1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب المزارعة
و هي المعاملة على الأرض بالزراعة بحصة من حاصلها (۱)، و تسمى مخابرة أيضا و لعلها من الخبرة بمعنى النصيب- كما يظهر من مجمع البحرين (۲)- و لا إشكال في مشروعيتها (۳)، بل يمكن دعوى استحبابها، لما دل على استحباب الزراعة بدعوى كونها أعم من المباشرة و التسبيب (٤)، ففي خبر الواسطي «قال: سألت جعفر بن محمد عليهما السّلام عن الفلاحين قال: هم الزارعون كنوز اللّه في أرضه و ما في الأعمال شي‏ء أحب إلى اللّه من الزراعة و ما بعث اللّه نبيا إلا زارعا إلا إدريس عليه السّلام فإنه كان خياطا» و في آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيب أخرجه اللّه و هم يوم القيامة أحسن الناس مقاما و أقربهم منزلة يدعون المباركين»، و في خبر عنه عليه السّلام قال: «سئل النبي صلّى اللّه عليه و آله أي الأعمال خير، قال: زرع يزرعه صاحبه و أصلحه و أدّى حقه يوم حصاده، قال: فأي الأعمال بعد الزرع؟ قال: رجل في غنم له قد تبع بها مواضع القطر يقيم الصلاة و يؤتي الزكاة، قال: فأي المال بعد الغنم؟ خير، قال: البقر يغدو بخير و يروح بخير قال: فأي المال بعد البقر خير؟ قال: الراسيات في الوحل المطعمات في المحل. نعم المال النخل، من باعها فإنما ثمنه بمنزلة رماد على رأس شاهق اشتدت به الريح في يوم عاصف إلا أن يخلف مكانها (٥)، قيل: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأي المال بعد النخل خير؟ فسكت فقام إليه رجل، فقال له: فأين الإبل؟ قال: فيها الشقاء و الجفاء و العناء (٦). و بعد الدار (۷)، تغدو مدبرة، و تروح مدبرة (۸)، لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم (۹)، اما إنها لا تعدم الأشقياء الفجرة» (۱۰) و عنه عليه السّلام: «الكيمياء الأكبر الزراعة»، و عنه عليه السّلام: إن اللّه جعل أرزاق أنبيائه في الزرع و الضرع (۱۱) كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء» و عنه عليه السّلام: «إنه سأله‏ رجل فقال له: «جعلت فداك أسمع قوما يقولون إن المزارعة مكروهة، فقال عليه السّلام: ازرعوا فلا و اللّه ما عمل الناس عملا أحل و لا أطيب منه» (۱۲)، و يستفاد من هذا الخبر ما ذكرنا من أن الزراعة أعم من المباشرة و التسبيب (۱۳)، و أما ما رواه الصدوق مرفوعا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله: انه نهى عن المخابرة قال: و هي المزارعة بالنصف أو الثلث أو الربع، فلا بد من حمله على بعض المحامل لعدم مقاومته لما ذكر، و في مجمع البحرين: و ما روي من أنه صلّى اللّه عليه و آله نهى عن المخابرة، كان ذلك و حين تنازعوا فنهاهم عنها.

الحمد للّه الذي جعل الأرض مهادا

و فراشا و جعل الزرع للأنام قوتا و معاشا

و الصلاة و السلام على خير البرية و آله الذين أصبح

الناس إلى موائد فضائلهم عطاشا.

المعروف في فن الأدب في المفاعلة انها لحاظ الفعل من حيث المساس بالغير، و ينسب الفعل المشتق منها إلى من هو الأصيل و مع كون الأصالة في الطرفين يعبر عنه بالتفاعل، و ظاهر هم أن المفاعلة قائمة بالطرفين، و لكن الاستعمالات الفصيحة القرآنية و غيرها تشهد بالخلاف قال تعالى‏ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا۱، و قوله تعالى‏ وَ مَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏۲، و كذا قوله تعالى‏ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ*۳، إلى غير ذلك من الآيات المباركة، و كذا يقال: «ساعده التوفيق» و «بارزة بالمحاربة» و «عاجلة بالعقوبة» إلى غير ذلك مما لا يصح فيها نسبة المادة إلى الطرفين.

فالحق أن هيئة المفاعلة لمجرد تعدية المادة و انهائها إلى الغير مثال ذلك‏ أن الكتابة لا تقضي إلا تعدية المادة إلى المكتوب، فيقال: «كتب الحديث» من دون تعديتها إلى المكتوب إليه بخلاف كاتبه فإنه يدل على تعديتها إلى الغير، و لو أريد إفادة هذا المعنى في المجرد لقيل: «كتب إليه» فلا فرق بين كاتبه و كتب إليه من هذه الجهة لا أن يكون مفاد الأول كتابة الغير إليه أيضا.

نعم، هيئة الفاعل تدل على نسبة متقومة بالطرفين كالمعاني الإضافية المتقومة بهما من الأبوة و البنوة و نحوهما، فمعنى المزارعة في المقام هو الفعل من حيث التعدية إلى الغير، سواء كان للغير دخل فيها مباشرة أو تسبيبا بأي نحو كان، كما ان الفاعل المزارع أيضا كذلك فلا تعتبر فيه المباشرة و إن كان الغالب فيه المباشرة، و قد تعرضنا لبعض ذلك في أول كتاب المضاربة أيضا.

ثمَّ أن المزارعة كانت من هبوط آدم عليه السّلام و ستكون إلى انقراض العالم.

لأن بها قوام حياة الإنسان بل الحيوان و بها يقوم نظام المعاش و المعاد، و هي أول مبادي النسل و الحياة؛ و قد اهتم اللّه تعالى و اعتنى بالزرع في القرآن العظيم بما لم يهتم و لم يعتن بشي‏ء من مثله فنسب طبيعي الزرع إلى ذاته الأقدس و افتخر به- و لا يفتخر إلا بما هو راجح- قال تعالى‏ أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً4، و قال تعالى‏ أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏٥، و قال تعالى‏ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْ‏ءَ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏٦، و الخب‏ء بإطلاقه يشمل الزرع، كما سيأتي- و المعادن و الكنوز.

و المزارعين أعرف بها من الفقهاء- خصوصا في هذه الأزمان التي جعلت المزارعة من الفنون التي يهتمون بتعلمها و تعليمها، و يبحثون في جميع جهاتها و نواحيها- و يمكن بحسب التحليل أن تكون على أقسام:

الأول‏: بأن تكون كإجارة الأملاك فتقع المعاملة على الأرض للزراعة بحصة من حاصلها فتكون الحصة كأجرة الأرض، و قد تقدم الكلام فيه في (فصل لا يجوز إجازة الأرض لزرع الحنطة) من كتاب الإجارة.

الثاني‏: من قبيل إجارة النفس و تقبل بعض الأعمال فتكون الأجرة- و هو بعض الحاصل من الأرض- عوضا للعمل، كما في الإجارة على سائر الأعمال.

الثالث‏: أن تكون معاملة مستقلة كما هو مرتكز الزارعين و ظاهر عنوان الفقهاء حيث جعلوها عنوانا مستقلا في عوض الإجارة.

الرابع‏: مشاركة خاصة بين المالك و العامل و لها أحكام خاصة تأتي الإشارة إليها في محلّها، و لا بأس بكونها معاملة مستقلة للسيرة و الأدلة الخاصة سواء كانت من سنخ المشاركات فتكون نحو تسبب إلى الاشتراك في النتيجة بما بنيا عليه. أو المعاوضات، و تصح بكل ما وقع عليه التراضي بحسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة و المزروع و نحوها مع مراعاة ما تأتي من الشرائط.

ثمَّ انه مع اختلاف موضوعي الإجارة و المزارعة عرفا فلا ريب في اختلاف أحكامهما، و قد تقدم أحكام الإجارة و سيأتي أحكام المزارعة في المسائل الآتية.

و هذا هو المعروف بين الفقهاء و المتعارف بين المزارعين مطلقا.

و هناك احتمالات أخر مذكورة في القاموس و جملة من الكتب الفقهية.

بل هي من ضروريات الفقه بين المسلمين.

و يمكن أن يستدل على الاستحباب مطلقا بإطلاق الآية المباركة الدالة على الاستباق إلى الخيرات‏۷، و التعاون۸، و ما تقدم من الآيات، و قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «ابتغوا الرزق في خبايا الأرض»۹، و هي جمع خبيثة و أراد بالخبايا الزرع كما في قول الشاعر:

تتبع خبايا الأرض و أدع مليكها لعلك يوما أن تجاب و ترزقا

 

و عن بعض دعوى التجربة في ذلك.

يعني: أن من يتخذ الإبل تكون فيه هذه الصفات غالبا.

لعل مراده صلّى اللّه عليه و آله أن الإبل لأجل بطوء حركتها تكون بعيدا عن دار صاحبها غالبا، أو لأنها لأجل انه غير مألوفة من جهة كيفية خلقها و شكلها بخلاف سائر البهائم.

كناية عن عدم البركة فيها لا عينا و لا ثمنا، و عن الصادق عليه السّلام: «في الغنم إذا أقبلت أقبلت و إذا أدبرت أقبلت، و البقر إذا أقبلت أقبلت و إذا أدبرت أدبرت، و الإبل إذا أقبلت أدبرت و إذا أدبرت أدبرت»۱۰، و الأول كناية عن البركة في عينه، و ثمنه، و الثاني كناية عن البركة في عينه دون ثمنه، و الأخير كناية عن عدم البركة لا عينا و لا ثمنا.

كناية عن انها لا تحلب و لا تركب إلا من الجانب الأيسر و الشمال و قال تعالى‏ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ*۱۱، يريد بها أصحاب الشمال.

يوضح هذه الجملة ما في معاني الأخبار: «قيل يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فمن يتخذها بعد ذا؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: فأين الأشقياء الفجرة»۱۲، و يدل على ذلك أيضا قوله صلّى اللّه عليه و آله: «إن الجفاء و القسوة في الفدادين»۱۳، و تشهد له التجربة أيضا.

و هو عبارة أخرى عن الرعي لما ورد: «ما بعث اللّه نبيا إلا راعي غنم»۱4، و تقدم في أول المكاسب ما يتعلق بالمقام‏۱٥.

لعل مراد القوم ما سمعوه من النهي عن المخابرة من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و لم يفهموا معناه و قالوا بكراهة أصل المزارعة.

كما هو المعروف بين الناس في جميع الأزمنة و الأمكنة و يقتضيه الإطلاق و ظهور الاتفاق.

و يشترط فيها أمور: أحدهما: الإيجاب و القبول (۱٤)، و يكفي فيهما كل لفظ دال، سواء كان حقيقة أو مجازا مع القرينة (۱٥) كزارعتك أو سلمت إليك الأرض على أن تزرع على كذا، و لا يعتبر فيهما العربية، و لا الماضوية (۱٦) فيكفي الفارسي، و غيره (۱۷)، و الأمر كقوله ازرع هذه الأرض على كذا (۱۸)، أو المستقبل، أو الجملة الاسمية مع قصد الإنشاء بها (۱۹). و كذا لا يعتبر تقديم الإيجاب على القبول (۲۰)، و يصح الإيجاب من كل من المالك و الزارع (۲۱)، بل يكفى القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي على الأقوى (۲۲).و تجري فيها المعاطاة (۲۳)، و إن كانت لا تلزم إلا بالشروع في العمل (۲٤).

لكونها عقدا و العقد متقوم بهما بالضرورة.

لما مر مرارا من أن المناط في الإنشاءات مطلقا الظهور العرفي المعتبر في المحاورات، سواء كان الظهور مستندا إلى الحقيقة أو المجاز كما تقدم في أول البيع.

للأصل و الإطلاق بعد صدق المزارعة على الجميع.

للإطلاق الشامل له مضافا إلى ظهور الاتفاق.

لظهوره العرفي المحاوري في المزارعة المعهودة بين الناس بلا دليل على الخلاف فلا بد من الصحة لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها؛ و المعاملات العرفية لا بد في المنع عن شي‏ء منها من الردع عن الشارع، و مع عدم ثبوته تكفي الإطلاقات للصحة بعد الصدق العرفي، و قد صرح به في الشرائع و يدل عليه صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل يعطى الرجل أرضه و فيها ماء أو نخل أو فاكهة، و يقول: اسق هذا من الماء و أعمره و لك نصف ما أخرج اللّه عز و جل منه؟ قال عليه السّلام: لا بأس»۱٦ بناء على عدم الفرق من هذه الجهة بين المزارعة و المساقاة كما هو مقتضى المرتكزات العرفية، و يشهد له خبر نضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان انه قال:

«في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره، فيقول: ثلث للبقر، و ثلث للبذر، و ثلث للأرض، قال: لا يسمى شيئا من الحب و البقر و لكن يقول: أزرع فيها كذا و كذا إن شئت نصفا و إن شئت ثلثا»۱۷، فإن الظاهر انه نقل عن الإمام عليه السّلام لكونه من خواصه عليه السّلام، و كذا يدل على التوسعة في عقد المزارعة خبر أبي الربيع الشامي عن الصادق عليه السّلام: «انه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر؟ فقال عليه السّلام: لا ينبغي أن يسمى بذرا و لا بقرا و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع في أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث أو ما كان من شرط- الحديث-۱۸، فإن وقوعها بلفظ متكلم المضارع يدل على التوسعة فيها مما لا يوسع في غيرها.

و يمكن أن يجعل ذلك مقتضى القاعدة أيضا إذ المناط في العقود و الإيقاعات إبراز المراد بلفظ مفهم عرفي محاوري ما لم يرد فيه ردع شرعي و المقام كذلك بل ورد التقرير بصحيح يعقوب.

إن قيل: فيصح بناء على هذا في سائر المعاملات أيضا.

يقال: نعم، لو لا ظهور إجماعهم على عدم الجواز فيها فلا وجه لمناقشة المسالك في المقام بل تقويته عدم الصحة بلفظ الأمر.

لتحقق الظهور العرفي في المزارعة المعهودة في جميع ذلك فلا بد من الصحة و الإجزاء بعد شمول الإطلاق له أيضا، مع أن المستفاد من النصوص المتقدمة تسهيل الأمر فيها بما لم يسهل في غيرها كما عرفت.

لأن القبول عبارة عن إبراز الرضاء بما أنشأه الطرف فيصح تعلقه بما يأتي كما يصح تعلقه بما سبق، فالمعاملة متقومة بالطرفين و إبراز الرضاء بتبادل العوضين فكل منهما ابتدأ يكون طرف المعاملة عرفا موجبا كان من ابتدأ أو قابلا، و تقدم في صحة تقدم القبول على الإيجاب في البيع ما ينفع المقام.

لتحقق المعاهدة المعروفة بكل منهما، و كذا الحال في جميع العقود فيصح الإيجاب من كل واحد من الطرفين فيجوز في البيع أن يقول المشتري:

«اشتريت منك الثوب بدرهم» و يقول البائع «قبلت»، و في النكاح يقول الزوج للزوجة: «أنكحتك نفسي» و تقول الزوجة «قبلت» و كذا في سائر العقود و لكن الأحوط في النكاح ما هو المتعارف من كون الإيجاب من طرف الزوجة، و يدل على ذلك في المقام ما تقدم من خبري نضر بن سويد و أبي الربيع الشامي.

لأنه لا فرق فيما يكون مبرزا للمعنى المعهود بين اللفظ و الفعل، و كل منهما معتبر في المحاورات العرفية في إبراز مقاصدهم المتعارفة من غير استهجان بينهم لذلك و لم يثبت ردع عنه شرعا بل مقتضي الإطلاقات التقرير، فكلما تحقق عقد و عهد تشمله الإطلاقات و العمومات الدالة على الصحة، سواء  كان الإيجاب و القبول لفظين أو فعلين أو بالاختلاف، هذا مع الصدق العرفي و أما مع عدم الصدق كذلك أو الشكل فيه فلا وجه لشمول الأدلة له، و المرجع حينئذ أصالة عمد ترتب الأثر و بذلك يمكن أن يجمع بين الأقوال فمن قال بعدم الصحة أي فيما إذا شك في الصدق و من قال بالصحة أي في مورد الصدق العرفي.

لعموم أدلتها و إطلاقها الشامل لكل معاملة إلا ما خرج بالدليل- كما تقدم في أول البيع- و لا دليل في المقام على الخلاف، كما تقدم أن المراد بالمعاطاة ما تكون خالية عن الإيجاب و القبول اللفظي، سوآء تحقق التعاطي من الطرفين أو من طرف واحد فتتحقق بالإعطاء و الأخذ أيضا.

بناء على عدم لزومها إلا بالتصرف كما نسب إلى المشهور، و ادعي عليه الإجماع و تقدم الكلام في أول البيع.

الثاني: البلوغ، و العقل، و الاختيار (۲٥)، و عدم الحجر لسفه، أو فلس (۲٦)، و مالكية التصرف في كل من المالك و الزارع (۲۷). نعم، لا يقدح حينئذ فلس الزارع إذا لم يكن منه مال، لأنه ليس‏ تصرفا ماليا (۲۸).

هذه كلها من الشرائط العامة لكل عقد و معاملة، و تعرضنا لأدلة اعتبارها في أول البيع و هي تجري في الجميع بلا فرق فلا وجه للإعادة.

لأن المزارعة تصرف مالي إن كان من الزارع مال، و التصرفات المالية يعتبر فيها عدم الحجر و تصح بنظر الحاكم الشرعي في الأول و الغرماء في الثاني.

يعني أنه تصح المزارعة بمالكية التصرف أعم من ملك العين و المنفعة و الانتفاع و لا تختص بملك العين فتجري في الأراضي الخراجية و الموقوفة و ما كانت ملكا للغير و وقعت المزارعة بإذنه، و كذا في البذر إن أذن مالكه بكون نمائه للزارع مثلا فتخرج عن قاعدة «تبعية النماء للملك» حينئذ.

 

فينتفي شرطية عدم الحجر حينئذ تخصصا لا تخصيصا.

الثالث: أن يكون النماء مشتركا بينهما، فلو جعل الكل لأحدهما لم يصح مزارعة (۲۹).

لقوله عليه السّلام في الصحيح: «لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به، و لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس»۱۹، مضافا إلى الإجماع هذا إذا كان بعنوان المزارعة و أما إن كان بعنوان المصالحة فلا بأس به.

الرابع: أن يكون مشاعا بينهما، فلو شرطا اختصاص أحدهما بنوع- كالذي حصل أولا- و الآخر بنوع آخر، أو شرطا أن يكون ما حصل من القطعة الأخرى للآخر لم يصح (۳۰).

لظهور الإجماع، و ما تقدم من الصحيح، مضافا إلى أن الإشاعة هو المعهود بين الناس في مزارعاتهم فتنزل الأدلة عليه.

الخامس: تعيين الحصة بمثل النصف أو الثلث أو الربع أو نحو ذلك فلو قال ازرع هذه الأرض على أن يكون لك أو لي شي‏ء من حاصلها بطل (۳۱).

لما تقدم من الأخبار، مضافا إلى الإجماع.

السادس: تعيين المدة بالأشهر و السنين، فلو أطلق بطل (۳۲).نعم، لو عين المزروع أو مبدأ الشروع في الزرع لا يبعد صحته إذا لم يستلزم غررا (۳۳)، بل مع عدم تعيين ابتداء الشروع أيضا إذا كانت الأرض‏ مما لا يزرع في السنة إلا مرّة (۳٤) لكن مع تعيين السنة (۳٥) لعدم الغرر فيه، و لا دليل على اعتبار التعيين تعبدا و القدر المسلم من الإجماع على تعيينها غير هذه الصورة (۳٦)، و في صورة تعيين المدة لا بد و أن تكون بمقدار يبلغ فيه الزرع فلا تكفي المدة القليلة التي تقصر عن إدراك النماء (۳۷).

لظهور الإجماع، و تعارف ذلك في المزارعات المعهودة بين الناس فتنزل الأدلة عليه.

و أما الاستدلال عليه بحديث: «نفي الغرر»،۲۰ و بأنها لازمة فلا بد من‏ تعيين الأجل فيها كما يظهر عن المحقق، و بحديث أبي الربيع الشامي عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن أرض يريد رجل أن يتقبلها، فأي وجوه القبالة أحل؟ قال عليه السّلام: يتقبل الأرض من أربابها بشي‏ء معلوم إلى سنين مسماة فيعمر و يؤدى الخراج»۲۱.

فمخدوش إذ الأول لم يثبت إطلاقه، و الثاني أصل المدعى بنحو الكلية، و الأخير لم يعلم كونه من المزارعة المعهودة.

نعم، يصلح كل ذلك للاستشهاد به للمقام، و لكنه مع ذلك لا موضوعية لتعين المدة من حيث هي، و المناط كله إحراز إدراك النماء بوجه معتبر و لو لم تكن المدة معلومة تفصيلا، و يدل عليه إطلاق خبر الكرخي عن الصادق عليه السّلام:

«أشارك العلج فيكون من عندي الأرض و البذر و البقر و يكون على العلج القيام و السقي و العمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا، و تكون القسمة فيأخذ السلطان حقه، و يبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث و لي الباقي، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك»۲۲، فلم يذكر فيه المدة بل ذكر الإدراك فقط فيكون سائر الأخبار الذي ذكر فيها ثلاث سنين أو خمس سنين‏۲۳، طريقا لذلك.

بل و مع استلزامه له في الجملة بما هو متسامح في المزارعة عند المتعارف، و في الجواهر ما لفظه: «و لا نهي عن مطلق الغرر على وجه يشمل هذه المعاملة التي هي بنيت عليه»، و بالجملة المدار على المتعارف في كل زمان و مكان في هذه المعاملة التي هي شائعة بين الناس الغير المبنية على المداقة.

لأن المدة معلومة حينئذ بحسب المتعارف لدى الزارعين، و لا دليل على اعتبار الأزيد من هذا المقدار من التعيين بل مقتضى الإطلاق عدمه.

بل و مع التعيين أيضا إذا كانت المدة التي يدرك فيها الزرع معلوما عادة لعدم الغرر حينئذ فيها كما يأتي من الماتن.

