1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل في الوضوءات المستحبة
(مسألة ۱): الأقوى- كما أشير إليه سابقا- كونه مستحبا في نفسه (۱)، وإن لم يقصد غاية من الغايات، حتّى الكون على الطهارة (۲) وإن كان الأحوط قصد إحداها (۳).

لأنّه نظافة ظاهرية وطهارة حدثية، وهما مطلوبان بالذات شرعا وعقلا، وعرفا.

لكن تقدم أنّ رافعية الوضوء الجامع للشرائط للحدث توليديّ لا أن يكون قصديّا، فلا ينفك قصد الغسلات الخاصة مع تحقق الشرائط وفقد الموانع عن رفع الحدث، فهو مقصود بعين قصد السبب، بل يكون رافعا حتّى مع قصد العدم إن لم يخل ذلك بالقربة.

خروجا عن خلاف ما نسب إلى الفاضلين والشهيد من أنّ رجحانه غيريّ فقط، لا أن يكون ذاتيّا.

و خلاصة ما استدل لهم: بعد قوله تعالى‏ إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ‏(۱)، وقول أبى جعفر عليه السلام: «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة»‏(۲) وغيره مما هو كثير، الظاهر كل ذلك في أنّ مطلوبيته إنّما تكون و بالغير، فليس معنى المقدمية إلّا أن تكون كذلك.

(و فيه): أنّ الآية والروايات في مقام بيان الشرطية، ويتبعها الوجوب الغيري لا محالة، وذلك لا ينافي الرجحان الذاتي، وليست في مقام بيان هذه الجهة حتّى يستدل بها للنفي أو الإثبات. وأما أنّ المقدمية متقوّمة بالوجوب الغيريّ، فهو مسلّم لا ريب فيه، ولكن لم يثبت بدليل من عقل أو نقل: أنّه لا بد وأن لا يكون راجحا ذاتيا، وكم من راجح ذاتيّ وقع مقدمة لغيره، داخلية كانت أو خارجية. هذا وتفصيل الكلام في علم الأصول.

(مسألة ۲): الوضوء المستحب أقسام: (أحدها): ما يستحب في حال الحدث الأصغر، فيفيد الطهارة منه. (الثاني): ما يستحب في حال الطهارة منه كالوضوء التجديدي (٤). (الثالث): ما هو مستحب في حال الحدث الأكبر، وهو لا يفيد الطهارة (٥) وإنّما هو لرفع الكراهة، أو لحدوث كمال في الفعل الذي يأتي به، كوضوء الجنب للنوم ووضوء الحائض للذكر في مصلّاها.

إجماعا ونصوصا، منها: قوله عليه السلام: «الوضوء على الوضوء نور على نور»‏(۳).

و ظاهرها كون التجديدي عين الوضوء الرافع للحدث فعلى هذا لو توضأ بقصد التجديد فبان كونه محدثا يرتفع حدثه.

بدعوى: أنّه مع وجود الحدث الأكبر لا وجه لزوال الحدث الأصغر.

و فيه: أنّه لا مانع من عقل أو شرع من زوال الحدث الأصغر بالوضوء مع بقاء الحدث الأكبر بعد إمكان اعتبار التفكيك بينهما ذاتا وأثرا فلو توضأت الحائض ثمَ‏ ‏ انقطع الحيض واغتسلت لا يجب عليها الوضوء بناء على عدم كفاية غسل الحيض عن الوضوء، كما أنّها لو كانت جنبا واغتسلت للجنابة يرتفع حدث الجنابة، وإن بقي حدث الحيض، ولا تحتاج بعد انقطاع الحيض إلى تجديد غسل الجنابة.

و يأتي في [مسألة ٤۳] من فصل أحكام الحائض ما ينفع المقام. وكذا وضوء من مس ميتا بناء على كونه من الحدث الأكبر كما يظهر من الماتن رحمه اللَّه فيما يأتي من القسم الثالث، ولكنّه يصرح بعدم كونه من الحدث الأكبر في (فصل غسل مس الميت) [مسألة ۱۷].

إن قلت: مع وجود المرتبة الأشدّ من الحدث كيف يعقل رفع المرتبة الأخفّ منه؟

(قلت): بناء على كون الحدث الأكبر والأصغر حقيقتين مختلفتين لا مانع منه. وكذا بناء على كونهما حقيقة واحدة ذات مراتب متفاوتة قابلة للاشتداد والتضعيف، لأنّ ما حصل بالحدث الأصغر يرتفع بالوضوء، ويبقى ما حصل من الحدث الأكبر.

أما القسم الأول، فلأمور: (الأول): الصلاة المندوبة وهي شرط في صحتها أيضا (٦). (الثاني): الطواف المندوب (۷)، وهو ما لا يكون جزءا من حج أو عمرة ولو مندوبين (۸)، وليس شرطا في صحته. نعم، هو شرط في صحة صلاته (۹). (الثالث): التهيّؤ للصلاة في أول وقتها (۱۰) أو أول زمان إمكانها إذا لم يمكن إتيانها في أول الوقت (۱۱)، ويعتبر أن يكون قريبا من الوقت أو زمان الإمكان، بحيث يصدق عليه التهيّؤ (۱۲). (الرابع): دخول المساجد (۱۳). (الخامس): دخول المشاهد المشرفة (۱٤). (السادس): مناسك الحج (۱٥) مما عدا الصلاة والطواف. (السابع): صلاة الأموات (۱٦). (الثامن): زيارة أهل القبور (۱۷). (التاسع): قراءة القرآن، أو كتبه، أو لمس حواشيه، أو حمله (۱۸). (العاشر): الدعاء وطلب الحاجة من اللَّه تعالى (۱۹). (الحادي عشر): زيارة الأئمة ولو من بعيد (۲۰). (الثاني عشر): سجدة الشكر، أو التلاوة (۲۱). (الثالث عشر): الأذان والإقامة، والأظهر شرطيته في الإقامة (۲۲). (الرابع عشر): دخول الزوج على الزوجة ليلة الزفاف بالنسبة إلى كلّ منهما (۲۳). (الخامس عشر): ورود المسافر على أهله، فيستحب قبله (۲٤). (السادس عشر): النوم (۲٥). (السابع عشر): مقاربة الحامل (۲٦). (الثامن عشر): جلوس القاضي في مجلس القضاء (۲۷). (التاسع عشر): الكون على الطهارة. (العشرون): مسّ كتابة القرآن في صورة عدم وجوبه، وهو شرط في جوازه كما مرّ، وقد عرفت: أنّ الأقوى استحبابه نفسيّا أيضا.

