1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الغصب
و هو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حق عدوانا (۱) و قد تطابق العقل و النقل كتابا (۲)، و سنة (۳) و إجماعا على حرمته و هو من أفحش‏ الظلم الذي قد استقل العقل بقبحه (٤)، و في النبوي: «من غصب شبرا من الأرض طوقه اللّه من سبع أرضين يوم القيامة» و في نبوي آخر: «من خان جاره شبرا من الأرض جعله اللّه طوقا في عنقه من تخوم الأرض السابعة حتى يلقى اللّه يوم القيامة مطوقا إلا أن يتوب و يرجع»، و في آخر «من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر»، و من كلام أمير المؤمنين عليه السّلام: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها».

و هذا هو مفهومه عرفا بل و لغة أيضا، و هو مصطلح الفقهاء أيضا لا أن يكون لهم اصطلاح خاص فيه، و ليس الاستيلاء على مورد الاحتكار و الشفعة و أخذ الزوجة نفقتها من الغصب، لعدم كونه عدوانا لفرض إذن الشارع فيه و إن لم يرض المالك به، و كذا في مورد الحدود و القصاص و الديات على ما سيأتي.

كقوله تعالى‏ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ‏۱، و قوله تعالى‏ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ‏۲، الدال بالملازمة على حرمة غصب مال الغير، و كذا قوله تعالى‏ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما۳.

متواترة بين الفريقين‏4، و في النبوي «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه»٥، و في خطبته صلّى اللّه عليه و آله يوم النحر: «إن دمائكم و أموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا»٦.

فلا يختص قبحه بالشريعة المقدسة الإسلامية بل يعم غيرها أيضا كما ذكرنا في التفسير.

(مسألة ۱): المغصوب إما عين مع المنفعة من مالك واحد أو مالكين و إما عين بلا منفعة، و إما منفعة مجردة و إما حق مالي متعلق بالعين (٥). فالأول: كغصب الدار من مالكها و كغصب العين المستأجرة إذا غصبها غير المؤجر و المستأجر فهو غاصب للعين من المؤجر و للمنفعة من المستأجر. و الثاني: كما إذا غصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها مدة الإجارة. و الثالث: كما إذا غصب المؤجر العين المؤجرة و انتزعها من يد المستأجر و استولى على منفعتها مدة الإجارة. و الرابع: كما إذا استولى على أرض محجرة أو العين المرهونة بالنسبة إلى المرتهن الذي له فيها حق الرهانة (٦) و من ذلك غصب المساجد و المدارس و الربط و القناطر و الطرق و الشوارع العامة (۷) و غصب المكان الذي سبق إليه أحد في المساجد و المشاهد (۸).

يمكن أن يجعل هذا التقسيم عقليا كما لا يخفى على من تأمل فيها.

ثمَّ أنه ينبغي تقديم أمور:

الأول‏: أن الفرق بين الغصب و الضمان بالعموم من وجه لتحقق الضمان‏

في جميع المعاملات الفاسدة الدائرة بين الناس مع ثبوت التراضي بينهما فيها مع أنه لا غصب فيها موضوعا و إن كانت العقود الفاسدة بحكم الغصب كما مر في البيع، و تحقق الغصب بلا ضمان كما إذا أخذ شخص دينارا من صندوق أحد و وضع مكانه دينارا آخر مثله في جميع الخصوصيات، أو غصب أحد ماء من شخص و أشربه إلى نفس المالك عند شدة عطشه بناء على أنه لا ضمان فيه، و كذا في بعض الحقوق حيث يتحقق فيه الغصب و لا ضمان فيه و موارد اجتماعهما كثيرة كما لا يخفى على كل أحد.

الثاني‏: ليس للغصب حكم خاص به بل يستفاد حكمه من القواعد العامة الواصلة إلينا في الضمانات.

نعم، قد تذكر في الكتب الفقهية «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال»، و لم يبين أنه حديث معصومي أو كلام من غير المعصوم، و على الأول هل له سند يعتني به أو لا؟ و سمعت عن بعض المتفحصين‏۷، أنها كانت من فقه غير المسلمين و دخلت في فقههم و على أي تقدير فلا بد من العمل من تطبيقه على سائر القواعد.

الثالث‏: المرجع في صدق الغصب و الاستيلاء على المغصوب إنما هو نظر متعارف الناس و هو يختلف باختلاف سائر الخصوصيات و الجهات التي لا تضبطها ضابطة كلية، فمع الصدق يترتب الحكم و مع صدق العدم لا موضوع له و مع الشك في الصدق و عدمه فالمرجع الأصول الموضوعية و مع عدمها فالحكمية.

الرابع‏: التصرف في مال الغير من دون إذنه حرام و لكنه لا يعد غصبا للمال إلا إذا كان بعنوان الاستيلاء عليه فمن دخل دار الغير بدون إذنه لأخذ شي‏ء منها فعل حراما، و لكنه لا يعد غاصبا للدار عند الناس.

نعم، هو غاصب للشي‏ء المستولي عليه بعد أخذه إن لم يكن له.

لصدق الاستيلاء على حق الغير في كل منها فيتحقق الغصب بالنسبة إلى هذا الحق المستولي عليه عدوانا و يترتب عليه حكمه.

لتحقق التسلط و الاستيلاء على الحق العام لجميع المسلمين أو الناس أجمعين في جميع ذلك فيتحقق الغصب موضوعا و حكما لعدم تفرقة العرف في العدوان بين العدوان على الفرد أو النوع، بل الثاني أعظم و أقوى في العدوان.

و ما يتوهم من عدم تحقق الغصب فيها لعدم اعتبار الملكية للغير فيها.

مدفوع: بكفاية الاستيلاء على حق الغير عدوانا في تحقق الغصب، و إن شئت قلت أن مورد الغصب إما ملك أو حق و كل منهما إما شخصي أو نوعي، و العرف و العقل و الشرع يحكم بتحقق الغصب في الجميع، و يأتي في المتن آنفا ما ينفع المقام.

المحتملات في السبق إلى مكان أربعة:

الأول‏: حرمة الإزعاج ما دام السابق موجودا فيه من دون حصول حق له في المحل أبدا لا حدوثا و لا بقاء، و انما هي من مجرد الحكم التكليفي فقط فلو أزعجه غيره و صلى في مكانه تصح صلاته و إن أثم بالازعاج.

الثاني‏: حدوث حق له في المحل ما لم يعرض عنه فلو أزعجه غيره و صلى في مكانه تبطل صلاته سواء كان رحله موجودا فيه أو لا.

الثالث‏: دوران ثبوت الحق مدار وجود الرحل و عدم الإعراض.

الرابع‏: دورانه مدار عدم الإعراض سواء كان هناك رحل منه أو لا، و ليس في البين إلا قول علي عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل»۸، و ظهور كلمة «أحق» في عدم كون الموضوع من مجرد الحكم التكليفي مما لا ريب فيه، كما أن ظهور هذه الجملة في دوران الحكم مدار وجوده كذلك و أما ذكر الغاية فهو لأجل انتهاء الغاية و ان الشخص لا يتعداها إلا نادرا فيكون من تحديد الكون بحسب الغالب في تلك الأزمنة التي تكثر فيها الواردون إلى المساجد و لو لغير العبادة، و كانت من جملة مجامعهم لجملة من أغراضهم لا أن يكون في مقام بيان تحديد الحق في المكان كان فيه السابق أو لم يكن.

ثمَّ انه مع بقاء السابق في المحل أو بقاء رحله فيه و ذهابه لقضاء حاجة فالمتشرعة يرون حقه باقيا كما يرونه أجنبيا عن المحل مع الإعراض عنه، و أما في صورة ذهابه لقضاء الحاجة و قصد العود عما قريب مع عدم الرحل فمقتضى الأصل بقاء حقه لو لم يجر عموم دليل اشتراك المكان و أنه لكل من سبق، و يأتي بعض الكلام في المشتركات إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ۲): المغصوب منه قد يكون شخصا كما في غصب الأعيان و المنافع المملوكة للأشخاص و الحقوق كذلك، و قد يكون هو النوع كما في غصب مال تعين خمسا أو زكاة (۹) قبل أن يدفع إلى المستحق و غصب‏ الرباط المعد لنزول القوافل و المدرسة المعدة لسكنى الطلبة فإذا استولى على حجرة قد سكنها واحد من الطلبة و انتزعها منه فهو غاصب لحق الشخص و إذا استولى على أصل المدرسة و منع عن أن يسكنها الطلبة فهو غاصب لحق النوع (۱۰).

لأن تعلقها إما بنحو الحق أو بنحو الملك، و على الأول يكون من غصب حق النوع و على الأخير يكون من غصب ملك الغير، و مر ما يتعلق بذلك في كتاب الزكاة، و كذا غصب ما يتعلق بالمساجد و المشاهد من الفرش و الأثاث و الآلات فإن الجميع يكون المغصوب منه نوعيا لا شخصيا إن كان الوقف‏ للجهات العامة المنتفعة بها في تلك الأماكن، و سيأتي في كتاب الوقف بعض ما ينفع بالمقام.

لفرض أن المدرسة و غيرها- مثل المستشفيات و المكتبات و ما فيها من الآلات- موقوفة للنوع، و كذا في كل غصب يتعلق بكل حق نوعي كغصب الأعيان الموقوفة.

(مسألة ۳): للغصب حكمان (۱۱) تكليفيان و هما الحرمة و وجوب رفع اليد و الرد إلى المغصوب منه أو وليه (۱۲)، و حكم وضعي (۱۳) و هو الضمان بمعنى كون المغصوب على عهدة الغاصب و كون تلفه و خسارته عليه و أنه إذا تلف يجب عليه دفع بدله و يقال لهذا الضمان ضمان اليد (۱٤).

بالضرورة الدينية لكل منهما بالفطرة من ذوي العقول السليمة و الأذهان المستقيمة، و كل واحد من الحكمين حكم مستقل له دليل مخصوص فدليل الحرمة الأدلة الأربعة كما تقدم، و دليل وجوب الرد مثل قوله عليه السّلام «الغصوب كله مردود»۹، مضافا إلى إجماع المسلمين بل العقلاء.

يأتي تفصيل المقام في مستقبل الكلام راجع (مسألة ۱۸).

الحكم التكليفي لا يتعلق إلا بالكامل بالبلوغ و العقل، و الوضعي يتعلق بالصبي و المجنون أيضا فإذا غصب الصبي أو المجنون شيئا يتعلق بهما الضمان، و لكن لا وجه لتعلق وجوب الرد بهما لأن التكليف الشرعي ما كان مستلزما للعقاب على المخالفة و عقاب الصبي و المجنون قبيح عقلا، و تفصيل‏ المسألة يطلب من علم الكلام فيتعلق تكليف الرد لوليهما، كما إذا لاقى بدن الصبي أو المجنون النجاسة فينجس بدنهما و لكن لا يجب عليها التطهير و الأول حكم وضعي و الثاني تكليفي، و للمسألة نظائر كثيرة في الفقه من أوله إلى آخره و قد أشرنا إلى الفرق بينهما في الأصول أيضا.

و هناك سببان آخران يأتي في (مسألة ۳۳)، و اليد العدواني من أهم موجبات الضمان عقلا و قد قرره النبي الأعظم بقوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»۱۰، و يعد هذا من جوامع الكلم التي اختص صلّى اللّه عليه و آله به من بين سائر الأنبياء و افتخر صلّى اللّه عليه و آله بها عليهم‏۱۱، و البحث في الحديث الشريف من جهات:

الأولى‏: لا وجه للبحث عن سند هذا الحديث بعد ما كان متنه من القواعد الفطرية قررها الشارع لا أن يكون تعبديا، و لبابها يرجع إلى قبح الظلم و العدوان المستقل به كل ذي شعور من الإنسان، مع أن العامة و الخاصة نقلوه في كتبهم الحديثية و الفقهية الاستدلالية متعمد عليه و على الفروع المتفرعة عليه فلا وجه للبحث عن السند في مثله بعد ما تقدم.

الثانية: ليس المراد باليد: الجارحة الخاصة بل المراد بها ذكر السبب الغالبي و إرادة المسبب و هو الاستيلاء على الشي‏ء و هو يختلف باختلاف مراتب المستولي عليه اختلافا كثيرا جدا جامعها مطلق الاستيلاء، و المرجع في تعيينه متعارف الناس و أهل الخبرة بالأمور فكل ما حكم العرف بتحقق الاستيلاء عليه يتحقق الغصب، و يشمله إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله، و كل ما حكم بعدم‏ تحقق الاستيلاء عليه فلا يتحقق الغصب، و ما تردد في وجوده و عدمه فالمرجع الأصول الموضوعية و مع عدمها فأصالة البراءة عن الضمان، و لكن الاحتياط التراضي في موارد الشك اهتماما بأموال الناس مهما أمكن.

الثالثة: يشمل الحديث الأعيان و المنافع و الانتفاعات و الحقوق، لأن المراد باليد كما تقدم الاستيلاء و هو متحقق بالنسبة إلى الجميع مع بناء الفقهاء على التعميم بل و بناء العقلاء أيضا كذلك، و عدم الردع بل ثبوت التقرير و يعدونها الكل من أهم القواعد العامة الجارية في جميع الموارد.

الرابعة: لا ريب في ورود التخصيص على هذه القاعدة كما هو شأن المحاورة، و من أظهر موارد التخصيص موارد المجانية و الأمانة شرعية كانت أو مالكية، و قد تعرضنا لجميع ذلك كله في مواردها المناسبة.

الخامسة: من متفرعات قاعدة اليد ما اشتهر في المعاملات من قاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و فصلنا القول في البيع فراجع.

(مسألة ٤): يجري الحكمان التكليفيان في جميع أقسام الغصب ففي الجميع الغاصب يأثم و يجب عليه رفع اليد و رد المغصوب إلى المغصوب منه (۱٥)، و أما الحكم الوضعي و هو الضمان فيختص بما إذا كان المغصوب من الأموال عينا كان أو منفعة فليس في غصب الحقوق هذا الضمان أعني ضمان اليد (۱٦) على إشكال في بعضها كحقي التحجير و الاختصاص (۱۷).

نصا و إجماعا في كل منهما و ضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب و الدين.

الحقوق على أقسام ثلاثة:

الأول‏: ما جرت العادة على مقابلتها بالمال، و هي موجودة خصوصا في هذه الأزمان و سيما في بعض البلدان و لا ريب في تحقق الضمان فيه.

الثاني‏: ما جرت العادة على عدم المقابلة بالمال بل يستنكر ذلك لدى العرف، و لا يتحقق الضمان فيه لفرض عدم العوض المالي فيه فلا موضوع للضمان تخصصا.

الثالث‏: ما يترددون فيه و لا يستنكرون أخذ العوض فيه و لا يقدمون على إعطائه أيضا فقد يكون و قد لا يكون، و مقتضى الأصل عدم الضمان حينئذ.

نقلوا أن حق الاختصاص في السبق إلى دخول مطب بعض الأطباء يعاوض بالمال، و قد أدركنا أن حق الاختصاص في السبق إلى المكان عند منبر بعض الوعاظ المهمين كان يعاوض بالمال إلى غير ذلك مما يقال، و أما معاوضة حق التحجير بالمال فهي شائعة في القرى و الأرياف و البوادي و كانوا يسألون كثيرا عن أحكامها.

(مسألة ٥): لو استولى على حر فحبسه لا يتحقق الغصب لا بالنسبة إلى عينه و لا بالنسبة إلى منفعته و إن أثم بذلك (۱۸) و ظلمه سواء كان كبيرا أو صغيرا (۱۹) فليس عليه ضمان اليد الذي هو من أحكام الغصب (۲۰)، فلو أصابه حرق أو غرق أو مات تحت استيلائه من غير تسبيب منه لم يضمن (۲۱)، و كذا لا يضمن منفاعه كما إذا كان صانعا و لم يشتغل بصنعته في تلك المدة فلا يضمن أجرته (۲۲). نعم، لو استوفى منه بعض منافعه كما إذا استخدمه لزمه أجرته (۲۳) و كذا لو تلف بتسبيب منه مثل ما إذا حبسه في دار فيه حية مؤذية فلدغته أو في محل السباع فافترسته ضمنه من جهة سببيته للتلف (۲٤) لا لأجل الغصب و اليد.

أما الإثم فلأنه ظلم و لا ريب في كونه إثما عقلا و شرعا، و أما عدم الضمان بالنسبة إلى العين فلعدم كون الحر مالا و انما يضمن بسبب الجناية عليه، و المفروض انتفاؤها و أما عدم ضمان المنفعة فلعدم استيفائها و تحديدها بحد خاص بحيث تعتبر عند المتعارف مالا، مضافا إلى ظهور الإجماع إلا ممن لا يعتد بخلافه.

نعم، لو كان أجيرا خاصا من كل جهة لشخص، أو كانت أوقاته محدودة بمال خاص كما ينقل عن بعض أرباب الصنائع و الحرف المهمة فإن أوقاتهم محدودة بمال خاص للاشتغال بالعمل يصدق الاستيلاء العدواني بما يتعلق بالغير فتشمله قاعدة اليد و التسبيب و الإتلاف حينئذ.

لإطلاق ما مر من الدليل الشامل لهما مضافا إلى ظهور الاتفاق على‏ عدم الفرق.

لأن ضمان اليد انما يتحقق بالمال أو حق يقابل بالمال و المفروض انتفاؤهما إلا فيما ذكرناه.

لأصالة البراءة عن الضمان بعد عدم تحقق الاستيلاء على ما يقابل بالمال.

لما مر في سابقة من غير فرق إلا إذا صدق إتلاف مال الغير فيتحقق الضمان لا محالة، و بعبارة أخرى: الأجرة المستوفاة مضمونة سواء كان الاستيفاء لنفس الغاصب أو كان المستوفي غيره فأتلفها الغاصب على الغير.

لقاعدة أن كل من استوفى المنفعة المحترمة يجب عليه التعويض عنها و هذه القاعدة من صغريات قاعدة اليد أيضا، و تجري في اليد العدواني و المعاوضي معا أما الأول فبالعوض الواقعي و أما الثاني فبالعوض الجعلي.

لأن أسباب الضمان ثلاثة نصا كما مر و إجماعا، اليد، و التسبيب و الإتلاف و هما أعم من اليد و الغصب، و كون ذلك كله من موجبات الضمان من القضايا التي دليلها معها كما هو مغروس في الأذهان و لا يحتاج إلى إقامة دليل و برهان، و هي من الأمور النظامية و يأتي هنا و في كتاب الديات تتمة الكلام.

(مسألة ٦): لو منع غيره عن إمساك دابته المرسلة أو من القعود على فراشه أو عن الدخول في داره أو عن بيع متاعه لم يكن غاصبا، لعدم وضع اليد على ماله و إن كان عاصيا و ظالما له من جهة منعه فلو هلكت الدابة أو تلف الفراش أو انهدمت الدار أو نقصت قيمة المتاع بعد المنع لم يكن على المنافع ضمان من جهة الغصب و اليد (۲٥)، و هل عليه ضمان من جهة أخرى أم لا؟ أقواهما العدم في الأخير (۲٦) و هو ما إذا نقصت القيمة، و أما في غيره فإن كان الهلاك و التلف و الانهدام غير مستند إلى منعه بأن كانت بآفة سماوية و سبب قهري لا يتفاوت في ترتبها بين ممنوعية المالك و عدمها لم يكن عليه ضمان قطعا (۲۷)، و أما إذا كان مستندا إليه كما إذا كانت الدابة ضعيفة أو في موضع السباع و كان المالك يحفظها فلما منعه المانع و لم يقدر على حفظها وقع عليه الهلاك فللضمان وجه بل لا يخلو من قوة (۲۸).

لما مر من عدم ثبوت وضع اليد على المال و ان أثم و ظلم في صيرورته موجبا لتضرر الغير.

لعدم تفويت مال عليه لا مباشرة و لا تسبيبا، و إنما النقصان حصل لعوارض خارجية عن اختيار الغاصب و المالك و الاستناد في الضمان إلى قاعدة الضرر و الضرار يحتاج إلى الانجبار و هو مفقود.