و إجماعهم على فرض الاعتبار ليس تعبديا بل حصل من ارتكازاتهم العرفية في مثل هذه الأمور، فيرجع بالأخرة إلى نظر متعارف أهل الخبرة بهذه الأمور.

على المشهور المدعي عليه الإجماع. و لنصوص مستفيضة منها قول أبي الحسن الرضا عليه السّلام: «الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري»۱۸، و صحيح فضيل عن الصادق عليه السّلام: «قلت له ما الشرط في الحيوان؟ قال عليه السّلام: ثلاثة أيام للمشتري»۱۹، و صحيح ابن رئاب‏۲۰، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار، للمشتري أو للبائع أولهما كلاهما؟ فقال: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء»، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري و هو بالخيار فيها إن شرط أو لم يشترط»۲۱، إلى غير ذلك من الأخبار التي ذكر فيها لفظ «المشتري».

لأنها حينئذ من السفه الذي لا يقدم عليه العقلاء، و الظاهر أن المدار على ادراك النماء، لأن قوام المزارعة به و تعيين المدة طريق إليه لا أن تكون له موضوعية خاصة، و حينئذ فلو كان ادراك النماء معلوما و لم تكن المدة معلومة تفصيلا لا بأس به.

و من ذلك يعلم أن المدة لو كانت قليلة و لم تنطبق على ادراك النماء فهو سفه، و إن كانت كثيرة بحيث يحصل النماء قبله فهو لغو.

السابع: أن تكون الأرض قابلة للزرع و لو بالعلاج، فلو كانت سبخة لا يمكن الانتفاع بها، أو كان يستولي عليها الماء قبل أو ان إدراك الحاصل أو نحو ذلك، أو لم يكن هناك ماء للزراعة و لم يمكن تحصيله و لو بمثل حفر البئر أو نحو ذلك و لم يمكن الاكتفاء بالغيث بطل (۳۸).

كل ذلك لأن البطلان في جميعها من السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فتكون أصل هذه المعاملة- مضافا إلى أنها سفهية- باطلة بالذات.

الثامن: تعيين المزروع من الحنطة و الشعير و غيرهما مع اختلاف الأغراض فيه، فمع عدمه يبطل (۳۹)، إلا أن يكون هناك انصراف يوجب التعيين (٤۰)، أو كان مرادهما التعميم (٤۱) و حينئذ فيتخير الزارع بين أنواعه.

لاختلاف الأغراض العقلائية في ذلك في جملة من الأراضي اختلافا كثيرا، و مع عدمه يوجب الجهالة بل قد يوجب الضرر إن لم تكن الأرض معدة لكل زراعة و كانت معدة لزراعة مخصوصة.

لأن الانصراف المعتبر بمنزلة التعيين اللفظي.

و كانت الأرض صالحة لذلك عند المتعارف و لا إشكال حينئذ في الصحة أن أقدم الناس عليه لفرض التعيين بنحو التعميم، و لو فرض وجود غرر في الجملة فهو مغتفر في المزارعة.

نعم، يضر الغرر الغير المتسامح فيه بلا إشكال، و أما مع عدم الإقدام من الناس بالنسبة إلى التعميم فلا ريب في البطلان.

التاسع: تعيين الأرض و مقدارها فلو لم يعينها بأنها هذه القطعة أو تلك القطعة أو من هذه المزرعة أو تلك أو لم يعين مقدارها بطل مع اختلافها بحيث يلزم الغرر (٤۲). نعم، مع عدم لزومه لا يبعد الصحة كأن يقول: «مقدار جريب من هذه القطعة من الأرض التي لا اختلاف بين أجزائها» أو «أي مقدار شئت منها» و لا يعتبر كونها شخصية فلو عين كليا موصوفا على وجه يرتفع الغرر فالظاهر صحته (٤۳)، و حينئذ يتخير المالك في تعيينه (٤٤).

الغير المغتفر في المزارعة و الذي لا يتسامح فيه متعارف الناس في هذه المعاملة المبنية على الغرر في الجملة لديهم.

كل ذلك لأن هذه المعاملة ليست مبنية على المداقة و المكايسة من‏ هذه الجهات فمقتضى الإطلاقات الصحة ما لم يدل دليل على المنع، و لا فرق في الكلي بين كونه من الكلي في المعين أو غيره لشمول الإطلاق للجميع مع وجود السيرة في الجملة.

لأن من لوازم جعل المورد غير معين بالخصوص هو تخيير من استولى عليه كما في جميع العقود المتضمنة للكلي، و يمكن جعل التخيير بالنسبة إلى الزارع إن استفيد ذلك من القرائن.

العاشر: تعيين كون البذر على أي منهما و كذا سائر المصارف و اللوازم إذا لم يكن هناك انصراف مغن عنه و لو بسبب التعارف (٤٥).

فيتبع المتعارف حينئذ لأنه كالتعيين، و يأتي في مستقبل الكلام ما ينفع المقام.

(مسألة ۱): لا يشترط في المزارعة كون الأرض ملكا للمزارع، بل يكفي كونه مسلطا عليها بوجه من الوجوه كأن يكون مالكا لمنفعتها بالإجارة أو الوصية أو الوقف عليه، أو مسلطا عليها بالتولية كمتولي الوقف العام أو الخاص و الوصي، أو كان له حق اختصاص بها بمثل التحجير و السبق و نحو ذلك (٤٦)، أو كان مالكا للانتفاع بها كما إذا أخذها بعنوان‏ المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره، بل يجوز أن يستعير الأرض للمزارعة (٤۷). نعم، لو لم يكن له فيها حق أصلا لم يصح مزارعتها (٤۸)، فلا يجوز المزارعة في الأرض الموات مع عدم تحجير أو سبق أو نحو ذلك فإن المزارع و العامل فيها سواء. نعم، يصح الشركة في زراعتها مع اشتراك البذر أو بإجارة أحدهما نفسه للآخر في مقابل البذر أو نحو ذلك، لكنه ليس حينئذ من المزارعة المصطلحة (٤۹)، و لعل هذا مراد الشهيد قدس سرّه في المسالك (٥۰) من عدم جواز المزارعة في الأراضي الخراجية التي هي للمسلمين قاطبة إلا مع الاشتراك في البذر أو بعنوان آخر، فمراده هو فيما إذا لم يكن للمزارع جهة اختصاص بها، و إلا فلا إشكال في جوازها بعد الإجارة من السلطان، كما يدل عليه جملة من الأخبار (٥۱).

كل ذلك للأصل و الإطلاق و السيرة و المستمرة في الوقف، و عدم ما يصلح للمنع مطلقا.

و ما يقال: من أن حق التحجير و نحوه يفيد الأولوية بالاحياء و لا يفيد الاختصاص بمنافعه.

مدفوع: بأنه يجوز جعل المزارعة فيه من متممات مالكية من له حق السبق و حق التحجير، إذ لا يعتبر في حدوث هذا الحق و في وصوله إلى مرتبة الملكية المباشرة قطعا كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

لشمول الإطلاقات لكل فرد من أفراد هذه المعاملة المبنية على المسامحة ما لم يدل دليل على المنع و هو مفقود.

لأصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم شمول الأدلة لذلك أو الشك في الشمول.

لتغاير الموضوعين شرعا و عرفا و عقدا و لغة كما هو معلوم.

و قد حمل في الجواهر كلام الشهيد على ذلك أيضا، و قال: «و دعوى ظهور كلامه في اعتبار ملكية العين في المزارعة مقطوع بفسادها فإن القواعد و النصوص و الفتاوي صريحة في خلافها، و يبعد خفاء مثل ذلك على مثله» أقول يعني: بملاحظة النصوص و القواعد و مقام فقاهة الشهيد يكون كلامه غير ظاهر في عدم اعتبار ملكية العين في المزارعة، و إلا فلو خلي كلامه عن هذه الجهات الخارجية يكون كلامه ظاهرا في اعتبار ملكية العين فراجع المسالك و تأمل.

كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنه سئل عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث؟ قال: نعم، لا بأس به قد قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر، و الخبر: هو النصف»۲4، و خبر الفيض بن المختار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك ما تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثمَّ أوجرها أكرتي على أن ما أخرج اللّه منها من شي‏ء كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان؟ قال عليه السّلام: لا بأس به كذلك أعامل أكرتي»۲٥، و ما تقدم من صحيح ابن شعيب في الشرط العاشر فراجع.

(مسألة ۲): إذا أذن لشخص في زرع أرضه على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما فالظاهر صحته، و إن لم يكن من المزارعة المصطلحة (٥۲) بل لا يبعد كونه منها أيضا (٥۳)، و كذا لو أذن‏ لكل من يتصدى للزرع و إن لم يعين شخصا، و كذا لو قال: «كل من زرع أرضي هذه أو مقدارا من المزرعة الفلانية فلي نصف حاصله أو ثلثه»- مثلا- فأقدم واحد على ذلك (٥٤)، فيكون نظير الجعالة (٥٥) فهو كما لو قال: «كل من بات في خاني أو داري فعليه في كل ليلة درهم» أو «كل من دخل حمامي فعليه في كل مرة ورقه» فإن الظاهر صحته للعمومات إذ هو نوع من المعاملات العقلائية (٥٦)، و لا نسلم انحصارها في المعهودات (٥۷)، و لا حاجة إلى الدليل الخاص لمشروعيتها، بل كل معاملة عقلائية صحيحة إلا ما خرج بالدليل الخاص، كما هو مقتضى العمومات.

أما أصل الصحة فلوجود المقتضي لها و هو تراضي الطرفين على هذه المعاملة و فقد المانع عنها، إذ المانع المتوهم في المقام إنما هو الغرر و لا وجه له بعد معلومية العمل و سائر الجهات و مقدار الحاصل بحسب المتعارف مع عدم بناء المتعارف على المداقة في هذه الأمور فتشمله إطلاق التجارة عن تراض.

و أما عدم كونه من المزارعة المعهودة فقيل فيه إن مجرد الإذن من الإيقاع، و المزارعة عقد لازم فلا وجه لكونه منها.

و هو باطل، لأن الإذن مع العمل يصير عقدا و تقدم في الشرط الأول جواز كون القبول فعلا، و قد اغتفر في المزارعة ما لم يغتفر في غيرها من العقود.

لصدق المزارعة فيشمله إطلاق دليلها.

نعم، لو تردد العرف في الصدق و عدمه يشكل التمسك بالإطلاق حينئذ، و لكن الظاهر عدم ترددهم في الصدق فيكون للمزارعة عرض عريض جدا، فكلما صدق عليه هذا العنوان يترتب عليه حكمها، سواء كان بنحو ما هو المعهود بين الفقهاء أو بغيره مما يقدم عليه المتعارف من العقلاء.

و كل ذلك من المزارعة المعهودة بين الناس لأنهم يقدمون على هذا المورد بعنوان انها من المزارعة الشائعة بينهم، و لم يرد نهى عن ذلك فتشملها الإطلاقات و العمومات و توهم أن هذه كلها إيقاع لا أن يكون من العقود مع أن المزارعة عقد، فلا وجه لكونها من المزارعة المعهودة.

مدفوع، بأن ما ذكر عقد مركب من اللفظ و الفعل و لا بأس به في المزارعة كما مر.

ثمَّ ان الفرق بين هذه الأقسام واضح لا يحتاج إلى البيان، إذ الأول تخصيص للإذن بشخص مخصوص، و الثاني تعميم في الإذن، و الثالث من مجرد التسبيب.

المقصود من التنظير و التشبيه إنما هو في مجرد حدوث التسبب إلى شي‏ء و الإذن في تحصيله، لا أن يكون المقصود من التشبيه كون الجعالة إيقاعا أو عقدا أو من مجرد التسبب المحض إلى حصول شي‏ء، إذ ليس المقصود في المقام التعرض له، و الوجوه المتصورة في الجعالة ثلاثة- كما تقدم- كونها عقدا مركبا من إيجاب لفظي و قبول فعلي، و لكن وسع فيه بما لم يوسع في غيرها من العقود، كعدم المقارنة بين الإيجاب و القبول، و عدم لزوم مخاطب خاص‏ للقبول، و صحة كون القابل صغيرا بل و غير مميز.

كما قيل و نحو ذلك مما لا يقولون به في سائر العقود، و لا بأس بذلك بعد دلالة الدليل فيصح جعلها عقدا مع هذه التوسعة بعد دلالة الدليل على صحتها بنحو الإطلاق، كما يصح كونها إيقاعا، كما يصح أن تكون من سنخ التسبيبات الصادرة من الشارع مثل قوله: من فعل كذا فله كذا، فلا يكون حينئذ عقدا و لا إيقاعا، و يختلف ذلك باختلاف الموارد و القرائن و الخصوصيات.

فتارة: ينطبق عليه عنوان العقد.

و أخرى‏: عنوان الإيقاع.

و ثالثة: عنوان مجرد التسبب و لا محذور من عقل أو شرع في أن ينطبق على شي‏ء واحد عناوين مختلفة بحسب الجهات و الخصوصيات.

و بذلك يمكن أن يجمع بين شتات الكلمات كما تقدم في كتاب الجعالة.

و لا يخفى أن الجعالة و المزارعة و المضاربة مبنية على الجهالة في الجملة.

ثمَّ أن الجعالة جعل الجاعل شيئا على نفسه لغيره على فرض حصول العمل من الغير، و حيث إن هذا كان هو الغالب في الأزمنة القديمة عبر بذلك، و يصح أن يقال: «انها جعل الجاعل شيئا على نفسه على فرض وصول عوض إليه»، مثل قول صاحب الفندق: «كل من بات في فندقي فلي عليه كل ليلة دينار مثلا»، و يشمله عموم دليل الجعالة، و لا ينافي العموم كون بعض الأفراد أغلبي الوجود في الخارج في عصر صدور الروايات.

و بالجملة الجعالة بالمعنى اللغوي شامل للجميع، و بهذا المعنى تكون مورد بحث الفقهاء، و غلبتها الوجودية في فرد لا يوجب انحصارها فيه فالجعالة بجميع مراتبها صحيحة، للإطلاقات و العمومات.

إن قيل: فعلى ما قلت ليست للجعالة حقيقة معلومة معينة، لكونها عقدا تارة و إيقاع أخرى و تسببا ثالثة.

يقال: حقيقتها التسبب إلى حصول المقصود بعقد كان أو إيقاع أو غيرها، و ذلك لمكان التوسعة فيها بما لا يوسع في غيرها من حيث الجهالة، و هذه التوسعة تستلزم عرفا التوسعة في السبب أيضا.

هذا إذا لم تدخل في موضوع الجعالة، و إلا فتشملها أدلة نفس الجعالة بلا احتياج إلى جعلها معاملة مستقلة.

بل مقتضى العمومات و الإطلاقات عدم الانحصار كما يأتي في المتن.

(مسألة ۳): المزارعة من العقود اللازمة (٥۸) لا تبطل إلا بالتقايل (٥۹) أو الفسخ بخيار الشرط أو بخيار الاشتراط- أي تخلف بعض الشروط المشروطة على أحدهما (٦۰). و تبطل أيضا بخروج الأرض عن قابلية الانتفاع لفقد الماء أو استيلائه أو نحو ذلك (٦۱)، و لا تبطل بموت أحدهما (٦۲) فيقوم وارث الميت‏ منهما مقامه (٦۳). نعم، تبطل بموت العامل مع اشتراط مباشرته للعمل، (٦٤)، سواء كان قبل خروج الزرع أو بعده (٦٥)، و اما المزارعة المعاطاتية فلا تلزم إلا بعد التصرف (٦٦) و أما الإذنية فيجوز فيها الرجوع دائما (٦۷)، لكن إذا كان بعد الزرع و كان البذر من العامل يمكن دعوى لزوم إبقائه إلى حصول الحاصل لأن الإذن في الشي‏ء إذن في لوازمه (٦۸)، و فائدة و الرجوع أخذ أجرة الأرض منه حينئذ و يكون الحاصل كله للعامل (٦۹).

لما تقدم في أول البيع من أصالة اللزوم في كل عقد إلا ما خرج بالدليل.

لإطلاق دليله الدال على جريانه في كل عقد إلا ما خرج بالدليل.

لإطلاق أدلة الخيارين الدال على جريانهما في المزارعة أيضا، و كذا جميع الخيارات التي لا تختص بخصوص البيع و يجري دليله في كل معاملة.

لانتفاء الموضوع فتنتفي المعاهدة الا محالة بانتفاء موضوعها.

للأصل و ظهور الإجماع.

لعموم أدلة الإرث الشامل لذلك أيضا.

لانتفاء الموضوع إن كان اعتبار المباشرة بنحو التقييد الحقيقي و وحدة المطلوب، و أما إن كان بنحو تعدد المطلوب فيوجب ذلك ثبوت الخيار للمالك و ينتقل الحق إلى وارث العامل متعلقا بحق الخيار للمالك.

لانتفاء الموضوع الشامل لكل واحد من الصورتين، و أما حصة العامل فإن كان عمله مشروطا بإتمام العمل بنحو التقييد الحقيقي فلا شي‏ء له من الحصة و ليست له أجرة المثل أيضا لإقدامه على هتك عمله، و إن لم يكن كذلك فله من الحصة ما تعاهدا عليه فتنتقل الحصة إلى الورثة حينئذ.

لما تقدم في أول البيع من عدم لزومها إلا بعد التصرف على المشهور فراجع.

لأنها مزارعة اصطلاحية، لكن تعاهدهما على عدم اللزوم و الرجوع مهما شاءا يمنع عن شمول ما دل على لزوم كل عقد لمثلها، و تكون كمزارعة جعلا فيها الخيار بأن يرجعا عنها مهما شاءا و أرادا.

لأن المتعارف من الإذن في الزرع عند أهل الخبرة بهذه الأمور بل عند العقلاء مطلقا بعد توجههم إلى أن الغرض المهم من الزرع هو الثمرة و النتيجة، إنما هو الإذن في البقاء إلى حصول النتيجة لا في مجرد حدوث الزرع، فيكون الإبقاء و البقاء من اللوازم المتعارفة فيشمله الإذن بالدلالة الالتزامية، و هذا هو معنى القاعدة المعروفة: «أن في الشي‏ء إذن في لوازمه» و يمكن استفادة اعتبار القاعدة من الأخبار أيضا كما سيأتي في محله، فيسقط حينئذ حق رجوع المالك عن إذنه عند العرف، لأنه أسقط هذا الحق بنفسه في الاذن بالإبقاء بالدلالة الالتزامية المعتبرة عرفا، و من ذلك يظهر ان ما أطال به بعض الشراح من الإشكال على الماتن لا وجه له.

ثمَّ انه قد ذكروا نظير هذه المسألة في موارد متعددة منها ما تقدم في الرجوع عن الإذن بعد الدفن‏۲٦، و منها ما مر في الرجوع عن الإذن بعد الشروع في الصلاة۲۷، و غيره مما مر و قد أطالوا الكلام في كل واحد من تلك الموارد مع عدم نص خاص في البين، و من أثبت جواز الرجوع لا بد له أن يتمسك بقاعدة السلطنة، و من منعه لا بد له أن يسقط القاعدة من جهة إقدام المالك عن الإبقاء كما مر فيصير النزاع في الجميع صغرويا.

لقاعدة تبعية النماء للملك.

(مسألة ٤): إذا استعار أرضا للمزارعة (۷۰) ثمَّ أجرى عقدها لزمت (۷۱)، لكن للمعير الرجوع في إعارته (۷۲) فيستحق أجرة المثل‏ لأرضه على المستعير (۷۳) كما إذا استعارها للأجرة فآجرها بناء على ما هو الأقوى من جواز كون العوض لغير مالك المعوض (۷٤).

مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار كون الأرض ملكا لصاحب الأرض في المزارعة، بل يكفي مجرد استيلائه على الانتفاع منها بأي وجه أمكن شرعا مباشرة أو تسبيبا.

لما تقدم من لزوم عقد المزارعة، فالمقتضي للزوم- و هو التسلط على الانتفاع من الأرض- موجود و المانع عنه مفقود.

أما احتمال جواز الرجوع فلعدم لزوم العارية، و قاعدة «سلطنة الناس‏ على أموالهم».

و أما احتمال عدم جوازه لأن إقدام المعير على إعارة أرضه للزراعة التزام منه ببقاء العارية إلى حين حصول النتيجة، و هذه المسألة من احدى الموارد التي مرت الإشارة إليها آنفا من أنهم أطالوا الكلام فيها، مع أن الالتفات إلى أن المعير التزام بالبقاء و الإبقاء يسقط حق المعير عن الرجوع، فلا مجال لبعض التطويلات.

يعني بالنسبة إلى ما بعد الرجوع لا ما قبله لفرض كون المستعير مأذونا في التصرف فيها ما لم يرجع المعير عن إذنه، و لا وجه لأجرة المثل مع الإذن.

للإطلاقات و العمومات الشاملة لما إذا كان العوض ملكا لمالك المعوض و لما إذا لم يكن كذلك، مع أن المقام لا ربط له بما ذكره قدس سرّه، لأن المفروض أنه مستول على استيفاء المنفعة- مباشرة أو تسبيبا- و يكفي في صحة المزارعة و الإجارة التسلط على استيفاء المنفعة مطلقا، و لا نحتاج إلى ملك العين، فلا وجه للإشكال بأن الاستعارة إباحة الانتفاع و المنفعة، و الإجارة استيفاء بعوض المنفعة فإنه مردود، بأنه إذا كان المعير ملتفتا إلى ذلك فكأنه أباح الانتفاع و المنفعة بالمعنى الأعم من ذاتهما و عوضهما.

و أما حديث أنه لا بد و أن يكون العوض لمالك المعوض فلا ريب في انه من الأمور الغالبية، و أما كونه مقوما لحقيقة المعاوضة فلم يثبت بعقل أو نقل لأن قوام المعاوضة بتبادل المالين و يستلزم ذلك تبادل المالكين في الجملة، و الغالب فيه دخول المعوض في ملك مالك العوض، و قد يكون العوض‏ لشخص و المعوض لشخص آخر كما في قول المالك: «اشتر بمالي لنفسك شيئا»، و قد تقدم البحث فيه في أول البيع فراجع.

