1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل غسل الجنابة مستحب نفسي
غسل الجنابة مستحب نفسي (۱) و واجب غيري (۲) للغايات‏ الواجبة، و مستحب غيري للغايات المستحبة (۳).

لأنه طهور و كلّ طهور مطلوب للشارع و أدنى مرتبة الطلب. الندب، و تدل على الكلية قوله تعالى‏ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏۱ و قول النبي صلى اللّه عليه و آله: «أكثر من الطهور يزد اللّه تعالى في عمرك و إن استطعت أن تكون بالليل و النهار على طهارة فافعل، فإنّك تكون إذا مت على طهارة شهيدا»۲.

و عن أبي عبد اللّه عليه السلام في غسل الجنابة: «الاغتسال من خالص شرائع الحنفية»۳.

و يستفاد منه مطلوبية نفس الغسل من حيث كونه سببا توليديا للطهارة، كما تقدم في الوضوء4.

بضرورة المذهب، بل الدين، و نصوص كثيرة- تأتي في محالّها- منها: قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور»٥.

عد ذلك من قطعيات الفقه، بل من مرتكزات المتشرعة.

و القول بوجوبه النفسي ضعيف (٤) و لا يجب فيه قصد الوجوب‏ و الندب (٥)، بل لو قصد الخلاف لا يبطل إذا كان مع الجهل (٦)، بل مع العلم إذا لم يكن بقصد التشريع (۷) و تحقق منه قصد القربة، فلو كان قبل الوقت و اعتقد دخوله فقصد الوجوب لا يكون باطلا و كذا العكس (۸) و مع الشك في دخوله يكفي الإتيان‏ به بقصد القربة للاستحباب النفسي، أو بقصد إحدى غاياته المندوبة، و أو بقصد ما في الواقع من الأمر الوجوبي أو الندبي.

نسب القول بالوجوب النفسي إلى العلامة و غيره و قد تعرض صاحب الجواهر رحمه اللّه لهذه المسألة في أول كتاب الطهارة عند قول المحقق رحمة اللّه: «و الواجب من الغسل ما كان لأحد الأمور الثلاثة».

و استدل له (أولا) بإطلاقات الكتاب و السنة كقوله تعالى‏ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا٦. و قوله عليه السلام: «إذا التقى الختانان وجب الغسل»۷.

و فيه: أنّ الآية الكريمة بملاحظة مجموعها ظاهرة في الوجوب الغيري.

و لا يستفاد من الأخبار الا السببية أما الوجوب النفسي للغسل، فلا تدل عليه بشي‏ء من الدّلالات، بل مجموعها بعد رد بعضها إلى بعض ظاهرة في الغيري كقولهم عليهم السلام: «إذا دخل الوقت وجب الطّهور- الحديث-»۸.

(و ثانيا): أنه لو لم يجب في نفسه لما وجب في صوم شهر رمضان و ما الحق به قبل الفجر.

و فيه: انّه قد وجه وجوبه قبله بوجوه صحيحة، كما يأتي في محله تغني تلك الوجوه عن القول بالوجوب النفسي له. (و ثالثا): بقول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «انّه سئل عن الدين الذي لا يقبل اللَّه تعالى من العباد غيره و لا يعذرهم على جهله، فقال عليه السلام: شهادة أن لا إله إلا اللَّه، و أنّ محمدا رسول اللَّه، و الصلوات الخمس، و صيام شهر رمضان، و الغسل من الجنابة- الحديث-»۹.

و فيه: أنّه أعم من الوجوب النفسي و ذكره في عداد الواجبات النفسية لا يدل على كونه منها. نعم، يدل على كثرة أهميته كما لا يخفى. مع أنّ القائل بالوجوب النفسي لا يلتزم بلوازمه، مضافا إلى أنّ القول بالوجوب النفسي له دون سائر الأغسال الواجبة تحكم بارد- كما عن المحقق رحمه اللَّه- و يكفي في عدم الوجوب النفسي عدم التعرض لأحكامه في هذه المسألة العامة البلوى من أحد في زمان المعصوم عليه السلام و غيره، فلا عن له و لا أثر في حديث و لا خبر، فما عن السرائر: من أنّه أجمع المحققون على نفي الوجوب النفسي و أن وجوبه ليس الا غيريا، صحيح و معتبر و أصالة البراءة عن الوجوب النفسي لا حاكم عليها.

للأصل و الإطلاق بعد عدم دليل معتبر على الخلاف.

لانّه على فرض اعتبارهما يكون من الشرائط الذكرية لا الواقعية إجماعا.

بل يصح و إن كان بقصد التشريع، لأنّ مقتضى الإطلاقات كفاية إتيان المأمور به بأجزائه و شرائطه التي تمَّ عليها الدليل. و لا دليل على اعتبار قصد الوجوب أو الندب، و مقتضى الأصل عدم الاعتبار. و التشريع الموجب للبطلان إنّما هو فيما إذا كان في أصل الأمر لا في كيفيته- من الوجوب أو الندب- خصوصا مع عدم الدليل على اعتبارها، فيكفي الإتيان بالأجزاء و الشرائط المعتبرة و قصد القربة في الامتثال. و تقدم في الوضوء ما ينفع المقام.

لما تقدم من أنّ المناط في سقوط التكليف إتيان المكلّف به مستجمعا لشرائطه و أجزائه التي دل عليها الدليل و المفروض إتيانه كذلك. و لا دليل على اعتبار قصد الوجوب أو الندب و مقتضى الأصل عدم الاعتبار، كما أنّ مقتضاه عدم كون قصد أحدهما في محل الآخر مانعا عن صحة العمل بعد فرض تحقق إتيانه بتمام أجزائه و شرائطه.

و الواجب فيه بعد النية (۹) غسل ظاهر تمام البدن (۱۰) دون البواطنمنه (۱۱)، فلا يجب غسل باطن العين، و الأنف، و الاذن، و الفم، و نحوها، و لا يجب غسل الشعر- مثل اللحية- بل يجب غسل ما تحته من البشرة. و لا يجزي غسله عن غسلها. نعم، غسل الشعور الدقاقالصغار المحسوبة جزءا من البدن مع البشرة (۱۲). و الثقبة التي في‏ الاذن أو الأنف للحلقة ان كانت ضيقة لا يرى باطنها لا يجب غسلها، و إن كانت واسعة بحيث تعد من الظاهر وجب غسلها (۱۳).

لقاعدة أنّ كلّ فعل اختياري متقوّم بالقصد و النية. و أما اعتبار قصد القربة فيه، فدليله منحصر بالإجماع. و تقدم بعض الكلام في الوضوء و المقام متحد معه موضوعا و دليلا و فروعا.

للنص، و الإجماع قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار»۱۰.

و عنه عليه السلام في الصحيح: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك»۱۱.

و عنه عليه السلام في- حديث-: «ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه»۱۲.

و عنه عليه السلام أيضا۱۳: «و كل شي‏ء أمسسته الماء فقد أنقيته» و يدل عليه أيضا إطلاقات الأدلة، لظهورها في غسل الظاهر فقط، كما أن ظهور قوله عليه السلام: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك» في الاستيعاب مما لا ينكر، فيبطل الغسل لو أخل بمكان شعرة و لو نسيانا. و أما صحيح ابن أبي محمود: «قلت للرضا عليه السلام: الرجل يجنب، فيصيب جسده و رأسه الخلوق و الطيب و الشي‏ء اللكد و الظرب [*] و ما أشبهه: فيغتسل فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق و الطيب و غيره قال عليه السلام: لا بأس به»۱4.

فلا يدل على كون ما بقي مانعا عن وصول الماء، و يمكن أن يكون ما بقي‏ من مجرد اللون و الرائحة، و يشهد له قول أبي جعفر عليه السلام: «كنّ نساء النبي صلى اللَّه عليه و آله إذا اغتسلن من الجنابة يبقين صفرة الطيب في أجسادهن و ذلك أنّ النبي صلى اللَّه عليه و آله أمرهنّ أن يصببن الماء صبا على أجسادهن»۱٥.

و عن عمار بن موسى عن الصادق عليه السلام: «في الحائض تغتسل و على جسدها الزعفران لم يذهب به الماء؟ قال: لا بأس»۱٦.

فما نسب إلى المحقق الخوانساري من أنّه: «لا يبعد القول بعدم الاعتداد ببقاء شي‏ء يسير لا يخلّ عرفا بغسل جميع البدن» تمسكا بمثل هذه الأخبار.

ممنوع.

إجماعا، و نصوصا منها: خبر الواسطي: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: الجنب يتمضمض و يستنشق؟ قال عليه السلام: لا إنّما يجنب الظاهر»۱۷. و رواه الصدوق عن أبي الحسن بزيادة: «و لا يجنب الباطن و الفم من الباطن.»۱۸.

و عن الصادق في غسل الجنابة: «إن شئت أن تتمضمض و تستنشق فافعل و ليس بواجب لأن الغسل على ما ظهر لا على ما بطن»۱۹. و لو شك في شي‏ء أنه من الظاهر أو الباطن وجب غسله إلا مع كونه سابقا من الباطن. و تقدم في الوضوء ما ينفع في الغسل أيضا، فراجع جملة من المسائل المذكورة في أفعال الوضوء المرتبطة بالمقام.

البحث في وجوب غسل الشعر من جهات ثلاث:

الأولى: غسله مقدمة لغسل البشرة إن توقف غسلها عليه و لا كلام و لا إشكال في الوجوب حينئذ، لقاعدة المقدمية المسلمة عند الكلّ، و ما يأتي من خبر حجر بن زائدة و غيره.

الثانية: وجوب غسله نفسيّا و ان حصل غسل البشرة بدون غسله، فكما يجب غسل الوجه و اليد و الرجل- مثلا- وجب غسل الشعر أيضا. و هذا هو مورد البحث في المقام.

الثالثة: غسل الشعور الدقاق الصغار التي تعد جزءا من البشرة و يأتي البحث عنه.

