1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل في مكروهات الدفن
و هي- أيضا- أمور: الأول: دفن ميتين في قبر واحد (۱)، بل قيل بحرمته مطلقا و قيل بحرمته مع كون إحداهما امرأة أجنبية. و الأقوى الجواز مطلقا (۲) مع الكراهة. نعم، الأحوط الترك إلّا لضرورة (۳) و معها الأولى جعل حائل‏ بينهما و كذا يكره حمل جنازة الرجل و المرأة على سرير واحد (٤)، و الأحوط تركه أيضا (٥). الثاني: فرش القبر بالساج و نحوه من الآجر و الحجر (٦)، إلّا إذا كانت الأرض ندية (۷). أما فرش ظهر القبر بالآجر و نحوه فلا بأس به (۸). كما أنّ فرشه بمثل حصير و قطيفة لا بأس به (۹)، و إن قيل بكراهته‏ أيضا (۱۰). الثالث: نزول الأب في قبر ولده خوفا من جزعه و فوات أجره (۱۱)، بل إذا خيف من ذلك في سائر الأرحام أيضا يكون مكروها (۱۲)، بل قد يقال بكراهة نزول الأرحام مطلقا (۱۳)، إلّا الزوج في قبر زوجته، و المحرم في قبر محارمه (۱٤).الرابع: أن يهيل ذو الرحم على رحمه التراب، فإنّه يورث قساوة القلب (۱٥). الخامس: سد القبر بتراب غير ترابه. و كذا تطيينه بغير ترابه، فإنّه ثقل على الميت (۱٦).السادس: تجصيصه أو تطيينه لغير ضرورة (۱۷)، و إمكان الإحكام المندوب بدونه (۱۸)، و القدر المتيقن من الكراهة إنّما هو بالنسبة إلى باطن القبر لا ظاهره (۱۹)، و إن قيل بالإطلاق (۲۰). السابع: تجديد القبر بعد اندراسه (۲۱)، إلّا قبور الأنبياء و الأوصياء و الصلحاء و العلماء (۲۲). الثامن: تسنيمه، بل الأحوط تركه (۲۳).التاسع: البناء عليه (۲٤)، عدا قبور من ذكر (۲٥). و الظاهر عدم كراهة الدفن تحت البناء و السقف (۲٦). العاشر: اتخاذ المقبرة مسجدا (۲۷)، إلّا مقبرة الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام و العلماء (۲۸).الحادي عشر: المقام على القبور (۲۹)، إلّا الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام (۳۰). الثاني عشر: الجلوس على القبر (۳۱). الثالث عشر: البول و الغائط في المقابر (۳۲). الرابع عشر: الضحك في المقابر (۳۳).الخامس عشر: الدفن في الدور (۳٤). السادس عشر: تنجيس القبور و تكثيفها بما يوجب هتك حرمة الميت (۳٥). السابع عشر: المشي على القبر من غير ضرورة (۳٦). الثامن عشر: الاتكاء على القبر (۳۷).التاسع عشر: إنزال الميت في القبر بغتة (۳۸) من غير أن توضع الجنازة قريبا منه ثمَّ رفعها و وضعها دفعات، كما مر. العشرون: رفع القبر عن الأرض أزيد من أربع أصابع مفرجات (۳۹).الحادي و العشرون: نقل الميت من بلد موته إلى بلد آخر (٤۰) إلّا إلى المشاهد المشرفة و الأماكن المقدّسة (٤۱) و المواضع المحترمة.كالنقل من عرفات إلى مكّة (٤۲)، و النقل إلى النجف الأشرف، فإنّ‏ مهذب الأحكام، ج‏٤، ص: ۲۳۷ الدفن فيه يدفع عذاب القبر و سؤال الملكين (٤۳)، و إلى كربلاء و الكاظمية و سائر قبور الأئمة عليهم السّلام، بل إلى مقابر العلماء و الصلحاء (٤٤) بل لا يبعد استحباب النقل من بعض المشاهد إلى أخر لبعض المرجحات الشرعية (٤٥). و الظاهر عدم الفرق في جواز النقل بين كونه قبل الدفن أو بعده (٤٦). و من قال بحرمة الثاني فمراده ما إذا استلزم النبش، و إلّا فلو فرض خروج الميت عن قبره بعد دفنه بسبب- من سبع أو ظالم أو صبيّ أو نحو ذلك- لا مانع من جواز نقله إلى المشاهد مثلا. ثمَّ لا يبعد جواز النقل إلى المشاهد المشرفة و إن استلزم فساد الميت (٤۷) إذا لم يوجب أذية المسلمين (٤۸)، فإنّ من تمسك بهم فاز، و من أتاهم فقد نجا، و من لجأ إليهم أمن، و من اعتصم بهم فقد اعتصم باللّه تعالى، و المتوسل بهم غير خائب، صلوات اللّه عليهم أجمعين.

للمرسل: «لا يدفن في قبر واحد اثنان»۱.

و في الجواهر «عدم وجدان الخلاف بين من تعرض له غير ابن سعيد فنسب إليه الحرمة».

للأصل و إطلاقات الأدلة من غير ما يصلح للحرمة.

أما كون الاحتياط في الترك فللخروج عن خلاف ابن سعيد، و أما عدم الكراهة في الضرورة فلا خلاف فيه عن أحد، و قد روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال للأنصار يوم أحد: «احفروا و وسعوا، و عمّقوا، و اجعلوا الاثنين و الثلاثة في القبر الواحد۲.

هذا حكم الدفن ابتداء و أما دفن ميت في قبر ميت آخر قبل الاندراس، فهو من النبش المحرم و لو فعل حراما فلا إشكال في الكراهة و إنّما الكلام في الحرمة حينئذ، فذهب إليها جمع، بل ادعي الإجماع عليها.

لقول أبي محمد عليه السّلام في مكاتبة الصفار: «لا يحمل الرجل مع المرأة على سرير واحد»۳. و قريب منه غيره.

المحمول على الكراهة إجماعا.

جمودا على ظاهر النص. ثمَّ إنّ الدفن في السراديب المعمولة ليس دفن ميتين في قبر واحد عرفا، فلا يشمله دليل الكراهة.

إجماعا، و لأنّ القبر من مظاهر عدل الآخرة، و لأن يظهر على العبد عند وروده على ربّه آثار المذلة و المسكنة.

لمكاتبة ابن بلال إلى أبي الحسن عليه السّلام: «إنّه ربما مات عندنا الميت و تكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج أو يطبق عليه، فهل يجوز ذلك؟

فكتب: ذلك جائز»٤، مع أنّ المتيقن من دليل الكراهة غير هذه الصورة.

لأصالة الإباحة، و إطلاق أدلة الإقبار، و خبر أبان قال: «قلت:

أرأيت إن جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ قال عليه السّلام: لا»٥.

و  إطلاق تعليل ما ورد: «إنّ اللّه يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه»٦.

للأصل بعد عدم الدليل على المنع.

جمودا على إظهار التساوي في أول عدل الآخرة.

لقول الصادق عليه السّلام في الصحيح: «يكره للرجل أن ينزل في قبر ولده»۷.

و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «يا أيّها الناس إنّه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم و لكنّي لست آمن إذا حلّ أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره»۸.

لشمول العلة المذكورة في الخبر له أيضا، بل مقتضاه شمولها لكلّ حبيب مؤمن بالنسبة إلى حبيبه المؤمن، بل قد يكون حراما لأجل عوارض خارجية.

تمسكا بإطلاق التعليل في قوله صلّى اللّه عليه و آله: «أن يلعب به الشيطان فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره».

أما استثناء الزوج فلقوله عليه السّلام: «الزوج أحق بامرأته حتّى يضعها في قبرها»۹

و أما بالنسبة إلى المحرم فلإطلاق قوله عليه السّلام في خبر السكوني: «مضت السنّة من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنّ المرأة لا يدخل قبرها إلّا من كان يراها في حياتها»۱۰.

و قد ورد في جواز دخول الولد في قبر والده،۱۱ و لكنه محمول على قلة الكراهة بناء على ثبوتها مطلقا. هذا حكم المسألة بحسب العنوان الأولي و لكنّه قد يتغير بحسب العناوين الخارجية، و يشهد له نزول عليّ عليه السّلام و الفضل ابن عباس في قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله‏۱۲.

ففي خبر عبيد بن زرارة قال: «مات لبعض أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام ولد فحضر أبو عبد اللّه عليه السّلام فلما ألحد تقدم أبوه فطرح عليه التراب، فأخذ أبو عبد اللّه عليه السّلام بكفيه و قال: لا تطرح عليه التراب، و من كان منه ذا رحم فلا يطرح عليه التراب، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله نهى أن يطرح الوالد أو ذو رحم على ميته التراب، فقلنا يا ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أ تنهانا عن هذا وحده؟ فقال: أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم فإنّ ذلك يورث القسوة، و من قسا قلبه بعد من ربه»۱۳.

لقول الصادق عليه السّلام: «كلّ ما جعل على القبر من غير تراب القبر فهو ثقل على الميت»۱٤.

و قال عليه السّلام: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يزاد على القبر تراب لم يخرج منه»۱٥.

و قال عليه السّلام أيضا: «لا تطينوا القبر من غير طينة»۱٦.

نصّا و إجماعا. قال أبو الحسن الكاظم عليه السّلام في الصحيح:

«لا يصلح البناء على القبر و لا الجلوس، و لا تجصيصه و لا تطيينه»۱۷.

و في حديث المناهي: «نهى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن تجصص المقابر»۱۸.

و عن الصادق عليه السّلام قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «بعثني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في هدم القبور و كسر الصور»۱۹.

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لا يزال الميت يسمع الأذان ما لم يطيّن قبره»۲۰.

و تقدم ما يدل على الجواز في تجصيص الكاظم عليه السّلام قبر بنته بفيد۲۱، إن لم نحمله على أنّه لأجل كونها من أولاد الإمام عليه السّلام و هم مستثنون من الكراهة، أو كان ذلك لأجل عدم إمكان إحكام القبر خوفا من السباع بدون ذلك، و في عدم القائل بالحرمة مطلقا كفاية.

إذ لا ريب في عدم الكراهة حينئذ، بل قد يجب.

للاقتصار في الحكم المخالف للأصل على المتيقن من مورد الدليل.

جمودا على الإطلاق، و يظهر ذلك من صاحب الجواهر و غيره.

على المشهور بين الأصحاب، و كفى به دليلا للكراهة بعد المسامحة فيها، و قد تقدم في مناجاة موسى بن عمران: «أنا عند القلوب المنكسرة و القبور المندرسة».

و في الحديث القدسي: إنّي أحبّ القلوب المنكسرة و القبور المندرسة».