لعدم وقوع الهلاك و التلف من الغاصب لا مباشرة و لا تسبيبا، و انما يستند إلى الآفة السماوية.

لصحة استناد التلف و الهلاك حينئذ إلى الغاصب فيثبت الضمان بالتسبيب، و لكن لوضوح السبب و خفائه مراتب و مع الشك في تحققه فالمرجع أصالة البراءة عن الضمان، و يمكن أن يجعل النزاع في الضمان و عدمه في نظير المقام لفظيا كما لا يخفى.

(مسألة ۷): حيث عرفت أن المدار في تحقق الغصب على استيلاء الغاصب على المغصوب و صيرورته تحت يده عرفا بدون إذن صاحبه فليعلم أنه يختلف ذلك باختلاف المغصوبات (۲۹)، ففي المنقول غير الحيوان يتحقق بأخذه باليد أو بنقله إليه أو إلى بيته أو دكانه أو مخزنة و غيرها مما يكون محرزا لأمواله (۳۰) و لو كان ذلك بأمره (۳۱)، فلو نقل حمّال بأمره متاعا من الغير بدون إذنه إلى بيته أو طعاما منه إلى مخزنة كان بذلك غاصبا للمتاع و الطعام (۳۲)، و يلحق بالأخذ باليد قعوده على البساط و الفراش بقصد الاستيلاء (۳۳). و أما في الحيوان ففي الصامت منه يكفي الركوب عليه أو أخذ مقودة و زمامه بل و كذا سوقه بعد طرد المالك أو عدم حضوره إذا كان يمشي بسياقه و يكون منقادا لسائقه (۳٤) فلو كانت قطيع غنم في الصحراء معها راعيها فطرده و استولى عليها بعنوان القهر و الانتزاع من مالكها و جعل يسوقها و صار بمنزلة راعيها يحافظها و يمنعها عن التفرق و التشتت. فالظاهر أنه يكفي ذلك في تحقق الغصب لصدق الاستيلاء و وضع اليد عرفا (۳٥)، و أما في العبيد و الإماء فيكفي مع رفع يد المالك أو عدم حضوره القهر عليه بحبسه عنده أو في بيته و استخدامه في حوائجه (۳٦) هذا كله في المنقول. و أما غير المنقول فيكفي في غصب الدار أن يسكنها أو يسكن غيره ممن يأتمر بأمره فيها بعد إزعاج المالك عنها أو عدم حضوره، و كذا لو أخذ مفاتيحها من صاحبها قهرا أو كان يغلق الباب و يفتحه و يتردد فيها. و كذلك الحال في الدكان و الخان (۳۷)، و أما البستان فإن كان لها باب و حيطان فيكفي في غصبها أخذ المفتاح و غلق الباب و فتحه مع التردد فيها بعنوان الاستيلاء و بعض التصرفات فيها، و كذا الحال في غصب القرية و المزرعة (۳۸) هذا كله في غصب الأعيان. و أما غصب المنافع فإنما هو بانتزاع العين ذات المنفعة عن مالك المنفعة و جعلها تحت يده (۳۹)، كما في العين المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو شخص ثالث من المستأجر و استولى عليها في مدة الإجارة سواء استوفى تلك المنفعة التي ملكها المستأجر أم لا (٤۰).

هذا قريب من الوجدانيات فلا يحتاج إلى التماس دليل و لا نظر فقيه فلذات الاستيلاء مراتب متفاوتة شدة و ضعفا و للمستولى عليه أيضا مراتب، فأين الاستيلاء على جوهرة صغيرة من الاستيلاء على سفينة كبيرة، و أين الاستيلاء على خاتم يدار في اليد و الاستيلاء على خزائن لا تحصى بالعد، و الجامع صدق الاستيلاء عرفا فمع صدقه يترتب حكم الغصب باليد و مع صدق عدمه لا يترتب حكمه و إن تحقق الضمان لجهة أخرى، و مع التردد فالمرجع أصالة البراءة عن الحكم الخاص بالغصب و إن تحقق الضمان لجهة أخرى أيضا و ليس للغصب حكم خاص به إلا ما أرسل من أن «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال»، و في كونه حديثا مرسلا إشكال و على فرضه فلا بد في العمل به من الانجبار و هو مفقود.

لأن كل ذلك يصدق عليه القبض و الاستيلاء عرفا بل وجدانا.

لفرض أن المأمور يطيع أمره فيكون فعل المأمور فعل الآمر و يتحقق القبض بالنسبة إلى الآمر.

أي كان الآمر غاصبا لصدق الاستيلاء على مال الغير عليه عرفا لأن الضابط الكلي في تحقق الاستيلاء إنما هو الصدق العرفي.

لأنه استيلاء على مال الغير عدوانا فيكون غصبا قهرا.

لصدق الاستيلاء على الحيوان عدوانا بذلك كله فيتحقق موضوع الغصب قهرا.

و كذا الكلام في المراكب الحديثة كالسيارات و غيرها.

لصدق الاستيلاء العدواني بذلك كله.

لأنه يصدق في ذلك كله الاستيلاء العدواني كما هو معلوم بالوجدان.

لأن جميع هذه التصرفات مع قصد الاستيلاء العدواني من مصاديق‏ الغصب الحرام عند جميع الأنام.

لأن المنفعة تابعة للعين فلا تدخل تحت اليد و الاستيلاء إلا بتبعها.

لتحقق الاستيلاء على المنفعة في الصورتين و الاستيفاء خارج عن حقيقة الاستيلاء كما هو واضح لا يخفى.

(مسألة ۸): لو دخل الدار و سكنها مع مالكها فإن كان المالك ضعيفا غير قادر على مدافعته و إخراجه و اختص استيلاؤه و تصرفه بطرف معين منها اختص الغصب و الضمان بذلك الطرف دون الأطراف الأخر (٤۱)، و إن كان استيلاؤه و تصرفاته و تقلباته في أطراف الدار و أجزائها بنسبة واحدة و تساوي يد الساكن مع يد المالك عليها فالظاهر كونه غاصبا للنصف فيكون ضامنا له خاصة بمعنى أنه لو انهدمت تمام الدار ضمن الساكن نصفها و لو انهدم بعضها ضمن نصف ذلك البعض، و كذا يضمن نصف منافعها (٤۲)، و لو فرض أن المالك و الساكن أزيد من واحد ضمن الساكن الغاصب بالنسبة فإن كانا اثنين ضمن الثلث و إن كانوا ثلاثة ضمن‏ الربع و هكذا (٤۳)، هذا إذا كان المالك ضعيفا، و أما لو كان الساكن ضعيفا بمعنى أنه لا يقدر على مقاومة المالك و أنه كلما أراد أن يخرجه من داره أخرجه فالظاهر عدم تحقق الغصب، بل و لا اليد فليس عليه ضمان اليد. نعم عليه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام كونه فيها لو كان لها بدل (٤٤).

أما اختصاص الغصب بما هو مستول عليه و متصرف فيه فلتحقق الاستيلاء عليه فقط، و أما عدمه بالنسبة إلى الأطراف الأخر فلعدم موضوع للغصب بالنسبة إليها فلا وجه لترتب حكم الغصب عليها، و الضابط أنه يكون الغاصب كأحد الشريكين أو الشركاء بنسبة المال إلا أن الشريك يكون بحق و الغاصب شريك ظلما و عدوانا.

لفرض تسلطه عليه عدوانا فيضمن لا محالة.

لما مر من أن الضابط هو أن يجعل الغاصب بمنزلة أحد الشريكين أو الشركاء بنسبة مقدار ما غصبه.

أما عدم تحقق الغصب فلعدم تحقق الاستيلاء عدوانا فإنه حينئذ يكون كضيف ضعيف متى أراد المضيف أن يطوي بساط الضيافة له أن يفعل ذلك فلا يصدق على مثل هذا الضيف أنه مسلّط و مستول على مال المضيف، و أما عدم تحقق ضمان اليد فلعدم تحقق الموضوع له لفرض عدم تحقق الاستيلاء عرفا.

و أما أن عليه بدل ما استوفاه من المنفعة إن كان له بدل فلقاعدة الإتلاف و إن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و أما عدم البدل فيما لا بدل له فلعدم الموضوع للبدل حينئذ فليس عليه إلا الإثم.

(مسألة ۹): لو أخذ بمقود الدابة فقادها و كان المالك راكبا عليها فإن كان في الضعف و عدم الاستقلال عما به المحمول عليها كان القائد غاصبا لها بتمامها و يتبعه الضمان (٤٥)، و لو كان بالعكس بل كان المالك الراكب قويا قادرا على مقاومته و مدافعته فالظاهر عدم تحقق الغصب من القائد أصلا فلا ضمان عليه (٤٦) لو تلفت الدابة في تلك الحال. نعم، لا إشكال في ضمانه لها لو اتفق تلفها بسبب قوة لها (٤۷) كما يضمن السائق لها لو كان لها جماح فشردت بسوقه فوقعت في بئر أو سقطت عن مرتفع فتلفت (٤۸).

لتحقق الاستيلاء العدواني عرفا لكون الراكب كالمحمول الجامد حينئذ، فيترتب عليه حكمه و هو الضمان قهرا.

لعدم فرض الاستيلاء العدواني من القائد مع كون الراكب قاهرا و مسلطا عليه، فيكون القائد حينئذ كحيوان يقود حيوانا آخر و يكون الراكب مسلطا عليهما.

لتحقق التسبيب إلى التلف فيترتب عليه الضمان لا محالة.

لتحقق التسبيب إلى التلف من السائق حينئذ فيضمن قهرا.

(مسألة ۱۰): إذا اشترك اثنان في الغصب فإن لم يستقل واحد منهما بانفراده بأن كان كل واحد منهما ضعيفا و إنما كان استيلاؤهما على المغصوب و دفع المالك بالتعاضد و التعاون فالظاهر اشتراكهما في اليد و الضمان، فكل منهما يضمن النصف (٤۹)، و أما إذا كان كل واحد منهما مستقلا في الاستيلاء بأن كان كل منهما كافيا في دفع المالك و القهر عليه أو لم يكن المالك حاضرا، فالظاهر أن كل واحد منهما ضامن للتمام (٥۰) فيتخير المالك في تضمين أيهما شاء كما يأتي في الأيادي المتعاقبة.

لاقتضاء الاشتراك في العلة الاشتراك في المعلول عقلا و شرعا و عرفا ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود.

لفرض تحقق الاستيلاء العدواني من كل واحد منهما، و فرض كفاية كل منهما في الاستقلال فيكون كل واحد منهما ضامنا للتمام لوجود المقتضى و فقد المانع فيتخير المالك في الرجوع إلى كل واحد منهما بلا إشكال.

و توهم: أن ذلك ممتنع لما ثبت في محله من امتناع توارد العلتين على معلول واحد.

فاسد: أولا بأن الممتنع انما هو تواردهما مستقلا في عرض واحد على معلول واحد و المقام طولي لا أن يكون عرضيا.

و ثانيا: بان الامتناع إنما هو في العلل الحقيقية التكوينية لا في الأمور الاعتبارية و المقام من الأخيرة لا الأولى، و يأتي في الأيادي المتعاقبة بقية الكلام و لو كان أحدهما تبعا للآخر فإن كان في التبعية كالآلة المحضة، فالضمان على المتبوع و إلا فعليه أيضا بنسبة تبعيته و مقدارها.

(مسألة ۱۱): غصب الأوقاف العامة كالمساجد و المقابر و المدارس و القناطر و الربط المعدة لنزول المسافرين و الطرق و الشوارع العامة و نحوها و الاستيلاء عليها و إن كان حراما و يجب ردها و رفع اليد عنها، لكن الظاهر أنه لا يوجب الضمان لا عينا و لا منفعة ضمان اليد (٥۱)، فلو غصب مسجد أو مدرسة أو رباطا و وضع اليد عليها فانهدمت تحت يده من دون تسبيب‏ منه لم يضمن (٥۲) عينهما كما أنه لو كانت تحت يده مدة ثمَّ رفع يده عنها لم يكن عليه أجرتها في تلك المدة (٥۳). نعم، الأوقاف العامة على العناوين الكلية كالفقراء و الطلبة بنحو وقف المنفعة يوجب غصبها الضمان عينا و منفعة (٥٤)، فإذا غصب خانا أو دكانا أو بستانا كانت وقفا على الفقراء أو الطلبة على أن يكون منفعتها و نماؤها لهم ترتب عليه الضمان، فإذا تلفت تحت يده كان ضامنا لعينها و إذا كانت تحت يده مدة ثمَّ ردها كان عليه أجرة مثلها فيكون غصبها كغصب الأعيان المملوكة للأشخاص (٥٥).

أما أصل حرمة الغصب فيها و وجوب رفع اليد بعد الغصب فلعموم أدلة حرمته و وجوب رفع اليد عن المغصوب من الكتاب و السنة و الإجماع و حكم العقل كما تقدم، بل الغصب فيها أقبح في مرتكزات المتشرعة بل العقلاء عن غصب الأملاك الشخصية لأن نسبة الظلم الشخصي إلى الظلم النوعي نسبة القطرة إلى البحر سيما إذا كان مورد حق اللّه تعالى أيضا، فإنه اجتراء على الخالق فلا وجه لملاحظة نسبة إثمه مع الإثم الشخصي الجزئي.

و أما أنه ليس في الحكم الوضعي أي الضمان لا عينا و لا منفعة فاستدل عليه.

تارة: بعدم الملك و المالك فيها.

و أخرى‏: بالسيرة و دعوى الإجماع.

و ثالثة: بأن جميع الناس فيها شرع سواء فلا اختصاص للغاصب بها إلا مجرد الإثم و هو حاصل له.

و رابعة: بتغليب حق اللّه تعالى فيها.

و الكل مخدوش أما الأولى: فيكفي اعتبار الملكية و لا ريب في صحته و أما المالك أي من يستولي عليها فهو المتولي مع وجوده و مع العدم فالحاكم الشرعي.

و أما الثانية: فتحققها من المتشرعة ممنوع و من غيرهم لا وجه لاعتبارها ما لم تكن عقلائية و هو أول الدعوى، و أما الإجماع فعهدة إثباته على مدعيه، و أما كون الناس فيها شرع سواء أي: في الانتفاع بها لا في سائر الجهات، و أما الأخير فهو من مجرد الدعوى بلا دليل، و لذا نسب إلى الدروس الضمان مطلقا عينا و منفعة و طريق الاحتياط واضح.

لأن الإتلاف بالتسبيب أو المباشر موجب للضمان مطلقا بلا فرق بين الأوقاف العامة و غيرها، و ما ذكروه في عدم الضمان على تماميته إنما هو في ضمان اليد دون الإتلاف.

لما مر من عدم ضمان اليد فيها، لكن لو استوفى المنفعة مباشرة أو تسبيبا يشكل عدم الضمان حينئذ، لقصور دليلهم عن شمول هذه الصورة على فرض التمامية.

و بالجملة: أصالة الاحترام في حق الغير و المال الذي يستفيد منه الغير من الأصول النظامية العقلائية التي لا يخرج عنها إلا بدليل قاطع و برهان ساطع.

لوجود المقتضي للغصب و هي الملكية الجهتية في الجملة و المالكية النوعية و فقد المانع، فتشملها العمومات و الإطلاقات بلا محذور و مدافع.

لفرض انها حينئذ فرد من أفراد الغصب كالمملوكة للأشخاص فيشمله العموم شمول الكلي لجميع الأفراد، و كذا الكلام في الفرش و الأثاث و سائر الأشياء الموقوفة بنحو الأوقاف العامة فليس فيها ضمان اليد.

نعم، فيما كانت موقوفة على الجهات بنحو الأوقاف الخاصة يثبت فيها ضمان اليد كالأوقاف الخاصة، و فيما تردد بينهما فمقتضى أصالة البراءة عدم الضمان بضمان اليد لو لم يكن تسبيب و إتلاف في البين.

(مسألة ۱۲): إذا حبس حرا لم يضمن لا نفسه و لا منافعه ضمان اليد حتى فيما إذا كان صانعا فليس على الحابس أجرة صنعته مدة حبسه (٥٦). نعم، لو كان أجيرا لغيره ضمن منفعته الفائتة للمستأجر و كذا لو استخدمه و استوفى منفعته كان عليه أجرة عمله (٥۷) هذا كله في حبس الحر، و أما لو غصب عبدا أو دابة مثلا ضمن منافعها سواء استوفاها الغاصب أم لا (٥۸).

أرسلوا ذلك إرسال المسلمات في جميع الطبقات و ابتنوا عليه مسائل كثيرة في موارد متفرقة، و استدلوا عليه.

تارة: بالإجماع.

و أخرى‏: بعدم المالية الفعلية حتى تقع تحت الاستيلاء و يتحقق ضمان اليد فلا موضوع للغصب فيه و إن ثبت الإثم من جهة الظلم.

و ثالثة: بالسيرة خلفا عن سلف لعدم الضمان إلا في موارد خاصة، فليس عين الحر مالا و لا ملكا لأحد حتى يتحقق فيه الغصب و ضمان اليد و لا منفعته الاقتضائية و قدرته على صنعته أي صنعة كانت.

نعم، له أحكام خاصة بالنسبة إلى الجنايات الواردة عليه و على منافعه كما يأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى و لكنها لا ربط لها بضمان اليد و الغصب الاصطلاحي.

و ما نسب إلى جمع منهم العلامة من أن منافع الحر تضمن بالتفويت فإن أراد به الاستيفاء فهو حق لا ريب فيه و إن أراد مطلق الفوات و لو بلا استيفاء و تسبيب في البين فلا دليل عليه بل هو على خلافه كما مر.

أما الأول فللإتلاف.

و أما الثاني فللاستيفاء و هما من موجبات الضمان بالأدلة الأربعة كما تقدم.

ثمَّ أن منافع الحر على أقسام:

الأول‏: المنفعة الاقتضائية المحضة بحيث لم تصل إلى أي مرتبة من الفعلية و لو بالمرتبة الضعيفة كما إذا كان ذو حرفة و صنعة بحيث لو تحققت المقتضيات و فقدت الموانع لاشتغل بعمله و استفاد عوضه و حبس مثله لا يوجب ضمان العين و لا ضمان العمل، لما مر.

الثاني‏: ما إذا كان له المعرضية القريبة للعمل و لكن لم يشتغل بالعمل بعد كمن كان في طريق ذهابه إلى شغل معين فحبسه.

الثالث‏: ما إذا وقع العقد الإجاري بينه و بين الغير لعمل خاص بعوض معين فحبس قبل الشروع في العمل أو في أثنائه.

الرابع‏: ما إذا كان دقائق أوقاته محدودة بحسب الجعل العمومي بعوض خاص معين كما إذا كتب شخص خاص ماهر في فن خاص في بطاقاته أن صرف كل دقيقة من وقتي بكذا من المال أو كان ذلك له بجعل الحكومة مثلا، و في الكل مع صدق إتلاف المال على الطرف مباشرة أو تسبيبا يثبت الضمان و مع العدم لا وجه للضمان.

لأن المنفعة فيهما مال الغير و إتلاف مال الغير يوجب الضمان بلا فرق بين الاستيفاء و عدمه.

(مسألة ۱۳): لو منع حرا أو عبدا عن عمل له أجرة من غير تصرف و استيفاء و لا وضع يده عليه لم يضمن عمله و لم يكن عليه أجرته و إن أثم بمنعه و كان ظلما (٥۹).

أما الإثم و الظلم فلا ريب فيه لأنه ظلم و الظلم حرام بالأدلة الأربعة بجميع مراتبه التي يصدق عليها الظلم و العدوان.

و أما عدم ضمان اليد فلفرض عدم وضع اليد عليه فيكون منتفيا بانتفاء الموضوع، كما أن المفروض عدم موجب لضمان آخر من الاستيفاء.

نعم، لو كان مطلق التفويت و التسبيب المطلق موجبا للضمان لكان ضامنا و لكنه ممنوع و إن كان الاحتياط في التراضي.