بضرورة المذهب، بل الدّين، وقولهم عليهم السلام: «لا صلاة إلا بطهور»‏(٤).

قال الصادق عليه السلام في الصحيح: «لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء الا الطواف بالبيت والوضوء أفضل»‏(٥).

المحمول بالنسبة إلى الطواف المندوب على الندب، بقرينة قوله عليه السلام: «لا بأس أن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثمَّ يتوضأ ويصلّي- الحديث-»‏(٦) ويأتي التفصيل في محله.

ومن ذلك يظهر أنّ قول أبي الحسن عليه السلام: «إذا طاف الرجل بالبيت وهو على غير وضوء، فلا يعتد بذلك الطواف وهو كمن لم يطف»‏(۷) محمول على الفريضة دون النافلة، ومن ذلك كله يظهر عدم الاعتبار في صحته.

إذ لو كان جزءا لهما لصار واجبا نصا‏(۸) وإجماعا، كما يأتي إن شاء اللَّه تعالى.

نصوصا وإجماعا قال الصادق عليه السلام: «و من طاف تطوعا وصلّى ركعتين على غير وضوء، فليعد الركعتين، ولا يعد الطواف»‏(۹).

كما عن جمع منهم العلامة والشهيد رحمهم اللَّه، للمرسل: «ما وقّر الصلاة من أخر الطهارة لها حتّى يدخل وقتها»‏(۱۰)، وللمستفيضة المرغبة على إتيان الصلاة في أول وقتها‏(۱۱)، ولا يتم الا بذلك، ولأنّه من المسارعة إلى الخيرات المطلوبة كتابا وسنة، ولسيرة الأسلاف الصالحين الذين يقتدى بأفعالهم، بل الظاهر جريان السيرة مطلقا على أنّ الاهتمام بشي‏ء يقتضي تحصيل مقدماته قبل دخول وقته.

إن قلت: إنّ ذلك كله لا يثبت الاستحباب الشرعيّ قبل الوقت، لقصور المرسل سندا، وعدم كون المراد بأول الوقت في الأخبار المرغبة لإتيان الصلاة في أول الوقت الأول الدقيّ الحقيقيّ، بل العرفيّ منه الذي لا ينافي تحصيل المقدمات بعد دخول الوقت، وكذا الكلام فيما دل على المسارعة إلى الخيرات، وإمكان أن يكون فعل الصالحين بداعي الكون على الطهارة لا التهيؤ.

قلت: يكفي في الاستحباب تسامحا إرسال مثل الشهيدين للخبر، وهذا المرسل لا يقصر عن سائر المراسيل الواردة في موارد مختلفة التي تسالموا على الاستحباب الشرعي لأجلها.

إن قلت: لا ريب في اشتراط وجوب الصلاة وصحتها بدخول الوقت فإذا كان الوضوء الذي يكون مقدمة لها غير مشروط به يلزم التفكيك بين المقدمة وذيها من هذه الجهة، وهو باطل كما ثبت في محله.

قلت: ما هو الباطل إنّما هو التفكيك بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها.

و أما التفكيك بين رجحان المقدمة لعروض عنوان راجح عليها وبين وجوب ذي المقدمة فلا محذور فيه، بل هو واقع كثيرا.

ثمَّ إنّ الوضوء للكون على الطهارة، وللتهيؤ للفريضة قبل أن يدخل وقتها، ولإيقاع الصلاة في أول الوقت عناوين مختلفة لا ربط لأحدها بالآخر، لأنّ الأول يصح مطلقا، والثاني يدور مدار صدق التهيؤ عرفا والثالث أعمّ من الثاني، فيصح الوضوء بعد طلوع الشمس- مثلا- لإيقاع صلاة الظهر في أول الوقت، ومقتضى إطلاق المرسل صحة الثالث ولكن المتيقن منه ومن كلمات القوم هو الثاني.

لشمول إطلاق المرسل‏‏(۱۲) له أيضا إذ يمكن أن يراد بقوله عليه السلام: «حتّى يدخل وقتها» إمكان أدائها.

جمودا على هذا التعبير الواقع في كلمات الفقهاء، واقتصارا على المتيقن من المرسل، كما تقدم.

لظهور الإجماع وقول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «عليكم بإتيان‏ المساجد، فإنّها بيوت اللَّه تعالى في الأرض، من أتاها متطهّرا طهّره اللَّه من ذنوبه وكتب من زوّاره»‏(۱۳).

لسيرة الفقهاء والمؤمنين خلفا عن سلف وقد أرسل صاحب الجواهر في كتاب الديات: «إنّ بيوتنا مساجد» وعن ابن حمزة: إلحاق كل مكان شريف بالمساجد، ويشهد له الاعتبار وسيرة الصالحين الأخيار.

قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء- إلى أن قال- والوضوء أفضل»‏(۱٤)، وقال عليه السلام: «و لو أتمّ مناسكه بوضوء كان أحبّ إليّ»‏(۱٥).

راجع فصل آداب الصلاة على الميت.

عن الشهيد ورود خبر به، وعن الدلائل: التقييد بالمؤمنين، ولعلّه المنساق من كلمات الفقهاء أيضا، ويمكن انطباق ما يأتي في قراءة القرآن والدعاء على ذلك أيضا، لعدم انفكاك الزيارة عن قراءة القرآن والدعاء غالبا.

تقدم ما يدل على الأول. ويدل على الثاني: خبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن الرجل أ يحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير الوضوء؟ قال عليه السلام: لا»‏(۱٦).

المحمول على استحباب الوضوء إجماعا، وجمعا بينه وبين ما يدل على كتابة الحائض للتعويذ الشامل بإطلاقه لما إذا اشتمل على القرآن، فعن ابن فرقد عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن التعويذ يعلق على الحائض. قال عليه السلام: نعم، لا بأس. وقال عليه السلام: تقرأه وتكتبه ولا تصبه يدها»‏(۱۷).

