إجماعا، و نصا، ففي معتبرة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال:
«ان شريحا القاضي بينهما هو في مجلس القضاء إذ أتته امرأة، فقالت: أيّها القاضي اقض بيني و بين خصمي، فقال لها و من خصمك؟ قالت: أنت، قال: افرجوا لها، فأفرجوا لها، فدخلت، فقال لها: و ما ظلامتك؟ فقالت: إن لي ما للرجال و ما للنساء قال شريح: فإنّ أمير المؤمنين- عليه السلام يقضي على المبال، قالت: فإني أبول منهما جميعا، و يسكنان معا، قال: شريح و اللّه ما سمعت بأعجب من هذا، قالت:
و أعجب من هذا، قال: و ما هو؟ قالت: جامعني زوجي فولدت منه، و جامعت جاريتي فولدت مني، فضرب شريح إحدى يديه على الأخرى متعجبا، ثمَّ جاء إلى أمير المؤمنين- عليه السلام فقصّ عليه قصة المرأة، فسألها عن ذلك، فقالت: هو كما ذكر. فقال لها: من زوجك؟ قالت: فلان، فبعث إليه فدعاه، فقال: أ تعرف هذه المرأة؟ قال: نعم، هي زوجتي، فسأله عما قالت، فقال: هو كذلك، فقال عليه السلام له:
لأنت أجرأ من راكب الأسد، حيث تقدم عليها بهذه الحال، ثمَّ قال: يا قنبر أدخلها بيتا مع امرأة تعد أضلاعها، فقال زوجها: يا أمير المؤمنين لا آمن عليها رجلا، و لا ائتمن عليها امرأة، فقال علي عليه السلام: علي بدينار الخصي، و كان من صالحي أهل الكوفة، و كان يثق به، فقال له: يا دينار أدخلها بيتا، و عرها من ثيابها، و مرها أن تشدّ مئزرا، و عدّ أضلاعها، ففعل دينار ذلك، فكان أضلاعها سبعة عشرة: تسعة في اليمين، و ثمانية في اليسار، فألبسها علي عليه السلام ثياب الرجال، و القلنسوة، و النعلين، و ألقى عليه الرداء، و ألحقه بالرجال، فقال زوجها: يا أمير المؤمنين ابنة عمي، و قد ولدت مني، تلحقها بالرجال؟ فقال: اني حكمت عليها بحكم اللّه، ان اللّه تبارك و تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر الأقصى،.
و أضلاع الرجال تنقص، و أضلاع النساء تمام»۹، فيستفاد من هذه الرواية أنه لو كانت أضلاع الجانب الأيمن أكثر من الأيسر فهو رجل، و إن كانتا متساويتين فهي امرأة. و البحث في هذه الرواية من جهات:
الأولى: مخالفة هذه الرواية للحسّ، فقد اختبر و لم يتحقق ذلك، و أن علماء الطب و التشريح يدّعون التساوي بين الذكر و الأنثى في الأضلاع.
و نوقش فيه بأن الاستقراء التام لم يحقق. نعم، الغالب هو، فلا يمكن الاعتماد على التساوي. هذه على أن العلامة لا تكون على وجه تطمئن بها النفس، خصوصا في الجسم السمين، بل و عدم إمكان تمييز الأضلاع.
و يرد بأن الرواية صحيحة سندا، و ظاهر دلالة، فلا ينبغي التأمل في اعتبارها لو فرض تحققها خارجا.
