1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل في موجبات الوضوء ونواقضه
(فصل في موجبات الوضوء ونواقضه) وهي أمور:
(الأول والثاني): البول والغائط (۱) من الموضع الأصليّ، ولو غير معتاد (۲)، أو من غيره مع انسداده، أو بدونه بشرط الاعتياد (۳)، أو الخروج على حسب المتعارف، ففي غير الأصليّ مع عدم الاعتياد، و عدم كون الخروج على حسب المتعارف (٤) إشكال (٥)، والأحوط النقض مطلقا خصوصا إذا كان دون المعدة. ولا فرق فيهما بين القليل والكثير، حتّى مثل القطرة، ومثل تلوّث رأس شيشة الاحتقان بالعذرة (٦). نعم، الرطوبات الأخر غير البول والغائط، الخارجة من المخرجين ليست ناقضة، وكذا الدود، أو نوى التمر، ونحوهما إذا لم يكن متلطّخا بالعذرة (۷).

يطلق على ما يأتي السبب تارة، والموجب أخرى، والناقض ثالثة.

و الحقيقة واحدة، والفرق بالاعتبار. فذات البول- مثلا- من حيث هو سبب، ومن حيث إيجابه للوضوء لما يشترط فيه الطهارة موجب، ومن حيث وقوعه بعد الطهارة ناقض، والأول أعمّ من الأخيرين.

بضرورة المذهب، بل الدّين، والأخبار المتواترة، وهي على قسمين:

(الأول): ما اشتمل على العناوين المعهودة، كقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في الصحيح: «لا يوجب الوضوء الا من غائط، أو بول، أو ضرطة تسمع صوتها، أو فسوة تجد ريحها»(۱) وقول الرضا عليه السلام: «إنّما ينقض الوضوء ثلاث: البول، والغائط، والريح»(۲) والحصر في مثل هذه الأخبار إضافيّ، حقيقيّ، لما يأتي من أدلة سائر النواقض.

(الثاني): ما علق فيه الحكم على ما يخرج من الطرفين، كقول أحدهما عليه السلام: «لا ينقض الوضوء الا ما خرج من طرفيك». ومثله غيره(۳).

ولا ريب في أنّ إطلاقه مقيد بما مرّ في القسم الأول، بل يمكن منع الإطلاق فيه، لأنّ المتفاهم العرفيّ منه خصوص البول والغائط، فيكون ذكر الطرفين من باب الغالب والغلبة، والقيود التي تكون كذلك لا تصلح للتقييد في المحاورات العرفية، فالمناط كلّه على خروج ما يسمّى بالبول والغائط، وهما من المفاهيم المبيّنة العرفية عند كل أحد، فمهما تحقق يتعلق به الحكم سواء خرج من المخرج المتعارف، أم من غيره مع الاعتياد، سواء انسد المتعارف أم لا، وذلك كلّه لإطلاق الدليل الثابت للناقضية لذات العنوانين المعهودين.

أما إذا خرجا من غير المخرج المتعارف مع عدم الاعتياد، فنسب إلى المشهور عدم النقض. فإن كان نظرهم إلى أنّهما حينئذ لا يسميان بالبول والغائط، فهو خلاف الفرض، إذ لم يقل أحد بالنقض مع عدم التسمية بأحدهما. وإن كان نظرهم إلى أنّه لا ينقض حتّى مع التسمية العرفية، فهو خلاف ظاهر الإطلاقات بعد حمل ذكر الطرفين في القسم الثاني من الأخبار على الغالب. وكذا التفصيل الذي نسب إلى الشيخ رحمه اللَّه بين ما يخرج مما دون المعدة، فينقض مطلقا، وبين ما يخرج من فوقها فيعتبر الاعتياد، فإنّه خلاف ظاهر الإطلاق مع فرض التسمية وصدق العنوان على ما خرج. نعم، مع الشك في الصدق، كما هو الغالب مما يخرج من فوق المعدة، لا يصح التمسك بالإطلاقات حينئذ، فيرجع إلى الأصل. والظاهر: أنّ نظر الشيخ رحمه اللَّه إلى هذه الصورة، بل ما نسب إلى المشهور إنّما هو في صورة الشك أيضا، فتتفق الكلمة حينئذ على ما ذكره.

لصدق الموضوع عرفا، فيشمله الإطلاق لا محالة.

على المشهور، للإطلاقات الدالة على ناقضيّتهما الشاملة لهذه الصورة أيضا.