مساكين أهل الحب حتى قبورهم‏ علاها غبار الذل بين المقابر

و المراد من الذل ذل العبودية للّه الذي هو عين العز.

و لعل المراد بالقبور المندرسة قبور خلّص المؤمنين الذين لا يعرفون غير اللّه و لا يعرفهم إلّا اللّه تعالى و يشهد له ما تقدم من إطلاق النهي عن التجصيص الشامل للحدوث و البقاء، و ما عن عليّ عليه السّلام: «من جدد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج عن الإسلام»۲۲.

بناء على أنّه بالجيم و الدالين و قد قرئ (خدد) بالخاء و الدالين و يكون بمعنى الشق فيكون دليلا على حرمة النبش، و قرئ بالحاء المهملة و الدالين و يكون بمعنى التسنيم، و قرئ (جدث) بالجيم و الثاء و يكون بمعنى دفن ميت في قبر ميت آخر.

بضرورة المذهب، بل الدين بالنسبة إلى قبور الأنبياء و الأوصياء في الجملة، و الظاهر كونه ضروريا بالنسبة إلى كلّ من اعتقد بنبيّ أو وصيّ نبيّ مسلما كان أو غيره، و كذا بالنسبة إلى أولاد الأئمة و أصحابهم و الصلحاء و العلماء، لأنّ ذلك كلّه من تعظيم شعائر اللّه، و الظاهر عدم شمول خبر المنع على فرض تماميته لها، لأنّ تجديد شعائر اللّه تعالى حسن مستحسن في جميع الأديان و يترتب عليه كثير من المصالح الدينية، مع استمرار سيرة المتدينين عليه خلفا عن سلف.

تقدم في الأمر العشرين من الفصل السابق ما يتعلق به.

إجماعا، و نصوصا كثيرة، منها ما تقدم من قول الكاظم عليه السّلام: «لا يصلح البناء على القبر»۲۳.

و منها: خبر المدائني: «لا تبنوا على القبور»۲٤.

للإجماع، و لما تقدم في سابقة، و ما ورد في آداب زيارة المعصومين عليهم السّلام‏۲٥، و السيرة، و الأخبار المرغبة في تعمير قبورهم عليهم السّلام، و يلحق بهم أولادهم و العلماء العاملين بما ورد عنهم، للأصل بل بضرورة من المذهب، و السيرة.

للأصل بعد أنّ ظاهر النص هو البناء على القبر و عند الدوران بين الدفن تحت السماء أو تحت السقف الظاهر أفضلية الأول لو لم يكن مرجح في الثاني.

لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لا تتخذوا قبري قبلة و لا مسجدا، فإنّ اللّه تعالى لعن اليهود حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»۲٦.

و في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يبنى عند القبور مساجد»۲۷.

للأصل و السيرة، بعد انصراف الأخبار عن قبورهم عليهم السّلام و من يتبعهم علما و عملا، فإنّ تلك القبور محلّ نزول البركات فتستجاب بقربها الدعوات و تقبل فيها الصلوات، و في صحيح ابن أبي عمير قال: قلت‏ لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّي لأكره الصلاة في مساجدهم، فقال عليه السّلام: لا تكره، فما من مسجد بني إلّا على قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ قتل فأصاب تلك البقعة رشة من دمه فأحبّ اللّه أن يذكر فيها فأدّ فيها الفريضة و النوافل و اقض ما فاتك»۲۸.

ثمَّ إنّ اتخاذ القبر مسجدا على أقسام:

الأول: أن يعبد صاحب القبر و لا ريب في عدم جوازه مطلقا نبيا كان المقبور أو وصيا أو غير هما.

الثاني: أن يحترم المقبرة كاحترام المساجد و لا ريب في جوازه بالنسبة إلى قبور الأنبياء و الأوصياء و العلماء العاملين.

الثالث: أن يعبد اللّه تعالى فيها بالتوسل إليه بصاحب القبر لقبول عبادته، و لا ريب في جوازه أيضا إن كان صاحب القبر ممن يرجى التوسل به إليه تعالى كالأنبياء و الأوصياء و العلماء العاملين.

الرابع: الصلاة مطلقا في المقبرة و يأتي في مكان المصلّي ما يتعلق به.

الخامس: جعل المقبرة مسجدا في عرض سائر المساجد لا بعنوان المسجدية المعهودة، و الظاهر عدم جوازه.

السادس: جعل المقبرة مسجدا مستقلا كالمساجد المعهودة لأن يأتي الناس للصلاة في المسجد ثمَّ يدعون للميت بالعرض و لا إشكال في جوازه.

للنص و الإجماع. قال الصادق عليه السّلام: «ليس التعزية إلّا عند القبر ثمَّ ينصرفون»۲۹، و في خبر بيعة النساء للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله «و لا تدعون بالويل و الثبور و لا تقمن عند قبر»۳۰.

للإجماع، و السيرة، و لأنّها الملاذ و الملجأ مما يخاف و يخشى.

لقول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتصل النار إلى بدنه أحبّ إليّ من أن يجلس على قبر»۳۱.

و عن موسى بن جعفر عليه السّلام: «لا يصلح البناء على القبر و لا الجلوس عليه»۳۲. مع أنّه خلاف احترام الميت.

لأنّ ذلك من مواضع اللعن مع أنّه خلاف احترام الميت، و لصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «من تخلّى على قبر .. إلى أن قال عليه السّلام: فأصابه شي‏ء من الشيطان لم يدعه إلّا أن يشاء اللّه، و أسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان و هو على بعض هذه الحالات»۳۳.

و عنه عليه السّلام أيضا: «ثلاثة يتخوّف منها الجنون: التغوط بين القبور، و المشي في خف واحد، و الرجل ينام وحده»۳٤.

و التخلي يشمل البول و الغائط، و إذا كان التغوط بين القبور مكروها فعلى القبور يكون بالأولى، و في النبوي «لا تبولوا بين ظهرانيّ القبور و لا تتغوّطوا»۳٥.

و تقدم في مكروهات التخلّي ما ينفع المقام. و يحرم ذلك لجهة خارجية، كما إذا كان القبر ملكا لأحد، أو كان التخلّي هتكا بالنسبة إلى الميت.

لوصية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى‏ كره لأمتي الضحك بين القبور، و التطلع في الدور»۳٦.

و التطلع حرام كما يأتي إن شاء اللّه تعالى في محلّه لدليل آخر يدل على حرمته.

لما تقدم من قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا تتخذوا قبوركم مساجد، و لا بيوتكم قبورا»۳۷.

الظاهر أنّه إذا كان ذلك هتكا لحرمته يحرم ذلك، و المكروه ما إذا لم يصل إلى الهتك و دليل الكراهة حينئذ أنّه خلاف توقير الميت و خلاف احترامه.

قد ادعي الإجماع على الكراهة، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

«لأن أطأ على جمرة أو سيف أحبّ إليّ من أن أطأ على قبر مسلم»۳۸.

و أما المرسل: «إذا دخلت المقابر فطأ القبور فمن كان مؤمنا استراح إلى ذلك، و من كان منافقا وجد ألمه»۳۹فيمكن حمله على الضرورة مع أنّه أمر في مورد توهم الحضر لا يستفاد منه شي‏ء.

قال في المستدرك: «ظاهر الفقهاء كراهة الاتكاء و المشي على القبور و نسبه في المعتبر إلى العلماء»٤۰.

تقدم في الأمر الرابع من الفصل السابق.

تقدم وجهه في الأمر التاسع عشر من الفصل السابق.

فروع- (الأول): المعروف كراهة الطواف بالقبور مطلقا و يظهر من صاحب الوسائل الحرمة. و استدل للكراهة بأمور:

الأول: صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنّه قال: «و لا تطف بقبر»٤۱.

و مثله صحيح الحلبي‏٤۲. و نوقش فيهما: بأنّ الطواف استعمل بمعنى الغائط- كما في مجمع البحرين. و مقامع الفضل- فلا يكون دليلا للمقام، و يمكن أن يكون بمعنى الإلمام و المقام عند القبر، و هو مكروه، فلا يدل على كراهة الطواف المعهود.

الثاني: سيرة الأئمة و العلماء حيث لم يعهد منهم الطواف حول قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام المعصوم عليه السّلام فضلا عن غيرهما.

و فيه: أنّها مجملة لا تدل على الكراهة، لجريان سيرتهم على ترك جملة من المباحات- أيضا- مع أنّه قد ورد في خبر ابن أكثم قال: «بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فرأيت محمد بن عليّ الرضا عليه السّلام يطوف به»٤۳.

و لا وجه لحمله على التقية، أو أنّه ليس من الطواف التام، كما عن صاحب الوسائل.

الثالث: أنّه من شعائر الصوفية بالنسبة إلى قبور مشايخهم، و العامة بالنسبة إلى قبور أكابرهم، و قد ورد أنّ «الرشد في خلافهم».

و فيه: أنّه ليست المخالفة أصلا متبعا بيننا و بينهم في كلّ شي‏ء، و إنّما هي في موارد خاصة لا يمكن الجمع بين الأدلة بغيرها.

الرابع: أنّه تشبه بالكعبة و الأئمة لا يرضون بذلك.

و فيه: ما لا يخفى، هذا و قد ورد في زيارة أئمة المؤمنين: «بأبي أنتم و أمّي يا آل المصطفى إنّا لا نملك إلّا أن نطوف حول مشاهدكم»٤٤.

فلم يتم دليل صحيح على الكراهة. نعم، حيث إنّها قابلة للمسامحة، فيكفي مجموع ما ذكر فيها، و إن كان قابلا للمناقشة كما مر، و في صحيحة حماد عن الصادق عليه السّلام في قضية فدك: «دخلت فاطمة عليها السّلام المسجد و طافت بقبر أبيها- الحديث-»٤٥.

و هي ظاهرة في الجواز إن لم نقل بأنّها قضية في واقعة.

(الثاني): يظهر من بعض الأخبار كراهة زيارة القبور بالليل، فعن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأبي ذر: «وزرها أحيانا بالنهار، و لا تزرها بالليل»٤٦.

و يستثنى من ذلك قبور المعصومين، للسيرة المستمرة خلفا عن سلف بين العلماء العاملين، و المؤمنين.

(الثالث): تجوز الاستنابة في زيارة القبور، كما يجوز أخذ الأجرة عليها، و يصح إهداء ثوابها إلى الغير أيضا، كلّ ذلك للأصل و الإطلاقات و العمومات، و إطلاق خبر داود الصرمي عن العسكري عليه السّلام قال: «قلت له: إنّي زرت أباك و جعلت ذلك لك، فقال: لك بذلك من اللّه ثواب و أجر عظيم و منّا المحمدة»٤۷

تنبيهان- الأول: ما تقدم في الفصلين السابقين من الأوامر و النواهي و إن كانت ظاهرة في الوجوب و الحرمة، إلّا أنّها محمولة على الندب و الكراهة، لقرائن داخلية أو خارجية تعرّضنا لبعضها.

