1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب المواريث‏
  10. /
  11. الفصل الثامن في ميراث الخنثى‏
(مسألة ۱): لو كان بعض الورّاث- أو كلهم- خنثى بأن كان له آلة الرجال و فرج النساء فإن أمكن تعيين كونه رجلا أو امرأة (۱)، فهو غير مشكل و يعمل على طبق ذلك (۲)، و إلا فهو مشكل كما يأتي.

سواء كان التعيين بالأمارات المنصوصة- كما تأتي- أم بالآلات الحديثة التي تعين الذكورية و الأنوثية، أو بالآثار الخارجية التي توجب الاطمئنان كالحمل و الحيض و الثدي و الجماع و اللحية و غيرها.

و الخنثى في الواقع إما ذكر أو أنثى، و لا طبيعة ثالثة في الحيوانات فضلا عن الإنسان، كما ذكر في الكتاب، و السنة الشريفة۱، قال تعالى‏ وَ أَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏۲، و قد اثبت العلم الحديث ذلك أيضا.

لوجود المقتضي و فقد المانع، فيرث حسب التعيين، و يأخذ إرث من يلحق به.

(مسألة ۲): الأمارات المنصوصة في الشرع أمور:
الأولى: سبق البول من أحد الفرجين فإن سبق البول و ابتدأ من فرج الرجال يرث ميراث الذكر و إن سبقه البول من فرج النساء يرث ميراث الأنثى (۳).

إجماعا، و نصوصا، فعن الصادق عليه السلام في صحيح هشام بن سالم: «المولود، يولد له ما للرجال، و له ما للنساء، قال عليه السلام: يورث من حيث سبق بوله، فإن خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث، فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال و ميراث النساء»۳، و في معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: «ان عليا عليه السلام كان يقول الخنثى يورث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث منه، فإن مات و لم يبل فنصف عقل المرأة، و نصف عقل الرجل»4، و المراد من العقل الميراث. و عن الصادق عليه السلام: «في المولود له ما للرجال، و له ما للنساء، يبول منهما جميعا قال: من أيهما سبق، قيل: فإن خرج منهما جميعا، قال: فمن أيهما استدر، قيل فان استدرا جميعا قال: فمن أبعدهما»٥ إلى غير ذلك من الروايات. و هذه العلامة فيما إذا كان يبول من آلة الرجال و فرج النساء، فحينئذ يكون المدار على الأسبقية كما عرفت، و إلا فإن كان يبول من أحدهما خاصة فالمدار عليه، كما يأتي.

(مسألة ۳): المدار في سبق البول من أحد الفرجين الدوام أو الغالب (٤)، و إلا فيأخذ بالأمارة الأخرى (٥).

لأنهما المدار في نظر العرف، فلا عبرة بالنادر الذي هو كالمعدوم.

فرع‏: المراد من السبق الطبيعي منه. لا الاختياري، فإذا سبق البول من آلة الرجال لأجل سد الفرج اختيارا، لا عبرة بهذا السبق، لانصراف الأدلة عنه.

من الانقطاع، أو عدّ الأضلاع، أو غيرهما مما يوجب إحراز الواقع.

الثانية: أن يبول من أحد الفرجين دائما أو غالبا (٦).

لقول الصادق عليه السلام في معتبرة طلحة: «كان أمير المؤمنين- عليه السلام يورّث الخنثى من حيث يبول»٦ أي يأتي منه البول و لا يأتي من الثقب الآخر، و في رواية داود بن فرقد عن الصادق عليه السلام: «إن كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر، و إن كان يبول من القبل فله ميراث الأنثى»۷، و تقدم صحيح هشام بن سالم أيضا إلى غير ذلك من الروايات، مضافا إلى الإجماع.

الثالثة: تأخر الانقطاع من أحد الفرجين (۷)، و الأحوط التصالح فيه مع فقد سائر الأمارات (۸).

استدلوا على ذلك بأمور:

الأول‏: قوله عليه السلام في صحيح هشام بن سالم المتقدم: «فإن خرج سواء، فمن حيث ينبعث».