لعلّ ذكره لأجل أنّه مع كونه متعارفا، يكون الصدق العرفيّ أظهر وأبين: والا فلا وجه لذكره في مقابل الاعتياد.

منشأه دعوى الانصراف عنه، وتقدمت الخدشة فيها، لأنّ ذكر الطرفين من باب الغالب، والمناط صدق البول والغائط.

كلّ ذلك لإطلاق الأدلة، وإجماع فقهاء الملّة.

للحصر المستفاد من الأدلة، مضافا إلى ما ورد في خصوص الدود وحبّ القرع من النص‏(٤)، فيستفاد من الأخبار حصر الناقض مما يخرج من الطرفين في البول والغائط، والمنيّ، والدماء الثلاثة للنساء على تفصيل يأتي، ولا يستفاد منها أنّ كلّ ما يخرج منهما يكون ناقضا، كما هو معلوم لمن راجعها.

هذا مضافا إلى الأصل لو كان مسبوقا بالطهارة.

فروع- (الأول): ما نسب إلى الشيخ من عدم الناقضية لما خرج من فوق المعدة، هل يلتزم رحمه اللَّه بعدم النجاسة حتّى مع صدق عنوان الغائط أو لا؟.

(الثاني): هل تدور الناقضية مدار نجاسة البدن بخروجهما، فلو خرج البول من المثانة والغائط من الداخل بآلات لا ينجس بها المحلّ أبدا تثبت الناقضية أم لا؟ وأولى من ذلك ما إذا أرسلت آلة إلى الداخل وجذبت الغائط وهي في الداخل ثمَّ أخرجت تلك الآلة دفعة؟ وجهان: يظهر من خبر العلل والعيون:

الثاني، فعن الرضا عليه السلام:

«إنّما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة، ومن النوم، دون سائر الأشياء لأنّ الطرفين هما طريقا النجاسة وليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه الا منهما، فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم»(٥).

و ظاهر الإطلاقات النقض مطلقا. والمسألة غير مذكورة في الكلمات.

(الثالث): لو فرض استحالة الغائط في الداخل بواسطة الأدوية والآلات العصرية إلى ما يسلب عنه الاسم عرفا، فمقتضى الأصل الطهارة وعدم النقض مع سبق الطهارة.

(الرابع): لو نزل الغائط من محلّه، وبقي في المجرى مدّة لسبب، ثمَّ خرج، أو اخرج، فظاهر الكلمات هو النقض، ولكن الإطلاق مشكل، لاحتمال الانصراف إلى المتعارف، وظاهر نصوص الاستبراء النقض في بول يكون كذلك أيضا.

(الخامس): لو خرج من الدبر شي‏ء تردد بين كونه غائطا أو شيئا آخر، فمقتضى الأصل عدم النقض، وعدم النجاسة.

(السادس): لو كان لشخص مخرج صناعي لبوله أو غائطه أو هما معا، فخرج البول أو الغائط عن محلّه الطبيعي ودخل في الانبوب المتصل به، ولم يخرج من الانبوب إلى الخارج. فهل المناط في النقض والحدثية، الخروج عن المحلّ الطبيعي إلى داخل الأنبوب، أو أنّ المناط الخروج منه إلى الخارج؟

وجهان: الظاهر هو الأول، وكذا الكلام في الريح.

(الثالث): الريح الخارج من مخرج الغائط إذا كان من المعدة (۸)، صاحب صوتا أم لا (۹)، دون ما خرج من القبل (۱۰) أو لم‏ يكن من المعدة كنفخ الشيطان- أو إذا دخل من الخارج ثمَّ خرج (۱۱).

بضرورة المذهب، ونصوص مستفيضة تقدم بعضها(٦).

نصّا وإجماعا، ففي خبر عليّ بن جعفر:

«عن رجل يكون في الصلاة فيعلم أنّ ريحا قد خرجت، فلا يجد ريحها، ولا يسمع صوتها. قال: عليه السلام: يعيد الوضوء والصلاة، ولا يعتد بشي‏ء مما صلّى إذا علم ذلك يقينا»(۷).