الثاني: الأولى إتيان المندوبات و ترك المكروهات رجاء، لقصور مدارك بعضها فتبني على قاعدة التسامح و قد اختلف الفقهاء في ثبوت الحكم الشرعي بهذه القاعدة، و قد تعرضنا لها فيما مرّ من مباحثنا كما تعرضنا لها أيضا فراجع‏٤۸في كتابنا (تهذيب الأصول).

مقتضى الأصل، و إطلاق أدلة الدفن جواز النقل مطلقا ما لم- يترتب عليه محرّم- لشمول تلك الإطلاقات لما إذا استلزم النقل و عدمه، و لكنه مكروه لدعوى جمع من الأعيان الإجماع عليها، و يشهد لها ما نسب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله تارة، و إلى عليّ عليه السّلام أخرى: «ادفنوا الأجساد في مصارعهم و لا تفعلوا كفعل اليهود فإنّ اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس- الحديث-»٤۹.

إن لم نقل باختصاصه بمصارع الشهداء، و إلّا فلا يستفاد منه التعميم.

و ما دل على تعجيل الدفن‏٥۰ محمول على الندب إجماعا ما لم يكن غرض صحيح في البين، و إلّا فقد يكون الترجيح مع ملاحظة ذلك الغرض.

للأصل بعد أنّ المتيقن من الإجماع الدال على الكراهة غير ذلك و يمكن دعوى اتفاق المذاهب الأربعة الإسلامية فضلا عن الإمامية، بل العقلاء على جواز النقل إليها، بل رجحان ذلك ثابت بالفطرة، و في الشرائع الإلهية خصوصا في مثل هذه الحالة التي انقطعت منها العلاقات، و بقية التوسلات إلى‏ المقربين لدى خالق البريات، و يشهد لذلك ما ورد في نقل نوح عليه السّلام عظام آدم عليه السّلام و دفنها في الغريّ‏٥۱. و نقل موسى عليه السّلام عظام يوسف عليه السّلام و دفنها في بيت المقدس٥۱.

و ما ورد في نقل رجل جنازة أبيه من اليمن إلى الغري في حياة عليّ عليه السّلام، و أمره عليه السّلام بالدفن هناك٥۲.

و بالجملة في السيرة بين العقلاء الذين يدفنون موتاهم و مرتكزاتهم في النقل إلى الأماكن المقدسة غنى و كفاية بعد عدم ثبوت الردع، و قد تعرضت كتب التاريخ المعتبرة لنقل الجنائز قبل الدفن و بعده إلى محلّ آخر من فرق المسلمين، و من شاء العثور عليها فليراجعها، و قد نقل جملة منها العلامة الأميني (رحمه اللّه)، و سيأتي في نقل كلام صاحب الجواهر من دعوى الإجماع على الاستحباب.

لنصوص كثيرة، ففي خبر ابن سليمان قال: «كتبت إليه أسأله عن الميت يموت بعرفات أو ينقل إلى الحرم فأيّهما؟ فكتب يحمل إلى الحرم و يدفن فهو أفضل»٥۳.

و في خبر آخر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر، فقلت: من بر الناس و فاجرهم؟ قال: من بر الناس و فاجرهم»٥٤.

مضافا إلى أنّ مكة أفضل من عرفات من جهات، منها كونها في الحرم دون عرفات.

كما سيأتي في التنبيه الثالث.

لاكتساب الفضيلة من الجوار و حسن الجار كما هو مطلوب في الدنيا، مرغوب إليه في البرزخ و في الآخرة.

لأنّ الحالة حالة يطلب فيها الأفضل فالأفضل مهما أمكن، و في النبوي: «إنّ موسى بن عمران لما حضرته الوفاة سأل ربّه أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية حجر، و قال صلّى اللّه عليه و آله: لو كنت ثمَّ لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر»٥٥.

و من المرجحات الشرعية تعدد الإمام المدفون فيها، كما في البقيع، و منها كثرة مقابر العلماء و الصلحاء في ذلك المشهد، و ذلك يختص بالنجف الأشرف، أو كثرة الشهداء، و هذا يختص بالمدينة المنوّرة و كربلاء المقدسة.

النقل تارة يكون بعد الموت و قبل الدفن، و أخرى بعد إيداعه فيما يحفظه عن الفساد، أو استعمال ما يوجب عدم عروضه عليه من الأدوية القديمة أو الحديثة، أو يكون بعد الدفن ثمَّ النبش للنقل، و الكلّ جائز للأصل- و إن قلنا بحرمة النبش في نفسه- و لو فرض خروج الميت بسيل أو نحوه فلا حرمة من هذه الجهة أيضا.

قال في الجواهر: «كان يفتي به الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر تغمده اللّه برحمته حتّى توفي، قال: لو توقف نقله على تقطيعه إربا إربا جاز و لا هتك فيه ..».

و لعلّه استند إلى الأصل، و إطلاق الأصحاب استحباب النقل إلى المشاهد، و بأولويته من النقل بعد الدفن.

و الكلّ مخدوش بما دل على لزوم احترام المؤمن بعد موته، «و لأنّ حرمته ميتا كحرمته حيا». و لكن يمكن أن يقال: إنّ المسألة من صغريات الأهم و المهم، فإذا كان حفظه عن مكارهه الروحية بإيصاله إلى جوار من بجواره تتحفظ الأرواح و النفوس عما يخاف و يحذر، و تصل إلى ما أعد لها من المقامات المعنوية متوقفا على تقطيع جسمه فكلّ أحد يرضى بذلك، بل الشرع أيضا يرجحه، لكثرة اهتمام الشارع بإيصال نفوس أمّته إلى المقامات المعنوية في جميع العوالم التي تمر على الإنسان، و لا وقع للجسم الجامد الذي يفنيه التراب عما قريب في مقابل درك الفضائل المعنوية الأبدية من جوار أولياء اللّه تعالى، و يشهد لقول كاشف الغطاء (رحمه اللّه) إطلاق ما مرّ من نقل موسى عظام يوسف و دفنها في بيت المقدس‏٥٦ فإنّ إطلاقه يشمل حصول الكسر في العظم خصوصا في الأزمنة القديمة التي صعب فيها النقل و الانتقال جدا.

الأذية لها مراتب متفاوتة، منها ما يصل إلى تلف النفس. و منها ما يوجب حدوث مرض. و منها ما يحدث و يزول بسرعة، كحدوث الروائح المنتنة الكريهة التي تأتي و تزول، و الظاهر عدم شمول أدلة النقل للأولتين، و أما الأخيرة فلا مانع فيها من الشمول.

تنبيهات- الأول: يجوز إيداع الميت بلا دفن في محلّ محفوظ عن التغير، أو استعمال دواء أو شي‏ء آخر لذلك لأجل نقله إلى بعض المشاهد، للأصل و إطلاقات الأدلة الدالة على وجوب الدفن بعد الموت.

و أشكل عليه: بأنّ الإيداع ليس بدفن، مضافا إلى ما دل على التعجيل في الدفن.

و فيه: أنّ الإيداع و إن لم يكن دفنا، و لكنّه في معرض الدفن بعد ذلك، فيشمله إطلاق أدلة الدفن، و التعجيل في الدفن مندوب إجماعا ما لم يكن غرض أهمّ في البين، فما دل على وجوب الدفن لا يدل على أزيد من وجوبه في الجملة، و لا تستفاد الفورية منها، كما ثبت في محلّه، و المفروض عدم ترتب مفسدة على الإيداع، بل تترتب عليه مصلحة النقل و عدم الوقوع في حرمة النبش بعد ذلك لو قلنا بحرمة النقل أيضا، فمقتضى الأصل عدم محذور فيه ما لم تترتب عليه مفسدة.

الثاني: قد تعارف في هذه الأعصار نقل الجنائز من أطراف كربلاء- حتّى من النجف- و التبرك بها بالضريح المقدس الحسيني، ثمَّ دفنها في النجف الأشرف. و مقتضى الأصل جوازه لو لم يترتب عليه حرام، و الظاهر عدم احتساب مئونة النقل على القصر من الورثة، و يشهد له في الجملة ما ورد في وصية الحسن لأخيه الحسين عليه السّلام من حمل نعشه إلى حرم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ليجدد به عهدا، ثمَّ دفنه في البقيع٥۷.

الثالث: قال في الجواهر: «إنّ نقل الجنائز إلى المشاهد المشرفة لا يكره، بل يستحب بلا خلاف، و في المعتبر أنّه مذهب علمائنا، و عن المحقق الثاني أنّ عليه عمل الإمامية في زمن الأئمة عليهم السّلام إلى الآن، و عن الصادق عليه السّلام في خبر ابن خارجة: «من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر فقلت له: من بر الناس و فاجرهم؟ قال: من بر الناس و فاجرهم»٥۸.

و في البحار: «إنّه قد وردت أخبار كثيرة في فضل الدفن في المشاهد المشرفة لا سيّما الغريّ و الحائر».

و في إرشاد الديلمي: «إنّ من خواص تربة الغريّ إسقاط عذاب القبر و ترك محاسبة نكير و منكر هناك، كما ورد في بعض الأخبار الصحيحة عن أهل البيت (عليهم السّلام)».

و في الجواهر عن بعض مشايخه ناقلا عن المقداد: «قد تواترت الأخبار أنّ الدفن في سائر مشاهد الأئمة مسقط لسؤال منكر و نكير».

الرابع: نسب إلى أمالي الطوسي أنّه نقل عن الصادق عليه السّلام: «إنّ اللّه تعالى خلق سبعين ألف ملك نقالة تنقل الموتى إلى حيث يناسبهم»٥۹.

و قد ورد أنّ من مات بعمل قوم لوط و لم يتب يقذفه القبر إلى مكان قوم لوط٦۰.

أقول: قد تفحصت بقدر و سعي فلم أجد ما دل على النقل في المدارك المعتبرة، و يمكن حملها- على فرض الصدور عن المعصوم عليه السّلام- على من كان لا يليق بالجوار من الكفار، أو من انهمك في الطغيان بحيث يقبح بالنسبة إليه الثواب و الإحسان، و إلّا فمشاهدهم مأمن إلهي، و الملائكة لا تجترئ على النقل عن مأمن إلهي، و كيف يرضى اللّه تعالى بذلك بعد أن جعل تلك المشاهد ملجأ و ملاذا.