و أما احتمال أن في الاستعارة للإجارة أن المعير يملك الأجرة ثمَّ هو ينقلها إلى المؤجر و في مثل اشتر بمالي لنفسك شيئا تمليك المال، أولا، إلى المشتري ثمَّ إنشاء البيع أو تملك ما اشتراه المشتري أولا، ثمَّ رده إلى المشتري.

فتكلف و خارج عن سياق الاستعارة للإجارة.

(مسألة ٥): إذا شرط أحدهما على الآخر شيئا في ذمته أو في الخارج‏ – من ذهب أو فضة أو غيرهما- مضافا إلى حصته من الحاصل صح (۷٥). و ليس قراره مشروطا بسلامة الحاصل (۷٦)، بل الأقوى صحة استثناء مقدار معين من الحاصل لأحدهما مع العلم ببقاء مقدار آخر ليكون مشاعا بينهما (۷۷). فلا يعتبر إشاعة جميع الحاصل بينهما على الأقوى (۷۸) كما يجوز استثناء مقدار البذر لمن كان منه أو استثناء مقدار خراج السلطان أو ما يصرف في تعمير الأرض (۷۹)، ثمَّ القسمة، و هل يكون قراره في هذه الصورة مشروطا بالسلامة كاستثناء الأرطال في بيع الثمار (۸۰) أو لا؟ وجهان (۸۱).

نسب ذلك إلى المشهور و عامة المتأخرين، لعموم أدلة الشروط الشامل لجميع ما ذكر في المقام، و يدل عليه أيضا خبر ابن اليسع قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يزرع له الحراث بالزعفران، و يضمن له على أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا و كذا درهما، فربما نقص و غرم و ربما استفضل و زاد؟ قال عليه السّلام: لا بأس به إذا تراضيا»۲۸.

للأصل و الإطلاق بعد عدم دليل على هذا الشرط إلا تنظير المقام باستثناء أرطال معلومة من الثمرة في البيع، لأنه لو تلف البعض منه سقط بحسابه.

و فيه: أنه قياس أولا و مع الفارق ثانيا؛ لأن المقام الشرط في الذمة و المقيس عليه في الخارج و حصة خارجية.

نعم، لو كان في البين انصراف معتبر إلى اشتراط السلامة أو قرينة معتبرة دالة عليه يتبع لا محالة، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

كما عن جمع منهم الشيخ و ابني البراج و إدريس و غيرهم للأصل‏ و الإطلاق، و نسب إلى المشهور البطلان، و استدل عليه.

تارة:- كما عن المحقق في الشرائع- بجواز أن لا تحصل الزيادة فينتفي الإشاعة و موضوع المزارعة.

و أخرى‏: بعدم المشروعية بعد كون العقود متلقاة من الشارع، و هذا النحو من المزارعة لم تتلق منه كما عن المحقق الثاني في جامع المقاصد.

و ثالثة: بأن ذلك خلاف وضع المزارعة كما عن المسالك.

و رابعة: بأنه من سنخ تمليك المعدوم و هو باطل.

و الكل مردود .. أما الأول: فلا وجه له مع اشتراط العلم ببقاء مقدار آخر يكون مشاعا بينهما.

كما لا وجه للثاني بعد العمومات و الإطلاقات المنزل على العرفيات إلا مع دليل على الخلاف و هو مفقود، و لا أساس لكون العقود متلقاة من الشارع أصلا لأنها عرفيات معتبرة مطلقا إلا ما ثبت الردع عنها، كما قررنا ذلك في هذا الكتاب مكررا.

و كذا الثالث لأن وضع المزارعة على الإشاعة في الجملة و هو في المقام حاصل.

و أما الرابع فلا ريب في بطلانه، لأن المعدوم على أقسام:

الأول‏: العدم المطلق من كل حيثية و جهة بحيث لا احتمال لانقلابه إلى الوجود و العاقل بما هو عاقل لا يقدم على العقد و المعاملة بالنسبة إليه.

الثاني‏: العدم الذي اصطلحوا عليه ب- (عدم الملكة)، أي: ما من شأنه أن ينقلب إلى الوجود و له آثار خاصة في فني الأصول و المعقول.

الثالث‏: العدم الفعلي الذي له معرضية عرفية للوجود، و يقدم عليه العرف و العقلاء بالعقد عليه و ترتيب الأثر، و يصح أن يصير موردا للتمليك و النقل و الانتقال باعتبار المعرضية العرفية، و على ذلك يدور جملة من المباحث الفقهية خصوصا في المعاملات، و من ذهب إلى عدم الصحة بالنسبة إلى قسم الأخير خلط بين الأقسام و لم يفرق فيها في الأحكام كما هو واضح، و التفصيل هنا بأزيد من ذلك من التطويل بلا طائل.

للأصل و الإطلاق بعد صدق المزارعة عرفا و لا دليل على الخلاف، و ما ذكر من الدليل على الخلاف مرت الخدشة فيها.

لإطلاق الأدلة، و السيرة في الجملة، و خبر الكرخي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أشارك العلج فيكون من عندي الأرض و البذر و البقر، و يكون على العلج القيام و السقي و العمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا، و تكون القسمة فيأخذ السلطان حقه و يبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث و لي الباقي، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك، قلت: فلي عليه أن يرد على مما أخرجت الأرض البذر و يقسم ما بقي؟ قال: انما شاركته على أن البذر من عندك و عليه السقي و القيام»۲۹، و في صحيح ابن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدي خراجها و ما كان من فضل فهو بينهما؟ قال عليه السّلام: لا بأس»۳۰.

تقدم ما يتعلق باستثناء الأرطال في بيع الثمار فراجع‏۳۱.

بعد كون مفروض المسألة استثناء هذه الأمور من الحاصل يتعين الأول و يسري النقص إلى المستثنى أيضا، و لا يبقى للاحتمال الثاني موضوع.

هذا إذا كان ذلك بعنوان الاستثناء و الإشاعة، و أما إن كان على الذمة فقد تقدم حكمه، و إن كان بعنوان الكلي في المعين فلا ينقص منه شي‏ء ما دام‏ الكلي باقيا.

(مسألة ٦): إذا شرط مدة معينة يبلغ الحاصل فيها غالبا فمضت و الزرع باق لم يبلغ فالظاهر أن للمالك الأمر بإزالته بلا أرش (۸۲)، أو إبقائه و مطالبة الأجرة إن رضى العامل بإعطائها (۸۳)، و لا يجب عليه الإبقاء بلا أجرة، كما لا يجب عليه الأرش مع إرادة الإزالة لعدم حق للزارع بعد المدة و الناس مسلطون على أموالهم (۸٤)، و لا فرق بين أن يكون ذلك‏ بتفريط الزارع أو من قبل اللّه كتأخير المياه أو تغير الهواء (۸٥)، و قيل بتخييره (۸٦) بين القلع مع الأرش و البقاء مع الأجرة، و فيه ما عرفت (۸۷) خصوصا إذا كان بتفريط الزارع (۸۸) مع أنه لا وجه لإلزامه العامل بالأجرة بلا رضاه (۸۹). نعم، لو شرط الزارع على المالك إبقاءه إلى البلوغ بلا أجرة أو معها إن مضت المدة قبله لا يبعد صحته (۹۰) و وجوب الإبقاء عليه.

أما جواز الإزالة فيظهر منهم التسالم عليه، و أرسله في الشرائع و التحرير و المسالك و غيرها إرسال المسلمات، و تدل عليه قاعدة السلطنة و لا تعارض بقاعدة الضرر بدعوى: إن الإزالة ضرر على العامل لأن إبقاء الزرع محدود بحد معين غالبا فكأن الإقدام المعاملي وقع على هذا الحد المعين عرفا، و وقع على التضرر لو لم يبلغ الزرع إلى هذا الحد المعين.

و أما عدم الأرش فهو مقتضى الأصل من غير دليل على الخلاف و ظاهرهم- ممن عدى العلامة- التسالم عليه، كما أن ظاهرهم في المغارسة ذلك أيضا.

لقاعدة: «ان الاستفادة من مال الغير لا بد له من العوض و البدل ما لم تكن مجانية في البين».

و لا تعارض بقاعدة الضرر للإقدام المعاملي على حد معين، و مع عدم بلوغ المقصود في ذلك الحد فهو إقدام على التضرر و لو حصل، فلا موضوع لجريان قاعدة الضرر من جهة إقدامه عليه.

نعم، لو كان في البين شرط أو قرينة معتبرة على الإبقاء إلى بلوغ المقصود و لو بعد الحد المعين يتبع و ليس للمالك الإزالة حينئذ لحكومة قاعدة الضرر على قاعدة السلطنة، و لكن لو تضرر المالك بالإبقاء أيضا كما يتضرر الزارع بالقلع لا بد حينئذ من ملاحظة أقوى الضررين أو تصالح منهما في البين.

لإطلاق الدليل الشامل لكل ذلك كما مر.

نسب ذلك إلى العلامة في قواعده مع أنه في تحريره ذهب إلى الخلاف.

من أن مقتضى الأصل عدم الأرش بعد عدم دليل عليه.

فإنه هو الذي أدخل الضرر حينئذ على نفسه جزما فلا وجه لتدارك المالك له بالأرش.

لأصالة عدم هذا الحق بالنسبة إلى المالك و انّما له السلطنة على ماله فقط.

لعموم أدلة الشروط و إطلاقها الشامل للمقام و لم يذكروا مانعا في البين إلا انه من الجهالة، بل ذكر بعضهم أن الجهالة تتعدى إلى عقد المزارعة فيبطل أصل العقد.

و غفلوا عن أن المزارعة مبنية على الجهالة في الجملة حتى أن صاحب الجواهر في أول كتاب المزارعة أعترف بذلك، و في المقام أشكل فقال في أول الكتاب؛ «و لا نهي عن مطلق الغرر على وجه يشمل هذه المعاملة التي هي مبنية عليه».

و الحق أن الغرر و الجهالة على قسمين:

الأول‏: ما لا يقدم عليه متعارف الناس و لو أقدم عليه لاموه و وبّخوه، و لا  ريب في أنه غير مقدم عليه عرفا، و لا نحتاج إلى النهي عنه شرعا فيكون النهي عنه إرشادا إلى ما ارتكز في أذهانهم كما في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «نهى عن بيع الغرر»۳۲.

أو «نهي عن الغرر»۳۳.

الثاني‏: الغرر الذي بناء متعارف الناس على المسامحة فيه بحيث لو بنى أحد على المداقة و المكايسة يلام و يوبخ، و لا وجه لنفيه في الشريعة المبنية على التسهيل و التيسير، و الغرر في المقام على فرض وجوده من الثاني لا الأول فراجع حالات الناس في مزارعاتهم و تأمل، فلا وجه لبطلان الشرط فضلا عن سرايته إلى بطلان العقد، هذه خلاصة ما قرره بعض مشايخنا العظام «قدست أسرارهم في دار السلام».

(مسألة ۷): لو ترك الزارع الزرع بعد العقد و تسليم الأرض إليه حتى انقضت المدة ففي ضمانه أجرة المثل للأرض (۹۱)- كما إنه يستقر عليه‏ المسمى في الإجارة (۹۲)- أو عدم ضمانه أصلا (۹۳) غاية الأمر كونه‏ آثما (۹٤) بترك تحصيل الحاصل، أو التفصيل بين ما إذا تركه اختيارا فيضمن أو معذورا فلا (۹٥)، أو ضمانه ما يعادل الحصة المسماة من الثلث أو النصف أو غيرهما بحسب التخمين في تلك السنة (۹٦)، أو ضمانه بمقدار تلك الحصة من منفعة الأرض من نصف أو ثلث و من قيمة عمل الزارع (۹۷)، أو الفرق بين ما إذا اطّلع المالك على تركه للزرع فلم يفسخ المعاملة لتدارك استيفاء منفعة أرضه فلا يضمن و بين صورة عدم اطلاعه إلى أن فات وقت الزرع فيضمن (۹۸) وجوه، و بعضها أقوال. فظاهر بل صريح جماعة الأول، بل قال بعضهم يضمن النقص‏ الحاصل بسبب ترك الزرع إذا حصل نقص (۹۹) و استظهر بعضهم الثاني، و ربما يستقرب الثالث، و يمكن القول بالرابع، و الأوجه الخامس، و أضعفها السادس (۱۰۰). ثمَّ هذا كله إذا لم يكن الترك بسبب عذر عام و إلا فيكشف عن بطلان. المعاملة (۱۰۱)، و لو انعكس المطلب بأن امتنع المالك من تسليم الأرض‏ بعد العقد فللعامل الفسخ (۱۰۲) و مع عدمه ففي ضمان المالك ما يعادل حصته من منفعة الأرض (۱۰۳) أو ما يعادل حصته من الحاصل بحسب التخمين (۱۰٤)، أو التفصيل بين صورة العذر و عدمه (۱۰٥)، أو عدم الضمان حتى لو قلنا به في الفرض الأول بدعوى الفرق بينهما (۱۰٦).وجوه (۱۰۷).

قال به جمع- منهم المحقق في الشرائع- و نسب إلى ظاهر الأصحاب أيضا، للتفويت، و الإتلاف، و قاعدة «اليد» و قاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و قاعدة «نفي الضرر».

و الكل مردود. أما الأولان: فلأنه لا تفويت و لا إتلاف المال الغير في البين، إذ لا مال بعد حتى يتحقق التفويت، و الإتلاف و يثبت الضمان و انما يجب عليه الاستنماء و تسليم الحصة بعد القسمة، و هذا يوجب الإثم بالمخالفة لما التزمه على نفسه بالعقد لا الضمان.

إن قيل: إن التفويت من حيث كونه سببا لتضرر المالك فيثبت الضمان من هذه الجهة.

يقال: لا تضرر على المالك في شي‏ء و إنما هو عدم وصول النفع إليه، كما إذا حبس أحد حرا فحرمه و منعه عن عمله و لا يقولون فيه بالضمان.

و منه يظهر أنه لا وجه لجريان قاعدة «اليد» إذ ليس تحت يد العامل شي‏ء إلا الأرض و هي أمانة لم ينقص منها شي‏ء فلا وجه للضمان، كما أنه لا موضوع لقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» أيضا.

أما الأول: فلأن الأرض أمانة و في الأمانة الصحيحة لا ضمان في البين.

و أما ثانيا: فلأن المنساق من القاعدة ما إذا كان الفساد من الأول لا مثل المقام.

و أما توهم: أن الضمان هنا ضمان المعاوضة و لا ربط له باليد و الإتلاف لأن الأرض إنما أعطيت إلى العامل بإزاء العمل، و تقدم في معنى المزارعة أنها اما إجارة الأرض للعمل أو إجارة النفس فيكون الضمان ضمان المعاوضة.

ففيه أولا: أنه لم يعلم من الأدلة كونها من الإجارة موضوعا.

نعم، هو احتمال من الاحتمالات ثبوتا، إذ يحتمل كونها من المشاركات لا المعاوضات.

و ثانيا: إن ظاهر قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» في المعاوضات انما هو فيما إذا كانت المعاوضة فاسدة من الأول لا فيما إذا امتنع أحد المتعاوضين عن الوفاء بما التزم فيبطل أصل العقد حينئذ، فلا بد في الضمان من الاستناد إلى قاعدة أخرى، و التمسك لإثبات الضمان بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و أما قاعدة: «نفي الضرر» فإنما يوجب الخيار لا الضمان.

القياس مع الفارق لأن في الإجارة المنفعة خرجت من ملك المالك و دخل في ملك المستأجر و تسلمها بتسلم العين، و في المقام لم يملك العامل شيئا و انما حصل له حق التصرف في الأرض و الزرع و استنمائه فلا ربط لأحدهما بالآخر.

لعدم موجب له كما مر.

لوجوب الوفاء بالعقود مع التمكن و عدم العجز فيكون تركه إثما لا محالة.

تقدم انه لا منشأ لضمان أجرة الأرض مع الاختيار فضلا عن العذر.

لا دليل له إلا الإتلاف و تقدم انه لا وجه له، إذ ليس في الخارج مال للمالك و أتلفه العامل حتى يضمن، و كذا بالنسبة إلى التفويت.

أي: بمقدار ما يصرف من العمل في استنماء حصة المالك لكون هذا المقدار ملكا للمالك.

و فيه: أما بالنسبة إلى ضمان الحصة فلما تقدم في سابقة من عدم دليل و كذا بالنسبة إلى قيمة العمل فلا ضمان أيضا للأصل، و لأنه لم يصر ملكا للمالك، و إنما العمل للعامل و يجب عليه دفع حصة المالك من عمله بمقتضى معاهدته.

أما عدم الضمان في الأول فمعلوم لاقدام العامل بنفسه على عدم النفع.

و أما الضمان في الأخير فلا بد و أن يكون مدركه إحدى الوجوه التي ذكرت في أول المسألة، و تقدم أن كلها مردودة فلا وجه للضمان أصلا.

ان كان هذا من جهة التفريط فلا ريب و لا إشكال في ضمانه، و إلا فلا وجه له لقاعدة «عدم تضمين الأمين إلا مع التعدي و التفريط».

ظهر من جميع ما تقدم انه لا وجه لجميع الأقوال إلا الثاني، لأن الضمان مطلقا يدور مدار إحدى الوجوه المزبورة في الوجه الأول، و ظهر مما مر ضعفها بلا فرق في ذلك كله بين كون الأرض تحت استيلاء العامل أو المالك أو هما معا لجريان الأصل و عدم تمامية دليل الضمان في الجميع، كما أنه ظهرت الخدشة لإثبات الضمان بقاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».

و يمكن اختلاف الحكم باختلاف الجهات و الخصوصيات الخارجية الغير المحدودة بحد خاص، فتصير تلك الخصوصيات.

تارة: منشأ للضمان عند أهل الخبرة.

و أخرى‏: موجبا للنقص الحاصل فيصير جميع تلك الأقوال من باب النزاع اللفظي المختلف باختلاف تلك الخصوصيات المحفوفة بالموضوع، و لكن الأحوط التراضي مطلقا خصوصا فيما إذا كانت الأرض تحت استيلاء العامل

لما مر في الشرط السابع من اشتراط كون الأرض قابلة للزراعة فينتفي المشروط بانتفاء الشرط، و لا ضمان حينئذ على العامل بوجه للأصل بعد عدم دليل عليه.

نعم، لو أمكن زرع شي‏ء آخر غير ما ذكر في عقد المزارعة و أذن له‏ المالك و لم يفعل دخل في المسألة السابقة.

لأن التسليم من الشروط البنائية الارتكازية العقلائية المقررة شرعا فمع عدم تحققه يثبت خيار تخلف الشرط لا محالة.

لكون الزارع مسلطا على الأرض، و المالك قد حال بين الزارع و بين انتفاعه بعمله في الأرض التي يكون الزارع مسلطا عليه بمقتضى القرار المزارعي.

و فيه: انه مخالف لما تسالموا عليه من أن منافع الحر انما يضمن بالاستيفاء لا بالتفويت، و جميع ما تقدم في المسألة السابقة لعدم الضمان يجري هنا أيضا.

لأن حق العامل في الواقع في حصته فقط لا في تمام الأرض و منفعتها فالتفويت انما هو بالنسبة إلى حقه فقط فلا بد من الضمان.

و فيه: إن الضمان لا بد و أن يتحقق بالنسبة إلى ملك الغير، و لا موضوع للملك بعد فلا وجه للضمان إلا إذا رجع ذلك إلى ضمان حرمانه عن ثمرة عمله و لا يقولون به في الحرّ كما مرّ.

ظهر مما مر أنه لا دليل على الضمان في صورة عدم العذر فضلا عن وجوده.

بدعوى: أنه لا شي‏ء للزارع هنا حتى يضمن بخلاف المسألة السابقة، فإن الأرض و منفعتها كانت للمالك عطلها الزارع فيتصور فيها الضمان يظهر ذلك من الجواهر.

و فيه: ما مر في المسألة السابقة من عدم وجه صحيح للضمان فيها لا ضمان اليد و لا المعاوضة فكذا في المقام.

ظهر من جميع ما مر أنه لا وجه للضمان لا في المسألة السابقة و لا في المقام، و المصنف استوجه في المسألة السابقة الوجه الخامس و سكت في المقام، مع أن المسألتين داخل تحت كبرى واحدة فلا وجه للتفريق بينهما.

و يمكن اختلاف ذلك أيضا باختلاف الجهات و الخصوصيات المحفوفة بالموضوعات الخارجية، و يختلف الحكم بلحاظها لا محالة، و ليس كل واحد من الموردين حينئذ داخلة تحت كبرى واحدة حتى تتعارض فيها الأقوال، بل كل من قال بقول لاحظ خصوصية خاصة في نظره لو أطلع عليه الآخر لقالوا بقوله أيضا.

(مسألة ۸): إذا غصب الأرض بعد عقد المزارعة غاصب و لم يمكن الاسترداد منه فإن كان ذلك قبل تسليم الأرض إلى العامل تخير بين الفسخ و عدمه (۱۰۸)، و إن كان بعده لم يكن له الفسخ (۱۰۹)، و هل يضمن‏ الغاصب تمام منفعة الأرض في تلك المدة للمالك فقط (۱۱۰)، أو يضمن له بمقدار حصته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض و يضمن له أيضا له بمقدار حصته من النصف أو الثلث من منفعة الأرض و يضمن له أيضا مقدار قيمة حصته من عمل العامل حيث فوّته عليه (۱۱۱) و يضمن للعامل أيضا مقدار حصته من منفعة الأرض (۱۱۲)؟ وجهان (۱۱۳)، و يحتمل ضمانه لكل منهما ما يعادل حصته من الحاصل بحسب التخمين (۱۱٤).

لأن من الشروط البنائية العقلائية المقررة شرعا في كل معاملة التسليم و التسلم، و مع عدم تحققه يثبت خيار تخلف الشرط، و لكن لا أثر لفسخه و عدمه لانفساخ المزارعة بعد التمكن من العمل و لا ضمان على العامل للمالك، و كذا العكس كما مر.

نعم، مع عدم الفسخ يدخل العامل في مورد الاحتمالات الآتية بالنسبة إلى ضمان الغاصب.