(مسألة ۱٤): يلحق بالغصب في الضمان المقبوض بالعقد المعاوضي الفاسد (٦۰)، فالمبيع الذي يأخذه المشتري و الثمن الذي‏ يأخذه البائع في البيع الفاسد يكون في ضمانهما كالمغصوب (٦۱)، سواء علما بالفساد أم جهلا به (٦۲)، و كذلك الأجرة التي يأخذها المؤجر في الإجارة الفاسدة (٦۳)، و أما المقبوض بالعقد الفاسد غير المعاوضي فليس فيه الضمان (٦٤) فلو قبض المتهب ما وهب له بالهبة الفاسدة ليس عليه‏ ضمان (٦٥)، و كذا يلحق بالغصب المقبوض بالسوم (٦٦)، و المراد بها ما يأخذه الشخص لينظر فيه أو يضع عنده ليطلع على خصوصياته لكي‏ يشتريه (٦۷) إذا وافق نظره فهذا في ضمان آخذه فلو تلف عنده ضمنه (٦۸).

أرسلوا ذلك إرسال المسلمات الفقهية في كتابي البيع و الغصب و ظاهرهم الإجماع عليه، فيكون موضوع أحكام الغصب كل نقل و انتقال لا يكون جامعا للشرائط الشرعية سواء كان من الغصب العدواني أو من النواقل غير الشرعية و لو كان مع الرضا جميع المعاملات الفاسدة لخلل في أحد العوضين أو أحد الطرفين أو في غيرهما مما هو معتبر شرعا، و قولهم هذا مطابق للقواعد العامة لأنه ليس للغصب حكم خاص به من الضمان و ما يترتب عليه غير العمومات التي يثبت بها الضمان و أحكامه.

نعم، لو ثبت قضية «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال» يكون ذلك حكما مخصصا به و قد مر أنها غير ثابتة.

لبطلان النقل و الانتقال شرعا فيجري عليه حكم الغصب قهرا أي:

العمل بالقواعد العامة الواردة في الضمان كقاعدة اليد و الإتلاف و التسبيب و نحوها.

لأن العلم و الجهل لا أثر لهما في الوضعيات التي منها الضمان.

نعم، لو كان العلم بالفساد موجبا لتحقق المجانية و التسليط المجاني و بلا عوض لا وجه للضمان حينئذ لتنافي المجانية مع الضمان كما هو واضح و لا يحتاج إلى بيان، و هذا معنى ما اصطلحوا عليه بقاعدة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» أي: المعاوضات التي فيها الضمان فإن كانت صحيحة فبالعوض المسمى و إن كانت فاسدة فبالمثل أو القيمة، لفرض عدم المجانية و تحقق القرار المعاوضي بين الطرفين، و قد تعرضنا لبعض ما يتعلق بها في كتاب البيع.

لأن ضمان اليد مطابق للقاعدة لا يختص بعقد دون آخر و لا بمعاوضة دون أخرى فكلما جرت عليه يد غير شرعية لا بد فيه من الضمان بالمثل أو القيمة بعد عدم الاعتبار بالعوض المسمى، لعدم إمضاء الشارع له هذا حكم أصل القضية المعروفة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» مضافا إلى قاعدة الإتلاف و أصالة احترام المال.

هذا حكم عكس القضية المعروفة لديهم و هو «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» أي: أن المجانيات لا ضمان فيها لفرض المجانية فيكون تحقق الضمان فيها خلف بلا فرق بين صحيحها و فاسدها لفرض تحقق‏ المجانية فيهما فالقضية أصلا و عكسا من الواضحات، ففي الأصل أن بناء القرار المعاوضي على العوض و إلا لزم الخلف، ففي الصحيح بالمسمى و في الفاسد بالعوض الواقعي و في العكس أن بناء المجانيات على عدم العوض و إلا لزم الخلف بلا فرق فيها بين الصحيح و الفاسد لفرض تحقق التسليط المجاني في كل منهما، و قد أطيل الكلام في القضيتين أصلا و عكسا و من أراد العثور عليه فليراجع مكاسب شيخنا الأنصاري مع أن القضيتين من الوجدانيات في الجملة بعد التأمل و التدبر.

لتنافي المجانية و الضمان عقلا و شرعا بل و عرفا لكونهما من الجمع بين المتنافيين كما هو واضح فلا يمكن الجعل التشريعي في مورد ينافيه و يضاده بحسب العقل و العرف.

لقاعدة اليد الشاملة لكل من جرت يده على مال الغير و لو كان بإذنه ما لم يكن في البين قرار بنائي أو معاوضي و العدوان من احدى طرق الضمان لا أن يكون الضمان مختصا به، فلا وجه لما يقال: من أن الإذن ينافي الضمان إذ لا دليل عليه من عقل أو نقل بل هما شاهدان على أنه أعم من عدم الضمان، و يصح أن يقال: أن الإذن في المقبوض بالسوم إذن تضميني بمعنى أن البائع يعطي السلعة إلى المشتري مشروطا بالشرط البنائي على أنه لو تلف في يده يعطيه بدله كما لا اختصاص للضمان بالمقبوض بالسوم، بل يجري في كل مقبوض يأخذه القابض بإذن من صاحبه ليرى ما فيه صلاحه من تملكه أو تبديله بغيره كقبض المرأة المال ليكون مهرا لها و الرجل ليكون عوض الخلع إلا إذا كان نفس القبض من حيث هو موجبا للضمان، كقبض الدين مثلا أو قبض البائع الثمن و المشتري المثمن إلى غير ذلك.

قد عرفت عدم الاختصاص به فكل مقبوض لغرض صحيح بإذن المالك مضمون بضمان اليد إلا ما خرج بالدليل كالودائع و الأمانات فإنها ليست مضمونة بضمان اليد، بل بالتعدي أو التفريط و تقدم أن الإذن في القبض أعم من سقوط الضمان بل نفس الإذن في الواقع إذن تقييدي بالضمان لو تلف، بل الشك في أن الإذن يوجب سقوط الضمان أو لا.

يكفي في عدم السقوط عموم «قاعدة اليد» و أصالة احترام أموال الناس بلا شبهة و التباس.

على المشهور لما تقدم من أن البناء و الإعطاء ليس بمجاني.

(مسألة ۱٥): لو أخذ مال الغير غصبا ثمَّ وضعه في محله فتلف بعد ذلك يضمن (٦۹). نعم، لو تاب بعد الوضع و تلف المال يشكل ضمانه (۷۰).

لقاعدة اليد و استصحاب الضمان الحا

صل بمجرد أخذه.

لأصالة البراءة بعد انقطاع حكم يده بالتوبة.

(مسألة ۱٦): يجب رد المغصوب إلى مالكه ما دام باقيا (۷۱) و إن كان في رده مئونة، بل و إن استلزم رده الضرر عليه (۷۲) حتى أنه لو أدخل‏ الخشبة المغصوبة في بناء لزم عليه إخراجها و ردها لو أرادها المالك و إن أدى إلى خراب البناء (۷۳)، و كذا إذا أدخل اللوح المغصوب في سفينة يجب عليه نزعه (۷٤) إلا إذا خيف من قلعه الغرق الموجب لهلاك نفس محترمة أو مال محترم (۷٥)، و هكذا الحال فيما إذا خاط ثوبه بخيوط مغصوبة فإن للمالك إلزامه بنزعها و يجب عليه ذلك و إن أدى إلى فساد الثوب (۷٦)، و إن ورد نقص على الخشب أو اللوح أو الخيط بسبب إخراجها و نزعها يجب على الغاصب تداركه (۷۷) هذا إذا كان يبقى للخارج من الخشبة و المنزوع من الخيط قيمة، و أما إذا كان بحيث لا يبقى له قيمة بعد الإخراج أصلا كما إذا كان الخيط ضعيفا يفسد بنزعه فالظاهر إنه بحكم التالف فيلزم الغاصب بدفع البدل و ليس للمالك مطالبة العين (۷۸).

بضرورة المذهب إن لم يكن من الدين.

و الفطرة السليمة من ذوي العقول المستقيمة، و قولهم عليهم السّلام: «الغصب كله مردود»۱۲، و قول علي عليه السّلام: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها»۱۳.

كل ذلك لإطلاق الأدلة، و قاعدة اليد و غيرها، و لأن الغاصب هو الذي أقدم على تضرره بغصبه مال الغير، فالضرر إنما جاء من قبل نفسه و من إقدامه‏

عليه بوضع يده على المغصوب.

إن قيل: نعم، و لكن يقيد ذلك كله بقاعدة نفي الحرج و الضرر.

يقال: ظاهرهم الإجماع على عدم جريانهما في المقام.

لقول علي عليه السّلام: «الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها»۱4، مضافا إلى الإجماع، و قاعدة الإقدام و إطلاقها يشمل ما إذا وضع المغصوب في محل من البناء يمكن أن ينهدم ذلك المحل و أطرافه ليخرج المغصوب بنحو يسير، و كذا إذا كان تمام البناء موضوعا على المغصوب مثلا بحيث يكون هو القاعدة لتمام البناء بأجزائها و جزئياتها و لو أخرج ذلك لانهدم البناء الذي يكون للغاصب و قد كلّف مليون دينار مثلا كما جرت العادة في إنشاء مثل هذه الأبنية في هذه الأعصار كثيرا، و كذا في مثل السفن المصنوعة في هذه الأعصار التي تصرف في صنعها مبالغ طائلة فلو كان المغصوب في بعض مواضعها المهمة الذي يوجب إخراجه غرق أصل السفينة التي تكون للغاصب هذا إذا لم يرض المالك بالمثل أو القيمة و الا فللغاصب دفع ذلك.

ثمَّ إن الغصب تارة: عمدي عدواني.

و أخرى: يكون جهلا بالغصب ثمَّ بعد البناء يعلم به.

و ثالثة: يكون بالمعاملات الفاسدة التي تكون في حكم الغصب، و هل يشمل حكمهم بالهدم إذا توقف الإخراج عليه جميع هذه الصور؟ و في صورة العدوان تارة يكون الإخراج مع عدم توبة الغاصب أو إخراج بعد ندامته و توبته؟

و هل يشمل الحكم صورة الندامة أيضا؟ و لم أر شرحا وافيا لهذه الفروع في المقام و أما الاستشهاد للمقام بقوله تعالى‏ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ*۱٥،

حيث أنه يدل على سقوط احترام العادي مطلقا فهو صحيح في الجملة لا بنحو الكلية.

الكلام فيه عين الكلام في سابقة من غير فرق.

قيده جمع بغير مال الغاصب فإنه لا حرمة له لأجل هتك حرمته بظلمه و عدوانه بل عن بعض سقوط حرمة نفس الغاصب أيضا، فلو دافعه المالك لأجل أخذ ماله و قتله حينئذ يكون دمه هدرا، و تحقيق هذه الفروع يحتاج إلى صحة و رفع تشويش البال نسأل اللّه تعالى أن يمنّ علينا بهما و لعلنا نتعرض لبعضها في موجبات الضمان في كتاب القصاص إن شاء اللّه تعالى.

أما الأول فلقاعدة السلطنة، و أما الثاني فلقاعدة اليد، و الأخير فلقاعدة الإقدام على التضرر بالغصب و هتك مال الغير، و الظاهر أن الخياطة بالمكائن بمنزلة التلف فيبدل إلى القيمة.

لقاعدتي اليد و الإتلاف، و الإجماع.

أما الأول فلحكم العرف بذلك فإن المتعارف لا يرون للعين حينئذ بقاء و اعتبارا و ينزلونه منزلة التلف.

و أما الثاني فلتعين التعويض فيها حينئذ، و أما الأخير فلقاعدة «نفي الضرر» بالنسبة إلى الغاصب.

(مسألة ۱۷): لو امتزج المغصوب بما يمكن تميزه و لكن مع المشقة كما إذا مزج الشعير المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرة يجب عليه أن يميزه و يرده (۷۹).

لإمكان رد العين المغصوبة إلى المالك فتشمله أدلة وجوب رد العين المغصوبة إلى مالكه مع الإمكان، و أما تحمل المشقة فلتسبيبه لها بالغصب فلا بد من تحمله لها.

(مسألة ۱۸): يجب على الغاصب مع رد العين بدل ما كانت لها من المنفعة في تلك المدة إن كانت لها منفعة سواء استوفاها كالدار يسكنها و الدابة ركبها أو لم يستوفها بل كانت العين معطلة (۸۰).

لقاعدتي اليد و الإتلاف مباشرة أو تسبيبا، و الإجماع على عدم الفرق في ضمان منافع المغصوب بين الفوات و التفويت.

(مسألة ۱۹): إذا كانت للعين منافع متعددة و كانت معطلة فالمدار على المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين (۸۱)، و لا ينظر إلى مجرد قابليتها لبعض المنافع (۸۲) فمنفعة الدار بحسب المتعارف هي السكنى و إن كانت قابلة في نفسها بأن تجعل محرزا أو مسكنا لبعض الدواب و غير ذلك فلا ينظر إلى غير السكنى (۸۳)، و منفعة بعض الدواب كالفرس بحسب المتعارف الركوب و منفعة بعضها الحمل و إن كانت قابلة في نفسها لأن تستعمل في إدارة الرحى و الدولاب أيضا (۸٤)، فالمضمون في غصب كل عين هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلى تلك العين و لو فرض تعدد المتعارف منها فيها كبعض الدواب التي تعارف استعمالها في الحمل و الركوب معا فإن لم تتفاوت أجرة تلك المنافع ضمن تلك الأجرة (۸٥)، فلو غصب يوما دابة تستعمل في الركوب و الحمل معا و كانت أجرة كل منهما في كل يوم درهما كان عليه درهم واحد (۸٦)، و إن كانت أجرة بعضها أعلى ضمن الأعلى فلو فرض أن أجرة الحمل في كل يوم درهمان و أجرة الركوب درهم كان عليه درهمان (۸۷)، و الظاهر أن الحكم كذلك مع الاستيفاء أيضا فمع تساوي المنافع في الأجرة كان عليه أجرة ما استوفاه (۸۸) و مع التفاوت كان أجرة الأعلى سواء استوفى الأعلى أو الأدنى (۸۹).

لأنها المرتكز في أذهان الناس و المنساق من الأدلة بلا شبهة و التباس.

للأصل و الإجماع و بناء العرف على اعتبار منفعة خاصة لكل شي‏ء، و لا ينظرون إلى مجرد المنفعة الاقتضائية ما لم تصر في معرض الفعلية عندهم فكأن المنافع الاقتضائية لا تعد منفعة لديهم خصوصا إذا كان الاقتضاء بعيدا و توقفت فعليته على تحقق أمور كثيرة.

لأن المتعارف عند الناس من منفعتها هو السكنى و غيرها مغفول عنه إلا إذا لوحظت بعنوان مستقل خاص و المفروض عدمه.

لما مر في الدار سابقا.

لما يأتي آنفا.

لعدم الفوات إلا لمنفعة واحدة بدلية، و المفروض أن جميع الأبدال متساوية في الأجرة فلا تشتغل الذمة إلا بأجرة واحدة كذلك.

لصدق التفويت بالنسبة إلى الأعلى فتشتغل الذمة به لا محالة.

أما أجرة ما استوفاه فلقاعدتي اليد و الإتلاف، و أما عدم لزوم شي‏ء آخر عليه فللأصل بعد عدم صدق التفويت، لأن المنفعة كانت بدلية و مع استيفاء أحد الأبدال لا يعقل وجود منفعة أخرى للعين حتى يتحقق التفويت بالنسبة إليها.

أما إذا كانت المستوفاة هو الأعلى، فلقاعدة الإتلاف، و أما إذا كانت هو الأدنى فلتفويت الأعلى على المالك فيضمن من جهة التفويت.

(مسألة ۲۰): إن كان المغصوب منه شخصا يجب الرد إليه أو إلى وكيله إن كان كاملا و إلى وليه إن كان قاصرا (۹۰) كما إذا كان صبيا أو مجنونا فلو رد في الثاني إلى نفس المالك لم يرتفع منه الضمان (۹۱)، و إن كان المغصوب منه هو النوع كما إذا كان المغصوب وقفا على الفقراء وقف منفعة فإن كان له متولي خاص يرده إليه و إلا فيرده إلى الولي العام و هو الحاكم (۹۲)، و ليس له أن يرده إلى بعض افراد النوع (۹۳) بأن يسلمه في المثال المذكور إلى أحد الفقراء. نعم، في مثل المساجد و الشوارع و القناطر بل الربط إذا غصبها يكفي في ردها رفع اليد عنها و إبقاؤها على حالها (۹٤)، بل يحتمل أن يكون الأمر كذلك في المدارس فإذا غصب مدرسة يكفي في ردها رفع اليد عنها و التخلية بينها و بين الطلبة (۹٥)، لكن الأحوط الرد إلى الناظر الخاص لو كان و إلا فإلى الحاكم (۹٦). كان في بلد آخر فلا إشكال في أن له إلزامه بنقل المال إلى بلد الغصب (۱۰۰)، و هل له إلزامه بنقل المال إلى البلد الذي يكون فيه المالك؟ فيه إشكال (۱۰۱).

أما وجوب رد المغصوب إلى شخص المغصوب منه، فللضرورة المذهبية بل الدينية و إطلاق دليل اليد۱٦، و حديث «المغصوب كله مردود»۱۷، و أما صحة الرد إلى وكيله فلأن يد الوكيل كيد الموكل بمقتضى الإذن في الوكالة، و أما لزوم الرد إلى الولي، فلأن المولى عليه قاصر عن صحة الرد إليه و الأخذ منه من كل جهة فيكون الرد إليه كالعدم بالإجماع و الأصل.

للأصل و الإجماع و قصور المولى عليه عن القبض و الإعطاء و الفعل و القول و سائر الجهات.

أما الأول فلولايته المجعولة من الواقف لمثل هذه الأمور.

و أما الثاني فللولاية الشرعية المجعولة له لكلية الأمور الحسبية التي يكون المقام من أحدها.

لأصالة عدم براءة عهدة الغاصب بذلك و أصالة عدم ولاية الآخذ على الأخذ مع كون الآخذ و غيره من سائر الموقوف عليهم على حد سواء في ذلك، فكفاية أخذه من الترجيح بلا مرجح بالنسبة إلى الموجودين و كذا بالنسبة إلى سائر الطبقات.

لصدق رد العين على ما كانت عليه قبل الغصب فإنها كانت قبله غير ممنوعة عن قاصديها فرجعت إلى الحالة الأولى و أزيل المانع عن وارديها.

لصدق قطع سلطنة الغاصب و رفع يده عن المغصوب و زوال المانع عن وصول المغصوب منهم إلى حقهم و لا معنى للرد إلا هذا.

جمودا على المتيقن من تفريغ الذمة.

في وجوب الدفع إليه لوجود المقتضى و فقد المانع فيؤثر دليل وجوب الرد أثره لا محالة.

من باب المقدمية خصوصا بعد كون الغاصب هو الذي صار سببا لذلك.

أما صحة الإلزام بالتسليم في ذلك البلد، فلقاعدة السلطنة و وجود المقتضي و فقد المانع، و أما صحة الإلزام بالنقل إلى بلد الغصب فلإطلاق قوله عليه السّلام: «المغصوب كله مردود»۱۸، الظاهر في رده إلى محل الغصب، و لقاعدة السلطنة و ظهور الإجماع.

لما مر من إطلاق دليل رد المغصوب الظاهر في رده إلى محل الغصب.

من قاعدة السلطنة و إطلاق أدلة رد المغصوب، و قضية «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال» فيصح له إلزام الغاصب بنقل المال إليه.

