1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل في شرائط الوضوء
(الأول): إطلاق الماء، فلا يصح بالمضاف (۱) ولو حصلت الإضافة بعد الصبّ على المحلّ، من جهة كثرة الغبار أو الوسخ عليه، فاللازم كونه باقيا على الإطلاق إلى تمام الغسل (۲).

لظواهر الأدلة كتابا وسنة، وبالإجماع، بل بضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب، وتقدم في الماء المضاف نقل الخلاف(۱) ورده.

أي الواجب منه هو المسمّى. ولو حصلت الإضافة بعد حصوله فلا إشكال في الغسل، بل ولا في المسح أيضا إن صدق المسح ببلة الوضوء والا فيبطل الوضوء من جهة المسح.

(الثاني): طهارته (۳)، وكذا طهارة مواضع الوضوء (٤)، ويكفي طهارة كلّ عضو قبل غسله (٥)، ولا يلزم أن يكون قبل الشروع تمام محالّه طاهرا، فلو كانت نجسة ويغسل كلّ عضو بعد تطهيره كفى ولا يكفي غسل واحد بقصد الإزالة والوضوء (٦) وإن كان برمسه في الكرّ أو الجاري. نعم، لو قصد الإزالة بالغمس والوضوء بإخراجه كفى (۷). ولا يضرّ تنجس عضو بعد غسله وإن لم يتم الوضوء (۸).

إجماعا، بل ضرورة، ونصوصا مستفيضة الواردة في الأبواب المتفرقة:

منها: قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في الكلب: «رجس نجس لا تتوضأ بفضله»(۲)، وقوله عليه السلام: فإذا تغير الطعم (أي بالنجاسة) فلا تتوضأ منه‏(۳).

و ظاهر مثل هذه النواهي أن تكون إرشادا إلى الفساد وعدم الصحة، فلا تحصل الطهارة الحدثية بالماء المتنجس، أو المضاف فتبطل الغايات المشروطة بها لا محالة، لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ما لم يدل دليل على الخلاف.

و لا دليل كذلك في المقام، فلو توضأ بالمضاف أو النجس وصلّى تجب الإعادة أو القضاء، إذ «لا صلاة إلا بطهور»، مضافا إلى الأدلة الخاصة من حديث لا تعاد وغيره مما يأتي في محله إن شاء اللَّه تعالى، بلا فرق بين صورة العلم والجهل.

قصورا أو تقصيرا، موضوعا أو حكما، لما يأتي في [مسألة ٤] من أنّ الإطلاق والطهارة من الشرائط الواقعية، لا الإحرازية.

نسب ذلك إلى المشهور ولم يستندوا إلى دليل لفظيّ في المقام، ولا إجماع معتبر بين الأعلام، بل في أصل صحة النسبة إليهم في خصوص الوضوء بحث، لعدم تعرضهم للمسألة فيه، بل تعرضوا لها في غسل الجنابة وفيه أقوال أيضا، كما يأتي.

و استدل عليه تارة: بأنّ ماء غسل الأعضاء في الوضوء لا بد وأن يرد على محل طاهر.

(و فيه): أنّه عين المدعى.

و أخرى: بانفعال الماء بمجرد الوصول إلى المحل.

(و فيه) أولا: أنّه يرجع إلى اعتبار طهارة الماء وليس شرطا آخر، وثانيا:

أنّه لا يتم في الارتماسي. وثالثا: بأنّه لا مانع في أن ينفعل وتحصل به الطهارة، كما في تطهير الخبث، فإنّ الماء ينفعل بمجرد الورود على المحل ومع ذلك يكون مطهرا، مع أنّه لا يتم على القول بعدم انفعال الغسالة أو انفعالها بالانفصال عن المحل.

و عمدة الدليل في اعتبار طهارة مواضع الوضوء مذاق الشرع ومرتكزات الفقهاء، بل المتشرعة أيضا، ويأتي في [مسألة ٥] من «فصل غسل الجنابة مستحب نفسي» ما له نفع في المقام، فراجع.

لأنّه المعلوم مما ليس فيه دليل لفظي ظاهر في اعتبار طهارة تمام المواضع قبل الشروع في الوضوء، والمرجع في اعتبار الزائد عليه البراءة لأنّ‏ المسألة من موارد الأقلّ والأكثر. ويكفي في الغسل الذي هو الأصل للوضوء في هذا الشرط ذلك أيضا، كما يأتي في [مسألة ٥].

لأصالة عدم التداخل، وظهور الكلمات في ورود الغسل على المحلّ الطاهر وهو صحيح في الماء القليل. وأما الماء المعتصم، فإن استفيد من الدليل تقدم طهارة المحلّ على استيلاء الماء عليه زمانا فهو كذلك أيضا، لعدم التقدم الزماني إلا إذا صبر زمانا بعد الاستيلاء. وأما إن قلنا بكفاية التقدم الرتبي العقلي فلا وجه للبطلان، لصحة فرض حصول الطهارة في الرتبة السابقة على حصول الغسل الوضوئي، وإن حصلا في آن واحد. ولذا قال جمع بالصحة فيما إذا توضأ بالارتماس في المعتصم. ثمَّ إنّ الإزالة ليست من الأمور المتقوّمة بالقصد، فتحصل ولو مع عدم القصد بل قصد العدم أيضا، فلا وجه لاعتبار قصدها.

تقدم أنّ الإزالة ليست قصدية، فيكفي قصد الوضوء بالإبقاء أو الإخراج، وإن لم تقصد الإزالة أصلا، بل وإن قصد عدمها.

فروع- (الأول): لو توضأ بالماء القليل وصبّ على المحلّ المتنجس غرفتين من الماء وبعد ذلك مسح على المحلّ بيده بعنوان الغسل، يصح وضوؤه ولا شي‏ء عليه، لحصول الطهارة بصب الغرفتين، سواء كان ذلك من قصده أم لا، لما تقدم من أنّ الإزالة ليست قصدية.

(الثاني): لو كان بعض محال وضوئه متنجسا وغفل وتوضأ، فإن علم بأنّه صب الماء على المحلّ مرّتين ثمَّ قصد الوضوء بالدلك، كما هو كذلك غالبا يصح وضوؤه وطهر المحلّ أيضا. وإن علم بعدم ذلك أو شك فيه، فمقتضى الأصل‏ بقاء حدثه ونجاسة بدنه إلا إذا قلنا بجريان قاعدة الفراغ في صورة الغفلة أيضا، فيصح وضوؤه.

(الثالث): إذا علم إجمالا بتنجس بعض محالّ وضوئه وتحقق وضوء منه ولم يدر المتقدم منهما وجهل تاريخهما يصح وضوؤه، لقاعدة الفراغ. ويجب عليه تطهير المحلّ المتنجس، لكن الاحتياط في إعادة الوضوء بعد تطهير المحلّ.

لأصالة البراءة عن اشتراط طهارة الأعضاء بعد غسلها، وإطلاقات أدلة الوضوء، وظهور الاتفاق على عدم الاشتراط.

(مسألة ۱): لا بأس بالتوضؤ بماء (القليان) ما لم يصر مضافا (۹).

للأصل والإطلاق، مع أنّ في صيرورته مضافا إشكال.

(مسألة ۲): لا يضرّ في صحة الوضوء نجاسة سائر مواضع البدن (۱۰) بعد كون محالّه طاهرة. نعم، الأحوط عدم ترك الاستنجاء قبله (۱۱).

لإطلاقات الأدلة وظهور الإجماع، وأصالة البراءة عن الشرطية.

تقدم في [مسألة ٤] من فصل موجبات الوضوء ما يتعلق به.

(مسألة ۳): إذا كان في بعض مواضع وضوئه جرح لا يضرّه الماء، ولا ينقطع دمه، فليغمسه بالماء، وليعصره قليلا حتّى ينقطع الدم آنا مّا ثمَّ ليحركه بقصد الوضوء (۱۲) مع ملاحظة الشرائط الأخر، والمحافظة على عدم لزوم المسح بالماء الجديد إذا كان في اليد اليسرى، بأن يقصد الوضوء بالإخراج من الماء.

الظاهر عدم الاحتياج إلى انقطاع الدم آنا مّا، إذ لا حكم للنجاسة في الماء المعتصم وإحاطته عليها. الا أن تكون مانعة عن استيلاء الماء على البشرة، فيحتاج إلى الإزالة من هذه الجهة، كما أنّ الظاهر عدم الاحتياج إلى التحريك، بل يكفي الإخراج من الماء بقصد الغسل الوضوئي. وأما قصد الوضوء بالإبقاء في الماء فهو، وإن كان صحيحا من حيث تحقق الغسل الوضوئي، لكنّه يوجب المسح بالماء الخارجي فيبطل الوضوء من هذه الجهة كما ذكره في المتن.

(الثالث): أن لا يكون على المحلّ حائل يمنع وصول الماء إلى البشرة (۱۳) ولو شك في وجوده يجب الفحص حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بعدمه، ومع العلم بوجوده يجب تحصيل اليقين بزواله.

الدليل عليه ما دل على غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين، لظهوره في وقوع الغسل والمسح على البشرة، ولا وجه لعدّ هذا من الشرائط الخارجية، بل هو من المقوّمات الداخلية لحقيقة الوضوء، وتقدم تفصيل الباقي في المسائل السابقة. فراجع، كما تقدم أنّه لا يكفي الظنّ بعدم المانع، بل لا بد من الاطمئنان بالعدم.

(الرابع): أن يكون الماء، وظرفه، ومكان الوضوء، ومصبّ مائه مباحا (۱٤)، فلا يصح لو كان واحد منها غصبا من غير فرق بين‏ صورة الانحصار وعدمه، إذ مع فرض عدم الانحصار وإن لم يكن مأمورا بالتيمم، الا أنّ وضوءه حرام من جهة كونه تصرفا، أو مستلزما للتصرف في مال الغير (۱٥)، فيكون باطلا. نعم، لو صبّ الماء المباح من الظرف الغصبي في الظرف المباح ثمَّ توضأ منه لا مانع منه (۱٦)، وإن كان تصرّفه السابق على الوضوء حراما (۱۷). ولا فرق في هذه الصورة بين صورة الانحصار وعدمه، إذ مع الانحصار، وإن كان قبل التفريغ في الظرف المباح مأمورا بالتيمم، الا أنّه بعد هذا يصير واجدا للماء في الظّرف المباح. وقد لا يكون التفريغ أيضا حراما- كما لو كان الماء مملوكا له، وكان إبقاؤه في ظرف الغير تصرّفا فيه- فيجب تفريغه حينئذ (۱۸)، فيكون من الأول مأمورا بالوضوء ولو مع الانحصار.

لا بد من التعرض لأمور:

الأول: مما تسالمت عليه الشرائع الإلهية، بل تحكم به كلّ فطرة سليمة احترام ما يتعلق بالغير، عينا كان أو منفعة أو حقّا، وهذا من الأصول العقلائية المتسالمة عندهم فيقبح ذلك عقلا ويحرم التصرف فيه بغير إذنه ولا يحلّ إلا بطيب نفسه.

الثاني: التقرب إلى اللَّه تعالى بما هو مبغوض لديه عزّ وجل مما ينكره العقلاء، فإذا كانت العبادة مشتملة على المبغوض تسقط عباديته، فلا وجه للتقرب بها إليه تعالى، لأنّ التقرب بالمبغوض من الجمع بين المتنافيين، هذا مع التفات الشخص إلى المبغوضية. وأما مع العذر، فيأتي تفصيله.

الثالث: لو انحصرت الطهارة المائية في المغصوب فلا أمر بها أصلا، لعدم‏ القدرة الشرعية عليها وتتبدل إلى الطهارة الترابية بلا إشكال ولو لم تنحصر فيه فيصح الأمر بالطهارة المائية، لكونها مقدورة حينئذ. ولا أمر بالطهارة الترابية، لعدم الموضوع لها، مع التمكن من الطهارة المائية.

الرابع: لاشتمال العبادة على المبغوض مراتب متفاوتة:

منها: ما يكون المبغوض من مقوّماتها الداخلية عرفا.

و منها: ما يكون من المقدّمات، أو اللواحق على اختلافها قربا وبعدا. ولا إشكال في بطلان العبادة في الأولى، لصحة استناد المبغوضية إلى العبادة في هذه الصورة، وكذا في المقدمات القريبة، بحيث يصح انتساب المبغوضية إلى العبادة عرفا وعند المتشرعة. وأما إذا كانت المبغوضية بحيث يصح سلبها عن العبادة، فلا وجه للبطلان. وأما مع الشك فالقول بالبطلان مبنيّ على عدم جريان الإطلاقات بدعوى أنّ التمسك بها تمسك بالدليل فيما لم يحرز الموضوع، فمقتضى قاعدة الاشتغال البطلان حينئذ. ولكن يمكن أن يقال: إنّه ليس التمسك بالإطلاقات تمسكا في الشبهة الموضوعية، لأنّ المتشرعة يرون الموضوع عبادة، ومجرد الاحتمال لا يوجب سلب الموضوع أو الشك بما يوجب التردد في الموضوع عرفا فيه، بل تجري أصالة الصحة وعدم المانع، فتشمله العمومات والإطلاقات لا محالة.

ثمَّ إنّه يعلم مما ذكرنا أنّه إن لم يكن الماء مباحا تبطل الطهارة، لأنّه من مقوّمات الطهارة المائية عرفا، وكذا الفضاء الذي يتطهّر فيه، وكذا ظرف الماء إن كانت الطهارة بمجرد الرمس فيه وعدّ ذلك تصرفا أو بمجرد الصب به. ولو كانت بنحو الاغتراف منه، فيمكن التصحيح وإن أثم، كما تقدم‏(٤).

و أما المكان- بمعنى الموقف- فلا ريب في عدم كونه من مقوماتها الداخلية ولا من مقارناتها. نعم، هو من لوازم الجسم، فيكون من اللوازم الخارجية للوضوء، فمع الانحصار لا أمر في البين لعدم القدرة الشرعية، فيجب التيمم.

و مع عدمه لا إشكال في توجه التكليف بالوضوء، فمع إمكان التفكيك بين اللوازم‏ الخارجية والداخلية يصح وضوؤه وإن أثم وعصى والظاهر صحة التفكيك، فيكون المقام نظير من يصلّي في مكان وهو ينظر إلى الأجنبية.

و أما اعتبار إباحة مصبّ ماء الوضوء، فإن كان غسل العضو مستلزما للتصرف فيه عرفا من حيث صبّ الماء، فيبطل. والا فلا وجه له خصوصا مع عدم الانحصار يصح وضوؤه، وتقدم في الوضوء من أواني الذهب والفضة ما ينفع المقام.

استلزاما عرفيا عند متعارف الناس.

للتمكن من الوضوء بالماء المباح بعد التفريغ، فتشمله الأدلة من الإطلاقات والعمومات.

لكونه تصرفا في الإناء الغصبيّ والتصرف فيه ولو بالتفريق حرام.

إن لم يكن صبّ الماء في الإناء بسوء اختياره. وإلا فالجزم بالوجوب الشرعيّ مشكل، وإن حكم العقل بالتفريغ اختيارا دفعا لأقلّ المحذورين وأخف القبيحين، ويأتي التفصيل في محلّه.

(مسألة ٤): لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو النجس، أو مع الحائل، بين صورة العلم والعمد والجهل والنسيان (۱۹). وأما في الغصب فالبطلان مختص بصورة العلم والعمد، سواء كان في الماء، أو المكان، أو المصبّ. فمع الجهل بكونها مغصوبة، أو النسيان لا بطلان (۲۰)، بل وكذا مع الجهل بالحكم أيضا إذا كان قاصرا، بل ومقصّرا أيضا (۲۱) إذا حصل منه قصد القربة وإن كان الأحوط مع الجهل بالحكم خصوصا في المقصّر الإعادة (۲۲).

لأنّ إطلاق الماء وطهارته وعدم الحائل من الشرائط الواقعية إجماعا، وتقتضيه إطلاقات الأدلة.

لأنّ المانعية حاصلة عن تعلق النهي النفسي بالغصب ولا تنجز للنهي النفسي في صورة الجهل والنسيان، فلا مانعية في البين. ولا فرق في النسيان بين ما إذا كان عن تفريط أم لا، لإطلاق حديث الرفع، وإطلاق جملة من الكلمات وإرسال عدم وجوب الفحص في الموضوعات إرسال المسلمات. وأما إن كان بحيث لا يعدّ عذرا عرفا، بل كان من التساهل في الدّين فإنّ الظاهر انصراف أدلة العذرية عنه. وبذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، كما لا يخفى.

لأنّ المناط تحقق قصد القربة وعدم التقرب بالمبغوض والمفروض تحققهما مع الجهل، لأنّه مانع عن التقرب بما هو مبغوض، لفرض عدم الالتفات إلى المبغوضية.

للإجماع المدّعى على أنّ المقصّر بمنزلة العامد إلا ما خرج بالدليل ويشكل الصحة في القاصر الملتفت أيضا.

(مسألة ٥): إذا التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء صح ما مضى من أجزائه ويجب تحصيل المباح للباقي. وإذا التفت بعد الغسلات قبل المسح، هل يجوز المسح بما بقي من الرطوبة في يده‏ و يصح الوضوء أو لا؟ قولان: أقواهما الأول، لأنّ هذه النداوة لا تعد مالا، وليس مما يمكن رده إلى مالكه (۲۳)، ولكن الأحوط الثاني. و كذا إذا توضأ بالماء المغصوب عمدا ثمَّ أراد الإعادة هل يجب عليه تخفيف ما على محالّ الوضوء من رطوبة الماء المغصوب، أو الصبر حتّى تجف، أو لا؟ قولان: أقواهما الثاني، وأحوطهما الأول. وإذا قال المالك: أنا لا أرضى أن تمسح بهذه الرطوبة أو تتصرّف فيها لا يسمع منه- بناء على ما ذكرنا- نعم، لو فرض إمكان انتفاعه بها، فله ذلك ولا يجوز المسح بها حينئذ.

مجرد عدم إمكان الرد لا يوجب سقوط حق الاختصاص، لأنّ الغصب كما يتحقق بالنسبة إلى الأعيان يتحقق بالنسبة إلى المنافع وبعض الحقوق أيضا. إلا أن يقال: إنّ العرف لا يرى لصاحب الماء حقّا في البلة، بل يرون حقّه منحصرا في عوضه فقط، كما في التلف الحقيقيّ، ومن ذلك يعلم الوجه في بقية المسألة.

(مسألة ٦): مع الشك في رضاء المالك لا يجوز التصرف ويجري عليه حكم الغصب، فلا بد فيما إذا كان ملكا للغير من الإذن في التصرف فيه صريحا أو فحوى أو شاهد حال قطعيّ (۲٤).

لأصالة عدم جواز التصرف فيما يتعلق بالغير عينا أو منفعة، أو حقا إلا مع إحراز رضاه. والفحوى هي الأولوية القطعية التي جرت السيرة على صحة الاكتفاء بها فيما يتعلق بالغير، كما إذا أذن في غسل الثوب وإزالة الأوساخ، فيدل إذنه هذا على جواز الوضوء بالفحوى ويصح التصرف باستصحاب الإذن والرضا أيضا.

فروع- (الأول): الظاهر كفاية الرضاء التقديري بحيث لو التفت المالك لكان راضيا وإن كان فعلا غافلا، لصدق الرضا الواقعي ولكنه خلاف الاحتياط.

و لا فرق في الفحوى وشاهد الحال بين صديق المالك وعدوّه إن حصلا للعدو أيضا.

(الثاني): لو توضأ من الماء المغصوب ثمَّ أجاز المالك هل تنفع الإجازة اللاحقة مع حصول قصد القربة حين الوضوء أم لا؟ وجهان.

(الثالث): لو علم بأنّ زيدا- مثلا- راض بالتصرف في مائه وعمرا لا يرضى، وزعم أنّ الماء الخاص لزيد، وتوضأ فبان أنّه لعمرو، فهو من الجهل بالموضوع ويصح وضوؤه.

(الرابع): لو أذن المالك، فتوضأ وبعد الفراغ رجع عن إذنه صح وضوؤه.

(الخامس): لو كان مأذونا في الوضوء وفي الأثناء شك في أنّ المالك رجع عن إذنه أو لا يصح له الإتمام، للاستصحاب.

(السادس): لو علم أنّ المالك أذن لشخص ولا يدري أنّه هو أو غيره لا يصح له الوضوء.

(السابع): لو أذن المالك وعلم بأنّ إذنه صوريّ لا أن يكون عن رضاء قلبي لا يصح له الوضوء.

(الثامن): لو أذن في الوضوء في ملكه لا يجوز التخلّي فيه، للأصل، ولو كان بالعكس، فالظاهر الجواز، للفحوى. ولو أذن في الوضوء، وكان مواضع وضوئه وسخا لا بد من إحراز الإذن لرفع الوساخة أيضا.

(مسألة ۷): يجوز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار، سواء كانت قنوات أم منشقة من شطّ، وإن لم يعلم رضى المالكين، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين (۲٥). نعم، مع نهيهم يشكل .. الجواز (۲٦). وإذا غصبها غاصب أيضا يبقى جواز التصرف لغيره ما دامت جارية في مجراها الأول، بل يمكن بقاؤه مطلقا (۲۷). و أما للغاصب فلا يجوز، وكذا لأتباعه من زوجته، وأولاده، وضيوفه، وكلّ من يتصرّف فيها بتبعيته (۲۸). وكذلك الأراضي الوسيعة (۲۹) يجوز الوضوء فيها، كغيره من بعض التصرفات، كالجلوس والنوم ونحوهما ما لم ينه المالك، ولم يعلم كراهته، بل مع الظنّ أيضا الأحوط الترك (۳۰)، ولكن في بعض أقسامها يمكن أن‏ يقال: ليس للمالك النّهي أيضا (۳۱).

للسيرة القطعية من المتشرعة، بل من العقلاء في مثل هذه التصرفات اليسيرة خصوصا إذا كان التصرف عباديا، كالوضوء والصلاة ونحوهما.