لأصالة اللزوم فيحتمل ضمان الغاصب للعامل، كما يأتي في الاحتمالات و لا أثر لهذا اللزوم غير هذا.

لبقاء منفعة الأرض على ملك المالك و عدم انتقاله إلى العامل، للأصل بعد عدم دليل عليه، و إنما يجب على المالك تسليمها إلى العامل للقرار الذي وقع بينهما في استنماء الأرض فالمنفعة فاتت تحت يد الغاصب، و مقتضى قاعدة «اليد» ضمانه لها بجميع ما فاتت أعم مما وقعت مورد عقد المزارعة و غيرها.

و لكنه لا دليل على كون تفويت كل منفعة يوجب الضمان، بل مقتضى الأصل عدمه إلا ما دل عليه الدليل بالخصوص و هو مفقود.

بدعوى: أن المالك و العامل أقدما على تحديد المنفعة بحد خاص فكأنهما أسقطا جميع المنافع إلا ما بنيا عليه من المنفعة، فلا وجه لضمان جميع المنافع.

و فيه: أن ضمان اليد انما هو بالنسبة إلى جميع ما ثبت يد الغاصب عليه، و لا ريب في كونه جميع المنافع الأعم مما بنيا عليه و من غيره كما في سائر الموارد.

الظاهر هو الأول لو لم تكن قرينة خارجية يستفاد منها تعيين غيره.

ظهر مما تقدم انه لا وجه له، و الأحوط لهما التصالح و التراضي.

(مسألة ۹): إذا عين المال نوعا من الزرع من حنطة أو شعير أو غيرهما تعين و لم يجز للزارع التعدي عنه (۱۱٥)، و لو تعدى إلى غيره‏ ذهب بعضهم (۱۱٦) إلى أنه إن كان ما زرع أضر مما عينه المالك كان المالك مخيرا بين الفسخ (۱۱۷)، و أخذ أجرة المثل للأرض و الإمضاء و أخذ الحصة من المزروع مع أرش النقص الحاصل من الأضر و إن كان أقل ضررا لزم و أخذ الحصة منه (۱۱۸)، و قال بعضهم (۱۱۹)، يتعين أخذ أجرة المثل للأرض مطلقا (۱۲۰) لان ما زرع غير ما وقع عليه العقد فلا يجوز أخذ الحصة منه مطلقا، و الأقوى (۱۲۱) إنه إن علم أن المقصود مطلق الزرع و أن الغرض من التعيين ملاحظة مصلحة الأرض و ترك ما يوجب ضررا فيها، يمكن أن يقال إن الأمر كما ذكر من التخيير بين الأمرين (۱۲۲) في صورة كون المزروع أضر و تعيين الشركة في صورة كونه‏ أقل ضررا (۱۲۳)، لكن التحقيق مع ذلك خلافه (۱۲٤)، و إن كان التعيين لغرض متعلق بالنوع الخاص لا لأجل قلة الضرر و كثرته فإما أن يكون التعيين على وجه التقييد و العنوانية (۱۲٥)، أو يكون على وجه تعدد المطلوب و الشرطية، فعلى الأول إذا خالف ما عين فبالنسبة إليه يكون كما لو ترك الزرع أصلا (۱۲٦) حتى انقضت المدة (۱۲۷)، فيجري فيه الوجوه‏ الستة المتقدمة في تلك المسألة، و أما بالنسبة إلى الزرع الموجود فإن كان البذر من المالك فهو له (۱۲۸)، و يستحق العامل أجرة عمله على إشكال في صورة علمه بالتعيين و تعمده الخلاف لإقدامه حينئذ على هتك حرمة عمله (۱۲۹)، و إن كان البذر للعامل كان الزرع له (۱۳۰) و يستحق المالك عليه أجرة الأرض (۱۳۱) مضافا إلى ما استحقه من بعض الوجوه المتقدمة (۱۳۲)، و لا يضر استلزامه الضمان للمالك من قبل أرضه‏ مرتين (۱۳۳) على ما بينا في محله لأنه من جهتين (۱۳٤)، و قد ذكرنا نظير ذلك في الإجارة أيضا (۱۳٥). و على الثاني (۱۳٦) يكون المالك مخيرا بين أن يفسخ المعاملة لتخلف شرطه (۱۳۷)، فيأخذ أجرة المثل للأرض (۱۳۸) و حال الزرع الموجود حينئذ ما ذكرنا من كونه لمن له البذر (۱۳۹) و بين أن لا يفسخ‏ و يأخذ حصته من الزرع الموجود بإسقاط حق شرطه (۱٤۰)، و بين أن لا يفسخ و لكن لا يسقط حق شرطه أيضا بل يغرم العامل (۱٤۱) على بعض الوجوه الستة المتقدمة و يكون حال الزرع الموجود كما مر من كونه لمالك البذر (۱٤۲).

لوجوب الوفاء بالعقد، مضافا إلى الإجماع.

كالمحقق في الشرائع و العلامة في التذكرة و الشهيد في اللمعة.

أما أصل ثبوت الخيار فلقاعدة «نفي الضرر و الضرار»، و أما التخيير بين الأمرين المذكورين فلعدم شق ثالث في البين، و لا إشكال في ضمان العامل في المقام للتعدي، و لكن تأتي الخدشة في أصل ثبوت الخيار.

أما اللزوم فلما دل على لزوم المزارعة، و يترتب عليه أخذ الحصة هذا إذا أحرز أن التعيين بنحو تعدد المطلوب، و أما إن كان بنحو التقييد الحقيقي فلا وجه للزوم كما يأتي و منه يظهر حكم المساوي، فالتعدي أما إلى أكثر ضررا أو إلى الأقل أو إلى المساوي و حكم الأخيرين واحد.

كالمحقق و الشهيد الثانيين و من تبعهما فحكموا بضمان أجرة المثل في جميع صور التعدي لقاعدة «اليد» بعد بطلان العقد.

لعدم حق العامل بعد فرض بطلان أصل العقد.

كيف يكون هذا أقوى مع ما يأتي منه من أن التحقيق خلافه.

لا وجه للخيار مع إمكان تدارك ضرره بوجه آخر- من أخذ التفاوت من العامل الذي حصل النقص بتجاوزه- فيستحق أخذ الحصة مع كون تعيين‏ الحصة من باب تعدد المطلوب، لفرض شمول العقد لمطلق المزروع و كون التعيين من باب تعدد المطلوب كما أن له أخذ التفاوت كما مر لمكان التعدي، و إن كان التعيين بنحو وحدة المطلوب فلا موضوع لأخذ الحصة لبطلان العقد فيتعين أخذ أجرة المثل.

مع كون التعيين من باب تعدد المطلوب لا الوحدة.

ثمَّ ان المراد بوحدة المطلوب و تعدده انما هو الوحدة و التعدد بحسب الأغراض المعاملية النوعية العرفية، و لا ريب في صحة تصوير ذلك عندهم كما أن المراد بالشرطية و القيدية ذلك أيضا و يعتبر عن القيدية بالعنوانية أيضا.

نعم، الشرطية بالمعنى الأعم يصح انطباقها على كل من وحدة المطلوب و تعدده، و لكن إذا أطلقت في مقابل القيدية يراد بالشرطية تعدد المطلوب، و لا وجه للإشكال على الماتن و غيره و تطويل الكلام في ذلك كما عن بعض.

لما مر آنفا من إمكان جبر النقص بوجه آخر فلا وجه للخيار في مقابل أصالة اللزوم.

المراد بالعنوانية هو التقييد الأصولي، و الشرط أعم من التقييد الأصولي و غيره.

لأن ما قيد به العقد لم يقع و ما وقع لم يكن العقد مقيدا و معنونا به فيصير شي‏ء آخر غير عقد المزارعة فيدخل في موضوع تلك المسألة.

إذ لا فرق في الترك بين أن يترك الزرع رأسا و يعطل الأرض، أو زرع‏ غير ما أمر به المالك لأنه أيضا ترك لما وقع عليه العقد.

لقاعدة التبعية التي هي من القواعد العقلائية المقررة في الشريعة.

و لم يحصل تسبب من المالك لاستيفاء عمله حتى يكون ضامنا لأجرة عمله من جهة أصالة الاحترام في العمل؛ لأن ما تسبب به المالك لم يحصل و ما حصل لم يكن للمالك تسبب إليه فمقتضى الأصل عدم الضمان، و كذا في صورة جهل العامل لأصالة براءة ذمته عن الضمان بعد عدم تحقق تسبب منه إليه، و هذه الجهة مثل صورتي العلم و الجهل معا كما أن العامل لا يكون ضامنا لقيمة البذر و أجرة الأرض لأن ذلك إحسان بالنسبة إلى المالك و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏۳4.

و توهم ان التسبب في الذات و الطبيعة يكفي في التسبب للفرد فيحصل التسبب من المالك فيكون ضمانا للمسمى.

فاسد لأنه فيما إذا كانت الافراد داخلة تحت طبيعة واحدة لا فيما إذا كانت هناك طبيعتين مختلفتين كما في المقام.

لما تقدم من قاعدة التبعية.

لفرض انتفاعه منها بغير ما أذن به المالك.

إن قلنا بالضمان فيه و تقدم أنه لا وجه له.

أي: ضمان الأرض لقاعدة «اليد» بعد بطلان المعاوضة و ضمان استيفاء منفعة الأرض مخالفة المالك فيما عينه للزرع.

أي: جهة استيفاء المنفعة و جهة ضمان اليد بالنسبة إلى الأرض.

راجع (مسألة ٦) من (فصل يكفي في صحة الإجارة كون المؤجر مالكا للمنفعة)، هذا إذا أمكن تصوير ضمانين في المقام ضمان المعاوضة و ضمان اليد، و أما مع عدم إمكانه فالتنظير في غير المحل.

أي: ما إذا أخذ التعيين بنحو تعدد المطلوب و الشرطية الخارجية عن قوام المزارعة.

و يسمى هذا بخيار الاشتراط كما في جميع موارد تخلف الشرط.

إذا كان البذر للعامل يعني بالنسبة إلى الزمان المتقدم على الفسخ، و أما بالنسبة إلى ما بعده فيصح لهما التراضي بالإبقاء مع الأجرة إن كان البذر من العامل، كما أنه يجوز للمالك القلع حينئذ، و أما إن كان البذر للمالك فلا وجه لاستحقاقه أجرة مثل الأرض على العامل لفرض أن الزرع وقع بإذن المالك و يكون له.

لما مر من قاعدة التعبية، لكن إذا كان البذر للمالك و صار الحاصل له يستحق العامل عليه أجرة العمل، لأن عمله وقع بإذنه فيكون محترما بخلاف الصورة السابقة التي كان التعيين بعنوان تقييد أصل المعاملة به و كونه من مقوماته بحيث ينعدم أصلها و أصل الإذن عند التخلف‏  فتسقط أجرة عمله لعدم الإذن.

لقاعدة ان لكل ذي حق إسقاط حقه إلا إذا دل دليل على الخلاف، و إذا أسقط حقه تصح المزارعة بلا شرط و تصير حصته له.

يعني لا يسقط حق شرطه، و يطالب العامل بعوض التصرف الغير المأذون فيه من جهة مخالته للشرط فيصير تصرفه بلا إذن لا محالة.

و فيه: أولا أن المفروض أن الإذن انحلالي فلا وجه لاحتمال عدم الإذن في أصل المزارعة كما في كل معاملة اشترط فيها شرط و خولف الشرط حيث انه لا وجه لاحتمال عدم الإذن و الا لفسد أصل المعاملة، و هو مناف لاعتراف المالك بالإذن، و تقدم أن هذا هو الفارق بين المقومية و الشرطية.

و ثانيا: لا وجه للتغريم و الضمان عند تخلف الشرط مع كون المالك معترفا بالإذن، و لا يقولون به في سائر موارد خيار الاشتراط، و انما يوجب تخلف الشرط الخيار فقط إلا إذا ثبت بدليل خارجي ثبوت الأرش في البين كما في خيار العيب و اشترط البكارة و الختان عند بعض، و تقدم التفصيل في خيار العيب و لا دليل عليه في المقام.

و ثالثا: لا وجه لكون الغرامة على بعض الوجوه المتقدمة كما صرح قدس سرّه بذلك، لأنه على فرض ثبوت الغرامة فهو تابع لدلالة دليلها على فرض ثبوت الدليل لها، مع أنه تقدم فيها عدم الضمان فكيف بالمقام الذي يكون المالك معترفا بالإذن، ثمَّ على فرض صحة تغريم العامل فهو على ما به التفاوت بين الزرعين، و لكن أصل التغريم باطل كما مر.

كيف يكون لمالك البذر مع اعترافهما ببقاء العقد و عدم تحقق‏ الفسخ و الانفساخ، بل الزرع الموجود يكون بينهما على حسب القرار الذي بنيا عليه.

(مسألة ۱۰): لو زارع على أرض لا ماء لها فعلا لكن أمكن تحصيله بعلاج من حفر سياقية أو بئر أو نحو ذلك فإن كان الزارع عالما بالحال صح و لزم و إن كان جاهلا كان له خيار الفسخ (۱٤۳)، و كذا لو كان الماء مستوليا عليها و أمكن قطعة عنها (۱٤٤)، و أما لو لم يمكن التحصيل في الصورة الأولى أو القطع في الثانية كان باطلا (۱٤٥)، سواء كان الزارع عالما أو جاهلا (۱٤٦)، و كذا لو انقطع في الأثناء و لم يمكن تحصيله أو استولى عليها و لم يمكن قطعة (۱٤۷)، و ربما يقال بالصحة مع علمه بالحال (۱٤۸)، و لا وجه له (۱٤۹)، و إن أمكن الانتفاع بها بغير الزرع لاختصاص المزارعة بالانتفاع بالزرع. نعم، لو استأجر أرضا للزراعة مع علمه بعدم الماء و عدم إمكان تحصيله أمكن الصحة لعدم اختصاص الإجارة بالانتفاع بالزرع إلا أن يكون على وجه التقييد فيكون باطلا أيضا (۱٥۰).

أما الأول فللإطلاقات و العمومات الدالة على الصحة و اللزوم الشاملة لهذه الصورة.

و أما الثاني فلأنه من تخلف الشرط البنائي الذي هو كتخلف الشرط الذي لا بد من تقييده بما إذا كان في تحصيله ضرر للعامل، و إلا فلا وجه للخيار لفرض أن الشرط حينئذ كان حاصلا فلا وجه لخيار تخلف الشرط.

لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و تقدم في الشرط السابع اعتبار هذا الشرط فراجع.

لأن شرط عدم المانع و وجود المقتضي للزراعة في الأرض شرط واقعي لا يفرق فيه بين صورتي العلم و الجهل.

لأن الشرط استمراري لا أن يكون حدوثيا فقط كما هو مقتضى السيرة و ظواهر الأدلة.

يظهر ذلك من الشرائع و القواعد، و لعل نظرهما رحمهم اللّه إلى قاعدة الإقدام على هتك العمل.

لعدم تحقق موضوع المزارعة بعد عدم صلاحية الأرض للزرع و إن أقدم العامل على هتك عمله، و يمكن أن يكون نظرهما إلى صورة إمكان تحصيل الماء للعامل بصعوبة فتصح حينئذ للإقدام على تحمله للصعوبة بنفسه.

لانتفاء المقيد بانتفاء القيد المقوم، و يمكن أن يكون مراد المحقق و العلامة ما إذا استأجر الأرض بداعي الزرع مع علم العامل بعدم القابلية فتكون الإجارة صحيحة لأن تخلف الداعي لا يوجب بطلان العقد، و لو شك في أنه من الداعي أو التقييد فمقتضى الظاهر هو الثاني إلا مع القرينة على الأول.

(مسألة ۱۱): لا فرق في صحة المزارعة بين أن يكون البذر من المالك أو العامل أو منهما (۱٥۱)، و لا بد من تعيين ذلك إلا أن يكون هناك‏ معتاد ينصرف إليه الإطلاق (۱٥۲)، و كذا لا فرق بين أن تكون الأرض مختصمة بالمزارع أو مشتركة بينه و بين العامل (۱٥۳)، و كذا لا يلزم أن يكون تمام العمل على العامل فيجوز كونه عليهما، و كذا الحال في سائر المصارف. و بالجملة هنا أمور أربعة: الأرض و البذر و العمل و العوامل، فيصح أن يكون من أحدهما أحد هذه و من الآخر البقية، و يجوز أن يكون من كل منهما اثنان منها، بل يجوز أن يكون من أحدهما بعض أحدها و من الآخر البقية، كما يجوز الاشتراك في الكل فهي على حسب ما يشترطان (۱٥٤)، و لا يلزم على من عليه البذر دفع عينه فيجوز له دفع قيمته، و كذا بالنسبة إلى العوامل كما لا يلزم مباشرة العامل بنفسه فيجوز له أخذ الأجير على العمل إلا مع الشرط (۱٥٥).

للإطلاق، و السيرة، و ظهور الاتفاق، و ما ورد في بعض الأخبار من ذكر بعض الأقسام ليس من باب التخصيص به، بل من باب الغالب في تلك الأزمنة أو من باب المثال، كخبر ابن شعيب عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن المزارعة؟ فقال عليه السّلام: النفقة منك و الأرض لصاحبها فما خرج اللّه من شي‏ء قسم على الشطر، و كذلك أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر حين أتوه فأعطاهم إياها على أن يعمروها و لهم النصف مما أخرجت»۳٥، و خبر الكرخي عنه عليه السّلام أيضا:

«أشارك العلج فيكون من عندي الأرض و البذر و البقر و يكون على العلج القيام‏  و السقي و العمل في الزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا فتكون القسمة، فيأخذ السلطان حقه و يبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث و لي الباقي، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك»۳٦: و ليس للفقيه التداخل في هذه الموضوعات لأن الزارعين أعرف بهذه الأمور منهم و الأدلة وردت على طبق مرتكزاتهم، و لو قلنا بأن في هذا الأمر النوعي النظامي يكون منع الشارع مانعا لا أن يكون بيانه لحدوده و قيوده شرطا لكان قولا صحيحا.

أما الأول فلظهور الاتفاق، و سيرة الزارعين عليه دفعا للخصومة و اللجاج و تمسكا بالتعيين لدى الاحتجاج.

و أما الأخير فلأن الانصراف المعتبر بمنزلة التعيين.

لما مر في سابقة من غير فرق.

نعم، الغالب في بعض الأمكنة كون الأرض من المالك، و هو لا يوجب تقييد أصل المزارعة المأذون فيها شرعا كما هو معلوم.

و ما عن بعض الشراح من أن ذلك يتوقف على صدق المزارعة و هو مشكوك.

مردود، بأنّ المناط في الصدق انما هو على الصدق العرفي عند المزارعين و الدهاقين لا الصدق عند نظر الفقيه الذي يكون بنائه على التشكيك‏ حتى في العرفيات المسلمة.

و قد راجعنا بعض خبراء المزارعين و ثقاتهم فقالوا إن كل ذلك مزارعة.

لعموم ما يدل على وجوب الوفاء بالشرط ما لم يكن نهي شرعي في البين و هو مفقود، و لأن الحق لا يتعدى منهما فلهما أن يتراضيا عليه بكل ما شاء اللّه و أرادا، و قد وسع في المزارعة بما لم يوسع في غيره تسهيلا على المزارعين.

نعم، الغالب في بعض البلاد كون الأرض من المالك، و ذلك لا يوجب تقوم أصل المزارعة بذلك.

و من ذلك ظهر حكم الصور الكثيرة التي ذكروها في المقام فلا وجه لعدها تفصيلا بعد وضوح أصل الكبرى.

كل ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق، و السيرة في الجملة و عدم دليل على المنع بعد تحقق التراضي على ما بنيا عليه فلهما أن يتراضيا بكل ما أرادا.

و توهم: أن الأصل في العمل المباشرة.

باطل، بل الأصل فيه الأعم منه لبناء الفقهاء على أن كل عمل يقبل النيابة إلا ما خرج بالدليل.

(مسألة ۱۲): الأقوى جواز عقد المزارعة بين أزيد من اثنين بأن تكون الأرض من واحد و البذر من آخر و العمل من ثالث و العوامل من رابع، بل يجوز أن يكون بين أزيد من ذلك كأن يكون بعض البذر من واحد و بعضه الآخر من آخر، و هكذا بالنسبة إلى العمل و العامل، لصدق المزارعة (۱٥٦) و شمول الإطلاقات، بل يكفي العمومات‏ العامة (۱٥۷)، فلا وجه لما في المسالك من تقوية عدم الصحة بدعوى أنها على خلاف الأصل فتتوقف على التوقيف من الشارع و لم يثبت عنه ذلك. و دعوى: أن العقد لا بد أن يكون بين طرفين موجب و قابل فلا يجوز تركبه من ثلاثة أو أزيد على وجه تكون أركانا له، مدفوعة: بالمنع فإنه أول الدعوى (۱٥۸).

أشكل عليه بعدم الصدق تارة، و بعدم عموم في المزارعة يشمل هذا  أخرى.

و كلاهما باطل. أما الأول: فالوجدان و العرف و اللغة يحكم بأنها مزارعة بين أكثر من اثنين.

نعم، لعل الغالب كونها بين اثنين و لا ريب في أن الغلبة الوجودية لا تكون من المقومات.

و أما الثاني فأي عموم أقوى و أولى من قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ازرعوا و اغرسوا فلا و اللّه ما عمل الناس عملا أحل و لا أطيب منه»۳۸، و هو يشمل جميع ما يتصور فيها من فروض الموضوع إلا ما دل دليل على الخلاف.

و ما يتوهم: انه في مقام بيان أصل الجواز فلا يشمل الفروض المتصورة في موضوعها.

مدفوع: بأن كل عموم ورد في مقام التشريع يتمسك به مطلقا إلا مع وجود مخصص في البين و هو مفقود، مضافا إلى ما تقدم من أن في هذه المعاملة النوعية النظامية نحتاج إلى ورود ردع عن شي‏ء منها بالخصوص و الا فمطلق التراضي كاف فيها.

أشكل عليها بأنها لا تكفي في صدق المزارعة.

و هذا الإشكال عجيب لأنه بعد قصد المزارعة و الانطباق القهري على ما وقع و الصدق العرفي أيضا كيف لا تكفي العمومات لإثباتها.