و أما ما تقدم من قول أبي عبد اللَّه في الصحيح: «أو فسوة تجد ريحها»(۸)، فليس في مقام بيان اعتبار أنّ لوجدان الريح دخلا في الحكم، بل في مقام بيان إحراز كون الريح من المعدة، فهو كقوله عليه السلام في خبر عليّ ابن جعفر: «إذا علم ذلك يقينا» ثمَّ إنّه لا اختصاص للناقضية بكون الريح من المعدة، بل المتولد منها في الأمعاء أيضا كذلك، لظهور الإطلاق.

على المشهور، للأصل وظهور الأدلة في الريح المتعارف. نعم، لو صدق عليه ما هو المتعارف تشمله الأدلة، كما إذا خرج ما هو المتعارف من محل آخر على تفصيل تقدم في خروج الغائط.

كلّ ذلك للأصل، وظهور الأدلة فيما هو المتعارف، سواء صدق عليها الاسم المعهود أم لا، إذ لا موضوعية لصدق اسم (الضرطة والفسوة) بل المناط كلّه الخروج عن المعدة، أو الأمعاء، ولا ناقضية لغيره كذلك، صدق عليه الاسم أم لا.

ثمَّ إنّ الريح الخارجة من الدبر على أقسام:

(الأول): ما ينزل من المعدة أو الأمعاء. ولا ريب في كونه ناقضا، نصّا وإجماعا.

(الثاني): ما يتكوّن في ما بعد الأمعاء وقبيل الدبر.

(الثالث): ما يتكوّن فيما بعد الدبر.

(الرابع): ما يدخل من الخارج إلى الدبر ثمَّ يخرج. ومقتضى الأصل عدم ناقضية ما عدا القسم الأول، وعن الصادق عليه السلام في الصحيح:

‏ «إنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتّى يخيّل إليه قد خرج منه ريح، فلا ينقض الوضوء إلا ريح يسمعها أو يجد ريحها»(۹).

و المراد بقوله عليه السلام: «إلا ريح يسمعها أو يجد ريحها» هو المتعارف الخارج من المعدة أو الأمعاء. والقول بأنّ مقتضى الأصل أنّ كلّ ريح تكون ناقضة إلا ما خرج بالدليل. مخدوش: بأنّه لا دليل على هذا الأصل من عقل أو نقل.

فرع: لو شك في ريح أنّها من أيّ الأقسام المذكورة، فمقتضى الأصل عدم النقض.

(الرابع): النوم مطلقا، وإن كان في حال المشي (۱۲) إذا غلب على القلب، والسمع والبصر (۱۳)، فلا تنقض الخفقة إذا لم تصل إلى‏ الحدّ المذكور (۱٤).

إجماعا ونصوصا كثيرة، فعن الصادق عليه السلام في خبر عبد الحميد بن عواض: «من نام وهو راكع أو ساجد، أو ماش، أو على أيّ الحالات فعليه الوضوء»(۱۰).

و في صحيح ابن الحجاج عنه عليه السلام أيضا: «عن الخفقة والخفقتين. فقال عليه السلام: ما أدري ما الخفقة والخفقتين، إنّ اللَّه يقول:

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، فإنّ عليا عليه السلام كان يقول: من وجد طعم النوم قائما أو قاعدا فقد وجب عليه الوضوء»(۱۱).

و منها يظهر وجه الإطلاق الذي ذكره رحمه اللَّه. وأما خبر الفقيه «سئل موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يرقد وهو قاعد، هل عليه وضوء؟ فقال:

لا وضوء عليه ما دام قاعدا إن لم ينفرج- الحديث-»(۱۲). ومثله صحيح أبي الصباح الكناني، فموهونان بإعراض الأصحاب، وموافقة العامة، فما نسب إلى الصدوق من القول بمفاده. مخدوش.

وأما خبر ابن سنان عن الصادق عليه السلام: «في الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام وهو جالس؟ قال: إن كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه، وذلك أنّه في حال ضرورة»(۱۳).

فلا بد من طرحه، لعدم عامل به منّا، أو حمله على سقوط الوضوء، ووجوب التيمم لأجل الضرورة، وهو أيضا ممنوع.