و تقدم ما يدل على الأخيرين من خبر إبراهيم بن عبد الحميد في أول الفصل، والمتيقن منه ما إذا كان الحمل والمس راجحين في الجملة.

أما الأول: فعلى المعروف بين الفقهاء، بل الداعين مطلقا مع أنّ الدعاء لا ينفك عن طلب الحاجة، فيشمله الصحيح الآتي.

و أما الثاني: فلقول أبي عبد اللَّه عليه السلام في الصحيح: «من طلب حاجة وهو على غير وضوء، فلم تقض فلا يلومنّ الا نفسه»‏(۱۸) الظاهر في الترغيب إلى الوضوء الذي هو عبارة أخرى عن الاستحباب.

يأتي في كتاب المزار إن شاء اللَّه تعالى، وفي الجواهر: «إنّ النصوص الواردة في الطهارة لزيارتهم، بل الغسل أكثر من أن تحصى».

أما الأول فلقول الصادق عليه السلام: «من سجد سجدة الشكر وهو متوضئ كتب اللَّه له بها عشر صلوات، ومحي عنه عشر خطايا عظام»‏(۱۹).

وأما الأخير فيشهد له قوله عليه السلام: «إذا قرئ شي‏ء من العزائم الأربع فسمعتها، فاسجد، وإن كنت على غير وضوء، وإن كنت جنبا، وإن كانت المرأة لا تصلّي»‏(۲۰).

فإنّ مثل هذا التعبير ظاهر في مفروغية رجحان الطهارة فيها، وإنّما ذكر ذلك لأجل دفع توهم اشتراط الطهارة في أصل الصحة.

راجع الأمر الثالث من فصل مستحبات الأذان والإقامة.

لصحيح أبي بصير: «سمعت رجلا يقول لأبي جعفر عليه السلام:

إنّي قد أسننت وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرة، ولم أدخل بها، وإنّي أخاف إذا دخلت عليّ فرأتني أن تكرهني لخضابي وكبري، فقال أبو جعفر عليه السلام: إذا دخلت، فمرها قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة. ثمَّ أنت لا تصل إليها حتّى تتوضأ وصلّ ركعتين»‏(۲۱).

بناء على أنّ ما ذكر في صدر الحديث من حكمة تشريع أصل الحكم، لا العلّة حتى يدور الحكم مدارها وجودا وعدما.

قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «من قدم من سفره، فدخل على أهله، وهو على غير وضوء، ورأى ما يكره، فلا يلومنّ الا نفسه»‏(۲۲) وقد تقدم أنّ‏  هذا النحو من التعبير ظاهر في مفروغية رجحان أصل الوضوء في مورده.

قال أبو عبد اللَّه عليه السلام: «من تطهّر ثمَّ آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده»‏(۲۳). والإشكال فيه: بأنّه مستلزم لكون غاية الوضوء الحدث، شبهة في مقابل النص، مع أنّ الغاية حصول الطهارة عند التعرض للنوم، لا أن يكون نفس النوم من حيث هو غاية، فلا إشكال أصلا.

لوصية النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله لعليّ عليه السلام: «إذا حملت امرأتك. فلا تجامعها الا وأنت على وضوء»‏(۲٤).

كما عن جمع من الفقهاء، ويشهد له الاعتبار، لأنّه من أهم مصائد الشيطان، فلا بد من المدافعة معه بكل ما أمكن، واعترف جمع منهم صاحب الجواهر بعدم العثور فيه على النص، وتقدم الوجه في الأخيرين.

فائدة: لا يعتبر في قصد الغاية المطلوبة القصد التفصيلي، بل يكفي الارتكازي الإجمالي أيضا، للأصل كسائر الدواعي والغايات. والظاهر أنّ قصد الكون على الطهارة مرتكز في أذهان المتشرعة، ففي الموارد التي لم يثبت استحباب الوضوء لها يصح الاستحباب بهذا القصد الارتكازي ولا محذور فيه.

و أما القسم الثاني فهو الوضوء للتجديد، والظاهر جوازه ثالثا ورابعا، فصاعدا أيضا (۲۸)، وأما الغسل فلا يستحب فيه التجديد، بل‏ و لا الوضوء بعد غسل الجنابة وإن طالت المدّة (۲۹).

لإطلاق قول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «من جدّد وضوءه لغير حدث‏ جدّد اللَّه توبته من غير استغفار»‏(۲٥)، وإطلاق قوله عليه السلام أيضا: «الوضوء بعد الطهور عشر حسنات»‏(۲٦). والانصراف إلى المرة الأولى بدويّ لا يعتنى به، ولكن الاولى فيما إذا لم يتخلل في البين زمان معتد به، وفيما إذا لم يكن التجديد للغايات المتعددة- كما إذا توضأ لصلاة الظهر، ثمَّ توضأ لصلاة العصر، ثمَّ توضأ لصلاة القضاء- مثلا- أن يقصد الرجاء.

نسب ذلك إلى المشهور، للأصل. ولكنه خلاف إطلاق قوله عليه السلام: «الطهر على الطهر عشر حسنات»‏(۲۷)، الا أن يدعى الانصراف إلى الوضوء بقرينة قوله عليه السلام: «الوضوء على الوضوء نور على نور»‏(۲۸).

فروع- (الأول): كما يكون التجديد قصديا يكون انطباقيا قهريا أيضا، فمن اعتقد أنّه محدث وتوضأ، ثمَّ بان أنّه كان متطهرا، ينطبق على وضوئه التجديد، ويثاب بثوابه، لإطلاق قوله عليه السلام: «الطهر على الطهر عشر حسنات»، ولسعة تفضل اللَّه تعالى بحيث لا نهاية له، ويأتي بعض ما يتعلق بالمقام في [مسألة ۳].

(الثاني): مقتضى الإطلاق صحة التجديد بعد الفراغ من الوضوء الأول بلا فصل، ولكن الأولى التأخير في الجملة، وأولى منه التجديد عند إرادة إتيان العمل المشروط بالطهارة.

(الثالث): قد يجب التجديد بالنذر ونحوه.