لا ريب في تقوم العقد بالموجب و القابل، و لكن لا دليل على اعتبار  كونهما واحدا بالوحدة الشخصية فيصح بكلما تتحقق به نظام المعاملة و المعاهدة و القرار المعاملي، و أصل الاشتباه حصل من اقتصار النظر إلى ما هو الواقع في الخارج خصوصا في الأزمنة القديمة من كون كل عقد بين اثنين شخصين، و أما التمسك لعدم الصحة بين أكثر من اثنين بمثل خبر أبي الربيع الشامي من المنع عن التسمية للبذر ثلثا و البقر ثلثا۳۷، فلا ربط له بالمقام.

أما أولا فلأن مورده كون المزارعة بين الاثنين.

و أما ثانيا فلسقوطه بالإعراض فالعمومات و الإطلاقات متبعة مع الصدق العرفي، و أما مع الشك في الصدق العرفي فتصح على ما ترضوا عليه لعموم:

تِجارَةً عَنْ تَراضٍ‏۳۹، و إن لم يدخل في عنوان المزارعة.

(مسألة ۱۳): يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعة (۱٥۹)، أو يزارعه في حصته (160)، من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك (۱٦۱).و لا يشترط فيه إذنه (۱٦۲). نعم، لا يجوز تسليم الأرض إلى ذلك الغير إلا بإذنه (۱٦۳)، و إلا كان ضامنا كما هو كذلك في الإجارة أيضا (۱٦٤)، و الظاهر جواز نقل مزارعته إلى الغير بحيث يكون كأنه هو الطرف للمالك بصلح و نحوه بعوض و لو من خارج أو بلا عوض (۱٦٥)، كما يجوز نقل حصته إلى الغير سواء كان‏ ذلك قبل ظهور الحاصل أو بعده (۱٦٦)، كل ذلك لأن عقد المزارعة من العقود اللازمة الموجبة لنقل منفعة الأرض (۱٦۷)، نصفا أو ثلثا أو نحوهما إلى العامل فله نقلها إلى الغير بمقتضى قاعدة السلطنة، و لا فرق فيما ذكرنا بين أن يكون المالك شرط عليه مباشرة العمل بنفسه أو لا (۱٦۸)، إذ لا منافاة بين صحة المذكورات و بين مباشرته للعمل إذ لا يلزم في صحة المزارعة مباشرة العمل فيصح أن يشارك أو يزارع غيره و يكون هو المباشر دون ذلك الغير (۱٦۹).

المراد بهذه المشاركة جعل الغير مزارعا مثل نفسه، و اعتبار هذه الصفة بالنسبة إليه و هو صحيح عرفا بلا إشكال.

لقاعدة السلطنة و ظهور الإجماع في كل منهما.

أما في الصورة الأولى فلكونه ملكه، و «الناس مسلطون على أموالهم».

و أما في الصورة الثانية فلفرض كونه مسلطا من المالك على تنميته فحصل للعامل نحو حق بالنسبة إليه مع عدم قيد المباشرة، و لا وجه لعدم اعتبار المباشرة إلا جواز نقل هذا الحق إلى الغير تماما أو إتماما، و تقتضيه أصالة جواز النيابة و الوكالة في كل شي‏ء إلا ما دل دليل على الخلاف و هو مفقود في المقام، فما نسب في المسالك إلى بعض من عدم الصحة فيما إذا كان البذر للمالك لا وجه له على فرض وجود هذا القول، و لكن عن جمع عدم الظفر عليه و لا على قائله لا من العامة و لا من الخاصة و على فرض وجود هذا القول يمكن حمله على ما إذا كانت في البين قرينة دالة على المنع.

لأن عدم اعتبار كون المزارعة بنفسه لنفسه إذن في صحة النيابة و الإيكال إلى الغير كلا أو بعضا كما في الإجارة مع عدم اشتراط المباشرة.

لأصالة عدم التصرف في مال الغير إلا بإذنه.

هذا إذا لم يستفاد من عدم اعتبار المباشرة اذنه في التسليم بالملازمة العرفية، و إلا فلا نحتاج إلى إذن جديد لفرض حصول الإذن سابقا بالملازمة العرفية.

لا ريب في الضمان مع عدم الإذن- و لو بالملازمة- لتطابق العقل و النقل عليه.

أما الأول فلأنه ظلم.

و أما الأخير فلقوله تعالى‏ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه»، و تقتضيه قاعدة «اليد».

لأنه لا ريب في حصول حق للعامل في المزارعة، و يجوز لكل ذي‏ حق نقل حقه إلى غيره بعوض أو غير عوض إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود في المقام.

لما مر في سابقة من غير فرق.

و توهم: انه قبل ظهور الحاصل لا وجود للحصة حتى تقبل النقل.

مردود: بأنه لا ريب في تعلق الحق بها، و يكفي في متعلق الحق صحة الاعتبار العرفي و لو لم يكن فعليا من كل وجه فينقل هذا الحق المعتبر عرفا؛ إذ الاعتباريات خفيفة المؤنة من كل جهة.

لا ريب في ثبوت هذا الحق شرعا و عرفا، كما ان مقتضى أصالة سلطنة الناس على أموالهم و حقوقهم صحة نقل هذا الحق، فالمقتضي للنقل موجود و المانع عنه مفقود، و لا فرق بين كون متعلق الحق هو المنفعة أو الانتفاع لثبوت أصل الحق القابل للنقل على كل تقدير.

يأتي آنفا ان في بعض أقسام المباشرة لا يجوز ذلك كما يأتي في (مسألة ۱٥) بعض ما يرتبط بالمقام.

المباشرة في المقام على أقسام أربعة:

الأول‏: عدم ملاحظتها و تقييدها أصلا.

الثاني‏: التقييد بها بأن يكون العمل بنفسه و من نفسه.

الثالث‏: التقييد بها بأن يكون العمل بنفسه سوآء كان من نفسه أو من غيره.

الرابع‏: التقييد بها بأن يكون العمل بنفسه لغيره، و في الكل يجوز المشاركة مع الغير إلا في القسم الثاني.

(مسألة ۱٤): إذا تبين بطلان العقد فإما أن يكون قبل الشروع في العمل، أو بعده و قبل الزرع بمعنى نثر الحب في الأرض، أو بعده و قبل حصول الحاصل، أو بعده، فإن كان قبل الشروع فلا بحث و لا إشكال (۱۷۰)، و إن كان بعده و قبل الزرع بمعنى الإتيان بالمقدمات من حفر النهر و كري الأرض و شراء الآلات و نحو ذلك فكذلك (۱۷۱). نعم، لو حصل وصف في الأرض يقابل بالعوض من جهة كريما أو حفر النهر لها أو إزالة الموانع عنها كان للعامل قيمة ذلك الوصف (۱۷۲)، و إن لم يكن كذلك و كان العمل لغوا فلا شي‏ء له (۱۷۳)، كما أن الآلات لمن أعطى ثمنها (۱۷٤)، و إن كان بعد الزرع كان الزرع لصاحب البذر (۱۷٥)، فإن كان للمالك كان الزرع له و عليه للعامل أجرة عمله‏ و عوامله (۱۷٦)، و إن كان للعامل كان له و عليه أجرة الأرض للمالك (۱۷۷)، و إن كان منهما كان لهما على النسبة نصفا أو ثلثا و لكل منهما على الآخر أجرة مثل ما يخصه من تلك النسبة (۱۷۸)، و إن كان من ثالث فالزرع و له عليه للمالك أجرة الأرض و للعامل أجرة عمله و عوامله (۱۷۹) و لا يجب على المالك إبقاء الزرع إلى بلوغ الحاصل (۱۸۰) إن كان التبين قبله بل له أن يأمر بقلعه و له أن يبقى بالأجرة إذا رضي صاحبه و إلا فليس له إلزامه بدفع الأجرة (۱۸۱)، هذا كله مع الجهل بالبطلان، و أما مع العلم فليس للعالم منهما الرجوع على الآخر بعوض أرضه أو عمله لأنه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله فكأنه متبرع به (۱۸۲)، و إن كان الآخر أيضا عالما بالبطلان، و لو كان العامل بعد ما تسلم الأرض تركها في يده بلا زرع فكذلك يضمن أجرتها للمالك مع بطلان المعاملة لفوات منفعتها تحت يده (۱۸۳)، إلا في صورة علم المالك بالبطلان لما مر (۱۸٤).

في أنه لا يجب شي‏ء على العامل و لا على المالك مطلقا من قسمة شي‏ء أو أجرة كل ذلك للأصل و الإجماع بعد عدم وقوع عمل من العامل، كما هو المفروض.

بناء على أن المعاملة كانت على الزرع و المقدمات كانت خارجة عنها مطلقا، و إلا فعمله محترم لا بد للمالك من تدارك عوض عمله بعد حصول التسبب منه إلى استيفاء منفعة عمله، و المناط كله حكم ثقات أهل الخبرة في تعيين الموضوع.

لاحترام عمله فيحترم أثر عمله قهرا.

للأصل و العرف و الإجماع.

لأن ذلك هو مقتضى المعاوضة، مضافا إلى ظهور الإجماع.

لقاعدة «التبعية» و ظهور الإجماع.

لقاعدة «الضمان في استيفاء العمل المحترم» التي هي من القواعد النظامية المقررة شرعا.

لقاعدة «الضمان في استيفاء منفعة مال الغير».

جمعا بين القاعدتين قاعدة «تبعية النماء للمالك» و قاعدة «الضمان» بالاستيفاء.

أما كون الزرع له فلقاعدة التبعية، و أما الأخيران فلقاعدة الضمان بالاستيفاء.

لأن «الناس مسلطون على أموالهم»، و هي قاعدة نظامية مقررة شرعا حتى لو تضرر صاحب البذر بذلك لفرض أن العقد فاسد و بنائهم على جريان أحكام الغصب على العقد الفاسد، و لكن فيه تفصيل تعرضنا له في المقبوض بالعقد الفاسد.

للأصل بعد عدم دليل على ثبوت هذه الولاية للمالك.

لا ريب في أن العلم بالبطلان شرعا في المعاملات الباطلة أعم من‏ التبرع و المجانية بالنسبة إلى المال و العمل، فأصالة احترامهما جارية إلا مع دليل معتبر على الخلاف مضافا إلى قاعدة «اليد».

فتشمله قاعدة «اليد» الموجبة للضمان.

و مر أن العلم بالبطلان لا توجب المجانية، لا المجانية القصدية لفرض عدم قصدها و لا الانطباقية القهرية لفرض عدم الانطباق عرفا لكثرة المعاملات الباطلة لديهم.

(مسألة ۱٥): الظاهر من مقتضى وضع المزارعة ملكية العامل لمنفعة الأرض (۱۸٥) بمقدار الحصة المقررة له و ملكية المالك للعمل على العامل بمقدار حصته و اشتراك البذر بينهما على النسبة (۱۸٦)، سواء كان‏ منهما أو من أحدهما أو من ثالث فإذا خرج الزرع صار مشتركا بينهما على النسبة (۱۸۷) لا أن يكون لصاحب البذر إلى حين ظهور الحاصل (۱۸۸)، فيصير الحاصل مشتركا من ذلك الحين- كما ربما يستفاد من بعض الكلمات (۱۸۹)- أو كونه لصاحب البذر إلى حين بلوغ الحاصل و إدراكه فيصير مشتركا في ذلك الوقت- كما يستفاد من بعض آخر (۱۹۰). نعم، الظاهر جواز إيقاع العقد على أحد هذين الوجهين مع التصريح و الاشتراط به من حين العقد (۱۹۱)، و يترتب على هذه الوجوه ثمرات: منها: كون التبن أيضا مشتركا بينهما على النسبة على الأول دون الأخيرين (۱۹۲) فإنه لصاحب البذر. و منها: في مسألة الزكاة (۱۹۳). و منها: في مسألة الانفساخ أو الفسخ في الأثناء (۱۹٤) قبل ظهور الحاصل. و منها: في مسألة مشاركة الزارع مع غيره (۱۹٥) و مزارعته معه. و منها: في مسألة ترك الزرع إلى أن انقضت المدة (۱۹٦) إلى غير ذلك.

فيه: أولا إن كون ذلك مقتضى وضع المزارعة من مجرد الدعوى لاختلافها باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات.

و ثانيا: إن مجرد ثبوت الحق في الجملة لكل منهما على الآخر ببذل ما جعل عليه مما له دخل في المزارعة مسلم لا إشكال فيه.

و أما ملكية العامل لمنفعة الأرض بقدر الحصة المقررة له، و ملكية العامل على المالك بمقدار حصته إلى آخر ما قاله رحمة اللّه، فشي‏ء تتبع القرائن الخارجية فمع وجودها تثبت و مع عدمها يكون مقتضى الأصل عدمها و إن ثبت الحق في الجملة، و لا ريب في أن الحق أعم من الملكية.

لا وجه لهذا الاشتراك لا ثبوتا و لا إثباتا، بل هو تابع للقرار الواقع بينهما فقد يكون على الاشتراك و قد يكون على غيره، و مع الإطلاق يتبع ما هو المتعارف و مع عدم التعارف لا بد من التعيين.

هذا أيضا مما لا وجه له بل يجري فيه عين ما تقدم في سابقة بلا فرق.

لا وجه لهذه الكلية بل تابع للخصوصيات و الجهات الخاصة، و مع عدمها لا بد من التراضي.

كقولهم في تعريف المزارعة: بأنها «المعاملة على الأرض بحصة من حاصلها».

و فيه. أولا: يمكن أن يكون المراد من الحاصل المعنى الأعم الشامل لجميع المراتب.

و ثانيا: انهم لاحظوا المراتب الدانية المنطوية في المرتبة العليا و لذا عبروا بهذه العبارة.

كل ذلك تابع للجعل و القرار المعاملي الواقع بينهما بأي نحو تبانيا عليه ما لم يكن نهي شرعي في البين، كما انه مبني على ما هو المتعارف في كل زمان و مكان، و مع عدم التعارف و عدم القرار المعاملي الظاهر في شي‏ء لا بد من التصالح و التراضي، و ليس هذه الأمور من الموضوعات المستنبطة حتى يرجع فيها إلى الفقيه و يكون نظره متبعا فيها.

للعمومات و الإطلاقات إلا إذا كان الشرط منافيا للكتاب و السنة فيسقط حينئذ، و كذا لو كان منافيا لمقتضى العقد إن ثبت أن له مقتضى دائميا بحيث لا ينبغي أن يتخلف عنه.

لأنه على الأول وقع جزء من المزارعة فيشتركان فيه بخلاف الأخيرين.

لوجود المقتضي لوجوبها و فقد المانع، و يأتي التعرض لذلك في (مسألة ۲۱).

فيكون الزرع الموجود مشتركا بينهما، و يأتي التعرض له في (مسألة ۱۷).

لا اختصاص لهذه الثمرة بالوجه الأول، إذ تصح المشاركة على جميع الوجوه مع عدم اشتراط المباشرة.

فإن البذر على الوجه الأول مشترك بينهما بخلاف الأخير فإنه لصاحب البذر.

(مسألة ۱٦): إذا حصل ما يوجب الانفساخ في الأثناء قبل ظهور الثمر أو بلوغه كما إذا انقطع الماء عنه و لم يمكن تحصيله أو استولى عليه و لم يمكن قطعه أو حصل مانع آخر عام فالظاهر لحوق حكم تبين البطلان.من الأول على ما مر (۱۹۷)؛ لأنه يكشف عن عدم قابليتها للزرع (۱۹۸). فالصحة كانت ظاهرية فيكون الزرع الموجود لصاحب البذر، و يحتمل بعيدا (۱۹۹) كون الانفساخ من حينه فيلحقه حكم الفسخ في الأثناء على ما يأتي فيكون مشتركا بينهما على النسبة.

في المسألة التاسعة فراجع.

إذ ليس المراد للقابلية مثل الزرع صرف وجود القابلية فقط، بل المراد القابلية الاقتضائية إلى حين حصول النتيجة.

الظاهر الاختلاف باختلاف الموارد و الخصوصيات فقد تساعد على تبين البطلان من الأول و قد تساعد على كونه من حينه، و مع انتفاء القرائن فالعرف يساعد على كونه من حينه و الاحتياط في التراضي.

(مسألة ۱۷): إذا كان العقد واجدا لجميع الشرائط و حصل الفسخ في الأثناء إما بالتقايل أو بخيار الشرط- لأحدهما أو بخيار الاشتراط بسبب تخلف ما شرط على أحدهما، فعلى ما ذكرنا من مقتضى وضع المزارعة- و هو الوجه الأول من الوجوه المتقدمة- فالزرع الموجود مشترك بينهما على النسبة، و ليس لصاحب الأرض على العامل أجرة أرضه و لا للعامل أجرة عمله بالنسبة إلى ما مضى لأن المفروض صحة المعاملة و بقاؤها إلى حين الفسخ (۲۰۰)، و أما بالنسبة إلى الآتي فلهما التراضي على البقاء إلى‏ البلوغ بلا أجرة أو معها، و لهما التراضي على القطع قصيلا (۲۰۱)، و ليس للزارع الإبقاء إلى البلوغ بدون رضى المالك (۲۰۲) و لو بدفع أجرة الأرض، و لا مطالبة الأرش إذا أمره المالك بالقلع و للمالك مطالبة القسمة (۲۰۳)، و إبقاء حصته في أرضه إلى حين البلوغ و أمر الزارع بقطع حصته قصيلا (۲۰٤)، هذا و أما على الوجهين الآخرين فالزرع الموجود لصاحب البذر (۲۰٥)، و الظاهر عدم ثبوت شي‏ء عليه من أجرة الأرض أو العمل لأن المفروض صحة المعاملة إلى هذا الحين (۲۰٦)، و إن لم يحصل للمالك أو العامل شي‏ء من الحاصل فهو كما لو بقي الزرع إلى الآخر و لم يحصل حاصل من جهة آفة سماوية أو أرضية و يحتمل ثبوت الأجرة عليه‏ إذا كان هو الفاسخ (۲۰۷).

بناء على أن المتعارف في المزارعة كون الفسخ من حين حدوثه لا من الأول و إلا فيجري عليه حكم المسألة التاسعة.

و ما يقال: من أن تأثير الفسخ و إن كان من حينه إلا انه يوجب رجوع كل من العوضين أو ما بحكمهما إلى من انتقل عنه.

و فيه: انه إن أريد بذلك رجوع كل من العوضين من حين إنشاء الفسخ فهذا عين المسألة السابقة في الحكم، و إن أريد بذلك رجوع كل من العوضين‏ إلى من انتقل عنه من حين إنشاء العقد فهو خلف لأنه عبارة أخرى عن كون الفسخ من حين أصل العقد لا من حين إنشاء الفسخ.

لأن الحق لا يعدوهما فلهما أن يتراضيان عليه.

لأنه خلاف سلطنة المالك على ماله.

نعم، لو تضرر الزارع بالصلح و لم يتضرر بالإبقاء كان له الإبقاء بالأجرة، لحكومة قاعدة «نفي الضرر» على قاعدة «السلطنة».

لقاعدة «أن لكل شريك مطالبة إفراز حصته مع عدم مانع في البين» كما هو المفروض.

لقاعدة «السلطنة»، و لكن لا بد و أن يقيد ذلك بما إذا لم يتضرر الزارع بالقطع، و أما إن تضرر هو و لم يتضرر المالك بالبقاء يبقيه لقاعدة «نفي الضرر».

لقاعدة «التبعية» من غير دليل على الخلاف في البين.

و لا إشكال فيه إن ثبت أن بذل المالك الأرض للزارع أو بذل العامل عمله كان مجانا و تبرعا، و أما مع عدم إحراز ذلك فلا بد من تدارك العوض، لأصالة احترام المال و العمل بعد التسبب إلى الاستيفاء.

مقتضى قاعدة «الضمان بالاستيفاء» هو الضمان مطلقا، سواء كان هو الفاسخ أو غيره فيضمن العامل أجرة الأرض و المالك عوض العمل مع التسبب إلى استيفاء عمله، و الأحوط التراضي، فالضمان إما بالمسمى أو بالاستيفاء.

و الأول: فيما إذا كان الفسخ من حينه فيكون الضمان بالمسمى بالنسبة إلى ما مضى.

و الثاني: فيما تبين بطلان العقد أو كان الفسخ من حين العقد، و هذه هي القاعدة المطردة في جميع الموارد، و تقدم في المسائل السابقة و يأتي في اللاحقة منها ما ينساب المقام.

فذلكة: قد تبين مما ذكرنا في طي المسائل المذكورة أن هنا صورا: الأولى: وقوع العقد صحيحا جامعا للشرائط و العمل على طبقه إلى الآخر حصل الحاصل أو لم يحصل لآفة سماوية أو أرضية (۲۰۸). الثانية: وقوعه صحيحا مع ترك الزارع للعمل إلى أن انقضت المدة سواء زرع غير ما وقع عليه العقد أو لم يزرع أصلا (۲۰۹). الثالثة: تركه العمل في الأثناء بعد أن زرع اختيار أو لعذر خاص به (۲۱۰). الرابعة: تبين البطلان من الأول (۲۱۱).الخامسة: حصول الانفساخ في الأثناء لقطع الماء أو نحوه من الأعذار العامة (۲۱۲). السادسة: حصول الفسخ بالتقايل أو بالخيار في الأثناء (۲۱۳)، و قد ظهر حكم الجميع في طي المسائل المذكورة، كما لا يخفى (۲۱٤).

فيتحقق ضمان المعاوضة حينئذ و يكون الحاصل لهما على ما بنيا عليه هذا مع حصول الحاصل، و أما مع عدمه فمقتضى الأصل انه لا ضمان لأحدهما على الآخر إلا إذا كان شرط في البين فيتبع الشرط لا محالة.

تقدم ما يتعلق بذلك في المسألة السابعة السابعة فراجع.

راجع المسألة السابعة فإن حكم هذه الصورة يستفاد منها أيضا.

مر التفصيل في المسألة الرابعة عشرة.

تقدم في المسألة السادسة عشرة.

راجع المسألة السابعة عشرة.

