1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل الأعمال الواجبة المتعلقة
الأعمال الواجبة المتعلقة بتجهيز الميت من الغسل: و التكفين، و الصلاة و الدفن- من الواجبات الكفائية (۱) فهي واجبة على‏ جميع المكلّفين، و تسقط بفعل البعض، فلو تركوا أجمع (۲) أثم الجميع. و لو كان مما يقبل صدوره عن جماعة كالصلاة- إذا قام به جماعة في زمان واحد- اتصف فعل كل منهم بالوجوب (۳). نعم، يجب على غير الولي الاستئذان منه و لا ينافي وجوبه وجوبها على الكل، لأنّ الاستئذان منه (٤) شرط صحة الفعل لا شرط وجوبه (٥).و إذا امتنع الولي من المباشرة و الإذن يسقط اعتبار إذنه (٦). نعم، لو أمكن للحاكم الشرعي إجباره له أن يجبره على أحد الأمرين (۷)، و إن لم يمكن يستأذن من الحاكم. و الأحوط الاستئذان من المرتبة المتأخرة أيضا (۸).

لا بد من بيان أمور في المقام لعلّها تنفع في غير المقام أيضا:

الأول: تجهيز الموتى في الجملة بالنسبة إلى الأحياء من الفطريات في كلّ مذهب و ملة و إن اختلفت في الكيفية بالنسبة إلى المذاهب و الأديان، و لكن يرى الكلّ أنّ ذلك نحو حق من الأموات على الأحياء و من الحقوق البشرية بعضهم على بعض بحيث لو تركوا ذلك يلامون و يوبخون عليه عند العقلاء، بل يطالب ذي الحق حقه يوم القيامة، و عدّ النبي صلّى اللَّه عليه و آله من تلك الحقوق عيادة المريض و شهود الجنازة فضلا عن التجهيزات بعد الموت التي سقطت إرادته و أفعاله بالنسبة إليها، و في الحديث: «إنّ أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا، فيطالبه به يوم القيامة، فيقتضي له و عليه»۱.

(الثاني): يمكن أن يتحقق في تجهيزات المؤمنين- مضافا إلى حق الناس- حق اللَّه تعالى أيضا، فإنّ من حقه تعالى على عباده أن لا يهملوا بعضهم بعضا في شدائدهم و ضرّائهم في حال الحياة أو بعد الممات، و يكشف عن ذلك صحيح ابن جعفر عن أخيه عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلّى اللَّه عليه و آله قال: «يعيّر اللَّه عز و جل عبدا من عباده يوم القيامة فيقول: عبدي ما منعك إذا مرضت أن تعودني؟ فيقول: سبحانك أنت ربّ العباد لا تمرض و لا تألم فيقول:

مرض أخوك المؤمن فلم تعده، و عزتي و جلالي و لو عدته لوجدتني عنده- الحديث-»۲.

و مثله غيره مما هو متفرق في أبواب المجاملات، فتجهيزات أموات المؤمنين تكون مورد الحقين.

الثالث: الأصل في الحقوق المجاملية- واجبة كانت أو لا- المجانية- سواء كانت في زمان حياة من له الحق أو بعد موته- إلا ما خرج بالدليل لأنّ المجاملة تنافي أخذ الأجرة بحسب المتعارف بين الناس، و يأتي تفصيل هذا الإجمال عن قريب إن شاء اللَّه.

الرابع: المناط كلّه- فيما يتعلق بتجهيز الميت- تحقق الوظائف الشرعية بالنسبة إليه خارجا عن أيّ شخص له صلاحية لأنّ يعمل ذلك، فلا يتصوّر وجه معقول للوجوب العيني بالنسبة إليها، فتجهيزات الموتى من إحدى موارد الأمور النظامية التي هي واجبات كفائية، و يكون المطلوب فيها تحققها في الخارج، من دون أن تتعيّن على شخص خاص معيّن، مضافا إلى الإجماع بل الضرورة على أنها من الواجبات الكفائية و لا تنافي بين الوجوب الكفائي و أحقية البعض لا عرفا و لا شرعا و لا عقلا.