و أما القسم الثالث فلأمور: (الأول): لذكر الحائض في مصلّاها مقدار الصلاة (۳۰). (و الثاني): لنوم الجنب، وأكله، وشربه، وجماعه (۳۱)، و تغسيله الميت (۳۲). (الثالث): لجماع من مسّ الميت ولم يغتسل بعد. (الرابع): لتكفين الميت أو دفنه بالنسبة إلى من غسّله ولم يغتسل غسل المسّ (۳۳). (مسألة ۳): لا يختص القسم الأول من المستحب بالغاية التي توضأ لأجلها (۳٤)، بل يباح به جميع الغايات .. المشروطة به (۳٥)، بخلاف الثاني والثالث، فإنّهما إن وقعا على نحو ما قصدا لم يؤثّرا إلا فيما قصدا لأجله (۳٦). نعم، لو انكشف الخطأ بأن كان محدثا بالأصغر- فلم يكن وضوؤه تجديديا، ولا مجامعا للأكبر- رجعا إلى الأول (۳۷). و قوي القول بالصحة وإباحة جميع الغايات به إذا كان قاصدا لامتثال الأمر الواقعيّ المتوجه إليه في ذلك الحال بالوضوء، وإن اعتقد أنّه الأمر بالتجديدي منه- مثلا- فيكون من باب الخطإ في التطبيق، وتكون تلك الغاية مقصودة له على نحو الداعي لا التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعيّ على خلاف ما اعتقده لم يتوضأ، أما لو كان على نحو التقييد كذلك، ففي صحته حينئذ إشكال (۳۸).

على المشهور، لقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح: «إذا كانت المرأة طامثا لا تحل لها الصلاة، وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة، ثمَّ تقعد في موضع طاهر، فتذكر اللَّه عزّ وجل، وتسبّحه، وتهلّله، وتحمده كمقدار الصلاة، ثمَّ تفرغ لحاجتها»‏(۲۹).

و نسب إلى الصدوقين وجوب ذلك عليها، لتعبيرهما به. ولكنه أعم، لأنّ الوجوب في اصطلاح الأخبار والقدماء أعم من مطلق الثبوت، وقد مر إمكان أن يكون هذا الوضوء كسائر الوضوءات الرافعة للحدث الأصغر، فلو انقطع حيضها بعده، مع عدم تخلل الحدث الأصغر تكتفي بالغسل فقط وإن كان خلاف الاحتياط، بناء على عدم كفاية غسل الحيض عن الوضوء. ثمَّ إنّه لو تخلل الفصل أو الحدث بين وقت الصلاتين، فلا إشكال في استحباب الوضوء في وقت كلّ منهما، وأما مع عدم تخلل الفصل، أو الحدث، فالأولى الإتيان به في وقت الثانية رجاء، ويأتي في [مسألة ٤۱] من فصل أحكام الحائض ما ينفع المقام.

أما الأول: فلصحيح الحلبي: «سئل أبو عبد اللَّه عليه السلام عن الرجل أ ينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال عليه السلام: يكره ذلك حتّى يتوضّأ»‏(۳۰)، وفي خبر سماعة: «و إن هو نام، ولم يتوضّأ، ولم يغتسل، فليس عليه شي‏ء إن شاء اللَّه»‏(۳۱).

أما الثاني: فلقول الصادق عليه السلام في الصحيح عن أبيه عليه السلام:

«إذا كان الرجل جنبا لم يأكل، ولم يشرب حتّى يتوضأ»‏(۳۲).

المحمول على الكراهة بقرينة صحيح عبد الرحمن عنه عليه السلام أيضا:

«أ يأكل الجنب قبل أن يتوضأ؟ قال: عليه السلام إنا لنكسل، ولكن ليغسل يده، والوضوء أفضل»‏(۳۳).

و أما الثالث: فلقول أبي الحسن الثاني عليه السلام: «كان أبو عبد اللَّه عليه السلام إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة، وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة»‏(۳٤).

لخبر شهاب بن عبد ربه: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الجنب أ يغسل الميت، أو من غسل ميتا إله أن يأتي أهله ثمَّ يغتسل؟ فقال: هما سواء ولا بأس بذلك إذا كان جنبا غسل يديه، وتوضأ، وغسل الميت وهو جنب وإن غسل ميتا توضأ، ثمَّ أتى أهله، ويجزيه غسل واحد لهما»‏(۳٥).

و من ذلك يعلم وجه الثالث أيضا.

أما الأول: فنسبه في الحدائق إلى الأصحاب، واعترف كصاحبي المدارك والجواهر: بعدم الظفر بدليله، بل ظاهر الأخبار خلافه لاشتمالها على غسل اليدين من العاتق، أو المنكب، أو المرفق‏(۳٦) على ما يأتي في محله، ولا تعرض فيها للوضوء. نعم، علّل ذلك بوجوه اعتبارية قاصرة عن إثبات الحكم الشرعي.

و أما الثاني: فنسب إلى المشهور. فإن كان مستندهم قول أبي عبد اللَّه عليه السلام: «توضّأ إذا أدخلت الميت القبر»‏(۳۷)، فظاهره الوضوء بعد الإدخال لا لأجله، مع أنّه مطلق لا يختص بمن ذكر في المتن. وإن كان المستند غيره،

فلم نظفر عليه.

و خلاصة الكلام: أنّ الوضوء مندوب نفسا، لأنّه نحو نورانية للنفس وهي راجحة ومطلوبة. ويعرض له الاستحباب باعتبار السبب- كما تقدم في [مسألة ۱۳] من [فصل موجبات الوضوء]- أو باعتبار الغايات المندوبة كما يعرض له الوجوب باعتبار السبب كالنذر، أو باعتبار الغاية كالصلاة والطواف، ولا يتصف الوضوء في ذاته بالإباحة، لأنّه عبادة لا بد فيه من الرجحان، كما لا تتصور الحرمة الذاتية بالنسبة إليه، فيمكن أن تجتمع في وضوء واحد جهات من الندب، أو الوجوب، كما يأتي.

فروع- (الأول): يستحب الوضوء قبل كل غسل غير غسل الجنابة، لقوله عليه السلام: «كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة»‏(۳۸).