بدعوى‏: أن الانبعاث بمعنى الإسراع في الإرسال، يقال انبعث لشأنه إذا سار مسرعا، و مضى ذاهبا لقضاء حاجته، قال تعالى‏ وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ‏۸، أي نهوضهم و قوتهم للإسراع للخروج، و في المقام أن المنقطع أخيرا فيه انبعاث، لملازمة تأخر الانقطاع الثوران و القوة.

و فيه‏: أن المراد من الانبعاث في مثل المقام كثرة الاستدرار، و أما الانقطاع أخيرا فلا يستفاد منه، و لا أقل من الإجمال، فلا يصلح للاستناد.

الثاني‏: الإجماع كما ادّعاه جمع، كما عن الشيخ في الخلاف، و الحلي في السرائر و غيرهما.

و فيه‏: أن عهدة إثباته على مدعيه، لذهاب جمع الى عدم اعتباره.

الثالث‏: قوله عليه السلام: «فمن أبعدهما»، أي أبعدهما زمانا في الانقطاع بعد تساويهما زمانا في الابتداء.

و فيه‏: أن اللفظ مجمل، و لعل المراد أبعدهما استدرارا، أو من حيث خروج نفس البول و غيرهما.

و الحاصل‏: إن تمَّ إجماع نلتزم به، و إلا فالمدار على غيره من العلامات.

لما عرفت من ذهاب جمع إلى ذلك، و إن لم يكن لهم دليل تطمئن‏ به النفس، إلا أن الاحتياط مطلوب على كل حال.

الرابعة: عدّ الأضلاع فإن كان أضلاع جنبه الأيمن أكثر من الأيسر فهو من الرجال و يرث إرث الذكر و إن كانتا متساويتين يرث إرث الأنثى (۹)

إجماعا، و نصا، ففي معتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«ان شريحا القاضي بينهما هو في مجلس القضاء إذ أتته امرأة، فقالت: أيّها القاضي اقض بيني و بين خصمي، فقال لها و من خصمك؟ قالت: أنت، قال: افرجوا لها، فأفرجوا لها، فدخلت، فقال لها: و ما ظلامتك؟ فقالت: إن لي ما للرجال و ما للنساء قال شريح: فإنّ أمير المؤمنين- عليه السلام يقضي على المبال، قالت: فإني أبول منهما جميعا، و يسكنان معا، قال: شريح و اللّه ما سمعت بأعجب من هذا، قالت:

و أعجب من هذا، قال: و ما هو؟ قالت: جامعني زوجي فولدت منه، و جامعت جاريتي فولدت مني، فضرب شريح إحدى يديه على الأخرى متعجبا، ثمَّ جاء إلى أمير المؤمنين- عليه السلام فقصّ عليه قصة المرأة، فسألها عن ذلك، فقالت: هو كما ذكر. فقال لها: من زوجك؟ قالت: فلان، فبعث إليه فدعاه، فقال: أ تعرف هذه المرأة؟ قال: نعم، هي زوجتي، فسأله عما قالت، فقال: هو كذلك، فقال عليه السلام له:

لأنت أجرأ من راكب الأسد، حيث تقدم عليها بهذه الحال، ثمَّ قال: يا قنبر أدخلها بيتا مع امرأة تعد أضلاعها، فقال زوجها: يا أمير المؤمنين لا آمن عليها رجلا، و لا ائتمن عليها امرأة، فقال علي عليه السلام: علي بدينار الخصي، و كان من صالحي أهل الكوفة، و كان يثق به، فقال له: يا دينار أدخلها بيتا، و عرها من ثيابها، و مرها أن تشدّ مئزرا، و عدّ أضلاعها، ففعل دينار ذلك، فكان أضلاعها سبعة عشرة: تسعة في اليمين، و ثمانية في اليسار، فألبسها علي عليه السلام ثياب الرجال، و القلنسوة، و النعلين، و ألقى عليه الرداء، و ألحقه بالرجال، فقال زوجها: يا أمير المؤمنين ابنة عمي، و قد ولدت مني، تلحقها بالرجال؟ فقال: اني حكمت عليها بحكم اللّه، ان اللّه تبارك و تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى،.