الثانية: يستفاد منها جواز تعرّف الرجال أو النساء بعلامات الخنثى، و إن استلزم ذلك النظر إلى عورة متيقنة، و ذلك إما للاستثناء للضرورة، أو لا يكون مثله حراما، لانصراف الأدلة عن مثل المقام، أو إن الناظر في مقام تمييز الآلة الزائدة، و إن استلزم ذلك النظر إلى الآلة الأخرى، و لكنه من باب التصادف، و بلا قصد، أو يرى الشبح، كما في سؤال يحيى بن أكثم أبا الحسن الثالث عليه السلام:
«أخبرني عن الخنثى، و قول علي عليه السلام: تورث الخنثى من المبال، من ينظر إليها إذا بال؟ و شهادة الجار إلى نفسه لا تقبل، مع أنه عسى أن يكون امرأة و قد نظر إليها الرجال، أو يكون رجلا و قد نظر إليه النساء، و هذا مما لا يحلّ، فأجاب أبو الحسن الثالث عليه السلام: أما قول علي عليه السلام في الخنثى، أنه يورّث من المبال فهو كما قال، و ينظر قوم عدول، يأخذ كل واحد منهم مرآة، و تقوم الخنثى خلفهم عريانة:
فينظرون في المرايا فيرون شبحا، فيحكمون عليه»۱۰، و كيف كان، فضرورة الاستعلام تقضي جواز النظر.
الثالثة: يستفاد منها جواز الاعتماد في التشخيص على رجل واحد ثقة.
و يمكن أن يكون الرجل بلغ عنده عليه السلام مرتبة ذي الشهادتين، فلا يعلم غير المراد، فتأمل.
الرابعة: ما ورد فيها من التعليل في خلق حواء من ضلع آدم عليه السلام، تقدم في التفسير ما يتعلق بذلك۱۱.
الخامسة: يستفاد من الرواية أن المناط كله أصل الاختلاف في أضلاع الجنسين، فلا يضر اختلاف العدد الوارد في الأخبار، ففي بعضها كان عدد الأيمن اثنى عشر و الأيسر أحد عشر۱۲، لاحتمال أن يكون في واقعتين، و اختلاف أضلاع الشخصين.
فروع: الأول: ما ذكر من العلامات لا تختص بالإرث، فإذا تحققت العلامة و أحرز الواقع بها، تترتب بها جميع الأحكام في العبادات كالصلاة و الحج و غيرهما، و كذا المعاملات و غيرها.
الثاني: لا تثبت الذكورية أو الأنوثية بما تقدم من العلامات إلا بالبينة الشرعية، لأنها الحجة الشرعية في الموضوعات الخارجية، كما مرّ مكررا، و لا يثبت بالعدل الواحد، و ما ورد في معتبرة محمد بن قيس، فهو محمول كما تقدم.
الثالث: هل تثبت الذكورية و الأنوثية بإقرار الخنثى نفسها؟ الظاهر عدم الثبوت، و إن كانتا خفيان لا تظهران لغير صاحبهما إلا في موارد الضرورة، و مع ذلك لا يقبل قولها هنا، لجلب النفع لنفسها، فلا تشملها قاعدة الإقرار. نعم لو لم يكن في البين نفع، أو كان الإقرار على نفسه، فتشملها القاعدة في مورده فقط، بلا مانع.
الرابع: إن ما ورد في الروايات المتقدمة من العلامات ليست لها موضوعية، بل هي طريق إلى إحراز واقع الأمر، فيتعدى منها إلى غيرها في كل طريق أمكن إحراز واقع الأمر و يعمل به، فإن حصل الاطمئنان بالذكورية أو الأنوثية فهو، و إلا فالموضوع مشكل.
الخامس: لو انكشف الواقع بالعلامات المنصوصة المتقدمة، ثمَّ نسي ذلك و مات الخنثى، فهل يجري عليها حكم الخنثى المشكل، أو يعمل بالقرعة؟
الظاهر هو الثاني، لأنها لكل أمر مشتبه، و المقام كذلك، و لا تكون من المشكل لأنه انكشف فلا تشمله الروايات.
ثمَّ إن الترتيب بين العلامات المذكورة ليس حقيقيا، بمعنى كونها علامة بعد تعذر غيرها، و إنما هو ذكري على سبيل ترجيح النصوص المتعارضة، لظاهر ما تقدم من الروايات.