فعار على حامي الحمى و هو في الحمى‏ إذا ضلّ في البيدا عقال بعير

مع أنّه تقدم أنّ الدفن في الحرم ينفع بر الناس و فاجرهم.

(مسألة ۱): يجوز البكاء على الميت (٤۹) و لو كان مع الصوت، بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن و حرقة القلب (٥۰). بشرط أن لا يكون منافيا للرضاء بقضاء اللّه (٥۱) لا فرق بين الرحم و غيره، بل قد مر استحباب البكاء على المؤمن. بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال (٥۲) و الخبر (٥۳) الذي ينقل من أنّ الميت يعذّب ببكاء أهله ضعيف، مناف لقوله‏ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏*. و أما البكاء المشتمل على الجزع و عدم الصبر فجائز (٥٤) ما لم يكن مقرونا بعدم الرضاء بقضاء اللّه (٥٥). نعم، يوجب حبط الأجر (٥٦)، و لا يبعد كراهته (٥۷).

أما أصل جوازه في الجملة، فللأصل و الإجماع، و نصوص كثيرة تقدم بعضها، بل الظاهر أنّ بعض مراتبه غير اختياري عند موت القريب، بل الحبيب، خصوصا عند النفوس الرحيمة. و أما جوازه لما إذا كان مع الصوت أو بدونه، فللأصل و الإطلاق.

لخبر منصور الصيقل، عن أبيه، قال: «شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام وجدا وجدته على ابن لي هلك حتّى خفت على عقلي، فقال: إذا أصابك من هذا شي‏ء فأفض من دموعك فإنّه يسكن عنك»٦۱.

و يشهد له ما ثبت في الطب القديم و الحديث، بل قد يجب ذلك إذا توقف علاج العقد النفسانية عليه.

لأنّ التسليم للّه تعالى في كلّ ما يرد منه على عبده من أجلّ المقامات و أعلاها، و هو مقام الأولياء المقربين و العرفاء الشامخين حيث يرون أنّ جميع ما يتعلق بهم عارية من اللّه تعالى و وديعة منه عزّ و جلّ، و لا وجه للجزع عند رد العارية و الوديعة. مضافا إلى ما ورد من الأخبار عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عند موت ابنه إبراهيم عليه السّلام: «يحزن القلب و تدمع العين، و لا نقول ما يسخط الرب»٦۲.

كما في خبر يونس بن يعقوب، عن عبد اللّه بن بكير الأرجاني قال:

«ذكرت أبا الخطاب و مقتله عند أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: فرققت عند ذلك و بكيت فقال: أ تأسى عليهم؟ فقلت: لا، و لكن سمعتك تذكر أنّ عليا عليه السّلام قتل أصحاب النهروان فأصبح أصحاب عليّ عليه السّلام يبكون‏ عليهم، فقال عليّ عليه السّلام: أ تأسون عليهم؟ فقالوا: لا، إنّا ذكرنا الألفة التي كنا عليها و البلية التي أوقعتهم فلذلك رققنا عليهم، قال: لا بأس»٦۳.

هذا الخبر رواه البخاري و مسلم عن عبد اللّه بن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «الميت يعذب ببكاء أهله عليه»٦٤، و في رواية أخرى: «إنّ اللّه يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله»٦٥. و هذا الخبر مع أنّه عامي، و منقول بوجهين، و مخالف للقرآن لقوله تعالى‏ وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏*٦٦.

محرّف أيضا، فقد نقلوا عن عائشة أنّها قالت: رحم اللّه عمر و اللّه ما كذب، و لكنّه أخطأ أو نسي، إنّما مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بقبر يهودية و هم يبكون عليها، فقال: «إنّهم يبكون، و إنّها لتعذب- الحديث-»٦۷.

و أما ما ورد عن الصادق عليه السّلام: «من أنّ كلّ الجزع و البكاء مكروه ما سوى الجزع و البكاء لقتل الحسين عليه السّلام»٦۸.

فلا بدّ من تأويله، كالإرشاد إلى أقلية ثواب البكاء على غيره عليه السّلام عن البكاء عليه أو نحو ذلك.

للأصل، و الإطلاق.

لمنافاته للأخبار المتواترة الدالة على الرضا بقضاء اللّه تعالى، و التسليم لأمره، بل عدّ ذلك من شعب الإيمان.

لأنّه يمكن أن يستفاد مما دل على أنّ ضرب المصاب يده على الفخذ موجب لحبط الأجر بأن يكون ذلك من باب المثال لكلّ ما يمكن أن يظهر به الجزع المنافي لقضاء اللّه.

بل هي المسلمة إن قلنا بأنّ ترك المندوب مكروه خصوصا في مثل المقام.

(مسألة ۲): يجوز النوح على الميت بالنظم و النثر (٥۸) ما لم‏ يتضمن الكذب و لم يكن مشتملا على الويل و الثبور (٥۹)، لكن يكره في‏ الليل (٦۰). و يجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل (٦۱). لكن‏ الأولى أن لا يشترط أولا (٦۲).

للأصل و الإجماع، و النصوص المستفيضة، و قد أوصى أبو جعفر عليه السّلام: «أن يندب في المواسم عشر سنين»٦۹.

و ندبة الصديقة الطاهرة عليها السّلام لأبيها معروفة بين الفريقين، و أنّ فاطمة عليها السّلام: «قد ناحت على أبيها، و أنّه أمر بالنوح على حمزة»۷۰.

و كذا ندبة أم سلمة ابن عمها بين يدي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ففي خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «مات الوليد بن المغيرة فقالت أم سلمة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله: إنّ آل المغيرة قد أقاموا مناحة فأذهب إليهم؟

فأذن لها فلبست ثيابها و تهيّأت و كانت من حسنها كأنّها جان، و كانت إذا قامت فأرخت شعرها جلّل جسدها و عقدت بطرفيه خلخالها، فندبت ابن عمها بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقالت:

أنعى الوليد بن الوليد أبا الوليد فتى العشيرة
حامي الحقيقة ماجد يسمو إلى طلب الوتيرة
قد كان غيثا في السنين‏ و جعفرا غدقا و ميرة

فما عاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ذلك و لا قال شيئا»۷۱.

و ما يظهر منه الكراهة محمول على ما إذا اشتملت على ترك الآداب الشرعية، بل قد يحرم إذا اشتملت على الكذب و نحوه من المحرّمات.

لقول عليّ عليه السّلام: «مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم فإنّ فاطمة عليها السّلام لما قبض أبوها أسعدتها بنات هاشم، فقالت: اتركن التعداد، و عليكن بالدعاء»۷۲.

و قال أبو جعفر: «إنّما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها، و لا ينبغي لها أن تقول هجرا، فإذا جاءها الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح»۷۳.

و إطلاق قوله عليه السّلام: «و لا ينبغي لها أن تقول هجرا» يشمل الندبة بالويل و الثبور، و نحوه عند المصيبة، و الثبور بمعنى الهلاك. و لا يستفاد أزيد من الكراهة من قوله عليه السّلام هذا.

و لكن في جملة من الأخبار النهي عن الصراخ بالويل، ففي خبر جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قلت له: «ما الجزع؟ قال: أشد الجزع الصراخ بالويل و العويل و لطم الوجه و الصدر و جز الشعر من النواصي، و من أقام النواحة فقد ترك الصبر و أخذ في غير طريقه»۷٤.

و عن عمرو بن أبي المقدام: «سمعت أبا الحسن و أبا جعفر عليهما السّلام يقول في قول اللّه عزّ و جلّ‏ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ‏ قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال لفاطمة عليها السّلام: إذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجها، و لا ترخي عليّ شعرا، و لا تنادي بالويل، و لا تقيمنّ عليّ نائحة. قال: ثمَّ قال: هذا المعروف الذي قال اللّه عزّ و جلّ في كتابه‏ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ‏۷٥.

أقول: الويل و الثبور بمعنى الهلاك، أي: يطلب الهلاك لنفسه، و هو مخالف للتسليم و الرضا و التوكل. و العويل: رفع الصوت بالبكاء، و هو عبارة أخرى عن الصراخ. و لكن في خطبة الصديقة الطاهرة- بعد رحلة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله- وقعت هذه العبارة: «ويلاه من كلّ شارق»، و يمكن حمله على بعض المحامل. و المراد بقولها عليها السّلام: «اتركن التعداد» أي التهيئة المتعارفة بينهنّ للنياحة من إرسال الشعر و نحو ذلك، أو تعداد ما لا فائدة فيه من المفاخر الدنيوية.

ثمَّ إنّه ينبغي أن يعد من الآداب عدم لبس السواد أيضا، ففي الخبر عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره في قوله تعالى‏ وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ‏: إنّها نزلت في يوم فتح مكة و ذلك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قعد في المسجد يبايع الرجال إلى صلاة الظهر و العصر ثمَّ قعد لبيعة النساء .. إلى أن قال: ثمَّ قرأ عليهنّ ما أنزل اللّه من شروط البيعة، فقال: على أن لا يشركن .. الآية، فقامت أم حكيم بنت الحارث بن عبد المطلب فقالت: يا رسول اللّه ما هذا المعروف الذي أمرنا اللّه به أن لا يعصينك فيه، فقال: أن لا تخمشن وجها، و لا تلطمن خدا، و لا تنتفن شعرا، و لا تمزّقن جيبا، و لا تسوّدن ثوبا، و لا تدعونّ بالويل و الثبور، و لا تقمن عند قبر- الحديث-»۷٦.

تقدم ما يدل عليه.

للأصل، و العمومات، و الإجماع، و قول الصادق عليه السّلام:

«لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت»۷۷.

و سئل عليه السّلام عن أجر النائحة، فقال: «لا بأس به قد نيح على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله»۷۸.

و قوله عليه السّلام: «لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا»۷۹.

و سيأتي التفصيل في المكاسب المحرمة إن شاء اللّه تعالى، هذا إذا لم يكن النوح بالباطل. و إلّا فهو حرام و يحرم أخذ الأجرة عليه أيضا لأنّ «اللّه إذا حرّم شيئا حرم ثمنه»۸۰.

لقول الصادق عليه السّلام في موثق حنان بن سدير في الجارية النائحة: «لا تشارط و تقبل ما أعطيت»۸۱.

المحمول على مجرد أولوية ترك الشرط، و قد ورد مثل ذلك في كسب الحجام و الماشطة أيضا۸۲.

(مسألة ۳): لا يجوز اللطم و الخدش و جز الشعر (٦۳)، بل‏ و الصراخ الخارج عن حدّ الاعتدال على الأحوط (٦٤). و كذا لا يجوز شق الثوب على غير الأب و الأخ (٦٥). و الأحوط تركه فيهما أيضا (٦٦).