و أضلاع الرجال تنقص، و أضلاع النساء تمام»۹، فيستفاد من هذه الرواية أنه لو كانت أضلاع الجانب الأيمن أكثر من الأيسر فهو رجل، و إن كانتا متساويتين فهي امرأة. و البحث في هذه الرواية من جهات:

الأولى‏: مخالفة هذه الرواية للحسّ، فقد اختبر و لم يتحقق ذلك، و أن علماء الطب و التشريح يدّعون التساوي بين الذكر و الأنثى في الأضلاع.

و نوقش فيه بأن الاستقراء التام لم يحقق. نعم، الغالب هو، فلا يمكن الاعتماد على التساوي. هذه على أن العلامة لا تكون على وجه تطمئن بها النفس، خصوصا في الجسم السمين، بل و عدم إمكان تمييز الأضلاع.

و يرد بأن الرواية صحيحة سندا، و ظاهر دلالة، فلا ينبغي التأمل في اعتبارها لو فرض تحققها خارجا.

الثانية: يستفاد منها جواز تعرّف الرجال أو النساء بعلامات الخنثى، و إن استلزم ذلك النظر إلى عورة متيقنة، و ذلك إما للاستثناء للضرورة، أو لا يكون مثله حراما، لانصراف الأدلة عن مثل المقام، أو إن الناظر في مقام تمييز الآلة الزائدة، و إن استلزم ذلك النظر إلى الآلة الأخرى، و لكنه من باب التصادف، و بلا قصد، أو يرى الشبح، كما في سؤال يحيى بن أكثم أبا الحسن الثالث عليه السلام:

«أخبرني عن الخنثى، و قول علي عليه السلام: تورث الخنثى من المبال، من ينظر إليها إذا بال؟ و شهادة الجار إلى نفسه لا تقبل، مع أنه عسى أن يكون امرأة و قد نظر إليها الرجال، أو يكون رجلا و قد نظر إليه النساء، و هذا مما لا يحلّ، فأجاب أبو الحسن الثالث عليه السلام: أما قول علي عليه السلام في الخنثى، أنه يورّث من المبال فهو كما قال، و ينظر قوم عدول، يأخذ كل واحد منهم مرآة، و تقوم الخنثى خلفهم عريانة:

فينظرون في المرايا فيرون شبحا، فيحكمون عليه»۱۰، و كيف كان، فضرورة الاستعلام تقضي جواز النظر.

الثالثة: يستفاد منها جواز الاعتماد في التشخيص على رجل واحد ثقة.

و يمكن أن يكون الرجل بلغ عنده عليه السلام مرتبة ذي الشهادتين، فلا يعلم غير المراد، فتأمل.

الرابعة: ما ورد فيها من التعليل في خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام، تقدم في التفسير ما يتعلق بذلك‏۱۱.

الخامسة: يستفاد من الرواية أن المناط كله أصل الاختلاف في أضلاع الجنسين، فلا يضر اختلاف العدد الوارد في الأخبار، ففي بعضها كان عدد الأيمن اثنى عشر و الأيسر أحد عشر۱۲، لاحتمال أن يكون في واقعتين، و اختلاف أضلاع الشخصين.

فروع: الأول‏: ما ذكر من العلامات لا تختص بالإرث، فإذا تحققت العلامة و أحرز الواقع بها، تترتب بها جميع الأحكام في العبادات كالصلاة و الحج و غيرهما، و كذا المعاملات و غيرها.

الثاني‏: لا تثبت الذكورية أو الأنوثية بما تقدم من العلامات إلا بالبينة الشرعية، لأنها الحجة الشرعية في الموضوعات الخارجية، كما مرّ مكررا، و لا يثبت بالعدل الواحد، و ما ورد في معتبرة محمد بن قيس، فهو محمول كما تقدم.