النوم كسائر الصفات العارضة على النفس من الجوع والشبع ونحوهما، من الوجدانيات لكلّ أحد، ومن المبيّنات العرفية، وليس من التعبديات، ولا يحتاج إلى ورود تفسير من الشارع، ولا من الموضوعات المستنبطة حتّى يحتاج إلى نظر الفقيه، وإنّما وظيفته بيان حكم صورة الشك فقط، ومقتضى الأصل عدم تحققه الا مع إحرازه بالوجدان، وليس مجرد استرخاء الأعضاء ونحوه من النوم في شي‏ء، بل هو خمود عارض على النفس مصاحب لنقص الإدراك والشعور، ويكون نحو راحة للجسم، وما ورد في الأخبار من تعريف النوم ليس الا بيانا للمعنى العرفي المعلوم لكلّ أحد. وحيث إنّه قد يتوهم ترتب النقض على مقدماته أيضا وقع السؤال عنه لذلك، لا لأجل أنّ النوم غير معلوم عرفا، ومن الأمور المجملة لدى الناس.

و عن ابن بكير عن الصادق عليه السلام: «قلت: ينقض النوم الوضوء؟

فقال: نعم، إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت»(۱٤) وعن الرضا عليه السلام: «إذا ذهب النوم بالعقل، فليعد الوضوء»(۱٥)، وعن الصادق عليه السلام في صحيح زرارة: «قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن، فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء. قلت: فإن حرك على جنبه شي‏ء ولم يعلم به؟ قال: لا، حتّى يجي‏ء من ذلك أمر بيّن والا فإنّه على يقين من وضوئه، ولا تنقض اليقين أبدا بالشك، وإنّما تنقضه بيقين آخر»(۱٦).

و كل ذلك إرشاد إلى المعنى المتعارف المعهود، لا أن يكون من التعبد في شي‏ء.

و أما قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في الصحيح: «لا ينقض الوضوء الا حدث، والنوم حدث»(۱۷)، فهو لا ينطبق على شي‏ء من الإشكال الأربعة المنطقية المعروفة، كما اعترف به في الجواهر، فلعله اصطلاح خاص بهم عليهم السلام.

لما تقدم من صحيح زرارة، ولموثق سماعة: «عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعا. فقال عليه السلام: ليس عليه وضوء»(۱۸).

فروع- (الأول): إذا غلب النوم على بصره، ولكن يسمع الصوت لا يكون ناقضا، لجعل الناقضية دائرة مدار الغلبة على السمع، ويقتضيه الأصل أيضا.

(الثاني): إذا غلب على بصره بحيث لم ير شيئا، وغلب على سمعه أيضا بحيث لا يميّز المسموع، ولكن يسمع الهمهمة، فمقتضى الأصل عدم النقض، لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت» عدم سماع أصل الصوت. ولكن الأحوط خلافه.

(الثالث): لو عرضت له حالة غفلة بحيث غفل عن الرؤية والسمع، فشك أنّه من النوم أو لا؟ مقتضى الأصل عدم النقض.

(الخامس): كلّ ما أزال العقل مثل الإغماء، والسكر، و الجنون، دون مثل البهت (۱٥)

أما عدم النقض بالأخير، فللأصل. وأما النقض بكل ما أزال العقل، فلإجماع الإمامية، بل المسلمين، ويشهد له ما ورد في النوم: «من أنّه إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء»(۱۹)، وما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام: «إنّ الوضوء لا يجب الا من حدث، وإنّ المرء إذا توضأ صلّى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلاة ما لم يحدث، أو ينم، أو يجامع، أو يغمى عليه، أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء»(۲۰).

و أما خبر ابن خلاد قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل به علة لا يقدر على الاضطجاع، والوضوء يشتد عليه، وهو قاعد مستند بالوسائد، فربما أغفى وهو قاعد على تلك الحال؟ قال: يتوضأ. قلت له: إنّ الوضوء يشتد عليه لحال علته؟ فقال: إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء»(۲۱).

فلا دلالة له على المقام، لأنّ المجنون والسكران لا يخفى عليهما الصوت، مع أنّ الإغفاء هو النوم لا الإغماء، كما في مجمع البحرين وغيره، فيكون دليلا لناقضية النوم دون غيره.

(السادس): الاستحاضة القليلة، بل الكثيرة والمتوسطة وإن أوجبتا الغسل أيضا. وأما الجنابة فهي تنقض الوضوء لكن توجب الغسل فقط (۱٦).

كل حدث أكبر ينقض الوضوء، سواء أغنى غسله عن الوضوء أم لا، ويأتي تفصيل ذلك في محله إن شاء اللَّه تعالى.

فرع: مس الميت ينقض الوضوء، لما عن صاحب الجواهر من اتفاق القائلين بوجوب الغسل به على كونه ناقضا. وهل هو حدث أصغر أو أكبر؟

وجهان: لا يخلو أولهما عن رجحان، وإن توقف رفعه على الغسل أيضا.