و أما الاستدلال عليه بما دل على أنّ للمسلمين حقّا في الماء والنار  والكلاء(٥)، وبشاهد الحال، وبالحرج. فمخدوش: لأنّ المراد بحقهم في الثلاثة الحق الاقتضائي، لا الفعلي من كل جهة. وشاهد الحال أخصّ من المدّعى. ولا حرج مع ثبوت البدل للوضوء، مع أنّ الحرج من الامتنانيات التي تشمل المالك والمتوضي، فلا وجه لاختصاصه بالأخير. ثمَّ إنّ المرجع في الأنهار الكبار هو العرف. ومع الشك، فمقتضى الأصل عدم الجواز.

للشك في السيرة حينئذ، إلا أن يقال: إنّه ليس لهم النهي عن مثل هذا التصرف الذي لا يضر بهم أصلا، ولو نهى المالك عن مثله لكان ملوما عند الناس. وبالجملة: اللوم والتوبيخ يتوجهان إلى الناهي لا المتوضي.

للأصل وظهور السيرة فيهما.

يكفي الشك في الجواز في عدمه، لأنّ المتيقن من السيرة غير الغاصب، بل اللوم والتوبيخ من العقلاء يتوجه إلى الغاصب ومن تبعه في تصرفهم في المغصوب. فتأمل. مع أنّ الظاهر تحقق عدم الرضا عن المالك بالنسبة إليهم.

الكلام فيها عين الكلام في الأنهار الكبيرة.

لأنّ المتيقن من السيرة التي هي عمدة الدليل على الجواز غير مورد الظن بالكراهة.

بدعوى تحقق السيرة على التصرف مع النهي، ولكنه مشكل. أو دعوى عدم كون مثل هذه الأمور تفويتا للمنفعة، بل نحو انتفاع لا يضر بالمالك بوجه من الوجوه، كالنظر في مرآته، والاستشمام من عطره والاستظلال بجداره، والنظر إلى بستانه المشتمل على المناظر الحسنة مع عدم الاستلزام لمحرم آخر ونحوهما انتفاع بمال الغير، ولا دليل على حرمة مثل هذه الانتفاعات. وأصالة الاحترام في مال الغير إنّما هي بالنسبة إلى العين والمنفعة، لا الانتفاع الذي لا يتضرر به المالك أصلا، وكذا وضع اليد على جداره حين المشي في الشارع العام- مثلا- مع عدم تفويت شي‏ء عليه ولو شك في كون شي‏ء من التصرف المحرم أم لا، يشكل إثبات حرمته، لأنّ التمسك بالأدلة اللفظية تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. والتمسك بأصالة حرمة التصرف في مال الغير لا وجه له، لأنّ المتيقن منها غير هذه الصورة ولكنه مخدوش: إذ مع صدق التصرف عرفا يشمله دليل المنع مطلقا إلا ما خرج بالدليل.

(مسألة ۸): الحياض الواقعة في المساجد، والمدارس (۳۲) إذا لم يعلم كيفية وقفها- من اختصاصها بمن يصلّي فيها، أو الطلّاب الساكنين فيها، أو عدم اختصاصها- لا يجوز لغيرهم الوضوء منها الا مع جريان العادة بوضوء كلّ من يريد مع عدم منع من أحد، فإنّ ذلك يكشف عن عموم الإذن. وكذا الحال في غير المساجد والمدارس، كالخانات ونحوها.

تقدم حكم هذه المسألة في [مسألة ۲۲] من فصل التخلّي.

(مسألة ۹): إذا شقّ نهر أو قناة من غير إذن مالكه لا يجوز الوضوء بالماء الذي في الشق (۳۳)، وإن كان المكان مباحا أو مملوكا له، بل يشكل إذا أخذ الماء من ذلك الشق وتوضأ في مكان آخر (۳٤)، وإن كان له أن يأخذ من أصل النهر أو القناة (۳٥).

للأصل بعد عدم ثبوت السيرة حينئذ على التوضؤ بمثل هذا الماء مع أنّه من حيازة الماء بغير إذن مالكه، ولا يجري الاستصحاب من جهة الشك في‏ الموضوع، بل العلم بعدمه، لأنّ موضوع الجواز ما كان الماء في محلّه لا ما إذا غيّر عنه.

للشك في جريان سيرة المتشرعة في الأخذ منه، والتوضؤ به.

لأصالة بقاء حقّ الاستعمال ما لم تكن سيرة على الاجتناب.

(مسألة ۱۰): إذا غيّر مجرى نهر من غير إذن مالكه وإن لم يغصب الماء- ففي بقاء حق الاستعمال الذي كان سابقا من الوضوء والشرب من ذلك الماء لغير الغاصب إشكال (۳٦)، وإن كان لا يبعد بقاء (۳۷) هذا بالنسبة إلى مكان التغير. وأما بعده فلا إشكال (۳۸).

للشك في ثبوت السيرة حينئذ.

بدعوى استصحاب بقاء حق الجواز.

لثبوت السيرة في الموردين.

(مسألة ۱۱): إذا علم أنّ حوض المسجد وقف على المصلّين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر (۳۹) ولو توضأ بقصد الصلاة فيه ثمَّ بدا له أن يصلّي في مكان آخر أو لم يتمكن من ذلك، فالظاهر عدم بطلان وضوئه (٤۰)، بل هو معلوم في الصورة الثانية (٤۱). كما أنّه يصح لو توضّأ غفلة، أو باعتقاد عدم الاشتراط (٤۲) ولا يجب عليه أن يصلّي فيه (٤۳) وإن كان أحوط (٤٤)، بل لا يترك في صورة التوضؤ بقصد الصلاة فيه، والتمكن منها (٤٥).

لأنّ مقتضى التقييد عدم الصحة بدون الشرط فيكون عاصيا.

و الإشكال عليه: بأنّه دور، فإنّ صحة الصلاة تتوقف على الوضوء، فلو توقفت صحة الوضوء على الصلاة يلزم الدور. (مدفوع): بالاختلاف في جهة التوقف، فإنّ توقف صحة الصلاة على الطهارة شرعي، وتوقف صحة الوضوء على الصلاة جعليّ من طرف الواقف، فتختلف جهة التوقف، فلا دور.

لوقوعه صحيحا جامعا للشرائط فتستصحب الصحة مع الشك.

لأنّ اشتراط الصلاة إنّما هو في صورة التمكن منها، كسائر الشرائط  المذكورة في الأوقاف، ومع عدم التمكن منها يسقط التكليف به فيصح الوضوء، ولا فرق في عدم التمكن بين كونه شرعيا أو عقليا أو عرفيا. والفرق بين هذه الصورة وسابقتها، أنّ في الصورة السابقة، تكون صحة الوضوء لأصالة الصحة، وفي هذه الصورة، لأجل الاستظهار من الدليل.

لعدم تنجز النهي عن الوضوء في هاتين الصورتين، فيقع صحيحا لا محالة.

للأصل بعد عدم الدليل عليه.

ثمَّ إنّ اشتراط الصلاة في مثل هذا الوضوء يتصور على وجوه:

الأول: أن يكون بعنوان التقييد الحقيقي، بأن تكون الصلاة كعوض التصرف في الماء بالوضوء فيه، ويجب عليه إتيان الصلاة مطلقا في هذه الصورة، لاشتغال ذمته بها.

الثاني: أن يكون بداعي كثرة وقوع الصلاة في المسجد وترغيب الناس إلى الصلاة فيه ولم يكن بعنوان التقييد الحقيقي، والظاهر عدم وجوب الصلاة عليه حينئذ فيه، لفرض عدم كونه من التقييد الحقيقي وعدم دليل على وجوب الإتيان بداعي الواقف ما لم يحرز كونه من القيد الاصطلاحي. ويصح الوضوء أيضا، لثبوت الإذن فيه بالفرض. ولكنه بداع خاص لا مقيدا به. ومع ذلك كله فالجزم بعدم وجوب الصلاة وصحة الوضوء مشكل.

الثالث: الشك في أنّه من أيّ القسمين، ومقتضى الأصل عدم صحة الوضوء الا بقصد الصلاة فيه. وأما وجوب الصلاة بعد ذلك ففيه إشكال، لاحتمال كونه من القسم الثاني، وتقدم الاحتياط فيه.

لاحتمال كون الوقف على النحو الأول.

إن أحرز أنّ الوقف على النحو الأول يجب، والا فقد مر الإشكال في الوجوب.

فروع- (الأول): لو توضأ بقصد الصلاة في المسجد فلم يصلّ فيه بعد ذلك عمدا، فمقتضى الأصل بقاء طهارته ما لم يحدث، وإن اشتغلت ذمته بالصلاة على فرض إحراز كون الشرط من القسم الأول.

(الثاني): لو توضأ بقصد عدم الصلاة فيه وحصل منه قصد القربة ثمَّ صلّى فيه، فالصحة مبنية على كفاية الرضاء الواقعي وعدمها، فعلى الأول يصح دون الثاني، ولا يبعد الكفاية.

(الثالث): يكفي في الصلاة أي صلاة كانت، أدائية أو قضائية، حتّى قضاء مفردة الوتر لو لم تكن قرينة على الخلاف.

(الرابع): المتفاهم من شرط الصلاة هي الصحيحة منها، فلا تجزي الفاسدة.

(الخامس): لو توضأ وصلّى وشك بعد الفراغ في صحة صلاته صح وضوؤه وصلاته. ولو علم ببطلان صلاته واكتفى بها، فالوضوء صحيح، والذمة مشغولة بالصلاة إن كان من القسم الأول.

(مسألة ۱۲): إذا كان الماء في الحوض وأرضه وأطرافه مباحا، ولكن في بعض أطرافه نصب آجر أو حجر غصبي يشكل الوضوء منه مثل الآنية إذا كان طرف منها غصبا (٤٦).

المناط في الحرمة وعدمها صدق التصرف وعدمه. ومع الشك فيه، فالمرجع أصالة الإباحة، كما أنّ المرجع في صدق التصرف هو العرف لا الدقة العقلية، لتنزل الأدلة على المتعارف.

(مسألة ۱۳): الوضوء في المكان المباح مع كون فضائه غصبيّا مشكل، بل لا يصح، لأنّ حركات يده تصرف في مال الغير (٤۷).

يمكن الإشكال فيه، (أولا): بانصراف أدلة الحرمة عن هذا ‏ التصرف اليسير الذي لا يعتنى به عند متعارف الناس. (و ثانيا): أنّه إنّما يتحقق فيما إذا اتحد متعلق النهي مع ما هو ذات العبادة أو جزئه. أما إذا كان متعلقه خارجا عنها، فلا وجه للبطلان. وحركات اليد في الغسلات خارجة عن حقيقة الوضوء وإن كانت داخلة فيها في المسح، فعلى هذا لو غسل وجهه ويديه في الفضاء المغصوب ومسح في غيره يصح وضوؤه.

(مسألة ۱٤): إذا كان الوضوء مستلزما لتحريك شي‏ء مغصوب فهو باطل (٤۸).

إن صدق التصرف فيه عرفا. والا فلا وجه للبطلان.

(مسألة ۱٥): الوضوء تحت الخيمة المغصوبة إن عدّ تصرفا فيها- كما في حال الحرّ والبرد المحتاج إليها- باطل (٤۹).

إن عد ذلك عن استيفاء المنفعة من المغصوب. وإلا فلا وجه للبطلان، لما تقدم من أنّ مجرد الانتفاع بمال الغير لا يكون حراما مطلقا ما لم يكن من التصرف واستيفاء المنفعة، وذلك يختلف باختلاف الحالات والأغراض بمال الغير إن كانت له مالية عرفية يتعلق بها الغصب، كما يتعلق بالعين والمنفعة.

(مسألة ۱٦): إذا تعدى الماء المباح عن المكان المغصوب الى المكان المباح لا إشكال في جواز الوضوء منه (٥۰).

لأنّ حرمة التصرف في مثل هذا الماء كانت بملاحظة المكان.

و المفروض إباحة المكان فعلا، فالحرمة كانت من باب الوصف بحال المتعلق وقد زال. وكذا الكلام في كل ما إذا أفرغ الماء المباح في محل مباح بآلة غصبية من المكائن وغيرها، سواء كان المحل الأول مباحا أم كان مغصوبا.

(مسألة ۱۷): إذا اجتمع ماء مباح- كالجاري من المطر في ملك الغير، إن قصد المالك تملكه كان له (٥۱) والا كان باقيا على إباحته (٥۲)، فلو أخذه غيره وتملكه ملك الا أنّه عصى من حيث التصرف في ملك الغير. وكذا الحال في غير الماء من المباحات مثل الصيد وما أطارته الريح من النباتات.

لتحقق الحيازة، فتشمله الأدلة الدالة على التملك بالحيازة من‏ الإجماع والسيرة على ما يأتي من التفصيل.

بناء على أنّ حيازة المباحات لا تتحقق إلا بقصدها. وأما إذا تحققت بمطلق الدخول فيما هو ملك الحائز ولو لم يكن قاصدا للحيازة، فيصير ملكا له في هذه الصورة أيضا ويأتي التفصيل في محله إن شاء اللَّه تعالى.

(مسألة ۱۸): إذا دخل المكان الغصبيّ غفلة، وفي حال الخروج توضأ بحيث لا ينافي فوريته، فالظاهر صحته، لعدم حرمته (٥۳) حينئذ وكذا إذا دخل عصيانا ثمَّ تاب وخرج بقصد التخلص (٥٤) من الغصب وإن لم يتب ولم يكن بقصد التخلص (٥٥)، ففي صحة وضوئه حال الخروج إشكال (٥٦).

للضرورة والاضطرار الرافعين للتكليف، هذا إذا لم يكن التصرف الوضوئي زائدا على التصرف الخروجي. والا فالظاهر البطلان.

لأنّ التوبة أسقطت الذنب السابق، فلا وجه لأن يكون الخروج منهيّا عنه بالنهي السابق، ولا بالنهي الفعلي الحادث لمكان الاضطرار فيصح الوضوء لا محالة. وما يقال: من إمكان وجود ملاك النهي فيه فهو مبغوض ملاكا وإن لم يكن منهيا عنه. مخدوش: بأنّه مع عدم إمكان تصوير الخطاب لا وجه لإحراز الملاك، لأنّ طريق إحرازه إما بالخطاب أو وجود دليل آخر عليه، وكلاهما منتفيان في المقام.

قصد التخلص لا أثر له بعد تحقق التوبة وذهاب الذنب. نعم، هو من ترتيب الأثر على توبته.

لأنّ الحكم الإلزامي الشرعيّ- وجوبا كان أو حرمة- بالنسبة إلى الخروج غير ممكن. أما الأول فلحكم العقل بلا بدية الخروج، فلا يكون حكم‏ الشرع إلا إرشادا إليه. وأما الثاني فلأنّه لا وجه للحرمة مع الاضطرار إلى الخروج. وما اشتهر من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار إنّما هو بالنسبة إلى العقاب لا الخطاب الفعلي، فيبقى الكلام في أنّ مثل هذه المبغوضية التي لا يمكن فعلية النهي بالنسبة إليها توجب بطلان العبادة أو لا. والظاهر أنّ الالتفات الى هذا النحو من المبغوضية أيضا مانع عن التقرب بالعبادة، لتمامية ملاك المبغوضية، وعدم فعلية النهي من الشارع إنّما هو لأجل وجود المقتضي للنهي.

(مسألة ۱۹): إذا وقع قليل من الماء المغصوب في حوض مباح، فإن أمكن رده إلى مالكه. وكان قابلا لذلك لم يجز التصرف في ذلك الحوض. وإن لم يمكن رده، يمكن أن يقال بجواز التصرف فيه، لأنّ المغصوب محسوب تالفا. لكنّه مشكل (٥۷) من دون رضاء مالكه.

وجه الإشكال أنّه من الاختلاط عرفا، لا أن يكون من التلف ولا يجوز التصرف فيما هو مختلط بمال الغير ومتعلق حقه ولو كان قليلا، الا أن يكون مثل قطرة من الماء العذب في حوض من الماء المالح، فإنّ الظاهر صدق التلف حينئذ.

فروع- (الأول): إذا وقعت قطرة من مائع آخر مغصوب غير الماء في حوض من الماء، فالظاهر كونه من التلف، فيجوز الوضوء بمائة.

(الثاني): إذا كان الدوش غصبيا وكان الماء مباحا يصح الوضوء بما يتقاطر منه.

(الثالث): إذا وقع مقدار من التراب الغصبي في الماء واستهلك بحيث لم يبق أثر منه في الماء يصح الوضوء به.

(الرابع): إذا كان الماء مباحا وتوضأ به في الفضاء الغصبي- مثلا- ثمَّ خرج منه وكان الماء على محال وضوئه باقيا بقدر الكفاية، يصح استئناف الوضوء بما بقي من الماء على أعضاء وضوئه.

(الخامس): إذا ورد على شخص ولم يعلم أنّ ماءه أو مكانه، أو فضاء محله غصبيّ أو لا، يحكم بالإباحة وعدم الغصب، لظاهر اليد ولا يجب‏ الفحص، للأصل، بل قد يحرم إن ترتب عليه المفسدة.

(الخامس) (٥۸): أن لا يكون ظرف ماء الوضوء من أواني الذهب أو الفضة والا بطل، سواء اغترف منه أم أداره على أعضائه، وسواء انحصر فيه أم لا. ومع الانحصار يجب أن يفرغ ماءه في ظرف آخر ويتوضّأ به، وإن لم يمكن التفريغ الا بالتوضؤ يجوز ذلك (٥۹)، حيث إنّ التفريغ واجب. ولو توضّأ منه جهلا أو نسيانا أو غفلة، صح، كما في الآنية الغصبية (٦۰). والمشكوك كونه منهما يجوز الوضوء منه، كما يجوز سائر استعمالاته (٦۱).

الكلام في هذا الشرط عين الكلام في الشرط السابق، بلا فرق بينهما أبدا، فيجري فيه جميع ما تقدم في سابقة وفي فصل الأواني.

إما لأجل أنّ انطباق عنوان التفريغ على الوضوء يخرجه عن عنوان الاستعمال، فلا تشمله الأدلة الدالة على حرمة استعمالها. أو لأجل وقوع التزاحم بين التوضؤ وحرمة الاستعمال، وهذا النحو من الوضوء أقوى ملاكا منها. أو لأجل أنّ المراد بحرمة استعمالها الاستعمالات التي شاعت عند أبناء الدنيا، فلا يشمل التوضؤ. والكل ظاهر الخدشة كما لا يخفى وقد تقدم منه رحمه اللَّه تقوية البطلان في [مسألة ۱٤] من (فصل الأواني).

لسقوط النهي عن الفعلية لأجل العذر، فالمقتضي لصحة الوضوء- وهو المحبوبية- موجود، والمانع مفقود، فيصح لا محالة.

لأصالة البراءة بعد الشك في الموضوع.

(مسألة ۲۰): إذا توضّأ من آنية باعتقاد غصبيتها، أو كونها من الذهب أو الفضة، ثمَّ تبيّن عدم كونها كذلك، ففي صحة الوضوء إشكال (٦۲)، ولا يبعد الصحة إذا حصل منه قصد القربة.

منشأ الإشكال انطباق عنوان الطغيان والتجري على الوضوء، فيصير مبغوضا ويكون باطلا، وإن حصل قصد القربة، ومع عدمه، أو الشك في‏ الانطباق يصح إن حصل قصد القربة، والظاهر اختلاف ذلك باختلاف الحالات والأشخاص.

(السادس): أن لا يكون ماء الوضوء مستعملا في رفع الخبث (٦۳) ولو كان طاهرا، مثل ماء الاستنجاء مع الشرائط المتقدمة- ولا فرق بين الوضوء الواجب والمستحب على الأقوى (٦٤) حتّى مثل وضوء الحائض (٦٥). و أما المستعمل في رفع الحدث الأصغر، فلا إشكال في جواز التوضؤ منه (٦٦) والأقوى جوازه من المستعمل في رفع الحدث الأكبر، وإن كان الأحوط تركه (٦۷) مع وجود ماء آخر. وأما المستعمل في الأغسال المندوبة، فلا إشكال فيه أيضا (٦۸). و المراد من المستعمل في رفع الأكبر هو الماء الجاري على البدن للاغتسال إذا اجتمع في مكان (٦۹) وأما ما ينصب من اليد أو الظروف‏ حين الاغتراف، أو حين إرادة الإجراء على البدن من دون أن يصل إلى البدن فليس من المستعمل (۷۰)، وكذا ما يبقى في الإناء (۷۱) وكذا القطرات الواقعة في الإناء ولو من البدن (۷۲) ولو توضّأ من المستعمل في الخبث جهلا أو نسيانا بطل (۷۳) ولو توضّأ من المستعمل في رفع الأكبر احتاط بالإعادة (۷٤).

تقدم ما يتعلق بهذا الشرط في الماء المستعمل.

للإطلاق الشامل لهما، ولقاعدة إلحاق مندوب كلّ شي‏ء بواجبه الا ما خرج بالدليل.

لشمول إطلاق الدليل له أيضا ولا مانع في البين الا دعوى الانصراف عنه، وهو بدويّ لا اعتبار به.

نصّا وإجماعا كما تقدم‏(٥).

تقدم وجهه في فصل الماء المستعمل‏(٦).

لعموم مطهّرية الماء وإطلاق ما يدل عليه‏(۷).

لأنّه المتفاهم من المستعمل عرفا وهو المراد من كلمات الفقهاء أيضا.

للأصل بعد كون المراد بالمستعمل ما يستعمل في غسل البدن وينفصل عنه، لا ما ينفصل من الماء قبل وصوله إلى البدن، سواء كان قبل الشروع في أصل الغسل أم حين الغسل مع عدم وصول الماء إلى البدن.

لأنّ المستعمل، الماء الذي به يغتسل عن الجنابة- مثلا- لا ما يغتسل عنه.

ما يقع عن البدن على قسمين- (الأول): ما يقع بعد استعماله في البدن وهو من المستعمل قطعا. (الثاني): ما يطفر منه حين صب الماء عليه، وهو ليس بمستعمل ومع الشك فيه، فمقتضى الأصل عدم كونه منه.