ثمَّ إنّ المشهور في الثانية عدم وجوب الغسل، للأصل، و الإجماع، و الأدلة المشتملة على الجسد و البدن و نحوهما الظاهرة في غير الشعر، و لقول أبي عبد اللَّه عليه السلام: في صحيح الحلبي عن أبيه عن علي عليه السلام قال:

«لا تنقض المرأة شعرها إذا اغتسلت من الجنابة»۲۰.

و تنظّر صاحب الحدائق بعد الاعتراف بتسالم الأصحاب على عدم الوجوب، (أولا): بأنّ إطلاق البدن و الجسد عليه صحيح و لو مجازا، فيشمله ما دل على وجوب غسلها.

و فيه: أنّ الوجوب المقدمي إن توقف غسل البشرة على غسله مسلم.

و إنّما الكلام في الوجوب النفسي و الأدلة قاصرة عن إثباته و يكفي الشك في الشمول في عدم صحة التمسك بالإطلاق، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، مع أنّ إطلاق البدن و الجسد على الشعر الطويل من المجاز المستنكر.

(و ثانيا): أنّ عدم النقض في صحيح الحلبي أعم من عدم غسله و إيصال الماء التروي الشعر بمجرد وصول الماء إليه.

و فيه: إنّه خلاف ظاهر الإطلاق- خصوصا في الأزمنة القديمة التي كان الماء فيها قليلا و خصوصا في الحجاز- سيما بالنسبة إلى النساء في صدر الإسلام اللاتي يتسامحن في ذلك، لعدم انسهنّ بالأحكام، مع كثرة شعور هنّ في الأزمنة القديمة. و لو كان واجبا لاحتاج إلى بيان أكثر من ذلك.

(و ثالثا): يقول الصادق عليه السلام: في صحيح محمد بن زائدة: «من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار»۲۱.

و قوله عليه السلام: «تحت كلّ شعرة جنابة، فبلغ الماء تحتها في أصول الشعر- الحديث-»۲۲.

و قوله عليه السلام: «مرها أن تروي رأسها من الماء و تعصره حتّى يروى»۲۳.

و فيه: أنه لا ريب في وجوب إيصال الماء إلى الشعر مقدمة لوصوله إلى البشرة إنّما الكلام في انّه إذا علم بوصول الماء إلى البشرة هل يجب مع ذلك غسل الشعر أيضا أو لا؟ و هذه الأدلة قاصرة على إثبات الوجوب النفسي. و بالجملة:

وجوب الغسل مقدمة لا ريب فيه و يكفي في عدم الوجوب النفسي الشك في شمول الأدلة له.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الكلمات و معاقد الإجماعات عدم الفرق في ذلك بين الرجل و المرأة و شعر الرأس و اللحية و سائر مواضع البدن.

و أما الثالثة و هي غسل الشعور الصغار الدقاق: فالمشهور بل ادعي عليه الإجماع وجوب غسله و يدل عليه الإطلاقات، لكونه من توابع البدن عرفا، و تشهد له سيرة المتشرعة قديما و حديثا و أما قوله عليه السلام: «كلّ ما أحاط به‏ الشعر، فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء»۲4.

فهو مختص بخصوص شعر الوجه في الوضوء و لا يجري في غسل اليدين منه، فكيف بالغسل، كما أنّه لا وجه للتمسك بإطلاق قوله عليه السلام: «إنّما يكفيك مثل الدهن»۲٥.

و ما ورد من إجزاء الغرفتين أو الثلاث في الغسل‏۲٦ لا وجه للتمسك بإطلاقه أيضا، لعدم ورودهما في مقام البيان من كل جهة. هذا، مع ملازمة غسل البدن لغسلها عرفا، فأصل البحث فيها ساقط رأسا.

أما الأول: فلأنّه من الباطن. أما الأخير، فلكونه من الظاهر و المشكوك ظهوره و بطونه يعمل فيه بالحالة السابقة. و مع عدم العلم بها، فالأحوط غسله. و تقدم في الوضوء ما ينفع المقام‏۲۷.

و له كيفيتان: (۱٤).

إجماعا، و نصوصا يأتي بعضها.

الأولى: الترتيب، و هو: أن يغسل الرأس و الرقبة أولا (۱٥) ثمَ‏ الطرف الأيمن من البدن، ثمَّ الطرف الأيسر (۱٦)، و الأحوط أن يغسل‏النصف الأيمن من الرقبة ثانيا مع الأيمن و النصف الأيسر مع الأيسر، و السرة و العورة يغسل نصفهما الأيمن مع الأيمن، و نصفهما الأيسر مع الأيسر (۱۷)، و الأولى أن يغسل تمامهما مع كلّ من الطرفين (۱۸).و الترتيب المذكور شرط واقعي (۱۹)، فلو عكس- و لو جهلا أو سهوا- بطل، و لا يجب البدء بالأعلى في كلّ عضو، و لا الأعلى فالأعلى (۲۰) و لا الموالاة العرفية بمعنى التتابع، و لا بمعنى عدم الجفاف، فلو غسل رأسه و رقبته في أول النهار، و الأيمن في وسطه، و الأيسر في آخره‏ صح (۲۱)، و كذا لا يجب الموالاة في أجزاء عضو واحد (۲۲). و لو تذكر بعد الغسل ترك جزء من أحد الأعضاء رجع و غسل ذلك الجزء، فإن كان في الأيسر كفاه ذلك (۲۳)، و إن كان في الرأس أو الأيمن وجب‏ غسل الباقي على الترتيب (۲٤). و لو اشتبه ذلك الجزء وجب غسل تمام المحتملات مع مراعاة الترتيب (۲٥).

لعدم الخلاف في أصل تقديم الرأس بل يمكن تحصيل الإجماع عليه- كما في الجواهر- و لم ينسب الخلاف إلا إلى الصدوقين و ابن الجنيد رحمهم اللَّه و لا اعتبار بخلاف الأخير، لكثرة مخالفته في المسلمات- كما أنّ التأمل في كلام الأولين يقتضي بعدم المخالفة- و تدل عليه النصوص أيضا- كما يأتي- و أما دخول الرقبة في الرأس في المقام، فيدل عليه مضافا إلى اتفاق الفقهاء- كما في المفاتيح و إرسال ذلك في مجمع البحرين إرسال المسلّمات- جملة من النصوص:

منها: صحيح زرارة: «ثمَّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف من الماء ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف ثمَّ على منكبه الأيمن مرّتين و على منكبه الأيسر مرّتين- الحديث-»۲۸.

فقسّم عليه السلام المغسول أقساما ثلاثة: الرأس، و المنكبين، فلو كانت الرقبة خارجة عن الرأس مع عدم دخولها في المنكبين يكون التقسيم رباعيا لا ثلاثيا، و الظاهر شهادة العرف بذلك أيضا، لأنّهم في التنظيفات الجسدية يغسلون الرقبة مع الرأس. نعم، لا ريب في أنّ للرأس إطلاقات أربعة:

الأول: منبت الشعر و هو رأس المحرم.

الثاني: هو مع الأذنين و ذلك رأس الصائم.

الثالث: هو مع الوجه و ذلك رأس الجنايات.

الرابع: ذلك مع الرقبة و هو رأس المغتسل.

و قد أشكل تارة: بعدم دخول الرقبة في مفهوم الرأس لغة. و فيه: أنّه لو سلّم فيها مطلقا لا يسلّم بحسب المتعارف في الغسل، فهي داخلة في إطلاق الرأس عرفا، و العرف الخاص مقدم على اللغة قطعا.

و أخرى: بخبر أبي بصير قال عليه السلام فيه: «و تصب الماء على رأسك ثلاث مرات و تغسل وجهك و تفيض الماء على جسدك»۲۹.

فإنّه مشعر بخروج الوجه عن الرأس، فكيف بالرقبة. و فيه: أنه ليس في مقام بيان تحديد الرأس، و إنّما هو في مقام بيان تقسيم المغسول إلى قسمين:

الرأس، و سائر الجسد و هو تقسيم إجمالي لا تفصيلي. و الا، فيكون التقسيم ثنائيا لا ثلاثيا على ما مر و يأتي.

ثمَّ إنّ مجموع الأخبار الواردة في المقام أقسام ثلاثة:

الأول: المطلقات كقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في صحيح زرارة:

«و تغسل جسدك من قرنك إلى قدمك»۳۰.

و مثل هذه الأخبار قابلة للتقييد بالقسم الثاني، أو الحمل على الغسل الارتماسي، أو التقية- كما في الجواهر- مع أنّها ليست في مقام البيان من كل جهة حتى يصح الأخذ بإطلاقها، فلا وجه للأخذ بمثل هذا الإطلاق و احتمال سقوط الترتيب مطلقا في مقابل الإجماع و سائر الأخبار.

الثاني: قوله عليه السلام في صحيح زرارة: «ثمَّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ثمَّ صبّ على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين»۳۱.

و صحيح ابن مسلم: «ثمَّ تصب على رأسك ثلاثا ثمَّ تصب على سائر جسدك مرتين- الحديث-»۳۲.

و مثلهما غيرهما، و لا ريب في كونها نصا في تقديم الرأس على الطرفين:

الثالث: صحيح هشام بن سالم: «فأمرها فغسلت جسدها، و تركت رأسها، و قال لها: إذا أردت أن تركبي، فاغسلي رأسك، ففعلت ذلك- الحديث-»۳۳.

و هو نص في تقديم الطرفين على غسل الرأس.

و فيه أولا: أنّه معارض بما رواه هشام بن سالم عن محمد بن مسلم هذه القضية بعينها مع تقديم الرأس على الطرفين‏۳4.

و ثانيا: موهون بإعراض الأصحاب عنه، مع احتمال كونه و هما من هشام بن سالم و خلاصة القول: إنّه ليس في أدلة المقام ما يصلح للاستناد إليه إلا القسم الثاني من الأخبار فقط، و هو يكفي في اعتبار تقديم الرأس على الطرفين.