الخامس: كلّ عاقل له إرادة إما أن تتوجه إرادته إلى شخص خاص معيّن و بشي‏ء معين مخصوص يسمى ذلك بالعيني. أو تتعلق إرادته بشخص معيّن لكن لا بشي‏ء معين مخصوص، بل بأحد شيئين على البدل- مثلا- و يسمى ذلك بالتخييري، أو تتعلق إرادته لا بشخص معيّن، بل بالكلّ بحيث يكون الخطاب بالنسبة إلى الجميع لكن لو امتثل البعض ينتفي موضوع تكليف البقية فيسقط التكليف قهرا، و يسمّى ذلك بالكفائي و هذه الأقسام من الوجدانيات لكلّ من تأمل في متعلق إرادته و كذا يكون بالنسبة إلى إرادته- تعالى- في تشريع أحكامه، و تجهيزات الميت من القسم الأخير، إجماعا، من الفقهاء، بل من العقلاء، و لظواهر نصوص متفرقة يأتي التعرض لها في المسائل الآتية.

و أشكل عليه تارة: بأنّ الوليّ بالخصوص هو المنساق مما ورد في التجهيزات بواجباتها و مندوباتها، فتكون واجبا عينيا عليه فقط و لا وجه للوجوب الكفائي بالنسبة إلى غيره.

و أخرى: بأنّه لا ريب في اعتبار إذن الوليّ، فلو استفيدت الكفائية من بعض الأدلة لا بد من حملهما على العينية بالنسبة إلى الوليّ، لما دل على اعتبار إذنه.

و ثالثة: بأنّ ثبوت الولاية لأحد من المكلّفين و هو الوليّ يمنع عن ثبوت الوجوب بالنسبة إلى الغير و لو كفائيا لعدم صحة تعليق الوجوب على رأي أحد و اختياره.

و الكل مردود: أما الأولى فلأنّ ظهور الأدلة في الكفائية مما لا ينكر مثل قوله عليه السلام: «لقنوا موتاكم لا إله إلا اللَّه»۳.

و قوله صلّى اللَّه عليه و آله: «لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة»4.

إلى غير ذلك مما يأتي، و لها ظهور عرفي في عدم توجه الخطاب إلى شخص خاص و طائفة مخصوصة، و التشكيك فيها من التشكيك في الواضحات.

و أما الثانية: فلعدم التنافي بين كون شي‏ء واجبا كفائيا مع كونه مشروطا بشرط خاص، فإنّ جميع النظاميات واجبات كفائية مع كونها مشروطة بشرائط خاصة، كإذن الوليّ بالنسبة إلى العبد، و الوالدين بالنسبة إلى الولد، و الزوج بالنسبة إلى الزوجة، و كما في جميع الواجبات التي يتوقف إتيانها على التصرف في ملك الغير إلى غير ذلك من الشروط الخاصة.

و أما الأخيرة، فلا وجه لها أصلا و إن نسب إلى المحقق الثاني، لأنّ التجهيزات واجبة على العموم على كلّ حال و لا يسقط وجوبها بامتناع الوليّ عن الإذن على ما يأتي من التفصيل في المسائل الآتية، و الإذن شرط للواجب لا الوجوب، فهو مطلق بالنسبة إلى الكلّ و إن كان الواجب مشروطا بشروط منها الإذن.

السادس: حيث إنّ تجهيزات الميت لها معرضية عرفية لجملة من الأمور قد تؤدي إلى الجدال و النزاع جعلها الشارع تحت إشراف من يحتفظ به النظام و يدفع به الخصام و هو الوليّ على تفصيل يأتي في (فصل مراتب الأولياء) و هذا نحو عناية خاصة منه جمع فيها بين الحقوق حق الميت و الحق الشخصي للوليّ، و الحق المجاملي النوعي من بني نوع الميت و دفع ما يصلح أن يصير منشأ للخصومة، فهذا الحكم مطابق للفطرة السليمة من أنّه لو تدخل الأجنبي في تجهيز الميت يحق لأهله و وليّه أن يمنعوه، لأنّهم أولى به، بحكم الفطرة و لا ينافي ذلك الوجوب الكفائي على الكل.