الثالث‏: هل تثبت الذكورية و الأنوثية بإقرار الخنثى نفسها؟ الظاهر عدم الثبوت، و إن كانتا خفيان لا تظهران لغير صاحبهما إلا في موارد الضرورة، و مع ذلك لا يقبل قولها هنا، لجلب النفع لنفسها، فلا تشملها قاعدة الإقرار. نعم لو لم يكن في البين نفع، أو كان الإقرار على نفسه، فتشملها القاعدة في مورده فقط، بلا مانع.

الرابع‏: إن ما ورد في الروايات المتقدمة من العلامات ليست لها موضوعية، بل هي طريق إلى إحراز واقع الأمر، فيتعدى منها إلى غيرها في كل‏ طريق أمكن إحراز واقع الأمر و يعمل به، فإن حصل الاطمئنان بالذكورية أو الأنوثية فهو، و إلا فالموضوع مشكل.

الخامس‏: لو انكشف الواقع بالعلامات المنصوصة المتقدمة، ثمَّ نسي ذلك و مات الخنثى، فهل يجري عليها حكم الخنثى المشكل، أو يعمل بالقرعة؟

الظاهر هو الثاني، لأنها لكل أمر مشتبه، و المقام كذلك، و لا تكون من المشكل لأنه انكشف فلا تشمله الروايات.

ثمَّ إن الترتيب بين العلامات المذكورة ليس حقيقيا، بمعنى كونها علامة بعد تعذر غيرها، و إنما هو ذكري على سبيل ترجيح النصوص المتعارضة، لظاهر ما تقدم من الروايات.

(مسألة ٤): لو فقدت العلائم المنصوصة فإن كانت فيه علائم خاصة بالنساء (۱۰)، تتبع و إلا فهو من المشكل (۱۱).

كالحيض و الحمل، و الثدي، و اللبن و كذا العلائم التي تخصّ الرجال كاللحية.

لعدم الامتياز بعد عدم إمكان استعلام حاله.

فرع‏: لو تمكنت الخنثى المشكل من رفع الإشكال عن نفسها بإجراء العمليات الحديثة في الطب، فهل تجب عليها؟ الظاهر الوجوب لأنها تكون مقدمة لإحراز التكاليف المترتبة عليها، بعد عسر الاحتياط المنفي في الشرع الأقدس. نعم إن لم تتمكن من إجراء العملية لعدم القدرة أو المانع، فلا شي‏ء عليها.

إن قلت‏: قد ثبت في محله أن الامتثال الإجمالي يكفي في فراغ الذمة، و أن الاحتياط في موارد العلم الإجمالي بالتكليف، حتى لو تمكن من الامتثال التفصيلي، فلا وجه للزوم علاج نفسها لتتضح حال تكاليفها، بل هي مخيّرة بين العمل بالاحتياط، و علاج نفسها.

قلت‏: المناط كله العلم التفصيلي بالفراغ، و العمل بالاحتياط من سبيل إحراز ذلك العلم، كما أن العلاج كذلك أيضا، و به لا يبقى موضوع للشك أصلا، فيمكن أن يقال إنه مقدّم من هذه الجهة على الاحتياط، و لكن البحث مع ذلك يحتاج إلى تأمل. نعم، لو لم يكن الاحتياط عسرا فللتخيير بينه و بين العلاج وجه، و لكن إثبات عدم العسر للاحتياط مشكل جدا، فتأمل.

(مسألة ٥): الخنثى المشكل (۱۲)، يرث نصف نصيب الرجال و نصف نصيب النساء أي ثلاثة الأرباع من السهمين (۱۳).

سواء لم يمكن استعلام حالها حتى ماتت، أم لم يظهر حالها من الاستعلام، و لم تكن أمارة على التعيين.

على المشهور، كما تدل عليه روايات كثيرة، منها رواية إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام: «أن عليا عليه السلام كان يقول: الخنثى يورّث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعا فمن أيهما سبق البول ورث منه، فإن مات و لم يبل فنصف عقل المرأة، و نصف عقل الرجل»۱۳، و المراد من العقل الميراث، و منها رواية هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام: «فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال و ميراث النساء»۱4، أي نصف ميراث الرجال و نصف ميراث النساء، بقرينة الرواية السابقة، و بالقطع بعدم إرادة مجموعها. و منها ما عن علي عليه السلام: «فإن لم يبل من واحد منهما حتى يموت فنصف ميراث المرأة، و نصف ميراث الرجل»۱٥، إلى غير ذلك من الروايات، و تقتضيه قاعدة العدل و الإنصاف، كما في قسمة المال المشتبه بين شخصين بالنصف.