إن قيل: نعم، لكنه مشتمل على جملة من المندوبات، فليحمل ذلك على الندب أيضا، فيجوز تأخير غسل الرأس عن الطرفين، و لكن يستحب التقديم.

قلت: يوهن هذا الحمل صحيح حريز الواردة في الوضوء: «قلت: فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال عليه السلام: جف أو لم يجف اغسل ما بقي. قلت: و كذلك غسل الجنابة؟ قال: هو بتلك المنزلة و ابدأ بالرأس ثمَّ أفض على سائر جسدك. قلت: و إن كان بعض يوم قال عليه السلام: نعم»۳٥.

و حسنة زرارة: «من اغتسل من جنابة، فلم يغسل رأسه، ثمَّ بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدّا من إعادة الغسل»۳٦.

و ظهورهما في وجوب تقديم الرأس مما لا ينكر.

على المشهور فتوى و عملا، و نقل الإجماع عليه مستفيض، و عن جمع دعوى الإجماع على عدم الفصل في الترتيب بين الرأس و البدن و الترتيب بين الجانبين. و عن جمع دعوى: الإجماع على عدم الفصل في الترتيب بينهما في الوضوء، و الترتيب في الغسل.

و نوقش فيه أولا: بما ثبت في الأصول من عدم الاعتبار بالإجماع المنقول.

و ثانيا: بأنّه مستند إلى ما يأتي من الأدلة.

و دفعت المناقشة: بكثرة الاهتمام بنقل مثل هذه الإجماعات، و إرسالهم للحكم إرسال المسلمات عملا و قولا، بحيث يمكن أن يعد من القطعيات.

و فيه: أنّ كلّ ذلك لا يخرجها عن الإجماعات الاجتهادية.

و استدل عليه أيضا بجملة من الأخبار:

منها: رواية زرارة: «ثمَّ صب على رأسه ثلاثة أكف ثمَّ على منكبه الأيمن مرتين و على منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء فقد طهر»۳۷.

و نوقش فيه: بأنّ المشهور عدم كون لفظ الواو للترتيب.

و فيه: أنّ قوله عليه السلام: «و على منكبه الأيسر مرتين- الحديث-» عطف على قوله عليه السلام: «ثمَّ على منكبه الأيمن».

فيكون المعنى و ثمَّ صب على منكبه الأيسر. مع أنّ السياق ظاهر في الترتيب نعم، لو قال: ثمَّ صب على منكبه الأيمن و على منكبه الأيسر مرتين، لما كان يستفاد منه الترتيب.

و فيه: أنّ هذا من مجرد الاحتمال لا الظهور الذي يصح الاعتماد عليه في الاحتجاج.

و دعوى: أنّ السياق ظاهر في الترتيب أصل المدعى، مع أنّ قولهم عليهم السلام: «فما جرى عليه الماء فقد طهر».

له نوع ظهور في أنّ المناط كلّه جريان الماء كيفما تحقق.

و منها: ما دل على أنّ غسل الأموات غسل الجنابة۳۸ و الترتيب بين الجانبين معتبر في الأول نصّا۳۹ و إجماعا، فلا بد من اعتباره في غسل الجنابة.

و فيه: أن التنزيل ليس من كل جهة، بل في الجملة و بيان بعض حكم غسل الميت و أنّه لأجل خروج الجنابة منه، كما في الخبر. هذا، مع أنه لا بد في هذا الحكم العام البلوى من الاهتمام به في الأخبار بيانا من الإمام عليه السلام و سؤالا من الأنام بأكثر من ذلك، و مع أنّ أهميته أكثر من الوضوء لم يرد فيه يسير من كثير مما ورد فيه، بل بعض الأخبار ظاهر في عدم الترتيب بينهما كموثق سماعة: «ليصب على رأسه ثلاث مرات مل‏ء كفه ثمَّ يضرب بكف من ماء على‏ صدره و كف بين كتفيه ثمَّ يفيض الماء على جسده كلّه».

و مثله صحيح البزنطي و غيره‏. مع أنّ من عدم اعتبار الموالاة في الغسل و عدم وجوب الغسل من الأعلى يستفاد التسهيل في الغسل، فكثرة أهميته و عموم الابتلاء به أوجب كثرة التسهيل فيه لسقوط الترتيب بين الجانبين و لذا نسب الخلاف إلى الصدوقين و غيرهما و مال إليه جمع من متأخري المتأخرين و قواه في المستند و مصباح الفقيه.

إن قلت: أما الاهتمام به فيكفي في ذلك السيرة العملية بين العلماء و غيرهم و أي اهتمام أشد من المواظبة العملية على شي‏ء. و أما مثل الموثق، فموافقته للعامة و مخالفته للمشهور أسقطته عن الاعتماد عليه. و أما مخالفة الصدوقين و غيرهما، فلم تثبت، لعدم صراحة عباراتهم في الخلاف مع ما عليه عبارات القدماء من الإجمال، و الإهمال، و لذا قال في الجواهر:

«يمكن تحصيل الإجماع عليه، لأنّ من نسب إليه الخلاف إما لا تكون عبارته ظاهرة فيه أو يكون ممن لا يعتنى بخلافه».

و أما الأخير فهو من مجرد الاستحسان المحض لا ينبغي أن يعتمد عليه، مع أنّه معارض بأنّ اهتمام الفقهاء فتوى و عملا بالترتيب في مثل هذا الأمر العام البلوى لا يمكن أن لا يستند إلى مدرك صحيح لديهم، فالمرجع استصحاب الجنابة بعد عدم صحة الرجوع إلى الإطلاقات و لو بقرينة السيرة العملية و الإجماعات.

قلت: السيرة بين العلماء مستندة إلى اجتهاداتهم، و بين المؤمنين مستندة إلى متابعة العلماء. و ليس كلّ خبر معتبر سندا يكون موافقا للعامة لا بد من طرحه بعد موافقته للأصل و العمومات و الإطلاقات. و احتمال الاجتهادية في الشهرة يوهن الاعتماد عليها. و إمكان تحصيل الإجماع ليس من الأدلة. و إنّما الدليل الإجماع المحقق المحصّل. و الاستشهاد على سقوط الترتيب بسقوط الموالاة، و الغسل من الأعلى، و التسهيل في هذا الأمر العام البلوى ليس من الاستحسان، و ربما يستشهد في الفقه بما هو أضعف من ذلك بمراتب.

ثمَّ كيف لم يظهر الحكم في هذا الأمر الشائع من أول البعثة إلى زمان الصادق عليه السلام و لما ذا لم يأمر النبي صلى اللَّه عليه و آله نساءه بذلك، بل أمر بصب الماء على أجسادهنّ، كما في الحديث. و هل كان غسل الجاهلية التي بعث النبي صلى اللَّه عليه و آله في العرب الجاهلين، لأجل أنّهم كانوا يغتسلون من الجنابة هكذا؟.

الأصل و الإطلاق و الاعتبار ينفي ذلك كلّه، و تشهد: لعدم اعتبار ذلك كلّه الآية الكريمة الواردة في بيان الوضوء44 و الغسل ثمَّ التفصيل في الوضوء و عدم التعرض لشي‏ء في الغسل إلا بقوله تعالى‏ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا.

فتكون قرينة لعدم اعتبار ذلك كلّه فيه، مع أنّه أهم من بيان التفصيل فيه بالنسبة إلى الوضوء، مضافا إلى ما ورد من أنّه صلى اللَّه عليه و آله «يعجبه التيمن في .. طهوره و في شأنه»4٥ ظاهر في أصل الرجحان و قرينة صارفة لما ظاهره الوجوب، و لذلك كلّه نسب عدم الترتيب بين الطرفين الى جمع. كالمجلسي، و البهائي، و أصحاب المدارك، و الذخيرة و الوافي- و لكن الأحوط ما عليه المشهور.

جمودا على التنصيف الحقيقي، و لكن لا دليل عليه من نص أو إجماع، بل يكفي التنصيف العرفي.

لاحتمال لحوقها إما بالطرف الأيمن أو الأيسر، فيعمل بكلّ واحد من‏ المحتملين، و هو يحصل بغسلهما مع أحد الجانبين، كما اعترف به الشهيد في الذكرى مع أنه أحد ناقلي الإجماع على الترتيب، و على هذا لو غسل الطرف الأيسر ثمَّ بعد الفراغ منه غسل العورتين يصح و يجزي، لما يأتي من عدم اعتبار البدء بالأعلى و لا الموالاة.

لأنّ مقتضى شرطية كلّ شرط أن يكون له دخل واقعي في المشروط إلا أن يدل دليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف في المقام، بل استظهر في الجواهر الإجماع و المتيقن منه مورد العلم و الالتفات. و يمكن المناقشة فيما استظهره صاحب الجواهر بأنّه مبنيّ على مسلّمية أصل الترتيب بين الجهتين و بعد ما مر من المناقشة يسقط هذا الإجماع.

للأصل، و الإطلاق، و ظهور الإجماع على عدم الوجوب. و أما مثل قول الصادق عليه السلام: «ثمَّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدمك».

فليس في مقام بيان اعتبار الأعلى فالأعلى، بل ظاهره اعتبار غسل جميع الجسد مطلقا بأيّ وجه كان، و إطلاق قوله عليه السلام: «و كلّ شي‏ء أمسسته الماء فقد أنقيته».

ليس قابلا للتقييد إلا بنص صريح و كذا إطلاق قوله تعالى‏ «وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا».

لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن اعتبار ذلك، مضافا إلى الإجماع، و ما تقدم في قضية أم إسماعيل‏، و صحيح حريز، و لقول الصادق عليه السلام: «إنّ عليا عليه السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة و يغسل سائر جسده عند الصلاة»٥۰.

و الظاهر أنّ هذا التحديد إنّما هو للتحفظ على الصلاة و إلا فلو فرض سقوطها- كما في الحائض- يجوز التأخير بأكثر من ذلك.