(الثاني): بناء على استحبابه في نفسه، يستحب للمحدث بالحدث الأكبر أيضا، ولو مع بقاء حدثه وعدم حصول الاستباحة به.

(الثالث): قد أنهى موارد استحباب الوضوء في (الذخيرة) إلى أربعة وخمسين موردا. وألحق بجلوس القاضي في مجلس القضاء الجلوس لكل مجلس محترم شرعا، كالتدريس ونحوه وقرّره جميع المعلقين عليه (رحمهم اللَّه تعالى).

بضرورة المذهب فيما قارب هذه الأزمنة، لأنّ الحدث الأصغر طبيعة واحدة بسيطة لا اختلاف فيها ذاتا ولا مرتبة، ومنشؤها أمور تستند تلك الطبيعة إلى أولها مع تعاقب تلك الأمور، وإلى الجامع منها مع الحصول دفعة. والطبيعة البسيطة لا تبعض فيها لا بحسب الذات ولا بحسب المرتبة، لفرض البساطة، والطهارة أيضا طبيعة بسيطة ولا تبعض فيها، لفرض البساطة. نعم، يصح‏ اتصافها بالشدة مع التجديد، لقوله عليه السلام: «الوضوء على الوضوء نور على نور»‏(۳۹) فإن حصلت تلك الطبيعة تحصل بالنسبة إلى تمام الغايات، وإلا فلا تحصل بالنسبة إلى الجميع أيضا، إذ لا وجه للتبعيض فيها، فالوضوء بموجبة وأثره لا تبعيض فيه، بل يتصف بالوجود تارة، وبالعدم أخرى، ولا يتصف بالتبعيض موجبا وأثرا، وقد تطابقت الأدلة على أنّ المعتبر في الغايات، واجبة كانت أو مندوبة، صحة أو كمالا، إنّما هو الطهارة، فراجع أخبار الباب‏‏(٤۰) تجد أكثر من ثلاثين خبرا تعلق الحكم فيها على الطهارة وما يتفرع منها من مشتقاتها.

نعم، تعلق الحكم بالوضوء في جملة منها‏(٤۱) أيضا، ولكن تقدم أنّ الوضوء مع تحقق الشرائط وفقد الموانع من التوليديات لحصول الطهارة ولا فرق فيها بين تعلق الحكم بالسبب أو بالمسبب. وحينئذ إذا توضأ المحدث لغاية من الغايات تحصل الطهارة لجميعها قهرا، قصدها أم لا، بل ولو قصد عدم حصولها لسائر الغايات، ما لم يخل بالقربة، ولم يرجع إلى التشريع المبطل.

و يمكن الاستدلال بالشكل الأول البديهيّ الإنتاج. بأن يقال: الطهارة حاصلة وصحيحة بهذا الوضوء فعلا، وكل ما حصلت الطهارة وصحت فعلا يصح بها جميع الغايات المشروطة بها، فيصح جميع الغايات بهذا الوضوء. هذا بناء على كون كل واحد من الحدث الأصغر والطهارة منه بسيطا، وكذا بناء على عدم البساطة فيهما، لأنّ الوضوءات البيانية والإطلاقات الواردة في هذا الأمر العام البلوى لجميع المكلفين في كل يوم وليلة مرّات عديدة، وعدم الإشارة فيها إلى اختصاص الطهارة بخصوص رفع الحدث الذي توضأ منه تدل على أنّ الطهارة الحاصلة من كل حدث طهارة لجميع الغايات المطلوبة فيها الطهارة مطلقا.

هذا مع أنّ اختصاص الطهارة بخصوص الغاية المقصودة تضييق مناف لسهولة الشريعة التي دلت عليها الأدلة الكثيرة. ويمكن الرجوع فيه إلى البراءة، لأنّه قيد زائد مشكوك فيه، فتطابقت أصالتا الإطلاق والبراءة على أنّ الطهارة إذا حصلت لغاية تحصل لجميع الغايات.

لأنّه إما أن تحصل به الطهارة أو لا، والثاني خلف، وعلى الأول، إما أن تجب معها طهارة أخرى، أو لا، والأول تحصيل للحاصل، والثاني هو المطلوب، فيستباح بها جميع الغايات المشروطة به.

أما في الوضوء التجديدي، فلأنّه لا غاية له وراء ذاته، فلا يتصور فيه البحث عن الوقوع لبعض الغايات دون البعض. نعم، لو انكشف أنّه كان محدثا يجري فيه ما تقدم. وأما المجامع للحدث الأكبر، فالظاهر أنّه كسائر الوضوءات يكتفى به لسائر الغايات المطلوبة منه ما لم ينقض، لأنّ المتفاهم من دليله أنّه من طبيعة الوضوء المعهودة في الشريعة، إلا كونه مجامعا للحدث الأكبر، فيجري فيه جميع ما تقدم، وكونه مجامعا للحدث الأكبر لا يوجب كونه مغايرا لطبيعة الوضوء، فيكتفى بوضوء الجنب لأكله، ونومه، وشربه، وجماعه، وبوضوء غاسل الميت لتكفينه وتدفينه.

لأنّ الظاهر من الأدلة أنّ الوضوء مطلقا حقيقة واحدة، وأنّه في رفعه للحدث مع تحقق الشرائط وفقد الموانع من الوضعيات غير المنوطة بالقصد والاختيار، بل يكفي القصد بالنسبة إلى ذات الغسلات والمسحات فقط، ولا يعتبر قصد رفع الحدث، ولا الالتفات إليه، فإن صادف الحدث رفعه، والا يكون تجديديا. وكذا من كان معتقدا بأنّه محدث بالحدث الأكبر وتوضأ لا يكون اعتقاده مغيّرا لحقيقة الوضوء، والظاهر من الأدلة أنّ هذا الوضوء أيضا ليس إلا الوضوء المعهود في الشريعة، فيترتب عليه أثره الوضعي من أنّه لو صادف الحدث الأصغر رفعه مع وجود الشرائط وفقد الموانع.