و عن الشيخ (رحمة اللّه عليه) و غيره الرجوع إلى القرعة، و العمل بها مستدلا.

تارة: بالإجماع.

و أخرى‏: بالعمومات، و الإطلاقات الدالة على حجيتها، مثل ما ورد عنهم عليهم السلام- كما هو المشهور في الكتب الفقهية- «القرعة لكل أمر مشتبه» و ثالثة: بالمستفيضة الآمرة بالقرعة في توريث من ليس له فرج النساء و لا الرجال‏۱٦. و المناقشة في ما ذهب إليه الشيخ (رحمة اللّه عليه) واضحة، أما الإجماع:

فقد ذهب المشهور على خلافه كما عرفت، بل الشيخ بنفسه وافق المشهور في النهاية و المبسوط، فكيف يتحقق الإجماع و الحال هذه؟! و أما العمومات و الإطلاقات: فيصح التمسك بهما إن بقيت الواقعة على الشبهة، و لم يعلم الحكم، و لكن إذا اقتضت القاعدة التنصيف، و دلّت على ذلك روايات، فقد ارتفعت الشبهة و انحلت المشكلة، فلا يكون المقام موردا لجريان عمومات القرعة، و إطلاقاتها.

و أما التعدي من النصوص الواردة في فاقد الفرجين إلى واجد الفرجين فمشكل جدا، لأنهما موضوعان ورد في كل منهما حكم مخصوص، و القرعة إنما تجري ان لم يكن في البين نص، كما في فاقد الفرجين، و أما الخنثى، فقد ورد فيها النص.

و الحاصل‏: أن ما ذهب إليه المشهور تام حسب الأدلة، و معه لا يبقى مجال للقرعة. و اللّه العالم بحقيقة الحال و واقع الأحكام.

ثمَّ إنه إذا انفرد الخنثى أخذ المال كله بلا شك و ارتياب، و إن تعددت يكونون سواء في المال، و إن بلغن عشرا لتساويهن في التركة، فيقسّمن المال بالسوية، و هذا أيضا لا إشكال فيه.

و لو اجتمع مع الخنثى ذكر بيقين يكون للذكر أربعة أسهم، و للخنثى ثلاثة، فتكون القسمة من السبعة فإنها العدد المخرج للسهام، فعليها المعول، و أنها الأصل، و لو كان معهما أنثى كان لها سهمان، فيكون المخرج من‏

تسعة حينئذ.

و لو كان مع الخنثى أنثى خاصة، كان المخرج من خمسة، ثلاثة للخنثى، و سهمان للأنثى.

و أما بناء على القرعة، يقرع فان كانوا ذكورا أو إناثا فالمال سواء، و إن كان بعضهم إناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين، كما هو واضح.

و قد ذكر في المفصلات كيفية إخراج سهم الخنثى لو اجتمعت مع الأولاد و الزوج أو الزوجة أو الإخوان، و الأمر سهل بعد ما تقدم، و لا مجال الذكر التفصيل بعد ضعف الحال و تشويش البال و عليه التوكل في كل حال، و من شاء فليراجع المفصلات أو يسأل أهل الفن في الرياضيات.

(مسألة ٦): لو لم يكن لشخص آلة الرجال و لا فرج النساء و خرج بوله من محل آخر كدبره أو يتقيأ ما يأكله و يشربه يورّث بالقرعة (۱٤).