و المسألة من موارد الأقلّ والأكثر، لأنّ ترتب آثار الحدث الأصغر عليه معلوم بالاتفاق، والشك في ترتب آثار الحدث الأكبر والمرجع فيها البراءة في غير ما دل عليه الدليل بالخصوص وهو الغسل، مع أنّ وجوب الغسل أعمّ من أن يكون الحدث أكبر.

(مسألة ۱): إذا شك في طروء أحد النواقض بنى على العدم (۱۷)، وكذا إذا شك في أنّ الخارج بول أو مذي- مثلا- (۱۸) الا أن يكون قبل الاستبراء، فيحكم بأنّه بول، فإن كان متوضئا انتقض وضوؤه كما مرّ.

إجماعا ونصوصا كثيرة.

منها: ما تقدم من صحيح زرارة(۲۲).

و منها: قول أبي عبد اللَّه عليه السلام أيضا: «و إيّاك أن تحدث وضوءا أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت»(۲۳). ولعلّ تعبيره عليه السلام ب «إيّاك» الظاهر في المرجوحية، إنّما هو لأجل دفع الوسوسة التي تكون من إطاعة الشيطان، كما تقدم.

لإطلاق الأدلة الشامل للشك في أصل وجود الناقض، أو ناقضية الموجود. مضافا إلى ظهور الاتفاق أيضا، وتقدم الوجه فيما يتعلق ببقية المسألة.

(مسألة ۲): إذا خرج ماء الاحتقان ولم يكن معه شي‏ء من‏ الغائط لم ينتقض الوضوء، وكذا لو شك في خروج شي‏ء من الغائط معه (۱۹).

كل ذلك لإطلاق ما تقدم من صحيح زرارة وغيره، مضافا إلى استصحاب الطهارة المرتكز في النفوس.

(مسألة ۳): القيح الخارج من مخرج البول أو الغائط ليس بناقض (۲۰)، وكذا الدم الخارج منهما، إلا إذا علم أنّ بوله أو غائطه صار دما، وكذا المذي، والوذي، والودي. والأول: هو ما يخرج بعد الملاعبة، والثاني: ما يخرج بعد خروج المنيّ، والثالث: ما يخرج بعد خروج البول (۲۱).

للأصل بعد حصر ناقضية ما يخرج من الطرفين في أشياء مخصوصة ليس الدم والقيح منها. وكذا إذا علم أنّ بوله استحال دما، لأنّ تبدل الموضوع يوجب تبدل الحكم قهرا. نعم، لو علم بخروج بقايا البول مع الدم يكون ناقضا حينئذ.

و تلخيص القول: إنّه إما أن يصدق عليه الدم فقط، أو يشك في أنّه دم أو بول. والحكم فيهما عدم النقض، للأصل وحصر النواقض في غيرهما. وثالثة: يصدق عليه البول. ورابعة: يكون دما وبولا. والحكم فيهما هو النقض، لصدق خروج البول.

على المشهور، وتدل عليه جملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في الصحيح: «إن سال من ذكرك من مذي، أو ودي وأنت في الصلاة، فلا تغسله، ولا تقطع له الصلاة، ولا تنقض له الوضوء، وإن بلغ عقبيك- الحديث-»(۲٤).

و عنه عليه السلام في مرسل ابن رباط: «يخرج من الإحليل المني، والوذي، والمذي، والودي. فأما المنيّ فهو الذي تسترخي له العظام، ويفتر منه‏ الجسد، وفيه الغسل. وأما المذي فهو الذي يخرج من شهوة، ولا شي‏ء فيه.

و أما الودي فهو الذي يخرج بعد البول. وأما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء، ولا شي‏ء فيه»(۲٥) والأدواء هو المرض، كما في مجمع البحرين.

و أما قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان: «و الودي فمنه الوضوء، لأنّه يخرج من دريرة البول»(۲٦). فمحمول على الندب جمعا وإجماعا، أو على ما إذا علم بخروج البول معه.

و ذهب ابن الجنيد إلى أنّ المذي الخارج بشهوة ناقض، لخبر ابي بصير:

«قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: المذي يخرج من الرجل. قال عليه السلام:

احدّ لك فيه حدّا؟ قلت: نعم، جعلت فداك. فقال عليه السلام: إن خرج منك بشهوة فتوضأ، وإن خرج منك على غير ذلك فليس عليك فيه وضوء»(۲۷).