لا وجه للإشكال إن حصل قصد أصل الوضوء في الجملة، كما مرّ مكررا من أنّ حصول الطهارة بالنسبة إلى الوضوء الجامع للشرائط من الأمور التوليدية غير المنوطة بالقصد. نعم، لو كان التقييد مخلا بقصد الامتثال يبطل من هذه الجهة، وبذلك يمكن أن يرجع النزاع لفظيا، فمن يحكم بالبطلان في صورة التقييد- أي فيما إذا أخلّ ذلك بشرط من الشروط. ومن حكم بالصحة أي فيما إذا لم يخل به- ولا فرق في ذلك بين كون نفس الغسلات والمسحات مورد الأمر، أو كون المأمور به الطهارة الحاصلة منها، أما على الأول فواضح لتعلق القصد إليها. وكذا على الثاني، فلما تقدم من أنّ القصد إلى السبب في التوليديات قصد إلى المسبب إجمالا وارتكازا، وإن لم يكن ملتفتا إليه تفصيلا، ولا دليل على اعتبار أزيد من هذا القصد الإجمالي الارتكازي. ولا ريب في أنّ قصد التجديد ونحوه طريق إلى قصد المطلوب الواقعي النفس الأمري، فهو المقصود بالذات دون غيره، فلا أثر للتقييد فيما هو متقوّم بالقصد مطلقا، الا إذا رجع إلى قصد عدم الامتثال.

(مسألة ٤): لا يجب في الوضوء قصد موجبه (۳۹) بأن يقصد الوضوء لأجل خروج البول، أو لأجل النوم، بل لو قصد أحد الموجبات وتبيّن أنّ الواقع غيره صح، الا أن يكون على وجه التقييد.

للإجماع، وإطلاق الأدلة، وأصالة البراءة- وعلى فرض الاعتبار- يكون قصد الوضوء قصدا إجماليا له، لأنّ كلّ مسلم يتوضأ لرفع الحدث وحصول الطهارة، فلا انفكاك بين قصد الوضوء وقصد رفع الحدث وحصول الطهارة، ولا دليل على اعتبار أزيد من هذا القصد الإجمالي الارتكازي، بل مقتضى الأصل عدمه، وقد تقدم ما يتعلق بالتقييد في المسألة السابقة، وأنّه لا يضر التقييد أيضا ما لم يخل بشرط من الشروط.

(مسألة ٥): يكفي الوضوء الواحد للأحداث المتعددة إذا قصد رفع طبيعة الحدث، بل لو قصد رفع أحدها، صح وارتفع الجميع، إلا إذا قصد رفع البعض دون البعض، فإنّه يبطل، لأنّه يرجع إلى قصد عدم الرفع (٤۰).

تارة: يقصد ذات الوضوء من حيث هو من دون قصد الرفع أبدا.

و اخرى: يقصد رفع طبيعة الحدث. وثالثة: يقصد رفع الجميع عند الاجتماع ورابعة: يقصد رفع أحد الأحداث مع الغفلة عن البقية أو الالتفات إليها وعدم قصدها. وخامسة: يقصد رفع الحدث المتقدم دون المتأخر. وسادسة: يكون بعكس ذلك.

و الوجه في جميع ذلك الصحة. أما بناء على عدم اعتبار قصد الموجب وإن قصده، وعدم قصده بل قصد عدمه لا يضر ما لم يخل بشرط من شروط الوضوء، فواضح.

و أما بناء على اعتباره فكذلك أيضا، لما تقدم من أنّ قصد الوضوء قصد إجمالي ارتكازي إلى أثره الذي هو رفع الحدث والانفكاك بينهما في الجملة، ومقتضى الأصل والإطلاق عدم اعتبار أزيد من هذا القصد. نعم، في القسمين الأخيرين إن رجع إلى عدم قصد الامتثال يكون باطلا من هذه الجهة، فظهر من ذلك كله: أنّ إطلاق قوله رحمه اللَّه: «لأنّه يرجع إلى قصد عدم الرفع»، مخدوش. وحق التعليل أن يقال: إن رجع إلى عدم قصد الامتثال، ولعل مراده رحمه اللَّه ذلك.

(مسألة ٦): إذا كان للوضوء غايات متعدّدة، فقصد الجميع حصل امتثال الجميع، وأثيب عليها كلّها (٤۱)، وإن قصد البعض حصل‏ الامتثال بالنسبة إليه ويثاب عليه لكن يصح بالنسبة إلى الجميع، ويكون أداء بالنسبة إلى ما لم يقصد (٤۲)، وكذا إذا كان للوضوء المستحب غايات عديدة (٤۳). و إذا اجتمعت الغايات الواجبة والمستحبة أيضا (٤٤) يجوز قصد الكل، ويثاب عليها، وقصد البعض دون البعض (٤٥) ولو كان ما قصده هو الغاية المندوبة، ويصح معه إتيان جميع الغايات (٤٦)، ولا يضرّ في ذلك كون الوضوء عملا واحدا لا يتصف بالوجوب والاستحباب معا. و مع وجود الغاية الواجبة لا يكون إلا واجبا، لأنّه على فرض صحته لا ينافي جواز قصد الأمر الندبي وإن كان متصفا بالوجوب، فالوجوب الوصفيّ لا ينافي الندب الغائيّ، لكن التحقيق صحة اتصافه فعلا بالوجوب والاستحباب من جهتين (٤۷).

أما اجتماع الغايات المتعددة الواجبة للوضوء فهو مما لا ريب فيه كمن‏ دخل بعد الظهر- مثلا- في المسجد الحرام، وأراد إتيان صلاة الظهرين وطواف الفريضة وصلاة الطواف. وأما أنّه مع قصد امتثال الجميع يثاب على الكل، فلوجود المقتضي- وهو قصد الامتثال بالنسبة إلى الكل- وفقد المانع، ولا فرق في قصد الجميع بين القصد التفصيلي والإجمالي عرضيا أو طوليا، كما إذا قصد الوضوء لصلاة الفريضة- مثلا- ثمَّ قصد بالوضوء لصلاة الفريضة إتيان طواف الفريضة وصلاته أيضا، فيحصل الامتثال بالنسبة إلى الجميع ويثاب مطلقا، لما دل على تحقق الامتثال والإثابة بإتيان المكلف به، هذا إذا قلنا بأنّ الثواب إنّما يترتب على قصد الأمر. وأما لو قلنا بترتبه ولو مع عدم قصده، فتترتب حينئذ الثوابات المتعددة على الوضوء الواحد، لفرض تعدد جهاته في الواقع، ولعلنا نتعرّض لهذه الجهة فيما يناسبها إن شاء اللَّه تعالى.