على المشهور، كما تدل عليه صحيحة الفضيل عن الصادق عليه السلام:

«عن مولود ليس له ما للرجال، و لا له ما للنساء؟ قال: يقرع عليه الإمام أو المقرع، يكتب على سهم عبد اللّه، و على سهم أمة اللّه، ثمَّ يقول الإمام أو المقرع: اللهم أنت اللّه لا إله إلا أنت، عالم الغيب و الشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بين لنا أمر هذا المولود كيف (حتى) يورّث ما فرضت له في الكتاب، ثمَّ تطرح السهمان في سهام مبهمة، ثمَّ تجال السهام، على ما خرج ورّث عليه»۱۷، و في صحيح عبد اللّه بن مسكان قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السلام- و أنا عنده- عن مولود ليس بذكر و لا بأنثى، ليس له إلا دبر، كيف يورث؟ فقال:

يجلس الإمام، و يجلس عنده أناس من المسلمين، فيدعون اللّه و يجيل السهام عليه على أي ميراث يورّثه، ثمَّ قال: و أي قضية أعدل من قضية يجال عليها بالسهام، يقول اللَّه تعالى‏ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏۱۸، إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

(مسألة ۷): لو كان لشخص رأسان على صدر واحد أو بدنان على حقو واحد يوقظ أحدهما أو يصاح به فإن انتبه أحدهما خاصة فهما اثنان يورثان ميراث الاثنين و إن انتبها معا يورث إرث الواحد (۱٥).

لقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في معتبرة حريز بن عبد اللَّه: «ولد على عهد أمير المؤمنين- عليه السلام مولود له رأسان و صدران على حقو واحد، فسئل أمير المؤمنين عليه السلام: يورث ميراث اثنين، أو واحدا؟ فقال عليه السلام: يترك حتى ينام، ثمَّ يصاح به، فإن انتبها جميعا كان له ميراث واحد، و إن انتبه واحد و بقي الآخر نائما فإنما يورث ميراث اثنين»۱۹، و لو لم يستفد من العلامة استخراج الأمر بالقرعة، لأنها لكل أمر مشكل، و المقام كذلك.

(مسألة ۸): لو كان جسدان تامان أحدهما ملصقا بالآخر من الظهر أو من وراء الرأس يورّثان ميراث الاثنين (۱٦).

لتعددهما عرفا، بل واقعا، و يترتب على كل منهما تكليفه الخاص من الحدث و الطهارة و غيرهما من أول الفقه إلى آخره.

(مسألة ۹): إذا تزوج الخنثى (۱۷). أوقف النكاح على أن يتبين فإن مات أحدهما قبل تبين أمرهما لم يتوارثا بالزوجية (۱۸).

إن قلنا بجواز نكاح الخنثى المشكل بمثلها، و هو مثلها مشكل جدا، لأصالة حرمة الوطء إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل في المقام، و لو سلم الجواز بالاشتباه و صححنا العقد بينهما فرضا، و ماتا و لم يميز الزوج من الزوجة مع ذلك، ففي الحكم بإعطاء نصف النصيبين مشكل، لأن ذلك في ما إذا كان في الواقع إرث فيعطى نصف ميراث الذكر و نصف ميراث الأنثى، و في المقام ليس‏ كذلك، إذ يحتمل أن يكونا في الواقع ذكرين أو أنثيين، فلا نكاح، و لا إرث، حتى لو صار بينهما ولد- كما مر في معتبرة قيس- فلا إرث حتى ينكشف الواقع.

للأصل، لجواز فساد النكاح بذكورتهما أو أنوثتهما. و لا تجري القرعة في المقام، لأنها لا تصحح العقد، كما هو واضح.

(مسألة ۱۰): لو وضعت المرأة ما في بطنها حيا و اشتبه هل انه ذكر أو أنثى (۱۹)، و مات قبل التعيين هل يرث ما يرثه الخنثى المشكل أو يرث بالقرعة؟ الظاهر الثاني (۲۰)، و لا يترك الاحتياط بالتصالح مع سائر الورثة (۲۱).

لظلام أو دهشة أو طواري أخرى.

من أن إرث الخنثى المشكل حسب القاعدة: «قاعدة العدل و الإنصاف» كما مرّ، فتجري في المقام، و لا خصوصية لها، و من أن القرعة لكل أمر مشكل و المقام كذلك، فتشمله عمومات أدلة و القرعة، و أن إرث الخنثى المشكل لأجل دليل خاص كما مرّ، و بالقرعة ترفع الشبهة، كما في الروايات‏۲۰، فيتعين العمل بها.