للإطلاقات الواردة في مقام البيان، و أنّه لو كان ذلك معتبرا لشاع و بان، مضافا إلى الأصل، و الإجماع.

أما أصل وجوب الغسل، فللإطلاقات، و العمومات بعد عدم اعتبار الموالاة، مضافا إلى صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: «قلت له: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل الجنابة؟ فقال عليه السلام: إذا شك و كانت به بلة و هو في صلاته مسح بها عليه، و إن كان استيقن فأعاد عليهما ما لم يصب بلة- الحديث-»٥۱.

و عن الصادق عليه السلام في الصحيح: «اغتسل أبي من الجنابة، فقيل له: قد أبقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال عليه السلام له: ما كان عليك لو سكتّ؟! ثمَّ مسح تلك اللمعة بيده»٥۲.

بحمله على ما إذا كانت اللمعة في الأيسر، لئلا يلزم خلاف الترتيب لو لم نقل بأنّ هذا الحديث مما يدل على عدم اعتبار الترتيب.

بناء على اعتبار الترتيب.

فائدة: خبر اللمعة لا ينافي ما ثبت من عدم السهو و النسيان بالنسبة إلى المعصوم عليه السلام، لإمكان أنه عليه السلام أخر غسل ذلك المحل عمدا لمصلحة، فعجل القائل له عليه السلام، و مثله ما عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن عليّ عليه السلام: «انّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله اغتسل من جنابة، فإذا لمعة من جسده لم يصبها ماء فأخذ صلى اللَّه عليه و آله من بلل شعره فمسح ذلك الموضع ثمَّ صلّى بالناس»٥۳.

أما وجوب غسل تمام المحتملات، فللعلم الإجمالي. و أما الترتيب فلما تقدم.

فرعان- (الأول): لا إشكال في تحقق الترتيب فيما إذا غسل الأيمن بعد الفراغ من غسل الرأس و الرقبة. و غسل الأيسر بعد الفراغ من غسل الأيمن، و لو كان الترتيب قصديا فقط، فإن كان داخل الماء و قصد غسل رأسه و رقبته أولا، و الأيمن بعده، و الأيسر بعد الأيمن و كان ذلك في آن واحد من دون صدور فعل منه فهل يتحقق الترتيب به أو لا؟ وجهان.

(الثاني): لو أخذ قطنا أو خرقة طاهرة و غمسها في الماء و مسح رأسه و رقبته أولا، ثمَّ على الأيمن، ثمَّ على الأيسر بحيث حصل غسل جميع البدن عرفا يصح و يجزي.

الثانية: الارتماس (۲٦) و هو: غمس تمام البدن في الماء دفعة واحدة عرفية (۲۷)، و اللازم أن يكون تمام البدن تحت الماء في آن واحد (۲۸) و إن كان غمسه على التدريج (۲۹)، فلو خرج بعض بدنه قبل أن ينغمس البعض الآخر لم يكف (۳۰) كما إذا خرجت رجله، أو دخلت في الطين قبل أن يدخل رأسه في الماء، أو بالعكس، بأن خرج رأسه‏ من الماء قبل أن تدخل رجله. و لا يلزم أن يكون تمام بدنه أو معظمه خارج الماء بل لو كان بعضه خارجا فارتمس كفي (۳۱)، بل لو كان تمام بدنه تحت الماء، فنوى الغسل و حرك بدنه كفي على الأقوى (۳۲)، و لو تيقن بعد الغسل عدم انغسال جزء من بدنه وجبت الإعادة (۳۳)، و لا يكفي غسل ذلك الجزء فقط (۳٤) و يجب تخليل الشعر إذا شك في وصول الماء إلى البشرة التي تحته (۳٥).

للنصوص، و الإجماع، و العمومات مثل قول الصادق عليه السلام:

«كلّ شي‏ء أمسسته الماء، فقد أنقيته»٥4.

و قول أبي جعفر عليه السلام: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه»٥٥.

و قول الصادق عليه السلام: «في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتّى سال على جسده أ يجزيه ذلك؟ قال: نعم»٥٦.

و في صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام: «و لو أنّ رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك»٥۷.

و قوله عليه السلام في خبر الحلبي: «إذا اغتمس الجنب في الماء اغتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله»٥۸.

و لا ريب في ظهورها في سقوط الترتيب حينئذ، مضافا إلى الإجماع على عدم اعتباره في الغسل الارتماسي، فلا يعتبر فيه شي‏ء غير استيلاء الماء على الجسد بأيّ نحو اتفق سواء كان من الرأس إلى القدم أو بالعكس أو بنحو آخر.

ثمَّ إنّ الارتماس و الغسل تارة: يتحققان في آن واحد دقيّ عقليّ، كما إذا قصد الغسل في الآن الذي يتحقق فيه استيلاء الماء على تمام الجسد.

و أخرى: يكون كلاهما تدريجيّا، كما إذا دخل متدرجا حتّى استولى الماء عليه و قصد الغسل كذلك.

و ثالثة: يكون الغسل آنيّا و الاستيلاء تدريجيّا، كما إذا دخل في الماء متدرجا و قصد الغسل في آن استيلاء الماء على الجسد.

و رابعة: يكون بالعكس، كما إذا استولى الماء على تمام جسده و كان على بدنه حاجب، فإزالة متدرجا و كان قاصدا للغسل حينئذ، و مقتضى الإطلاقات و العمومات صحة الجميع. فما عن المحقق الثاني من تشديد الإنكار على القسم الأول، فإن أراد عدم احتماله ثبوتا. فلا ريب في ضعفه. و إن أراد عدم الانحصار فيه، فهو حق، فيكون الغسل الارتماسي إما آنيّ الحصول لا يتصوّر حدوث الحدث في أثنائه أو تدريجيّا يتصور ذلك فيه.

و ما يقال: من أنّ قوله عليه السلام: «ارتماسة واحدة».

ينافي التدريجية مدفوع أولا: بأنّه لا يستفاد منه أزيد من سقوط الترتيب.

و ثانيا: أنّ المراد الوحدة العرفية غير المنافية للتدريج، كما يقال: قراءة الحمد- مثلا- عمل واحد، و صوم يوم الجمعة عمل واحد، و الوقوف بعرفات واحد إلى غير ذلك من الوحدات العرفية التي لا تنافي التدرج الوجودي. هذا كلّه في الغسل الارتماسي و الارتماس المصدري. و أما إن لوحظ بمعنى اسم المصدر.

فالظاهر عدم تصور التدرج فيه و لكنه ليس مورد التكليف كما لا يخفي.

ثمَّ إنّ الارتماس في الماء، و الانغماس فيه من المبينات اللغوية، و العرفية لا موضوع لبحث الفقيه فيه، فما نسب إلى المشهور من أنّه توالي غمس الأعضاء في الماء بلا تراخ عرفي ليس شيئا زائدا على المعنى المتعارف.

نعم، اعتبار عدم التراخي العرفي، إنما هو لقوله عليه السلام فيما تقدم:

«ارتماسة واحدة» بناء على صدق الارتماس على ما إذا ارتمس متراخيا، و إلا فالوحدة معتبرة في صدق المعنى العرفي أيضا.

فروع- (الأول): تعتبر الموالاة في الغسل الارتماسي، لاعتبار الوحدة العرفية فيه.

(الثاني): لا ريب في كون نفس الغسل متقوما بالقصد، و أما الترتيبية و الارتماسية، فلا دليل على كونهما قصديان و حينئذ، فلو كان غافلا عن استيلاء الماء على تمام بدنه و قصد الغسل يجزي إن تحقق الاستيلاء واقعا و كذا لو غسل رقبته أولا، ثمَّ الأيمن ثمَّ الأيسر قاصدا للغسل يجزي، و لو كان جاهلا بالترتيب، أو غافلا عنه.

(الثالث): يجوز أن يغسل بعض الأعضاء بالارتماس في الماء و البعض الآخر بصب الماء عليه في الخارج، لإطلاق الأدلة و أنّ المقصود كلّه وصول الماء إلى البشرة بأي وجه اتفق.

(الرابع): لا يعتبر في الغسل الارتماسي أن يكون الارتماس في الماء بالعمد و الاختيار، فلو القي في الماء بلا اختيار و قصد الغسل حين الإلقاء صح و كفي.

(الخامس): لا يعتبر فيه أن يكون الارتماس من الغاسل، فلو جرى عليه الماء أو من المطر أو الدوش بحيث صار مرتمسا فيه و قصد الغسل أجزأ. كما لا يعتبر فيه وحدة الماء، فلو كان واقفا في الماء إلى وسطه و جرى عليه من فوقه بحيث استولى عليه الماء و نوى الغسل صح و أجزأ أيضا.

(السادس): لو كان داخلا في الماء و خرج منه و كان الماء باقيا على تمام بدنه يصح منه الغسل الترتيبي بأن يدلك ذلك الماء الباقي على رأسه و رقبته ثمَّ الأيمن، ثمَّ الأيسر و هل يصح منه الغسل الارتماسي، لفرض استيلاء الماء على تمام البدن؟ وجهان.

(السابع): لو لم يكن الماء مباحا حين الارتماس و رضي صاحبه بعد الدخول في الماء يصح قصد الغسل بعد الدخول و يجزي و لو كان بالعكس، فلا يصح إلا إذا قصد الغسل بنفس الارتماس.

(الثامن): لا يعتبر الاستقرار حين الغسل مطلقا، فيصح الغسل حال المشي و عدم الاستقرار ترتيبا أو ارتماسا.

لأنّها المنساق من الأدلة المنزلة على العرفيات لا الدقيقات العقلية.

بلا إشكال فيه إذا قصد الغسل الآنيّ الحصول. و أما لو قصد الغسل التدريجي، فهو حينئذ يكون- كنفس الارتماس- تدريجيا.

المراد بالتدريج التدريج المتعارف، لما مر من تنزل الأدلة عليه لأنّ للتدريج مراتب متفاوتة جدا و لا بد أن يراد العرفي منها.