نصّا، و إجماعا. قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ليس منّا من ضرب الخدود، و شق الجيوب»۸۳.

و لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «الخامشة وجهها، و الشاقة جيبها، و الداعية بالويل و الثبور»۸٤.

و في خبر أبي جميلة الآنف الذكر: «أشد الجزع الصراخ بالويل و العويل، و لطم الوجه و الصدر- الحديث-».

و قال صلّى اللّه عليه و آله: «مهما يكن من العين و القلب فمن اللّه و من الرحمة، و مهما يكن من اليد و اللسان فمن الشيطان»۸٥ و قد أوصى أبو عبد اللّه عليه السّلام عند احتضاره بأن: «لا يلطمن عليّ خدّا، و لا يشقنّ عليّ جيبا، فما من امرأة تشق جيبها إلّا صدع لها في جهنم صدع كلّما زادت زيدت»۸٦.

هذا مع منافاة كلّ ذلك للتسليم و الرضا مع أنّ الشق إسراف محرّم، و الخدش إضرار محرم، فمقتضى العمومات و الإطلاقات فيهما عدم الجواز، و لكن إطلاق هذه الأخبار يقتضي الحرمة مطلقا، و لو لم ينطبق على الشق عنوان الإسراف بأن كان القميص عتيقا جدا، و كذا لو لم ينطبق على الخدش عنوان الإضرار بأن كان يسيرا كذلك.

كما صرّح به في الحدائق، لأنّ الظاهر من الأخبار و كلام الأصحاب حرمة الصراخ، و إنّما الجائز. النوح بالصوت المعتدل، و عن الصادق عليه السّلام: «لا ينبغي الصياح على الميت، و لا تشق الثياب»۸۷.

فيحمل لفظ لا ينبغي على الحرمة بقرينة فهم الأصحاب. فتأمل.

لإطلاق ما دل على النهي عن الإسراف، و أنّه من المعاصي الكبيرة، و ما تقدم من الأخبار الناهية عنه بالخصوص المعتضدة بما دل على الترغيب إلى الرضا و التسليم و أنّه مخالف لهما.

استدل للجواز فيها بمرسل المبسوط، و النسبة إلى ظاهر الأصحاب و ما ورد في شق العسكري عليه السّلام على أبيه، و في جنازة أخيه، و كذا شق أبو محمد عليه السّلام في جنازة أبي الحسن عليه السّلام۸۸.

و الكل مخدوش إذ المرسل لا أثر له في الكتب، و النسبة إلى ظاهر الأصحاب ليس من الإجماع المنقول و لا المقبول، فلا يصلحان لتخصيص ما دل على حرمة الإسراف. و يحتمل أن يراد بالشق حلّ القميص و فك الأزرار، كما في موثق ابن أبي عمير عن الصادق عليه السّلام: «يشق الكفن من عند رأس الميت إذا أدخل قبره»۸۹.

أي يحلّ، لا أن يكون المراد به الشق بمعنى إفساد الكفن أو القميص.

و ما ورد في شقّ العسكري و أبي محمد عليهما السّلام يمكن أن يراد به ذلك أيضا، مع أنّه لو كان جائزا لشق الحسنان عليهما السّلام على أمير المؤمنين عليه السّلام، و شق عليّ بن الحسين عليهما السّلام على أبيه عليه السّلام في واقعة الطف بل كانت أولى بالشق من جهات.

نعم، ذيل ما يأتي من خبر ابن سدير يدل على رجحان الشق لمثل الحسين عليه السّلام إن وجد مثيل له في مصائبه. و لكن فيه إشكال: و هو أنّه لم يشق السجاد عليه السّلام و شققن الفاطميات فقط، مع أنّه يمكن أن يستفاد من الجملة في الذيل عدم الجواز لأنّه عليه السّلام علق الجواز على الشهادة مقرونا بجهات من المظلومية التي لا توجد في غير الحسين عليه السّلام، و لم يجعل عليه السّلام مجرد الموت منشأ للجواز فيتعارض مع الصدر. و الترجيح مع الذيل كما لا يخفى.

و أما خبر خالد بن سدير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على أمّه أو على أخيه أو على قريب له. فقال عليه السّلام:

لا بأس بشق الجيوب قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون، و لا يشق الوالد على ولده، و لا زوج على امرأته، و تشق المرأة على زوجها، و إذا شق زوج على امرأته، أو والد على ولده فكفارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتّى يكفّرا أو يتوبا من ذلك، فإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته، ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، و في الخدش إذا أدمت و في النتف كفارة حنث يمين، و لا شي‏ء في اللطم على الخدود سوى‏ الاستغفار و التوبة، و لقد شققن الفاطميات الجيوب و لطمن الخدود على الحسين بن عليّ عليهما السّلام، و على مثله تلطم الخدود و تشق الجيوب»۹۰.

فلا عامل بإطلاق صدره مضافا إلى قصور سنده و لا جابر بالنسبة إليه، و إن عمل المشهور بما فيه من الكفارات.

(مسألة ٤): في جز المرأة شعرها في المصيبة كفارة شهر رمضان، و في نتفه كفارة اليمين، و كذا في خدشها وجهها (٦۷).

على المشهور، و لما تقدم في خبر ابن سدير. و الجز هو القطع مع بقاء أصله، و النتف نزعه من أصله.

(مسألة ٥): في شق الرجل ثوبه في موت زوجته أو ولده كفارة اليمين، و هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (٦۸).

على المشهور، و لما مر في خبر ابن سدير، و يأتي التفصيل في كتاب الكفارات إن شاء اللّه تعالى.

فروع- (الأول): المنساق من خبر ابن سدير في تعلق الكفارة إنّما هو جز تمام شعر الرأس عرفا بحيث يصدق عند العرف أنّها جزت شعر رأسها لا الصدق الدقي الحقيقي حتّى يكون نادرا، لأنّه غير واقع عادة، و هو مقتضى الأصل أيضا، لأنّها من صغريات الأقل و الأكثر في المحرمات التي يكون الأكثر محرّما قطعا و الأقل مشكوك الحرمة، و كذا الكلام في النتف، و لكن الأحوط الكفارة بجزّ البعض أو نتفه أيضا، جمودا على الإطلاق و خروجا عن خلاف من أوجبها فيه أيضا.

(الثاني): لو كانت المصيبة شديدة بحيث خرجت المرأة عن الاختيار، فجزت أو نتفت فلا كفارة عليها، لظهور تعلقها بالعمل المختار.

(الثالث): لو جزت البعض و نتفت الآخر، فلا كفارة عليها بناء على اعتبار أن يكون مورد الجز أو النتف التمام، و لكن الأحوط الكفارة.

(الرابع): لا كفارة في شق المرأة ثوبها لزوجها أو ولدها، أو أحد من أقاربها، أو في مصيبة غير الأقارب، للأصل بعد عدم دليل عليها.

(الخامس): يكفي في الشق مجرد الصدق العرفي و لا يعتبر شق تمام الثوب، كما أنّه يعتبر فيه أن يكون من المحلّ المتعارف، فلو شق من غيره فلا كفارة، بل و لا حرمة مع عدم الإسراف، و تأتي بقيّة الكلام في الكفارات إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ٦): يحرم نبش قبر المؤمن (٦۹) و إن كان طفلا أومجنونا (۷۰)، إلّا مع العلم باندراسه و صيرورته ترابا (۷۱). و لا يكفي الظن به (۷۲). و إن بقي عظما فإن كان صلبا ففي جواز نبشه إشكال (۷۳). و أما مع كونه مجرد صورة بحيث يصير ترابا بأدنى حركة، فالظاهر جوازه (۷٤). نعم، لا يجوز نبش قبور الشهداء و العلماء و الصلحاء و أولاد الأئمة عليهم السّلام و لو بعد الاندراس و إن طالت المدة، سيّما المتخذ منها مزارا أو مستجارا (۷٥). و الظاهر توقف صدق النبش على بروز الجسد، فلو أخرج بعض تراب القبر و حفر من دون أن يظهر جسده لا يكون من النبش المحرّم (۷٦)، و الأولى الإناطة بالعرف و هتك الحرمة (۷۷).و كذا لا يصدق النبش إذا كان الميت في سرداب و فتح بابه لوضع ميت آخر خصوصا إذا لم يظهر جسد الميت (۷۸). و كذا إذا كان الميت موضوعا على وجه الأرض و بني عليه بناء- لعدم إمكان الدفن أو باعتقاد جوازه، أو عصيانا- فإنّ إخراجه لا يكون من النبش. و كذا إذا كان في تابوت من صخرة أو نحوهما (۷۹).

لأنّ قبحه و حرمته- في الجملة- مسلّم بين المسلمين، بل جميع الملّيين الذين يدفنون موتاهم، مع أنّه يكون مثلة. و هتكا للميت، و حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيّا، و إنّ المطلوب من الدفن إنّما هو الحدوث و البقاء لا مجرد الحدوث، و ما دل على قطع يد النباش‏۹۱– كما يأتي في الحدود- و يشهد له حديث: «من خدّد قبرا»۹۲ بناء على قراءته بالخاء.

هذا، و لكن يمكن المناقشة في جميع ذلك، لأنّه لم يعلم من المجمعين أنّ مرادهم كون الأصل حرمة النبش إلّا ما خرج بالدليل، أو أنّه محرم إلّا فيما ليس فيه غرض صحيح، فلا يصح التمسك بإطلاق مثل هذا الإجماع. و المثلة و الهتك أخص من مطلق النبش وجدانا، و مجرد النبش لغرض صحيح ثمَّ الدفن ثانيا، لا ينافي وجوب الدفن بقاء، و قطع يد النباش للسرقة لا لمجرد النبش من حيث هو، و حديث التجديد مجمل متنا، فإثبات أنّ مطلق النبش حرام إلّا ما خرج بالدليل مشكل. نعم، حرمة ما ليس فيه غرض صحيح مسلّم عند الكلّ.

لإطلاق معقد الإجماع الشامل لهما.

لأنّ المنساق من الأدلة و المتيقن من الإجماع غير مورد العلم بالاندراس، فالمرجع حينئذ أصالة الإباحة، هذا مع قطع النظر عن جهة أخرى.

و إلّا فقد يحرم و قد يجب.

لأصالة عدم اعتباره، فيكون المرجع استصحاب الحرمة.

مقتضى الاستصحاب فيه عدم الجواز أيضا. و دعوى أنّه من الشك في أصل الموضوع فلا مجرى للاستصحاب. مردود: بأنّ العرف يحكم في مثله بالبقاء.

لأنّ المتيقن من دليل المنع صورة عدم الاستحالة إلى التراب، و لا يجري الاستصحاب، للشك في الموضوع.