السابع: المشهور أنّ مراجعة الوليّ في تجهيزات الميت واجبة، لما يأتي من الأدلة الدالة عليه، و حكي عن جمع استحبابها، للأصل، و ضعف دليل الوجوب سندا أو دلالة، و عسر الاستئذان، و عدم جواز التعطيل.

و الكل مردود: إذا لا مجال للأصل في مقابل الأدلة المعمول بها عند المشهور المطابقة لما جبلت عليه العقول، و لا وجه لضعف الدليل على ما يأتي، كما لا وجه للعسر بالوجدان، و لو لزم من الاستئذان هتك الميت يسقط الاستئذان على تفصيل يأتي.

الثامن: الوجوه المحتملة في لزوم مراجعة الوليّ أربعة:

الأول: كونه من مجرد الحكم التكليفي من دون أن يكون شرطا لصحة العمل، فيجب على الغير الاستئذان منه.

الثاني: أن يكون ذلك شرطا للصحة، فيبطل العمل بدونه، لفقد الشرط- كما في جميع الموارد- و إن استفيد من الأدلة حرمة الاستبداد أيضا، فيصح تعليل البطلان فيما إذا كان العمل عباديا، بأنّ النهي في العبادة يوجب البطلان.

الثالث: أنّه ولاية مجعولة شرعية فقط، و حق كذلك.

الرابع: أنّه نحو حق واقعي كشف عنه الشرع، و قرره كجملة من الحقوق الفطرية البشرية، و لا ثمرة مهمة في المقام بين الاحتمالات الثلاثة الأخيرة، لبطلان العمل من دون الإذن و صحته معه على أيّ تقدير. نعم، الثمرة بين أصل الحق و الحكم ثابتة كما نتعرض لها، و يمكن تأييد الاحتمال الأخير على ما أشرنا إليه سابقا، و يدل عليه قول علي عليه السلام: «إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه وليّ الميت، و إلا فهو غاصب»٥.

فهو صريح في أنّه حق يتعلق به الغصبية- كالحقوق المالية- و تأتي أخبار أخر مشتملة على الحق.

التاسع: هل المنساق من الأدلة أن إذنه شرط، أو أنّ منعه مانع و مزاحمته حرام- ذهب بعض مشايخنا إلى الأخير- أو أنّه من مجرد الوجوب التعبدي الصرف من دون أن يكون دخيلا في الصحة- كوجوب متابعة المأموم للإمام في الجماعة، فلو فارق الإمام مع بقاء هيئة الجماعة أثم و تصح الجماعة؟ و المتعيّن هو الأول، لسياق الأخبار الدالة عليه، كما يأتي، و لا وجه للوجوب التعبدي، لأن التعبير بالحق في بعضها، و الغصب في الآخر٦. و الأولوية تنافي الوجوب التعبدي المحض كما أنّه لا وجه لكون المزاحمة حراما لا أن يكون الإذن شرطا بدعوى:

أنه مقتضى الجمع بين الوجوب الكفائي على الكلّ و ما ورد في لزوم مراعاة حق الوليّ، مضافا إلى أصالة عدم اعتبار الإذن و إطلاقات جملة من أدلة التجهيزات.

إذا الكلّ مردود فإنّه لا وجه للجميع مع ظهور النصوص في اعتبار الإذن، فيكون مقيدا لما يدل على الكفائية، كما لا وجه للتمسك بالأصل في مقابل الأدلة الظاهرة في الاستئذان و كذا لا وجه للإطلاقات بعد وجود المقيدات فمثل قول أمير المؤمنين- عليه السلام: «إذا حضر سلطان من سلطان اللّه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه الولي و إلا فهو غاصب»۷.