لما عرفت من احتمال جريان حكم الخنثى المشكل، و أنه حسن على كل حال.

(مسألة ۱۱): تجري القرعة في الموضوعات المشتبهة إن لم يكن رفع الاشتباه بأصول أخرى. (۲۲)، و إنها قد تصيب و قد تخطئ (۲۳).

لاختصاص جريانها بالشبهات الموضوعية، التي ينحصر رفع‏ الشبهة فيها بخصوص القرعة فقط، لأن موضوعها التحير المطلق من كل جهة، كما هو المتفاهم من قوله عليه السلام: «كل شي‏ء مجهول ففيه القرعة»۲۱، و أنه المتيقن من الأدلة اللبية، فلا تعارض أصلا بينهما و بين الأصول الأخرى، حتى البراءة و قاعدتي الحلية و الطهارة و غيرهما، فضلا عن تقدمها عليهن. إذا لا تجري القرعة في موارد جريان الأصول و غيرها، كما أنها لا تجري في الشبهات الحكمية، لاختصاص أدلتها بالشبهات الموضوعية.

لأنها تثبت الحكم الظاهري في مورد الشبهة دون الواقعي، لما ثبت في محله من أنه لا يعقل التردد و الجهل في الواقع، لأن الوجود مساوق للتشخص و مناف للتردد، فقد تصيب القرعة الواقع و قد لا تصيب.

و ما ورد في بعض الروايات من الأصالة كقوله عليه السلام: «و أي قضية أعدل من قضية يجال عليها بالسهام»۲۲، و قول علي عليه السلام: «ما من قوم فوّضوا أمرهم إلى اللَّه عزّ و جلّ، و ألقوا سهامهم إلا خرج السهم الأصوب»۲۳، و غيرهما من الروايات لا بد و أن يحمل على حكمة الجعل، لا أصابة المجعول.

(مسألة ۱۲): لو انكشف الواقع بعد القرعة يعمل به (۲٤).

لما تقدم من أنها لا تكون حجة في مقابل الواقع، فلو انكشف الواقع فالمدار عليه، لأنه الحجة علينا.

(مسألة ۱۳): إجراء القرعة في الموضوعات التي يترتب عليها الحكم الشرعي لا بد و أن يكون بنظر الحاكم الشرعي (۲٥).

لأن ذلك من مقدمات الحكم و الذريعة لرفع الخصومات شرعا، و كل منهما من شؤون الحاكم الشرعي، فلا بد و أن يكون تحت إشرافه، مضافا إلى قوله عليه السلام: «يقرع عليه الإمام»۲4، أو قوله عليه السلام: «يجلس الإمام و يجلس عنده ناس من المسلمين فيدعوا اللَّه، يجال بالسهام عليه»۲٥، نعم، لو لم يكن كذلك كما في إخراج الغنم الموطوءة المشتبهة، فلا يحب أن تكون بنظره و تحت إشرافه.

(مسألة ۱٤): في الموارد التي تجري القرعة لا تجري غيرها فلا تجري في موارد جريان الأصول العملية و القواعد (۲٦).

لما تقدم في (مسألة ۱۱) من أن موضوعها التحير من كل حيثية، فإذا ارتفع التحير بغيرها لا موضوع لجريانها، فلو كان الاحتياط ميسورا، و لم يوجب العسر و الحرج، و به يحرز الواقع، لا تجري القرعة، نعم لو كان الاحتياط حرجا، أو ليس ممكنا، فتجري القرعة حينئذ، و كذا لو كان الاحتياط حراما.

و الحاصل‏: أنها شرعت لحلّ المشكلة و رفع المعضلة، فإذا ارتفعت المشكلة و المعضلة بغيرها، لا مورد لجريانها، لارتفاع الموضوع.

(مسألة ۱٥): لا فرق في الشبهة التي تجري فيها القرعة أن تكون بالاختيار أو بغيره (۲۷)، كما لا فرق في مورد جريانها بين كونه من حقوق الناس أو حقوق اللَّه تعالى (۲۸).