لأنّ مقتضى الأصل في كلّ شرط أن يكون واقعيا إلا ما خرج بالدليل ولا دليل على الخلاف.

لأنّ أصل الحكم بالاجتناب كان احتياطيا وكذا في فروعه والاحتياط هنا تابع للاحتياط هناك وجوبا أو ندبا.

(السابع): أن لا يكون مانع من استعمال الماء، من مرض أو خوف، أو عطش، أو نحو ذلك، وإلا فهو مأمور بالتيمم (۷٥) ولو توضّأ والحال هذه بطل (۷٦). و لو كان جاهلا بالضرر صح (۷۷) وإن كان متحققا في الواقع‏ و الأحوط الإعادة، أو التيمم (۷۸).

نصّا وإجماعا، ويأتي التعرض لهما في الخامس من مسوغات التيمم.

البحث في البطلان تارة: بحسب الاستظهار من الأدلة. وأخرى بحسب العرف. وثالثة بحسب كلمات الفقهاء.

أما (الأول): فلا ريب في سقوط فعلية وجوب الطهارة المائية في جميع موارد مسوغات التيمم، وإنّما الكلام في سقوط الملاك وعدمه ومقتضى عدم ثبوت طريق لنا لإحراز بقائه سقوطه أيضا، لأنّ طريق الإحراز إما الخطاب، أو الاستصحاب، أو دليل آخر، والأول: مفروض السقوط. والأخير: مفروض الانتفاء. والثاني: من الشك في أصل الموضوع، فلا وجه لجريان الاستصحاب، لاحتمال أن تكون الملاكات ما دامية، أي: ما دامت فعلية الخطاب لا أن يكون مطلقا ودائميا. وهذا الاحتمال يوجب الشك في أصل الملاك، فلا وجه للإتيان لا بداعي الخطاب لسقوطه، ولا الملاك لعدم إحرازه.

أما الثاني فقد نرى في القوانين العرفية أنّه إذا سقطت فعلية القانون لمصلحة في ذلك يرون الناس أنّه سقط بملاكه وخطابه معا، ولا يرون اختصاص السقوط بخصوص الخطاب فقط، بل لو أتى أحد بالقانون الساقط خطابا بداعي الملاك ربما يستهجن ويوبخ عليه. مع أنّ ملاكات الأحكام ليست من الحقائق العينية، ولا الأعراض الخارجية وإنّما هي من قبيل ملازمات اعتبارية للأحكام الفعلية الإلهية، فإذا سقط أحد المتلازمين سقط لازمه عن صلاحية الداعوية.

نعم، يصح فرض اعتباره على نحو التعليق بأن يقال: لو كان الحكم فعليا، لكان ملاكه صالحا للداعوية ولكنه أعمّ من صلاحيته للداعوية الفعلية للشك في أصل وجوده، فيكون من قبيل التشريع حينئذ.

و أما الأخير، فليس في البين إجماع يعوّل عليه في بقاء الملاك ولم يستند القائل به بدليل معتبر، والنزاع بينهم صغرويّ. فمن يقول بالصحة يقول ببقاء الملاك، ومن يقول بالعدم يقول بعدمه، فالمسألة اجتهادية لا أن تكون اتفاقية، فلا وجه لما يقال: من أنّ سقوط الخطاب في موارد الحرج إنّما هو للتسهيل وهو يحصل بسقوط الإلزام فقط. فإنّ البحث في أنّه هل يكون الملاك ما داميا أو مطلقا ودائميّا؟ والمعلوم هو الأول، وإثبات الثاني يحتاج إلى دليل وهو مفقود.

لأنّ عمدة المناط في زوال الحكم والملاك في مورد الضرر في‏ الجملة تحقق الخوف، ولا يتحقق ذلك مع الجهل، فالتكليف باق بملاكه وخطابه، هذا في الضرر اليسير الذي يزول عادة. وأما إن كان كثيرا، فإن قلنا ببقاء الملاك، فيصح أيضا بداعي الملاك وإن قلنا بسقوطه كما تقدم فلا وجه للصحة.

إن قلت: ما ذكرته في الضرر اليسير من أنّ المناط هو الخوف وهو غير متحقق مع الجهل يجري هنا أيضا.

(قلت): التضرر بالنفس والإلقاء في الضرر الواقعي مبغوض شرعا إن كان الضرر مما يهتم به عند متعارف الناس، فالمدار فيه على نفس الضرر الواقعي، ولا موضوعية للخوف في مثله. ويأتي في [مسألة ۱۸] وما بعدها من فصل التيمم ما ينفع المقام.

ظهر مما تقدم وجوب الإعادة أو التيمم في الضرر الكثير والاحتياط بأحدهما إنّما هو في الضرر اليسير الزائل.

(الثامن): أن يكون الوقت واسعا للوضوء والصلاة، بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته ولو ركعة منها خارج الوقت (۷۹) والا وجب التيمم. الا أن يكون التيمم أيضا كذلك، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر إذ حينئذ يتعيّن الوضوء (۸۰). ولو توضّأ في الصورة الأولى بطل إن كان قصده امتثال الأمر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على‏ نحو التقييد (۸۱). نعم، لو توضّأ لغاية أخرى أو بقصد القربة صح (۸۲). وكذا لو قصد ذلك الأمر بنحو الداعي لا التقييد (۸۳).

لأهمية درك الوقت من الطهارة المائية. ودليل: «من أدرك ركعة من الوقت»(۸) في الفوات لا التفويت خصوصا بمثل الطهارة المائية التي جعل الشارع لها البدل.

لعدم مسوغ للتيمم حينئذ لفوات الوقت على كل تقدير، فلا موضوع‏ للأمر بالبدل مع التمكن من المبدل بمقدار ما يستغرق من الوقت فيهما.

إذ لا أمر بالوضوء لهذه الصلاة التي ضاق وقتها، فلا موضوع لقصده.

لعدم اقتضاء الأمر بالشي‏ء النهي عن ضده.

إن كان مراده داعوية الأمر بالوضوء للصلاة التي ضاق وقتها، فلا وجه له، إذ لا أمر في البين حتّى يصلح للداعوية. وإن كان مراده الخطأ في التطبيق، فيصح ولا إشكال فيه.

(مسألة ۲۱): في صورة كون استعمال الماء مضرّا لو صبّ الماء على ذلك المحلّ الذي يتضرّر به ووقع في الضرر، ثمَّ توضّأ، صح إذا لم يكن الوضوء موجبا لزيادته (۸٤)، لكنّه عصى بفعله الأول (۸٥). (التاسع): المباشرة في أفعال الوضوء في حال الاختيار، فلو باشرها الغير، أو أعانه في الغسل، أو المسح بطل (۸٦). وأما المقدّمات للأفعال فهي أقسام: (أحدها): المقدّمات البعيدة كإتيان الماء أو تسخينه، أو نحو ذلك. وهذه لا مانع من تصدّي الغير لها (۸۷). (الثاني): المقدّمات القريبة مثل صبّ الماء في كفّه، وفي هذه يكره مباشرة الغير (۸۸). (الثالث): مثل صبّ الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لإجرائه وغسل أعضائه. وفي هذه الصورة وإن كان لا يخلو تصدّي الغير عن إشكال (89) الا أنّ الظاهر صحته (۹۰)، فينحصر البطلان فيما لو باشر الغير غسله، أو أعانه على المباشرة بأن يكون الإجراء والغسل منهما معا.

لفرض حصول الضرر قبل الوضوء وعدم حصوله به، وكذا لو توضأ ارتماسا وتضرر بإدخال يده- مثلا- في الماء وقصد الوضوء بالإمساك أو الإخراج.

لحرمة الإضرار بالنفس.

فرع: للإضرار بالنفس مراتب متفاوتة:

منها: الضرر الباقي أثره في الجملة إلى آخر العمر.

و منها: ما يبقى أثره إلى زمان معتدّ به، ولا ريب في حرمتهما وبطلان الوضوء معهما.

و منها: ما يعرض ويزول بسرعة مع العلاج وهو حرام أيضا.

و منها: ما يعرض ويزول بسرعة بلا علاج وفي كونه من الضرر المحرّم الموجب للانتقال إلى الطهارة الترابية إشكال.

لظهور الأدلة والإجماع في اعتبار المباشرة حينئذ، فلا مورد بعد ذلك للتمسك بما دل على مشروعية كفاية صحة الانتساب، ولو بالتسبيب لأنّ الإجماع وظواهر أدلة المقام حاكمان عليه، على فرض صحة ذلك بنحو الإطلاق، مع أنّ في ثبوت إطلاقه منعا، وبعد ظهور الأدلة في اعتبار المباشرة يكون مقتضى قاعدة الاشتغال أيضا عدم فراغ الذمة إلا بها.

فائدة: تقدم في خبري الوشاء، والعلل‏(۹) أنّ الاستعانة في الوضوء من الشرك في العبادة ولا يخفى أنّ للشرك مراتب كثيرة جدّا. قال تعالى‏ وما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وهُمْ مُشْرِكُونَ‏(۱۰).

فمنها: الشرك في الذات بأن يعتقد بمبدأين.

و منها: الشرك في العبادة كما في قوله تعالى‏ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏(۱۱).

و منها: الرياء، فإنّه شرك في العبادة أيضا للأخبار المصرّحة بذلك‏(۱۲).

و منها: مطلق إطاعة الشيطان قال الصادق عليه السلام: «المعاصي التي يرتكبون شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا باللّه في الطاعة لغيره»(۱۳).

و منها: الشرك في قدرته تعالى، فعن الصادق عليه السلام: «الرجل يقول لو لا فلان لهلكت، ولو لا فلان ما أصبت كذا وكذا، ولو لا فلان لضاع عيالي، ألا ترى أنّه قد جعل للّه شريكا في ملكه»(۱٤).

و منها: الاستعانة بالغير في مقدمات العبادة مع التمكن من إتيانها بنفسه على ما مرّ في مكروهات الوضوء وليست هي من الشرك في أصل العبادة حتّى تكون محرّمة وموجبة للبطلان، بل هي تشريك الغير في العمل الذي ينبغي أن يأتي به العامل مباشرة ليزيد أجره وثوابه وهو جائز وإن كان مرجوحا.

و منها: غير ذلك مما يأتي التعرض له في الموارد المناسبة له إن شاء اللَّه تعالى.

ثمَّ إنّ المراد بالحرمة في المقام الوضعية- أي البطلان- دون التكليفية وتقدم في أول مكروهات الوضوء ما ينفع المقام.

للأصل والسيرة.

تقدم في أول فصل مكروهات الوضوء(۱٥).

لفوات بعض مراتب المباشرة فيه أيضا.

لأنّ المراد بالمباشرة الواجبة صدق مباشرة الغسلات والمسحات‏ الوضوئية، وصحة انتسابها إلى نفس المتوضي وهو حاصل. نعم الظاهر أنّ الكراهة فيه أشد من القسم الأول.

(مسألة ۲۲): إذا كان الماء جاريا من ميزاب أو نحوه، فجعل وجهه أو يده تحته بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء صح. ولا ينافي وجوب المباشرة، بل يمكن أن يقال: إذا كان شخص يصبّ الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضأ به أحد، وجعل هو يده أو وجهه تحته، صح أيضا ولا يعدّ هذا من إعانة الغير أيضا (۹۱).

لأنّ إعانة الغير والاستعانة إما قصدية، أو انطباقيّة قهريّة، والمفروض انتفاء صدقهما في المقام، ويشهد لعدم الكراهة في الفرعين إطلاق ما ورد من الوضوء تحت المطر بعد إلقاء خصوصية المورد(۱٦).

(مسألة ۲۳): إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب (۹۲) وإن توقف على الأجرة (۹۳)، فيغسل الغير أعضاءه وينوي هو الوضوء (۹٤)، ولو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده ويصبّ الماء فيها ويجريه بها هل يجب أم لا؟ الأحوط ذلك (۹٥). وإن كان الأقوى عدم وجوبه لأنّ مناط المباشرة في الإجراء، واليد آلة والمفروض أنّ فعل الإجراء من النائب. نعم، في المسح لا بد من كونه بيد المنوب عنه لا النائب (۹٦) فيأخذ يده، ويمسح بها رأسه ورجليه، وإن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده ويمسح بها (۹۷). ولو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض، بعّض

للإجماع وارتكاز المتشرعة، وقاعدة الميسور، وصحيح ابن خالد عن الصادق عليه السلام:

«إنّه عليه السلام كان وجعا شديد الوجع، فأصابته جنابة وهو في مكان بارد، قال عليه السلام: فدعوت الغلمة، فقلت لهم: احملوني، فاغسلوني، فحملوني، ووضعوني على خشبات، ثمَّ صبوا عليّ الماء فغسلوني»(۱۷).

و لا ظهور في إصابة الجنابة في الاحتلام حتّى يرد الصحيح بما دل على أنّ الإمام عليه السلام لا يحتلم، بل هي أعمّ منه، كما هو واضح، ولا تعارض بينه وبين صحيح ابن مسلم:

«أنّه عليه السلام اضطر إلى الغسل وهو مريض فأتوا به مسخنا فاغتسل، وقال عليه السلام: «لا بد من الغسل»(۱۸).

لأنّ الأخير ظاهر في المباشرة، والأول نص في الاستنابة، فيطرح ظاهر الأخير بنص الأول، ولا فرق بين الغسل والوضوء في هذه الجهة اتفاقا.

لظهور الإجماع على عدم الفرق بينهما، وتقتضيه قاعدة المقدمية وما ورد في شراء ماء الوضوء بأضعاف قيمته(۱۹).

لأنّه المكلّف بالطهارة وهو المتقرب بفعله ويحصل له الثواب، والغير كالآلة المحضة.

أما الاحتياط فلاحتمال جريان قاعدة الميسور فيه. ولكنّه مشكل لما يذكره في المتن. وأما كون اليد آلة، فلأنّ المدار في الوضوء والغسل على جريان الماء واستيلائه على المحلّ بأيّ وجه اتفق باليد أو بغيرها بالارتماس أو غيره، فإذ كان الإجراء واجبا من النائب فأيّ أثر لوضع الماء في يد المنوب عنه التي لا حكم لها الا كونها آلة محضة. ولا وجه لاستفادة الوجوب من قاعدة الميسور في مثله، لعدّ الأدلة أجنبية عن نفس العمل.

لتوجه التكليف إلى المنوب عنه دون النائب، والمفروض تمكنه من الإتيان ولو بواسطة الغير.

لأنّ سقوط المسح بيد المنوب عنه من جهة القدرة لا يستلزم سقوطه بالرطوبة الباقية، فيأخذها النائب ويمسح بها، لأنّ يده حينئذ كيد المنوب عنه، فتشمله الأدلة، مضافا إلى قاعدة الميسور المعمول بها في الوضوء. ومنه يظهر أنّ الوجه في التبعيض مع التمكن من المباشرة في بعض دون بعض إنّما هو قاعدة الميسور أيضا.

(العاشر): الترتيب بتقديم الوجه ثمَّ اليد اليمنى، ثمَّ اليد اليسرى، ثمَّ مسح الرأس، ثمَّ الرجلين (۹۸) ولا يجب الترتيب بين أجزاء كلّ عضو (۹۸). نعم، يجب مراعاة الأعلى فالأعلى كما مرّ. و لو أخلّ بالترتيب ولو جهلا أو نسيانا بطل (۹۹) إذا تذكر بعد الفراغ وفوات الموالاة (۱۰۰). وكذا إن تذكر في الأثناء لكن كانت نيته فاسدة حيث نوى الوضوء على هذا الوجه (۱۰۱)، وإن لم تكن نيته فاسدة فيعود على ما يحصل به الترتيب (۱۰۲). ولا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء الترتيبي والارتماسي (۱۰۳).

نصّا وإجماعا قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح زرارة: «تابع بين الوضوء، كما قال اللَّه تعالى ابدا بالوجه، ثمَّ باليدين، ثمَّ امسح الرأس والرجلين، ولا تقدمنّ شيئا بين يدي شي‏ء تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه، وأعد على الذراع، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل، ثمَّ أعد على الرجل- الحديث»(۲۰).

فروع- (الأول): الوضوء الذي لزمت فيه الاستنابة لو عرض فيه خلل من حيث بقاء الحدث أو الطهارة يكون المناط شك المنوب عنه ويقينه لا النائب، لأنّه المتطهر والمحدث.

(الثاني): لو شك النائب في أثناء غسل بعض الأجزاء، أو بعد الفراغ يمكن أن يكون المناط على شكه، لتعلق أحكام هذا الشك بمن يصدر منه أفعال الوضوء وهو النائب، ولكنه خلاف الاحتياط.

(الثالث): لو وضّأ الأجنبي الأجنبية، أو بالعكس، فبالنسبة إلى المسح باطل، لتعلق النهي به. وأما بالنسبة إلى الغسلات، فيمكن التصحيح، لأنّ‏ النهي تعلق بما هو خارج، إذ العبادة إنّما هي استيلاء الماء. وإمرار اليد خارج عنه، كما مر.

لإطلاقات الأدلة، مضافا إلى ظهور الاتفاق، فيجوز غسل طرف الأيسر- مثلا- من الوجه قبل الأيمن، وبالعكس، كما يجوز غسل ظهر اليد أولا، ثمَّ بطنها، وبالعكس.

لأنّ مقتضى الشرطية أن يكون الشرط واقعيا إلا إذا دل دليل على الخلاف، ولا دليل على الخلاف في المقام.

لعدم إمكان تحصيل الترتيب حينئذ. ويأتي في [مسألة ۲٦] أنّ الموالاة شرط واقعيّ يبطل الوضوء بفقدها.

لعدم إمكان قصد التقرب حينئذ. نعم، لو كان جاهلا، وحصل منه قصد القربة، يصح المقدار الذي أتاه مرتبا، ويبطل ما خالف فيه الترتيب فيعيده فقط مع بقاء الموالاة.

على المشهور، فلو غسل شماله قبل يمينه، ثمَّ غسل يمينه، يكفي إعادة غسل شماله فقط، ولا يحتاج إلى إعادة غسل يمينه ثانيا، لوجود المقتضي لصحة غسل اليمين وفقد المانع، فيجزي قهرا. وعن الصادق عليه السلام في خبر ابن أبي يعفور: «إذا بدأت بيسارك قبل يمينك، ومسحت رأسك ورجليك، ثمَّ استيقنت بعد أنّك بدأت بها غسلت يسارك، ثمَّ مسحت‏  رأسك ورجليك»(۲۱)، وعنه عليه السلام أيضا: «ألا ترى أنّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك»(۲۲). ولكن يظهر من بعض الأخبار لزوم إعادتهما معا، كصحيح ابن منصور(۲۳): «في الرجل يتوضأ فبدأ بالشمال قبل اليمين. قال عليه السلام: يغسل اليمين ويعيد اليسار»، وعن أبي جعفر عليه السلام فيمن غسل يساره قبل يمينه. قال عليه السلام: «يعيد الوضوء من حيث أخطأ»(۲٤)، وفي موثق أبي بصير: «فإن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن ثمَّ اغسل اليسار»(۲٥).

و الحمل على الندب من أسهل طرق الجمع في مثل هذا القسم من التعارض.

لإطلاق الدليل الشامل لهما.

(الحادي عشر): الموالاة (۱۰٤)، بمعنى عدم جفاف الأعضاء السابقة قبل الشروع في اللاحقة، فلو جفّ تمام ما سبق بطل (۱۰٥). بل لو جفّ العضو السابق على العضو الذي يريد أن يشرع فيه، الأحوط الاستئناف (۱۰٦)، وإن بقيت الرطوبة في العضو السابق على السابق. و اعتبار عدم الجفاف إنّما هو إذا كان الجفاف من جهة الفصل بين الأعضاء أو طول الزمان. وأما إذا تابع في الأفعال وحصل الجفاف من جهة حرارة بدنه، أو حرارة الهواء أو غير ذلك فلا بطلان (۱۰۷)، فالشرط في الحقيقة أحد الأمرين: من التتابع العرفي، وعدم الجفاف (۱۰۸). و ذهب بعض العلماء إلى وجوب الموالاة بمعنى التتابع، وإن كان لا يبطل الوضوء (۱۰۹) بتركه إذا حصلت الموالاة بمعنى عدم الجفاف. ثمَّ إنّه لا يلزم بقاء الرطوبة في تمام العضو السابق، بل يكفي بقاؤها في الجملة ولو في بعض أجزاء ذلك العضو (۱۱۰).

نصّا وإجماعا، كما يأتي.

على المشهور، لأنّ الوضوء، وإن كان مركبا من أجزاء، ولكن له وحدة اعتبارية وهيئة اتصالية، كما أنّ الصلاة أيضا كذلك، وهي معتبرة في العمل كاعتبار أجزائه وشرائطه ويدل عليه انسباقها من الإطلاقات مضافا إلى أدلة خاصة يأتي بعضها. ولا ريب في أنّ تلك الوحدة الاعتبارية والهيئة الاتصالية تارة تتحقق في الخارج بنظر المتشرعة، ويصدق التتابع لديهم حقيقة، فلا وجه لتحديد الشارع فيها حينئذ، لأنّ تحديده طريق لإحراز تحققه والمفروض تحققها عرفا وصدقها حقيقة. وأخرى: يشك في تحققها، وهو أمر عام البلوى قابل للاختلاف بحسب العوارض والحالات، فلا بد للشارع في مثله من التحديد بحد خاص يكون هو المرجع عند الجميع، كما هو شأنه في جميع الموارد القابلة للتشكيك- كالكر، والمسافة، وأقلّ الحيض وأكثره وغيرها مما هو كثير جدّا- وقد حدّده الشارع بعدم الجفاف.

و الأخبار الواردة في المقام قسمان:

(الأول): قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في خبر الحلبي: «أتبع وضوءك بعضه بعضا»(۲٦).