و لا بد من تطبيق جميع تلك الأحكام على القواعد العامة، إذ ليس في المقام دليل مخصوص يتعبد به.

(مسألة ۱۸): إذا تبين بعد عقد المزارعة أن الأرض كانت مغصوبة فمالكها مخير بين الإجازة (۲۱٥)، فتكون الحصة له سواء كان بعد المدة أو قبلها في الأثناء أو قبل الشروع بالزرع بشرط أن لا يكون هناك قيد أو شرط لم يكن معه محل للإجازة (۲۱٦)، و بين الرد (۲۱۷)، و حينئذ فإن كان قبل الشروع في الزرع فلا إشكال (۲۱۸)، و إن كان بعد التمام فله أجرة المثل لذلك الزرع و هو لصاحب البذر (۲۱۹).و كذا إذا كان في الأثناء (۲۲۰) و يكون بالنسبة إلى بقية المدة الأمر بيده فإما يأمر بالإزالة و إما يرضى بأخذ الأجرة (۲۲۱) بشرط رضا صاحب البذر (۲۲۲)، ثمَّ المغرور من المزارع و الزارع يرجع فيما خسر على غارّه (۲۲۳)، و مع عدم الغرر فلا رجوع (۲۲٤). و إذا تبين كون البذر مغصوبا فالزرع لصاحبه (۲۲٥)، و ليس عليه‏ أجرة الأرض و لا أجرة العمل (۲۲٦). نعم، إذا كان التبين في الأثناء كان لمالك الأرض الأمر بالإزالة (۲۲۷) هذا إذا لم يكن محل للإجازة كما إذا وقعت المعاملة على البذر الكلي لا المشخص في الخارج (۲۲۸)، أو نحو ذلك أو كان و لم يجز، و إن كان له محل و أجاز يكون هو الطرف للمزارعة (۲۲۹)، و يأخذ الحصة التي كانت للغاصب (۲۳۰) و إذا تبين كون العامل عبدا غير مأذون فالأمر إلى مولاه (۲۳۱) و إذا تبين كون العوامل أو سائر المصارف مغصوبة فالمزارعة صحيحة (۲۳۲) و لصاحبها أجرة المثل أو قيمة الأعيان التالفة (۲۳۳)، و في بعض الصور يحتمل جريان الفضولية و إمكان الإجازة كما لا يخفى (۲۳٤).

لأصالة سلطنة المالك على ماله التي هي من أهم الأصول النظامية العقلائية كيف ما شاء و أراد ما لم يمنعه عن ذلك مانع شرعي، و المفروض عدمه.

بأن كانت الإجازة معه خلاف المشروع، و أما في غير ذلك فالقيد و الشروط كلها قابلة للإجازة لفرض تعلقها بحق الغير.

لأنه لا معنى لسلطنة ذي الحق على حقه و استيلائه عليه إلا هذا.

فإن أجاز تصح المزارعة بينه و بين العامل، و إن رد فلا غرامة في البين لعدم عمل منه بعد.

أما كون الزرع لصاحب البذر فلقاعدة التبعية، و أما أن للمالك أجرة المثل فلأصالة الاحترام في المال و العمل و قاعدة السلطنة.

ثمَّ أن أجرة الأرض قد تؤخذ من صاحب البذر، و قد تؤخذ من العامل و المدار على قوة السبب أو المباشر.

لجريان عين ما تقدم في الابتداء في الأثناء أيضا من غير فرق في البين.

كل ذلك لسلطنته على ماله، و لو أمر بالإزالة فلا أرش عليه للأصل و ما ورد من أنه: «ليس لعرق ظالم حق»44

لما مر من قاعدة «السلطنة» و أصالة احترام المال و العمل.

لأن رجوع المغرور إلى الغار من المرتكزات بين الناس في معاملاتهم و لم يرد ردع عنه في هذا الأمر العام البلوى، مضافا إلى ما أرسلوه إرسال المسلمات في الكتب الفقهية عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «المغرور يرجع إلى من غره» و جعلوه من القواعد المعتبرة، و قد ورد في بعض الصغريات من طرقنا كما إذا دلست الزوجة فإن الزوج يرجع إلى المدلس، و علل عليه السّلام ذلك بقوله: «كما غر الرجل و خدعه».

للأصل بعد عدم دليل عليه.

لقاعدة التبعية المتبعة في جميع الموارد من غير دليل على الخلاف.

لعدم تسبب منه لاستيفاء منفعة الأرض و العمل حتى يضمن، و لكن على الزارع أجرة الأرض إن كان هو الغاصب للبذر مع جهل مالك الأرض، و على المالك أجرة عمل الزارع إن كان عكس ذلك.

لقاعدة السلطنة بلا أرش عليه لما مر.

الوجه في ذلك كله انه لو كان البذر شخصيا و أجاز مالكه تكون الإجازة تصحيحا بالنسبة إلى من أوقع المزارعة لا بالنسبة إلى أصل المزارعة، و أما لو كان كليا فتكون تصحيحا بالنسبة إلى ذات المزارعة فيتحقق موضوع الإجازة حينئذ.

و فيه: أن مورد الإجازة تصحيح ما لولاها لكان لغوا و باطلا، و هذا الأثر ثابت لها في المقام كما لا يخفى فتصح الإجازة على كل من التقدير، ثمَّ يعمل فيه بحسب القواعد العامة سيما بناء على خروج البذر عن حقيقة المزارعة مطلقا و كونها عبارة عن تعهد خاص بين العامل و صاحب الأرض بشروط خاصة.

لوجود المقتضي و فقد المانع فتقع له لا محالة بناء على ما تقدم من صحة كون البذر طرفا للمزارعة، و أما بناء على عدمها فلا وجه لذلك.

لانقلاب الموضوع فينقلب الحكم لا محالة.

 

فإذا أجاز المولى كانت الحصة له و مع عدم الإجازة تبطل المزارعة، و حينئذ فإن كان البذر من صاحب الأرض كان عليه أجرة عمل العبد، و إن كان من غيره كان على العبد أجرة مثل الأرض.

لخروج جميع ذلك عن حقيقة المزارعة كما مر.

لقاعدة احترام المال و العمل مطلقا الموجب للضمان بالمثل أو القيمة.

لكون الفضولية على طبق القاعدة فتجري في المقام بلا إشكال، و لا وجه لمجرد الاحتمال.

(مسألة ۱۹): خراج الأرض على صاحبها، و كذا مال الإجازة إذا كانت مستأجرة، و كذا ما يصرف في إثبات اليد عند أخذها من السلطان و ما يؤخذ لتركها في يده (۲۳٥)، و لو شرط كونها على العامل بعضا أو كلا صح (۲۳٦)، و إن كانت ربما تزاد و ربما تنقص على الأقوى (۲۳۷)، فلا يضر مثل هذه الجهالة للأخبار (۲۳۸)، و أما سائر المؤمن كشق الأنهار و حفر الآبار و آلات السقي و إصلاح النهر و تنقيته و نصب الأبواب مع الحاجة إليها و الدولاب و نحو ذلك مما يتكرر كل سنة أو لا يتكرر فلا بد من تعيين كونها على المالك أو العامل إلا إذا كان هناك عادة ينصرف الإطلاق إليها (۲۳۹)، و أما ما يأخذه المأمورون من الزارع ظلما من غير الخراج فليس على المالك (۲٤۰)، و إن كان أخذهم ذلك من جهة الأرض.

كل ذلك للأصل بالنسبة إلى الزارع، و السيرة المستمرة خلفا عن سلف.

لعموم «المؤمنون عند شروطهم»، الشامل لجميع ذلك، مضافا إلى ظهور الاتفاق و إطلاق ما يأتي من الأخبار الخاصة.

لإطلاق أدلة الشروط، و أصالة الصحة، و عدم دليل على قادحية مطلق الجهالة في الشرط.

كصحيح ابن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل تكون له‏  الأرض عليها خراج معلوم و ربما زاد و ربما نقص فيدفعها إلى رجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مأتي درهم في السنة، قال عليه السّلام: لا بأس»، و مثله ما رواه في الفقيه، عن يعقوب بن شعيب، عنه عليه السّلام أيضا، و في صحيح يعقوب بن شعيب كما في الكافي عنه عليه السّلام أيضا قال: «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدي خراجها و ما كان من فضل فهو بينهما؟ قال عليه السّلام: لا بأس»، و إطلاقها يشمل المزارعة أيضا لو لم نقل بأنها المتيقن منها باعتبار شيوعها و غلبتها، و إطلاقها يشمل صورة جهالة الخراج لو لم نقل بظهورها فيها فلا وجه لإشكال بعض الشارح في المقام.

هذه هي القاعدة المتبعة في المقام، و الظاهر ان إيكال ذلك إلى المتعارف بين الزارعين المختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الجهات أولى من تفصيل القول فيه، لأن الفقيه ليس من أهل الخبرة لذلك فكلما كان متعارفا بينهم في أمثال ذلك يصح و ما لم يتعارف لا بد من التعيين قطعا لحسم مادة النزاع من البين.

الأقسام ثلاثة.

فتارة: بعد ذلك من الخراج و من تبعاته عرفا.

و أخرى‏: يكون من غيره عند المتعارف.

و ثالثة: يشك في أنه من أيهما، ففي الأول يكون على المالك، و أما في الأخيرين فمقتضى الأصل عدم وجوبه عليه فلا بد من التعيين، و أما خبر الكندي قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إني آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم، قال عليه السّلام: أعطهم فضل ما بينهما، قلت،: أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم، قال: إنما زادوا على أرضك»٥۰، فيمكن حمله على القسم الأول.

(مسألة ۲۰): يجوز لكل من المالك و الزارع أن يخرص على الآخر (۲٤۱) بعد إدراك الحاصل (۲٤۲) بمقدار منه بشرط القبول و الرضا من الآخر (۲٤۳).لجملة من الأخبار هنا و في الثمار (۲٤٤). فلا يختص ذلك بالمزارعة و المساقاة (۲٤٥)، بل مقتضى الأخبار جوازه في كل زرع مشترك أو ثمر مشترك (۲٤٦)، و الأقوى لزومه بعد القبول (۲٤۷) و إن تبين بعد ذلك زيادته أو نقيصته، لبعض تلك الأخبار، مضافا إلى العمومات العامة (۲٤۸)، خلافا لجماعة (۲٤۹). و الظاهر أنه معاملة مستقلة (۲٥۰).و ليست بيعا (۲٥۱) و لا صلحا معاوضيا (۲٥۲)، فلا يجزي فيها إشكال اتحاد العوض و المعوض (۲٥۳)، و لا إشكال النهي عن المحاقلة و المزابنة (۲٥٤) و لا إشكال الربا و لو بناء على ما هو الأقوى من عدم اختصاص حرمته بالبيع (۲٥٥) و جريانه في مطلق‏ المعاوضات (۲٥٦) مع أن حاصل الزرع و الشجر قبل الحصاد و الجذاذ ليس من المكيل و الموزون (۲٥۷)، و مع الإغماض عن ذلك كله يكفي في صحتها الأخبار الخاصة، فهو نوع من المعاملة عقلائية ثبتت بالنصوص و لتسم بالتقبل (۲٥۸) و حصر المعاملات في المعهودات ممنوع (۲٥۹). نعم، يمكن أن يقال إنها في المعنى راجعة إلى الصلح الغير المعاوضي (۲٦۰) فكأنهما يتسالمان على أن يكون حصة أحدهما من المال المشترك كذا مقدارا و البقية للآخر شبه القسمة أو نوع منها، و على ذلك يصح إيقاعها بعنوان الصلح (۲٦۱) على الوجه المذكور مع قطع النظر عن الأخبار أيضا على الأقوى من اغتفار هذا المقدار من الجهالة فيه إذا ارتفع الغرر بالخرص المفروض (۲٦۲)، و على هذا لا يكون من التقبيل و التقبل. ثمَّ إن المعاملة المذكورة لا تحتاج إلى صيغة مخصوصة (۲٦۳)، بل يكفي كل لفظ دال على التقبل، بل الأقوى عدم الحاجة إلى الصيغة أصلا فيكفي فيها مجرد التراضي (۲٦٤) كما هو ظاهر الأخبار و الظاهر اشتراط كون الخرص بعد بلوغ الحاصل و إدراكه فلا يجوز قبل ذلك (۲٦٥)، و القدر المتيقن من الأخبار كون المقدار المخروص عليه من حاصل ذلك الزرع (۲٦٦)، فلا يصح الخرص و جعل المقدار في الذمة من جنس ذلك الحاصل (۲٦۷).نعم، لو أوقع المعاملة بعنوان الصلح على الوجه الذي ذكرنا لا مانع من ذلك فيه لكنه كما عرفت خارج عن هذه المعاملة (۲٦۸). ثمَّ إن المشهور بينهم أن قرار هذه المعاملة مشروط بسلامة الحاصل (۲٦۹)، فلو تلف بآفة سماوية أو أرضية كان عليهما، و لعله لان تعيين الحصة في المقدار المعين ليس من باب الكلي في المعين (۲۷۰) بل هي باقية على إشاعتها (۲۷۱) غاية الأمر تعيينها في مقدار معين مع احتمال أن ذلك من الشرط الضمني بينهما (۲۷۲)، و الظاهر أن المراد من الآفة الأرضية ما كان من غير الإنسان، و لا يبعد لحوق إتلاف متلف من الإنسان أيضا به (۲۷۳)، و هل يجوز خرص ثالث حصة أحدهما أو كليهما في‏ مقدار؟ وجهان، أقواهما العدم (۲۷٤).

البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى‏: بحسب العمومات.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأول فمقتضى أصالة الجواز بالمعنى الوضعي و التكليفي الصحة و الإباحة، فلا محذور في هذا العمل بحسب التكليف و الوضع بمقتضى الأصل العملي.

و أما الثاني فمقتضى العمومات و الإطلاقات الصحة أيضا فيطابق الأصل العملي و اللفظي عليها.

و أما الأدلة الخاصة فلا خلاف في المسألة في الجملة إلا ما نسب إلى ابن إدريس، و عن الحدائق دعوى الإجماع عليه.

مقتضى أصالة الجواز- بالمعنى الوضعي و التكليفي- و الإطلاق الجواز حتى قبل الإدراك إذا كان في معرض الإدراك عرفا و كان التخريص معلوما عند أهل الخبرة بذلك.

إن قيل: ما ليس بموجود كيف يخرص.

يقال: إذا كان له منشئية الوجود و عرف أهل الخبرة بحسب اختباراتهم الخصوصيات و الجهات صح التخريص كما لا يخفى، و يظهر ذلك من إطلاق بعض الأخبار أيضا كصحيح ابن شعيب الذي رواه المشايخ الثلاثة، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه اختر إما أن تأخذ النخل بكذا و كذا كيل (كيلا) مسمى و تعطيني نصف هذا الكيل إما زاد أو نقص، و إما أن آخذه أنا بذلك و أرده عليك قال عليه السّلام: نعم، لا بأس به»٥۱، و إطلاقه يشمل صورتي الإدراك و عدمه، و دعوى ظهوره في الأول بلا دليل.

نعم، في بعض الأخبار ذكر الإدراك كالأخبار الواردة في قضية خيبر مثل صحيح الحلبي‏٥۲، قال: «أخبرني أبو عبد اللّه عليه السّلام أن أباه حدثه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها فلما أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة فقوم عليه قيمة، و قال لهم: إما أن تأخذوه و تعطوني نصف الثمر (الثمن. خ ل) و إما أعطيكم نصف الثمر، فقالوا: بهذا قامت السماوات و الأرض»، و يمكن حمله على الغالب أو على بيان أحد الأفراد الشائعة لا التقوم الحقيقي.

إن قيل: إن الحكم حيث انه خلاف الأصل لا بد و أن يقتصر فيه على القدر المتيقن و هو ما بعد الإدراك.

يقال: قد مر أنه موافق لأصالة الجواز و الصحة و الإطلاق فلا وجه لكونه مخالفا، كما لا وجه لجريان أصالة عدم ترتب الأثر مع ذلك.

لأن المنساق من الأخبار أن ذلك من العقود، و هو ظاهر الكلمات أيضا.

أما ما ورد هنا كخبر سهل قال: «سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن الرجل يزرع له الحراث بالزعفران، و يضمن له على أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا و كذا درهما فربما نقص و غرم و ربما استفضل و زاد؟

قال عليه السّلام: لا بأس به إذا تراضيا»٥۳، و خبر محمد بن عيسى عن بعض أصحابه قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إن لنا أكرة فنزارعهم فيقولون: قد حزرنا هذا الزرع بكذا و كذا فأعطوناه و نحن نضمن لكن أن نعطيكم حصة على هذا الحرز، قال:

و قد بلغ؟ قلت: نعم، قال: لا بأس بهذا، قلت: فإنه يجي‏ء بعد ذلك فيقول لنا ان الحرز لم يجي‏ء كما حرزت قد نقص، قال: فإذا زاد يرد عليكم؟ قلت: لا، قال:

فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز كما أنه إذا زاد كان له، كذلك إذا نقص»٥4، و مثله غيره.

و أما ما ورد في الثمار كصحيح يعقوب بن شعيب و الحلبي المتقدمين‏٥٥، و تقدم في بيع الثمار ما ينفع المقام‏٥٦.

و ما ورد في قضية خيبر من الأخبار موردها المساقاة بلا إشكال فيها، ففي صحيح أبي الصباح الكناني قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إن النبي صلّى اللّه عليه و آله لما أفتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف فلما أدركت الثمرة بعث عبد اللّه بن رواحة إليهم فخرص عليهم فجاؤا إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله، فقالوا: إنه قد زاد علينا فأرسل إلى عبد اللّه، فقال: ما يقول هؤلاء؟ قال: خرصت عليهم بشي‏ء فإن شاءوا يأخذون بما خرجت و إن شاءوا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات و الأرض»٥۷، و نحوه غيره.

أما بناء على كون الحكم موافقا للعمومات و الإطلاقات فلا إشكال فيه لكفايتهما في الصحة، و أما بناء على استفادته من الأخبار الخاصة فلإطلاق بعض الأخبار المتقدمة و كون ما ذكر فيها من باب الغالب في تلك الأعصار، و إن المناط كله تحقق التراضي و عدم الغرر في البين.

لأصالة اللزوم في كل عقد- قولي أو فعلى- إلا ما خرج بالدليل.

أما بعض تلك الأخبار فهو خبر محمد بن عيسى المتقدم، و أما العمومات فهي قوله تعالى‏ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ٥۸، و قوله صلّى اللّه عليه و آله: «المؤمنون عند شروطهم»٥۹.

نسب إلى إيضاح النافع و الميسية و شرح الإرشاد عدم اللزوم، و لا دليل لهم في مقابل أصالة اللزوم في كل عقد و ظاهر بعض ما مر من الأخبار.

لأنها من الأمور الابتلائية بين الناس في كل عصر، و لم يشر في الأخبار إلى أى عنوان من عناوين العقود المعهودة، و كذا عبارات القدماء الذين تعرضوا لهذه المعاملة، و يمكن جعلها تبعا لما يخرص فيه ..

تارة: يكون من توابع المزارعة.

و أخرى‏: من توابع المساقاة.

و ثالثة: من توابع بيع الثمار.

و الصحيح أنه يعم الجميع بلا إشكال.

و قد ادعى في مفتاح الكرامة الاتفاق على عدم كونه بيعا، و تقتضيه المرتكزات أيضا إذ فرق بين تبديل مال معين بمال معين و تخريص و تقدير مشاع بمشاع آخر، مع أن المتصدين لهذا التخريص لا يقصدون البيع.

نسب إلى جمع- منهم الدروس- أنه نوع من الصلح، و هو من مجرد الدعوى و لا دليل لهم عليه من عقل أو نقل، بل مرتكزات المتصدين لهذه المعاملة تأبى ذلك و إنما المرتكز في نفوسهم مجرد التقدير الإجمالي.

و يمكن أن يكون مرادهم التصالح و التراضي بالمعنى الأعم الذي يشمل التخريص أيضا و لا بأس به كما قلنا.

لأنه ليس من المعاوضات، مع انه لو كان منها يكفي الاختلاف الجهتي في نفي الاتحاد.

الأولى: بيع سنابل الحنطة مثلا بالحنطة.

و الثانية: بيع التمر على النخيل بالتمر، و تقدم في بيع الثمار ما ينفع المقام فراجع و لا وجه للإعادة، و أما جهة عدم جريان إشكالهما في المقام انه ليس بيعا و إنما هو تخريص و تقدير.

لأن الشك في جريانه في المقام يكفي في عدم جواز التمسك بعموم حرمة الربا، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك‏ فيكون المرجع أصالة الحلية وضعا و تكليفا.

راجع (فصل في الربا) من كتاب البيع فقد تعرضنا فيه‏٦۰، لما ينفع المقام.

لا عرفا و لا شرعا كما صرح به في الجواهر.

و التخريص، و التقدير. و لا اختصاص لهذه الألفاظ بتحققه بل يتحقق بكل لفظ يفيد هذا المعنى.

لأنه لا دليل على هذا الحصر من عقل أو نقل.

نعم، ما حصروه من الغالب الواقع في الخارج فيكون من الحصر الاتفاقي الغالبي لا الحقيقي، و على فرض الحصر الحقيقي فالمقام من إحدى أفرادها للنصوص الخاصة المتقدمة.

لكنه تكلف مستغنى عنه مع دلالة النص على صحته و لو لم تدخل تحت عنوان الصلح، مع أنه مبني على صحة إنشاء الصلح بغير لفظه.

يصح إيقاع كل معاملة بعنوان الصلح من غير اختصاص بالمقام و من‏  غير توقف على أن ما نحن فيه أصل مستقل بنفسه، أو داخل تحت احدى العناوين المعهودة.

يصح الصلح و لو لم يرتفع الغرر به لأنه قد اغتفر من الغرر في الصلح ما لم يغتفر في غيره، مع أن أصل تحقق الجهالة عند أهل خبرة هذه الأمور لا وجه له أصلا كما لا يخفى على من راجعهم.

ليس هذا مختصا بهذه المعاملة، بل جميع العقود يجزي فيها كل لفظ يكون ظاهرا في إبراز عنوانها بلا فرق بين لفظ دون آخر.

