الحالية أو المقالية عند العرف و أبناء المحاورة بحيث لم يرجع إلى التناقض و التهافت و لم يرجع إلى الإنكار بعد الإقرار بسبب الضمان فلا بأس بسماع دعواه لوجود المقتضى، و هو كماله و ظهور قوله و فقد المانع كما هو المفروض فيشمله اعتبار الظواهر في المحاورات و إن لم يكن كذلك فلا موضوع للسماع حينئذ و ذلك مما يختلف باختلاف الأشخاص و الخصوصيات و الجهات و لا تضبطها ضابطة كلية، و لعل القول الرابع المنسوب إلى الشهيدين يرجع إلى هذا أيضا و ان كانت عباراتهما غير وافية بهذه التفصيل.

لوجود المقتضى للسماع و هو صدور الدعوى من الكامل و فقد المانع و هو عدم لزوم التناقض و التهافت في الكلام لبطلان إنكاره بتصديقه للمالك ثمَّ ادعى التلف بعد التصديق بالوديعة فلا تناقض و لا تنافي في البين.

لعموم: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر» الشامل للمقام بلا محذور فيه و أصالة عدم حجية الدعوى و عدم قطع الخصومة إلا بحجة معتبرة.

(مسألة ۳۰): إذا أقر بالوديعة ثمَّ مات فإن عينها في عين شخصية معينة موجودة حال موته أخرجت من التركة (۱٥۳) و كذا إذا عينها في ضمن مصاديق من جنس واحد موجودة حال الموت كما إذا قال احدى هذه الشياه وديعة عندي من فلان، و لم يعينها فعلى الورثة إذا احتملوا صدق المورّث (۱٥٤) و لم يميزوا الوديعة عن غيرها أن يعاملوا معها معاملة ما إذا علموا إجمالا بأن إحدى هذه الشياه لفلان، و إذا عين الوديعة و لم يعين المالك كان من مجهول المالك (۱٥٥) و قد مر حكم الصورتين في كتاب الخمس (۱٥٦) و هل يعتبر قول المودع و يجب تصديقه لو عينها في معين و احتمل صدقه وجهان (۱٥۷). و إذا لم يعينها بأحد الوجهين لا اعتبار بقوله إذا لم يعلم الورثة بوجود الوديعة في تركته حتى إذا ذكر الجنس و لم يوجد من ذلك الجنس في تركته (۱٥۸) إلا واحد (۱٥۹) إلا إذا علم ان مراده ذلك الواحد (۱٦0).

لكونه عين مال الغير باعتراف المورّث فليس للورثة فيه حق و نصيب فلا بد و ان يرد إلى أهله.

لأنه مع هذا الاحتمال تجري أصالة عدم انتقال المال إليهم و لا يجوز التمسك بعموم أدلة الإرث لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك و هو لا يصح فيجب عليهم العمل بالوظيفة الشرعية و تقدم تفصيلها في كتاب الخمس، و أما إذا علموا بكذب المورث فلا شي‏ء عليه.

لأنه عبارة عن المال المعلوم الذي لا يعلم مالكه و لا ريب في انطباقه على المقام.

تقدم فيه ما يتعلق بتفصيل الأقسام الأربعة المتصورة في نظير المقام فراجع القسم الخامس مما يجب فيه الخمس، و هو: المال الحلال المخلوط بالحرام‏44.

من انه لا يعرف إلا من قبله فيقبل قوله فيه مع عدم المعارض، و يشهد له إطلاق خبر هشام بن سالم، قال: «سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السّلام و أنا جالس، فقال: انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بأجر ففقدناه و بقي له من اجره؟ شي‏ء و لا نعرف له وارثا؟ قال عليه السّلام: اطلبه، قال: قد طلبناه و لم نجده، فقال عليه السّلام: مساكين و حرّك يده، قال: فأعاد عليه. قال: أطلب و اجهد فإن قدرت عليه و إلّا فهو كسبيل مالك حتى يجي‏ء له طالب فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه»، و غيره من الاخبار كما سيأتي في باب اللقطة إن شاء اللّه تعالى.

و من ان ما لا يعرف إلا من قبل القائل يقبل قوله فيه ليست قاعدة معتبرة و لم يدل عليه دليل بالخصوص في مقابل أصالة عدم الحجية و عدم وجوب ترتيب الأثر و الخبر ورد في غير المقام فلا يجب التصديق إلا مع حصول الاطمئنان العادي من قوله.

لأصالة البراءة عن وجوب شي‏ء عليهم بعد عدم حجية اعتراف المورّث لفرض إجماله.

نعم، يكلفه بالبيان و التفسير لو أمكن ذلك.

لأن ذكر الجنس أعم من كون ذلك الواحد الذي عنده هو عين ذلك الجنس و عين الوديعة كما هو واضح مثل إذا قال: «عندي ثوب وديعة» و لم يكن عنده إلا ثوب واحد فيحكم بظاهر اليد كونه له بعد عدم ثبوت كونه وديعة بطريق معتبر.

لثبوت الوديعة و تعيّنها في الخارج بالعلم، و كذا لو ثبت تعينها بالبينة أو بقرائن معتبرة أخرى.

  1. سورة النساء: ٥۸.
  2. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة.
  3. تقدم في ج: ۱٥ صفحة: ۲٥۲- ۲٥۳- و سيأتي في ص: ۲٦٦.
  4. سورة التوبة: ۹۱.
  5. سورة النساء: ٥۸.
  6. سورة التوبة: ۹۱.
  7. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب فعل المعروف: ۲.
  8. الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة: ۱.
  9. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الأيمان: ۱۲.
  10. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الأيمان: ۱۸.
  11. الوسائل باب: 4۱ من أبواب الأيمان: ۱٦.
  12. راجع الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الأيمان حديث: ۱٦.
  13. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة ٥.
  14. النهاية لابن الأثير ج: ۱ مادة:( حرر).
  15. البحار ج ۲ باب: ۲۳ من كتاب العلم حديث: ۷ ط: طهران.
  16. سورة النساء: ٥۸.
  17. الوسائل باب: ۱ من أبواب الوديعة: ٦.
  18. الوسائل باب: ۱ من أبواب الوديعة: ۱.
  19. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة: ۲.
  20. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة: ۲.
  21. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة: ۱.
  22. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة: ۳.
  23. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة: 4.
  24. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة: ٥.
  25. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة: ۱4.
  26. سورة النساء: ٥۸.
  27. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوديعة: 4.
  28. الوسائل باب: ۲ من أبواب ما يجب فيه الخمس: ٦.
  29. سورة النساء: ٥۸.
  30. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب الوديعة: ۱۲.
  31. الوسائل باب: ۱۸ من أبواب اللقطة: ۱.
  32. النهاية لابن الأثير ج: 4 صفحة: ۹۸ مادة( قلت) و القلت: الهلاك.
  33. الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة: ۱.
  34. الوسائل باب: ۹ من أبواب الوديعة: ۱.
  35. الوسائل باب: ٥ من أبواب الوديعة: حديث: ٥.
  36. تقدم في صفحة: ۲۸4.
  37. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام الوديعة.
  38. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام الوديعة.
  39. الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة: ۷.
  40. الوسائل باب: 4 من أبواب الوديعة: ۹.
  41. الوسائل باب: ۹ من أبواب الوديعة: 4.
  42. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب كيفية الحكم: ۳.
  43. تقدم في صفحة: ۲۹۲.
  44. راجع ج ۱۱ صفحة: 40۸- 4۲۲.
  45. الوسائل باب: ٦ من أبواب ميراث الخنثى: ۱.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"