لعدم تحقق ارتماس تمام البدن في الماء لا بنحو التدريج و لا في آن واحد، فلا وجه للأجزاء.

للأصل، و الإطلاقات، مع عدم إشارة إلى اعتبار ذلك في هذا الأمر العام البلوى، بل ظاهر قوله عليه السلام: «الجنب ما جرى عليه الماء من جسده قليله و كثيره فقد أجزأه»٥۹.

و قوله عليه السلام: «ما جرى عليه الماء فقد طهر»٦۰.

و قوله عليه السلام: «كلّ شي‏ء أمسسته الماء فقد أنقيته»٦۱. أنّ المناط كلّه وصول الماء إلى الجسد بأيّ وجه اتفق و الرمس و الغمس و نحو ذلك من طرق الإيصال لا أن يكون له موضوعية خاصة، فما نسب إلى المشهور من اعتباره لا دليل عليه.

للأصل، و الإطلاق. و استدل على وجوب التحريك تارة: بأنّ الغسل أمر وجوديّ، فما لم يصدر شي‏ء من الغاسل لا يصدق عليه الغسل.

و فيه: أنّ البقاء تحت الماء بقصد الغسل أمر وجودي يصح صدقه عليه شرعا و عرفا. و اخرى: بأنّ الجريان معتبر في مفهوم الغسل، فتجب الحركة مقدمة له. و فيه: أنّ المناط كلّه استيلاء الماء على البدن جري أو لا، مع أنّ سطوح الماء تتحرك بمجرد الدخول فيه إلى أن يخرج منه، و على فرض اعتباره لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك. و ثالثة: بقول أبي جعفر عليه السلام: «ما جرى عليه الماء فقد طهر».

و فيه: أنّه من باب المثال لا الخصوصية، لإطلاق قول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «كلّ ما أمسسته الماء فقد أنقيته» و قوله عليه السلام: «يكفيك من الغسل و الاستنجاء ما بلت (ملئت) يمينك»٦۲.

و قوله عليه السلام: «إنّما يكفيك مثل الدهن‏٦۳، و لو اكتفي القائل باعتبار الجريان بمثل ذلك أيضا، فلا نزاع في البين.

فتلخص: أنّه لو كان في داخل الماء و نوى الغسل، لصح و كفي. و لا يعتبر الخروج و الحركة.

لوجوب غسل تمام البدن و المفروض عدم تحققه، فلا وجه للصحة.

لظهور أدلة الغسل الارتماسي في كونه عملا واحدا و غسل واحدا لا تعدد فيه سواء كان آنيا أو تدريجيا. و عن القواعد و المستند الاكتفاء بغسل ذلك الجزء فقط مطلقا، لإطلاق قوله عليه السلام: «ما جرى عليه الماء فقد أجزأه»٦4، و لصحيح زرارة: «قلت له: رجل ترك بعض ذراعه أو بعض جسده من غسل جنابته، فقال عليه السلام: إذا شك و كانت به بلّة و هو في صلاته مسح بها عليه و إن كان استيقن رجع، فأعاد عليها ما لم يصب بلة»٦٥. و فيه: أنّ الأول ليس في مقام بيان هذه الجهة و الثاني محمول على الغسل الترتيبي.

لإطلاق أدلة وجوب غسل البشرة، و لقاعدة الاشتغال. و هذا الوجوب مقدمي لتحصيل العلم بالفراغ.

و لا فرق في كيفية الغسل بأحد النحوين بين غسل الجنابة و غيره. من سائر الأغسال الواجبة و المندوبة (۳٦). نعم، في غسل الجنابة لا يجب الوضوء، بل لا يشرع، بخلاف سائر الأغسال كما سيأتي إن شاء اللّه.

للإجماع، و قاعدة إلحاق كلّ مندوب بالواجب ما لم يدل دليل على‏ الخلاف. و يأتي في [مسألة ۲٥] من أحكام الحائض و في الأغسال الفعلية [مسألة ٤] حكم بقية المسألة.

(مسألة ۱): الغسل الترتيبي أفضل من الارتماسي (۳۷).

لأنّ الاهتمام في الترتيبي بالعمل أكثر من الاهتمام به في الارتماسي و اقتداء بعليّ عليه السلام أنّه كان لا يرد عليه أمران فيهما رضاء اللّه تعالى الا و اختار أشدهما على نفسه‏٦٦ و في المرسل: «أفضل الأعمال أحمزها». و إن كان الكل قابلا للخدشة، و لكن يكفي للاستحباب مسامحة.

(مسألة ۲): قد يتعيّن الارتماسي كما إذا ضاق الوقت عن الترتيبي، و قد يتعيّن الترتيبي كما في يوم الصوم الواجب و حال الإحرام (۳۸)، و كذا إذا كان الماء للغير و لم يرض بالارتماس فيه (۳۹).

لتعين أحد فردي التخيير بعد عدم التمكن من الفرد الآخر.

لحرمة الارتماسي حينئذ، لأنّه تصرف في مال الغير بغير إذنه، فيبطل الغسل. و قد يتعيّن الارتماسي كما لو اذن في الارتماسي و لم يرض بالترتيبي.

(مسألة ۳): يجوز في الترتيبي أن يغسل كلّ عضو من أعضائه الثلاثة بنحو الارتماس، بل لو ارتمس في الماء ثلاث مرات- مرة بقصد غسل الرأس، و مرة بقصد غسل الأيمن و مرة بقصد الأيسر- كفى. و كذا لو حرك بدنه تحت الماء ثلاث مرات، أو قصد بالارتماس غسل الرأس و حرك بدنه تحت الماء بقصد الأيمن و خرج بقصد الأيسر. و يجوز غسل واحد من الأعضاء بالارتماس و البقية بالترتيب، بل يجوز غسل بعض كلّ عضو بالارتماس و بعضه الآخر بإمرار اليد (٤۰).

كلّ ذلك، لإطلاق الأدلة، و أنّ المناط كلّه إصابة الماء و البلة إلى الجسد بأي وجه اتفق.

(مسألة ٤): الغسل الارتماسي يتصوّر على وجهين (٤۱). (أحدهما): أن يقصد الغسل بأول جزء دخل في الماء و هكذا إلى الآخر، فيكون حاصلا على وجه التدريج. (الثاني): أن يقصد الغسل حين استيعاب الماء تمام بدنه، و حينئذ يكون آنيا. و كلاهما صحيح، و يختلف باعتبار القصد (٤۲)، و لو لم يقصد أحد الوجهين صح أيضا و انصرف إلى التدريجي (٤۳).

تقدم أنه على أربعة أوجه و الكلّ صحيح، لإطلاق دليل الارتماس الصادق على الجميع.

و لا يعتبر قصد الارتماسية و الترتيبية، بل يكفي مجرد قصد الغسل فإذا قصد أصل الغسل فبأيّ وجه تحقق الارتماس عن قصد أو غيره يصح و يجزي.

لأنّ الظاهر أنّ الارتماسات الخارجية تدريجية الا أن يقصد الخلاف، فهذا الانصراف ليس من قبيل الانصراف اللفظي، بل هو من قبيل ظاهر حال الغاسل.

(مسألة ٥): يشترط في كلّ عضو أن يكون طاهرا حين غسله (٤٤)، فلو كان نجسا طهّره أولا، و لا يكفي غسل واحد لرفع‏ الخبث و الحدث، كما مر في الوضوء و لا يلزم طهارة جميع الأعضاء.قبل الشروع في الغسل (٤٥) و إن كان أحوط (٤٦).

البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل. و أخرى: من الاستظهار. و ثالثة: من جهة الإجماع و الأخبار.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم اعتبار هذا الشرط سواء كان الوجوب نفسيا أو غيريا، لأنّ المرجع في كلّ منهما البراءة بعد فقد الدليل، كما ثبت في الأصول بلا فرق بين كون الواجب نفس الأفعال أو الأثر الحاصل منها، لأنّ الأثر مطلوب‏ بتعلق التكليف به بحسب ما وصل إلينا من الأدلة لا من حيث إنّه مبهم و مجمل إذ التكليف بالمبهم و المجمل قبيح.

و أما الثاني: فغاية ما قيل فيه: أنّ الغسل بقصد رفع الحدث و الخبث من التداخل و الأصل عدمه. و أنّ الماء بمجرد وصوله إلى المحل المتنجس ينفعل فلا يرفع به الحدث و كلاهما ممنوعان.

أما الأول، فلأنّ رفع الخبث ليس قصديا، بل هو وضعي قصد و التفت إليه الشخص أولا، بل لو قصد العدم يحصل الرفع أيضا مضافا إلى إطلاق أدلة غسل الأخباث الشامل لما إذا قصد به رفع الحدث أيضا.

و أما الثاني، فلا مانع في العقل و الشرع في أن يرد الماء على المحل المتنجس و يزيل الخبث و يحصل به رفع الحدث أيضا و يكون الماء متنجسا بعد الانفصال عن البدن و تقدم في الغسالة و الوضوء ما ينفع المقام.

و أما الأخير، فعن الغنية الإجماع على اعتبار طهارة المحل قبل إجراء ماء الغسل عليه. و فيه: عدم اعتباره، لأنّ المسألة ذات أقول مع أنهم يعللون الإجماع بعلل اجتهادية.

و أما الأخبار، ففي صحيح زرارة: «ثمَّ بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثمَّ صب على رأسه ثلاث أكف»٦۷.

و قوله عليه السلام: «ثمَّ تفرغ بيمينك على شمالك، فتغسل فرجك و مرافقك ثمَّ تمضمض و استنشق ثمَّ تغسل جسدك»٦۸.

و في صحيح البزنطي: «ثمَّ اغسل ما أصابك منه ثمَّ أفض على رأسك و جسدك»٦۹.

و في صحيح الحكم: «ثمَّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمَّ اغسل فرجك و أفض على رأسك و جسدك فاغتسل»۷۰.

إلى غير ذلك مما وقع فيه مثل هذه التعبيرات.