و قول أبي عبد اللّه عن أبيه عن عليّ عليه السلام: «يغسّل الميت أولى الناس به»۸.

و قوله عليه السلام أيضا: «يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب»۹.

و قوله عليه السلام: «الزوج أحق بامرأته حتّى يضعها في قبرها»۱۰.

ظاهر في أنّ الإذن شرط لا أن يكون المنع مانعا و حينئذ، فلو غسل بدون الإذن يكون باطلا، كما أنّ ظاهرها الوجوب، فلا وجه لحملها على الندب و يأتي بقية الكلام في محلّه.

ثمَّ إنّه ينبغي الإشارة إلى بيان ما يتعلق بالفرق بين الحق و الملك و الحكم إجمالا و إيكال التفصيل إلى محلّه: و البحث فيه تارة: بحسب اللغة و المحاورات المتعارفة. و أخرى: بحسب الأدلة الشرعية. و ثالثة: من جهة اللوازم و الآثار ثمَّ التعرض لبعض التنبيهات.

أما الأولى: فلا ريب في الاختلاف بينهما و بين الحكم لغة، و عرفا، و عقلا، و ذلك لاعتبار نحو من السلطنة و الاستيلاء في مورد الملك و الحق بخلاف الحكم إذ ليس فيه إلا الترخيص أو الإلزام فعلا أو تركا، فالحكم إعمال سلطة الحاكم في الشخص. و الملك و الحق سلطة خاصة للشخص تحصل بأسباب خاصة، و لا ريب في أنّ السلطنة لها مراتب متفاوتة شدة و ضعفا يعبّر عن بعض مراتبها بالملك و عن بعض مراتبها بالحق. و للحق أيضا مراتب متفاوتة جدا، فالمالك و ذو الحق مسلّط على شي‏ء يكون أمره إليه سواء كان موردهما العين أو المنفعة أو الانتفاع، أو كان متعلق الحق أمرا اعتباريا عرفيا- كحق الخيار المتعلق بالعقد- أو كان شخصيا خارجيا- كحق القصاص، و حق القسم، و نحو ذلك- و هذا بحسب أصل الكبرى مما لا ريب فيه لأحد، و النزاع- في شي‏ء أنّه حكم،

أو حق- صغروي لا أن يكون نزاعا في أصل الكبرى و لا بد فيه من الرجوع إلى القرائن الخارجية في تشخيص أحدهما، و مع عدمها، فإلى الأصول العملية و هي تختلف بحسب الموارد و الآثار.

و أما الجهة الثانية: فلم يرد دليل كليّ من إجماع، أو إطلاق، أو عموم لتمييز الحق عن الحكم حتى يصح التمسك به في جميع الموارد و ترتيب آثارهما.

نعم، ذكر في بعض الموارد لفظ الحق، و في بعضها لفظ الحكم، أو الوجوب، أو الحرمة، و لا ريب في اعتبار ما ورد في مورده و ترتب آثاره عليه، و لكن استفادة القاعدة الكلية منه حتى يشمل سائر الموارد لا وجه لها لأنّها إما حكم محض، أو حق كذلك، أو ما يكون ذا جهتين، أو ما يتردد بينهما و ليس لنا دليل يمكننا استفادة هذه الموارد الأربعة منه، فلا بد من تتبع اللوازم و الآثار و استفادة الواقع منها أما الجهة الثالثة: فلا ريب في أنّ الحكم لا يقبل النقل و الانتقال و لا الإسقاط، لفرض أنّه ليس للمحكوم عليه فيه شي‏ء إلا الامتثال و الانقياد و لا سلطنة عليه غير ذلك فلا موضوع للنقل و الانتقال. نعم، يجوز له تبديل الموضوع في جملة من الموارد، فيتبدل الحكم بتبدل الموضوع لا محالة.