مع تحقق مبرز عنه في البين لفظ كان أو فعلا.

تقدم الإشكال فيه، و المناط كله معرفة أهل الخبرة و صحة حكمهم بالمقدار كان ذلك بعد الإدراك أو لم يكن، و ما يستظهر من الأخبار من كونه بعد الإدراك إنما هو غالبي لا أن يكون مقوما حقيقيا، و كذا ما ذكره جمع من الفقهاء و إلا فلو فرض تخريص حقيقي قبل الإدراك يكون ذلك كما بعده عند الخبراء بذلك.

نسب ذلك إلى المشهور و دليلهم انه المنساق من النصوص.

لا دليل على منعه لا بحسب القواعد العامة و لا بحسب النصوص.

أما الأول: فلأن التخريص كالتعيين و ما في الذمة معين أيضا، فلا يلزم الغرر و لا الربا لفرض كون ما خرص من غير المكيل و الموزون.

و أما الثاني: فلو سلم أنه المنساق منها فهو من باب الغالب، و لا يستفاد منه التقييد كما ثبت في محله.

أي: عنوانا فإنه يصير حينئذ من الصلح لا من التخريص المعهود، كما في كل صلح ورد في مورد عنوان من عناوين المعاملات المعهودة.

أرسلوا ذلك إرسال المسلمات من غير ذكر دليل عليه، و يمكن أن يجعل دليله انه من اللوازم العرفية لهذا القرار المعاملي لأن التخريص للعين، و في العين يلازم ذلك الإشاعة عرفا حدوثا و بقاء نفعا و ضررا فتكون الإشاعة من كل جهة من اللوازم العرفية و الإقدامية لهذا الترخيص الخاص.

لأن ذلك عناية خاصة لا بد من التعرض لها و الالتفات إليها، و مع عدم الذكر فمقتضى الأصل هو الإشاعة.

للأصل و عدم موجب للانقلاب عنها.

و الظاهر أنه الغالب في هذا التخريص.

بل ينبغي الجزم به لأن مناط كون التلف عليهما هو الإشاعة، و هو موجود في تلف الإنسان أيضا.

بناء على كون الحكم موافقا للقاعدة لا بأس به و يكفي فيه العمومات بعد عدم جهالة في البين بتخمين أهل الخبرة، بل و كذا بناء على النصوص الخاصة إن قلنا بأن ذكر المالك و الزارع فيها من باب الغالب و المثال كما هو الظاهر.

(مسألة ۲۱): بناء على ما ذكرنا من الاشتراك من أول الأمر في الزرع يجب على كل منهما الزكاة إذا كان نصيب كل منهما بحدّ النصاب، و على من بلغ نصيبه إن بلغ نصيب أحدهما (۲۷٥)، و كذا إن اشترطا الاشتراك حين ظهور الثمر لأن تعلق الزكاة بعد صدق الاسم و بمجرد الظهور لا يصدق، و إن اشتراط الاشتراك بعد صدق الاسم أو حين الحصاد و التصفية فهي على صاحب البذر منهما لأن المفروض أن الزرع و الحاصل له إلى ذلك الوقت فتتعلق الزكاة في ملكه (۲۷٦).

لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ لوجوب الزكاة في نصيبهما أو نصيب أحدهما و الصور أربع:

الأولى‏: الاشتراك من أول الأمر.

الثانية: الاشتراك من حين ظهور الثمر.

الثالثة: الاشتراك قبل الظهور بمدة معلومة.

الرابعة: الاشتراك بعد الحصاد و التصفية، و في غير الأخيرة تجب الزكاة عليهما مع تحقق الشرائط بالنسبة إليهما، و على أحدهما مع تحققها بالنسبة إليه قط، و في الأخيرة تجب على المالك البذر، و قد مر في كتاب الزكاة ما ينفع المقام.

إذ لا موضوع لتعلق الزكاة لصاحبه، لفرض تعلقها به قبل ذلك.

(مسألة ۲۲): إذا بقي في الأرض أصل الزرع بعد انقضاء المدة و القسمة فنبت بعد ذلك في العام الآتي فإن كان البذر لهما فهو لهما و إن كان لأحدهما فله (۲۷۷)، إلا مع الإعراض و حينئذ فهو لمن سبق (۲۷۸)، و يحتمل أن يكون لهما مع عدم الاعراض (۲۷۹) مطلقا (۲۸۰)، لأن المفروض شركتهما في الزرع و أصله و إن كان البذر لأحدهما أو الثالث و هو الأقوى (۲۸۱)، و كذا إذا بقي في الأرض بعض الحب فنبت فإنه مشترك بينهما مع عدم الإعراض (۲۸۲). نعم، لو كان الباقي حب مختص بأحدهما اختص به. ثمَّ لا يستحق صاحب الأرض أجرة لذلك الزرع النابت على الزارع في صورة الاشتراك أو الاختصاص به و إن انتفاع بها إذ لم يكن ذلك من‏ فعله و لا من معاملة واقعة بينهما (۲۸۳).

كل ذلك لقاعدة التعبية التي هي من القواعد العقلائية المقررة.

بناء على أن الإعراض يوجب الخروج عن الملك و مقتضى الأصل عدمه إلا مع قرينة معتبرة عليه، و يجوز التصرف لمن سبق إليه لظاهر الحال، و يأتي في كتاب الأحياء و القضاء تمام المقال.

و كذا معه لعدم كون الأعراض موجبا لزوال الملكية بل مقتضى الأصل بقائها.

يفسره قوله رحمة اللّه بعد ذلك: «و إن كان البذر لأحدهما أو لثالث».

لأن الاشتراك إنما يكون في جميع التبدلات و التطورات الحاصلة في الزرع مطلقا ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

أما الاشتراك في الحب فهو مبنى على كونه مشتركا بينهما ببعض الوجوه المتقدمة، و سيصرح الماتن آنفا حكم الحب المختص بأحدهما.

و أما قيد عدم الاعراض فلا وجه له، لما مر من أن الاعراض لا يوجب زوال الملكية.

و بعبارة أخرى: ليس من صاحب الحب استيفاء لمنفعة الأرض و لا تسبيب منه للضمان فلا وجه للضمان حينئذ للأصل هذا بالنسبة إلى الحدوث.

و أما بالنسبة إلى البقاء فله الأمر بالقلع أو الإبقاء بالأجرة كما انه لو كان لصاحب الأرض تسبيب لسقوط الحب و نبته يكون من أصل الحدوث.

(مسألة ۲۳): لو اختلفا في المدة و أنها سنة أو سنتان- مثلا- فالقول قول منكر الزيادة، و كذا لو قال أحدهما أنها ستة أشهر و الآخر قال إنها ثمانية أشهر (۲۸٤). نعم، لو ادعى المالك مدة قليلة لا تكفي لبلوغ الحاصل و لو نادرا ففي تقديم قوله إشكال (۲۸٥)، و لو اختلفا في الحصة قلة و كثرة فالقول قول صاحب البذر المدعي للقلة (۲۸٦)، هذا إذا كان نزاعهما في زيادة المدة أو الحصة و عدمها، و أما لو اختلفا في تشخيص ما وقع عليه العقد و أنه وقع على كذا أو كذا فالظاهر التحالف (۲۸۷) و إن كان خلاف إطلاق‏ كلماتهم، فإن حلفا أو نكلا فالمرجع أصالة عدم الزيادة (۲۸۸).

كل ذلك لأصالة عدم التعرض للزيادة، مضافا إلى ظهور الاتفاق، و مع ذلك لا تصل النوبة إلى استصحاب بقاء المزارعة.

لمعارضة أصالة عدم الزيادة بظهور بناء العقلاء على عدم الإقدام بهذا المقدار، مضافا إلى أصالة الصحة.

لأصالة عدم تسلط الطرف على ما زاد عما يعترف به صاحب البذر الذي يكون تمام النماء له لقاعدة التبعية و أصالة عدم خروج ما زاد عما يعترف به عن ملكه.

كما عن جمع، منهم المحقق الثاني و صاحب الجواهر في المقام و لكن نسب إلى معظم الأصحاب أن القول قول مدعي الأقوال مطلقا و إن كان‏ تحرير الدعوى في تشخيص ما وقع عليه العقد فلم يفرقوا بين هذه الصورة و الصورة السابقة من هذه الجهة، و عن صاحب الجواهر تقويته في كتاب البيع، و الوجه في ذلك أن المنساق من مثل هذه الدعاوي غالبا بمدلولها المحاوري انما هو النزاع في الزيادة و النقيصة المالية، و هما الغرض الأقصى من النزاع سواء كانت صورة الدعوى بمدلولها المطابقي الزيادة و النقيصة كما في الصورة الأولى أو بمدلولها المحاوري العرفي.

و بالجملة: الظهور العرفي حجة معتبرة سواء استند إلى الدلالة المطابقية أو السياقية فلا يبقى موضوع للتحالف، بل يكون المقام من المدعي و المنكر و يجري فيها حكم الصورة السابقة.

ظهر مما مر عدم الاحتياج إلى التحالف بل يحلف مدعى الأقل فقط.

(مسألة ۲٤): لو اختلفا في اشتراط كون البذر أو العمل أو العوامل على أيهما فالمرجع التحالف (۲۸۹)، و مع حلفهما أو نكولهما تنفسخ المعاملة (۲۹۰).

لا وجه للتحالف، لأن مرجع النزاع عرفا إلى التضمين و عدمه فيتحقق المدعي و المنكر لا محالة فمع عدم البينة للمدعي يحلف المنكر و يثبت قوله من غير احتياج إلى التحالف، و كذا في كل مورد يرجع النزاع عرفا إلى تضمين الغير لمال أو إثبات إتلاف بالنسبة إلى الغير.

لا إشكال فيه بناء على يكون المقام من التحالف، لتعارض النكولين أو الحلفين و تساقطهما، و أما بناء على كون المقام من المدعي أو المنكر فيحلف المنكر و يسقط أصل الدعوى.

(مسألة ۲٥): لو اختلفا في الإعارة و المزارعة فادعى الزارع أن‏ المالك أعطاه الأرض عارية للزراعة و المالك ادعى المزارعة فالمرجع التحالف أيضا (۲۹۱)، و مع حلفهما أو نكولهما تثبت أجرة المثل للأرض (۲۹۲).فإن كان بعد البلوغ فلا إشكال (۲۹۳)، و إن كان في الأثناء فالظاهر جواز الرجوع للمالك (۲۹٤)، و في وجوب إبقاء الزرع إلى البلوغ عليه مع‏ الأجرة إن أراد الزارع و عدمه و جواز أمره بالإزالة وجهان (۲۹٥)، و إن كان النزاع قبل نثر الحب فالظاهر الانفساخ بعد حلفهما أو نكولهما (۲۹٦).

لأصالة عدم المزارعة و عدم العارية، فكل منهما يدعى خلاف الأصل مع أن أصالة تبعية النماء للبذر معارضة بأصالة الضمان بالنسبة إلى الأرض فلا بد من التحالف، و لكن الظاهر عدم جريان أصالة الضمان في الأرض لاتفاقهما على أن الزارع مأذون فيها فيرجع النزاع إلى أن المالك يدعي الحصة لنفسه و الزارع ينكرها.

يصح ذلك إن تساوت أجرة المثل مع حصة المالك التي يدعيها و يعترف بأنه لا أجرة للأرض معها، و لا ثمرة حينئذ بين تقديم قول المالك أو سقوطه بالتعارض و الرجوع إلى أجرة المثل، و أما بناء على كونها أكثر فلا وجه له، لاعتراف المالك بأنه لا تستحق الزيادة.

و القول بسقوط دعواه بالتحالف كما عن الحدائق فلا يكون استحقاق أجرة المثل مخالفا لدعواه.

لا وجه له، لأن سقوط الدعوى إنما هو بالنسبة إلى مورد النزاع و أما ما هو خارج عن مورده و يكون الكلام ظاهرا فيه ظهورا عرفيا محاوريا فلا وجه للسقوط لو كان له أثر، و لو كانت أجرة المثل أقل من الحصة تثبت أجرة المثل بعد التحالف بناء على كون المقام من التداعي و لا وجه لها و لا لاستحقاق الحصة بناء على كونه من المدعي و المنكر بعد حلف المنكر على نفي المزارعة.

و يمكن أن يكون اختلاف الحكم باختلاف تقرير الدعوى و الخصوصيات المحفوفة بها فيكون المرجع حينئذ في تشخيص كونه من التداعي أو من المدعي و المنكر نظر الحاكم، و منه يظهر انه يمكن جعل‏  النزاع بين الفقهاء- في المقام من أنه من أيهما- لفظيا، كما أنه يظهر من ذلك كله إجمال قول الماتن. رحمة اللّه في المقام.

أما بناء على كون المقام من المدعي و المنكر و حلف المنكر على نفي المزارعة فلا شي‏ء للمالك ظاهرا لاعتبار اليمين في إسقاط النزاع، و الحكم بكون النزاع لمن حلف بحسب الحكم الظاهري، و إن كان الواقع لا يتبدل عما هو عليه لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله كما في صحيح هشام: «إنما أقضي بينكم بالبينات و الأيمان، و بعضكم ألحن بحجته من بعض فأيما رجل اقطعت له من مال أخيه شيئا فإنما قطعت له به قطعة من النار»،٦۱ فعلى هذا لو كان المنكر كاذبا فيما بينه و بين اللّه تعالى لا يجوز له التصرف، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

و أما بناء على كون المقام من التداعي فبعد سقوط الإعارة و المزارعة يعمل بحسب القواعد العامة فيكون الزرع لصاحب البذر لقاعدة التبعية و عليه أجرة الأرض للاستيفاء.

لفرض سقوط المزارعة بواسطة حكم الحاكم كسقوط العارية به أيضا فيجوز للمالك الرجوع في أرضه و ترتيب أثر عدم المزارعة، و لكنه يتم بناء على ثبوت الموضوعية لحكم الحاكم، و أما بناء على كونه طريقا محضا كما هو الظاهر منهم فلا وجه له مع اعترافه بعقد المزارعة و هي لازمة لا يرتفع إلا بالتقايل.

إلا أن يقال: إن إنفاذ حكم الحاكم مقدم في بعض الموارد على ملاحظة اعتراف المعترف بخلاف حكم الحاكم تحفظا على اعتبار الحكم مهما  أمكن، و لكنه محل تأمل لإطلاق ما مر من، صحيح هشام و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

أما وجه جواز أمره بالإزالة فلقاعدة السلطنة بعد سقوط الدعويين مطلقا بحكم الحاكم.

و أما وجه وجوب الإبقاء مع الأجرة فلقاعدة الإقدام حيث إن المالك أقدم باعترافه على الزرع فهما متفقان على ثبوت الإذن إما عارية أو مزارعة، فلا تجري قاعدة الضرر بالنسبة إليه من جهة إقدامه عليه، و حينئذ فمقتضى قاعدة نفي الضرر عدم صحة أمره للزارع للقلع، بل و في استحقاقه طلب الأجرة إذا كانت أكثر من الحصة على صحة دعواه المزارعة بحث تقدمت الإشارة إليه و لكن الاحتياط في التراضي.

بناء على أن لحكم الحاكم موضوعية خاصة في نفي الدعويين، و أما بناء على أنه طريق محض فالمالك ملزم بإقراره و اعترافه، و لا وجه للانفساخ مع اعترافه باللزوم.

(مسألة ۲٦): لو ادعى المالك الغصب و الزارع ادعى المزارعة فالقول قول المالك مع يمينه على نفي المزارعة (۲۹۷).

لأن المنساق العرفي المحاوري من هذا الدعوى أن أصل النزاع في دعوى المزارعة و إنكارها، فالزارع مدع لها و المالك منكر لها فيقدم قول المنكر مع اليمين، و بعد تقديم قوله يترتب آثار الغصب فدعوى الغصبية طريق إلى بيان إنكار المزارعة.

نعم، لو كانت لدعوى الغصبية موضوعية خاصة يصير من التداعي ظاهرا و بعد سقوطهما بالحكم يرجع إلى قاعدة السلطنة بالنسبة إلى الأرض فتكون‏ النتيجة متحدة سواء فرض من المدعي و المنكر أو من التداعي.

(مسألة ۲۷): في الموارد التي للمالك قلع زرع الزارع هل يجوز له ذلك بعد تعلق الزكاة و قبل البلوغ، قد يقال بعد الجواز (۲۹۸) إلا أن يضمن حصتها للفقراء لأنه ضرر عليهم، و الأقوى الجواز و حق الفقراء يتعلق بذلك الموجود و إن لم يكن بالغا (۲۹۹).

نسب ذلك إلى ابن الجنيد؛ و لكن يظهر من ذيل كلامه الذي نقله في الجواهر انه في المزارعة الصحيحة دون الفاسدة.

لمكان ولايته في الجملة، و لأن حقهم لا يزيد على حق صاحب الزرع فمع جوازه بالنسبة إليه، يجوز بالنسبة إليهم أيضا.

(مسألة ۲۸): يستفاد من جملة من الأخبار أنه يجوز لمن بيده الأرض الخراجية أن يسلمها إلى غيره ليزرع لنفسه و يؤدي خراجها عنه، و لا بأس به (۳۰۰).

لا بد من بيان أمور.

الأول‏: هل يكون خيار العيب خيارا مستقلا أو يرجع إلى خيار تخلف الشرط أو تبعض الصفقة- بناء على تنزيل فقد وصف الصحة منزلة فقد الجزء- الظاهر هو الأول و ان أمكن تطبيقه ثبوتا على أحد الأخيرين أيضا كما يأتي في الجواب عن الإشكال الوارد في تصوير أصل هذا الخيار.

الثاني‏: خيار العيب كما هو ظاهر الأخبار إنما هو بيع العين الشخصية مع الجهل بالعيب مركبا كان أو بسيطا، و قد مر أن العلم بخصوصيات العوضين الدخيلة في المالية معتبر في صحة البيع و من أهم تلك الخصوصيات وصف الصحة و مع الجهل بها يفسد أصل البيع و لا تصل النوبة إلى الخيار حتى يبحث عنه. و أجيب عن هذا الإشكال بوجوه.

منها: الاعتماد إلى أصالة السلامة التي هي من الأصول البنائية المعاملية عند الناس و هذا الاعتماد يوجب صحة البيع و مع التخلف يتحقق موضوع الخيار لا محالة، و هذا الأصل من سنخ أصالة الصحة في الأفعال عند الفقهاء، و أصالة الاستدارة في الأجسام عند الحكماء، و أصالة الصحة في بدن الإنسان عند الأطباء.

و منها: أن وصف الصحة من قبيل الداعي و الأغراض المعاملية.

و بعبارة أخرى: من باب تعدد المطلوب.

و فيه: انه خلاف المرتكز في الأذهان.

و منها: انه من الشرط البنائي المركوزي و إن لم يكن من الشرط الذكري بمعنى أن القصد العقلي و البناء المعاملي تعلق بالصحيح، و له وجه لا بأس به، و لذا لو ذكر هذا الشرط في متن العقد يكون تأكيدا عند نوع المتعاملين لا أن يكون شيئا مستقلا في مقام بنائهم المعاملي و إلا فيكون هذا الشرط من تحصيل الحاصل بعد تحقق القصد المعاملي و بنائهم على الصحيح.

نعم، لو كان قصد الصحيح و البناء المعاملي عليه مخالفا للشرط الفعلي الإنشائي لا يكون تأكيدا حينئذ و لا بأس بثبوت الخيارين حينئذ خيار العيب و خيار الشرط. و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات و المرجع في ذلك عرف المحاورة، و أما خبر يونس: «في رجل اشترى جارية على انها عذراء فلم يجدها عذراء قال عليه السّلام: يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه صادق»۷٦، فلا وجه للاستدلال به على أن الخيار خيار العيب فقط، إذ ليس في مقام بيان ذلك.

و منها: أن مقتضى إطلاق العقد عند نوع المتعاملين في بنائهم المعاملي هو الصحة. و هذا الوجه حسن أيضا و يمكن إرجاع بعض هذه الوجوه إلى البعض بل يمكن إرجاع الجميع إلى واحد.

الثالث‏: لا تعبد في أصل خيار العيب في الجملة لأن العقلاء يلومون من التزم بالعيب مع وصول المعيب إليه و يستنكرون على البائع إذا لم يقبل المبيع المعيب الذي سلمه إلى المشتري إذا رده إليه لأجل العيب و اللازم انما هو بيان الردع لا اقامة الدليل على الإثبات مع انه قد وردت أخبار مستفيضة دالة عليه كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

الرابع‏: لو كان المبيع كليا و سلّم البائع فردا معيوبا منه فلا ريب في أن للمشتري حق رد المعيوب، لعدم تحقق الوفاء بالعقد لفرض انه وقع على الصحيح، فهل يكون هذا ردا لأصل المعاوضة الواقعة على الكلي كما أن رد المبيع الشخصي رد لأصل المعاوضة الواقعة عليه.

و بعبارة أخرى: هل يجري خيار العيب في المبيع الكلي أو لا؟ قولان نسب إلى جمع الأول و استدل.

تارة: بإطلاق قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيح زرارة: «أيما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ اليه و لم يبين له- إلى أن قال- و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب»۷۷، و قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا»۷۸.

بدعوى: شموله للكلي أيضا كشموله للشخصي.

و اخرى‏: بأنه إذا تعين الكلي في الفرد فقد استقر البيع عليه أيضا فيدخل قهرا في موضوع خيار العيب.

و بعبارة أخرى: المبيع الشخصي المعيوب: داخل في موضوع خيار العيب أولا و بالذات و الكلي داخل فيه ثانيا و بالعرض.

و ثالثة: بأن المتعارف لا يفرق بينهما و الأدلة منزلة عليه.

و نوقش في جميع ذلك.

أما الأخبار فبدعوى: ان فيها قرائن ظاهرة في العين الشخصية كقوله عليه السّلام في صحيح زرارة: «و به عيب و عوار»، و قوله «يجد فيه» أو «وجد فيه».

و يرد ذلك بأن المراد من مرجع الضمير (المبيع) و هو يصدق على الكلي و الشخصي عرفا و لغة و شرعا.