و فيه: مضافا إلى إعراض الأصحاب عن ظاهره، وموافقته للعامة، أنّه معارض بخبر ابن أبي عمير: «ليس في المذي من الشهوة، ولا من الإنعاظ، ولا من القبلة، ولا من مس الفرج، ولا من المضاجعة وضوء»(۲۸).

و يشهد للندب صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام في المذي:

«إنّ عليا عليه السلام أمر المقداد أن يسأل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله واستحى أن يسأله. فقال: فيه الوضوء. قلت: وإن لم أتوضأ؟ قال: لا بأس»(۲۹).

و لو كان الحكم إلزاميا في هذا الأمر العام البلوى لاشتهر وبان.

ثمَّ إنّ المشهور عند الفقهاء وأهل العرف: أنّ المذي ما كان بعد الملاعبة، وتساعده اللغة وجملة من الأخبار أيضا:

منها: صحيح عمر بن يزيد «اغتسلت يوم الجمعة- إلى أن قال-: فمرت بي وصيفة، ففخذت لها فأمذيت أنا، وأمنت هي، فدخلني من ذلك ضيق، فسألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن ذلك فقال: ليس عليك وضوء»(۳۰).

‏ وأما الوذي فاعترف في مجمع البحرين بأنّه لا ذكر له في كتب اللغة، وتقدم تفسيره في مرسل ابن رباط بأنّه ما يخرج من الأدواء.

(مسألة ٤): ذكر جماعة من العلماء استحباب الوضوء عقيب المذي، والوذي (۲۲) والكذب، والظلم، والإكثار من الشعر الباطل (۲۳)، والقي‏ء، والرعاف، والتقبيل بشهوة (۲٤)، ومس الكلب (۲٥)، ومس الفرج، ولو فرج نفسه (۲٦)، ومس باطن الدبر، والإحليل (۲۷)، ونسيان الاستنجاء قبل الوضوء (۲۸)، والضحك في الصلاة (۲۹)، والتخليل إذا أدمى (۳۰). لكن الاستحباب في هذه الموارد غير معلوم (۳۱). والأولى أن يتوضأ برجاء المطلوبية، ولو تبيّن بعد هذا الوضوء كونه محدثا بأحد النواقض المعلومة كفى، ولا يجب عليه ثانيا (۳۲)، كما أنّه لو توضأ احتياطا لاحتمال حدوث الحدث، ثمَّ تبيّن كونه محدثا كفى، ولا يجب ثانيا.

قد استقر المذهب على عدم وجوب الوضوء في الموارد التي يأتي التعرض لها، والأخبار الواردة وإن كان ظاهرها الوجوب‏(۳۱)، لكنّها موهونة بإعراض الأصحاب، والابتلاء بالمعارض، والحصر الذي تقدم في النواقض، فلا وجه لاستفادة الوجوب منها، بل بعضها موافق للعامة، فيشكل استفادة الندب منها، فكيف بالوجوب؟ وقد تقدم ما يصلح لاستحباب الوضوء في المذي والوذي.

لموثق سماعة قال: «سألته عن نشيد الشعر هل ينقض الوضوء، أو ظلم الرجل صاحبه، أو الكذب؟ فقال: نعم، الا أن يكون شعرا يصدق فيه، أو يكون يسيرا من الشعر، الأبيات الثلاثة والأربعة، فأما أن يكثر من الشعر الباطل فهو ينقض الوضوء»(۳۲).

المحمول على الندب إجماعا، وعن صاحب الوسائل: «إنّ المراد بالظلم الغيبة، كما يفهم من حديث آخر»(۳۳).

لقول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير: «إذا قبّل الرجل‏  امرأة بشهوة، أو مس فرجها أعاد الوضوء»(۳٤).

المحمول على الندب بقرينة الإجماع، وخبر عبد الرحمن: «عن رجل مس فرج امرأته. قال عليه السلام: ليس عليه شي‏ء، وإن شاء غسل يده، والقبلة لا تتوضأ منها(۳٥).

و في صحيح الحذاء: «الرعاف، والقي، والتخليل يسيل الدم إذا استكرهت شيئا ينقض الوضوء وإن لم تستكرهه لم ينقض الوضوء»(۳٦).