الظاهر في الصحة كل ما صدقت المتابعة العرفية، وتحقق عنوان متابعة بعض الوضوء مع البعض عرفا. وإطلاقه يشمل كفاية المتابعة العرفية ولو حصل الجفاف لحر الهواء ونحوه.

(الثاني): قوله عليه السلام في موثق أبي بصير: «إذا توضأت بعض وضوئك، وعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوؤك، فأعد وضوءك فإنّ الوضوء لا يتبعض»(۲۷)، وصحيح ابن عمار: «قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: ربما توضأت فنفذ الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ فيجف وضوئي. فقال:

أعد»(۲۸).

الظاهر في أنّ آخر حد انقطاع الموالاة بعد فقدان المتابعة العرفية إنّما هو جفاف الوضوء، وأنّ الموالاة أعم من متابعة الفعل اللاحق بالفعل السابق عرفا ومن لحوق الفعل اللاحق بأثر الفعل السابق وعدم انقطاعه عن أثره، فالموالاة:

تارة: فعلية. وأخرى: شرعية، ويشهد لذلك العرف أيضا، فإنّ الفعل السابق ما بقي أثره كأنّه لم ينعدم وبمنزلة الباقي عند العرف. ثمَّ إنّ في تعليق الإعادة في الموثق والصحيح على اليبس والجفاف وعدم التعرض لشي‏ء آخر دلالة على أنّه لا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار، فالجفاف الحاصل من الفصل بين أفعال الوضوء يوجب البطلان، سواء كان منشأه اختياريا أو اضطراريا ما لم تتحقق المتابعة العرفية.

لاحتمال أن يكون المراد بقوله عليه السلام في الموثق: «حتّى يبس وضوؤك» يبس ماء العضو السابق، لا يبس ماء تمام الأعضاء. ولكنه خلاف الظاهر، إذ الظاهر منه يبس تمام الأعضاء، ولذا قال عليه السلام: «يبس وضوؤك» ومع يبس العضو السابق فقط دون بقية الأعضاء، لا يصدق يبس الوضوء بقول مطلق. ومع الشك فالمرجع استصحاب الصحة، كما في الشك في انقطاع الموالاة في الصلاة.

لأنّه لا موضوعية لنفس الجفاف من حيث هو في البطلان وإنّما هو طريق لفوت الموالاة، والمفروض تحقق الموالاة، فلا أثر للجفاف حينئذ.

قد تقدم وجهه.

نسب هذا القول إلى جمع، منهم السيد، والشيخ رحمه اللَّه، فذهبوا إلى وجوب المتابعة العرفية نفسيا، تمسكا بظاهر قول الصادق عليه السلام في خبر الحلبي: «أتبع وضوءك بعضه بعضا» ونحوه غيره، فيصح الوضوء مع عدم الجفاف وترك المتابعة العرفية وإن أثم بتركها. وفيه: أنّ المنساق من مثل هذه التعبيرات، الإرشاد إلى الشرطية. وعن صاحب الجواهر في بعض كلماته:

«إنّ الأصل في الأوامر المتعلقة بالمركبات، الغيرية إلا ما خرج بالدليل». وهو كلام حسن.

لما تقدم من ظهور النص في جفاف تمام الوضوء مطلقا، فيكفي في الصحة بقاء الرطوبة، ولو في بعض أعضائه، لأنّه يصدق حينئذ عدم جفاف الوضوء.

(مسألة ۲٤): إذا توضّأ وشرع في الصلاة ثمَّ تذكر أنّه ترك بعض المسحات أو تمامها بطلت صلاته ووضوؤه أيضا إذا لم تبق الرطوبة في أعضائه، والا أخذها ومسح بها، واستأنف الصلاة (۱۱۱).

أما بطلان الوضوء في الأول، فلعدم المسح، وعدم إمكان الإتيان لجفاف الرطوبة، فتبطل الصلاة قهرا لفقد الطهور فيها. وأما الصحة في الثاني، فلإمكان تصحيح الوضوء، فيمسح، ويستأنف الصلاة مع الطهور ثانيا.

(مسألة ۲٥): إذا مشى بعد الغسلات خطوات ثمَّ أتى بالمسحات لا بأس، وكذا قبل تمام الغسلات إذا أتى بما بقي ويجوز التوضؤ ماشيا (۱۱۲).

كل ذلك لإطلاقات الأدلة، وأصالة البراءة عن اعتبار السكون والوقوف في الوضوء، ولعدم منافاة المشي للموالاة المعتبرة فيه. مضافا إلى ظهور الاتفاق على الصحة. نعم، جعل في ذخيرة العبادة من مندوبات الوضوء الجلوس مستقبل القبلة، وقرره جميع المعلقين، فلو كان ترك المندوب مكروها لكان في حال المشي مكروها.

(مسألة ۲٦): إذا ترك الموالاة نسيانا بطل وضوؤه مع فرض عدم التتابع العرفي أيضا. وكذا لو اعتقد عدم الجفاف ثمَّ تبيّن الخلاف (۱۱۳).

لأنّ الموالاة شرط واقعيّ، والمشروط ينتفي بانتفاء شرطه واقعا، علم المكلف بذلك أم لا.

(مسألة ۲۷): إذا جفّ الوجه حين الشروع في اليد لكن بقيت الرطوبة في مسترسل اللحية، أو الأطراف الخارجة عن الحدّ، ففي كفايتها إشكال (۱۱٤).

لاحتمال انصراف الأدلة عنها احتمالا صحيحا.

فروع- (الأول): لو شك في بقاء الموالاة وعدمه يبني على البقاء، للاستصحاب.

(الثاني): لو توضأ وصلّى وبعد الفراغ علم بفقد الموالاة. إما في وضوئه، أو صلاته، يعيد صلاته، ويصح وضوؤه، وإن كان الأحوط إعادة الوضوء أيضا.

(الثالث): لو شك بعد الفراغ من الوضوء في الموالاة يصح وضوؤه ولا شي‏ء عليه.

(الرابع): لا يعتبر في الموالاة قصد القربة، فلو قصد القربة في أصل الوضوء، وتوالى في أفعاله لبرد أو نحوه، يصح وضوؤه ولا شي‏ء عليه.

(الخامس): بقاء الرطوبة المانعة عن فقد الموالاة ما كان بحسب المتعارف، فلو بقيت الرطوبة إلى ساعة أو ساعتين- مثلا- لرطوبة الهواء لا اعتبار بها، وحينئذ يكون المناط على المتابعة العرفية.

(الثاني عشر): النية، وهي القصد إلى الفعل (۱۱٥) مع كون الدّاعي أمر اللَّه تعالى (۱۱٦). أما لأنّه تعالى أهل للطاعة- وهو أعلى‏ الوجوه (۱۱۷)- أو لدخول الجنة، والفرار من النار- وهو أدناها (۱۱۸)- وما بينهما متوسطات (۱۱۹). ولا يلزم التلفظ بالنية (۱۲۰)، بل ولا إخطارها بالبال (۱۲۱). بل يكفي وجود الدّاعي في القلب (۱۲۲) بحيث لو سئل عن شغله يقول: أتوضّأ مثلا. و أما لو كان غافلا بحيث لو سئل بقي متحيّرا، فلا يكفي (۱۲۳) وإن كان مسبوقا بالعزم والقصد حين المقدّمات. ويجب استمرار النية إلى آخر العمل (۱۲٤)، فلو نوى الخلاف أو تردد وأتى ببعض الأفعال بطل (۱۲٥) الا أن يعود إلى النية الأولى قبل فوات الموالاة (۱۲٦) ولا يجب نية الوجوب والندب لا وصفا ولا غاية ولا نية وجه الوجوب والندب بأن يقول: أتوضّأ الوضوء الواجب أو المندوب أو لوجوبه أو ندبه أو أتوضّأ لما فيه من المصلحة (۱۲۷)، بل يكفي قصد القربة وإتيانه لداعي اللَّه (۱۲۸). بل لو نوى أحدهما في موضع الآخر كفى (۱۲۹) إن لم يكن‏ على وجه التشريع أو التقييد، فلو اعتقد دخول الوقت فنوى الوجوب وصفا أو غاية ثمَّ تبيّن عدم دخوله صح إذا لم يكن على وجه التقييد، والا بطل (۱۳۰) كأن يقول أتوضّأ لوجوبه. والا فلا أتوضأ.

القصد والإرادة والاختيار معتبرة في كل فعل اختياري بفطرة الإنسان بل الحيوان، إذ كل فعل اختياري متقوّم به تكوينا، ولا معنى لإيجاب الشارع في مثله إلا الإرشاد إلى الفطرة، كما لا ينبغي للفقيه التعرض له أيضا. والإيكال إلى فطرة الأنام أحسن من بسط الكلام، كيف وقد ارتكز في أذهان العوام: أنّه لو كلف اللَّه تعالى عباده بعمل بلا إرادة واختيار، لكان من التكليف بالمحال، ويجل عن ذلك الحكيم المتعال. كما أنّ البحث في أنّه شرط للفعل الاختياري، أو جزء منه، أو برزخ بينهما لا ثمرة عملية فيه، بل ولا علمية خصوصا بعد ما استقر عليه المذهب من كفاية مجرد الداعي الواقعي، وإن لم يكن ملتفتا إليه تفصيلا.

و الظاهر أنّ ذكر الفقهاء للنية في العبادة إنّما هو مقدمة لبيان قصد القربة، واعتبار الإضافة إلى اللَّه تعالى فيها، لا أن يكونوا في مقام بيان الإرادة والاختيار التكوينيين في فعل الفاعل المختار، إذ ليس ذلك من شأنهم، بل هو من مباحث الحكمة والكلام.

لا ريب في أنّ لكل شريعة، حقا كانت أو باطلة، عابدا ومعبودا وعبادة، فهي في الجملة مما جرت عليه سيرة الناس قديما وحديثا، بل جبلت عليها نفوسهم لو لا المانع. وإنّما الاختلاف في الكيفيات والمصاديق كما لا ريب عند الناس في تقوم العبادة بكون إتيانها لأجل الإضافة إلى المعبود، بأن يكون الداعي إلى إتيانها تلك الإضافة، فيعتبر في العبادة إتيانها من جهة الإضافة إليه تعالى بإجماع المسلمين، وسيرة العقلاء كافة، إذ كل عاقل يعبد شيئا يأتي بعباداته الخاصة لأجل إضافتها إلى معبوده وتقربا إليه، سواء كانت الإضافة أهلية المعبود لأن يعبد، أم أمره، أم مبادي أمره، كالمصلحة التي جعلها فيه، أم لواحق امتثال أمره، كالثواب المترتب عليه، والفرار عن العقاب على مخالفته، لأنّه بجميع ذلك تحصل جهة الإضافة، ويختلف ذلك بحسب اختلاف مقامات العابدين ودرجاتهم قال أبو عبد اللَّه عليه السلام:

«العبادة ثلاث: إنّ قوما عبدوا اللَّه عزّ وجل خوفا، فتلك عبادة العبيد.

و إنّ قوما عبدوا اللَّه تبارك وتعالى طلبا للثواب فتلك عبادة الأجراء. وقوم عبدوا اللَّه تبارك وتعالى حبا له وتلك عبادة الأحرار»(۲۹)، وعن عليّ عليه السلام: «إنّ قوما عبدوا اللَّه رغبة، فتلك عبادة التجار. وإنّ قوما عبدوا اللَّه رهبة، فتلك عبادة العبيد. وإنّ قوما عبدوا اللَّه شكرا، فتلك عبادة الأحرار»(۳۰).

و مقتضى سهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العام البلوى لسواد الناس هو الاكتفاء بأدنى المراتب وهو مقتضى أصالة البراءة أيضا، لأنّ المسألة من صغريات الأقل والأكثر ويأتي في نية الصلاة ما ينفع المقام.

فائدتان:- (الأولى): الامتثال والعبودية والعبادة من المفاهيم المبيّنة العرفية، فإن وردت من الشارع فيها خصوصية خاصة لا إشكال في اعتبارها. والا فالمرجع أصالة الإطلاق، وأصالة البراءة في نفي مشكوك القيدية، سواء أمكن تقييد المأمور به بالقيود الحاصلة من ناحية الأمر، كما هو الحق أم لا، كما عن جمع. أما على الأول فواضح، لأنّها حينئذ كسائر القيود المشكوكة المحتملة الدخل في المكلف به، فيدفع بالإطلاق والأصل. وأما على الثاني فلأنّه، وإن لم يمكن حينئذ التمسك في نفي خصوص هذا القيد المشكوك بالإطلاق اللفظي، إذ التمسك به إنّما هو فيما إذا أمكن أخذ القيد في الدليل والمفروض عدم الإمكان. لكن الإطلاق المقامي كاف في نفي هذا القيد المشكوك في ما هو عام البلوى للجميع، وفي مثله يجوز الرجوع إلى البراءة العقلية والنقلية، والإطلاق أيضا.

و دعوى: أنّ الشك إنّما هو في حصول الغرض، ولا بد في مثله من الرجوع إلى الاشتغال، لا البراءة. (مدفوعة): بأنّ الشك في حصول الغرض الذي يرجع في مورده إلى البراءة إنّما هو فيما إذا كان الغرض معلوما ومبينا بحسب الدليل وكان الشك في تحققه خارجا وفي مقام الامتثال، لا ما إذا كان مجملا في أصل ذاته وتشريعه، وكان الشك في أصل جعل الشارع له، فلا وجه حينئذ للرجوع إلى الاحتياط خصوصا في الشريعة السهلة السمحة.

فالقيود المشكوكة أقسام ثلاثة:

(الأول): ما علم بجعلها وشك في فراغ الذمة عنها.

(الثاني): ما شك في أصل جعلها.

(الثالث): ما شك في أنّه من أي القسمين. ومورد الاحتياط خصوص الأول، إن لم تكن أمارة أو أصل على الخلاف. وفي الأخيرين يتعيّن الرجوع إلى البراءة خصوصا في الأمور العامة البلوى. ومنه يظهر صحة التمسك بالإطلاق والبراءة في كفاية مسمّى قصد الأمر، ولو مع قصد الضمائم الراجحة أو المباحة،  وعدم اعتبار أن يكون قصد الأمر علة تامة منحصرة. ويأتي في نية الصلاة بعض ما ينفع المقام.

(الثانية): ظهر مما تقدم أنّه لو شك في واجب أنّه تعبديّ أو لا، يحكم عليه بعدم كونه تعبديا.

و قد يقال: إنّ مقتضى بعض الأدلة كون كل واجب تعبديا الا ما خرج بالدليل، كقوله تعالى‏ أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ‏(۳۱)، وقوله تعالى:

وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏(۳۲)، وقوله صلّى اللَّه عليه وآله:

«إنّما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى»(۳۳)، وقوله صلّى اللَّه عليه وآله:

«لا عمل إلا بالنية»(۳٤).

و الكل مردود: أما الآية الأولى، فلأنّ الإطاعة أعم من العبادة، كما هو معلوم. وأما الثانية فلأنّها في مقام البعث إلى توحيد المعبود ونفي الشرك في العبادة، ولا ربط لها بأنّ كل واجب تعبدي. وأما الخبر الأول فإنّما هو في مقام بيان أنّ من نوى في عمله القربة يثاب عليه، ومن نوى غيرها فله ما نوى. راجع بقية الخبر في الوسائل‏(۳٥). وأما الخبر الأخير ونحوه من الأخبار فهو في مقام بيان أنّ حسن الجزاء يدور مدار حسن النية، لا أنّ قصد التقرب معتبر في كل واجب.

و إلا لزم تخصيص الأكثر، كما هو معلوم.

لخلوّه عن شوائب التعويض، وهو من عبادة أولياء اللَّه المقرّبين، وعبّر عنه في الحديث‏(۳٦) بعبادة الكرام تارة، والأحرار أخرى.

لما في الحديث: من أنّ الأول عبادة الحرصاء، والثاني عبادة العبيد(۳۷)، وعن عليّ عليه السلام: «ما عبدتك خوفا من نارك، ولا طمعا في‏ ‏ جنتك، بل وجدتك أهلا للعبادة»(۳۸).

و لكن العبادة للخوف من النار والطمع في الجنة ممدوحة أيضا، قال تعالى‏ تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وطَمَعاً(۳۹).

كأن يقصد التقرب المعنوي إليه تعالى، أو درك الفضائل المعنوية أو الظاهرية منه تعالى.

للإطلاق، والاتفاق، والأصل والسيرة.

لأصالة البراءة عن وجوبه بعد عدم ورود دليل على لزومه في هذا الأمر العام البلوى للجميع في كل يوم مرّات.

لاكتفاء العقلاء في أفعالهم بمجرد الداعي ولم يثبت الردع عنه شرعا، بل مقتضى الأصل تقريره.

لفقد النية حينئذ إجمالا وتفصيلا، فمقتضى القاعدة البطلان.

نعم، لو لم يكن التحير كاشفا عن فقد الداعي لصح وكفى.

لأنّ العمل المركب عبارة عن جميع الأجزاء وهي عينه، والمفروض اعتبار القربة في العمل بتمامه، فيعتبر في جميع الأجزاء، وهذا معنى استمرار النية.

لفقد النية، لأنّها عبارة عن الإرادة الحاصلة بعد الجزم والعزم إلى الشي‏ء، والتردد وقصد الخلاف ينافي ذلك.

لوجود المقتضي حينئذ وفقد المانع.

فروع- (الأول): لا دليل على اعتبار استمرار النية في الأكوان المتخللة في العمل الواحد مع عدم الاشتغال بأجزائه، بل مقتضى الأصل عدم الاعتبار، فلو توقف عن العمل ونوى الخلاف، أو تردد ثمَّ رجع إلى العمل مع النية، يصح. نعم، لو كانت الأكوان دخيلة في ذات العمل يضر قصد الخلاف والتردد حينئذ، ويأتي التفصيل في [مسألة ۲۲] من كتاب الصوم.

(الثاني): لو أتى ببعض العمل حال نية الخلاف، أو التردد، ثمَّ تدارك ذلك البعض بعد العود إلى النية، يصح العمل، ما لم يكن محذور آخر في البين.

(الثالث): لو شك في أنّه هل حصل له حالة التردد أو قصد الخلاف، فمقتضى الأصل عدم العروض.

كلّ ذلك للأصل بعد خلوّ الأدلة البيانية عن التعرض لهذه الأمور، ولو كانت معتبرة، لوجب على الشارع بيانه في مثل هذا الأمر المحتاجة إليه أمته، ولا شير إليها في الأخبار في هذا الأمر العام البلوى.

إذ ليس المراد بالقربة المعتبرة في العبادات الا ذلك. واعتبار الزائد مدفوع بالأصل والإطلاق.

لتحقق الإتيان بالمأمور به بحدوده وقيوده المعلومة، فمقتضى‏ القاعدة هو الإجزاء بعد نفي مشكوك القيدية بالأصل.

لفقد النية واقعا. وأما لو فرض تحققها وتحقق قصد القربة فيصح، حتّى مع التقييد. ثمَّ إنّ التشريع تارة: في أصل العمل بأن يأتي بعمل لم يأمر به الشارع بعنوان الانتساب إليه. ولا ريب في بطلانه، لعدم الأمر به. وأخرى:

في كيفياته من الوجوب أو الندب. وثالثة: في إجزائه. وفي هذين القسمين لا دليل على أنّ التشريع يوجب البطلان ما لم ينطبق على العمل عنوان مبطل آخر من فقد قصد القربة، أو فقد الموالاة أو شي‏ء آخر، لفرض أنّه أتى بذات العمل بقصد القربة، وإنّما شرع فيما هو خارج عن الذات، وعلى فرض حرمته يكون من النهي المتعلق بالخارج عن العبادة.

(مسألة ۲۸): لا يجب في الوضوء قصد رفع الحدث أو الاستباحة على الأقوى (۱۳۱) ولا قصد الغاية التي أمر لأجلها بالوضوء، و كذا لا يجب قصد الموجب من بول أو نوم (۱۳۲) كما مرّ. نعم، قصد الغاية معتبر في تحقق الامتثال (۱۳۳)، بمعنى: أنّه لو قصدها يكون ممتثلا للأمر الآتي من جهتها (۱۳٤)، وإن لم يقصدها يكون أداء للمأمور به (۱۳٥) لا امتثالا، فالمقصود من عدم اعتبار قصد الغاية عدم اعتباره في الصحة وإن كان معتبرا في تحقق الامتثال. نعم، قد يكون الأداء موقوفا على الامتثال، فحينئذ لا يحصل الأداء أيضا، كما لو نذر أن يتوضّأ لغاية معيّنة فتوضّأ ولم يقصدها، فإنّه لا يكون ممتثلا للأمر النذري ولا يكون أداء للمأمور به بالأمر النذري أيضا (۱۳٦). وإن كان وضوؤه صحيحا، لأنّ أداءه فرع قصده (۱۳۷). نعم، هو أداء للمأمور به بالأمر الوضوئي.

على ما استقر المذهب عليه في هذه الأزمنة وما قاربها، لإطلاقات الأدلة القولية والفعلية، والبراءة العقلية والنقليّة عن القيود المشكوكة خصوصا في التكاليف الابتلائية، مع أنّ قصد الوضوء المشتمل على قصد الطهارة في الجملة قصد لها إجمالا، فلا وجه بعد ذلك لقصدهما. مضافا إلى أنّ ما استدل به على اعتبارهما باطل، كقولهم: «إنّ الوضوء إنّما شرع لرفع الحدث فلا بد من قصده».

و فيه: أنّ ذلك من حكمة تشريعه، فلو وجب قصد حكمة التشريع لكان في سائر العبادات أيضا كذلك، فما وجه الاختصاص بالوضوء؟! وكقولهم: «إنّ التمييز بين الوضوء الرافع والتجديدي متوقف عليه». (و فيه): أنّ التميز بينهما واقعيّ، لا قصديّ، فإنّ الوضوء إن صادف الحدث يكون رافعا له، قصد أو لا؟

و إن لم يصادفه يكون تجديدا قصد أو لا. وأما استدلالهم لاعتبار قصد الاستباحة  بقوله تعالى‏ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا(٤۰) وقوله عليه السلام: «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة»(٤۱).