و فيها أولا: أنّه لو بنى على العمل بظاهرها، لوجب غسل الجسد من الأذى أولا ثمَّ غسل الفرج- كما في صحيح الحكم- و هو خلاف الإجماع.

و ثانيا: أنّها في مقام بيان رفع عين النجاسة عن الجسد و المحل و لا كلام فيه عند أحد و هو يجزي في كلّ عضو عند إرادة غسله.

و ثالثا: أنّ ذكر ذلك في عداد المندوبات أمارة الندب، فيستحب قبل الشروع في الغسل المضمضة، و الاستنشاق، و غسل اليدين، و رفع الموانع و لا كلام فيه من أحد. فلم يتم دليل معتبر على غسل النجاسة الحكمية عن كلّ عضو قبل الشروع في غسله، فكيف بوجوب إزالة النجاسة عن العضو اللاحق قبل الشروع في غسل العضو السابق، فلو كانت النجاسة الحكمية مما يكفي في رفعها إجزاء الماء مرة يجزي إجراء الماء على العضو بقصد الغسل و تزول النجاسة قهرا قصد ذلك أو لا. نعم، لو كان لها عين وجبت إزالة العين قبل الشروع في الغسل، و لكن الأحوط ما ذكر في المتن مطلقا و لا يترك.

و قد يستدل على اعتبار التطهير قبل الشروع في الغسل، بما ورد من أنّ غسل الميت مثل غسل الجنابة۷۱.

و فيه: ما مر من انّ المماثلة إنّما هي من جهة أصل الوجوب، و أما سائر الخصوصيات فلا يستفاد منه، مع أنّ المنساق منها أنّ أحكام غسل الجنابة ثابتة لغسل الميت دون العكس.

لأصالة البراءة بعد قصور ما ذكر من الأدلة عن إثباته، و تشهد له المرتكزات العرفية إذ لا يرى الناس بفطرتهم إزالة القذارة عن الرجل- مثلا- شرطا لصحة التنظيف و لا يرونه مطلوبا نفسيا حين غسل الرأس و في الصحيح الوارد في كيفية غسل الجنابة: «فإن كنت في مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك، و إن كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك»۷۲. و هو كالصريح في عدم اعتبار طهارة الرجل حين غسل بقية الأعضاء.

خروجا عن خلاف من أوجبه، و ادعى الإجماع عليه. و لكن عن الحليّ أنّ ذلك من الآداب و السنن بغير خلاف، و عن كشف اللثام أنّه من باب الاولى قطعا.

(مسألة ٦): يجب اليقين بوصول الماء إلى جميع الأعضاء (٤۷) فلو كان حائل وجب رفعه، و يجب اليقين بزواله مع سبق وجوده (٤۸) و مع عدم سبق وجوده يكفي الاطمئنان بعدمه (٤۹) بعد الفحص.

إجماعا، و نصّا فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «تحت كلّ شعرة جنابة»۷۳.

و لقاعدة الاشتغال.

لقاعدة الاشتغال مقدمة لوصول الماء إلى البشرة.

لحرمة الارتماسي حينئذ، لأنّه تصرف في مال الغير بغير إذنه، فيبطل الغسل. و قد يتعيّن الارتماسي كما لو اذن في الارتماسي و لم يرض بالترتيبي.

(مسألة ۷): إذا شك في شي‏ء أنّه من الظاهر أو الباطن يجب‏ غسله (٥۰)، على خلاف ما مر في غسل النجاسات (٥۱) حيث قلنا بعدم وجوب غسله. و الفرق أنّ هناك الشك يرجع إلى الشك في تنجسه بخلافه هنا حيث إنّ التكليف بالغسل معلوم، فيجب تحصيل اليقين بالفراغ. نعم، لو كان ذلك الشي‏ء باطنا سابقا و شك في أنّه صار ظاهرا أم لا فلسبقه بعدم الوجوب لا يجب غسله عملا بالاستصحاب (٥۲).

إن كان الوجوب، لأجل التمسك بالعمومات، و الإطلاقات، فهو من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية إذ الواجب غسل الظاهر دون غيره. و إن كان لأجل قاعدة الاشتغال، فالمقام من الأقل و الأكثر المتسالم فيه الرجوع إلى البراءة دون الاحتياط- كما ثبت في محله. و ان كان لأجل أنّ وجوب تحصيل الطهارة معلوم و الشك في المحصّل، فوجب الغسل. ففيه: أنّ الطهارة المعلومة تحصيلها ما كانت مستفادة من الأدلة البيانية لا بنحو الإهمال و الإجمال إذ لا معنى للتكليف بالمجمل عقلا و لا يستفاد منها إلا غسل الظاهر فقط، فيرجع في غيره إلى البراءة، فلا وجه للجزم بالوجوب و قد احتاط رحمه اللّه في الوضوء مع اتحاد المدرك فيهما.

راجع العاشر من المطهرات.

يعني استصحاب عدم وجوب غسل هذا المحلّ الخاص، فلا يكون مثبتا. نعم، لو توقف على إثبات كونه باطنا، فهو مثبت و لا اعتبار به، كما لا اعتبار بالاستصحاب في الشبهة المفهومية، لأنه من الاستصحاب في المفهوم المردد و قد ثبت عدم الاعتبار به و لا بأس بجريان الاستصحاب التعليقي كما لا بأس بجريان أصالة البراءة. لكونه من مصاديق الأقل و الأكثر فإنّ غسل بقية الأعضاء معلوم الوجوب و الشك إنما هو في خصوص هذا الجزء.

و أما قاعدة الاشتغال فلا فرق فيها بين المقام و بين ما إذا شك في شي‏ء أنه من الظاهر أو الباطن، و تقدم عدم كون المقام من موارد جريانها. الا أن يقال:

إنّ عدم إيجاب الاحتياط في مثل المقام يفضي إلى التسامح و التساهل فيما يكون واجبا، فيجب الاحتياط من هذه الجهة. و فيه تأمل.

(مسألة ۸): ما مر من أنه لا يعتبر الموالاة في الغسل الترتيبي إنّما هو فيما عدا غسل المستحاضة، و المسلوس، و المبطون، فإنّه يجب فيه المبادرة إليه و إلى الصلاة بعده من جهة خروج الحدث (٥۳).

لأنّ ما تقدم إنّما هو بحسب نفس حكم الموالاة في الغسل من حيث هو مع قطع النظر عن جهة أخرى و الا فقد يجب.

ثمَّ إنّ هذا مع وجود الفترة الواسعة للصلاة و أما مع استمرار الحدث مطلقا، فلا وجه لوجوب الموالاة. إلا أن يستأنس ذلك ما ورد في المستحاضة من الجمع بين الصلاتين و قد تقدم في المسلوس و المبطون بعض الكلام و يأتي في المستحاضة ما ينفع المقام.

(مسألة ۹): يجوز الغسل تحت المطر و تحت الميزاب ترتيبا لا ارتماسا (٥٤). نعم، إذا كان نهر كبير جاريا من فوق على نحو الميزاب‏ لا يبعد جواز الارتماس تحته أيضا إذا استوعب الماء جميع بدنه على نحو كونه تحت الماء.

أما جواز الغسل ترتيبا، فلعلّه من الضروريات، إذ المقصود إيصال الماء إلى الجسد مع الترتيب، و لا ريب في إمكان ذلك بالمطر و ما يسمى في هذه الأعصار ب (دوش). و أما جواز الارتماس و عدمه، فالظاهر أنّ النزاع فيه صغرويّ، فإن كان المطر غزيرا بحيث صدق استيلاء الماء على البدن دفعة واحدة عرفية، فيجوز و الا فلا، و كذا النهر الجاري من الفوق و الدوش.

و أما صحيح ابن جعفر: «عن الرجل تصيبه الجنابة و لا يقدر على الماء، فيصيبه المطر، أ يجزيه ذلك أو عليه التيمم؟ فقال عليه السلام: إن غسله أجزأه و الا تيمم»۷4.

و نحوه غيره، فلا يمكن الأخذ بإطلاقه، لعدم كونه واردا مورد البيان من هذه الجهة، بل يكون مفاده رفع الحظر عن الاغتسال بالمطر و لا يستفاد منه أكثر من ذلك و حينئذ فمع غزارة المطر بحيث يصدق استيلاء الماء دفعة واحدة يصح ارتماسا و الا فيصح ترتيبا قطعا.

(مسألة ۱۰): يجوز العدول عن الترتيب إلى الارتماس في الأثناء، و بالعكس، لكن بمعنى رفع اليد عنه و الاستئناف على النحو الآخر (٥٥).

رفع اليد عن الارتماسي و الإتيان بالترتيبي لا محذور فيه، لعدم تحقق الغسل الارتماسي إلا باستيلاء الماء على تمام أجزاء البدن و بعد رفع اليد عنه في الأثناء و الإتيان بالترتيبي لا يتحقق موضوع الارتماس أصلا.

و أما في الترتيبي، فإن قلنا بأنّ رفع اليد عنه يوجب بطلان ما أتى به، و لغويته، أو قلنا بأنّ الغسل الارتماسي الذي هو في مقابل الترتيبي لا يجب أن يكون بالنسبة إلى تمام الأعضاء، بل يجزي إلى غير المغسول سواء كان تمامها أو بعضها، فيصح و لا إشكال فيه أيضا، و إلا فهو مشكل و طريق الاحتياط أنّه إن كان بعد الفراغ عن غسل الرأس و الرقبة أن يرتمس مرتين بعنوان التكليف الواقعي و إن كان بعد الفراغ عن الطرف الأيمن فمرة كذلك و يأتي نظير المقام في [مسألة ۱۲] من الفصل اللاحق.