إجماعا، بل ضرورة عند كلّ مذهب بالنسبة إلى عظماء مذهبهم.

لعدم صدق النبش المعهود بدونه، و لا أقلّ من الشك في ذلك فلا تشمله الأدلة.

لقاعدة أنّ كلّ موضوع لم يرد دليل من الشرع على تحديده، فالمرجع فيه هو العرف، و يأتي التعرض لهذه القاعدة في محلّه. و حينئذ فإن صدق النبش عرفا يحرم، و لا يحرم مع الشك فضلا عن صدق العدم.

لأصالة البراءة، و السيرة المستمرة في السراديب المعمولة للموتى في غالب البلدان، و الظاهر عدم صدق النبش عرفا، و لو ظهر الجسد آنا ما ثمَّ سدّ باب السرداب فورا.

لأنّه لا يتحقق موضوع الحرمة إلّا بعد الدفن، و المفروض عدم تحققه بعد، بل قد يجب الإخراج.

(مسألة ۷): يستثنى من حرمة النبش موارد: الأول: إذا دفن في المكان المغصوب عدوانا أو جهلا أو نسيانا، فإنّه يجب نبشه مع عدم رضا المالك ببقائه (۸۰). و كذا إذا كان كفنه مغصوبا، أو دفن معه مال مغصوب، بل لو دفن معه ماله المنتقل بعد موته إلى الوارث فيجوز نبشه لإخراجه (۸۱). نعم، لو أوصى بدفن دعاء أو قرآن أو خاتم معه لا يجوز نبشه لأخذه، بل لو ظهر بوجه من الوجوه لا يجوز أخذه، كما لا يجوز عدم العمل بوصيته من الأول (۸۲). الثاني: إذا كان مدفونا بلا غسل أو بلا كفن أو تبيّن بطلان غسله أو كون كفنه على غير الوجه الشرعي- كما إذا كان من جلد الميتة أو غير المأكول أو حريرا- فيجوز نبشه لتدارك ذلك (۸۳) ما لم يكن موجبا لهتكه (۸٤). و أما إذا دفن بالتيمم لفقد الماء فوجد الماء بعد دفنه، أو كفن بالحرير لتعذر غيره ففي جواز نبشه إشكال (۸٥). و أما إذا دفن بلا صلاة أو تبيّن بطلانها فلا يجوز النبش لأجلها، بل يصلّى على‏ قبره (۸٦)، و مثل ترك الغسل في جواز النبش ما لو وضع في القبر على غير القبلة و لو جهلا أو نسيانا (۸۷). الثالث: إذا توقف إثبات حق من الحقوق على رؤية جسده (۸۸). الرابع: لدفن بعض أجزائه المبانة منه معه (۸۹). لكن الأولى دفنه معه على وجه لا يظهر جسده. الخامس: إذا دفن في مقبرة لا تناسبه، كما إذا دفن في مقبرة الكفار، أو دفن معه كافر، أو دفن في مزبلة أو بالوعة أو نحو ذلك من الأمكنة الموجبة لهتك حرمته (۹۰). السادس: لنقله إلى المشاهد المشرفة و الأماكن المعظمة علىالأقوى (۹۱)، و إن لم يوص بذلك، و إن كان الأحوط «الترك مع عدم الوصية».السابع: إذا كان موضوعا في تابوت و دفن كذلك، فإنّه لا يصدق عليه النبش حيث لا يظهر جسده. و الأولى مع إرادة النقل إلى المشاهد اختيار هذه الكيفية (۹۲)، فإنّه خال عن الإشكال، أو أقلّ إشكالا. الثامن: إذا دفن بغير إذن الوليّ (۹۳). التاسع: إذا أوصى بدفنه في مكان معيّن و خولف عصيانا أو جهلا أو نسيانا (۹٤). العاشر: إذا دعت ضرورة إلى النبش، أو عارضه أمر راجح أهمّ (۹٥). الحادي عشر: إذا خيف عليه من سبع أو سيل أو عدوّ (۹٦).السابع: إذا كان موضوعا في تابوت و دفن كذلك، فإنّه لا يصدق عليه النبش حيث لا يظهر جسده. و الأولى مع إرادة النقل إلى المشاهد اختيار هذه الكيفية (۹۲)، فإنّه خال عن الإشكال، أو أقلّ إشكالا. الثامن: إذا دفن بغير إذن الوليّ (۹۳). التاسع: إذا أوصى بدفنه في مكان معيّن و خولف عصيانا أو جهلا أو نسيانا (۹٤). العاشر: إذا دعت ضرورة إلى النبش، أو عارضه أمر راجح أهمّ (۹٥). الحادي عشر: إذا خيف عليه من سبع أو سيل أو عدوّ (۹٦).الثاني عشر: إذا أوصى بنبشه و نقله (۹۷) بعد مدة إلى الأماكن المشرفة. بل يمكن أن يقال بجوازه في كلّ مورد يكون هناك رجحان شرعي من جهة من الجهات، و لم يكن موجبا لهتك حرمته أو لأذية الناس، و ذلك لعدم وجود دليل واضح على حرمة النبش إلّا الإجماع، و هو أمر لبّيّ، و القدر المتيقن منه غير هذه الموارد. لكن مع ذلك لا يخلو عن إشكال (۹۸).

لعدم تحقق الدفن الشرعي حتّى يثبت موضوع حرمة النبش، لما تقدم في [المسألة ۱۲] من فصل الدفن من عدم جواز الدفن في الأرض المغصوبة و إن كان الأفضل، بل الأحوط للمالك قبول القيمة في غير مورد العدوان بل قد يجب ذلك. و المسألة من صغريات الأهم و المهم، فقد يجب النبش إن كان حقّ المالك أهمّ، و قد يحب بذل القيمة إن كان حق الميت أهمّ.

لأهمية حرمة الإسراف و تضييع المال المحترم عن حرمة النبش‏ بلا إشكال، فمقتضى القاعدة سقوط حكم المهم حينئذ، و منه يظهر حكم الأسنان الصناعية (العارية) إن كانت لها قيمة معتنى بها عرفا.

كلّ ذلك لوجوب العمل بالوصية مع استجماعها لشرائط الصحة من كونها بقدر الثلث أو زائدا عليه مع إمضاء الورثة و أن يكون في الدفن غرض شرعي.

لأنّ النبش المحرّم ما إذا كان الدفن صحيحا شرعيا، و لم يتحقق ذلك، لأنّ صحته تتوقف على وقوع ما يجب قبله، مع أنّ عمدة الدليل على حرمة النبش الإجماع و المتيقن منه غير ذلك.

لأهمية مراعاة عدم هتك المؤمن عن مثل هذه الأمور، فيسقط حكم المهم و يبقى حكم الأهمّ بلا مزاحم.

من احتمال كون العذر موجبا لانقلاب التكليف مطلقا فلا يبقى مورد للنبش حينئذ، و من احتمال الانقلاب ما دام لم يبل الميت، و المفروض عدم البلى و عدم الهتك، و عن بعض مشايخنا ترجيح الأول تنظيرا للمقام بما إذا تيمم للصلاة مع العذر في الوقت ثمَّ ارتفع بعد الوقت. و لكنّه عين الدعوى كما لا يخفى. و يمكن أن يقال: أنّ المتيقن من الإجماع على حرمة النبش غير هذه.

الصورة خصوصا مع قرب العهد.

لما تقدم [المسألة ۷] من فصل شرائط صلاة الميت.

لعدم كونه حينئذ من الدفن الشرعي حتّى يحرم النبش.

لأهمية ذلك من حرمة نبشه، مع أنّ المتيقن مما دل على الحرمة غير ذلك، مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال: إنّ الحرمة إنّما تكون فيما إذا لم يكن غرض شرعي في النبش مطلقا، و إلّا فلا حرمة، و إن لم يكن ذلك الغرض أهمّ من حرمة النبش فلا يحتاج إلى ملاحظة الأهمية و يأتي التصريح من الماتن (قدّس سرّه) و نتعرض هناك لدفع الإشكال عنه.

تقدم في [المسألة ۱۳] من فصل الدفن وجوب ذلك، و إطلاق دليله يشمل مورد النبش أيضا، و لا إطلاق لدليل حرمة النبش من تمام الجهات حتّى يتعارض الإطلاقان، لأنّ عمدة دليلها الإجماع و المتيقن منه غير ذلك، و مع فرض التعارض فالمرجع أصالة الإباحة، و لكن الأحوط هو الدفن بنحو لا يظهر الجسد مهما أمكن ذلك.

لأهمية مراعاة احترامه عن نبش قبره قطعا، بل قد تقدم عدم لزوم مراعاة الأهمية و ترتفع الحرمة بمجرد الغرض الصحيح الشرعي.

لباب المقال: إنّه إمّا أن نعلم بعدم تحقق موضوع النبش المحرم كما إذا كان هناك خلل في الغسل أو الكفن فلا يتحقق في هذه الموارد الدفن الشرعي حتّى يثبت موضوع حرمة النبش المترتبة على الدفن الشرعي و لا إشكال في عدم حرمة النبش في هذه الموارد، أو نعلم بتحقق الدفن الشرعي و نعلم بوجود مصلحة راجحة على مفسدة حرمة النبش و لا إشكال فيه أيضا في جواز النبش، أو نشك في أصل تحقق الدفن الشرعي من أول الأمر فلا مجال فيه للتمسك بما دل على حرمة النبش، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كما لا مجال لاستصحاب حرمة النبش لعدم إحراز الموضوع و المرجع البراءة عن حرمة النبش، أو نعلم بتحقق الدفن الشرعي و نشك في وجود مصلحة للنبش و المرجع حينئذ استصحاب حرمة النبش، أو نشك فيهما معا فالمرجع أصالة الإباحة إن لم يكن أصل موضوعي في البين و بعد تبيّن ذلك نقول: إن أوصى بنقله إلى المشاهد و مع ذلك دفن و لم ينقل إليها عصيانا فالدفن غير شرعي فلا موضوع لحرمة النبش، و كذا لو دفن جهلا أو نسيانا، فإنّ بزوال العذر يستكشف أنّه لم يكن دفنا شرعيا، و إن لم يوص به و لم يلزم هتك و فساد من النقل يجوز النبش أيضا، للشك في شمول دليل حرمة النبش لمثله المشتمل على المصلحة الأبدية الدائمية.

إن قلت: موضوع حرمة النبش الدفن العرفي و لا ريب في تحققه مطلقا فتستصحب الحرمة في موارد الشك.

قلت: إنّ له وجها إن لم يرد تحديد عن الشارع للدفن، و إلّا فلا وجه للرجوع إلى العرف في ما ورد فيه النص على التقييد و التحديد، مع أنّ في الدفن العرفي لو حدثت مصلحة للنبش راجحة يحكم العرف بجوازه، فحرمة النبش ليست من كلّ جهة مطلقا حتّى عند العرف، بل هي معلقة على عدم عروض عنوان راجح.