و أما الحقوق فهي بحسب ما هو المعروف في الفقه ستة:

الأول: ما لا يقبل النقل و الانتقال، و الإسقاط مطلقا، و عد منها حق الأبوة، و الولاية للحاكم الشرعي، و حق الاستمتاع بالزوجة.

الثاني: ما يجوز فيه الإسقاط، و لا يصح فيه النقل و الانتقال مطلقا، كحق الغيبة، و الشتم و الأذية.

الثالث: ما يقبل الانتقال بالموت، و لا يجوز فيه النقل و الإسقاط، كحق الشفعة على المشهور.

الرابع: ما يصح فيه النقل- بعوض، أو بغيره- و الانتقال و الإسقاط و هي كثيرة كحق الخيار، و القصاص، و التجهيز، و نحوها مما يأتي في محالها.

الخامس: ما يجوز إسقاطه و نقله لا بعوض، و مثل له بحق القسم على ما يأتي التفصيل في كتاب النكاح.

السادس: ما هو محل الشك في أنّه هل يقبل النقل و الانتقال و الإسقاط أو لا و هي أيضا كثيرة، و عدّ منها: حق الرجوع في العدة الرجعية، و حق نفقة الأقارب، و غير ذلك مما يأتي في محالها، فمع وجود الدليل على النقل و الانتقال و الإسقاط، أو بعض ذلك يتبع الدليل لا محالة و لا مجال للتشكيك له، و أما مع عدمه فتصل النوبة إلى الأصل العملي، و القاعدة.

و لا بد من تأسيس ما يصح أن يكون هو المرجع عند الشك و هو يتصوّر على قسمين:

الأول: ما إذا تردد بين الحق و الحكم و لا يصح التمسك فيه بالأصول اللفظية، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و كذا لا يصح التمسك بالأصول العملية النافية بالنسبة إلى كلّ منهما، لسقوطها بالمعارضة، فيجب ترتيب الآثار المشتركة بينهما، للعلم بذلك، و أما الآثار المختصة، فإن جرى الأصل النافي فيها بلا معارضة، فتنفى به و الا فيجب العمل بها أيضا.

الثاني: ما إذا علم بأنّه حق و تردد بين كونه مما يقبل الإسقاط و النقل و الانتقال أو لم يقبل ذلك فمع صحة صدق الإسقاط و النقل و الانتقال عرفا، يصح التمسك بالإطلاقات و العمومات، لتنزلها على العرفيات كما هو دأب الفقهاء في أبواب المعاملات، فتكون النتيجة صحة ترتيب آثار الحق بالنسبة إليه و لو بحسب الأصل اللفظي، كما يصح التمسك بما اشتهر من أنّ الأصل في الحق أن يكون قابلا للإسقاط و النقل و الانتقال الا ما خرج بالدليل و هذا أصل عقلائي في الحقوق الدائرة فيما بينهم، و يكفي اعتباره عدم ورود الردع عنه. و لو لم يصدق ذلك عرفا، أو شك فيه لا يصح التمسك بها حينئذ، فيتعيّن الرجوع إلى الأصول العملية، كما تقدم في القسم الأول.

تنبيهات الأول: لا إشكال في أنّ تجهيزات المؤمن من الحقوق لا من الأحكام، لاشتمال النصوص على لفظ الحق، كما يأتي التعرض لها.

الثاني: يمكن أن يكون نفس الحق غير قابل للنقل و الانتقال، و لكن باعتبار متعلقه يقبل ذلك، و يأتي التعرض له في المقامات المناسبة.

الثالث: كما أنّ الملك يتعلق بالعين، و المنفعة، و الانتفاع يصح تعلق الحق بها أيضا و كما أنّه يكون في الذمة و في الخارج كذلك الحق أيضا و كما أنّه يكون شرعيا، و عرفيا، و شخصيا، و نوعيا يصح ذلك كلّه في الحق، و يأتي التعرض لأمثلة ذلك كلّه في محالّها. و كلّ ما تعرضنا له إشارات لا بد و أن تفصّل في غير المقام و من اللَّه الاعتصام.