(مسألة ۱۱): إذا كان حوض أقل من الكر يجوز الاغتسال فيه بالارتماس مع طهارة البدن (٥٦)، لكن بعده يكون من المستعمل في رفع الحدث الأكبر (٥۷)، فبناء على الإشكال فيه يشكل الوضوء و الغسل منه بعد ذلك، و كذا إذا قام فيه و اغتسل بنحو الترتيب بحيث رجع ماء الغسل فيه (٥۸)، و أما إذا كان كرّا أو أزيد فليس كذلك. نعم، لا يبعد صدق المستعمل عليه إذا كان بقدر الكر لا أزيد و اغتسل فيه مرارا عديدة، لكن الأقوى كما مر جواز الاغتسال و الوضوء من المستعمل.

لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة لا محالة.

لأنّه عبارة عن كلّ ماء استعمل في رفع الجنابة و نحوها بلا فرق بين ورود الجنب عليه و الاغتسال فيه و خروجه منه و بين ورود الماء على بدن الجنب بعنوان الغسل و انفصاله عنه‏

بشرط الانفصال عن البدن، و عدم الاستهلاك، و الا فلا يكون من المستعمل- كما أنه لا بد من تقييد قوله رحمه اللّه: «لا يبعد صدق المستعمل عليه» بما إذا نقص عن الكريّة بالاغتسال فيه و الا فلا يكون من المستعمل ما دام اعتصامه بالكريّة- و قد تقدم في (فصل الماء المستعمل) تمام الكلام، فراجع.

(مسألة ۱۲): يشترط في صحة الغسل ما مر من الشرائط في الوضوء (٥۹): من النية، و استدامتها إلى الفراغ، و إطلاق الماء و طهارته، و عدم كونه ماء الغسالة، و عدم الضرر في استعماله، و إباحته، و إباحة ظرفه، و عدم كونه من الذهب و الفضة، و إباحة مكان الغسل، و مصب مائه، و طهارة البدن، و عدم ضيق الوقت، و الترتيب في الترتيبي، و عدم حرمة الارتماس في الارتماسي منه- كيوم الصوم، و في حال الإحرام- و المباشرة في حال الاختيار. و ما عدا الإباحة و عدم كون الظرف من الذهب و الفضة، و عدم حرمة الارتماس من الشرائط واقعي لا فرق فيها بين العمد، و العلم (٦۰)، و الجهل، و النسيان، بخلاف المذكورات، فإنّ شرطيتها مقصورة على حال العمد و العلم (٦۱).

أما النية و استدامتها، فلاعتبارهما في كلّ عبادة و الغسل عبادة إجماعا.

و أما إطلاق الماء و طهارته، فبضرورة المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها، مضافا إلى ما تقدم في الوضوء غير المختص به.

و أما عدم كونه ماء الغسالة فتقدم في (فصل الماء المستعمل).

و أما عدم الضرر في استعماله، فيأتي في الرابع من (مسوغات التيمم).

و أما إباحة الظرف و عدم كونه من الذهب أو الفضة، فلأن استعمال المغصوب و آنية الذهب و الفضة حرام، و النهي في العبادة يوجب الفساد على تفصيل تقدم في الوضوء۷٥– كما أنّه تقدم وجه اشتراط طهارة البدن- و يأتي في السابع من مسوغات التيمم اعتبار عدم ضيق الوقت للطهارة المائية.

و أما اعتبار عدم حرمة الارتماس في الارتماسي، فلأنه مع حرمته يكون منهيّا عنه، و النهي في العبادة يوجب الفساد، و يأتي في السابع من المفطرات في كتاب الصوم الفروع المتعلقة بالمقام

و أما اعتبار المباشرة في حال الاختيار، فلظهور الإجماع مضافا إلى ظهور الأدلة و يجري فيه ما تقدم في الشرط التاسع من (فصل شرائط الوضوء)، لظهور الإجماع على اتحاد الوضوء، و الغسل في جميع الشرائط إلا ما خرج بالدليل.

فرع: الظاهر كفاية نية الغسل و لو لم يقصد الجنابة، لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن اعتبار هذا القيد و يأتي في مسألة تداخل الأغسال ما ينفع المقام.

لأنّ مقتضى تقيد شي‏ء جزءا أو شرطا أن يكون واقعيا الا ما خرج بالدليل، و قد جعل من القواعد العقلية قولهم: «المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه» و «المشروط ينتفي بانتفاء شرطه» و مقتضى الشرطية الواقعية عدم الفرق بين العلم و الجهل و العمد و العذر و غيرها، فيبطل المشروط بانتفاء الشرط في الجميع.

لأنّ الشرطية فيها منتزعة من التكليف النفسي المستقل الذي لا تنجز له الا في صورة العلم و العمد، فلا موضوع لانتزاع الشرطية في غيرها و الظاهر أن الضرر أيضا كذلك- كما تقدم في [مسألة ۳۲] من (فصل أحكام الجبائر)، و يأتي في [مسألة ۹۱] من فصل التيمم فراجع.

و يشترط في الغسل أيضا أن لا يكون في المسجد، لما تقدم من حرمة دخول الجنب في المسجدين و حرمة مكثه في سائر المساجد و هذا الشرط أيضا مختص بحال العلم و العمد.

(مسألة ۱۳): إذا خرج من بيته بقصد الحمام و الغسل فيه فاغتسل بالداعي الأول، لكن كان بحيث لو قيل له حين الغمس في الماء: ما تفعل؟ يقول: أغتسل، فغسله صحيح، و أما إذا كان غافلا بالمرة بحيث لو قيل له: ما تفعل؟ يبقى متحيّرا فغسله ليس بصحيح (٦۲).

أما الصحة في الأول، فلوجود الداعي الواقعي. و لا دليل على اعتبار الالتفات الفعلي إليه، بل مقتضى الأصل عدمه. و أما عدم الصحة في الأخير، فلفقد الداعي، و لكن الظاهر أنّه يختلف باختلاف الحالات، إذ ربما يكون أصل الداعي موجودا و لكن عروض عارض يكون موجبا للتحير عن الجواب عند السؤال عنه.

(مسألة ۱٤): إذا ذهب إلى الحمام ليغتسل و بعد ما خرج شك في أنّه اغتسل أم لا؟ يبني على العدم، و لو علم أنّه اغتسل لكن شك في أنّه على الوجه الصحيح أم لا؟ يبني على الصحة (٦۳).

لأصالة العدم في الأول إلا إذا حصل الاطمئنان بالإتيان من القرائن.

و لقاعدة الفراغ في الثاني إلا إذا حصل الاطمئنان بالبطلان من القرائن.

(مسألة ۱٥): إذا اغتسل باعتقاد سعة الوقت، فتبيّن ضيقه و أنّ وظيفته كانت هي التيمم، فإن كان على وجه الداعي يكون صحيحا (٦٤)، و إن كان على وجه التقييد يكون باطلا، و لو تيمم باعتقاد الضيق، فتبيّن سعته ففي صحته و صحة صلاته إشكال (٦٥).

إن كان مراده بالداعي قصد الأمر الفعلي مع الخطأ في التطبيق.

فالصحة مطابقة للقاعدة، لوجود الأمر الفعلي الندبي بالنسبة إلى ذات الغسل و إن كان المراد قصد الأمر الوجوبي القولي، فلا وجه للصحة مطلقا سواء كان بنحو الداعي أو غيره، لعدم الأمر الوجوبي بالنسبة إلى الغسل حتى يصح بعنوان الداعي دون غيره. إلا أن يقال: إنّ قصد الأمر الوجوبي الفعلي لا ينفك عن قصد ذات الغسل و المفروض أنّ الذات مندوب، فيكون مقصودا في الجملة

بل منع- كما يأتي منه رحمه اللّه في [مسألة ۳٤] من فصل التيمم- و لا وجه للصحة إلا احتمال أن يكون من مسوغات التيمم ضيق الوقت و لو اعتقادا، و لا وجه له أصلا.

(مسألة ۱٦): إذا كان من قصده عدم إعطاء الأجرة للحمامي، فغسله باطل (٦٦)، و كذا إذا كان بناؤه على النسيئة من غير إحراز رضى الحمامي بذلك و إن استرضاه بعد الغسل (٦۷)، و لو كان بناؤهما على‏ النسيئة و لكن كان بانيا على عدم إعطاء الأجرة أو على إعطاء الفلوس. الحرام ففي صحته إشكال (٦۸).

بلا إشكال فيه بناء على تقيد الرضاء المعاوضي بإعطاء العوض خارجا إذ لا رضاء مع عدم الإعطاء حينئذ، فيبطل قهرا. و أما إن كان قوام المعارضة بمجرد الربط بين الالتزامين و كان إعطاء العوض خارجا عن ذاتها، فحيث إنه قد وقع الربط بينهما، فيصح و ان اشتغلت الذمة بالعوض هذا. و لكن الظاهر أنّ المتعارف بين الناس في المعاوضات هو القسم الأول فنزل الأدلة عليه أيضا.

أما البطلان في صورة عدم إحراز الرضاء، فلحرمة التصرف في مال الغير مع عدم إحراز رضاه. و أما البطلان حتى لو استرضاه بعد الغسل، فمبني على جريان الفضولية فيما يتعلق بالعبادات و عدمه، فيبطل على الأخير دون الأول و استدل على عدم الجريان بعدم تحقق قصد القربة و انطباق عنوان المبعدية عليه، و إطلاق قوله صلى اللّه عليه و آله: «لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه»۷٦.

و بأنّ الشي‏ء لا يتغير عما وقع عليه.

و الكل مخدوش، لفرض حصول قصد القربة و تحقق سائر الشرائط و انطباق عنوان المبعدية ما دامية لا دائمية فيزول بحصول الإجازة، و الإطلاق لا يشمل صورة لحوق الإجازة، و الإجماع غير متحقق، و الأخير ليس من القواعد المعتبرة، و على فرض كونه كذلك، فمورده الحقائق الأصلية دون الاعتباريات التي تدور مدار الرضا مقارنا كان أو لا حقا، و يشهد للجريان سيرة المتشرعة من أنّه من لم يؤد منهم حقوقه المتعلقة بعين المال كالزكاة، و الخمس، و سهم المبارك حتى بلغ إلى أواخر عمره، ثمَّ وفق لأداء حقوقه و تصفيتها مع الحاكم الشرعي لا يقضي ما صلاه في الثياب و الأمكنة التي اشتراه بعين ما تعلق به الحق، و لا يفتي فقيه بذلك مع ذهاب المشهور إلى الشركة العينية، فلو لم يكن الأداء اللاحق كافيا في الصحة، لاشتهرت الفتوى بالقضاء، مع أنهم لم يتعرضوا لهذه المسألة أبدا.