لإطلاق ما تقدم من أنها لكل أمر مجهول.

للإطلاق، و قد ورد استخراج البهيمة المنكوحة بالقرعة۲٦.

(مسألة ۱٦): كيفية القرعة في المقام أن يكتب على ورق أو سهم (عبد اللَّه) و على ورق آخر أو سهم آخر (امة اللَّه) ثمَّ يقول الإمام: «اللهم أنت اللَّه لا إله إلا أنت عالم الغيب و الشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون بيّن لنا هذا المولود حتى يورّث ما فرضت له في الكتاب» ثمَّ يطرح السهمان أو الورقان في سهام أو أوراق مبهمة و تشوش الأوراق أو السهام ثمَّ يجال الورق أو السهم على ما خرج و يورّث (۲۹)، و إن الدعاء مستحب (۳۰).

كما في صحيحة الفضيل المتقدمة، و قد ورد في استخراج البهيمة الموطوءة المشتبهة، أنه يقسّم الغنم نصفين و ساهم بينهما، فإذا وقع على أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، ثمَّ يفرق النصف الآخر، فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان فيقرع بينهما، فأيهما وقع السهم بها ذبحت و أحرقت و نجا سائر الغنم، و هذه الكيفية لا تختص بالغنم، بل تجري في غيره أيضا.

لأنه المنساق من الرواية المتقدمة، و ما ذهب بعض إلى الوجوب يرده الأصل، و يكفي مطلق الدعاء لقوله عليه السلام: «فيدعو اللَّه»۲۷، و الأفضل الدعاء بالمأثور.

ثمَّ إن قاعدة القرعة- كقاعدة الميسور و قاعدة العدل و الإنصاف- يتوقف جريانها في كل مورد على عمل الأصحاب، فهي جزء الدليل لا تمامه، إذ لا اعتبار بها إلا بضميمة عملهم، كما هو بناؤهم. فتأمل.

(مسألة ۱۷): لو كان موضوع في نظر الحاكم الشرعي من المشتبه، و في نظر حاكم آخر ليس كذلك فالمناط نظر الحاكم الذي ألقيت الدعوى لديه (۳۱).

لأن المدار على نظره، و لا بد و أن تتحقق موازين القضاء عنده، فإذا كانت الشبهة ثابتة عنده تجري القرعة إن لم يكن رفع الشبهة بسائر الأصول، و القواعد، أو القرائن المعتبرة. هذا بعض الفروع في قاعدة القرعة، و التفصيل يطلب من محله.

  1. راجع البحار ج: ٦۰ صفحة ۳۳٥ و ۳۳۷ و ۳4۰ و ۳4۱.
  2. سورة النجم الآية: ٥۳.
  3. الوسائل: باب ۲ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۱.
  4. الوسائل: باب ۲ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۲.
  5. الوسائل باب: ۱ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: 4.
  6. الوسائل: باب ۱ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۲.
  7. الوسائل: باب ۱ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۱.
  8. سورة التوبة الآية: 4٦.
  9. الوسائل: باب ۲ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ٥.
  10. الوسائل: باب ۳ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۱.
  11. راجع مواهب الرحمن ج: ۱ صفحة ۱۷٥ الطبعة الثالثة.
  12. الوسائل: باب ۲ من أبواب ميراث الخنثى.
  13. الوسائل: باب ۲ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۲.
  14. الوسائل: باب ۲ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۱.
  15. الوسائل: باب ۲ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ٦.
  16. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الخنثى.
  17. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۲.
  18. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الخنثى الحديث: 4.
  19. الوسائل: باب ٥ من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۱.
  20. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الخنثى.
  21. الوسائل: باب ۱۳ من أبواب كيفية الحكم و احكام الدعوى الحديث: ۱۱.
  22. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الخنثى الحديث: 4.
  23. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الغرقى الحديث: 4.
  24. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الخنثى.
  25. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الخنثى.
  26. الوسائل: باب ۳۰ من أبواب الأطعمة المحرمة.
  27. الوسائل: باب 4 من أبواب ميراث الخنثى الحديث: ۳.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"