لأنّ الخطاب كان متعلقا بالجميع فلا فرق بين الواجب الكفائي و العيني من هذه الجهة و مع ترك الجميع تتحقق المخالفة من الجميع، فيوجب استحقاق العقاب بالنسبة إلى الجميع. نعم، بينهما فرق من ناحية المتعلق إذ أنه نحو متعلق يسقط بقيام البعض.

لوجود المقتضي للاتصاف به و فقد المانع عنه، و هذا أيضا من لوازم الواجب الكفائي المتعلق بالجميع.

لما تقدم من النصوص.

لأنّ التكليف من حيث هو ثابت على الجميع، و صحة العمل مبنية على الاستئذان، كما أنّ التكليف بالحج المندوب و الزيارات- مثلا- عامة بالنسبة إلى الجميع، و صحتها بالنسبة إلى الزواج و الواحد مشروط بإذن الزوج و الوالد و له نظائر كثيرة في الفقه.

بلا خلاف فيه إن استلزم ذلك هتك الميت، لأنّ هذه الولاية نحو إرفاق و لا وجه للإرفاق مع تضييع حرمة الميت. و إن لم يستلزم ذلك فإن ادعى وجها شرعيا لعدم الإذن يقبل منه- و لو أخبر إلى حصول الإذن- و الا فالظاهر السقوط أيضا، و يشهد لذلك ما ورد في العراة الذين وجدوا ميتا قذفه البحر۱۱ و ما ورد في تغسيل الذمي و الذمية المسلم و المسلمة مع عدم المماثل و لا ذي رحم‏۱۲، و ما ورد في تغسيل بعض الميت مما يأتي التعرض له في المسائل الآتية.

و هذا يدور مدار نظر الحاكم و اطلاعه على خصوصيات الواقعة فقد يقتضي الإجبار من باب ولاية الحسبة و قد لا يقتضي ذلك و يأتي آنفا ما ينفع المقام.

لصحيح ابن جعفر: «عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه؟ قال عليه السلام يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلّي فيه، فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح له الهرب منه»۹.

و لا بد من حمله على بعض المحامل، كعموم الوباء في جميع الأمكنة بحيث لا ينفع الهرب.

ثمَّ إنّه ربما يتوهم التنافي بين ما ورد في حب لقاء اللَّه تعالى- كما تقدم- و ما ورد في ذم طلب الموت، و يرفع هذا التنافي بوجوه:

و لعلّ أحسنها ما ورد في خبر ابن بشير: «إنّما ذلك عند المعاينة، إذا رأي ما يحب فليس شي‏ء أحبّ إليه من أن يتقدم، و اللَّه تعالى يحب لقاءه و هو يحب لقاء اللَّه حينئذ، و إذا رأى ما يكره فليس شي‏ء أبغض إليه من لقاء اللَّه و اللَّه يبغض لقاءه»۱۰.

الاحتمالات عند عدم التمكن من الإذن- إما لامتناع من له الإذن عنه، أو لجهة أخرى- ثلاثة:

الأول: عدم اعتباره حينئذ، لعمومات أدلة التجهيزات، و إطلاقاتها المقتصر في تخصيصها و تقييدها على صورة التمكن من الاستئذان.

الثاني: قيام الحاكم مقام من له الإذن لكون المقام من موارد الحسبة.

الثالث: الانتقال إلى الطبقة اللاحقة تنزيلا لصورة الامتناع منزلة عدم الطبقة السابقة، و مقتضى الأصل و الجمود على الأدلة هو الأول و لا دليل على تعيين أحد الأخيرين إلا دعوى أنّ عموم ما يدل على اعتبار الإذن يشمل الطبقة اللاحقة، أو أنّ ما دل على أنّ الحاكم ولي الممتنع يشمل المقام.