من تحقق المعاملة ظاهرا، و استقرار العوض في الذمة، فيصح التصرف مع اشتغال الذمة بالعوض. و من إمكان دعوى: عدم ثبوت الرضاء المعاملي واقعا فيما إذا كان الطرف بانيا على عدم الأداء، و المدار على الواقع، مع أنّ الشك في الرضا يكفي في عدم صحة التصرف ما لم يكن أمارة معتبرة على الخلاف.

(مسألة ۱۷): إذا كان ماء الحمام مباحا لكن سخن بالحطب المغصوب لا مانع من الغسل فيه، لأنّ صاحب الحطب يستحق عوض حطبه، و لا يصير شريكا في الماء، و لا صاحب حق فيه (٦۹).

لأصالة عدم حصول شركة مالية، و لا ثبوت حق له فيه، و إشعال الحطب إتلاف له عرفا و الحرارة من الأثر المحض، فلا توجب الشركة و لا الحق.

نعم، لو كانت مثل الصبغ من الأثر المشوب بالعينية توجب الشركة في المالية.

و لكنّها ليست كذلك، لأنّ الصبغ إتلاف له في الثوب و إشعال الحطب إتلاف له في نفسه و يستلزم ذلك حرارة الماء.

(مسألة ۱۸): الغسل في حوض المدرسة لغير أهله مشكل بل غير صحيح، بل و كذا لأهله، إلا إذا علم عموم الوقفية أو الإباحة (۷۰).

لأصالة عدم صحة التصرف الا مع القرينة المعتبرة عليها، و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموارد. و تقدم في [مسألة ۸] من (فصل شرائط الوضوء) ما ينفع المقام، فراجع.

(مسألة ۱۹): الماء الذي يسبّلونه يشكل الوضوء و الغسل منه الا مع العلم بعموم الإذن (۷۱).

ظهر وجه ذلك ما تقدم.

(مسألة ۲۰): الغسل بالمئزر الغصبي باطل (۷۲).

مع استلزام التصرف بأفعال الغسل و لو بالتسبيب. و أما مع عدمه، كما إذا دخل في الماء و صبر قليلا حتّى تسكن حركة الماء ثمَّ اغتسل، يصح غسله.

(مسألة ۲۱): ماء غسل المرأة من الجنابة، و الحيض، و النفاس،- و كذا أجرة تسخينه إذا احتاج إليه- على زوجها على الأظهر، لأنه يعدّ جزءا من نفقتها (۷۳).

لأنّ المرجع في النفقة هو المتعارف بين الناس و هم يعدونه من النفقات، بل هو أولى بكونه منها من بعض فضول المعاش التي استقرت السيرة على كونه من النفقات الواجبة. و التفصيل بين ما يرجع إلى المعاش فيكون منها و ما يرجع إلى المعاد، فلا يكون منها، بلا دليل بل المدار على المتعارف لقوله‏ تعالى‏ وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏۷۷ معاشيا كان أو معاديا. و يمكن أن تعد جملة من هذه التطهيرات من لوازم الأمور المعاشية، و مع الشك، فالمرجع أصالة البراءة بعد عدم جواز التمسك بالأدلة في الشبهات الموضوعية. و كذا الكلام في ماء الوضوء و مثل السبحة و التربة.

(مسألة ۲۲): إذا اغتسل المجنب في شهر رمضان أو صوم غيره أو في حال الإحرام ارتماسا نسيانا لا يبطل صومه و لا غسله (۷٤)، و إن كان متعمدا بطلا معا (۷٥)، و لكن لا يبطل إحرامه (۷٦) و إن كان آثما. و ربما يقال: لو نوى الغسل حال الخروج من الماء صح غسله. و هو في صوم رمضان مشكل لحرمة إتيان المفطر بعد البطلان أيضا (۷۷)، فخروجه من الماء أيضا حرام كمكثه تحت الماء، بل يمكن أن.يقال (۷۸): إنّ الارتماس فعل واحد مركب من الغمس و الخروج، فكله حرام، و عليه يشكل في غير شهر رمضان أيضا. نعم، لو تاب ثمَّ خرج بقصد الغسل صح (۷۹).

لعدم فعلية النهي من جهة النسيان، فيصح الغسل قهرا، و حيث إنّه يعتبر في مفطرية المفطرات التعمد و لا تعمد في النسيان، فيصح الصوم لا محالة.

لفعلية النهي، فيكون الارتماس حراما، و النهي في العبادة يوجب البطلان، فيبطل الغسل قهرا، و حيث إنّه يكون عن عمد يتحقق المفطر العمدي فيبطل الصوم أيضا.

لما يأتي في محلّه من أنّ تروك الإحرام تكليفات مستقلة و ليست شروطا في صحة الإحرام بخلاف الصوم، فيصح الإحرام. نعم، يأثم، لمخالفة التكليف النفسي المنجز عليه.

الظاهر أنّ الحرمة بعد الإفطار فيه، لأجل انطباق عنوان هتك شهر رمضان عليه. و في انطباق عنوان الهتك على الخروج إشكال، بل منع، و كذا على المكث مع الإشراف على الخروج. و مع الشك في الصدق فالمرجع أصالة البراءة عن الحرمة.

و لكنّه ضعيف، لكونه خلاف معنى الارتماس لغة، و عرفا و قد علل رحمه اللَّه البطلان في [مسألة ٤4] من كتاب الصوم بغير ذلك فراجع.

لسقوط النهي حينئذ خطابا و ملاكا، فيصح لا محالة و لا وجه للبطلان.

  1. سورة البقرة: ۲۲۲.
  2. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
  3. الوسائل باب: ۱ من أبواب الجنابة حديث: ۱4
  4. تقدم في ج: ۲ صفحة: ۲۸۱.
  5. الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: ۱
  6. سورة المائدة: ٦
  7. الوسائل باب: ٦ من أبواب الجنابة حديث: ۲.
  8. الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  9. الوسائل باب: ۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳۸.
  10. الوسائل باب: ۱ من أبواب الجنابة حديث: ٥.
  11. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ٥
  12. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۸.
  13. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ٥.
  14. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الجنابة حديث: ۱
  15. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الجنابة حديث: ۲.
  16. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الجنابة حديث: ۳.
  17. الوسائل باب: ۲4 من أبواب الجنابة حديث: ٦
  18. الوسائل باب: ۲4 من أبواب الجنابة حديث: ۷.
  19. الوسائل باب: ۲4 من أبواب الجنابة حديث: ۸.
  20. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الجنابة حديث: 4.
  21. الوسائل باب: ۱ من أبواب الجنابة حديث: ٥.
  22. مستدرك الوسائل باب: ۲۷ من أبواب الجنابة حديث: ۳.
  23. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الجنابة حديث: ٥.
  24. الوسائل باب: 4٦ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
  25. الوسائل باب: 4۱ من أبواب الجنابة حديث: ٦
  26. راجع الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة.
  27. راجع ج: ۲ الصفحة: ۳۳۰.
  28. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۲.
  29. الوسائل باب: ۲4 من أبواب الجنابة حديث: ۲
  30. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ٥.
  31. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۲.
  32. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۱
  33. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الجنابة حديث: 4
  34. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الجنابة حديث: ۱.
  35. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب الجنابة حديث: ۲
  36. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الجنابة حديث: ۱.
  37. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۱.
  38. الوسائل باب: ۳ من أبواب غسل الميت.
  39. الوسائل باب: ۳ من أبواب غسل الميت.
  40. راجع الوسائل: ۲ من أبواب غسل الميت.
  41. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب غسل الجنابة حديث: ۸
  42. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب غسل الجنابة حديث: ٦.
  43. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الجنابة حديث: ۲
  44. سورة المائدة: ٦.
  45. صحيح البخاري ج: ۱ صفحة: ٥۳ و في مستدرك الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الوضوء. «انّ اللَّه يحب التيامن في كلّ شي‏ء».
  46. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ٥.
  47. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۸.
  48. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الجنابة حديث: ۱.
  49. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الجنابة حديث: ۲.
  50. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الجنابة حديث: ۳.
  51. الوسائل باب: 4۱ من أبواب الجنابة حديث: ۱.
  52. الوسائل باب: 4۱ من أبواب الجنابة حديث: ۲.
  53. مستدرك الوسائل باب: ۳۰ من أبواب أحكام الجنابة حديث: ۱.
  54. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب أحكام الجنابة حديث: ٥.
  55. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الجنابة حديث: ۳.
  56. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۱4.
  57. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ٥.
  58. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۱٥.
  59. تقدم في صفحة: ۷۱ و في الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة.
  60. تقدم في صفحة: ۷۱ و في الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة.
  61. تقدم في صفحة: ۷۱ و في الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة
  62. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الجنابة حديث: ٥
  63. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الجنابة حديث: ٦.
  64. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب غسل الجنابة حديث: ۲
  65. الوسائل باب: 4۱ من أبواب غسل الجنابة حديث: ۳.
  66. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب غسل الجنابة حديث: ۱۲
  67. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۲.
  68. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ٦
  69. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۷.
  70. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۷.
  71. تقدم في صفحة ٦٥.
  72. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب الجنابة حديث: ۱.
  73. مستدرك الوسائل: باب ۲۷ من أبواب أحكام الجنابة حديث: ۳
  74. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الجنابة حديث: ۱۱.
  75. راجع ج: ۲ صفحة 4۱۹
  76. الوسائل باب: ۳ من أبواب مكان المصلي حديث: ۱
  77. سورة النساء: ۱۹.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"