جمودا على احتمال حرمة النبش حينئذ للنقل إلى المشاهد و جواز تأخير الدفن لمصلحة راجحة. و أما بناء على جواز النبش للنقل و حرمة تأخير الدفن بهذا المقدار فلا ريب في عدم أولوية الثاني على الأول، كما أنّه بناء على جوازهما معا فلا أولوية في البين.

لأنّه دفن غير شرعي فلا يشمله دليل حرمة النبش، كما تقدم في نظائره، و لكن الأحوط حينئذ إذن الوليّ لو لم يكن محذور في البين.

لأنّ الدفن وقع على غير المشروع فلا موضوع لحرمة النبش إلّا إذا ثبتت حرمة النبش بدليل لفظي مطلق حتّى يكون العمل بالوصية مستلزما لارتكاب الحرام، و لكنّه ممنوع لما يأتي في المتن.

لأنّه من موارد التزاحم و لا ريب في تقدم الأهم، بل قد تقدم جوازه لكلّ غرض صحيح شرعي و لو لم يكن أهم فضلا عما إذا كان كذلك.

لزوال حكمة الدفن في الإبقاء فلا بدّ من وجوب النبش حينئذ تحفظا على الغرض من الدفن.

هذا الأمر مبنيّ على أنّ مثل هذه الوصية خلاف الشرع حتّى تكون باطلة، أو لا مخالفة لها معه حتّى تصح؟ و الظاهر أنّه لا دليل على البطلان، مع أنّ دليل المنع قاصر عن شموله، و مع الشك فالمرجع أصالة عدم المخالفة، فيجب الإنفاذ.

فرع: نقل أصل القبر مع ميته و ما فيه من التراب بحيث لم يظهر جسد الميت لا يكون من النبش المحرّم فمقتضى الأصل جوازه لو لم يترتب عليه محذور شرعي.

منشؤه أنّ المستفاد من الأدلة هل هو أصالة حرمة النبش إلّا ما خرج بالدليل، أو أنّ الحرمة تختص بما ليس فيه غرض صحيح، و المتيقن هو الأخير، و الشك في التعميم يكفي في عدم ثبوته.

(مسألة ۸): يجوز تخريب آثار القبور التي علم اندراس ميتها (۹۹)، ما عدا ما ذكر من قبور العلماء و الصلحاء و أولاد الأئمة عليهم السّلام (۱۰۰)، سيّما إذا كانت في المقبرة الموقوفة للمسلمين معحاجتهم (۱۰۱)، و كذا في الأراضي المباحة، و لكن الأحوط عدم التخريب مع عدم الحاجة، خصوصا في المباحة غير الموقوفة (۱۰۲).

لأصالة البراءة عن الحرمة بعد عدم دليل عليها، و للسيرة. و إلّا لعمت القبور فناء الدور و تزاحمت قبور الموتى مع قصور الأحياء.

لبناء الناس على إبقائها و التبرك بها خلفا عن سلف، فهي ملاذ العباد في قضاء الحاجات و نيل الطلبات، فلا بدّ و أن يتحفظ عن الحوادث و الآفات.

لأنّ الظاهر أنّه ليس المراد بالوقف للدفن مجرد حدوث الدفن في الجملة، بل مهما أمكن ذلك شرعا إلى الأبد.

لاحتمال أن يكون الدفن منشأ لحصول حق الاختصاص مطلقا، فلا يزول بانعدام الميت، لكنّه مشكل.

(مسألة ۹): إذا لم يعلم أنّه قبر مؤمن أو كافر، فالأحوط عدم نبشه (۱۰۳) مع عدم العلم باندراسه، أو كونه في مقبرة الكفار.

لبناء الفقهاء على تغليب جانب الإسلام مهما أمكنهم ذلك.

(مسألة ۱۰): إذا دفن الميت في ملك الغير بغير رضاه لا يجب عليه الرضا ببقائه و لو كان بالعوض (۱۰٤) و إن كان الدفن بغير العدوان- من جهل أو نسيان- فله أن يطالب بالنبش أو يباشره (۱۰٥). و كذا إذا دفن مال للغير مع الميت (۱۰٦) لكن الأولى بل الأحوط قبول العوض أو الأعراض (۱۰۷).

للأصل، و قاعدة السلطنة.

لقاعدة السلطنة بعد عدم دليل حاكم عليها. و الشك في شمول دليل حرمة النبش بالنسبة إليه، فيكون المرجع هو الأصل.

لأنّ مقتضى سلطنته على ما له جواز أخذه له مطلقا ما لم يدل دليل على الحرمة، و هو مفقود.

لأنّه مع بذل العوض و عدم تضرره بالإعراض يمكن التشكيك في شمول قاعدة السلطنة له من حيث معارضتها لما دل على حرمة النبش مع أنّ ذلك من المجاملات الأخلاقية المرغبة إليها شرعا.

(مسألة ۱۱): إذا أذن في دفن ميت في ملكه لا يجوز له أن‏يرجع في إذنه بعد الدفن، سواء كان مع العوض أو بدونه لأنّه المقدم على ذلك فيشمله دليل حرمة النبش (۱۰۸). و هذا بخلاف ما إذا أذن في الصلاة في داره، فإنّه يجوز له الرجوع في أثناء الصلاة (۱۰۹)، و يجب على المصلّي قطعها في سعة الوقت فإنّ حرمة القطع إنّما هي بالنسبة إلى المصلّي فقط (۱۱۰)، بخلاف حرمة النبش فإنّه لا يفرق فيه بين المباشر و غيره (۱۱۱). نعم، له الرجوع عن إذنه بعد الوضع في القبر قبل أن يسدّ بالتراب. هذا إذا لم يكن في عقد لازم، و إلّا فليس له الرجوع مطلقا.

لفرض أنّ الدفن وقع صحيحا و مستجمعا للشرائط المعتبرة فيه، فيشمله دليل الحرمة قهرا.

تأتي هذه المسألة في [المسألة ۲۱] من فصل مكان المصلّي.

و إذا رجع عن إذنه لا يبقى موضوع للحرمة، بل تبطل الصلاة من حيث وقوعها في المكان الغصبيّ، إلّا إذا رجع إذنه بالصلاة إلى إسقاط حقه عن ماله مطلقا ما دام مصلّيا فحينئذ لا يجوز له الرجوع، و سيأتي التفصيل في مكانه.

لو لا احتمال دعوى انصراف الحرمة عن مثله.

(مسألة ۱۲): إذا خرج الميت المدفون في ملك الغير بإذنه بنبش نابش أو سيل أو سبع أو نحو ذلك لا يجب عليه الرضا و الإذن بدفنه ثانيا في ذلك المكان، بل له الرجوع عن إذنه، إلّا إذا كان لازما عليه بعقد لازم (۱۱۲).

لقاعدة السلطنة، و لعموم ما دل على وجوب الوفاء بالعقود.

(مسألة ۱۳): إذا دفن في مكان مباح فخرج بأحد المذكورات لا يجب دفنه ثانيا في ذلك المكان، بل يجوز أن يدفن في مكان‏آخر (۱۱۳). و الأحوط الاستئذان من الوليّ في الدفن الثاني أيضا (۱۱٤). نعم، إذا كان عظما مجردا أو نحو ذلك لا يبعد عدم اعتبار إذنه (۱۱٥)، و إن كان الأحوط مع إمكانه.

للأصل، و إطلاق أدلة الدفن.

لعموم ما تقدم مما دل على وجوب الاستئذان منه، و وجه التردد احتمال الانصراف عن الدفن الثاني، لفرض حصول الإذن منه. نعم، لو كان في الدفن الثاني خصوصية زائدة يحتاج إلى الإذن حينئذ.

لأنّ احتمال الانصراف في هذه الصورة قوي.

(مسألة ۱٤): يكره إخفاء موت إنسان مع أولاده و أقربائه إلّا إذا كان هناك جهة رجحان فيه (۱۱٦).

لقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر ابن سيابة: «لا تكتموا موت ميت من المؤمنين مات في غيبته لتعتد زوجته و يقسم ميراثه»۹۳.

المحمول على الكراهة إجماعا، و لكنّه قد يحرم، و قد يستحب الكتمان لجهات خارجية.

(مسألة ۱٥): من الأمكنة التي يستحب الدفن فيها و يجوز النقل إليها الحرم. و مكة أرجح من سائر مواضعه، و في بعض الأخبار أنّ الدفن في الحرم يوجب الأمن من الفزع الأكبر و في بعضها استحباب نقل الميت من عرفات إلى مكة المعظمة (۱۱۷).

لأنّ مكة من الحرم و هي أقرب إلى البيت و إن لم نجد لفظة مكة فيما تفحصنا في الأخبار عاجلا.

(مسألة ۱٦): ينبغي للمؤمن إعداد قبر لنفسه، سواء كان في‏ حال المرض أو الصحة، و يرجح أن يدخل قبره و يقرأ القرآن فيه (۱۱۸).

اقتداء بالأسلاف الصالحين، فقد نقل عن بعضهم أنّهم مما يلتزمون بذلك، و أنّه يوجب تذكر الآخرة، و يمكن أن يشمله إطلاق قوله تعالى‏ أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ۹4.

(مسألة ۱۷): يستحب بذل الأرض لدفن المؤمن (۱۱۹)، كما يستحب بذل الكفن له و إن كان غنيا ففي الخبر: من كفن مؤمنا كان كمن ضمن كسوته إلى يوم القيامة.

تأسيا بإبراهيم الخليل عليه السّلام، و أمير المؤمنين عليه السّلام كما في خبر عقبة بن علقمة و غيره. ۹٥

(مسألة ۱۸): يستحب المباشرة لحفر قبر المؤمن، ففي الخبر: من حفر لمؤمن قبرا كان كمن بوّأه بيتا موافقا إلى يوم القيامة (۱۲۰).

و في خبر آخر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إنّه قال: «من احتفر لمسلم قبرا محتسبا حرّمه اللّه على النار و بوّأه بيتا من الجنة، و أورده حوضا فيه من الأباريق عدد نجوم السماء عرضه ما بين أيلة و صنعاء»۹٦.

تتمة فيها فروع- (الأول): مقتضى الإطلاقات عدم الفرق فيما مرّ من التلقين و غيره من المندوبات و المكروهات بين المكلّف و غيره، لأنّه تلقين عقائد حسنة ينفع الميت مطلقا، و إن كان مقتضى بعض التعليلات من أنّه يدفع به سؤال منكر و نكير الاختصاص بالمكلّف، لكنه يمكن حمله على الحكمة لا العلة الحقيقية، كما في وضع الجريدتين حيث إنّهما توضعان على الصغير و الكبير.