فهو باطل أيضا بأنّ سياق مثلهما سياق شرطية الطهارة للصلاة، ولا يدل على اعتبار الاستباحة أبدا، ولهم وجوه أخر باطلة من شاء، فليراجع المطولات.

ثمَّ إنّ الفرق بين الرفع والاستباحة: أنّ الأول من صفة الوضوء بذاته.

و الثاني صفة ما يشترط فيه الوضوء.

أما عدم اعتبار قصد الغاية، فلأنّ الوضوء مستحب نفسيّ، كما مر. وأما عدم اعتبار قصد الموجب، فلما تقدم من إطلاق الأدلة اللفظية والفعلية، والبراءة النقلية والعقلية، وتقدم في [مسألة ٤] من فصل الوضوءات المستحبة ما ينفع المقام.

تقدم نظير المقام في [مسألة ٦] من فصل الوضوءات المستحبة ويأتي أيضا في [مسألة ۳۱] وتعبيره رحمه اللَّه فيهما أوضح مما في المقام كما لا يخفى فراجع. ثمَّ إنّه لا ريب في أنّ العبادات متقومة بالقصد، فلا يتحقق امتثالها الا به على ما تقدم تفصيله. والوضوء عبادة نفسية، وغيرية، فإن قصدهما المكلف يتحقق الامتثال بالنسبة إليهما، والا فبالنسبة إلى المقصود فقط، ويمكن أن يتحقق فيه امتثالات عديدة لأنّ غاياته كثيرة.

ولو قصدا إجماليا ارتكازيا، فمن يعلم أنّ بالوضوء تباح غايات كثيرة، وكان متوجها إلى ذلك، ولو إجمالا مع بنائه على الإتيان بها لو لم يمنعه مانع، يكون امتثالا بالنسبة إلى الجميع ويثاب عليها، بل قصد الأمر المقدمي من‏ حيث هو مقدميّ قصد لكل ما يصلح أن يقع ذو المقدمة إجمالا ولا دليل على اعتبار أزيد منه، بل مقتضى الأصل عدمه.

الأولى التعبير بالصحة كما عبّر بها في [مسألة ٦] من فصل الوضوءات المستحبة، لأنّ الأداء مساوق للامتثال والأمر سهل.

لأنّ امتثال الأمر النذري أيضا متقوّم بالقصد، ولا يتحقق امتثاله بدون قصده، فالوضوء صحيح وامتثال للأمر النفسي، لتحقق القصد إليه ولا يكون أداء وامتثالا للأمر النذري، لعدم قصده.

هذا تعليل لقوله رحمه اللَّه: «و لا يكون أداء للمأمور به بالأمر النذري».

(الثالث عشر): الخلوص (۱۳۸)، فلو ضمّ إليه الرياء بطل،سواء كانت القربة مستقلّة والرّياء تبعا، أو بالعكس، أو كان كل منهما مستقلا، وسواء كان الرياء في أصل العمل أم في كيفياته أم في‏ أجزائه (۱۳۹)، بل ولو كان جزءا مستحبّا على الأقوى (۱٤۰)، وسواء نوى الرّياء من أول العمل أم نوى في الأثناء (۱٤۱)، وسواء تاب منه أم لا (۱٤۲)، فالرّياء في العمل بأيّ وجه كان مبطل له، لقوله تعالى- على ما في الأخبار-: «أنا خير شريك من عمل لي ولغيري تركته لغيري». هذا، ولكن إبطاله إنّما هو إذا كان جزءا من الدّاعي على العمل ولو على وجه التبعيّة (۱٤۳)، وأما إذا لم يكن كذلك، بل كان مجرّد خطور في القلب من دون أن يكون جزءا من الدّاعي، فلا يكون مبطلا (۱٤٤) وإذا شك حين العمل في أنّ داعيه محض القربة أو مركب منها ومن الرياء، فالعمل باطل، لعدم إحراز الخلوص (۱٤٥) الذي هو الشرط في الصحة. و أما العجب (۱٤٦)، فالمتأخر منه لا يبطل العمل وكذا المقارن‏ و إن كان الأحوط فيه الإعادة. وأما السمعة فإن كانت داعية على العمل، أو كانت جزءا من الداعي بطل (۱٤۷)، والا فلا (۱٤۸) كما في الرّياء. فإذا كان الدّاعي له على العمل هو القربة الا أنّه يفرح إذا اطلع عليه الناس من غير أن يكون داخلا في قصده، لا يكون باطلا (۱٤۹)، لكن ينبغي للإنسان أن يكون ملتفتا، فإنّ الشيطان غرور وعدو مبين.

وهو روح العبادة وحقيقتها، وله مراتب متفاوتة، وبعض مراتبه من أجلّ المقامات، وأرفع الدرجات. واعتباره في العبادات من الضروريات بين الفقهاء، بل المسلمين، وأصل النية وإن كان سهلا يسيرا ولكن الخلوص في العبادة صعب جدا. قال عليّ عليه السلام: «تخليص العمل عن الفساد أشد من طول الجهاد»(٤۲). وهو أن يكون الداعي إلى إتيان العبادة أمر اللَّه جلّ جلاله، و لا يشوبه شي‏ء آخر، وتكون الإضافة إليه تعالى علة تامة منحصرة لإتيان العبادة، ولا تضم معها ضميمة أخرى.

ثمَّ إنّ الضميمة: إما أن تكون هي الرياء أو غيره، ويأتي الكلام في الأخير عند قوله رحمه اللَّه: «و أما سائر الضمائم».

و أما الرياء، فالبحث فيه من جهات:

الأولى: الرياء قصد إراءة الغير بالعبادة بأن يكون الداعي على إتيانها إراءة الغير على تفصيل يأتي.

الثانية: الرياء حرام تكليفا كتابا، لقوله تعالى‏ الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ‏(٤۳). وسنة متواترة، وإجماعا من المسلمين، بل هو من الكبائر، لأنّ كل ما أوعد اللَّه عليه بالنار، فهو منها، فتجب التوبة عنه وعن جعفر بن محمد عن آبائه عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله:

«فاتقوا اللَّه في الرياء فإنّه الشرك باللّه، إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك وبطل أجرك فلا خلاص لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له»(٤٤)، وعنه عليه السلام:

«يا زرارة كل رياء شرك»(٤٥) إلى غير ذلك من الأخبار التي ذكرها صاحب الوسائل في أبواب مقدمة العبادات.

الثالثة: كما أنّ له حرمة تكليفية، تكون له جهة وضعية أيضا، أي توجب بطلان العبادة المراءى فيها، إذ لا وجه لصحة عبادة يؤمر بها وبصاحبها إلى النار، كما في صحيح عليّ بن جعفر عليه السلام(٤٦)، وخبر السكوني‏(٤۷) وما ورد في بعض الأخبار من عدم القبول‏(٤۸) محمول على عدم الصحة بقرينة غيرها، فما نسب إلى السيد من أنّه يوجب عدم القبول لا عدم الصحة. مخدوش، مع أنّ عدم القبول في الأخبار يطلق على عدم الصحة أيضا، فراجع موثق ابن بكير الوارد في الصلاة سواء كانت القربة مستقلّة والرّياء تبعا، أو بالعكس، أو كان كل منهما مستقلا، وسواء كان الرياء في أصل العمل أم في كيفياته أم في‏ فيما لا يؤكل لحمه من قوله عليه السلام: «لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّي في غيره»(٤۹)، وما ورد في عدم قبول من صلّى بغير طهور(٥۰).

الرابعة: لا ريب في أنّ الرياء في غير العبادات من مذام الصفات، بل مقتضى إطلاق بعض الأخبار حرمته، ولكنه لا يوجب بطلانها، فلو غسل ثوبه رياء أو أدى دينه كذلك يطهر الثوب، وتفرغ الذمة، كما أنّ جملة من المجاملات التي يتوقف إتيانها على إراءة الغير لا تعد من ذمائم الصفات، وإن قصد بها الرياء، بل قد تكون من محامدها.

الخامسة: الخطرات التي تخطر في القلب لا تكون من الرياء خصوصا مع تأذي صاحبها، كما أنّ سرور الشخص بحسناته لا يكون منه وقد ورد في الحديث: «من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن»(٥۱).

السادسة: أقسام رؤية الناس ثلاثة:

(الأول): صدور العمل العبادي من شخص ورؤية الناس له.

(الثاني): إتيان العمل العبادي لإراءة الناس.

(الثالث): إتيان العمل العبادي تقربا إلى اللَّه تعالى مع قصد تعليم الناس وترغيبهم إليه.

و الأول صحيح ومطلوب للشارع، قال الصادق عليه السلام: «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع، والاجتهاد، والصلاة، والخير، فإنّ ذلك داعية»(٥۲).

وكذا الأخير أيضا، فإنّه مطلوب ومرغوب. والرياء المحرّم هو الثاني.

كل ذلك لإطلاق قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة:

«لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه اللَّه والدار الآخرة، وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا»(٥۳).

فيصدق عرفا إدخال الرياء في العمل في جميع ما ذكر، لأنّ المناط على الصدق العرفي، والعرف يحكم بصدق دخول الرياء في العمل في الموارد المذكورة. ولا ريب أنّ لدخول الرياء مراتب متفاوتة، مثل كونه بنحو العلة التامة المنحصرة، أو العلة التامة البدلية، أو كونه جزءا من العلة في الكل، أو الجزء، أو الكيفية.

لأنّه وإن لم يكن من الأجزاء المقوّمة، ولكنه جزء صوري لصورة العمل، ويكفي في ذلك في صدق دخول الرياء في العمل عرفا، وليس ذلك مبنيا على الدقة العقلية، بل على الصدق العرفي كما مر، فيصدق أنّه صلّى وأدخل في صلاته رضا أحد من الناس.

لصدق إدخال رضا الناس في كل منهما.

لأنّ التوبة إنّما تمحو الذنب الصادر من المكلف، لا أن تصحح عمله الفاسد.

لإطلاق الأدلة الشامل لصورة التبعية أيضا.

لأنّ المنساق من الأدلة عرفا ما إذا كان إراءة الغير داعيا لإتيان العمل، كداعوية إتيانه للّه تعالى، وهو الظاهر من قول أبي عبد اللَّه عليه السلام:

«من عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل للّه كان ثوابه على اللَّه»(٥٤)، كظهور قوله تعالى: «من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له»(٥٥) في ذلك أيضا، ومثلهما سائر الأخبار الواردة في المقام مضافا إلى تسالم الفقهاء عليه أيضا، مع أنّ تلك الخطرات قلّما تسلم نفس منها لأنّها من أهم وساوس الشيطان وحيله، فيلزم أنّ يكون التكليف بالخلوص مختصا بالمقربين، وهو خلاف سعة رحمته تعالى، ودعوته العامة لعباده إلى التقرب إليه.

مقتضى أصالة عدم صدور الحرام منه، عدم وجوب الإعادة أو القضاء، ويمكن إحراز الخلوص بإجراء قاعدة الصحة فيما صدر منه إن قلنا بأنّها أعم من قاعدة التجاوز. وأما إذا كانت عبارة أخرى عنها فلا تجري، لعدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء، وعلى أي تقدير لا بد من التقييد بما إذا لم يكن من الوسواس.

فروع:- (الأول): لا ملازمة بين الحرمة النفسية للرياء والمانعية فيمكن تحقق الأولى دون الأخيرة، فلو توضأ، أو صلّى خالصا لوجه اللَّه تعالى، ثمَّ توضأ وضوءا آخر، أو صلاة أخرى رياء لغرض، فهو حرام نفسي لا غيري، لإطلاق قوله عليه السلام: «كل رياء شرك»(٥٦). وكذا إذا كان بانيا على إتيان عبادة رياء، لغرض أولا، ثمَّ إعادتها صحيحة متقربا الا أن يدعى انصراف الأدلة عنهما.

(الثاني): الظاهر عدم تحقق الاضطرار في الرياء، لأنّه أمر قلبي، ولا اضطرار في القلبيات.

(الثالث): إذا حسن عمله لأن يقتدى به أو لغرض صحيح آخر ليس ذلك من الرياء، كما مر، فإذا أطال وضوءه عند الناس وخففها إذا لم يكن عنده أحد ليس ذلك من الرياء إذا كان له غرض صحيح في التطويل. وبالجملة: الرياء أمر وجداني يعرفه صاحبه، وفي موارد الشك يمكن إجراء أصالة عدم صدور الحرام، فلا تجب الإعادة، وطريق الاحتياط واضح والمقام من مزال الأقدام.

(الرابع): لو شك بعد الفراغ في أنّه نوى الرياء أم لا، يبني على الصحة، لقاعدة الفراغ، كما لو شك في الأثناء في أنّه عرض له الرياء أم لا يبني على العدم.

(الخامس): لو غسل العضو السابق بقصد القربة، ونوى الرياء في غسل العضو اللاحق، يصح السابق، ويعيد اللاحق. مع اجتماع سائر الشرائط من الموالاة وغيرها، ولكن الأحوط إعادة الوضوء.

(السادس): لو أتى بغسلات الوضوء بقصد القربة، ونوى الرياء حين إرادة المسح، يشكل صحة المسح، وإن تاب لصيرورة بلة يده خارجة عن رطوبة الوضوء بالرياء.

(السابع): لو نوى الرياء في الأكوان المتخللة في العمل حين عدم اشتغاله بشي‏ءٍ منه، ثمَّ تاب، وأتى ببقية العمل، يمكن التصحيح، لما مر من عدم اعتبار قصد القربة فيها، لكن الأحوط البطلان جموداً على قوله عليه السلام: «لو أدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركاً»(٥۷).

(الثامن): لو رأى شخص عادل في وضوئه، أو صلاته، يخرج عن العدالة، ويأتي في [مسألة ۳٦] من فص أحكام الجماعة ما ينفع المقام.

(التاسع): إتيان العبادات المندوبة في السر أفضل من إتيانها في‏ العلانية، لجملة من الأخبار الكثيرة(٥۸)، قال الصادق عليه السلام: «و اللَّه العبادة في السر أفضل منها في العلانية»(٥۹).

بل ظاهر بعضها الكراهة، ولعل الوجه في ذلك صونها عن شبهة الرياء، ويأتي في [مسألة ۷] من فصل جميع الصلوات المندوبة في كتاب الصلاة، وفي الرابعة من فصل بقية أحكام الزكاة ما ينفع المقام.

(العاشر): لا فرق بعد تحقق قصد الرياء في البطلان بين أن يكون هناك من يراه وعدمه، لصدق أنّه أشرك في العمل: «رضا أحد من الناس»، فيستفاد من مجموع الأخبار أنّ مثل الرياء مثل الحدث، كما لا فرق بين كون من يتراءى بالنسبة إليه بالغا عاقلا أو غيره، قريبا أو بعيدا.

ثمَّ إنّ الرياء يجري في جميع العبادات المندوبة حتّى مثل قراءة القرآن والأذكار، والدعوات وزيارة الأئمة، والصدقات المندوبة، وحضور الأماكن المتبركة، وكل ما يؤتي بقصد القربة، وذلك كله لإطلاق الأدلة الشاملة للجميع، ولو دار الأمر بين إتيان عبادة مندوبة بقصد الرياء أو تركها يتعيّن الأخير.

لا ريب في كونه من الرذائل المهلكة. قال الصادق عليه السلام:

«إنّ اللَّه علم أنّ الذنب خير للمؤمن من العجب، ولو لا ذلك ما ابتلى مؤمن بذنب أبدا»(٦۰)، وعن عليّ عليه السلام: «عجب المرء بنفسه أحد حساد عقله»(٦۱) الى غير ذلك مما ورد في ذمه.

و أما حرمته النفسية والغيرية فمقتضى الأصل وظاهر الأصحاب عدمهما. وما ورد فيه قاصر سندا ودلالة عن إثباتهما، بلا فرق بين المتأخر والمقارن. وأما خبر ابن سويد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن العجب الذي يفسد العمل فقال: العجب درجات»(٦۲).

فمضافا إلى قصور سنده قاصر دلالة أيضا، لأنّ للإفساد مراتب كثيرة، وهي أعم من البطلان، كما هو واضح. ونقل في الجواهر عن بعض مشايخه البطلان في العجب المقارن. ولكن استظهر من الأصحاب خلافه.

لعدم استقلال القربة في الداعوية، وعن الرضا عليه السلام:

«اعملوا لغير رياء ولا سمعة»(٦۳)، وعن عليّ عليه السلام: «و اعملوا للّه في غير رياء، ولا سمعة، فإنّه من عمل لغير اللَّه وكله اللَّه إلى عمله يوم القيامة»(٦٤).

و يستفاد من مثل هذه الأخبار أنّ السمعة كالرياء فيما يتعلق به من الأحكام وهو كذلك، لأنّها من أفراده.

لوجود المقتضي للصحة، وفقد المانع عنها.

ثمَّ إنّ العجب عبارة عن إعظام الفاعل عمله من حيث إضافته إلى نفسه، وقطع النظر عن الخالق تعالى الذي أقدره عليه، ولا فرق بين كون متعلقه نفس الشخص، أو ماله، أو عمله، أو غيرها. ومقتضى الأصل عدم الحرمة النفسية للعجب بعد قصور الأدلة عن إثباتها.

و السمعة: أن يقصد الفاعل بفعله إفهام الناس وإسماعهم. والرياء أعم منها، لأنّه عبارة عن إتيان العمل للناس أعم من رؤيتهم له وإسماعهم إياه وعدمه.

لما تقدم في الجهة الخامسة، وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «عن الرجل يعمل الشي‏ء من الخير، فيراه إنسان فيسره ذلك قال عليه السلام: لا بأس، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك»(٦٥)، وقريب منه غيره.

و أما سائر الضمائم فإن كانت راجحة- كما إذا كان قصده في الوضوء القربة وتعليم الغير- فإن كان داعي القربة مستقلا والضميمة تبعا، أو كانا مستقلّين صح (۱٥۰)، وإن كانت القربة تبعا أو كان الدّاعي هو المجموع منهما بطل (۱٥۱)، وإن كانت مباحة، فالأقوى أنّها أيضا كذلك (۱٥۲)، كضمّ التبرد إلى القربة. لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضا الإعادة (۱٥۳)، وإن كانت محرّمة غير الرياء والسمعة، فهي في الإبطال مثل الرياء لأنّ الفعل يصير محرّما، فيكون باطلا (۱٥٤). نعم، الفرق بينها وبين الرياء أنّه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل الا القربة، لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء يختص البطلان بذلك الجزء (۱٥٥)، فلو عدل عن قصده وأعاده من دون فوات الموالاة صح وكذا لو كان ذلك الجزء مستحبا وإن لم يتداركه، بخلاف الرّياء على ما عرفت فإنّ حاله حال الحدث (۱٥٦) في الإبطال.

لصدق داعوية القربة للعمل وانبعاثه عنها عرفا، ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، بل مقتضى الأصل عدمه، لأنّ الشك في أنّه هل يعتبر أن تكون داعوية القربة منحصرة بعد كونها علة تامة، فيرفع قيد الانحصار بالأصل، مضافا إلى دعوى الإجماع على الصحة عن جمع. وما عن بعض من إطلاق البطلان في الضميمة، منزل على ما إذا كانت جزء العلة. هذا مع أنّ الضمائم المباحة التبعية كثيرة الابتلاء للناس، ولم يشر في حديث إلى نفيها، فيصح التمسك بالإطلاقات أيضا.

لأنّ القصد التبعيّ المحض ليس باعثا على العمل، بل هو نحو شوق ومحبة بالنسبة إليه، فلا يصح انتساب صدور العمل إلى داعوية القربة حينئذ، فيبطل لا محالة من جهة فقد داعوية القربة. أما البطلان فيما إذا كان المجموع علة، فلدعوى اعتبار استقلال داعوية الأمر في الانبعاث، فلا يجزي المركب منها ومن غيرها. وفيه: أنّه كذلك بالنسبة إلى بعض مراتب العبودية، وأما بحسب صدق مطلق العبادة وبالنسبة إلى سواد الناس وبملاحظة سهولة الشريعة، فيكفي صحة الانتساب إلى داعوية القربة حقيقة، والمفروض صدق‏  ذلك، لأنّ المعلول في العلة المركبة يستند إلى كل جزء منها حقيقة، فيصح استناد صدور العمل إلى داعي القربة فمقتضى الأصل عدم الاعتبار، وكما أنّه إذا أمر آمران شخصا واحدا وأتى بالمأمور به بداعي أمرهما يعد ممتثلا لهما عرفا مع اشتراك مجموع الأمرين في الداعوية، فكذا في المقام.

و بالجملة: كيفية الامتثال موكولة إلى العرف وهو يرى مثل هذا ممتثلا.

هذا مع كثرة الضمائم مع الداعي القربي ولو بنحو جزء العلة عند عامة الناس.

لأنّ البحث في الضمائم غير الرياء بحسب القاعدة غير المختصة بضميمة دون اخرى، وليس فيها نص خاص حتّى يختص الحكم بالمنصوص دون غيره، فمع صحة داعوية القربة، وصدور العمل عنها، يصح، ومع عدمه لا يصح، بلا فرق بين الجميع.

خروجا عن خلاف من اختار البطلان فيها، بل الأحوط في صورة تبعية قصد الضميمة أيضا، ذلك لذهاب بعض إلى البطلان في هذه الصورة أيضا.

لعدم حصول قصد التقرب بما هو مبغوض عند المتقرب إليه، هذا مع العلم. وأما مع الجهل بالحرمة جهلا يعذر فيه فيصح، كما أنّ البطلان إنّما هو فيما إذا تحقق الحرام، وأما مع عدم تحققه، فهو من موارد التجري إن كان قاصدا للحرام، فمن قصد بوضوئه أو صلاته في محل إيذاء المؤمن، وتحقق ذلك، وانطبق هذا العنوان عليه، يبطل وضوؤه وصلاته وإن قصد ذلك ولم يتحقق الإيذاء خارجا يكون من التجري.