و من أن مفاد القاعدة إنما هو في صحة الاستيلاء على ماله و أما السلطنة على طرق الاستيلاء بأي وجه أمكن فلا يستفاد ذلك من القاعدة ما لم يكن من الغاصب تسبيب في البين، و أما التمسك بإطلاق أدلة رد المغصوب فإن كان من الغاصب تسبيب في البين كما في بلد الغصب فلا ريب في الشمول و إن لم يكن منه تسبيب فيشك في الشمول و معه لا يصح التمسك بالإطلاق، و أما قضية «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال» فلم يعلم أنه حديث أو غيره، و على أي تقدير هل يصح الأخذ بإطلاقه أو لا؟ و الكل محل نظر و بحث و مقتضى الأصل عدم سلطنة المالك على غير أخذ ماله فضلا عن فعل الأشق.

نعم، مع الامتناع تصل النوبة إلى الإجبار كما في أخذ كل حق و لو لم يكن الطرف غاصبا، كما أن تعزير الحاكم و حدّ الغاصب إن فعل ما يوجبه شي‏ء آخر لا ربط له بالأخذ بأشق الأحوال، و من ذلك كله يظهر أنه لا موجب لإلزامه بنقل المال إلى بلد الغاصب.

(مسألة ۲۲): لو حدث في المغصوب نقص و عيب وجب على الغاصب أرض النقصان (۱۰۲) و هو التفاوت بين قيمته صحيحا و قيمته معيبا (۱۰۳) و رد المعيوب إلى مالكه (۱۰٤)، و ليس للمالك إلزامه بأخذ المعيوب و دفع تمام القيمة (۱۰٥)، و لا فرق على الظاهر بين ما كان العيب مستقرا و بين ما كان مما يسري و يتزايد شيئا فشيئا حتى يتلف المال بالمرة (۱۰٦)، كما إذا عرضت على الحنطة أو الأرز بلّة و عفونة ففي الثاني أيضا يجب على الغاصب أرض النقصان و تفاوت القيمة بين كونها مبلولة و غير مبلولة فإن للحنطة المبلولة أيضا قيمته عند العرف و أهل‏ الخبرة (۱۰۷).

لأصالة الضمان في يد الغاصب بالنسبة إلى جميع ما وضع يده عيلة من المغصوب بذاته و اجزائه و جزئياته و صفاته، و هذا الأصل من الأصول النظامية المقررة بقاعدة اليد و الإتلاف و التسبيب و التفويت و الفوات إلى غير ذلك مما هو من دفائن العقول و لم يردع عنها نبي و لا رسول بل قرروها كما هو واضح.

لأن هذا هو المراد بالأرش في نظائر المقام كما مر بعض الكلام فيه في كتاب البيع عند بيان خيار العيب فراجع.

للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

لأصالة عدم سلطنته على ذلك و انما هو مسلط على أخذ عين ماله و عوض ما حصل من النقص عليه و يتحقق ذلك بأخذ العين و الأرش.

نعم، لو كان النقص من التلف يتبدل بالقيمة حينئذ و لكنه خلف الفرض.

إيكال تشخيص هذه الأمور إلى أهل الخيرة أولى من تعرض الفقيه لها فإن حكموا بالتلف يتعين القيمة، و إن حكموا بعدمه يتعين رد العين، و إن ترددوا في ذلك فالمرجع الاستصحاب و يجزي رد العين مع تدارك النقص إن حصل.

أما رد العين فلبقائها و عدم تلفها فتشملها قاعدة «اليد»، و أما الأرش فللإجماع و قاعدة «اليد»، و ما ورد في الموارد المتفرقة التي نقطع بعدم الخصوصية فيها.

(مسألة ۲۳): لو كان المغصوب باقيا لكن نزلت قيمته السوقية رده و لم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين (۱۰۸).

أما وجوب رد المغصوب مع بقائه فللأدلة الدالة عليه من العقل و النقل كما تقدم.

و أما عدم ضمان شي‏ء على الغاصب مع عدم نقص في العين فللأصل بعد صدق الأداء مضافا إلى الإجماع و قاعدة نفي الضرر و إن الظالم لا يظلم و عدم تحقق إتلاف شي‏ء من الغاصب على المغصوب منه.

(مسألة ۲٤): لو تلف المغصوب أو ما بحكمه كالمقبوض بالعقد الفاسد و المقبوض بالسوم قبل رده إلى المالك ضمنه بمثله إن كان مثليا أو بقيمته إن كان قيميا (۱۰۹)، و المراد بالمثلي ما تساوت قيمة أجزائه (۱۱۰) لتقاربها في غالب الصفات و الخواص (۱۱۱) كالحبوبات من الحنطة و الشعير و الأرز و الذرة و الدخن و الماش و العدس و غيرها، و كذا الادهان و عقاقير الأدوية و نحوها، و المراد من القيمي ما يكون بخلافه كالعبيد و الإماء و أنواع الحيوان كالفرس و البغل و الحمار و الغنم و البقر و غيرها (۱۱۲)، و كذا الجواهر الكبار (۱۱۳) و الثياب و الفرش و البسط و أنواع المصنوعات و غيرها (۱۱٤).

للإجماع و لأنه المنسبق إلى أذهان الناس في الضمانات الدائرة بينهم فإذا كان المضمون مثليا تبادر أذهانهم إلى دفع المثل، و لو لم يقبله المالك يستنكر ذلك منه و يلام عليه و إن كان قيميا فكذلك بالنسبة إلى القيمة.

نعم، قد يحصل الخلاف في كون شي‏ء مثليا أو قيميا و لا ربط له بمسلمية أصل الكبرى لديهم كما أن هذا مع عدم التراضي بينهما بأصل تدارك المالية المطلقة و إلا فيجوز دفع القيمة في المثلي أيضا و بالعكس، و الظاهر أن بناء عامة الناس على هذا لأن اعتبار المثلية عندهم يكون طريقا لإحراز أصل المالية لا الخصوصية فيها إلا نادرا خصوصا إذا كان المثل كثير الوجود أو كان أخذ القيمة أسهل للمالك من جهة.

نسب هذا التعريف إلى المشهور، و قيده جمع منهم صاحب‏

الجواهر رحمه اللّه ان المراد بالمساواة في الغالب ما له دخل في المالية و ان المراد بالمساواة في أشخاص الأصناف و لعله مراد الجميع، إذ ليس المراد بالمساواة المساواة في مجرد التسمية لأن الأصناف المسماة باسم واحد متفاوتة في المالية و الرغبات كثيرا، كما أنه ليس المراد المساواة بالدقة العقلية ظاهرا و باطنا لعدم ابتناء الشرع على مثل ذلك مع أن العلم بها مختص بعلام الغيوب، كما أنه لا وجه للتعبد في معنى المساواة لأصالة عدمه و لو كان لظهر و بان في هذا الموضوع العام البلوى، و لم تصل النوبة إلى نزاع الفقهاء بل المراد المثلية عند عامة الناس و سوادهم كما هو كذلك في جميع موضوعات الأحكام إلا ما حددها الشارع بحدود و قيود، و المفروض عدمه في المقام.

أي: ما تتفاوت بها المالية و الأغراض المعاملية و هذا هو المراد من المتعارف أو العرف الذي أصر عليه جمع، لما مر من أن التساوي الدقي العقلي غير مراد بل متعذر و التعبدي الشرعي لا اسم له و لا أثر، و كونه من الموضوعات المستنبطة غير معلوم بل معلوم العدم، و على فرض احتماله فيكون متخذا من العرف أيضا، كما أن اللغة أيضا كذلك في نظائر المقام إلا إذا دل دليل على مخالفة اللغة و العرف و لا أثر له في المقام.

ثمَّ إن المثلية من الأمور التشكيكية لها مراتب كثيرة جدا شدة و ضعفا جلاء و خفية ظاهرا و باطنا، و المرتبة الأولى منها ساقطة قطعا و إلا لكفت المثلية الاسمية و المرتبة القصوى متعذرة نوعا بل قد مر اختصاصها بعلم اللّه تعالى، و حينئذ فيتعين الأوسط و العرف يحكم به أيضا راجع الكلمات في المطولات‏

تجدها مشوشة جدا و قد سقط ذلك كله في هذه الأعصار بفضل الآلات و الأجهزة المشخصة و المعينة للأشياء من جميع خصوصياتها و جهاتها.

و هذا هو المشهور بين الفقهاء و خلاصة دليلهم أن الحيوان حيث أن له باطن مخصوص و مزاج خاص ليس للعرف و العقلاء طريق معتبر لإحراز التساوي بين فرد من القسم مثلا و فرد آخر منه حتى يحكموا بالمثلية لخفاء الباطن و المزاج الحيواني على الناس فيكون قيميا لا محالة.

و يمكن المناقشة فيه أنه على إطلاقه مشكل لما توفر في هذه الأعصار بفضل الأجهزة الخاصة لتحديد و تعيين مراتب المزاج و الصحة و سائر الجهات في الحيوان، و أصبح هذا الأمر سهلا يسيرا على أهله هذا بالنسبة إلى إحراز المزاج في الجملة، و أما الخصوصيات الفردية الدقية فلا يعلمها إلا علام الغيوب و تقدم أن الأحكام الشرعية غير مبتنية عليها.

نعم، ما ذكروه من الدليل على فرض التمامية يصح بالنسبة إلى العصور السابقة و الأزمنة القديمة لا في عصرنا هذا الذي تغيرت فيه جملة من الأشياء التي كانت قيمية فصارت مثلية كما لا يخفى.

لو لم يعين المثلية بالآلات و الأجهزة المعدة لتعيين ذلك و حينئذ لا فرق بين كبارها و صغارها.

قد ثبتت المثلية في جلها بل كلها في هذه الأعصار بفضل المكائن المولدة لها بمثال واحد من كل جهة مادة و صورة متحدة كذلك.

(مسألة ۲٥): إنما يكون مثل الحنطة مثليا إذا لوحظ أشخاص كل صنف منها على حدة و لم يلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر (۱۱٥) منها مباين له في كثير من الصفات و الخصوصيات فإذا تلف‏ عنده مقدار من صنف خاص من الحنطة يجب عليه دفع ذلك الصنف لا صنف آخر (۱۱٦). نعم، التفاوت الذي بين أشخاص ذلك الصنف لا ينظر إليه (۱۱۷)، و كذلك الأرز فإن فيه أصنافا متفاوتة جدا فأين العنبر من الحويزاوي أو غيره، فإذا تلف عنده مقدار من العنبر يجب عليه دفع ذلك المقدار منه لا من غيره، و كذلك الحال في العنبر و أصنافه و الأدهان و غير ذلك مما لا يحصى (۱۱۸).

لعدم تحقق المثلية حينئذ عرفا و لا شرعا بل و لا لغة أيضا بل يعد شخص كل صنف مباينا للصنف الآخر من حيث الصفات و سائر الجهات.

لتغاير الصنفين عرفا فيخرجان بذلك عن المثلية العرفية.

لأنه لو فرض ملاحظة هذه الجهات لانعدمت المثلية غالبا في الضمانات، لاختلاف أفراد صنف واحد في جملة من الخصوصيات حتى أن أهل البساتين يقولون أن ثمرة شجرة واحدة تختلف بعض أطرافها عن طرفها الآخر من جهة كثرة إشراق الشمس أو القمر أو السهيل أو نحو ذلك مما جربوها، فلا يمكن الإحاطة به إلا للّه تبارك و تعالى.

و خلاصة القول: ان إيكال معرفة المثلي و القيمي إلى المتعارف في كل زمان و مكان اولى من التعرض للنقض و الإبرام و اطالة الكلام، و في صورة التردد بين المثلية و القيمية يترتب عليه حكم القيمية، و قد تقدم دليلها في كتاب البيع عند البحث عن قاعدة «ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده» فراجع فلا وجه للتكرار.

لعين ما مر في سابقة آنفا.

(مسألة ۲٦): لو تعذر المثل في المثلي ضمن قيمته (۱۱۹)، و إن‏ تفاوتت القيمة و زادت و نقصت بحسب الأزمنة بأن كان له حين الغصب قيمة و في وقت تلف العين قيمة و يوم التعذر قيمة و اليوم الذي يدفع القيمة إلى المغصوب منه قيمة فالمدار على الأخير (۱۲۰)، فيجب عليه دفع تلك القيمة فلو غصب منا من الحنطة كان قيمتها درهمين فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة و كانت قيمتها ثلاثة دراهم ثمَّ تعذرت و كانت قيمتها أربعة دراهم ثمَّ مضى زمان و أراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمته و كانت‏ قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دراهم يجب عليه دفع هذه القيمة (۱۲۱).

لقبح التكليف بما لا يطاق، و قاعدة «نفي الضرر و الضرار» بتأخير الحق عن المالك فيتعين القيمة جمعا بين الحقين، و لإطلاق مثل «الغصب كله‏

مردود»۱۹، الشامل للمثل عند وجوده و القيمة مع تعذره هذا مع ظهور الإجماع.

و حيث يجب عليه دفع القيمة فعلا يجب على المالك قبولها، لأن القيمة عند تعذر المثل كنفس المثل في جميع الجهات إلا ما خرج بالدليل و لا دليل في المقام على الخلاف، فكما أن بدلية المثل عن العين مطلقة عن جميع الجهات كذلك بدلية القيمة عن المثل عند تعذره، إذ المناط في الكل هو تدارك المالية و هو موجود في الجميع موضوعا مترتبا فيكون كذلك حكما فليس للمالك الامتناع عن القبول خصوصا مع تضرر الغاصب بذلك.

هذه المسألة من المسائل التي تشتت فيها الأنظار و اضطربت فيها الأقوال بين الخاصة و العامة و ربما يرتقي إلى أزيد من عشرة، مع أن جلها غير مستندة إلى ركن وثيق، و من أراد العثور عليها فليراجع المطولات و كيف كان تلخيص المقام في أمور:

الأول‏: لا ريب في أن للعين بقاء خارجي و بقاء اعتباري ذمي و الدليل على الأول وجدان كل ذي شعور، و على الثاني العقل و العرف و الشرع.

أما الأول فلما أثبتوه في الفنون العقلية من صحة اعتبار الممتنعات في الذهن و عالم الاعتبار فضلا عن الممكنات فالانعدام الخارجي لا ينافي البقاء

الاعتباري مطلقا، فمع وجود العين في الخارج يجب ردها و بعد تلفها تكون بنفسها في الذمة و يكون دفع المثل بدلا منها و مع تعذر المثل نفس العين باقية في الذمة لا يتغير و لا يتبدل إلا بفراغ الذمة منها و هو زمان الأداء.

و أما الثاني: فلمرتكزات الناس من أنه إذا أتلف زيد إناء عمرو مثلا يصح أن يقول المالك للمتلف أطلب منك إنائي حتى فيما إذا تعذر المثل فأصل صحة الطلب الإنشائي ثابت له إلى تفريغ الذمة فلو لا الثبوت الذمي للعين لكان هذا الطلب من طلب الممتنع و لا يقولون به.

و أما الأخير: فالأدلة الشرعية تشمل الاعتباريات الذمية كما تشمل الأعيان الخارجية فمهما وجد العقل لصحة الاعتبار سبيلا فلا وجه لملاحظة القيمة مع صحة اعتبار بقاء العين في الذمة، كما لا وجه لصحة اعتبارها مع بقاء العين في الخارج و يمكن أن يستفاد ذلك من ظاهر قوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»۲۰، فإن ظاهره أن نفس المأخوذ ثابت على اليد التي هي طريق إلى الثبوت في العهدة إلى حين أداء نفس ما كانت في العهدة و هي العين.

الثاني‏: لا ريب في أنه مع الأداء يسقط اعتبار المثل عن الذمة لأنه حينئذ لغو.

نعم، لو كان الأداء ما داميا لا دائميا واقعيا يكون سقوط الاعتبار كذلك أيضا.

الثالث‏: المناط في مالية المال المتداركة المالية الفعلية المستقرة لا الحادثة الزائلة خصوصا مع قلة زمان الحدوث و سرعة الزوال.

نعم، لا ريب في أن للمالك مطالبة ماله في أي وقت شاء و أراد و لكنه غير مالية المال بحيث يلزم الغاصب بدفعه.

نعم، لو كان من الغاصب تقصير في تفويت تلك المالية على المالك يمكن القول باستقرارها حينئذ كما إذا ارتفعت قيمة المغصوب إلى ألف مثلا و طلبه المالك حينئذ و تمكن الغاصب من الأداء و مع ذلك تساهل فيه حتى تنزلت يصدق حينئذ تسببه على المالك، و لكن إذا تبادلت القيم صعودا و نزولا من دون طلب من المالك و لا تسبب من الغاصب إلا مجرد الغصب الذي ربما يكون مغفولا عنه بالمرة فلا تسبيب و لا تفويت، و الشك في صدقها زائد على مسمى الغصب يكفي في عدم صحة التمسك بالأدلة، لأنه تمسك بالدليل في موضوع لم يحرز.

و من ذلك يظهر أنه لا وجه لما قالوا في ضمان أعلى القيم سواء كان من حين الغصب إلى حين التلف أو من حين الغصب إلى وقت الإعواز أو من حين الغصب إلى حين الدفع إلى غير ذلك مما قالوا في ضمان أعلى القيمة مما لا وجه له إلا توهم أن زمان القيمة العليا زمان الغصب أيضا فتشمله عمومات أدلة رد المغصوب، و لكنه باطل لأنه لا ريب في كونه زمان الغصب، كما أن زمان انخفاض القيمة أيضا كذلك و لكن تعين زمان التدارك بزمان الأعلى من مجرد الدعوى بعد زواله و عدم استقراره بل مقتضى الأصل و القاعدة التي أرسله فقهاؤنا من: «ان الظالم لا يظلم» عدمه.

الرابع‏: تدارك المغصوب و المضمون بالعقود الفاسدة من الأمور العامة البلوى لجميع الناس، و في مثله لا بد و أن يعتني به الشارع اعتناء كاملا مبينا كما هو شأنه في جميع الأحكام الابتلائية لو كان في ذلك شي‏ء من التعبديات، و عمدة ما ورد فيه صحيح أبي ولاد۲۱، و قد تعرضنا له في المقبوض بالعقد الفاسد و استند بعض إليه في أن المناط على يوم الغصب و قلنا بعدم ظهوره فيه فراجع فلا وجه للتكرار.

و الاحتياط في التراضي خصوصا مع التقصير من الغاصب.

(مسألة ۲۷): يكفي في التعذر الذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في البلد و ما حوله مما ينقل منها إليه عادة (۱۲۲).

لأن التعذر إما دقي عقلي أو تعبدي شرعي أو أمر عرفي، و الأول ليس مناط الأحكام و الثاني لا وجود له في نظائر المقام فالمتعين هو الأخير.

نعم، العادة تختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأشياء ففي كل زمان و مكان و شي‏ء له حكمه الخاص به بحسب المتعارف فيها.

(مسألة ۲۸): لو وجد المثل بأكثر من ثمن المثل وجب عليه الشراء و دفعه إلى المالك (۱۲۳).

لإطلاق وجوب المثل الشامل لهذه الصورة أيضا لكن لا بد من تقييده بما لم يكن حرج في البين لأنه المنفي في الشرع.

(مسألة ۲۹): لو وجد المثل و لكن تنزّل قيمته لم يكن على الغاصب إلا إعطائه، و ليس للمالك مطالبته بالقيمة و لا بالتفاوت (۱۲٤) فلو غصب منا من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دراهم و أتلفها و لم يدفع مثلها قصورا أو تقصيرا إلى زمان قد تنزلت قيمتها و صارت خمسة دراهم لم يكن عليه إلا إعطاء منّ من الحنطة، و لم يكن للمالك مطالبة القيمة و لا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة بل ليس له الامتناع عن الأخذ (۱۲٥) فعلا و إبقائها في ذمة الغاصب إلى أن تترقى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء و تفريغ ذمته فعلا (۱۲٦).

لإطلاق أداء المثل و أصالة البراءة عن الزائد عليه و ظهور الإجماع.

لأنه أداء شرعي و كل أداء شرعي يجب على الطرف أخذه و لا يصح له الامتناع منه إجماعا.

لوجود المقتضى لوجوب القبول حينئذ و فقد المانع فيجب القبول لا محالة.

نعم، لا بأس بالإبقاء مع رضا الغاصب بذلك.