(الثاني): لو مات شخص مجهول الحال، فإن كان في بلد الإسلام‏ يحكم عليه به، و تجري عليه أحكامه، لقاعدة التغليب، إلّا مع وجود أمارة معتبرة على الخلاف فتتبع لا محالة.

(الثالث): مقتضى الإطلاقات جواز المشي بين القبور مع النعل و الخف و نحوهما خصوصا بعد إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «يسمع قرع نعالكم ..». و لكن مقتضى الخضوع و التأدب خلع النعل لا سيما مع خلع عليّ عليه السّلام نعله في التشييع فيكون بين القبور أولى.

هذا بعض ما يتعلق ببدن الإنسان بعد مفارقة روحه عنه.

و أما النفس و الروح الإنساني فقد تحيرت فيهما العقول و اعترف بالعجز عن الوصول إلى كنه معرفتهما الأعلام الفحول، فكم قد أفيضت في دركها العبرات و حصلت فيه منهم العثرات و لم يزل العلماء من متكلمهم و حكيمهم الإلهيّ، و فيلسوفهم الطبيعي من قديمهم و حديثهم يبذلون جهدهم في كشف هذا المعمّى، و لا يزدادون إلّا تحيرا و اعترافا بالقصور، و قد جمع عليّ بن يونس العاملي (رحمه اللّه) جملة من أقوالهم في ما أسماه ب (الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس و الروح) و غالبها عليل، بل على خلاف جملة منها الدليل و لعل أقربها إلى الصواب ما عن الحكيم السبزواري (رحمه اللّه):

و إنّها بحت وجود ظلّ حق‏ عندي و ذا فوق التجرد انطلق‏

و هو المطابق لنتيجة أبحاث الحكماء المحققين و رياضات العرفاء الشامخين‏ بعد طول مباحثهم و رياضاتهم، و لو لا الخروج عن مباحث الفقه لتعرضت لكلماتهم مع ما فيها من النقض و الإبرام، و مع ذلك لا يظهر به الواقع المستور و كيف ينكشف شي‏ء أراد اللّه إخفاءه، قال عزّ من قائل‏ وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا۹۷.

و قال الصادق عليه السّلام حين سئل عن الروح فقال: «هي من قدرته من الملكوت»۹۸.

و قال أيضا: «هي كالكلل محيطة بالبدن»۹۹.

و قد تعرضت لجملة كثيرة من مباحثها النفيسة في التفسير وفقنا اللّه تعالى لنشره بعد تكميله و ان الكمال منحصر به تعالى.

و لا يخفى أنّ الروح أصل الإنسان و حقيقته و لا بدّ و أن يهتم باستكمالها اهتماما كثيرا، لأنّ باستكمالها تدرك الحياة الأبدية، و قد اهتمت الشرائع الإلهية خصوصا الشريعة المقدسة المحمدية صلّى اللّه عليه و آله بتكميل الروح أشد من كلّ شي‏ء، و تشريع العبادات و المجاهدات و الرياضات إنّما هو لتكميل الروح و علم الفقه و العمل به من أهم طرق تكميله، بل لا طريق له إلّا به، نسأل اللّه تعالى أن يوفقنا للعمل بذلك.

(مسألة ۱۹): يستحب مباشرة غسل الميت، ففي الخبر: كان فيما ناجى به موسى عليه السّلام ربه قال: «يا ربّ ما لمن غسل الموتى، فقال: أغسله من ذنوبه كما ولدته أمه».
يستحب للإنسان إعداد الكفن و جعله في بيته و تكرار النظر إليه، ففي الحديث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «إذا أعدّ الرجل كفنه كان مأجورا كلّما نظر إليه»، و في خبر آخر: «لم يكتب من الغافلين و كان مأجورا كلّما نظر إليه».

(۱) أورده الشيخ في المبسوط و لم نعثر عليه في كتب الأخبار.

(۲) راجع البحار المجلد السادس الطبعة الحجرية.

(۳) الوسائل باب: ٤۲ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(٤) الوسائل باب: ۲۷ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(٥) الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(٦) الوسائل باب: ٦۰ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۷) الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۸) الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الدفن حديث: ٤.

(۹) الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۱۰) الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۱۱) راجع الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الدفن.

(۱۲) الوسائل باب: ۲٤ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۱۳) الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۱٤) الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الدفن حديث: ۳.

(۱٥) الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۱٦) الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۱۷) الوسائل باب: ٤٤من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۱۸) الوسائل باب: ٤٤من أبواب الدفن حديث: ٤.

(۱۹) الوسائل باب: ٤٤من أبواب الدفن حديث: ٦.

(۲۰) مستدرك الوسائل باب: ۳۹ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۲۱) الوسائل باب: ۳۷ من أبواب الدفن حديث: ۲ و تقدم في صفحة: ۲۰۱.

(۲۲) الوسائل باب: ٤۳ من أبواب الدفن حديث: ۱.
(۲۳) الوسائل باب: ٤٤من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۲٤) الوسائل باب: ٤٤ من أبواب الدفن حديث: ۳.

(۲٥) راجع الوسائل باب: ۲۹ من أبواب المزار حديث: ۳ و باب: ٦۲ منها.

(۲٦) الوسائل باب: ٦٥ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۲۷) الوسائل باب: ٦٥ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۲۸) الوسائل باب: ۳۱ من أبواب أحكام المساجد حديث: ۱.

(۲۹) الوسائل باب: ٤۸ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۳۰) مستدرك الوسائل باب: ۷۱ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۳۱) سفينة البحار ج: ۲ صفحة: ۳۹٥ مادة: قبر.

(۳۲) الوسائل باب: ٤٤من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۳۳) الوسائل باب: ۱٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ۱.

(۳٤) الوسائل باب: ۱٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ۲.

(۳٥) مستدرك الوسائل باب: ۱۳ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ۲.

(۳٦) الوسائل باب: ٦۳ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۳۷) مستدرك الوسائل باب: ٥٥ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۳۸) مستدرك الوسائل باب: ٥۲ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۳۹) الوسائل باب: ٦۲ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(٤۰) مستدرك الوسائل باب: ٥۲ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(٤۱) الوسائل باب: ۹۲ من أبواب المزار- كتاب الحج حديث: ۲.

(٤۲) الوسائل باب: ۹۲ من أبواب المزار- كتاب الحج حديث: ۱.

(٤۳) الوسائل باب: ۹۲ من أبواب المزار- كتاب الحج حديث: ۳.

(٤٤) مستدرك الوسائل باب: ۷۲ من أبواب المزار حديث: ۱.

(٤٥) مستدرك الوسائل باب: ۷۲ من أبواب المزار حديث: ۲.

(٤٦) مستدرك الوسائل باب: ٤٥ من أبواب الدفن حديث: ٤.

(٤۷) الوسائل باب: ۱۰۳ من أبواب المزار حديث: ۱.

(٤۸) راجع ج: ۲ صفحة: ۱٦۹ طبعة بيروت.

(٤۹) راجع مستدرك الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الدفن حديث: ۱۲.

(٥۰) راجع الوسائل باب: ٤۷ من أبواب الاحتضار.

(٥۱) راجع مستدرك الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الدفن.

(٥۲) راجع الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الدفن.

(٥۳) مستدرك الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الدفن حديث: ۷.

(٥٤) الوسائل باب: ٤٤من أبواب مقدمات الطواف حديث: ۲.

(٥٥) الوسائل باب: ٤٤ من أبواب مقدمات الطواف حديث: ۱.

(٥٦) الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الدفن حديث: ۷.

(٥۷) الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الدفن حديث: ۱۰ و ٦.

(٥۸) الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(٥۹) الأمالي صفحة: ۱۳۲.

(٦۰) مستدرك الوسائل باب: ٦ من أبواب الجهاد

(٦۱) الوسائل باب: ۸۷ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(٦۲) الوسائل باب: ۸۷ من أبواب الدفن حديث: ٤.

(٦۳) الوسائل باب: ۸۹ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(٦٤) صحيح البخاري ج: ۲ ص: ۱۰۰، باب: قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه.

(٦٥) صحيح البخاري ج: ۲ ص: ۱۰۰، باب: قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه.

(٦٦) سورة الأنعام: ۱٦٤.

(٦۷) راجع المصدر السابق عن صحيح البخاري.

(٦۸) الوسائل باب: ۸۷ من أبواب الدفن حديث: ۹.

(٦۹) الوسائل باب: ٦۹ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۷۰) الوسائل باب: ۷۰ من أبواب الدفن حديث: ٤.

(۷۱) الوسائل باب: ۱۷ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۲.

(۷۲) الوسائل باب: ۷۰ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۷۳) الوسائل باب: ۷۱ من أبواب الدفن حديث: ۱.

( ۷٤) الوسائل باب: ۸۳ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۷٥) الوسائل باب: ۸۳ من أبواب الدفن حديث: ٥.

(۷٦) مستدرك الوسائل باب: ۷۱ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۷۷) الوسائل باب: ۱۷ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۷.

(۷۸) الوسائل باب: ۱۷ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۱.

(۷۹) الوسائل باب: ۱۷ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۹.

(۸۰) مستدرك الوسائل باب: ٦ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۸ مع تغيير يسير.

(۸۱) الوسائل باب: ۱۷ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۳.

(۸۲) راجع الوسائل باب: ۱۹ من أبواب ما يكتسب به.

(۸۳) مستدرك الوسائل باب: ۷۱ من أبواب الدفن حديث: ۱۲.

(۸٤) مستدرك الوسائل باب: ۷۱ من أبواب الدفن حديث: ۱۳.

(۸٥) مستدرك الوسائل باب: ۷٤ من أبواب الدفن حديث: ۲۱.

(۸٦) مستدرك الوسائل باب: ۷۲ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۸۷) الوسائل باب: ۸٤ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۸۸) راجع الوسائل باب: ۸٤ من أبواب الدفن.

(۸۹) الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الدفن حديث: ٦.

(۹۰) الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الكفارات حديث: ۱.

(۹۱) الوسائل باب: ۱۹ من أبواب حد السرقة.

(۹۲) الوسائل باب: ٤۳ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۹۳) الوسائل باب: ٦٦ من أبواب الدفن حديث: ۱.

(۹٤) سورة التكاثر: ۱.

(۹٥) راجع الوسائل و المستدرك باب: ۱۲ من أبواب الدفن.

(۹٦) الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الدفن حديث: ۲.

(۹۷) سورة الإسراء: ۱۷.

(۹۸) تفسير العياشي في ضمن الآية المباركة.

(۹۹) الاحتجاج صفحة ۱۱۱ الطبعة الحجرية القديمة.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"