و فيه: أنّ الشك في شمولهما للمقام يمنع عن التمسك بهما، لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و منشأ الشك أنّ الاستيذان إنما هو نحو إرفاق خاص، و مع الامتناع تسقط حيثية الإرفاق و قيام الطبقة اللاحقة مقام السابق يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و المنساق من أنّ الحاكم ولي الممتنع إنّما هو فيما إذا كان الامتناع عن حق كان عليه لا إذا كان عن حق له.

و يمكن أن يقال: إنّ ولاية عدول المؤمنين في مثل التجهيزات ما لم تكن خصوصية خارجية في البين في عرض ولاية الحاكم، لا في طوله، فيتصدى المؤمنون حينئذ بلا رجوع إليه و يأتي تفصيل هذه المباحث في أحكام الولاية.

ثمَّ إنّه لا وجه للفتوى بالاستئذان من الحاكم و الاحتياط في الاستئذان من المرتبة المتأخرة لكون كلّ منهما موافق للاحتياط من غير دليل على التعيين.

لصحيح ابن جعفر: «عن الوباء يقع في الأرض هل يصلح للرجل أن يهرب منه؟ قال عليه السلام يهرب منه ما لم يقع في مسجده الذي يصلّي فيه، فإذا وقع في أهل مسجده الذي يصلي فيه فلا يصلح له الهرب منه»۹.

و لا بد من حمله على بعض المحامل، كعموم الوباء في جميع الأمكنة بحيث لا ينفع الهرب.

ثمَّ إنّه ربما يتوهم التنافي بين ما ورد في حب لقاء اللَّه تعالى- كما تقدم- و ما ورد في ذم طلب الموت، و يرفع هذا التنافي بوجوه:

و لعلّ أحسنها ما ورد في خبر ابن بشير: «إنّما ذلك عند المعاينة، إذا رأي ما يحب فليس شي‏ء أحبّ إليه من أن يتقدم، و اللَّه تعالى يحب لقاءه و هو يحب لقاء اللَّه حينئذ، و إذا رأى ما يكره فليس شي‏ء أبغض إليه من لقاء اللَّه و اللَّه يبغض لقاءه»۱۰.

(مسألة ۱): الإذن أعم من الصريح، و الفحوى، و شاهد الحال القطعي (۹).

لاعتبار كلّ ذلك لدى الناس و لم يثبت الردع عنه شرعا و كذا يكفي الظهور المعتبر العرفي أيضا.

(مسألة ۲): إذا علم بمباشرة بعض المكلّفين يسقط وجوب المبادرة. و لا يسقط أصل الوجوب إلا بعد إتيان الفعل منه أو من غيره (۱۰)، فمع الشروع في الفعل أيضا لا يسقط الوجوب، فلو شرع بعض المكلّفين بالصلاة يجوز لغيره الشروع فيها بنية الوجوب (۱۱). نعم، إذا أتم الأول يسقط الوجوب عن الثاني فيتمها بنية الاستحباب (۱۲).

أما سقوط وجوب المبادرة، فللعلم بتحققها. و أما عدم سقوط أصل الوجوب، فلقاعدة الاشتغال الدالة على عدم سقوط أصل الوجوب الا بعد إحراز تمامية العمل جامعا للشرائط.

لأنّ مقتضى بقاء أصل الوجوب، لقاعدة الاشتغال صحة نيته أيضا.

و ما يقال: من أنّه بعد صدور بعض العمل من الغير لا وجه لقصد الوجوب بالنسبة إلى الجميع لسقوط وجوب بعض الأجزاء بإتيانه فلا يبقى موضوع لقصد الوجوب بالنسبة إلى الكلّ.

مردود: بأنّ وجوب الأجزاء عين وجوب الكلّ، فليس في البين الا وجوب واحد نفسي منبسط على الأجزاء، فلا يسقط وجوب الأجزاء الا بسقوط وجوب الكلّ. نعم، لو علم بأنّ من شرع في العمل استمر جامعا للشرائط يشكل قصد الوجوب الفعلي حينئذ و مثل هذه المسائل مبني على اعتبار قصد الوجوب أو الندب و لا دليل عليه، بل مقتضى الأصل عدمه.