(مسألة ۳۰) لو سقط المثل عن المالية بالمرة من جهة الزمان أو المكان، فالظاهر أنه ليس للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، و لا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك (۱۲۷)، فلو غصب جمدا في الصيف و أتلفه و أراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء أو قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند الشط ليس له ذلك (۱۲۸)، و للمالك الامتناع فله أن يصبر و ينتظر زمانا أو مكانا آخر فيطالبها بالمثل الذي له القيمة، و له أن يطالب الغاصب بالقيمة فعلا كما في صورة تعذر المثل (۱۲۹) و حينئذ فالظاهر أنه يراعى قيمة المغصوب في زمان الغصب و مكانه (۱۳۰).

أما الأول فلأصالة عدم ثبوت هذا الحق بالنسبة إلى الغاصب في مفروض المقام بعد صدق عدم وصول ماله إليه عرفا.

و أما الثاني فلأصالة بقاء الضمان بعد الشك في سقوطه بذلك.

و أما الثالث فلأن الحق لا يعدوهما فلهما أن يتراضيا بما شاءا و أرادا.

أي: ليس له إلزام المالك بذلك و لكن لو قبل المالك و رضى فيسقط ذمة الغاصب حينئذ.

لقاعدة نفي الضرر و الضرار، و لأن السقوط عن المالية كالتعذر بل أشد منه عرفا.

لعدم الموضوع لملاحظة زمان الأداء لفرض ذهاب المالية رأسا إلا أن تلحظ المالية التقديرية، و لا دليل على ذلك من عقل أو نقل فيكون المنساق من أدلة رد المغصوب حينئذ هو زمان الغصب و مكانه بعد عدم أمارة معتبرة على الخلاف.

(مسألة ۳۱): لو تلف المغصوب و كان قيميا كالدواب و الثياب ضمن قيمته، فإن لم تتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه فلا إشكال (۱۳۱)، و إن تفاوتت بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس فهل يراعي الأول أو الثاني فيه قولان مشهوران (۱۳۲)، لا يخلو ثانيهما من رجحان لكن الأحوط التراضي (۱۳۳) و التصالح فيما به التفاوت هذا إذا كان تفاوت القيمة من جهة السوق و تفاوت رغبة الناس (۱۳٤)، و أما إن كان من جهة زيادة و نقصان في العين كالسمن و الهزال فلا إشكال في أنه يراعى أعلى القيم و أحسن الأحوال (۱۳٥)، بل لو فرض أنه لم يتفاوت قيمة زماني الغصب و التلف من هذه الجهة لكن حصل فيه ارتفاع بين الزمانين ثمَّ زال ضمن ارتفاع قيمته الحاصل في تلك الحال (۱۳٦) مثل أنه كان الحيوان هازلا حين الغصب ثمَّ سمن ثمَّ عاد إلى الهزال و تلف فإنه يضمن قيمته حال سمنه (۱۳۷).

فيصح دفع قيمته أي وقت شاء و أراد لفرض عدم التفاوت بين القيم المفروضة.

أما أصل الضمان بالقيمة فهو من المسلمات بين الكل، لفرض كون الشي‏ء قيميا لا مثليا.

و أما ضمان يوم الغصب فاستدل عليه.

تارة: بأنه أول وقت دخول العين في العهدة و حيث لا مثل تتعين قيمة ذلك الوقت.

و أخرى‏: بقول الصادق عليه السّلام في صحيح أبي ولاد: «قيمة بغل يوم خالفته»۲۲، أي يوم الغصب.

و يردّ الأولى بأن كونه يوم الانتقال إلى العهدة مسلمة و لكن تعين كون القيمة قيمة ذلك الوقت أصل الدعوى و عين المدعى كما لا يخفى.

و أما قول الصادق عليه السّلام في الصحيح فهو مجمل، لأن تعلق وجوب القيمة ليوم الغصب أعم من كون القيمة قيمة ذلك اليوم فالاستناد في هذا الحكم العام البلوى إلى هذا المجمل مما لا ينبغي، و فيه احتمالات أخر استند إليها آخرون لما اختاروه من القول، و قد أشرنا إلى الحديث فيما مر من بيع الفاسد.

و هناك وجه آخر لعله أرجح منهما و هو كون المناط على يوم الدفع، لما مر من بقاء العين إما خارجا أو اعتبارا إلى حين فراغ العهدة منها و هو يوم الدفع.

أما الرجحان للقول الثاني فلما مر من بقاء العين خارجا و اعتبارا و أما الاحتياط فلأن المسألة من المسائل الاجتهادية الخلافية بين العامة و الخاصة و في مثلها ينبغي مراعاة الاحتياط.

كما هو الظاهر من صحيح أبي ولاد۲۳، و المنساق من كلمات جمع و المصرح به في كلام آخرين.

لأن الزيادة حينئذ تكون للمالك مطلقا و تفويت الغاصب لها يوجب ضمانه لها.

لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

لقاعدة «اليد» بعد صيرورة السمن مال المالك لكونه نماء ملكه و فات تحت يد الغاصب.

(مسألة ۳۲): إذا اختلفت القيمة باختلاف المكان كما إذا كان المغصوب في بلد الغصب بعشرة و في بلد التلف بعشرين، فالظاهر اعتبار محل التلف (۱۳۸).

نسب كل منهما إلى جمع، و دليل الأول إطلاق صحيح أبي ولاد من باب الملازمة العرفية بين الزمان و المكان فإذا دل على الأول يدل على الثاني بالملازمة.

و دليل الثاني أن زمان التلف و مكانه إنما هو زمان الانتقال إلى القيمة و مكانه.

و فيه: أن كلا منهما من الاستحسانات التي لا يصح الاعتماد عليها في الأحكام إلا إذا أوجب الظهور العرفي و هو أول الدعوى، و يمكن الاختلاف باختلاف الأمكنة و سائر الجهات و لا بد من التصالح و التراضي فيما به التفاوت.

(مسألة ۳۳): تقدم أنه لو تلف المغصوب يجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مثلا أو قيمة كذلك فيما إذا تعذر على الغاصب عادة تسليمه، كما إذا سرق أو دفن في مكان لا يقدر على إخراجه أو أبق العبد أو شردت الدابة و نحو ذلك فإنه يجب عليه إعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك (۱۳۹)، و يسمى ذلك البدل «بدل الحيلولة» (۱٤۰)، و يملك المالك البدل مع بقاء المغصوب في ملكه (۱٤۱)، و إذا أمكن تسليم المغصوب‏ ورده يسترجع البدل (۱٤۲).

لأن المناط كله في الغصب قطع استيلاء المالك على ماله سواء كان القطع دائميا أو ما داميا كما في موارد الحيلولة، فالمال و إن كان موجودا في الواقع لكن المال الذي لا سلطة للمالك عليه كالعدم هذا مضافا إلى ظهور الإجماع عليه، و تقدم في أحكام بدل الحيلولة في البيع الفاسد بعض الكلام فراجع.

لأن البدل بدل عن صيرورة الغاصب حائلا بين المالك و السلطنة الفعلية على ماله، و أما أصل المال و ذاته فهو باق على ملك المالك بلا نقص فيه بالنسبة إلى ذات المال كيف ما شاء.

لأن لملك كل مالك اعتبارات منها ذات العين من حيث الذات مع قطع النظر عن سائر الجهات و الخصوصيات، و منها فعلية سلطنته و تصرفه فيه بكل ما شاء و بينهما فرق واضح، فكم من مال لمالك لا سلطنة له، عليه و كم من مسلط على مال لا ملك له بالنسبة إليه، و البدل في المقام بدل عن قطع السلطنة الفعلية و ذات العين باق على ملك المالك لعدم دليل على خروجه عنه فإذا عاد بدل المبدل يرجع حينئذ البدل إلى ملك مالكه الأول كما هو شأن كل ما دامي.

لانقلاب موضوع البدلية المادامية في زوالها بالمرة فيرجع البدل المادامي إلى مالكه لا محالة.

(مسألة ۳٤): لو كان للبدل نماء و منافع في تلك المدة كان للمغصوب منه (۱٤۳). نعم، نماؤه المتصل كالسمن تتبع العين فإذا استرجعها الغاصب استرجعها بنمائها (۱٤٤)، و أما المبدل فلما كان باقيا على ملك مالكه فنماؤه و منافعه له (۱٤٥)، لكن الغاصب لا يضمن منافعها غير المستوفاة في تلك المدة على الأقوى (۱٤٦).

لقاعدة تبعية النماء للملك المسلمة بين الكل، و المفروض أن العين كان ملكا للمغصوب منه في تلك المدة فيتبعه النماء لا محالة فملك المغصوب منه النماء المنفصل ملكا مستقرا تاما.

إن قيل: فليكن ملكية هذا النماء أيضا ملكية ما دامية كالعين لا ملكية دائمية من جهة تبعيته للعين.

يقال: أصل التبعية مسلمة و كونها محدودة بحد خاص مشكوك فيرجع فيه إلى الأصل لعدم الدليل عليها في النماء و إنما هو في أصل العين، فالمقتضي في النماء موجود و المانع عنه مفقود بخلاف ملكية العين لتحقق المانع عن الملكية المطلقة كما هو واضح.

لكونه من مراتب نفس العين و تابع له في بقائه على ملك المغصوب منه فيسترجعها الغاصب مع النماء، و لا يضمن الغاصب عوض النماء للأصل و إطلاق دليل عود البدل إليه فإنه يشمل العود مع ما عليه من الزيادة، و هل للمالك إزالته مع إمكانها؟ الظاهر العدم.

لقاعدة تبعية النماء للملك المتسالم عليها بين الفقهاء بل العقلاء.

لأصالة البراءة عن ضمان المنافع غير المستوفى في صورة التعذر و الإجماع الدال على ضمان منافع المغصوب مطلقا المتيقن منه غير هذه الصورة.

(مسألة ۳٥): القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات و في المثليات عند تعذر المثل هو نقد البلد من الذهب و الفضة المضروبين بسكة المعاملة، و هذا هو الذي يستحقه المغصوب منه كما هو كذلك في جميع الغرامات و الضمانات (۱٤۷) فليس للضامن دفع غيره إلا بالتراضي (۱٤۸) بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيسا إلى النقدين (۱٤۹).

لأنها المنساق منها عند العرف فينزل عليها إطلاق الدليل بعد عدم وجه معتبر على الخلاف.

لأنه تبديل للحق عما هو المتعارف المنزل عليه الأدلة الشرعية، و كل ما هو تبديل للمتعارف الذي هو مدلول الأدلة لا بد فيه من استرضاء الطرف.

لأنهما الأصل في التقويم في كل زمان و مكان فلا بد من إرجاع الغير إليهما.

(مسألة ۳٦): الظاهر إن الفلزات و المعادن المنطبعة كالحديد و الرصاص و النحاس كلها مثلية (۱٥۰) حتى الذهب و الفضة مضروبين أو غير مضروبين، و حينئذ تضمن جميعها بالمثل و عند التعذر تضمن بالقيمة كسائر المثليات (۱٥۱) المتعذر المثل، نعم في خصوص الذهب و الفضة تفصيل (۱٥۲)، و هو أنه إذا قوم بغير الجنس كما إذا قوم الذهب بالدرهم أو قوم الفضة بالدينار فلا إشكال (۱٥۳)، و أما إذا قوم بالجنس بأن قوم الفضة بالدرهم أو قوم الذهب بالدينار فإن تساوى القيمة و المقوم وزنا كما إذا كانت الفضة المضمونة المقومة عشرة مثاقيل فقومت بثمانية دراهم و كان وزنها أيضا عشرة مثاقيل فلا إشكال أيضا (۱٥٤)، و إن كان بينهما التفاوت بأن كانت الفضة المقومة عشرة مثاقيل مثلا و قد قومت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل فيشكل دفعها غرامة عن الفضة لاحتمال كونه داخلا في الربا (۱٥٥) فيحرم كما أفتى به جماعة (۱٥٦) فالأحوط أن يقوم بغير الجنس (۱٥۷) بأن يقوم الفضة بالدينار و الذهب بالدرهم حتى يسلم من شبهة الربا (۱٥۸).

لشهادة متعارف الناس و ذوي الخبرة منهم بذلك.

لحكم الشرع و العرف في كل منهما بذلك كما تقدم التفصيل في كل منهما فراجع.

هذا التفصيل لأجل التحفظ من الربا بناء على جريان الربا المعاملي‏ حتى في الغرامات مع تحقق المثلية و الفاضل.

لاختلاف الجنس فيخرج عن موضوع الربا قهرا.

لعدم التفاضل و إن اتحد الجنس فلا ربا لا محالة، لفقد هذا الشرط.

لتحقق شرطي الربا المعاملي و هما المثلية و التفاضل فمن ذهب إلى التعميم في الربا حتى للغرامات يتحقق الربا و من قال بالعدم فلا، و قد قلنا سابقا بعدم جريانه في غير البيع من المعاوضات فضلا عن الضمانات و الغرامات‏۲4.

نسب إلى المشهور جريانه في غير البيع، و يظهر من المحقق و الشيخ جريانه في الضمانات، و تقدم في الربا المعاملي بعض الكلام فراجع.

خروجا عن خلاف من ذهب الى جريان الربا فيها و تنزها عن هذه الشبهة، و لكن البحث ساقط في هذه الأعصار لانقلاب النقود الذهبية و الفضية إلى النقود الورقية الرائجة و لا موضوع للربا المعاملي فيها لعدم كونها من المكيل أو الموزون.

بناء على جريانها في غير البيع أيضا حتى في الغرامات و تقدم‏ الكلام فيه.

(مسألة ۳۷): لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثمَّ تلفت بأن غصبها شخص عن مالكها ثمَّ غصبها من الغاصب شخص آخر ثمَّ غصبها من الثاني شخص ثالث و هكذا ثمَّ تلفت ضمن الجميع (۱٥۹)، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة إلى كل واحد منهم و إلى أكثر من واحد بالتوزيع متساويا أو متفاوتا (۱٦۰) حتى أنه لو كانوا عشرة مثلا له أن يرجع إلى الجميع و يأخذ من كل عشر ما يستحقه من البدل، و له أن يأخذ من واحد منهم النصف و الباقي من الباقين بالتوزيع متساويا أو بالتفاوت (۱٦۱) هذا حكم المالك معهم و أما حكم بعضهم مع بعض فأما الغاصب الأخير الذي تلف المال عنده فعليه قرار الضمان (۱٦۲) بمعنى أنه لو رجع عليه المالك و غرمه لم يرجع هو على غيره بما غرمه (۱٦۳) بخلاف غيره من الأيادي السابقة فإن المالك لو رجع إلى واحد منهم فله أن يرجع على الآخر الذي تلفت المال عنده (۱٦٤) كما أن لكل منهم الرجوع على تاليه و هو على تاليه (۱٦٥)، و هكذا إلى أن ينتهي إلى الأخير (۱٦٦).

لجريان قاعدة اليد التي تكون من أدلة الضمان بالنسبة إلى الجميع، و كذا جميع أدلته لبيّة كانت أو لفظية.

الوجوه المتصورة أربعة:

الأول‏: أن يأخذ ماله من الجميع مستقلا و هو باطل، لأن المال الواحد ليس له إلا ضمان واحد.

الثاني‏: أن يأخذ ماله من الجميع متبادلا و لا ريب في صحته ثبوتا و إثباتا، فالمضمون واحد و الضمان كذلك لكنه بدلي لا أن يكون عرضيا و استقلاليا.

الثالث‏: أن يكون الضمان بقدر معين فإن كانت الأيادي ثلاثة فلكل واحد منها الثلث، و إن كانت أربعة فالربع، و هكذا و هو وجه حسن ثبوتا و لكن لا دليل على تعيينه إثباتا من عقل أو نقل.

الرابع‏: أن يكون الاختيار إلى المالك و هو حسن ثبوتا و إثباتا لموافقته لقاعدة السلطنة الثابتة للمالك من دون محذور في البين من عقل أو نقل.

كل ذلك لقاعدة سلطنة المالك و عدم محذور في البين من الضرر على الأيادي فالمقتضي موجود و المانع مفقود مضافا إلى ظهور الإجماع.

لوجود المقتضي لقراره عليه و فقد المانع عنه.

أما الأول فلجريان يده عليه و أما الأخير فلعدم لحوق يد أخرى على يده فيستقر الضمان بالنسبة إليه لا محالة مضافا إلى إجماعهم عليه.

و بعبارة أخرى: الحكم بالنسبة إلى الأيادي السابقة تكليفي فعلي مع تحقق الشرائط و وضعي اقتضائي بخلاف الأخير فإن الحكم بالنسبة إليه تكليفي فعلي و وضعي كذلك مع تحقق الشرائط هذا مضافا إلى الإجماع و شهادة العرف و الاعتبار بذلك.

للإجماع بل الضرورة الفقهية بعد جريان يده عليه و تلف المال لديه.

لما مر من أن قرار الضمان عليه فيكون الرجوع إلى من جرت يده على المال إنما هو بنحو الطريقية و الرجوع إلى من تلف المال لديه بنحو الموضوعية، و تقدم في بيع الفضولي ما يناسب المقام‏۲٥.

لفرض جريان يد التالي على المال فلكل سابق الرجوع إلى التالي هذا مع أن الحكم في جميع ذلك من المسلمات لديهم.

لاستقرار الضمان بالنسبة إليه حينئذ.

(مسألة ۳۸): لو غصب شيئا مثليا فيه صنعة محللة كالحلي من الذهب و الفضة و كالآنية من النحاس و شبهه فتلف عنده أو أتلفه ضمن مادته بالمثل‏ و صنعته بالقيمة (۱٦۷)، فلو غصب قرطا من ذهب كان وزنه مثقالين و قيمة صنعته و صياغته عشرة دراهم ضمن مثقالين من ذهب بدل مادته و عشرة دراهم قيمة صنعته (۱٦۸)، و يحتمل قريبا (۱٦۹) صيرورته بعد الصياغة و بعد ما عرض عليه الصنعة قيميا فيقوم القرط مثلا بمادته و صنعته و يعطى قيمته السوقية (۱۷۰) و الأحوط التصالح، و أما احتمال كون المصنوع مثليا مع صنعته فبعيد جدا (۱۷۱). نعم، لا يبعد ذلك بل قريب جدا في المصنوعات التي لها أمثال متقاربة جدا (۱۷۲)، كالمصنوعات بالمكائن و المعامل المعمولة في هذه الأعصار من أنواع الظروف و الأدوات و الأثواب و غيرها فتضمن كلها بالمثل مع مراعاة صنفها (۱۷۳).

عملا بالدليلين و جمعا بين الحقين و رفعا للخصومة من البين مع ظهور الإجماع و شهادة العرف بذلك هذا أحد الاحتمالات، و الاحتمال الآخر أنه قيمي بجملته، و الاحتمال الثالث أنه مثلي كما يأتي التعرض لها.

لتحقق المالية في كل من المادة و الهيئة.

الظاهر بل المعلوم اختلاف ذلك باختلاف الأشياء و الأمكنة و الأزمنة فرب شي‏ء يصير بعد الصنع مثليا، و هو كثير جدا في هذه الأعصار و رب شي‏ء يصير قيميا و رب شي‏ء يجمع فيه الأمران المثلية للمادة و القيمية للصنعة و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات و الاحتمالات مع أنه ليس للفقيه التدخل في الأمور العرفية و إنما يكون له بيان الحكم الكلي لها، و طريق الاحتياط مطلقا التصالح و التراضي خصوصا في موارد التردد و الشك في أن المورد من أي الأقسام.

المرجع في ذلك ثقات أهل الخبرة في هذه الأشياء

لا يعد فيه بعد حكم أهل الخبرة بذلك كما سيأتي.

بل قد يكون من العينية عرفا.

بحيث يحكم أهل الخبرة بأن ما يعطيه الغاصب عين ما تلف.