لأنّه المحرّم فقط، فينطبق البطلان عليه قهرا.

لصدق إدخال رضاء الغير في ذات العمل عرفا، فيبطل أصله لأجل هذا الصدق العرفي.

(مسألة ۲۹): الرياء بعد العمل ليس بمبطل (۱٥۷).

على المشهور، وقاعدة عدم تغير الشي‏ء عما وقع وتحقق بالنسبة إلى النية والقصد المخصوص ما لم يكن دليل على الخلاف، مع اختصاص أدلة مبطلية الرياء بما كان في الأثناء. وأما مرسل ابن أسباط عن الباقر عليه السلام:

«الإبقاء على العمل أشد من العمل. قال: وما الإبقاء على العمل؟ قال عليه السلام: يصل الرجل بصلة وينفق نفقة للّه تعالى وحده لا شريك له فكتبت له سرّا ثمَّ يذكرها فتمحى، فتكتب له علانية، ثمَّ يذكرها فتمحى وتكتب له رياء»(٦٦).

فهو مضافا إلى قصور سنده وهجر الأصحاب له، محمول على إحباط بعض مراتب الثواب، فلا ينافي صحة أصل العمل شرعا، ولا ثبوت الثواب عليه أيضا.

(مسألة ۳۰): إذا توضّأت المرأة في مكان يراها الأجنبيّ لا يبطل وضوؤها وإن كان من قصدها ذلك (۱٥۸).

لعدم حرمة مقدمة الحرام، إلا إذا كانت علة تامة منحصرة للحرمة، ومعها لا أمر بالوضوء، لعدم قدرتها عليه شرعا، وتبدل تكليفها إلى التيمم قهرا.

(مسألة ۳۱): لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعدّدة للوضوء (۱٥۹)، كما إذا كان بعد الوقت وعليه القضاء أيضا وكان ناذرا لمسّ المصحف، وأراد قراءة القرآن، وزيارة المشاهد، كما لا إشكال في أنّه إذا نوى الجميع وتوضّأ وضوءا واحدا لها كفى، وحصل امتثال الأمر بالنسبة إلى الجميع (۱٦۰) وأنّه إذا نوى واحدا منها أيضا كفى عن الجميع (۱٦۱)، وكان أداء بالنسبة إليها، وإن لم يكن امتثالا إلا بالنسبة إلى ما نواه (۱٦۲). و لا ينبغي الإشكال في أنّ الأمر متعدّد حينئذ (۱٦۳)، وإن قيل إنّه لا يتعدّد وإنّما المتعدّد جهاته، وإنّما الإشكال في أنّه هل يكون المأمور به متعدّدا أيضا، وأنّ كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل أو لا، بل يتعدد؟ ذهب بعض العلماء إلى الأول (۱٦٤) وقال: إنّه حينئذ يجب عليه أن يعيّن أحدهما والا بطل لأنّ التعيين شرط عند تعدد المأمور به (۱٦٥). و ذهب بعضهم إلى الثاني، وأنّ التعدد إنّما هو الأمر (۱٦٦) أو في‏ جهاته. وبعضهم إلى أنّه يتعدد بالنذر ولا يتعدّد بغيره وفي النذر أيضا لا مطلقا، بل في بعض الصور (۱٦۷)، مثلا إذا نذر أن يتوضّأ لقراءة القرآن، ونذر أيضا أن يتوضّأ لدخول المسجد، فحينئذ يتعدّد (۱٦۸)، ولا يغني أحدهما عن الآخر، فإذا لم ينو شيئا منهما لم يقع امتثال لأحدهما (۱٦۹)، ولا أداؤه وإن نوى أحدهما المعيّن حصل امتثاله‏ و أداؤه، ولا يكفي عن الآخر (۱۷۰).

بضرورة من المذهب إن لم يكن من الدين.

لأنّ الامتثال هو الإتيان بالمأمور به بداعي أمره، والمفروض تحققه، بلا فرق بين ما إذا كانت نية الجميع تفصيلية، أو إجمالية ارتكازية لكفاية كل منهما في الامتثالات المتعارفة، ولم يرد من الشرع على التقييد بقيد خاص، بل مقتضى الأصل والإطلاقات والعمومات تقرير ما هو المتعارف.

لأنّ الطهارة حاصلة بقصد الواحد من الغايات، وكل ما حصلت الطهارة تباح جميع الغايات المشروطة بها.

أما أنّه أداء بالنسبة إلى الجميع، فلأنّ المراد بالأداء الصحة، وقد مر وجهه. وأما أنّه امتثال بالنسبة إلى خصوص ما نواه، فلأنّ الامتثال متقوّم بالقصد ولم يقصد سواه، وتقدم كفاية القصد الارتكازي أيضا، وكل مسلم قصده الارتكازي الإتيان بجميع الغايات المقدورة لو وفق لذلك، فيصح أن يكون امتثالا للجميع من هذه الجهة.

تقدم أنّ اجتماع الغايات المتعددة للطهارة من الضروري عند العوام، فكيف بالإعلام. وأما أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الأمر متعدد حينئذ، فإن أريد بالتعدد التعدد الحقيقي الواقعي من تمام الجهات، فهو ممنوع لتوقفه على تعدد متعلقه، وهو غير متصور في المقام، لأنّ الطهارة من الحدث الأصغر حقيقة واحدة لا تعدد فيها، وحيثية المقدمية العارضة عليها ليست من الحيثيات‏ التقييدية حتّى توجب تعدد المتعلق، بل هي حيثية تعليلية فقط لا توجب تعدد معروضها أبدا، فلا تعدد في المتعلق لا ذاتا، ولا من جهة عروض الحيثية. وإن كان المراد التعدد الاعتباري فهو حسن لا بأس به. وبذلك يمكن أن يرجع النزاع لفظيا، فمن يقول بتعدد الأمر أي: اعتبارا وجهة، ومن يقول بعدم التعدد: أي حقيقة، والتعدد بتعدد الجهات والاعتبار صحيح عند المتعارف. والأدلة الشرعية منزلة عليه أيضا. وكذا النزاع في أنّ المأمور به متعدد أو لا يمكن أن يكون لفظيا أيضا فمن يقول بتعدده، أي: جهة، ومن يقول بعدمه، أي: حقيقة.

ثمَّ إنّه يمكن القول بالتشكيك في الطهارة بحسب مراتب قصد الغايات كما أنّ لها مراتب بحسب الذات، لقوله عليه السلام: «نور على نور»(٦۷)، ويمكن أن يشتد بحسب اجتماع الغايات أيضا.

اعترف بعض الأعاظم رحمهم اللَّه بعدم العثور على هذا القائل في خصوص الوضوء، وعلى فرض وجوده فلا دليل له، إذ ليس في حقيقة الطهارة من الحدث الأصغر اختلاف نوعيّ لا بحسب الأدلّة ولا بنظر المتشرعة. وليس في أفراد الوضوء اختلاف نوعيّ أيضا كذلك. وإنّما الاختلاف من ناحية المحلّ القابل، فإن كان محدثا تحصل له الطهارة، وإن كان متطهّرا يحصل له الوضوء التجديدي، وبعض مراتب الكمال منه وإن كان محدثا بالأكبر، كما تقدم في القسم الثالث من فصل الوضوءات المندوبة يزيل الكراهة في الجملة، فالوضوء حقيقة واحدة. وعين الوضوء الذي يكون مقدمة لغاية، يكون لغاية أخرى أيضا، بلا فرق بينهما أصلا ومع ذلك كيف يتصور التعدد في حقيقة المأمور به، فلا تعدد إلا في الجهة، أو في المرتبة في بعض الموارد التي ورد فيها الدليل، كالوضوء  التجديدي، وما يصادف الحدث الأكبر.

فتلخص أنّه يصح تعدد المأمور به في المقام بتعدد الجهة والملاك، وأما مع قطع النظر عنهما فلا منشأ للتعدد كما يصح التعدد بحسب مراتب الاشتداد، إما في الذات، أو بحسب الغايات.

بدعوى أنّ القصد والنية لا يتعلقان بالمبهم من حيث إنّه مبهم، وقد جعل من القواعد: «قاعدة أنّ المتعين في المأمور به متعين في القصد أيضا».

و فيه: أنّها مسلمة فيما إذا كان المأمور به متخصصا بخصوصية خاصة قصدية تعلق بها الأمر، كالظهرية والعصرية ونحوهما. وأما لو لم يكن كذلك، بل كان ذات الشي‏ء من حيث هو مورد تعلق الطلب، فيصح قصد ذاته، ويجزي الإتيان به قهرا، لأنّ ذات الشي‏ء مطلوب ولا تعين فيه حتّى يتعين في القصد، كمطلوبية ذات الطهارة التي هي حقيقة واحدة وتحصل بها غايات شتّى. وليست خصوصية كونها مقدمة للصلاة غير كونها مقدمة لمس المصحف وسائر الغايات حتّى تختلف بحسب الذات فيجب التعيين في القصد، بل هي مقدمة للصلاة بعين مقدميتها لسائر الغايات، كما مر.

إن كان المراد بتعدد الأمر تعدد ملاكه وجهته وكون إضافة التعدد إليه من باب الوصف بحال المتعلق، فهو صحيح. وإن كان المراد تعدد نفسه مع قطع النظر عن ذلك، فالمعروف أنّه باطل، لأنّه من اجتماع المثلين.

و فيه: أنّ اجتماع المثلين الباطل إنّما هو في الأعراض الخارجية التي لها تحقق خارجي، وأما في الأمور الاعتبارية فلا دليل على بطلانه. والوجوب ونحوه من الاعتباريات المعتبرة لا الأعراض الحقيقية الخارجية.

ثمَّ إنّ تعدد الجهة أقسام:

(الأول): أن تكون تقييدية اصطلاحية، ولا إشكال في صحة كونها منشئا لتعدد الأمر.

(الثاني): أن تكون تعليلية، كجهة المقدمية العارضة لذات الوضوء- مثلا- فتعرضها جهة المقدمية للغايات المشروطة بها. والمعروف أنّها لا تصلح لتعدد الأمر، لأنّ المعروض واحد وتلك الجهات عقلية محضة لا توجب تكثرا في معروضها فيلزم اجتماع المثلين في الواحد.

(الثالث): أن تكون اعتبارية عرفية والظاهر صحة كونها منشئا لتعدد الأمر، لصحة اعتبار التعدد عرفا بتلك الجهات، فلا يلزم معه اجتماع المثلين في الواحد. ويمكن إرجاع القسم الثاني إلى الثالث أيضا، مع أنّه قد تقدم أنّ اجتماع المثلين الباطل في الأعراض الخارجية دون الأمور الاعتبارية.

لا ريب في أنّ النذر تابع لقصد الناذر، فتارة: ينذر الوضوء لغاية ثمَّ ينذره لغاية أخرى من حيث كونه طريقا لحصول الطهارة، ويكفي وضوء واحد حينئذ مع بقاء الطهارة، ولا يجب التعدد حتّى نحتاج إلى التعيين. واخرى: ينذر وضوءين كل واحد منهما لغاية خاصة من حيث نفس الوضوء، فلا يجزي الوضوء الواحد للوفاء بالنذر الآخر، ولا الوضوء لغاية أخرى عن الوفاء بالنذر. نعم، من جهة أصل حصول الطهارة يكفي مطلق الوضوء لها، سواء كان هو الوضوء النذري أم وضوء آخر. وثالثة: ينذر الوضوء التجديدي، وقد تقدم تفصيله‏(٦۸).

هذا هو القسم الثاني الذي ذكرناه.

لتقوم الأداء والامتثال بالقصد والمفروض عدم حصوله بالنسبة إليهما.

لوجود المقتضي بالنسبة إلى المقصود وفقد المانع عنه، وعدم المقتضي للامتثال ولا الأداء بالنسبة إلى غيره، لما تقدم من تقومه بالقصد.

و على أيّ حال وضوؤه صحيح، بمعنى أنّه موجب لرفع الحدث (۱۷۱). وإذا نذر أن يقرأ القرآن متوضّئا ونذر أيضا أن يدخل المسجد متوضّئا فلا يتعدّد (۱۷۲) حينئذ ويجزي وضوء واحد عنهما، وإن لم ينو شيئا منهما، ولم يمتثل أحدهما (۱۷۳)، ولو نوى الوضوء لأحدهما كان امتثالا بالنسبة إليه، وأداء بالنسبة إلى الآخر، وهذا القول قريب (۱۷٤).

لتعلق القصد والنية بذات الوضوء، وتقدم أنّه مع استجماعه للشرائط من العلل التوليدية لحصول الطهارة قهرا، فيكفي في كل ما يعتبر فيه الطهارة.

لأنّ مرجع النذرين إلى قراءة القرآن ودخول المسجد متطهرا، سواء كانت الطهارة لهما أو لغيرهما وقد حصلت الطهارة بالوضوء الأول، فيصح إتيان جميع الغايات، منذورة كانت أو غيرها.

لأنّ المنذورة في الواقع إنّما هي ذات الطهارة وقد امتثل، والنذر طريق إلى حصولها. ويمكن أن يقال: بأنّ قصد أصل الطهارة امتثال للأمر النذري إجمالا أيضا، لأجل انحلالهما إلى تحصيل أصل الطهارة والمفروض أنّه مقصود.

بل هو متعين في مورد النذر، لتعين المأمور به، فلا بد من التعيين في النية والقصد، للقاعدة المشهورة المعمول بها: من أنّ التعيين في المأمور به يوجب التعيين في النية. وليس هذا قولا آخر في مقابل الأقوال السابقة. هذا إذا لم يكن الأمر النذري طريقا إلى نذر أصل الطهارة. والا فلا وجه لتعيين قصده، كما تقدم.

(مسألة ۳۲): إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت وفي أثنائه دخل لا إشكال في صحته، وأنّه متصف بالوجوب باعتبار ما كان بعد الوقت من أجزائه، وبالاستحباب بالنسبة إلى ما كان قبل الوقت (۱۷٥)، فلو أراد نيّة الوجوب والندب نوى الأول بعد الوقت، والثاني قبله.

أما عدم الإشكال في صحته، فلأنّ الوضوء حقيقة واحدة، لها نواقض مخصوصة منصوصة، وليس تبادل الحالتين من إحداها نصا وإجماعا.

و تقدم أنّه مع قابلية المحل وتحقق الشرائط من الأسباب التوليدية لحصول الطهارة التي تكون شرطا في الغايات كلها، واجبها ومندوبها ومختلفها، بلا فرق بينها أصلا. وتوارد سببي الوجوب والندب لا يوجب الاختلاف في تلك الحقيقة الواحدة، لوحدتها ذاتا، وأثرا في كلتا الحالتين.

و ما يقال: إنّه من اجتماع الضدين في الواحد، وهو ممتنع. مخدوش أولا: بأنّ الممتنع منه ما إذا كان الاجتماع في الواحد الحقيقي، والوحدة في المقام اعتبارية، لا حقيقية. وثانيا: بأنّ الجهة والملاك متعدد ولا محذور في الاجتماع باعتبارهما، فما نسب إلى العلامة رحمه اللَّه من الاستئناف في المقام لذلك مردود.

و أما صحة قصد الوجوب والندب، فلأنّه إذا صح اجتماعهما صح قصدهما أيضا بالاعتبارين، فلا محذور في البين، لا في مقام الاتصاف، ولا في مقام النية والقصد.

(مسألة ۳۳): إذا كان عليه صلاة واجبة أداء أو قضاء ولم يكن عازما على إتيانها فعلا، فتوضّأ لقراءة القرآن، فهذا الوضوء متصف بالوجوب (۱۷٦)، وإن لم يكن الدّاعي عليه الأمر الوجوبي (۱۷۷)، فلو أراد قصد الوجوب والندب لا بد أن يقصد الوجوب الوصفيّ والندب الغائيّ، بأن يقول: أتوضّأ الوضوء الواجب امتثالا للأمر به لقراءة القرآن، هذا ولكن الأقوى أنّ هذا الوضوء متصف بالوجوب والاستحباب معا، ولا مانع من اجتماعهما (۱۷۸).

بناء على ما هو المشهور من وجوب مطلق المقدمة. وأما لو اعتبر فيه قصد التوصل بها إلى ذيها، فلا تتصف حينئذ بالوجوب كما أنّه لو اعتبر فيه الإيصال الخارجي لتوقف الاتصاف بالوجوب على ترتب ذيها عليها خارجا.

لأنّ الوجوب المقدمي يعرض على ما هو مقدمة واقعا علم بها المكلف أو لا، بناء على ما هو المشهور من وجوب ذات المقدمة مطلقا، وقد فصّلنا القول في الأصول.

لأنّ المانع من الاجتماع إنّما هو لزوم اجتماع الضدين في واحد، وتقدم دفعه. إما بأنّ الواحد في المقام ليس بحقيقي، بل هو اعتباري، وإما بتعدد الجهة، أو بتعدد الملاك.

(مسألة ۳٤): إذا كان استعمال الماء بأقلّ ما يجزي من الغسل غير مضرّ، واستعمال الأزيد مضرّا، يجب عليه الوضوء كذلك (۱۷۹)، ولو زاد عليه بطل (۱۸۰). الا أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقق الغسل بأقلّ المجزي (۱۸۱). وإذا زاد عليه جهلا أو نسيانا لم يبطل (۱۸۲)، بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضرّا، وتوضّأ جهلا أو نسيانا، فإنّه يمكن الحكم ببطلانه (۱۸۳)، لأنّه مأمور واقعا بالتيمم هناك (۱۸٤) بخلاف ما نحن فيه.

لوجود المقتضي وفقد المانع، فتشمله الأدلة.

للنّهي الموجب للفساد في العبادة، هذا إذا كانت الزيادة دفعية.

و أما إن كانت تدريجيّة، فيأتي حكمه.

فيصح الغسل بالأقلّ المجزي حينئذ، لما تقدم. ولكنّه يشكل الحكم من جهة لزوم المسح بالماء الجديد، إلا إذا كان استعمال الماء الزائد في الوجه فقط.

لسقوط النهي عن الفعلية، لأجل الجهل، فلا مانع عن الصحة.

بل يحكم بصحته، لعدم النهي الفعلي الموجب للفساد وعدم‏ الطريق إلى إحراز وجود ملاك الفساد فيه أيضا، فتشمله الإطلاقات لا محالة، وقد تقدم منه رحمه اللَّه الحكم بالصحة في الشرط السابع، فراجع.

إن أحرز بقاء ملاك النهي فعلا، فلا ريب في أنّه مأمور بالتيمم ولكن لا طريق لإحرازه من عقل أو نقل.

(مسألة ۳٥): إذا توضّأ ثمَّ ارتد لا يبطل وضوؤه (۱۸٥)، فإذا عاد إلى الإسلام لا يجب عليه الإعادة، وإن ارتد في أثنائه ثمَّ تاب قبل فوات الموالاة لا يجب عليه الاستئناف. نعم، الأحوط أن يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه حين الكفر. وعلى هذا إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى وقبل المسح ثمَّ تاب يشكل المسح، لنجاسة الرطوبة التي على يديه (۱۸٦).

للأصل وحصر النواقض في غير الارتداد، نصّا وإجماعا.

إن لم نقل بطهارتها تبعا كعرقه ونحوه.

(مسألة ۳٦): إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت، إذا كان مفوّتا لحقّه فتوضّأ يشكل الحكم بصحته، وكذا الزوجة إذا كان وضوؤها مفوّتا لحق الزوج (۱۸۷)، والأجير مع منع المستأجر وأمثال ذلك.

إن كان الوجه في البطلان أنّه يجب إطاعة المولى، والمستأجر والزوج على العبد والأجير والزوجة، والأمر بالشي‏ء يقتضي النّهي عن ضدّه، فيبطل لو كان عبادة. (ففيه): ما ثبت في محلّه من عدم الاقتضاء. وإن كان لأجل أنّ منعهم يستلزم نهي الشارع عن الوضوء، فيكون من النهي في العبادة من دون الاحتياج إلى مسألة الاقتضاء. (ففيه): أنّه من مجرد الدعوى، فلا ريب في تحقق الإثم لتفويت حق من يجب مراعاة حقه. وأما البطلان فلا دليل عليه.

ثمَّ إنّ المراد من الأجير هو الأجير الخاص، لا مطلق الأجير، كما هو واضح.

(مسألة ۳۷): إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على بقاء (۱۸۸) الوضوء، إلا إذا كان سبب شكه خروج رطوبة مشتبهة بالبول ولم يكن مستبرئا، فإنّه حينئذ يبني على أنّه بول وأنّه محدث (۱۸۹). وإذا شك في الوضوء بعد الحدث يبني على بقاء الحدث (۱۹۰). والظنّ غير المعتبر كالشك في المقامين (۱۹۱)، وإن علم الأمرين وشك في المتأخر منهما بنى على أنّه محدث، إذا جهل تاريخهما، أو جهل تاريخ الوضوء (۱۹۲). و أما إذا جهل تاريخ الحدث وعلم تاريخ الوضوء بنى على بقائه (۱۹۳) ولا يجري استصحاب الحدث حينئذ حتّى يعارضه، لعدم اتصال الشك باليقين به (۱۹٤) حتّى يحكم ببقائه. والأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء، وإن كان كذلك الا أنّ مقتضى شرطية الوضوء وجوب إحرازه (۱۹٥)، ولكن الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضا (۱۹٦).

نصّا وإجماعا. قال أبو عبد اللَّه عليه السلام في موثق ابن بكير:

«و إياك أن تحدث وضوءا أبدا حتّى تستيقن أنّك قد أحدثت»(٦۹)، وعنه عليه السلام في صحيح زرارة: «إذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء.

قلت: فإن حرك على جنبه شي‏ء ولم يعلم به. قال: لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام حتّى يجي‏ء من ذلك أمر بيّن، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه. ولا ينقض اليقين أبدا بالشك، وإنّما ينقضه بيقين آخر»(۷۰).

تقدم وجهه في [مسألة ۸] من فصل الاستبراء، فراجع.