و أما الثاني: فلأن تعيين الكلي الذمي في الفرد يوجب خارجية الكلي الذمي و براءة الذمة و أما انقلاب المعاوضة إلى الفرد الخارجي فهو محال لأنه من تحقق المعلول بلا علة ورد الوفاء لا ربط له برد البيع.

و فيه: أن الخارجية معلقة على تحقق الغرض المعاملي الأهم و هو الصحة و مع العيب كيف تتحقق الخارجية من كل جهة. و أما كون انقلاب المعاوضة إلى الفرد الخارجي من تحقق المعلول بلا علة ففيه:

أولا: أنا لا نحتاج إلى الانقلاب بل نقول أن المبيع الكلي مورد الخيار و لو مع عدم الانقلاب.

و ثانيا: بعد كون الفرد عين الكلي فلا وجه للانقلاب كما هو واضح فيجري خيار العيب في الكلي أيضا و لكنه مع ذلك مشكل في مقابل أصالة اللزوم هذا إذا كان البائع بانيا على التبديل و أما مع بنائه على العدم فالظاهر جريان الخيار هذا في الكلي الذمي.

و أما الكلي في المعين فلا إشكال في جريان خيار العيب فيه إذا كان جميع أطراف الكلي معيبا و أما ان كان بعض أطرافه كذلك و بقية الأطراف صحيحا فيكون مثل الكلي الذمي.

الخامس‏: جواز الرد في مورد خيار العيب ثابت بالأخبار المستفيضة التي تأتي الإشارة إلى بعضها و بالإجماع و بناء العقلاء على ما قلناه، و أما التخيير بينه و بين أخذ الأرش فلم يشر إليه في خبر من الأخبار إلا في الفقه الرضوي: «فإن خرج في السلعة عيب و علم المشتري فالخيار إليه إن شاء رده و إن شاء أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش العيب»۷۹ و هو مع قصور سنده ظاهر في التخيير بين أمور ثلاثة: الرد، و الأخذ بتمام الثمن، و أخذ الأرش. إلا أن يقال: بزيادة الهمزة في قوله «أورد»، و يمكن استفادة الأرش و التخيير بينه و بين الرد من قول أبي جعفر عليه السّلام في الصحيح: «أيما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار لم يتبرأ إليه و لم يبين له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثمَّ علم بذلك العوار و بذلك الداء انه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»۸۰.

بدعوى: ظهوره في التخيير بين الرد و الأرش و حيث انه يسقط الرد بعد التصرف يتعين الفرد الآخر و لا ينافيه ظهوره في اعتبار كون الأرش من الثمن‏ فإنه من باب المثال قطعا، و كذا يمكن استفادة التخيير بين الرد و أخذ الأرش من خبر جميل عن أحدهما عليه السّلام: «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا. فقال: ان كان الشي‏ء قائما بعينه رده على صاحبه و أخذ الثمن، و إن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب»، بالتقريب الذي قلناه، مع أن مجموع النصوص بعد رد بعضها إلى بعض و التأمل في القرائن الخارجية و الداخلية يكفي في إثبات الخيار كما لا يخفى، بل يمكن جعله مطابقا للقاعدة.

بدعوى: أن لوصف الصحة أهمية خاصة عند المتعاملين يرون فقدها قابلة للتدارك بالمال أعم من الثمن و غيره، و حيث أن وصف الصحة خارج عن حقيقة العوضين و انه من أهم مقاصد المعاملة لا بد و ان يتدارك بالمال لو شاء الطرف ذلك و لم يرد البيع، و طريق هذا الدليل بالشكل الأول هكذا: وصف الصحة من الأغراض المعاملية المهمة و الأغراض المعاملية المهمة فوتها يتدارك بالمال ففوت وصف الصحة يتدارك بالمال و حينئذ، فلو تراضيا الطرفان بالأرش فلا اشكال فيه سواء كان أخذ الأرش مطابقا للقاعدة أو مخالفا لها و إن لم يرض البائع بذلك يرد المشتري أصل البيع لئلا يقع الضرر و في مورد سقوط الرد يتعين على البائع تدارك ضرر المشتري بالأرش لقاعدة ضمان اليد لا ضمان المعاوضة.

و بالجملة: بناء المعاملة عند العقلاء على إحراز أصل المالية في العوضين فأخذ مال من الطرف بعنوان المعاوضة يقتضي دفع هذا المقدار من المال إليه، لقاعدة اليد المرتكزة في نفوس المتعاملين و المتعاوضين.

و ثمرة كون الأرش موافقا للقاعدة انه يجري في جميع المعاوضات مع فقد وصف الصحة كما يظهر من المحقق في عوض الخلع، و عن العلامة في الهبة المعوضة و مال الكتابة، و عن المسالك في المهر و لعل سكوت النصوص عن التعرض له انما هو لأجل كونه مرتكزا في النفوس لا لأجل أنه تعبد خاص في مورد مخصوص لكونه بعيدا جدا، فهو مطابق لهذا البناء فيكون عيبا  مطابقا للقاعدة.

ان قلت: فعلى هذا فلا بد من الأرش عند فقد كل وصف مع انهم لا يقولون به.

يقال: ان لوصف الصحة و فقدها أهمية خاصة ليست لغيره من سائر الأوصاف، مع أن وصف الصحة أعم ابتلاء من سائر الأوصاف فلا بد و ان يوسع في الخيار لأجلها بما لا يوسع في غيرها، مضافا إلى الإجماع على الاختصاص بخصوص فقد وصف الصحة و لأجل ذلك لا يتعدى إلى فقد سائر الأوصاف.

نعم، فقد وصف الصحة في سائر المعاوضات يوجب الأرش لما أثبتناه من كونه مطابقا للقاعدة، و لذا قال به الأصحاب في الإجارة و الصداق و نحوهما.

السادس‏: يجري خيار العيب في جميع أقسام البيع ما لم يكن محذور في البين، و أما سائر المعاوضات فمقتضى ظواهر أدلته اختصاصه بالبيع و عدم الجريان فيها إلا أن يدعى ان ذكر البيع فيها من باب المثال لكل معاوضة أو يدعي القطع بعدم الفرق أو القطع بالمناط. و الكل مخدوش.

نعم، أرش العيب ثابت في جميع المعاوضات لكونه مطابقا للقاعدة.

الأولى: إذا قصر العامل في تربية الزرع فقلّ الحاصل فالظاهر ضمانه التفاوت (۱) بحسب تخمين أهل الخبرة كما صرح به المحقق القمي قدس سرّه في أجوبة مسائله.

إن كان عقد المزارعة وقع على العمل التام بقيد التمامية يبطل العقد بالإخلال بها، و يكون الزرع لصاحب البذر لقاعدة التبعية، و عليه أجرة الأرض إن كان هو الزرع و لا أجرة لعمله إن كان البذر للمالك، لفرض إقدامه على هتك عمله بالتقصير في إتمام العمل فلا ضمان على الزارع للمالك على التقديرين.

و إن كان عقد المزارعة انحلاليا بحسب الإجزاء و المراتب فبالنسبة إلى ما أتى به تصح المزارعة على ما قررا عليه و تبطل بالنسبة إلى ما لم يأت، و لا وجه للضمان على هذا التقدير أيضا.

و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص و الموارد و الخصوصيات.

فيتحقق الضمان حينئذ في الجملة إن حصل تفاوت عرفا، و تقدم في المسألة السابعة ما ينفع المقام فراجع.

الثانية: إذا ادعى المالك على العامل عدم العمل بما اشترط في ضمن عقد المزارعة من بعض الشروط أو ادعى عليه تقصيره في العمل على وجه يضر بالزرع و أنكر الزارع عدم العمل بالشرط أو التقصير فيه فالقول قوله، لأنه مؤتمن في عمله (۲)، و كذا لو ادعى عليه التقصير في حفظ الحاصل بعد ظهوره و أنكر (۳).

و إن كان مقتضى الأصل عدم العمل بالشرط فلا بد من تقديم قول المالك، و لكن قد تسالم الفقهاء و جرت السيرة على قبول قول الأمين مع عدم البينة على الخلاف، و هذه قاعدة متبعة في جميع الموارد و هي: «قبول‏ قول الأمين فيما ائتمن عليه»، سواء كانت الأمانة مالكية- كما في المقام و نحوه- أو شرعية- كالأب و الجد و الحاكم الشرعي- أو عرفية كقبول قول كل من استولى على شي‏ء فيما استولى عليه من حيث الطهارة و النجاسة و نحوهما لأن أهل العرف يرونه مؤتمنا بالنسبة إلى ما استولى عليه، و من فروع ذلك أيضا قاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به»، و يأتي التفصيل في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.

لأنه أمين و لأصالة الصحة في فعله.

الثالثة: لو ادعى أحدهما على الآخر شرطا متعلقا بالزرع، و أنكر أصل الاشتراط فالقول قول المنكر (٤).

لأصالة عدم الاشتراط إلا أن يثبت بدليل و المفروض عدمه.

الرابعة: لو ادعى أحدهما على الآخر الغبن في المعاملة فعليه إثباته (٥) و بعده له الفسخ. (٦)

لأصالة عدم اعتبار قوله إلا إذا ثبت بحجة معتبرة.

لظهور الإجماع على عدم اختصاص خيار الغبن بخصوص البيع، بل يجري في جميع المعاملات.

الخامسة: إذا زارع المتولي للوقف الأرض الموقوفة بملاحظة مصلحة البطون إلى مدة لزم و لا تبطل بالموت (۷)، و أما إذا زارع البطن المتقدم من الموقوف عليهم الأرض الموقوفة ثمَّ مات في الأثناء قبل انقضاء المدة فالظاهر بطلانها من ذلك الحين، لانتقال الأرض إلى البطن‏ اللاحق، كما أن الأمر كذلك في إجارته لها (۸)، لكن استشكل فيه المحقق القمي قدس سرّه بأن عقد المزارعة لازمة و لا تنفسخ إلا بالتقايل أو ببعض الوجوه التي ذكروها و لم يذكروا في تعدادها هذه الصورة مع أنهم ذكروا في الإجارة بطلانها إذا أجر البطن المتقدم ثمَّ مات في أثناء المدة، ثمَّ استشعر عدم الفرق بينهما بحسب القاعدة فالتجأ إلى أن الإجارة أيضا لا تبطل بموت البطن السابق في أثناء المدة و إن كان البطن اللاحق يتلقى الملك من الواقف لا من السابق و أن ملكية السابق كانت إلى حين موته بدعوى أنه إذا آجر مدة لا تزيد على عمره الطبيعي و مقتضى الاستصحاب بقاؤه بمقداره، فكما أنها في الظاهر محكومة بالصحة كذلك عند الشارع و في الواقع فبموت السابق ينتقل ما قرره من الأجرة إلى اللاحق لا الأرض بمنفعتها- إلى آخر ما ذكره من النقص و الإبرام- و فيه ما لا يخفى، و لا ينبغي الإشكال في البطلان بموته في المقامين (۹).

أما اللزوم فلأصالة اللزوم- في كل عقد- الثابتة بالأدلة المعتبرة التي تقدمت في كتاب البيع.

و أما عدم البطلان بالموت فلأنه عقد صدر عن أهله و في محله فمقتضى الأصل اللزوم و عدم البطلان.

لأن في الوقف الترتيبي تسلط كل بطن و حقه في العين الموقوفة محدود بحياته فقط، فليس له التصرف فيها بما يتعلق بما بعد حياته فلو تصرف كذلك ثمَّ مات ينكشف بطلان تصرفه من حين موته.

مقتضى أصالة عدم الولاية و عدم السلطنة على التصرف فيما زاد على عمره هو البطلان فيما زاد عليه مطلقا.

و بعبارة أخرى: سلطنة كل بطن ما دامية ظاهرا و واقعا لا دائمية فيكون البطلان مستندا إلى عدم المقتضي، و لا ينتقض ذلك بما إذا آجر شخص داره مثلا ثمَّ مات أو باع الدار حيث لا تبطل الإجارة بالموت و البيع، لأن ملكية المالك للمنفعة كانت مطلقة غير محدودة بحد شرعي لا ظاهرا و لا واقعا، فله السلطنة المطلقة على ملكه المطلق بما شاء و أراد بخلاف المقام الذي ليس له السلطنة المطلقة، و قد تقدم في (مسألة ۱ و ۳) من كتاب الإجارة (فصل الإجارة من العقود اللازمة) ما ينفع المقام فراجع.

السادسة: يجوز مزارعة الكافر مزارعا كان أو زارعا (۱۰).

للأصل و الإطلاق و الاتفاق، و ما تقدم من قضية خيبر و موثق سماعة في (مسألة ۱۲).

السابعة: في جملة من الأخبار النهي عن جعل ثلث للبذر و ثلث للبقرة و ثلث لصاحب الأرض و أنه لا ينبغي أن يسمي بذرا و لا بقرا فإنما يحرم الكلام، و الظاهر كراهته (۱۱)، و عن ابن الجنيد و ابن البراج حرمته فالأحوط الترك (۱۲).

لإعراض الأصحاب عن ظاهر تلك الأخبار، فلا تصلح مستندا للحرمة لهذه الجهة، و تقدمت الإشارة إليها في (مسألة ۱۲).

خروجا عن مخالفتهم.

الثامنة: بعد تحقق المزارعة على الوجه الشرعي يجوز لأحدهما (۱۳) بعد ظهور الحاصل أن يصالح الآخر عن حصته بمقدار معين من جنسه أو غيره بعد التخمين (۱٤) بحسب المتعارف بل لا بأس به قبل ظهوره أيضا (۱٥)، كما أن الظاهر جواز مصالحة أحدهما مع الآخر عن حصته في هذه القطعة من الأرض بحصة الآخر في الأخرى، بل الظاهر جواز تقسيمهما بجعل إحدى القطعتين لأحدهما و الأخرى للآخر (۱٦)، إذ القدر المسلم لزوم جعل الحصة مشاعة من أول الأمر و في أصل العقد (۱۷).

لقاعدة السلطنة، و عموم أدلة الصلح، و لا ربا في المقام بعد عدم كونه من المكيل و الموزون كما تقدم.

بل يجوز قبله أيضا لاغتفار الغرر في الصلح بما لم يغتفر في غيره كما تقدم في كتاب الصلح.

مع الاطمئنان العادي بالحصول و لو من القرائن، و أما مع عدمه فلا موضوع للصلح حينئذ فيبطل من هذه الجهة.

و بذلك يمكن جعل النزاع بين من جوز هذا الصلح و بين من لم يجوزه لفظيا فراجع و تأمل.

كل ذلك للأصل، و قاعدة السلطنة، و إطلاق أدلة الصلح.

و المفروض حصولها، فالمقتضي لصحة ما ذكر موجود و المانع عنه مفقود.

التاسعة: لا يجب في المزارعة على أرض إمكان زرعها من أول أمر (۱۸)، و في السنة الاولى، بل يجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلا بعد إصلاحها و تعميرها سنة أو أزيد، و على هذا إذا كانت أرض موقوفة وقفا عاما أو خاصا و صارت بائرة يجوز للمتولي أن يسلمها إلى شخص بعنوان المزارعة إلى عشر سنين أو أقل أو أزيد حسبما تقتضيه المصلحة على أن يعمرها و يزرعها إلى سنتين مثلا لنفسه (۱۹)، ثمَّ يكون الحاصل مشتركا بالإشاعة بحصة معينة.

للأصل و الإطلاق و السيرة و ظهور الاتفاق بلا وجود مقيد في البين.

لأن مقتضى الإطلاقات و العمومات عدم اعتبار كون الحاصل مشتركا بين العامل و الزارع من أول إنشاء عقد المزارعة، بل يكفي الاشتراك في الجملة، سواء كان ذلك من أوله إلى آخره أو من الأول فقط أو من الوسط أو من الآخر لاختلاف أغراض المعاملية بذلك فيشمل الجميع، للإطلاقات و العمومات و لا مقيد في البين إلا دعوى الانصراف إلى القسم الأول، و على فرض صحته فهو بدوي لا وجه لاعتباره.

و دعوى: انه مخالف لظاهر الفتاوي، و القول الصادق عليه السّلام في صحيح الحلبي: «لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، و لكن بالنصف و الثلث و الربع لا بأس به.

و قال: لا بأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس»٦۳.

مردود، لأن مقتضى إطلاق الفتاوي و مثل هذه النصوص كفاية الإشاعة في الجملة و دعوى ظهورها في أنه لا بد في كون الإشاعة من أول الحاصل إلى آخره عين المدعى و أصل الدعوى، و على فرض عدم كونه من المزارعة المعهودة يكون عقدا مستقلا و قد أثبتنا مرارا صحة ذلك.

العاشرة: يستحب للزارع، كما في الأخبار الدعاء عند نثر الحب (۲۰) بأن يقول: «اللهم قد بذرنا و أنت الزارع و اجعله حبا متراكما»، و في بعض الأخبار (۲۱) «إذا أردت أن تزرع زرعا فخذ قبضة من البذر و استقبل القبلة» و قل‏ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏ ثلاث مرات، ثمَّ تقول: «بل اللّه الزارع» ثلاث مرات، ثمَّ قل «اللهم اجعله حبا مباركا و ارزقنا فيه السلامة» ثمَّ انثر القبضة التي في يدك في القراح (۲۲) و في خبر آخر (۲۳) لما هبط آدم عليه السّلام إلى الأرض احتاج إلى الطعام و الشراب فشكى ذلك إلى جبرائيل؟ فقال له جبرائيل: يا آدم كن حراثا، فقال عليه السّلام: فعلمني دعاء، قال: قل «اللهم اكفني مئونة الدنيا و كل هول دون الجنة و ألبسني العافية حتى تهنئني المعيشة». تمَّ كتاب المزارعة

كما في خبر شعيب‏٦4.

كما في رواية ابن بكير٦٥.

القراح: المزارع التي ليس عليها بناء و لا شجر و الجمع أقرحة.

كما في رواية مسمع‏٦٦. و الحمد للّه رب العالمين.

  1. سورة البقرة: ۹.
  2. سورة النساء: ۱۰۰.
  3. سورة الأنفال: ۱۳.
  4. سورة السجدة: ۱۷.
  5. سورة الواقعة: ٦4.
  6. سورة النمل: ۲٥.
  7. سورة البقرة: ۱4۸.
  8. سورة المائدة: ۲.
  9. النهاية لابن الأثير ج: ۲ صفحة: ۳.
  10. الوسائل باب: 4۸ من أبواب أحكام الدواب: ۲.
  11. سورة الواقعة: ۹.
  12. الوسائل باب: 4۸ من أبواب أحكام الدواب: 4.
  13. النهاية لابن الأثير ج: ۳ صفحة: 4۱۹.
  14. لا تقدم في ج: ۱٦ صفحة: ۱۱ فراجع.
  15. لا تقدم في ج: ۱٦ صفحة: ۱۱ فراجع.
  16. الوسائل باب: ۹ من أبواب المزارعة: ۲.
  17. الوسائل باب: ۸ من أبواب المزارعة: ٥.
  18. الوسائل باب: ۸ من أبواب المزارعة: ۱۰.
  19. الوسائل باب: ۸ من أبواب المزارعة و المساقاة: ۳.
  20. تقدم في ج: ۱۷ صفحة: ۸.
  21. الوسائل باب: ۱۸ من أبواب المزارعة حديث: ٥.
  22. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب المزارعة حديث: ۱.
  23. راجع الوسائل باب: ۱۱ من أبواب المزارعة.
  24. الوسائل باب: ۸ من أبواب المزارعة و المساقاة: ۸.
  25. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب المزارعة و المساقاة: ۳.
  26. راجع ج: 4 صفحة: ۲٥۸.
  27. تقدم في ج: ٥ صفحة: 4۰4.
  28. الوسائل باب: ۱4 من أبواب المزارعة و المساقاة: ۱.
  29. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب المزارعة ۱.
  30. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب المزارعة ۲.
  31. تقدم في ج: ۱۸ صفحة: ٦۷.
  32. تقدم في ج: ۱۷: صفحة: ۸.
  33. تقدم في ج: ۱۷: صفحة: ۸.
  34. سورة التوبة: ۹۱.
  35. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب المزارعة.
  36. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب المزارعة.
  37. الوسائل باب: ۳ من أبواب المزارعة و المساقاة: ۱.
  38. الوسائل باب: ۸ من أبواب المزارعة و المساقاة: ۱۰.
  39. سورة النساء: ۲۹.
  40. البحار ج: ۲ ص ۲۷۲ ط الحديثة.
  41. سورة النساء: ۲۹.
  42. الوسائل باب: ۳ من أبواب مكان المصلي حديث: ۱.
  43. البحار ج: ۲ صفحة: ۲۷۲ ط الحديثة.
  44. الوسائل باب: ۳ من أبواب الغصب حديث: ۱.
  45. الوسائل باب: ۷ من أبواب العيوب و التدليس: ۱.
  46. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المهور: 4.
  47. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب المزارعة حديث: ۱ و ملحقة.
  48. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب المزارعة حديث: ۱ و ملحقة.
  49. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب المزارعة: ۲.
  50. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب المزارعة و المساقاة: ۱۰.
  51. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب بيع الثمار: ۱.
  52. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب بيع الثمار: ۲.
  53. الوسائل باب: ۱4 من أبواب أحكام الزراعة: ۱.
  54. الوسائل باب: ۱4 من أبواب أحكام المزارعة: 4.
  55. تقدما في صفحة: ۱۲۲.
  56. راجع ج: ۱۸ صفحة: ۸۳.
  57. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب بيع الثمار: ۳.
  58. سورة المائدة: ۱.
  59. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب المهور حديث: 4.
  60. راجع ج: ۱۷ صفحة: ۳۰۱.
  61. الوسائل باب: ۲ من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى: ۱.
  62. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب المزارعة و المساقاة: ۲.
  63. الوسائل باب: ۸ من أبواب المزارعة و المساقاة: ۳.
  64. الوسائل باب: ٥ من أبواب المزارعة و المساقاة
  65. الوسائل باب: ٥ من أبواب المزارعة و المساقاة
  66. الوسائل باب: ٥ من أبواب المزارعة و المساقاة.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"