المحمول على الندب بقرينة الإجماع وغيره.

لقول الصادق عليه السلام: «من مس كلبا فليتوضأ»(۳۷) بناء على أنّ المراد به الوضوء المعروف، دون مطلق الغسل.

أما مس فرج المرأة فقد تقدم في صحيح أبي بصير. وأما التعميم لفرج نفسه، فقد ذكره في ذخيرة المعاد أيضا، ولم أظفر على دليله عاجلا. ولا يبعد أن يستفاد مما يأتي في مس باطن الإحليل، إذ يمكن أن يراد به مسه مباشرة، لا من وراء الثوب، والا فمس باطن الإحليل نادر جدّا.

لموثق عمار: «عن الرجل يتوضأ ثمَّ يمس باطن دبره. قال عليه السلام: نقض وضوؤه، وإن مس باطن إحليله، فعليه أن يعيد الوضوء»(۳۸).

المحمول على الندب لأدلة حصر النواقض، وإعراض المشهور عن ظاهره، مع موافقته للعامة.

لصحيح ابن خالد: «في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره؟ قال:

يغسل ذكره، ثمَّ يعيد الوضوء»(۳۹).

المحمول على الندب، لإعراض المشهور عنه، ومعارضته بصحيح ابن يقطين فيه أيضا، قال عليه السلام: «يغسل ذكره، ولا يعيد الوضوء»(٤۰).

لموثق سماعة: «عما ينقض الوضوء؟ قال عليه السلام: الحدث تسمع صوته، أو تجد ريحه، والقرقرة في البطن إلا شيئا تصبر عليه، والضحك في الصلاة»(٤۱).

المحمول على الندب بقرينة الإجماع وغيره.

لما تقدم في صحيح الحذاء(٤۲).

لأنّ بعضها صدرت تقية، فلا رجحان فيه في الواقع حتّى يؤتى به بقصد الأمر، بل مقتضى قوله عليه السلام: «الرشد في خلافهم»(٤۳) مرجوحيته.

كلّ ذلك لأنّ الوضوء- سواء كان واجبا أم مندوبا، تجديديا كان أم لا، احتياطيا كان أو غيره- حقيقة واحدة ومن التوليديات لرفع الحدث مطلقا، بلا فرق بين توجه المكلّف إليه وعدمه، وسواء قصده أم لا فمجرد قصد الوضوء للمحدث الواقعيّ يجزي في رفع حدثه، ويأتي بعض الكلام في الثاني عشر من شرائط الوضوء.

  1. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۲.
  2. الوسائل باب: ۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ٦.
  3. الوسائل باب: ۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱.
  4. الوسائل باب: ٥ من أبواب نواقض الوضوء.
  5. الوسائل باب: ۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۷.
  6. صفحة: ۲۳۸.
  7. الوسائل: باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۹.
  8. الوسائل: باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۲.
  9. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۳.
  10. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۳.
  11. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۹.
  12. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۱.
  13. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱٦.
  14. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۷.
  15. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۲.
  16. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱.
  17. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
  18. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۲ و ۲.
  19. الوسائل باب: ۳ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۲ و ۲.
  20. مستدرك الوسائل باب: ۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
  21. الوسائل باب: 4 من أبواب نواقض الوضوء.
  22. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱.
  23. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۷.
  24. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۲.
  25. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ٦.
  26. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱4.
  27. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۰.
  28. الوسائل باب: ۹ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۲.
  29. الوسائل: باب ۱۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۹.
  30. الوسائل: باب ۱۲ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۳.
  31. تقدم في صحيح ابن سنان، و صحيح ابن يقطين، و خبر أبي بصير و غيرها من الأخبار التي وردت في باب: ۱۲ من النواقض.
  32. الوسائل باب: ۸ من أبواب النواقض حديث: ۳.
  33. راجع حاشية صاحب الوسائل على فهرست الوسائل باب: ٥ من أبواب النواقض- الطبعة الحجرية.
  34. الوسائل باب: ۹ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۹.
  35. الوسائل باب: ۹ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ٦.
  36. الوسائل باب: ٦ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۲.
  37. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.
  38. الوسائل باب: ۹ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۰.
  39. الوسائل باب: ۱۸ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۹.
  40. الوسائل باب: ۱۸ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱.
  41. الوسائل باب: ٦ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۱.
  42. الوسائل باب: ٦ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱۲.
  43. الوسائل باب: ۹ من أبواب صفات القاضي حديث: ۱۹.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"