لاستصحاب الحدث المتفق عليه عند الكل، وإجماع الإمامية، بل المسلمين.

لأصالة عدم الاعتبار فيكون في حكم الشك، وفي صحيح عبد الرحمن إنّه قال للصادق عليه السلام: «أجد الريح في بطني حتّى أظن أنّها قد خرجت. فقال عليه السلام: «ليس عليك وضوء حتّى تسمع الصوت أو تجد الريح»(۷۱).

و تدل عليه صحيحة زرارة الطويلة(۷۲).

أما في صورة الجهل بالتاريخين، فعلى المشهور، لقاعدة الاشتغال بعد سقوط استصحاب الطهارة واستصحاب الحدث بالتعارض، وعدم أمارة أو أصل آخر حاكم عليها في البين، بلا فرق في ذلك بين العلم بالحالة السابقة على الحالتين، أو الجهل بها.

و نسب إلى جمع من المتأخرين أنّه مع العلم بالحالة السابقة يؤخذ بضدها، فلو علم أنّه كان أول الفجر محدثا ثمَّ تواردت عليه الحالتان يحكم بأنّه متطهّر فعلا، للعلم بزوال الحدث ونقضه بالطهارة، والشك في ارتفاعها، فتستصحب وفي العكس بالعكس.

و فيه: أنّه كما يعلم بحدوث الطهارة يعلم بحدوث الحدث أيضا ويشك في ارتفاعه، فيجري استصحاب بقائه، وتعارض الأصلان، ويرجع إلى قاعدة الاشتغال.

إن قلت: إنّه يحتمل في الأول أن يكون الحدث صدر على الحدث، وفي الثاني أنّ الطهارة وقعت على الطهارة، فلا معارض لاستصحاب الطهارة في الأول، واستصحاب الحدث في الثاني.

قلت: ليس المستصحب هو كليّ الطهارة والحدث، بل الفرد الخارجي منهما، ولا ريب في أنّه يعلم بعروض الحالتين عليه، فحدوث الحدث عند عروض موجبه معلوم وحدوث الطهارة عند الوضوء أيضا كذلك، فيستصحب الحدث والطهارة، ويسقطان بالمعارضة، فهو عالم بوجوب الوضوء عليه، وشاك في سقوطه عنه، فيكون مقتضى قاعدة الاشتغال وجوبه عليه.

و هذا بخلاف ما إذا رأى في ثوبه جنابة، وشك في أنّها مما اغتسل منها أو جنابة جديدة، فإنّ المشهور عدم وجوب الغسل عليه، إذ المثال من الشك في أصل ثبوت التكليف، فيرجع فيه إلى أصالة البراءة، بخلاف المقام. فإنّه من الشك في سقوطه بعد العلم بثبوته. ومنه يظهر ضعف ما عن العلامة في جملة من كتبه: من أنّه مع العلم بالحالة السابقة على الحالتين يأخذ بها. فإنّه رحمه اللَّه إن أراد استصحاب نفس الحالة السابقة على الحالتين، فقد انتقضت بالخلاف. وإن أراد رحمه اللَّه استصحاب مثلها الحاصل عند توارد الحالتين، فهو معارض‏  باستصحاب ضده، كما تقدم. وإن أراد رحمه اللَّه غيرهما، فهو خارج عن المقام.

هذا في مجهولي التاريخ وأما إذا جهل تاريخ الوضوء، فيجب عليه التطهير أيضا، لقاعدة الاشتغال سواء جرى استصحاب الوضوء والحدث وسقطا بالمعارضة، أو لم يجر الأصل في الوضوء للجهل بتاريخ حدوثه، فيجري استصحاب الحدث حينئذ أيضا بلا معارض.

المشهور في هذه الصورة أيضا وجوب التطهير، لقاعدة الاشتغال، بناء منهم على جريان الاستصحاب في الحدث، وسقوطها بالتعارض لما يأتي.

لم يكن لهذه الشبهة اسم بين المتقدمين، بل ولا المتأخرين، وإنّما حدثت فيما قارب هذه الأزمنة بين الأعلام (قدّست أسرارهم) مع عدم اعتراف جميعهم بها، بل عن جمع دفعها وإنكارها، وقد أطيل الكلام فيها، وقررت الشبهة بوجوه مختلفة، لباب جميعها يرجع إلى أنّه لا بد في مورد الاستصحاب أن يكون الشك ممحضا في مجرد البقاء فقط، ولم يكن بين الشك واليقين فاصل أبدا، فلو رجع الشك إلى السابق لوصل إلى اليقين بلا فصل. ولو ذهب اليقين إلى اللاحق لوصل إلى الشك كذلك بحيث كأنّهما ربطا بخيط متصل، أحد طرفيه مربوط باليقين والآخر مربوط بالشك بلا انفصام فيه بوجه، ومع الشك في هذا الاتصال لا تشمله أدلة الاستصحاب لأنّ التمسك بها حينئذ يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، فيسقط اعتبار الاستصحاب في صورة عدم إحراز اتصال اليقين بالشك، لعدم وفاء دليل اعتباره بذلك.

و فيه: أنّ المناط في اعتبار الاستصحاب عدم إحراز قيام الحجة المعتبرة على خلاف مفاد الحجة السابقة، وصدق الشك في البقاء عرفا وكون القضية المشكوكة والمتيقنة متحدة كذلك، فكل ما صدقت هذه الجهات يجري‏ الاستصحاب، ولا ريب في صدقها في المقام. وقد أفتى رحمه اللَّه بجريان الاستصحاب في [مسألة ۲] من فصل: إذا علم بنجاسة شي‏ء، مع أنّها مثل المقام.

لقاعدة الاشتغال التي يحكم بها العقل، ويصح جريانها ولو مع جريان استصحاب الحدث في صورة الجهل بتاريخ الوضوء والعلم بتاريخ الحدث مع عدم اختلاف مفادهما عملا، لأنّ حكومة الاستصحاب على القاعدة لا تمنع من جريانها فيما لم تكن مخالفة عملية بينهما، فيجريان بلا تمانع بينهما.

ظهر مما تقدم وجوبه.

(مسألة ۳۸): من كان مأمورا بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسي وصلّى، فلا إشكال في بطلان صلاته (۱۹۷) بحسب الظاهر، فتجب عليه الإعادة إن تذكر في الوقت والقضاء إن تذكر بعد الوقت. وأما إذا كان مأمورا به من جهة الجهل بالحالة السابقة، فنسيه وصلّى، يمكن أن يقال: بصحة صلاته من باب قاعدة الفراغ. لكنّه مشكل (۱۹۸)، فالأحوط الإعادة، أو القضاء في هذه الصورة أيضا (۱۹۹)، وكذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين، والشك في المتقدّم منهما.

لأصالة عدم صدور الوضوء منه، ولقاعدة الاشتغال. ولا وجه لجريان قاعدة الفراغ في المقام، لاختصاصها بالشك الممحض حدوثه بعد الفراغ من الصلاة، ولا تشمل الشك الكائن قبله مع جريان الاستصحاب وقاعدة الاشتغال وتنجز التكليف بمقتضاهما ثمَّ عروض النسيان، بل لو لم يلتفت إلى حالته قبل الصلاة أصلا ولم يتحقق موضوع جريان الاستصحاب والقاعدة بالنسبة إليه قبلها، وصلّى، ثمَّ بعد الفراغ من الصلاة، حصل له اليقين بالحدث، والشك في الطهارة قبل الصلاة، لا وجه لجريان القاعدة أيضا، لما مرّ من أنّ موردها الشك المتمحض حدوثه بعد الصلاة، لا ما إذا ظهر بعد الصلاة أنّ الشك كان قبلها وتنجز حكمه، ولا فرق في الفروع الثلاثة المذكورة في المتن في هذه المسألة ووجوب الإعادة في الوقت والقضاء بعده بين كون القضاء بالأمر الأول، أو بأمر جديد. أما على الأول فظاهر. وأما على الأخير، فلأنّ الأمر الجديد كاشف عن الأمر الأول، لا أن يكون مغايرا ومباينا له، لأنّه لو لم يكن الأمر الأول لما كان‏ موضوع للأمر القضائي، ولو كان بأمر جديد.

ظهر مما تقدم عدم جريان القاعدة، واحتمال جريانها إنّما هو للجمود على الشك بعد الفراغ. وهو مردود بما مر.

ظهر مما تقدم وجوب الإعادة والقضاء.

(مسألة ۳۹): إذا كان متوضّئا وتوضّأ للتجديد، وصلّى، ثمَّ تيقن بطلان أحد الوضوءين، ولم يعلم أيّهما، لا إشكال في صحة صلاته، ولا يجب عليه الوضوء للصلوات الآتية أيضا، بناء على ما هو الحق من أنّ التجديدي إذا صادف الحدث صح (۲۰۰). و أما إذا صلّى بعد كلّ من الوضوءين، ثمَّ تيقن بطلان أحدهما، فالصلاة الثانية صحيحة (۲۰۱). وأما الأولى فالأحوط إعادتها، وإن كان لا يبعد جريان قاعدة الفراغ فيها (۲۰۲).

أما صحة صلاته، فللقطع بصحة طهارته. أما الأولى أو الثانية.

و أما عدم وجوب الوضوء عليه للصلاة الآتية، فلكونه متطهرا فعلا. وأما أنّ الوضوء التجديدي إذا صادف الحدث يرفعه، فلأنّ أدلة الوضوء التجديدي ظاهرة في أنّه عين الوضوء الرافع للحدث من تمام الجهات ندب إليه ثانيا، لأنّه: «نور على نور». ولعل الحكمة فيه أنّه لو كان في الوضوء الأول، نقص يتدارك به.

و أما بناء على عدم كونه رافعا فتكون المسألة من موارد من علم بالحدث وشك في الطهارة، ومقتضى الاستصحاب كونه محدثا، فتبطل صلاته. وحكى عن جمع منهم الشيخ في المبسوط صحة الوضوء، لقاعدة الفراغ في الوضوء الأول غير المعارضة بجريانها في الوضوء الثاني، لعدم الأثر الشرعي له، فتصح الصلاة حينئذ.

و أشكل عليه: بأنّه لا مجرى لها في المقام أصلا لجريانها في مورد الشك المحض، والمقام من موارد العلم الإجمالي. (و فيه): أنّه إذا لم يكن لأحد طرفي العلم الإجمالي أثر يكون الطرف الآخر من الشك المحض، فيثبت موضوع جريان القاعدة.

و توهم: أنّه يلزمهم على هذا القول بجريانها فيما إذا علم بالحدث وشك في الوضوء، إذ لا فرق بين الشك في أصل وجود الصحيح وصحة الموجود مع أنّهم لا يقولون به.

(مدفوع): بظهور الفرق بينهما عند المتشرعة، فلا مجرى للقاعدة في مورد الشك في أصل وجود الصحيح، بخلاف مورد الشك في صحة الموجود.

و لكن الأولى أن يقال: إنّه يكفي في الأثر وجود الأثر الشرعي ولو كان ندبيا فتجري القاعدة في الوضوء التجديدي حتّى على القول بعدم كونه رافعا للحدث، لفرض أنّه مندوب شرعيّ له أثر «النور على النور» حتّى على هذا القول، فيتعارض مع القاعدة الجارية في الوضوء الأول وتسقطان بالمعارضة ويمكن الحكم بصحة الصلاة، لجريان قاعدة الفراغ فيها بلا معارض، لأنّ الشك فيها مسبّب عن الشك في صحة الوضوء ومع عدم جريان القاعدة في الشك السببي، أو جريانها، والسقوط بالمعارضة يكون المرجع: القاعدة الجارية في المسبب. ولكنه خلاف المشهور، إذ نسب إليهم بطلان الوضوء والصلاة، بناء على أنّ التجديدي لا يرفع الحدث، وجعلوا المقام من موارد ما إذا علم بالحدث وشك في الطهارة، وهو الأحوط.

و خلاصة القول أنّ الأقسام خمسة:

(الأول): حدوث الشك في الطهارة قبل الصلاة واستمراره إلى حين الشروع فيها.

(الثاني): حدوثه قبلها، ثمَّ الغفلة عنه بالمرة، وإتيان الصلاة ثمَّ عروض الشك بعدها، ولا تجري قاعدة الفراغ فيهما، ومقتضى قاعدة الاشتغال الوضوء ثمَّ الإتيان بالصلاة.

(الثالث): حدوث الشك في الطهارة بعد الفراغ من الصلاة وعدم كشفه‏  عن تحققه قبلها، ولا إشكال في صحة الصلاة، وكون هذا الشك مجرى قاعدة الفراغ.

(الرابع): حدوث الشك في الطهارة بعد الصلاة والكشف عن أنّه كان قبلها، ولا وجه لجريان قاعدة الفراغ فيها، لأنّ المتفاهم من أدلتها كون الشك ممحضا في الحدوث بعد الصلاة.

(الخامس): بحدوث الشك بعدها وتردده بين أنّه كان قبلها أو لم يكن كذلك، ويشكل جريان القاعدة، لأنّ التمسك بدليلها تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. الا أن يتمسك بأصالة عدم حدوثه قبلها، فيتحقق موضوع أدلة القاعدة.

للقطع بوقوعها عن طهارة صحيحة، بناء على أنّ التجديدي رافع للحدث. وأما بناء على عدم كونه رافعا له فقد تقدم تفصيله.

لتعارض القاعدتين في الوضوءين وتساقطهما، ثمَّ الرجوع إلى القاعدة في المسبب. ونسب إلى المشهور بطلان الصلاة مطلقا، فإن كان لأجل أنّ التجديدي غير رافع للحدث، وأنّ المقام من موارد العلم بالحدث والشك في الرافع، فهو باطل، لما مرّ من كونه رافعا له. ولكن الأحوط الإعادة خروجا عن خلافهم.

(مسألة ٤۰): إذا توضّأ وضوءين وصلّى بعدهما، ثمَّ علم بحدوث حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلاة الآتية، لأنّه يرجع إلى العلم بوضوء وحدث، والشك في المتأخر منهما. وأما صلاته‏ فيمكن الحكم بصحتها من باب قاعدة الفراغ، بل هو الأظهر (۲۰۳).

تقدم حكم صدر هذه المسألة في [مسألة ۳۷] والمقام من مواردها، ويجري هنا جميع ما تقدم هناك. نعم، بناء على كون الوضوء الثاني تجديديّا يجري فيه ما تقدم في المسألة السابقة أيضا فراجع. ثمَّ الظاهر عدم الفرق بين كون الصلاة بعدهما، أو كونها بعد أحدهما، لشمول قاعدة الفراغ لكلا الفرضين.

(مسألة ٤۱): إذا توضّأ وضوءين، وصلّى بعد كلّ واحد صلاة، ثمَّ علم حدوث حدث بعد أحدهما، يجب الوضوء للصلوات الآتية، وإعادة الصّلاتين السابقتين إن كانتا مختلفتين في العدد، وإلا يكفي صلاة واحدة بقصد ما في الذمة جهرا إذا كانتا جهريتين، وإخفاتا إذا كانتا إخفاتيتين، ومخيّرا بين الجهر والإخفات إذا كانتا مختلفتين، والأحوط في هذه الصورة إعادة كلتيهما (۲۰٤).

أما وجوب الوضوء للصلاة الآتية، فلعين ما تقدم في [مسألة ۳۷] إذ المقام من فروعها. وأما إعادة الصلاتين فيما إذا اختلفتا، فللعلم الإجمالي المنجز بين المتباينين، وعدم ما يوجب الانحلال، مضافا إلى دعوى الإجماع عليه، بلا فرق بين كونهما أدائيتين، أو قضائيتين، أو مختلفتين.

و دعوى: صحة الاكتفاء في الأخير بإعادة الأدائية فقط، لانحلال العلم الإجمالي بقاعدة الشك بعد الوقت بالنسبة إلى القضائية. (مدفوعة): بأنّ القاعدة معارضة بقاعدة الفراغ في الأدائية، وتسقطان بالمعارضة، فيؤثر العلم الإجمالي أثره، مع أنّ شمول دليل الشك بعد الوقت لمثل المقام مخدوش، لأنّ مورده ما إذا شك بعد الوقت في أنّه أتى بالصلاة أم لا، ولا يشمل ما إذا علم بعد الوقت بوجوب القضاء عليه ثمَّ شك أنّه هل أتى به صحيحا أم لا؟

هذا، وأما كفاية صلاة واحدة في متحدي العدد، فللقطع بانطباق المعلوم بالإجمال عليها. وأما التخيير بين الجهر والإخفات فهو المشهور، للشك في‏  شمول دليل تعينها لمثل الفرض، وفي جريان قاعدة الاشتغال في المقام إشكال، لأنّ الشك في أصل تشريعهما في المقام، إذ مورد تعينهما ما إذا تعيّن نوع الصلاة عند المكلّف لا ما إذا ترددت بحسب ذاتها، ويشهد للسقوط كثرة مسامحة الشارع في الجهر والإخفات، كما يأتي في [مسألة ۲٤] من فصل القراءة في الصلاة، فالمرجع حينئذ الأصل. مضافا إلى إطلاق خبر الأهوازي:

«سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن رجل نسي من الصلوات لا يدري أيتها هي؟ قال عليه السلام: يصلّي ثلاثة، وأربعة، وركعتين، فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعا، وإن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى»(۷۳).

و قريب منه خبر ابن أسباط(۷٤) المنجبر قصور سندهما بالعمل، بناء على التعدي عن موردهما إلى المقام، للقطع بعدم الفرق. وأما كون الاحتياط في إعادة كلتيهما في هذه الصورة أيضا فللخروج عن خلاف من أوجب ذلك، كالشيخ، وابني زهرة، وسعيد، وغيرهما.

(مسألة ٤۲): إذا صلّى بعد كل من الوضوءين نافلة، ثمَّ علم حدوث حدث بعد أحدهما، فالحال على منوال الواجبين (۲۰٥)، لكن هنا يستحب الإعادة، إذ الفرض كونهما نافلة. وأما إذا كان في الصورة المفروضة إحدى الصلاتين واجبة والأخرى نافلة، فيمكن أن يقال بجريان قاعدة الفراغ في الواجبة، وعدم معارضتها بجريانها في النافلة أيضا، لأنّه لا يلزم من إجرائها فيهما طرح تكليف منجز. إلا أنّ الأقوى‏ عدم جريانها للعلم الإجمالي (۲۰٦)، فيجب إعادة الواجبة، ويستحب إعادة النافلة.

لكون تنجز العلم الإجمالي إنّما هو بحسب القاعدة، فلا فرق فيه بين كون متعلقه واجبا أو مندوبا، فيجري في هذه المسألة جميع ما تقدم في المسألة السابقة، ولكن مع استحباب الإعادة.

لأنّ المناط في تنجز العلم الإجمالي ثبوت الأثر الشرعي في متعلقه سواء كان لزوميا، أم ندبيا، أم مختلفا، وسواء كان منشأ التنجز عدم جريان الأصول في أطرافه، أو جريانها، والسقوط بالمعارضة.

ثمَّ إنّ صدر هذه المسألة وذيلها داخلان تحت دليل واحد، وهو تنجز العلم الإجمالي مطلقا، فلا وجه لجزمه رحمه اللَّه بالتنجز في صدرها، ثمَّ قوله:

«فيمكن أن يقال» الظاهر في الترديد، ثمَّ قوله: «الا أنّ الأقوى» الظاهر في الجزم.

هذا كله فيما إذا استحبت إعادة النافلة، ولو لم تستحب، كما إذا صلّى بعد أحد الوضوءين صلاة واجبة، وبعد الآخر صلّى ركعتين من حيث إنّ:

«الصلاة خير موضوع، فمن شاء استقل، ومن شاء استكثر»(۷٥)، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الواجبة بلا معارض إذ لا يستحب إعادة الصلاة الأخرى حتّى تجري القاعدة بالنسبة إليها أيضا، فتسقطان بالمعارضة. إلا إذا كانت في الصلاة الثانية جهة استحباب أخرى يستحب تداركها، ويأتي نظيره في [مسألة ٤4].

(مسألة ٤۳): إذا كان متوضّئا وحدث منه بعده صلاة وحدث، ولا يعلم أيّهما المقدّم، وأنّ المقدم هي الصلاة حتّى تكون صحيحة، أو الحدث حتّى تكون باطلة، الأقوى صحة الصلاة، لقاعدة الفراغ، خصوصا إذا كان تاريخ الصلاة معلوما، لجريان استصحاب بقاء الطهارة أيضا إلى ما بعد الصلاة (۲۰۷).

فتصح الصلاة ولا تجب إعادتها أو قضاؤها ولا يجري استصحاب عدم الصلاة ليعارض استصحاب بقاء الطهارة، لأنّ تاريخ حدوث الصلاة معلوم، والشك في أنّه هل حدث الحدث قبل الصلاة أم لا، فيجري استصحاب بقاء الطهارة بلا معارض، مضافا إلى قاعدة الفراغ الدالة على صحة الصلاة أيضا.

و لو كان تاريخهما مجهولا، أو كان تاريخ حدوث الحدث معلوما وتاريخ الصلاة مجهولا، تصح الصلاة أيضا، لقاعدة الفراغ.

(مسألة ٤٤): إذا تيقن بعد الفراغ من الوضوء أنّه ترك جزءا منه، ولا يدري أنّه الجزء الوجوبيّ أو الجزء الاستحبابيّ فالظاهر الحكم بصحة وضوئه، لقاعدة الفراغ، ولا تعارض بجريانها في الجزء الاستحبابي، لأنّه لا أثر لها بالنسبة إليه (۲۰۸). و نظير ذلك ما إذا توضّأ وضوءا لقراءة القرآن، وتوضّأ في وقت آخر وضوءا للصلاة الواجبة، ثمَّ علم ببطلان أحد الوضوءين، فإنّ مقتضى قاعدة الفراغ صحة الصلاة، ولا تعارض بجريانها في القراءة أيضا، لعدم أثر لها بالنسبة إليها (۲۰۹).