(مسألة ۳۹): لو غصب المصنوع و تلف عنده الهيئة و الصنعة فقط دون المادة رد العين و عليه قيمة الصنعة (۱۷٤)، و ليس للمالك إلزامه بإعادة الصنعة (۱۷٥) كما أنه ليس عليه القبول لو بذله الغاصب و قال إني أصنعه كما كان سابقا (۱۷٦).

لأن الفائت إنما هو الصنعة فقط فهو المضمون دون ما هو باق و قابل للرد بعينه.

لأصالة عدم ولاية المالك على هذا الإلزام بعد كون الضمان بالقيمة شرعا و عرفا، و لأصالة براءة ذمة الغاصب عن وجوب قبوله بعد الشك في صدق عموم وجوب رد المغصوب لذلك لفرض الضمان بالقيمة بالنسبة إلى المغصوب.

لأصالة البراءة عن وجوب القبول خصوصا مع المنة.

(مسألة ٤۰): لو كانت في المغصوب المثلي صنعة محرمة غير محترمة كما في آلات القمار و الملاهي و آنية الذهب و الفضة و نحوها لم يضمن الصنعة سواء أتلفها خاصة أو مع ذيها فيرد المادة لو بقيت إلى المالك، و ليس عليه شي‏ء لأجل الهيئة و الصنعة (۱۷۷).

لأن سقوط الهيئة عن المالية شرعا أسقط التعويض لها رأسا فما لا مالية له في الشريعة كيف يصح فرض القيمة فيه إلا إذا كان بنحو فرض القيمة للخمر و الخنزير عند الذمي و ذلك يحتاج إلى الدليل بالخصوص و هو مفقود.

(مسألة ٤۱): إذا تعيب المغصوب في يد الغاصب كان عليه أرش النقصان و لا فرق في ذلك بين الحيوان و غير الحيوان (۱۷۸). نعم، اختص العبيد و الإماء ببعض الأحكام، و تفاصيل لا يسعها المقام (۱۷۹).

أما ضمان الأرض فلقاعدة اليد و الإجماع، و أما التعميم للحيوان‏ و غيره فللإطلاق و الاتفاق.

بل لا موضوع لها في هذه الأيام فيكون صرف الوقت فيها من ترجيح المرجوح على الراجح الذي لا يرتكبه ذوو الأفهام.

(مسألة ٤۲): لو غصب شيئين فنقص قيمة كل واحد منهما منفردا عنها فيما إذا كانا مجتمعين كمصراعي الباب و الخفين فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قيمة التالف مجتمعا ورد الباقي مع ما نقص من قيمته بسبب انفراده (۱۸۰). فلو غصب خفين كان قيمتهما مجتمعين عشرة و كان قيمة كل منهما منفردا ثلاثة فتلف أحدهما عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعا و هي خمسة ورد الآخر مع ما ورد عليه من النقص بسبب انفراده و هو اثنان فيعطي للمالك سبعة مع أحد الخفين، و لو غصب أحدهما و تلف عنده ضمن التالف بقيمته مجتمعا و هي خمسة في الفرض المذكور (۱۸۱)، و هل يضمن النقص الوارد على الثاني و هو اثنان حتى تكون عليه سبعة (۱۸۲) أم لا (۱۸۳)؟ فيه وجهان بل قولان لا يخلو أولهما من رجحان (۱۸٤).

أما ضمان قيمة التالف، فلقاعدة اليد و الإجماع و عمومات الأدلة، و أما ضمان النقص الحاصل فلقاعدة ضمان الغاصب كل نقص يكون في يده على المغصوب و يشهد لها العرف و السيرة أيضا بل الظاهر عدم الخلاف فيه إلا ممن لم يثبت خلافه.

للأصل و الإطلاق و الاتفاق.

لأن الغصب بالنسبة إليه و إن لم يحصل لكن حصل التسبيب بالنسبة إلى هذا النقص و هو من موجبات الضمان أيضا كما عن جمع منهم المحقق و الشهيد الثانيين.

لأصالة البراءة بعد الشك في كون هذا النحو من التسبيب المتدارك بضمان الأصل يوجب الضمان، و لا وجه لقياس المقام بالفرع السابق لأنه باطل أولا و مع الفارق ثانيا لدخول الجزئين تحت يد الغاصب في الفرع الأول فيشمله القبض الغصبي بخلاف المقام، و قد تردد المحقق في الشرائع و حكي ذلك عن التحرير أيضا.

لصدق تحقق النقص بواسطة الغصب فيكون مثل الفرع الأول عرفا و إن لم يكن مثله بالدقة العقلية التي ليست هي مناط الأحكام الشرعية.

(مسألة ٤۳): لو زادت بفعل الغاصب زيادة في العين المغصوبة فهي على أقسام ثلاثة: أحدها: أن يكون أثرا محضا كتعليم الصنعة في العبد و خياطة الثوب بخيوط المالك و غزل القطن و نسج الغزل و طحن الطعام و صياغة الفضة و نحو ذلك. ثانيها: أن تكون عينية محضة كغرس الأشجار و البناء في الأرض البسيطة و نحو ذلك. ثالثها: أن تكون أثرا مشوبا بالعينية كصبغ الثوب و نحوه (۱۸٥)، و سيأتي أحكامها في المسائل الآتية.

هذا التقسيم عقلي واضح و لا يحتاج إلى التفصيل و التطويل و إذا شك في أنه من أي الأقسام لا يلحقه الحكم الخاص بأحدها.

(مسألة ٤٤): لو زادت في العين المغصوبة بما يكون أثرا محضا ردها كما هي (۱۸٦)، و لا شي‏ء له لأجل تلك الزيادة و لا من جهة أجرة العمل (۱۸۷)، و ليس له إزالة الأثر و اعادة العين إلى ما كانت بدون إذن المالك حيث أنه تصرف في مال الغير بدون إذنه، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قيمته للمالك (۱۸۸)، و إن لم يرد نقص على العين (۱۸۹) و للمالك إلزامه بإزالة الأثر و اعادة الحالة الأولى للعين إذا كان فيه غرض عقلائي (۱۹۰)، و لا يضمن الغاصب حينئذ قيمة الصنعة (۱۹۱). نعم، لو ورد نقص على العين ضمن أرش النقصان (۱۹۲).

لإطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»۲٦، و سائر إطلاقات رد المغصوب المتقدمة.

لأنه من جهة تصرفه في المغصوب هتك ماله و عمله شرعا فلا شي‏ء له مضافا إلى الإجماع، و قد ذكر دليل الحكم اللاحق في المتن فلا وجه للتكرار، و وجه صيرورته ملكا للمالك أنه قد زالت ملكية الغاصب عنه شرعا فتنقل إلى المالك تبعا للعين لا محالة.

لفرض أنه صار ملكا للمالك شرعا فيضمن قيمته مع التلف.

لفرض أن نفس الأثر من حيث هو صار ملكا للمالك فهو و إن كان عرضا للعين و لكن يصح لحاظه مستقلا بالنسبة إلى الحكم الشرعي كلحاظه كذلك أيضا.

لقاعدة السلطنة الجارية في ذلك كله فلا يجوز التصرف لغير من له السلطان.

لفرض أن المالك ألزمه بالإزالة و لا معنى للضمان حينئذ.

لقاعدة اليد و غيرها من أدلة الضمان.

(مسألة ٤٥): لو غصب أرضا فزرعها أو غرسها فالزرع و الغرس و نماؤها للغاصب (۱۹۳)، و عليه أجرة الأرض ما دامت مزروعة أو مغروسة (۱۹٤)، و يلزم عليه إزالة غرسه و زرعه و إن تضرر بذلك (۱۹٥)، و عليه أيضا طعام الحفر و أرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع‏ و القلع (۱۹٦) إلا أن يرضى المالك بالبقاء مجانا أو بالأجرة (۱۹۷)، و لو بذل صاحب الأرض قيمة الغرس أو الزرع لم يجب على الغاصب إجابته، و كذا لو بذل الغاصب أجرة الأرض أو قيمتها لم يجب على صاحب الأرض قبوله (۱۹۸)، و لو حفر الغاصب في الأرض بئرا كان عليه طمها مع طلب المالك (۱۹۹)، و ليس له طمها مع عدم الطلب (۲۰۰) فضلا عما لو منعه (۲۰۱)، و لو بنى في الأرض المغصوبة بناء فهو كما لو غرس فيها فيكون البناء للغاصب إن كان أجزاؤه له و للمالك إلزامه بالقلع فحكمه حكم الغرس في جميع ما ذكره (۲۰۲).

لقاعدة تبعية النماء للملك مضافا إلى الإجماع و قول الصادق عليه السّلام:

«للزارع زرعه و لصاحب الأرض كراء أرضه»۲۷، و أما الموثق عن أبي جعفر عليه السّلام: «في رجل اكترى دارا و فيها بستان فزرع في البستان و غرس نخلا و أشجارا و فواكه و غير ذلك و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال عليه السّلام: عليه الكراء و يقوم صاحب الدار الزرع و الغرس قيمة عدل فيعطيه الغارس و إن كان استأمره في ذلك، و إن لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء و له الغرس و الزرع يقلعه و يذهب به حيث يشاء»۲۸، فمع أنه مروي عن التهذيب و الفقيه بدون (الواو) أي: «إن كان استأمره و إن لم يكن استأمره فعليه الكري»۲۹، و على هذا لا مخالفة في البين، و أما ما نسب إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شي‏ء و له نفقته»۳۰، فلا وجه للأخذ بإطلاقه لما عرفت مما ورد من أهل البيت عليهم السّلام.

لما تقدم من النص، مضافا إلى الإجماع و قاعدة اليد.

أما وجوب الإزالة فللأدلة الأربعة كما تقدم مرارا.

و أما التعميم لصورة التضرر أيضا لأنه هو الذي أقدم على التضرر فالضرر انما جاء من قبله، و في خبر عبد العزيز قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن أخذ أرضا بغير حقها و بنى فيها، قال عليه السّلام: يرفع بناؤه و تسلم التربة إلى صاحبها ليس لعرق ظالم حق، ثمَّ قال عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أخذ أرضا بغير حق كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر»۳۱.

كل ذلك لقاعدة «اليد» و الإجماع القولي و العملي من الفقهاء بل المتشرعة.

لعدم موضوع للغصب حينئذ حتى يجري عليه حكمه، مع أنه مجمع عليه بين الفقهاء بل العقلاء.

لقاعدة السلطنة و أصالة عدم الوجوب عند الشك فيه ما لم تقم عليه حجة معتبرة.

لوجوب رد العين كما كانت إلى المالك مع الإمكان، و المفروض أنه ممكن مع طلبه فالمقتضي للوجوب موجود و المانع عنه مفقود.

لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

يعلم حكمه من سابقيه بالأولوية.

للإجماع، و لأن الحكم موافق للقاعدة و لا فرق فيها بين المصاديق و ورود ما تقدم من النص في الزرع و الغرس لا يوجب التخصيص بهما بعد كونه موافقا للقاعدة.

(مسألة ٤٦): لو غرس أو بنى في أرض غصبها و كان الغرس و أجزاء البناء لصاحب الأرض كان الكل للمالك (۲۰۳)، و ليس للغاصب قلعها أو مطالبة الأجرة (۲۰٤) و للمالك إلزامه بالقلع و الهدم إن كان له غرض عقلائي في ذلك (۲۰٥).

أما الأرض و البناء و الغرس، فلفرض كونها له سابقا على الغرس‏ و البناء أما عمل الغاصب فلا أجرة له لفرض كونه حراما و غصبا فهو أقدم على هتك عمله.

أما عدم جواز القلع فلأنه تصرف في ملك الغير من دون اذنه، و أما عدم جواز مطالبة الأجرة فلأنه لا أجرة للحرام مع أنه أقدم على هتك عمله بالتصرف الغصبي.

لقاعدة تسلط المالك على استرداد ماله كما كان مضافا إلى ظهور الإجماع.

(مسألة ٤۷): لو غصب ثوبا و صبغه بصبغه فإن أمكن إزالته مع بقاء مالية له كان له ذلك (۲۰٦) و ليس لمالك الثوب منعه كما أن للمالك إلزامه به (۲۰۷)، و لو ورد نقص على الثوب بسبب إزالة صبغة ضمنه الغاصب (۲۰۸)، و لو طلب مالك الثوب من الغاصب أن يملكه الصبغ بقيمته لم يجب عليه إجابته (۲۰۹)، كالعكس بأن يطلب الغاصب منه أن يملكه الثوب هذا إذا أمكن إزالة الصبغ، و أما إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على‏ الثوب هذا إذا أمكن إزالة الصبغ، و أما إذا لم يمكن الإزالة أو تراضيا على بقائه اشتركا في الثوب المغصوب بنسبة القيمة (۲۱۰) فلو كان قيمة الثوب قبل الصبغ يساوي قيمة الصبغ كان بينهما نصفين، و إن كانت ضعف قيمته كان بينهما أثلاثا ثلثان لصاحب الثوب و ثلث لصاحب الصبغ فإن بقيت قيمة كل واحد منهما محفوظة من غير زيادة و لا نقصان فالثمن بينهما على نسبة ماليهما و لم يكن على الغاصب ضمان، كما إذا كانت قيمة الثوب عشرة و قيمة الصبغ عشرة و قيمة الثوب المصبوغ عشرين لو كانت قيمة الثوب عشرين و قيمة الصبغ عشرة و قيمة المجموع ثلاثين فيكون الثمن بينهما بالتنصيف في الأول و في الثاني أثلاثا، و كذا لو زادت قيمة المجموع تكون الزيادة بينهما بتلك النسبة فلو فرض أنه بيع الثوب المصبوغ في الأول بثلاثين كانت العشرة الزائدة بينهما بالسوية، و لو بيع في الفرض الثاني بأربعين كانت العشرة الزائدة بينهما أثلاثا ثلثان لصاحب الثوب و ثلث لصاحب الصبغ، و إن نقصت قيمته مصبوغا عن قيمتهما منفردين كما إذا كانت قيمة كل منهما عشرة و كانت قيمة الثوب مصبوغا خمسة عشر فإن كان ذلك من جهة انتقاص الثوب بسبب الصبغ ضمنه الغاصب (۲۱۱)، و إن كان بسبب تنزل القيمة السوقية فهو محسوب على صاحبه و لا يضمنه الغاصب (۲۱۲).

لأن الصبغ ماله و «الناس مسلطون على أموالهم»۳۲.

أما الأول فلأصالة عدم حق للمالك عليه في ذلك بعد سلطنته عليه، و أما الثاني فلقاعدة السلطنة الدالة على سلطنته على تفريغ ماله عن كل ما شاء و أراد من مال الغير بعد عدم دليل على الخلاف.

لقاعدة «اليد» و الإجماع.

للأصل و الإجماع فيه و في عكسه.

لأنه حينئذ من المال المشترك الذي تقدم أقسامها و أحكامها، و الضمان بنسبة القيمة إنما هو من الجمع بين الحقين و إعمال العدل و الإنصاف في البين، و الوجه في باقي المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان.

لحصول نقص مال المالك بسببه.

للأصل بعد عدم كونه سببا للنقص بخلاف ما إذا كان سببا له فيضمنه‏ حينئذ من جهة الإتلاف و التسبيب.

(مسألة ٤۸): لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب (۲۱۳) حصلت الشركة بين صاحبي الثوب و الصبغ بنسبة قيمتها (۲۱٤)، و لا غرامة على الغاصب لو لم يرد نقص عليهما و إن ورد ضمنه الغاصب لمن ورد عليه (۲۱٥)، فلو فرض أن قيمة كل من الثوب و الصبغ عشرة و كانت قيمة الثوب المصبوغ خمسة عشر ضمن الغاصب لهما خمسة لكل منهما اثنان و نصف.

الفرق بين الفرع السابق و هذا الفرع أن الصبغ في السابق كان من نفس الغاصب و هنا كان من الغير فيتحقق الغصب بشيئين الثوب و الصبغ.

أما حصول الشركة فلفرض اختلاط المال و عدم إمكان التفريق و أما كونها بنسبة المالين فلإحقاق الحقين و عدم طريق آخر غير ذلك في البين.

أما عدم الغرامة على الغصاب فللأصل بعد عدم موجب لها أبدا، و أما لزومها في الثاني فلاستناد النقص إليه فتشمله قاعدة اليد و الإجماع، و حكم بقية المسألة واضح.

(مسألة ٤۹): لو مزج الغاصب المغصوب بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره مزجا رافعا للتميز بينهما فإن كان بجنسه و كانا متماثلين ليس أحدهما أجود من الآخر أو أردى تشاركا في المجموع بنسبة ماليهما (۲۱٦) و ليس على الغاصب غرامة بالمثل أو القيمة بل الذي عليه تسليم المال و الاقدام على الافراز و التقسيم بنسبة المالين أو البيع و أخذ كل منهما حصته من الثمن كسائر الأموال المشتركة (۲۱۷)، و إن خلط المغصوب بما هو أجود أو أردئ منه تشاركا أيضا بنسبة المالين إلا أن التقسيم و توزيع الثمن بينهما بنسبة القيمة (۲۱۸) فلو خلط منا من زيت قيمته خمسة بمن منه قيمته عشرة كان لكل منهما نصف المجموع (۲۱۹)، لكن إذا بنيا على القسمة يجعل ثلاثة أسهم و يعطي لصاحب الأول سهم و لصاحب الثاني سهمان و إذا باعاه يقسم الثمن بينهما أثلاثا، و الأحوط في مثل ذلك أعني اختلاط مختلفي القيمة من جنس واحد البيع و توزيع الثمن بنسبة القيمة لا التقسيم بالتفاضل بنسبتها من جهة شبهة لزوم الربا في الثاني كما قال به جماعة هذا إذا مزج المغصوب بجنسه، و أما إذا اختلط بغير جنسه فإن كان فيما يعد معه تالفا كما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزيت ضمن المثل (۲۲۰)، و لم يكن كذلك كما لو خلط دقيق الحنطة بدقيق الشعير أو خلط الخل بالعسل فالظاهر أنه بحكم الخلط بالأجود أو الردي‏ء من جنس واحد (۲۲۱) فيشتركان في العين بنسبة المالين و يقسمان العين و يوزعان الثمن بينهما بنسبة القيمتين كما مر (۲۲۲).

الأقسام ثلاثة:

الأول‏: مزج الجنسين المتحدين ذاتا و صفة.

الثاني‏: المختلفين في الصفة مثل الجودة و الرداءة المتحدين جنسا.

الثالث‏: المختلفين جنسا المتحدين وصفا، و تعرضنا لحكم الجميع في‏

كتاب الشركة و قلنا أن الحكم في الجميع مجمع عليه مع أنه موافق للعدل و الإنصاف.

أما عدم لزوم غرامة على الغاصب، فلفرض عدم حصول نقص منه على المال فلا موضوع لها على كل حال و أما البقية فلوجوب رد المغصوب إلى مالكه، و لا يحصل الرد إلا بذلك كما هو واضح.

أما الاشتراك في المالين فلوجود المقتضى له و فقد المانع عنه، و أما كون التقسيم بنسبة القيمة فلفرض التفاوت في الصفة الموجب لاختلاف القيمة مضافا إلى الإجماع في كل منهما.

أي: بحسب الملك و الحق الواقعي المعلوم عند اللّه تعالى، و أما بحسب التقسيم و الإفراز فيأتي حكمه.

لقاعدة اليد و سائر أدلة رد المغصوب بعد صدق التلف على المورد عرفا.

لأن الشك في صدق التلف يكفي في استصحاب بقاء المالين.

نعم، الفرق بالجودة و الرداءة معلوم لا وجه للشك بخلاف مثل الحنطة و الشعير فإنهما يوجبان الشك، بل قد ورد في الحنطة و الشعير انهما كانا في الأصل شيئا واحدا۳۳، و لا وجه عرفا لحكم التلف في الخل المخلوط بالعسل أيضا لاعتبار بقاء كل منهما في الجملة و إلا فلا يحصل السكنجبين مع التلف و ذهاب الأثر.

و تقدم أن ذلك كله حكم الشركة في المالية.