أما حصول الامتثال والإثابة على المقصود، فلما تقدم من وجود المقتضي وفقد المانع، فتشمله الأدلة. وأما الصحة والأداء بالنسبة إلى الجميع فلحصول الطهارة التي هي شرط لصحة الجميع وأدائه.

هذا- بناء على أنّ الامتثال والثواب في الأوامر الغيرية يدوران مدار قصد نفس الأمر الغيريّ من حيث هو. وأما بناء على أنّ امتثالها وثوابها من شؤون قصد أمر ذي المقدمة، وحين الإتيان به يثاب على المقدمة أيضا، لأنّ الأمر المقدميّ يتبع ذا المقدمة في تمام الجهات، فيصح الامتثال ويثاب بالنسبة إلى الجميع في هذه الصورة أيضا، وليس ذلك من فضل اللَّه تعالى ببعيد، بل هو المرجوّ منه والمأنوس من عاداته تعالى.

لعين ما تقدم في غايات الوضوء الواجبة، كما يفرض فيها الإجمال والتفصيل، والطولية والعرضية بنحو ما مرّ فيها بلا فرق بينها أصلا.

فائدة: لا ريب في تعدد أوامر الغايات عند اجتماعها، واجبة كانت أو مندوبة، لتعدد متعلقاتها، فلا يتوهم محذور اجتماع المثلين على فرض لزومه.

و الحق أنّ الطهارة عند وقوعها مقدمة لغايات متعددة تكون موردا لأوامر متعددة أيضا ولا محذور فيه، لأنّ التكاليف مطلقا، واجبة كانت أو مندوبة، نفسية كانت أو غيرية، اعتباريات عقلائية قررها الشارع. ولا موضوع لاجتماع المثلين في الاعتباريات أصلا، لأنّ موضوعه الأعراض الخارجية، كالسواد والبياض لا الاعتباريات، كما ثبت في محله.

إن قلت: بناء على ذلك يصح كونها موردا لأوامر متعددة أيضا ولا يلزم المحذور لتعدد الجهة.

قلت: تعدد الجهة تدفع المحذور إذا كانت تقييدية لا تعليلية، والمقام من الثاني دون الأول، كما هو واضح.

اجتماع الغايات الواجبة والمندوبة من ضروريات الفقه، بل من مرتكزات المتشرعة، بل جميع الناس كما إذا كان بعد دخول الوقت وأريد إتيان الفريضة وقضاء ما فات وإتيان النافلة، وقراءة القرآن ونحو ذلك، ولا يستنكر ذلك متعارف الناس.

نعم، أشكل عليه: بأنّه بعد فعلية الوجوب للطهارة يكون اتصافها بالاستحباب من اجتماع الضدين الباطل، لأنّ الوجوب ينافي الترخيص في الترك، والاستحباب يلائمه ولا ينافيه، فكيف يصح اجتماعهما في شي‏ء واحد.

و أجيب عنه بوجوه:

منها: أنّ اختلاف الجهة تدفع الغائلة، لأنّ حيثية كون الطهارة مقدمة للواجب غير حيثية كونها مقدمة للمندوب.

(و فيه): أنّه مسلّم إن كانت تقيدية، بمعنى أن تكون نفس الحيثية متعلقة الوجوب والندب. وأما إن كانت تعليلية بمعنى أن يعبر الحكم منها إلى ذات المقدمة، فلا أثر للاختلاف حينئذ، لكون معروض الوجوب والندب ذات المقدمة فيعود المحذور. الا أن يقال: إنّه كذلك بالدقة العقلية، وليست‏ الأحكام مبنية عليها. وأما بنظر العرف المبتني عليه الأحكام، فيعتبر التعدد في ظرف تعدد الجهة، وهذا المقدار يكفي في رفع المحذور.

و منها: أنّ الاختلاف في الوجوب والندب بحسب الكيفية، فيكون الوجوب وصفا لذات المقدمة فعلا، والندب غاية من غاياتها المترتبة عليها ولا تنافي بينهما، فيقصد المكلف بطهارته الوجوب الوصفيّ، والندب الغائيّ ولا محذور فيه.

و يرد عليه أولا: أنّه كما يمكن فرض الوجوب وصفا والندب غاية يمكن فرض العكس أيضا ولا تعين للأول، وثانيا: المشهور أنّ ذات المقدمة من حيث هي تتصف بحكم ذيها وجوبا أو ندبا، لا أنّه من الغايات المترتبة عليها، فيبقى المحذور بحاله. الا أن يقال: إنّه لا دليل على مقالة المشهور، وحيثية الوصفية وحيثية الغائية حيثيتان مختلفتان يعتبر العرف بها تعدد المقدمة تعددا اعتباريا، وهذا المقدار يكفي في رفع المحذور.

(و منها): أنّ الاجتماع ملاكيّ لا فعليّ خارجيّ. ولا تنافي بين الملاكين لكونهما من مجرد الاقتضاء فقط. (و فيه): أنّه خلاف الفرض، لأنّ الإشكال إنّما يرد على فرض لحاظ الوجوب والندب الفعليين.

(و منها): أنّ الندب إنّما ينافي الوجوب إذا لوحظ بحدّه الخاص الذي هو الترخيص في الترك. وأما إذا لوحظ ذات الطلب الموجود فيه من حيث هو مع قطع النظر عن حدّه الخاص، فلا تنافي بينه وبين الوجوب، كما أنّ الخمسة إنّما تباين العشرة إن لوحظت بقيد الخمسة، وأما إن لوحظت بذاتها فتلائم العشرة حينئذ، فكذا المقام.

و الظاهر أنّ الإيكال إلى مرتكزات عوام المتشرعة أولى من هذه التكلفات، إذ ربّ مبيّن عرفي يصير متشابها إذا أريد تطبيقه على المغالطات والمتشابهات، وقد جرت السيرة من المسلمين قديما وحديثا على التوضي لغايات مختلفة واجبة ومندوبة وضوءا واحدا، وأدل الدليل على إمكان الشي‏ء وقوعه خارجا ودعوى:

أنّهم يقصدون خصوص الغاية الواجبة. بلا شاهد، بل يعترفون بخلافه.