لظهور تسالمهم على الاستحباب بعد سقوط أصل الوجوب، و يأتي في [مسألة ٥] من (فصل صلاة الميت).

(مسألة ۳): الظن بمباشرة الغير لا يسقط وجوب المبادرة فضلا عن الشك (۱۳).

للأصل، و يصح الاعتماد على الأمارات المعتبرة كما إذا كان الميت بين يدي المتشرعة مع التفاتهم إلى التجهيزات الواجبة، و ذلك للسيرة المعتبرة.

(مسألة ٤): إذا علم صدور الفعل عن غيره سقط عنه التكليف ما لم يعلم بطلانه و إن شك في الصحة، بل و إن ظنّ البطلان، فيحمل فعله على الصحة، سواء كان ذلك الغير عادلا أو فاسقا (۱٤).

أما مع العلم بالبطلان فيجب، للعمومات و الإطلاقات، و قاعدة الاشتغال، و أما في غيره من الظن بالبطلان، أو الشك فيه، فمقتضى قاعدة الصحة- التي هي من القواعد المعتبرة الشرعية، بل العقلائية- الحمل على الصحة بلا فرق بين العادل و الفاسق، لعدم اختصاصها بخصوص العادل و لو اختصت القاعدة به لاختل النظام و بطلت جملة من الأحكام.

(مسألة ٥): كلّ ما لم يكن من تجهيز الميت مشروطا بقصد القربة كالتوجيه إلى القبلة، و التكفين، و الدفن- يكفي صدوره من‏ كلّ من كان من البالغ العاقل، أو الصبي أو المجنون (۱٥). و كلّ ما يشترط فيه قصد القربة- كالتغسيل و الصلاة- يجب صدوره من البالغ العاقل (۱٦)، فلا يكفي صلاة الصبيّ عليه إن قلنا بعدم صحة صلاته، بل و إن قلنا بصحتها- كما هو الأقوى- على الأحوط. نعم، إذا علمنا بوقوعها منه صحيحة جامعة لجميع الشرائط لا يبعد كفايتها، لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط (۱۷).

لعدم اعتبار القصد فيها، بل يجزي و لو حصل من الحيوان أو الرياح أو نحو ذلك إذ المناط تحقق ذات الشي‏ء في الخارج بأيّ وجه اتفق.

لأنّ قصد القربة لا يتحقق الا منه، فلا يصح من المجنون، لعدم حصول قصد القربة منه و عدم الاعتبار به لو حصل و كذا الصبيّ بناء على عدم شرعية عباداته، و عدم الاعتبار بقصده شرعا و كونه كالعدم و أما بناء على شرعية عباداته، كما هو مقتضى الإطلاقات، و العمومات و استجماعه للشرائط، فلا وجه لعدم الإجزاء الا دعوى انصراف الأدلة عنه، و ليس لهذه الدعوى منشأ معتبر، و مع الشك فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم الاكتفاء به، و لكن لا وجه لجريانها في مقابل العمومات، و الإطلاقات.

منشأه احتمال عدم شرعية عمله، و احتمال انصراف الأدلة عنه و تقدم ما في الاحتمالين.

  1. الوسائل باب: ۱۲۲ من أبواب أحكام العشرة حديث: ۲4
  2. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الاحتضار حديث: ۱۰.
  3. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الاحتضار حديث: ٦
  4. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب الجنازة حديث: ۳.
  5. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4
  6. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب صلاة الجنازة حديث: ۳
  7. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب صلاة الجنازة حديث: 4.
  8. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب غسل الميت حديث: ۱.
  9. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب صلاة الجنازة حديث: ۱.
  10. الوسائل باب: ۲4 من أبواب صلاة الجنازة حديث: ۳.
  11. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب صلاة الجنازة حديث: ۱.
  12. الوسائل باب: ۱۹ من أبواب غسل الميت حديث: ۱
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"