(مسألة ٥۰): لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردى و صار قيمة المجموع المخلوط أنقص من قيمة الخليطين منفردين فورد بذلك النقص المالي على المغصوب ضمنه الغاصب (۲۲۳)، كما لو غصب منا من زيت جيد قيمته عشرة و خلطه بمن منه ردي قيمته خمسة و بسبب الاختلاط يكون قيمة المنين اثنى عشر فصار حصة المغصوب منه من الثمن بعد التوزيع ثمانية، و الحال ان زيته غير مخلوط كان يسوي عشرة فورد النقص عليه باثنين، و هذا النقص يغرمه الغاصب و إن شئت قلت يستوفي المالك‏ قيمة ماله غير مخلوط من الثمن و ما بقي يكون للغاصب (۲۲٤).

لقاعدة اليد مضافا إلى الإجماع الدالين على أن كل نقص ورد على المال المغصوب ضمنه الغاصب، مضافا إلى صحيح أبي ولاد۳4، و حكم بقية المسألة واضح لا يحتاج إلى دليل.

لأن الغاصب صار سببا للنقص فيغرم ما ورد من النقص على المالك كما تقدم مرارا.

(مسألة ٥۱): فوائد المغصوب مملوكة للمغصوب منه و إن تجددت بعد الغصب (۲۲٥)، و هي كلها مضمونة على الغاصب (۲۲٦) أعيانا كانت كاللبن و الولد و الشعر و الثمر أو منافع كسكنى الدار و ركوب الدابة (۲۲۷)، بل كل صفة زادت بها، قيمة المغصوب لو وجدت في زمان الغصب ثمَّ زالت و تنقصت بزوالها قيمته ضمنها الغاصب و إن رد العين كما كانت قبل الغصب (۲۲۸)، فلو غصب دابة هازلة أو عبدا جاهلا ثمَّ سمنت الدابة أو تعلم العبد الصنعة فزادت قيمتها بسبب ذلك ثمَّ هزلت الدابة أو نسي المملوك الصنعة ضمن الغاصب تلك الزيادة التي حصلت ثمَّ زالت. نعم، لو زادت القيمة لزيادة صفة ثمَّ زالت تلك الصفة ثمَّ عادت الصفة بعينها لم يضمن قيمة الزيادة التالفة لانجبارها بالزيادة العائدة (۲۲۹)، كما إذا سمنت الدابة في يده فزادت قيمتها ثمَّ هزلت ثمَّ سمنت فإنه لا يضمن الزيادة الحاصلة بالسمن إلا إذا نقصت الزيادة الثانية عن الأولى بأن كانت الزيادة الحاصلة بالسمن الأول درهمين و الحاصلة بالثاني درهما مثلا فيضمن التفاوت (۲۳۰).

للاتفاق و قاعدة تبعية النماء للملك.

لقاعدة اليد الدالة على ضمان الغاصب كل ما فات تحت يده و لو بآفة سماوية مضافا إلى الإجماع و صحيح أبي ولاد۳٥، و أما قول نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:

«الخراج بالضمان»۳٦، فإن كان المراد به أن منافع العين المغصوبة للغاصب لأنه ضامن للعين فإذا رد العين يكون له ما استوفاه من المنافع فضلا عما لم يستوف فهو خلاف الوجدان و النصوص و الإجماع، و إن كان المراد به أن كل من وضع يده على مال الغير بالضمان الصحيح الشرعي كالبيع و سائر النواقل الشرعية يكون منافعه له فهو موافق للعقل و النقل و حينئذ فلا ربط له بالمقام

لعموم الدليل الشامل لجميع ذلك.

لكون تلك الصفة حدثت في ملك المالك فتكون مضمونة على‏

الغاصب سواء بقيت أو تلفت فيجب ردها مع بقائها ورد عوضها مع تلفها كما هو مقتضى القواعد المسلمة، في الغصب كما مر و تقدم عدم دلالة قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«الخراج بالضمان»۳۷، على الخلاف كما مر حكم ما لو كانت الزيادة بفعل الغاصب، و دليل بقية المسألة واضح لا يحتاج إلى البيان.

هذا هو المشهور و عللوا الحكم بذلك، و يشهد له العرف و العقل مع عدم التفاوت بين الحادث و الزائل من كل جهة و عدم تخلل زمان معتد به بين الزوال و الحدوث، فكأنه لم يحدث زوال صفة و تجدد أخرى مثلها بل لم تزل الصفة الحادثة الأولى هذا مضافا إلى الأصل و قاعدة نفي الضرر و إن الظالم لا يظلم.

لوجود المقتضى للضمان و فقد المانع عنه فيتحقق الضمان لا محالة لعموم أدلته الشامل للمقام.

(مسألة ٥۲): لو حصلت فيه صفة فزادت قيمته ثمَّ زالت فنقصت ثمَّ حصلت فيه صفة أخرى زادت بها قيمته لم يزل ضمان الزيادة الأولى و لم ينجبر نقصانها بالزيادة الثانية (۲۳۱) كما إذا سمنت الجارية المغصوبة ثمَ‏ هزلت فنقصت قيمتها ثمَّ تعلمت الخياطة فزادت قيمتها بقدر الزيادة الأولى أو أزيد لم يزل ضمان الغاصب للزيادة الأولى (۲۳۲).

لأصالة عدم الانجبار و اختلاف الأغراض و الدواعي العقلائية في‏

الصفات المختلفة مضافا إلى الإجماع.

و تلخيص المقام: أن الصفة الحادثة الزائلة على أقسام:

الأول‏: ما إذا أوجبت زيادة القيمة فحدثت ثمَّ زالت و لم ترجع و لا إشكال في الضمان حينئذ.

الثاني‏: أوجبت زيادة القيمة فزالت ثمَّ رجعت بعينها لا ضمان فيها.

الثالث‏: أوجبت زيادة القيمة فزالت ثمَّ حدثت صفة أخرى مثلها في المالية دون أصل الصفة ففيها الضمان.

الرابع‏: صفة حدثت ثمَّ زالت و لكن لم تتفاوت مالية العين في حالتي الحدوث و الزوال بل كانت القيمة على حد سواء في الحالتين مقتضى الأصل عدم ضمان شي‏ء في هذه الصورة.

الخامس‏: الشك في أنها من أي الأقسام و مقتضى الأصل عدم الضمان أيضا.

لما عرفت آنفا.

(مسألة ٥۳): إذا غصب حبا فزرعه أو بيضا فاستفرخه تحت دجاجته مثلا كان الزرع و الفرخ للمغصوب منه (۲۳۳)، و كذا لو غصب خمرا فصار خلا أو غصب عصيرا فصار خمرا عنده ثمَّ صار خلا فإنه ملك للمغصوب منه لا الغاصب (۲۳٤)، و أما لو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى و أولدها كان‏ الولد لصاحب الأنثى و إن كان هو الغاصب و عليه أجرة الضراب (۲۳٥).

لأصالة بقاء الملكية و الاختصاص و لقاعدة تبعية النماء للملك مضافا إلى ظهور الإجماع و مساعدة الاعتبارات العرفية.

لما مر في سابقة من غير فرق لبقاء حق الاختصاص و الملكية الاقتضائية بالنسبة إلى المالك و عدم زواله بالغصب مطلقا و الانقلاب إلى الخلية وقع في مال المالك فيكون المنقلب إليه منه عرفا و شرعا و عقلا.

أما كون الولد للأنثى و إن كان غاصبا فللسيرة العملية بين العقلاء و ظهور إجماع الفقهاء، و أما كون الأجرة عليه فلفرض أن الضراب محترم أتلفه على المالك فلا بد من تداركه لقاعدة اليد.

(مسألة ٥٤): جميع ما مر من الضمان و كيفيته و أحكامه و تفاصيله جارية في كل يد جارية على مال الغير بغير حق و إن لم تكن عادية و غاصبة و ظالمة (۲۳٦) إلا في موارد الأمانات مالكية كانت أو شرعية كما عرفت التفصيل في كتاب الوديعة (۲۳۷) فتجري في جميع ما يقبض بالمعاملات الفاسدة و ما وضع اليد عليه بسبب الجهل و الاشتباه (۲۳۸)، كما إذا لبس حذاء غيره أو ثوبه اشتباها أو أخذ شيئا من سارق عارية باعتقاد أنه ماله و غير ذلك مما لا يحصى (۲۳۹).

لكون الحكم موافقا لقاعدة اليد و أدلة رد حق الناس و أموالهم إليهم كما مر بلا فرق بين جميع الموارد.

فقد تقدم أن الأمانات مطلقا مالكية كانت أو شرعية لا تضمن إلا مع التعدي أو التفريط و معهما يجري عليها حكم الغصب في الضمان فراجع.

للإجماع و جريان قاعدة اليد في الجميع بلا فرق بين الأفراد كلها.

فإن التصرف في جميع ذلك تصرف بغير الحق يضمن العين مع وجودها و العوض مع تلفها و المنافع مطلقا كما مر.

(مسألة ٥٥): كما أن اليد الغاصبة و ما يلحق بها موجبة للضمان و هو المسمى بضمان اليد، و قد عرفت تفصيله في المسائل السابقة كذلك للضمان سببان آخران الإتلاف و التسبيب (۲٤۰)، و بعبارة أخرى له سبب‏ آخر و هو الإتلاف سواء كان بالمباشرة أم التسبيب (۲٤۱).

لا اختصاص لهذا بالغصب بل يعم كل ضمان، و يأتي في كتاب‏

القصاص و الديات جملة من أسباب الضمان إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إن الضمان بالإتلاف مباشرة أو تسبيبا يعد من الضروريات عند العقلاء و لا يحتاج إلى التماس دليل آخر، و يصح الاستدلال عليه بالأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى‏ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*۳۸، و سائر الآيات الواردة في هذا السياق كما تقدم في أول الكتاب، و من السنة نصوص متواترة منها قوله صلّى اللّه عليه و آله: «من أخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا أو أوثق دابة أو حفر شيئا في طريق المسلمين فأصاب فعطب فهو له ضامن»۳۹، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من أضر بشي‏ء من طريق المسلمين فهو له ضامن»، و في صحيح الحلبي عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن الشي‏ء يوضع على الطريق فتمر به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال: كل شي‏ء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه»، و عنه عليه السّلام أيضا: «كل من حفر بئرا في غير ملكه كان عليه الضمان»، إلى غير ذلك مما هو كثير و يأتي في محله، و من فروع المقام قاعدة «المغرور يرجع إلى من غره»، و ضمان شاهد الزور44، على تفصيل يأتي في كتاب الشهادات إلى غير ذلك مما مر في طي الكتب السابقة و يأتي إن شاء اللّه تعالى في الكتب الآتية، و قاعدة «من أتلف مال الغير فهو له ضامن» المستفادة من نصوص كثيرة، شاملة للإتلاف المباشري و التسبيبي أيضا.

من الإجماع إجماع الفقهاء بل جميع العقلاء.

و من العقل أن إتلاف مال الغير من دون تداركه ظلم و قبيح، فالشرع و العقل و العرف متفق على الضمان في مورد الإتلاف مباشرة أو تسبيبا.

كما عرفت آنفا من الإطلاق في الأدلة.

(مسألة ٥٦): الإتلاف بالمباشرة واضح لا يخفى مصاديقه كما إذا ذبح حيوانا أو رماه بسهم فقتله أو ضرب على إناء فكسره أو رمى شيئا في النار فأحرقه و غير ذلك مما لا يحصى، و أما الإتلاف بالتسبيب فهو إيجاد شي‏ء (۲٤۲) يترتب عليه الإتلاف بسبب وقوع شي‏ء (۲٤۳) كما لو حفر بئرا في المعابر فوقع فيها إنسان أو حيوان أو طرح المعابر و المزالق كقشر البطيخ و الرقي في المسالك أو أوتد في الطريق فأصاب به عطب أو جناية على حيوان أو إنسان، أو وضع شيئا على الطريق فتمر به الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره أو أخرج ميزابا على الطريق فأضر بالمارة أو ألقى صبيا أو حيوانا يضعف عن الفرار في مسبعة فقتله السبع، و من ذلك ما لو فك القيد عن الدابة فشردت أو فتح قفصا عن طائر مبادرا أو بعد مكث (۲٤٤) و غير ذلك، ففي جميع ذلك يكون فاعل السبب ضامنا و يكون عليه غرامة التالف و بدله إن كان مثليا فبالمثل و إن كان قيميا فبالقيمة و إن صار سببا لتعيب المال كان عليه الأرش كما مر في ضمان اليد (۲٤٥).

أو إزالة مانع كما في فك القيد عن الدابة و نحو ذلك من إزالة الموانع عن التلف، فلا يعتبر في التسبيب و التسبيب العرفي أن يكون أمرا وجوديا بل يصح أن يكون أمر عدميا أيضا.

و توهم أنه لا تسبيب و لا يترتب الأثر على الاعدام ساقط: لأن ما لا تسبب فيه و لا يترتب عليه الأثر إنما هو العدم المطلق لا عدم الملكة كما هو واضح و ما نحن فيه من الثاني لا الأول.

أطيل الكلام في معنى السبب و التسبيب مع أنه لا وجه للإطالة فيه أصلا لأنه ليس من الأمور الشرعية التعبدية حتى يرجع في معناه إلى الشرع و لا من الموضوعات المستنبطة حتى يكون مورد أنظار الفقهاء على اختلاف أنظارهم بل من الموضوعات العرفية التي يرجع في تشخيصه إلى العرف فمع‏ حكمهم به يترتب عليه أثره و مع حكمهم بعدمه لا ضمان، و مع الشك فالمرجع الأصول العملية موضوعية كانت أو حكمية، و الحكم معلوم و النزاع لو كان فهو صغروي و لا ينبغي التعرض للصغريات في الفقه، و السبب قد يكون من المقتضى و الشرط، و ثالثة: يكون من إزالة المانع و لكن ذلك مراتب متفاوتة جدا و يصح أن يراد به في المقام جميع ذلك لكن مع صحة استناد التلف إليه عرفا.

لأنه لا فرق بين المكث و عدمه بعد ترتب التلف على فتح باب القفص عرفا.

لقاعدة اليد و الإتلاف و الإجماع في جميع ذلك و تقدم هنا و في البيع الفاسد ما يرتبط بالمقام.

(مسألة ٥۷): لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعا أو حبس مالك الماشية أو راعيها عن حراستها فاتفق تلفها لم يضمن بسبب التسبيب (۲٤٦) إلا إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من أمه و كانت الماشية في محال السباع و مظان الخطر و انحصر حفظها بحراسة راعيها فعليه الضمان على الأقوى (۲٤۷).

لأصالة عدم تحقق السبب و التسبيب عند الشك في تحققه، و الشك في تحقق الموضوع يكفي في عدم تحققه في المقام و في غيره و لا يعارض بأصالة عدم سبب آخر لتلفه إذ لا أثر له في الضمان.

لتحقق التسبيب العرفي حينئذ.

(مسألة ٥۸) و من التسبيب الموجب للضمان ما لو فك وكاء ظرف فيه مائع فسال ما فيه (۲٤۸)، و أما لو فتح رأس الظرف ثمَّ اتفق أنه قلبته الريح الحادثة أو انقلبت بوقوع طائر عليه مثلا فسال ما فيه ففي الضمان تردد و إشكال (۲٤۹)، نعم يقوى الضمان فيما كان ذلك في حال هبوب الرياح العاصفة أو في مجمع الطيور و مظان وقوعها عليه (۲٥۰).

لاستناد السيلان إلى فكه للوكاء عرفا فيكون هو السبب للتلف.

من صحة نفي السببية القريبة بالنسبة إليه عرفا بل تستند إلى الريح و الطير ظاهرا فلا سببية له في البين، و من أن المنساق من السبب في المقام من له فعل إرادي اختياري و هو منحصر بمن فك رأس الظرف و الريح و الطير كالآلة المحضة غير الشاعرة فيكون كالسيلان المذكور في السابق، و الظاهر صحة توجه الاستنكار و الاستقباح على من فتح رأس الظرف، و يكشف ذلك عن صحة استناد التسبيب إليه.

إذ لا ريب في توجه الذم و الاستنكار لمن فتح رأس الظرف حينئذ و يلومونه الناس بلا شبهة و التباس، و ليس ذلك إلا من جهة التسبيب المنسوب إليه.

(مسألة ٦۰): ليس من التسبيب الموجب للضمان ما لو فتح بابا على مال فسرق أو دل سارقا عليه فسرقه فلا ضمان عليه (۲٥۱).

التسبيب على أقسام:

الأول‏: ما إذا لم يتخلل بين السبب و تحقق الأثر شي‏ء أبدا بل حصل المسبب بمجرد تحقق السبب ترتب المعلول على العلة التامة.

الثاني‏: ما إذا تخلل شي‏ء آخر و لكنه كان مستندا إلى نفس السبب أيضا، كما إذا صب قطره من الماء على مكتوب مخطوط و فسد الخط و قراءته ببقاء

تلك القطرة و لو في الجملة.

الثالث‏: ما إذا تخلل في البين شي‏ء خارج عن أصل السبب و بقائه من غير ذوي العقول.

الرابع‏: ما إذا تخلل في البين إرادة الفاعل العاقل المختار، و في الأولين يكون ضامنا، و تقدم حكم الثالث و لا وجه للضمان في الأخير لاستناد التلف حينئذ إلى الفاعل العاقل المختار دون فاتح الباب و إن أثم هو من جهة أخرى و لكنه لا ربط له بالضمان.

(مسألة ٦۱): لو وقع الحائط على الطريق مثلا فتلف بوقوعه مال أو نفس لم يضمن صاحبه (۲٥۲) إلا إذا بناه مائلا إلى الطريق أو مال إليه بعد ما كان مستويا، و قد تمكن صاحبه من الإزالة و لم يزله فعليه الضمان في الصورتين على الأقوى (۲٥۳).

للأصل و الإجماع بعد عدم حصول التسبيب.

لصدق التسبيب و توجه اللوم و التوبيخ عليه فيهما.

(مسألة ٦۲): لو وضع شربة أو كوزا مثلا على حائطه فسقط و تلف به مال أو نفس لم يضمن (۲٥٤) إلا إذا وضعه مائلا إلى الطريق أو وضعه على وجه يسقط مثله (۲٥٥).

للأصل و السيرة و الإجماع.

لانطباق التسبيب و اللوم و الاستنكار عليه حينئذ.

(مسألة ٦۳): و من التسبيب الموجب للضمان أن يشعل نارا في ملكه و داره فتعدت و أحرقت دار جاره مثلا، فيما إذا تجاوز قدر حاجته و يعلم أو يظن تعديها لعصف الهواء مثلا بل الظاهر كفاية الثاني فيضمن مع العلم أو الظن بالتعدي و لو كان بمقدار الحاجة، بل لا يبعد الضمان إذا اعتقد عدم كونها متعدية فتبين خلافه كما إذا كانت ريح حين إشعال النار، و هو قد اعتقد أن بمثل هذه الريح لا تسري النار إلى الجار، فتبين خلافه. نعم، لو كان الهواء ساكنا بحيث يؤمن معه من التعدي فاتفق عصف الهواء بغتة فطارت شرارتها يقوى عدم الضمان (۲٥٦).

الأقسام كثيرة:

الأول‏: إرسال الماء و تأجيج النار في ملكه بلا قصد التعدي و لا العلم و لا الظن به أصلا، فحصل اتفاقا لعوارض خارجية عن غير عمده و اختياره فأغرق مال الغير أو أحرقه، و لا ضمان فيه للأصل و الإجماع و قاعدة السلطنة و عدم صدق التفريط و لا الإتلاف المباشري و لا التسبيب.

الثاني‏: مثل الصورة السابقة لكن مع العلم أو الظن بعدم التعدي فحصل التعدي يعلم حكمها من السابقة بالفحوى.

الثالث‏: كالصورة السابقة مع العلم بالتعدي.