) أما جواز قصد الكل فلوجود المقتضي وفقد المانع. وأما الإثابة على الكل فيما إذا قصد الجميع، فلتحقق الامتثال الاختياري بالنسبة إلى الجميع، وأما صحة قصد البعض دون البعض، فللأصل وإطلاق الأدلة، وسيرة المتشرّعة في الجملة. وأما الإثابة على البعض، فلتحقق الامتثال بالنسبة إليه، وقد تقدم إمكان الإثابة على الكلّ مع قصد البعض أيضا، فراجع.

أما التعميم بالنسبة إلى ما لو كان المقصود الغاية المندوبة أيضا، فلوجود الأمر بالنسبة إليها فيصح قصده. وأما صحة إتيان جميع الغايات المشروطة بالطهارة، فلفرض حصول الطهارة التي هي شرط صحة تلك الغايات. ثمَّ إنّه يكفي في قصد الغايات القصد الإجمالي الارتكازي، فمن يلتفت إلى الغايات في الجملة ويعلم أنّه يباح بالوضوء جميع تلك الغايات وكان بانيا على إتيانها لو لم يمنعه مانع، تكون مقصودة ويثاب عليها.

إن كانت الجهتان تقييديتين فيصح ذلك، ولا إشكال فيه. وأما إذا كانتا تعليليتين، كما في المقام، فلا يدفع بهما محذور اجتماع الضدين في شي‏ء واحد. الا أن يقال: إنّ اعتبار التعدد عرفيّ وهو حاصل في المقام وقد تقدم بعض الكلام فراجع.

ثمَّ إنّه قد يستشكل بأنّ الاستحباب وملاكه لا اقتضائيّ بالنسبة إلى الوجوب الذي فيه الاقتضاء، ومع وجود ما فيه الاقتضاء لا موضوع لما لا اقتضاء فيه‏ أصلا، فلا مورد للبحث حتّى يبحث عن ثبوت الاستحباب فعلا أو ملاكا.

(و فيه): أنّه من مجرد الدعوى، لأنّ كل حكم من الأحكام التكليفية يكون فيه الاقتضاء الا أنّه يختلف شدة وضعفا، ولا يوجب ذلك أن يكون الضعيف مما لا اقتضاء فيه.

ثمَّ إنّ الإشكال من ناحية قصد الوجوب والندب مبنيّ على اعتبار قصد الوجه، ومقتضى الأصل والإطلاق عدم اعتباره، فلا يبقى موضوع للإشكال من هذه الجهة، وقد تقدم إمكان تصحيح قصدهما على فرض الاعتبار أيضا، ويأتي نظير المقام في [مسألة ۲۸ و۳۱] من (فصل شرائط الوضوء).

فرعان- (الأول): لو قصد الغايات المتعددة ولم يوفق لإتيانها يثاب على قصده لها، للمستفيضة الدالة على ترتب الثواب على قصد الحسنة‏(٤۲).

(الثاني): لو لم يعلم بأنّه يوفق لإتيان الغايات المتعددة يجوز قصدها رجاء، فيثاب حينئذ. نعم، لو علم بأنّه لا يوفق لإتيانها يشكل القصد حينئذ.

  1. المائدة ٥: آية: ٦.
  2. الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  3. الوسائل باب: ۸ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
  4. الوسائل باب: ۱ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  5. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الطواف حديث: ۱.
  6. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الطواف حديث: ۲.
  7. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الطواف حديث: ۱۱.
  8. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الطواف حديث: ٥.
  9. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب الطواف حديث: ۲.
  10. الوسائل باب: 4 من أبواب الوضوء حديث: ٥.
  11. الوسائل باب: ۳ من أبواب المواقيت( كتاب الصلاة).
  12. المتقدم في صفحة: ۲۷4.
  13. الوسائل باب: ۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  14. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب السعي حديث: ۱.
  15. الوسائل باب: ۱٥ من أبواب السعي حديث: ٦.
  16. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب الوضوء حديث: 4.
  17. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب الحيض حديث: ۱.
  18. الوسائل باب: ٦ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  19. الوسائل باب: ۱ من أبواب سجدتي الشكر حديث: ۱.
  20. الوسائل باب: 4۲ من أبواب قراءة القرآن حديث: ۲.
  21. الوسائل باب: ٥٥ من أبواب مقدمات النكاح حديث: ۱.
  22. لم نعثر على مصدر هذه الرواية الا أنّ صاحب الحدائق ذكرها في الحدائق ج: ۱ الطبعة الحجرية ص: ۱4۳.
  23. الوسائل باب: ۹ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  24. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  25. الوسائل باب: ۸ من أبواب الوضوء حديث: ۷.
  26. الوسائل باب: ۸ من أبواب الوضوء حديث: ۱۰.
  27. الوسائل باب: ۸ من أبواب الوضوء حديث: ۳.
  28. الوسائل باب: ۸ من أبواب الوضوء حديث: ۸.
  29. الوسائل باب: ۱4 من أبواب الوضوء.
  30. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الوضوء حديث: ۱.
  31. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الجنابة حديث: ٦.
  32. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الجنابة حديث: 4.
  33. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الجنابة حديث: ۷.
  34. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الوضوء حديث: ۲.
  35. الوسائل باب: ۳4 من أبواب غسل الميت حديث: ۱.
  36. راجع الوسائل باب: ۲ من أبواب غسل الميت حديث: ۳ و ۷ و ۱۰.
  37. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب الدفن حديث: ۱.
  38. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب الجنابة حديث: ۱.
  39. تقدم في صفحة: ۲۸۰.
  40. راجع الوسائل باب: ۱ و 4 و ۹ و ۱۰ من أبواب الوضوء و هناك أخبار كثيرة علق الحكم فيها على الطهارة.
  41. راجع الوسائل باب: ۱ من أبواب الوضوء حديث: ۲ و ٥ و غيرهما.
  42. راجع الوسائل باب: ٦ من أبواب مقدمة العبادات.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"