إذا لم يثبت استحباب إعادة الوضوء لتدارك جزئه الاستحبابي ولو ثبت ذلك لكان العلم الإجمالي منجزا، لما تقدم في [مسألة ٤۲].

ولو ثبت وجوب إعادة القراءة، لكونها منذورة مع الطهارة لكان العلم الإجمالي منجزا لوجود الأثر في طرفيه، كما أنّ عدم تنجز العلم إنّما هو فيما إذا قرأ القرآن. وأما إذا توضأ للقراءة ولم يقرأ القرآن، ثمَّ علم إجمالا ببطلان أحد الوضوءين تنجز العلم، لاستحباب القراءة، فلا تجري قاعدة الفراغ في الصلاة.

(مسألة ٤٥): إذا تيقن ترك جزء، أو شرط من أجزاء أو شرائط الوضوء، فإن لم تفت الموالاة رجع، وتدارك، وأتى بما بعده (۲۱۰). و أما إن شك في ذلك، فإمّا أن يكون بعد الفراغ أو في الأثناء، فإن كان في الأثناء رجع، وأتى به وبما بعده (۲۱۱)، وإن كان الشك قبل مسح‏ الرّجل اليسرى في غسل الوجه- مثلا- أو في جزء منه (۲۱۲). وإن كان بعد الفراغ في غير الجزء الأخير بنى على الصحة، لقاعدة الفراغ (۲۱۳). وكذا إن كان الشك في الجزء الأخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر، أو كان بعد ما جلس طويلا، أو كان بعد القيام عن محلّ الوضوء (۲۱٤) وإن كان قبل ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة والا استأنف (۲۱٥).

نصّا وإجماعا، قال الصادق عليه السلام في صحيح زرارة: «و إن تيقنت أنّك لم تتم وضوءك فأعد على ما تركت يقينا حتّى تأتي على الوضوء»(۷٦). وتدل على ذلك الإطلاقات والعمومات الدالة على وجوب ذلك الجزء أو الشرط.

نصّا وإجماعا، قال أبو جعفر في صحيح زرارة، «إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا؟ فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه، إنّك لم تغسله أو تمسحه مما سمّى اللَّه تعالى ما دمت في حال الوضوء، فإذا قمت من الوضوء، وفرغت منه، وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها، فشككت في بعض ما سمّى اللَّه مما أوجب اللَّه عليك في وضوئك لا شي‏ء عليك فيه»(۷۷).

و هذا الصحيح من المحكمات سندا ودلالة، ومعمول به عند الإمامية، ونص في عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء. فما ظاهره الخلاف محمول، أو مطروح، كموثق ابن أبي يعفور: «إذا شككت في شي‏ء من الوضوء وقد دخلت في غيره، فليس شكك بشي‏ء، إنّما الشك إذا كنت في شي‏ء لم تجزه»(۷۸).

فإنّه محمول على أنّ المراد بقوله: «و قد دخلت في غيره» أي في غير الوضوء فيكون مفاده اعتبار قاعدة الفراغ في الوضوء، كما يأتي. وأما قوله عليه السلام: «إنما الشك إذا كنت في شي‏ء لم تجزه» فهو وإن دل بالمفهوم على اعتبار قاعدة التجاوز في الوضوء. ولكن لا بد من طرح المفهوم لمنطوق صحيح زرارة، والإجماع على عدم جريان القاعدة في الوضوء. مع أنّه يصح أن يقال:

إنّ الوضوء خارج عن مورد القاعدة تخصصا، لأنّها فيما هو مركب واقعا، والطهارة المائية من الحدث الأصغر بسيط واقعا وإن تركبت أفعالها ظاهرا.

لظهور الإطلاق، والاتفاق.

المعمول بها في الوضوء نصّا وإجماعا، وللسيرة العقلائية في الجملة، وأصالة عدم الغفلة الجاريتين عند الفراغ عن كل عمل، ومنه الوضوء وتدل عليه نصوص كثيرة:

منها: ما تقدم من صحيح زرارة.

و منها: قول الصادق عليه السلام: «كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه، ولا إعادة عليك فيه»(۷۹)، وعنه عليه السلام أيضا في موثق ابن بكير «قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال: عليه السلام هو حين ما يتوضأ أذكر منه حين يشك»(۸۰).

و خلاصة القول: إنّ أصالة عدم السهو والغفلة والبقاء على الإرادة الأولية الباعثة على العمل من الأصول المعتبرة العقلائية، وقاعدتي التجاوز والفراغ من صغريات هذا الأصل، وقد ورد الردع عنها بالنسبة إلى قاعدة التجاوز في خصوص الوضوء فقط وبقي الباقي.

لما تقدم في الصحيح من قوله عليه السلام: «و فرغت وقد صرت في حال أخرى في الصلاة أو غيرها».

و إطلاقه يشمل جميع ما ذكر في المتن.

لأدلة وجوب ذلك الجزء، ولقاعدة الاشتغال بعد عدم دليل على‏ الخلاف. ولا مجرى لقاعدة الفراغ فيه، لأنّ التمسك بدليله مع الشك في الفراغ تمسك بالعام في الشبهة المصداقية. نعم، لو رأى نفسه فارغا وكان بانيا عليه، فالظاهر جريان القاعدة حينئذ، ولكنه مع الشك في الجزء الأخير، وعدم فصل زمان ولو قليلا من مجرد الفرض.

(مسألة ٤٦): لا اعتبار بشك كثير الشك، سواء كان في الأجزاء، أم في الشرائط، أم الموانع (۲۱٦).

لأنّ المتفاهم من الأدلة الشك الذي يعتنى به المتعارف لا ما يكون خارجا عنه، فتجري أصالة عدم السهو والغفلة بلا مانع، وهي مقدمة على أصالة عدم الإتيان، لما ثبت في محله من تقدم الأصل الجاري في السبب على الجاري في المسبب. وفي صحيح ابن سنان: «ذكرت لأبي عبد اللَّه عليه السلام رجلا مبتلى بالوضوء والصلاة. وقلت: وهو رجل عاقل قال عليه السلام: وأيّ عقل له وهو يطيع الشيطان»(۸۱)، وعنه عليه السلام في الصحيح: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم، ولا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك- ثمَّ قال- إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»(۸۲).

و مثله غيره مما ورد في الصلاة. والظاهر كونها من باب المثال لا الخصوصية، فتشمل جميع موارد كثير الشك، في الصلاة كانت أو في غيرها.

(مسألة ٤۷): التيمم الذي هو بدل عن الوضوء لا يلحقه حكمه في الاعتناء بالشك إذا كان في الأثناء، وكذا الغسل والتيمم بدله، بل المناط فيها التجاوز عن محلّ المشكوك فيه وعدمه، فمع التجاوز تجري قاعدة التجاوز، وإن كان في الأثناء (۲۱۷)، مثلا إذا شك بعد الشروع في مسح الجبهة أنّه ضرب بيديه على الأرض أم لا، يبني على أنّه ضرب بهما، وكذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغسل أنّه غسل رأسه أم لا، لا يعتني به، لكن الأحوط إلحاق المذكورات أيضا بالوضوء (۲۱۸).

لأصالة عدم السهو والغفلة، وعموم أدلة قاعدة التجاوز وإطلاقها الشامل للجميع الا ما خرج بالدليل وقد خرج الوضوء فقط، لما مر من صحيح زرارة، وبقي الباقي تحت العموم والإطلاق. وما يقال: من أنّ عموم ما دل على بدلية التيمم عن الوضوء يقتضي جريان جميع أحكامه عليه وعن المحقق الأنصاري نسبة الاعتناء بالشك في الغسل إلى الشهرة. (مدفوع): بأنّ كون دليل بدلية التيمم في مقام البيان حتّى من هذه الجهات ممنوع، إذ المنساق منه إطلاق البدلية في أصل الطهارة الحاصلة بعد التيمم، لا فيما هو معتبر شرعا حين الوضوء، كما أنّ نقل الشهرة لا اعتبار به خصوصا مع عدم ظهورها بين القدماء. نعم، عن جمع من الأساطين إلحاق الغسل بالوضوء، كالعلامة والشهيدين والمحقق الثاني رحمهم اللَّه.

و بالجملة: قاعدة التجاوز من المحكمات الموافقة لبناء العقلاء وأصالة عدم الغفلة وسهولة الشريعة المقدسة، ولا يرفع اليد عنها الا بنص صحيح أو إجماع صريح.

خروجا عن خلاف من جزم بالإلحاق.

(مسألة ٤۸): إذا علم بعد الفراغ من الوضوء أنّه مسح على الحائل، أو مسح في موضع الغسل، أو غسل في موضع المسح، ولكن شك في أنّه هل كان هناك مسوّغ لذلك من جبيرة، أو ضرورة، أو تقية، أم لا؟ بل فعل ذلك على غير الوجه الشرعي، الظاهر الصحة، حملا للفعل على الصحة لقاعدة الفراغ أو غيرها. و كذا لو علم أنّه مسح بالماء الجديد ولم يعلم أنّه من جهة وجود المسوّغ أو لا. والأحوط الإعادة في الجميع (۲۱۹).

لما يقال: من أنّ مورد قاعدة الفراغ إنّما هو فيما إذا أحرز أنّ المأتيّ به كان هو المأمور به فعلا، وكان الشك في الموانع الخارجية. (و فيه): أنّه تخصيص لعموم أدلة القاعدة وإطلاقها الوارد للتسهيل والتيسير بلا وجه.

(مسألة ٤۹): إذا تيقن أنّه دخل في الوضوء وأتى ببعض أفعاله، ولكن شك في أنّه أتمّه على الوجه الصحيح أم لا، بل عدل عنه اختيارا أو اضطرارا، الظاهر عدم جريان قاعدة الفراغ، فيجب الإتيان به، لأنّ مورد القاعدة ما إذا علم كونه بانيا على إتمام العمل وعازما عليه، إلا أنّه شاك في إتيان الجزء الفلاني أم لا، وفي المفروض لا يعلم ذلك. و بعبارة أخرى: مورد القاعدة صورة احتمال عروض النسيان لا احتمال العدول عن القصد (۲۲۰).

قد تقدم مكرّرا أنّ القاعدة من صغريات أصالة عدم عروض السهو والنسيان، فلا يشمل دليلها غير هذه الصورة، ويصح التمسك بأصالة عدم عروض قصد العدول، فلا تجب الإعادة.

(مسألة ٥۰): إذا شك في وجود الحاجب وعدمه قبل الوضوء أو في الأثناء، وجب الفحص حتّى يحصل اليقين أو الظنّ بعدمه، إن لم يكن مسبوقا بالوجود. وإلا وجب تحصيل اليقين ولا يكفي الظنّ. وإن شك بعد الفراغ في أنّه كان موجودا أم لا؟ بنى على عدمه، ويصح وضوؤه. وكذا إذا تيقن أنّه كان موجودا، وشك في أنّه أزاله، أو أوصل الماء تحته (۲۲۱) أم لا؟ نعم، في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته‏ و قد لا يصل، إذا علم أنّه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل، ولكن شك في أنّه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه (۲۲۲)، فلا يترك الاحتياط بالإعادة. وكذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه، وشك في كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده، فإنّه يبني على الصحة، إلا إذا علم أنّه في حال الوضوء لم يكن ملتفتا إليه فإنّ الأحوط الإعادة حينئذ (۲۲۳).

أما وجوب الفحص حتّى يحصل اليقين أو الظن في الفرع الأول، فقد تقدم دليله في [مسألة ۹] من مسائل غسل الوجه، والشرط الثالث من شرائط الوضوء، فراجع. وأما عدم كفاية الظن في الفرع الثاني، فلقاعدة الاشتغال إلا إذا كان الظن اطمئنانيا، فيصح الاعتماد عليه حينئذ. وأما صحة الوضوء في الفرعين الأخيرين، فلقاعدة الفراغ.

من إطلاق أدلة القاعدة فيشمل صورة عدم الالتفات أيضا، ومن أنّ الظاهر من حال من يعمل عملا أنّه متوجه ولو إجمالا إلى عمله، ويشهد له قوله عليه السلام في موثق ابن بكير، «هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»(۸۳).

و يمكن الإشكال في ظهور الحال بأنّه من باب الغالب وكذا الموثق فإنّه أيضا من باب الغالب، وليس علة تامة حتّى يدور اعتبار القاعدة مدارها، خصوصا بعد إطلاق خبر أبي العلاء: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الخاتم إذا اغتسلت.

قال عليه السلام: حوّله من مكانه».

و قال في الوضوء: «فإن نسيت حتّى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة»(۸٤) سيّما بعد كون هذه القاعدة تسهيلية امتنانية شرعت لرفع الكلفة.

تقدم وجهه في الفرع السابق عليه.

(مسألة ٥۱): إذا علم بوجود مانع، وعلم زمان حدوثه وشك‏ في أنّ الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحة لقاعدة الفراغ، إلا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء فالأحوط الإعادة حينئذ (۲۲٤).

لما سبق في المسألة السابقة. وقد احتاط في المقام، وأفتى بوجوب الإعادة في [مسألة ۷] من فصل الأوقات مع أنّ المدرك واحد.

(مسألة ٥۲): إذا كان محلّ وضوئه من بدنه نجسا، فتوضّأ وشك بعده في أنّه طهّره، ثمَّ توضّأ أم لا؟ بنى على بقاء النجاسة (۲۲٥)، فيجب غسله لما يأتي من الأعمال. وأما وضوؤه فمحكوم بالصحة، عملا بقاعدة الفراغ (۲۲٦)، إلا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة والنجاسة (۲۲۷). و كذا لو كان عالما بنجاسة الماء الذي توضّأ منه سابقا على الوضوء ويشك في أنّه طهّره بالاتصال بالكرّ أو بالمطر أم لا، فإنّ وضوءه محكوم بالصحة والماء محكوم بالنجاسة. ويجب عليه غسل كلّ ما لاقاه، وكذا في الفرض الأول يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين التوضؤ، أو لاقى محلّ التوضؤ مع الرطوبة (۲۲۸).

لأصالة بقائها. نعم، لو كان الوضوء كافيا في تطهيره يبني على طهارة بدنه وصحة وضوئه، كما إذا توضأ ارتماسا في المعتصم.

وجريانها في الوضوء لا يستلزم طهارة البدن، لأنّ مجرى القاعدة خصوص الوضوء، وطهارة البدن من لوازم مجراها. وكون القاعدة معتبرة في اللوازم مشكل، بل ممنوع، والتفكيك بين اللوازم والملزومات في الأحكام الظاهرية لا محذور فيه.

تقدم وجه الإشكال في [مسألة ٥۰].

أما صحة الوضوء، فلقاعدة الفراغ، وأما نجاسة الماء، فلاستصحاب النجاسة، وصحة التفكيك في الأحكام الظاهرية بين اللوازم‏ والملزومات كما تقدم، فلا ملازمة بين صحة الصلاة وطهارة البدن. وأما وجوب غسل جميع ما وصل إليه الماء فلنجاسة ملاقي مستصحب النجاسة.

(مسألة ٥۳): إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها وعدمه بنى على صحتها، لكنّه محكوم ببقاء حدثه، فيجب عليه الوضوء للصلوات الآتية (۲۲۹). ولو كان الشك في أثناء الصلاة وجب الاستئناف بعد الوضوء (۲۳۰)، والأحوط الإتمام مع تلك الحالة ثمَّ الإعادة بعد الوضوء (۲۳۱).

أما صحة الصلاة، فلقاعدة الفراغ. وأما وجوب الوضوء للصلوات الآتية، فلعمومات اشتراط الطهارة فيها، ولقاعدة الاشتغال. ولا يثبت بقاعدة الفراغ الطهارة للصلوات الآتية، لعدم كونها من مجاريها، وعدم إثبات اللوازم بها.

لعدم إمكان تصحيح الصلاة، لأنّ مفاد قاعدة الفراغ إنّما هو تصحيح ما مضى من الصلاة. ولا وجه لصحة ما بقي منها الا احتمال أن تكون الطهارة الحدثية محدودة بما قبل الشروع في الصلاة، كما يمكن أن يستظهر من قوله تعالى‏ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ‏(۸٦). فتجري قاعدة التجاوز حينئذ بالنسبة إلى الطهارة. (و فيه): أنّ الطهارة من الشرائط المقارنة لجميع أجزاء الصلاة من أولها إلى آخرها وليست محدودة بمحل معيّن حتّى يصدق التجاوز بالنسبة إليه.

لأجل العمل بما مر من احتمال جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الطهارة.

(مسألة ٥٤): إذا تيقن بعد الوضوء أنّه ترك منه جزءا أو شرطا، أو أوجد مانعا، ثمَّ تبدّل يقينه بالشك، يبني على الصحة عملا بقاعدة الفراغ، ولا يضرّها اليقين بالبطلان بعد تبدله بالشك (۲۳۲). ولو تيقن بالصحة ثمَّ شك فيها فأولى بجريان القاعدة (۲۳۳).

لأنّ اليقين المعتبر ما كان مستقرا، لا ما زال أو تبدل إلى الشك إذ يجري عليه حكم الشك حينئذ.

لجريان أصالة الصحة حينئذ أيضا.

(مسألة ٥٥): إذا علم قبل تمام المسحات أنّه ترك غسل اليد اليسرى، أو شك في ذلك فأتى به وتمّم الوضوء، ثمَّ علم أنّه كان غسله، يحتمل الحكم ببطلان الوضوء، من جهة كون المسحات أو بعضها بالماء الجديد. لكن الأقوى صحته لأنّ الغسلة الثانية مستحبة على الأقوى، حتّى في اليد اليسرى فهذه الغسلة كانت مأمورا بها في الواقع، فهي محسوبة من الغسلة المستحبة، ولا يضرّها نية الوجوب (۲۳٤). لكن الأحوط إعادة الوضوء، لاحتمال اعتبار قصد كونها ثانية في استحبابها (۲۳٥). هذا، ولو كان آتيا بالغسلة الثانية المستحبة وصارت هذه ثالثة تعيّن البطلان، لما ذكر من لزوم المسح بالماء الجديد.

للأصل مع أنّها من الخطإ في التطبيق.

هذا الاحتمال لا وجه له، لأنّ القصد الإجمالي الوضوئي متحقق ويكفي ذلك. نعم، لو جعل منشأ الاحتياط الخروج عن خلاف من لم يجعل الثانية مندوبة كان له وجه. ولا ريب في حسن الاحتياط على كل حال.

  1. راجع ج: ۱ صفحة: ۱۲٦.
  1. الوسائل باب: ۱ من أبواب الأسئار حديث: 4.
  2. الوسائل باب: ۳ من أبواب الماء المطلق و يدل على ذلك أحاديث باب: ٥ و ۱۳ و ۱4.
  3. تقدم في صفحة: ۱٦۱ و ما بعدها.
  4. الوسائل باب: ٥ من أبواب إحياء الأموات.
  5. تقدم في ج ۱ صفحة: ۲٥٦ و ما بعده.
  6. تقدم في ج ۱ صفحة: ۲٥٦ و ما بعده.
  7. تقدم في صفحة: ٦.
  8. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب المواقيت.
  9. تقدم في صفحة: ۳۱۰.
  10. يوسف آية: ۱۰٦.
  11. الزمر آية: ۳.
  12. راجع الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات.
  13. تفسير القمي ج: ۱ ص: ۳٥۸ طبعة النجف.
  14. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب جهاد النفس حديث: ۲.
  15. راجع صفحة: ۳۱۰.
  16. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الوضوء.
  17. الوسائل باب: 4۸ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  18. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب التيمم حديث: 4.
  19. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب التيمم.
  20. الوسائل باب: ۳4 من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  21. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب الوضوء حديث: ۱4.
  22. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
  23. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  24. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب الوضوء حديث: ۱٥.
  25. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
  26. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب الوضوء حديث: ۹.
  27. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  28. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
  29. الوسائل باب: ۹ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳.
  30. الوسائل باب: ۹ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
  31. المائدة: آية ۹۲.
  32. البينة: ٥.
  33. الوسائل باب: ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۰.
  34. الوسائل باب: ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۹.
  35. الوسائل باب: ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۰.
  36. الوسائل باب: ۹ من أبواب مقدمة العبادات.
  37. الوسائل باب: ۹ من أبواب مقدمة العبادات.
  38. نهج البلاغة ص: 4۳۱.
  39. السجدة: ۱٦.
  40. المائدة آية: ٦.
  41. الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء.
  42. لم نظفر عاجلا على مصدره.
  43. الماعون: آية: ٦.
  44. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱٦.
  45. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۲.
  46. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
  47. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۳.
  48. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۳.
  49. الوسائل باب: ۲ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  50. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوضوء حديث: 4.
  51. الوسائل باب: ۲4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
  52. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۲.
  53. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
  54. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۲.
  55. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
  56. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
  57. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱
  58. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب مقدمة العبادات.
  59. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب مقدمة العبادات.
  60. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات.
  61. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات.
  62. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ٥.
  63. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۸.
  64. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۰.
  65. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
  66. الوسائل باب: ۱4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۲.
  67. الوسائل باب: ۸ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
  68. تقدم في صفحة: ۲٦۳- ۲٦4.
  69. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۷.
  70. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱.
  71. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ٥.
  72. الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۱.
  73. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب قضاء الصلوات حديث: ۲.
  74. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب قضاء الصلوات حديث: ۱.
  75. مستدرك الوسائل باب: ۱۲ من أبواب وجوب الصلاة حديث: 4.
  76. الوسائل باب: 4۲ من أبواب الوضوء الحديث: ۱.
  77. الوسائل باب: 4۲ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  78. الوسائل باب: 4۲ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  79. الوسائل باب: 4۲ من أبواب الوضوء حديث: ٦.
  80. الوسائل باب: 4۲ من أبواب الوضوء حديث: ۷.
  81. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱.
  82. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل في الصلاة حديث: ۲.
  83. الوسائل باب: 4۲ من أبواب الوضوء حديث: ۷.
  84. الوسائل باب: 4۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  85. المائدة( ٥): الآية ٦.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"