الرابع‏: نفس الصورة السابقة لكن مع الظن بالتعدي، يضمن فيهما، لصدق التسبيب بل المباشرة و لا ينافي ذلك قاعدة السلطنة إذ لا تنافي بينها و بين الضمان لو حصل الإتلاف مباشرة أو تسبيبا.

الخامس‏: الزيادة عن مقدار الحاجة مع العلم أو الظن بالتعدي يضمن كما هو معلوم، و تقدم أن قاعدة السلطنة لا تنافي الضمان.

السادس‏: الزيادة عن قدر الحاجة مع اعتقاد عدم التعدي و عدم موجب للتعدي في الخارج من عدم سرعة الهواء فحصل التعدي اتفاقا، فالظاهر الضمان لصدق التفريط في النار و الماء بالزيادة على قدر الحاجة.

السابع‏: اعتقاد كونه بقدر الحاجة فبان كونه زائدا عليها.

الثامن‏: الشك في أنه من أي الأقسام، يمكن أن يقال في القسمين الأخيرين بالضمان للتسبيب.

التاسع‏: السببية البدلية بين ما هو يوجب الضمان و بين ما لا يوجبه، يصح الضمان لصدق التسبيب في الجملة و مقتضى الإطلاقات ثبوته.

العاشر: السببية المشتركة مع سبب يوجب الضمان يتحقق فيه الضمان أيضا للإطلاق، و يمكن أن يقال بالتضمين الاحتياطي الذي أسسه علي عليه السّلام في أموال الناس، و تقدم في كتاب الإجارة في بيان ضمان الطبيب‏.

(مسألة ٦٤): إذا أرسل الماء في ملكه فتعدي إلى ملك غيره فأضر به ضمن مطلقا (۲٥۷) و لو مع اعتقاده عدم التعدي فضلا عما لو علم أو ظن به (۲٥۸).

لأن الماء حدوثا و بقاء تحت إرادته و اختياره فيتحقق السبب الموجب للضمان بل الإتلاف المباشري مع قضاء العادة بتعدي الماء خصوصا إن كان شديد الجريان.

سواء كان ضبط الماء و حفظه تحت اختياره و في الأثناء جرى الماء أو خرج عن اختياره، لصحة استناد الضرر و التسبب له إليه خصوصا مع ظن التعدي.

نعم، لو تحفظ على عدم التعدي من كل جهة فحصل التعدي لأجل عروض عارض خارجي غير معهود يشكل الضمان حينئذ.

(مسألة ٦٥) لو تعب حمال الخشبة فأسندها إلى جدار الغير ليستريح بدون إذن صاحب الجدار فوقع بإسناده إليه ضمنه و ضمن ما تلف بوقوعه عليه، و لو وقعت الخشبة فأتلفت شيئا ضمنه سواء وقعت في الحال أو بعد ساعة (۲٥۹).

كل ذلك للتسبيب بل الإتلاف المباشري مضافا إلى ظهور الإجماع.

(مسألة ٦٦): لو فتح قفصا عن طائر فخرج و كسر بخروجه قارورة شخص مثلا ضمنها الفاتح (۲٦۰) و كذا لو كان القفص ضيقا مثلا فاضطرب‏ بخروجه فسقط و انكسر (۲٦۱).

لتحقق التسبيب مضافا إلى الإجماع، و كذا الكلام في تاليه من‏ غير فرق.

لصدق التسبيب عرفا، و كذا لو شد رجل الحيوان بشدة و إحكام فاضطرب الحيوان و نحو ذلك.

(مسألة ٦۷) لو وقع طائر على جداره فطيّره و ضاع الطائر عن مالكه يضمن (۲٦۲) خصوصا إذا كان الطائر معتادا إلى العود إلى محله.

لتحقق التسبيب للضياع منه عرفا و كذا لو دخل حيوان في بيته.

(مسألة ٦۸) إذا أكلت دابة شخص زرع غيره أو أفسدته فإن كان معها صاحبها راكبا أو سائقا أو قائدا أو مصاحبا ضمن ما أتلفته (۲٦۳)، و إن لم يكن معها بأن انفلتت من مراحها مثلا فدخلت زرع غيره ضمن ما أتلفته إن كان ذلك ليلا (۲٦٤)، و ليس عليه ضمان إن كان نهارا (۲٦٥).

لأن الدابة في هذه الحالات بمنزلة الآلة لصاحبها فينسب التلف إليه إما بالمباشرة أو بالتسبيب.

لأن على صاحب الدابة حفظها ليلا عن الخروج و حيث لم يحفظها صار سببا لما أتلفته الدابة فيضمن للتسبيب مضافا إلى الإجماع و النص، فعن السكوني عن جعفر عن أبيه عليه السّلام عن علي عليه السّلام قال: «كان علي عليه السّلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا و يقول: على صاحب الزرع حفظ زرعه، و كان يضمن ما أفسدت البهائم ليلا»، و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «البقر و الغنم و الإبل تكون في المرعى فتفسد شيئا هل عليها ضمان؟ فقال عليه السّلام: إن أفسدت نهارا فليس عليها ضمان من أجل أن أصحابه يحفظونه و إن أفسدت ليلا فإنه عليها ضمان»، و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل:

وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ‏ فقال: لا يكون النفش إلا بالليل إن على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار و ليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار إنما رعيها بالنهار و أرزاقها فما أفسدت فليس عليها، و على أصحاب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا و هو النفش- الحديث».

للأصل و الإجماع و لما عرفت من النص.

(مسألة ٦۹): لو كانت الشاة أو غيرها في يد الراعي أو الدابة في يد المستعير أو المستأجر فأتلفتا زرعا أو غيره كان الضمان على الراعي و المستأجر و المستعير لا على المالك و المعير (۲٦٦).

لحصول مباشرة الإتلاف أو التسبيب له منهما دون المالك و المعير فلا ربط للتلف بهما أصلا.

(مسألة ۷۰): لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصين فإن لم يكن أحدهما أسبق في التأثير اشتركا في الضمان (۲٦۷) و إلا كان الضمان على المتقدم في التأثير (۲٦۸) فلو حفر شخص بئرا في الطريق و وضع شخص آخر حجرا بقربها فعثر به إنسان أو حيوان فوقع في البئر كان الضمان على واضح الحجر دون حافر البئر، و يحتمل قويا اشتراكهما في الضمان‏ مطلقا (۲٦۹).

لفرض حصول التسبيب من كل منهما فيتحقق الضمان لا محالة بالنسبة إليهما و إلا يكون تخصيص أحدهما بالضمان دون الآخر من الترجيح بلا مرجح و هو قبيح.

إن استند التسبيب إليه بقرائن الأحوال و شهادة أهل الخبرة بهذه الأمور و الأوضاع.

الأقسام ثلاثة:

الأول‏: اختصاص التسبيب بخصوص السابق فيتعين الضمان عليه بلا إشكال و لا خلاف في البين.

الثاني‏: اختصاصه بالآخر فيتعين الضمان عليه كذلك.

الثالث‏: عدم إحراز ذلك بوجه معتبر و لا ريب في تحقق السببية لكل منهما في الجملة، إذ لو لا الحجر الموضوع لما وقع التلف كما أنه لو لا البئر لما وقع ذلك فيصح الانتساب إلى كل منهما فيجري عليه حكم الاشتراك مع عدم القرينة على الاختصاص.

(مسألة ۷۱): لو اجتمع السبب مع المباشر كان الضمان على المباشر دون فاعل السبب (۲۷۰)، فلو حفر شخص بئرا في الطريق فدفع غيره فيها إنسانا أو حيوانا كان الضمان على الدافع دون الحافر.نعم، لو كان السبب أقوى من المباشر كان الضمان عليه لا على المباشر (۲۷۱)، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمد رجله و كسرها كان الضمان على الواضع دون النائم (۲۷۲).

لأن الفقهاء بل العقلاء بل وجدان كل ذي شعور يحكم بأن المتلف هو المباشر دون السبب.

لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق.

لأنه يستقبح و يستنكر الواضع دون النائم.

(مسألة ۷۲): لو أكره على إتلاف مال غيره كان الضمان على من أكرهه و ليس عليه ضمان لكون ذي السبب أقوى من المباشر (۲۷۳)، هذا إذا لم يكن المال مضمونا في يده بأن أكرهه على إتلاف ما ليس تحت يده‏ أو على إتلاف الوديعة التي عنده مثلا، و أما إذا كان المال مضمونا في يده كما إذا غصب مالا فأكره شخص على إتلافه فالظاهر ضمان كليهما (۲۷٤)، فللمالك الرجوع على أيهما شاء فإن رجع على المكره (بالكسر) لم يرجع على المكره (بالفتح) (۲۷٥) بخلاف العكس (۲۷٦) هذا إذا أكره على إتلاف المال، و أما لو أكره على قتل أحد معصوم الدم فقتله فالضمان على القاتل من دون رجوع على المكره و إن كان عليه عقوبة فإنه لا إكراه في الدماء (۲۷۷).

فيصير المباشر كالآلة للسبب حينئذ فيقدم لا محالة.

لتحقق موجب الرجوع في كل منهما في المكره و اليد الغاصبة السابقة في المكره فيشمل إطلاق الدليل الرجوع إلى كل منهما.

لأنه كان بمنزلة الآلة للمكره و الشارع رفع حكم التلف عنه فلا موضوع للرجوع إليه.

فيرجع المكره إلى المكره لفرض أن الضرر جاء من قبله، و يكون بمنزلة المغرور الذي يرجع إلى غاره و ان لم يكن موضوعا منه.

للإجماع، و النصوص منها قوله عليه السّلام: «إنما جعل التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية»٥۰، و قوله عليه السّلام: «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغت الدم فلا تقية- الحديث»٥۱.

(مسألة ۷۳): لو غصب مأكولا مثلا فأطعمه المالك مع جهله بأنه ماله بأن قال له هذا ملكي و طعامي أو قدمه إليه ضيافة مثلا لو غصب شاة و استدعى من المالك ذبحها فذبحها مع جهله بأنها شاته ضمن الغاصب و إن كان المالك هو المباشر للإتلاف (۲۷۸). نعم، لو دخل المالك دار الغاصب مثلا و رأى طعاما فأكله على اعتقاد أنه طعام الغاصب فكان طعام الآكل فالظاهر عدم ضمان الغاصب (۲۷۹) و قد برئ عن ضمان الطعام (۲۸۰).

لفرض أن السبب إنما هو غار و هو أقوى من المباشر في نظائر

المقام فقاعدة «أن قرار الضمان على المتلف» مخصصة بغير ما إذا كان السبب أقوى منه كالإكراه و الغرور و أمثالهما فللسبب و المباشر أقسام:

الأول‏: قوة السبب على المباشر فالضمان على السبب حينئذ.

الثاني‏: عكس ذلك فالضمان على المباشر.

الثالث‏: اشتراكهما في التأثير فالضمان عليهما.

الرابع‏: عدم إحراز ذلك فالظاهر الضمان على المباشر و الاحتياط في التراضي، و يأتي في الديات ما يرتبط بالمقام.

للأصل و لعدم حصول تسبب من الغاصب للتلف بوجه بل انحصر التلف بخصوص المالك، و انما يكون على الغاصب الإثم فقط و هو يذهب بالتوبة.

لفرض وصول المال إلى المالك.

(مسألة ۷٤): لو غصب طعاما من شخص و أطعمه غير المالك على أنه ماله مع جهل الآكل بأنه مال غيره كما إذا قدمه إليه بعنوان الضيافة مثلا ضمن كلاهما (۲۸۱)، فللمالك أن يغرم أيهما شاء فإن أغرم الغاصب لم يرجع على الآكل و إن أغرم الأكل رجع على الغاصب لأنه قد غره (۲۸۲).

أما الغاصب فللتسبيب و أما الآكل فللمباشرة بعد عدم قوة في السبب يوجب تقديمه عليه، و الوجه في باقي المسألة معلوم لما ذكر.

عرفا و وجدانا و تقدم بعض الكلام في قاعدة الغرور٥۲.

(مسألة ۷٥): إذا سعى بأحد إلى الظالم و اشتكى عليه عنده بحق أو بغير حق فأخذ الظالم منه مالا بغير حق لم يضمن الساعي و المشتكي ما خسره، و إن أثم بسبب سعايته أو شكايته إذا كانت بغير حق و إنما الضمان على من أخذ المال (۲۸۳).

لقاعدة اليد و تقديم المباشر على السبب ما لم يكن دليل على الخلاف و هو مفقود مع كون المباشر عاقلا مختارا.

(مسألة ۷٦): إذا تلف المغصوب و تنازع المالك و الغاصب في القيمة و لم تكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه (۲۸٤)، و كذا لو تنازعا في صفة تزيد بها الثمن بأن ادعى المالك وجود تلك الصفة فيه يوم غصبه أو حدوثها بعده، و إن زالت فيما بعد و أنكره الغاصب و لم يكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه (۲۸٥).

لأصالة عدم اشتغال ذمته إلا بما يعترف به و أصالة البراءة عما يدعي عليه هذا بناء على المشهور، و أما بناء على ما قلنا غير مرة من أن نفس العين باقية في الذمة إلى حين الأداء فمقتضى أصالة بقاء العين بقاء اعتباريا قبول دعوى المالك، و معها لا تجري أصالة البراءة بل تجري قاعدة «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»

هذا صحيح لأصالة عدم تلك الصفة و أصالة البراءة عن اشتغال الذمة بها.

(مسألة ۷۷): إذا كان على العبد المغصوب الذي تحت يد الغاصب ثوب أو خاتم مثلا أو على الدابة المغصوبة رحل و علق بها حبل و اختلفا فيما عليهما فقال المغصوب منه هو لي و قال الغاصب هو لي، و لم يكن بينة فالقول قول الغاصب مع يمينه لكونه ذا يد فعليه عليه (۲۸٦).

و لا يعارضه سبق يد المالك بعد زوالها لعروض يد الغاصب التي حكم لأجلها بضمانه للعين و المنفعة.

(مسألة ۷۸) لو غصب شيئا من أحد ثمَّ فقد صاحبه و لم يقدر عليه يجري عليه حكم مجهول المالك (۲۸۷).

لأن مجهول المالك أعم ممن لم يعلم مالكه أصلا أو علم و لم يمكن الوصول إليه فيرجع إلى الحاكم الشرعي.

(مسألة ۷۹): لو كان شي‏ء غصبا عند المغصوب منه اجتهادا أو تقليدا دون الغاصب يجري عليه حكم الغصب على الأحوط (۲۸۸).

لأصالة احترام مال الغير إلا ما خرج بالدليل.

نعم، لو قطع بعدم كونه غصبا يشكل الحكم بالغصبية حينئذ.

(مسألة ۸۰): لو غصب من محل شيئا معينا و وضع ثمنه في دخل المغصوب منه بحيث يعلم أنه يأخذه فالإثم ثابت و الضمان مشكل (۲۸۹).

أما الإثم فلأنه غصب مال الغير و أما الضمان فغير معلوم لأنه دفع عوض مال المغصوب منه فكيف يتحقق الضمان.

(مسألة ۸۱): لو غصب زيد من عمرو دينارا مثلا و غصب عمرو من زيد دينارا مع تساويهما من كل جهة يتحقق الإثم و يشكل الضمان (۲۹۰).

أما تحقق الإثم فلتحقق الغصب، و أما الضمان فلفرض استيلاء كل منهما على عوض ماله فكيف يتصور الضمان؟!.

(مسألة ۸۲): لا فرق في حرمة الغصب و الضمان بين الغصب من المسلم أو الكافر المحترم المال (۲۹۱).

لعموم الأدلة الشامل لهما إلا ما خرج بالدليل الخاص كالحربي و غيره.

(مسألة ۸۳): لو اضطر إلى الغصب كاضطراره إلى أكل الميتة- يرتفع الحكم التكليفي و يثبت الضمان (۲۹۲).

أما الأول فلأن الاضطرار يوجب ارتفاع الحكم التكليفي، و أما الثاني فلأنه لا منافاة بين ارتفاع الحكم التكليفي بالاضطرار و بقاء الحكم الوضعي.

  1. سورة البقرة: ۱۸۸.
  2. سورة المطففين: ۱- ۳.
  3. سورة المائدة: ۳۸.
  4. الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب ج: ۱۷ و في كنز العمال ج: ۱۰ صفحة: ۱۰٥ كتاب الغصب من قسم الأقوال.
  5. الوسائل باب: ۳ من أبواب مكان المصلي حديث: ۱.
  6. الوافي ج: ۹ باب: حرمة القتل و شدة أمره صفحة: ۸۲.
  7. هو الشيخ المحقق المتتبع الشيخ محمد جواد البلاغي قدّس سرّه.
  8. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب آداب التجارة حديث: ۱.
  9. الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب: ۳.
  10. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب: 4 و في كنز العمال ج: ۱۰ حديث: ۲۲٥۷ كتاب الغصب.
  11. الوسائل باب: ۱ من أبواب مكان المصلي حديث: ۲.
  12. الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب ۳ و ٥.
  13. الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب ۳ و ٥.
  14. الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب ۳ و ۱.
  15. سورة البقرة: ۱۷۳.
  16. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب: 4 و في سنن البيهقي ج: ٦ صفحة: ۹٥.
  17. الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب.
  18. الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب.
  19. الوسائل باب: ۱ من أبواب الأنفال حديث: 4 كتاب الخمس.
  20. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب حديث: 4.
  21. راجع ج: ۱٦ صفحة: ۲٦۹.
  22. الوسائل باب: ۷ من أبواب الغصب حديث: ۱.
  23. الوسائل باب: ۷ من أبواب الغصب حديث: ۱.
  24. راجع ما يتعلق بذلك في ج: ۱۷ صفحة: ۳۰۰- ۳۰۳.
  25. راجع ج: ۱٦ صفحة: ۳۳۹- ۳4۳.
  26. مستدرك الوسائل باب: ۱ من كتاب الغصب حديث: 4.
  27. الوسائل باب: ۲ من أبواب الغصب حديث: ۱.
  28. الوسائل باب: ۲ من أبواب الغصب حديث: ۲.
  29. الوافي ج: ۱۰ صفحة: ۱44.
  30. سنن البيهقي ج: ٦ كتاب المزارعة باب: ٥ صفحة حديث: ۱۳٦.
  31. الوسائل باب: ۳ من أبواب الغصب ج: ۱۷.
  32. البحار ج: ۲ صفحة: ۲۷۲ حديث: ۷ ط- طهران.
  33. الوسائل باب: ۸ من أبواب الربا حديث: ۱.
  34. الوسائل باب: ۷ من أبواب الغصب.
  35. الوسائل باب: ۷ من أبواب الغصب.
  36. سنن أبي داود باب: ۷۱ من أبواب البيوع.
  37. راجع ج: ۱٦ صفحة: ۲٥۹.
  38. سورة النساء: ۹۲.
  39. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب موجبات الضمان حديث: ۱.
  40. الوسائل باب: ۸ من أبواب موجبات الضمان حديث: ۲.
  41. الوسائل باب: ۹ من أبواب موجبات الضمان حديث: ۱.
  42. الوسائل باب: ۸ من أبواب موجبات الضمان حديث: ۱.
  43. راجع ج: ۱٦ صفحة: ۳۸۱.
  44. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الشهادات.
  45. الوسائل باب: ٥ و ۷ من أبواب الرهن حديث: ۲ و باب: ۱۰ و ۱۱ و ۱4 من أبواب الشهادات و باب: ۲۹ من أبواب الإجارة.
  46. راجع ج: ۱۹ صفحة: ۱۰٦.
  47. الوسائل باب: 4۰ من أبواب موجبات الضمان ج: ۱۹.
  48. الوسائل باب: 4۰ من أبواب موجبات الضمان ج: ۱۹.
  49. الوسائل باب: 4۰ من أبواب موجبات الضمان ج: ۱۹.
  50. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأمر و النهي.
  51. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأمر و النهي.
  52. راجع ج: ۱٦ صفحة: ۳4٦.
  53. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب الغصب.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"