1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل في المياه‏
  12. /
  13. فصل الماء المستعمل فی الوضوء
(فصل) الماء المستعمل في الوضوء طاهر و مطهّر من الحدث و الخبث (۱)، و كذا المستعمل في الأغسال المندوبة (۲). و أما المستعمل‏ في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن، لا إشكال في طهارته (۳) و رفعه للخبث (٤). و الأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضا. و إن كان‏ الأحوط مع وجود غيره التجنب عنه (٥). و أما المستعمل في الاستنجاء- و لو من البول (٦) فمع الشروط الآتية طاهر (۷)، و يرفع الخبث أيضا (۸).لكن لا يجوز استعماله في رفع الحدث، و لا في الوضوء و الغسل المندوبين (۹). و أما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء، فلا يجوز استعماله في الوضوء و الغسل (۱۰). و في طهارته. و نجاسته، خلاف (۱۱). و الأقوى أنّ ماء الغسلة المزيلة للعين‏ نجس (۱۲). و في الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب (۱۳).

أما الأول، فبضرورة المذهب. و أما الثاني، فللأصل و الإجماع المحصل و المنقول، و العمومات، و الأخبار الخاصة كقول الصادق عليه السلام:

«و أما الماء الذي يتوضأ الرجل به، فيغسل به وجهه و يده في شي‏ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به»۱.

و سئل علي عليه السلام: «أ يتوضأ من فضل وضوء جماعة من المسلمين أحب إليك، أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال عليه السلام: لا، بل من فضل وضوء جماعة من المسلمين فإنّ أحبّ دينكم إلى اللّه الحنفية السمحة السهلة»۲.

و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الوضوء الرافع و غيره، و لا ما يستعمل في الغسل، أو المضمضة أو الاستنشاق بشرط صدق الماء، و لا بين الرجل و المرأة.

و نسب إلى الشهيد في الذكرى، و المفيد: استحباب التنزه، و لا دليل لهما على الاستحباب الشرعي: إلا أن يريدا مطلق الرجحان العرفي خصوصا بالنسبة إلى غير المبالي بالطهارة و النجاسة، و من لا يتجنب عن مطلق القذارة، فإنّ ذلك يوجب التنفر عن استعمال ما استعمله و لو في الوضوء.

للأصل، و إطلاق ما دل على أنّ الماء طاهر و مطهّر، و ظهور الإجماع، كما في الحدائق.

للأصل، و الإجماع بقسميه، و عمومات طهارة الماء. و يكفي في كونه رافعا للخبث، عمومات مطهرية الماء مضافا إلى دعوى الإجماع، كما عن غير واحد.

على الأشهر، بل المشهور بين المتأخرين، للأصل، و العمومات و الإطلاقات- من الكتاب و السنة- و لأنّه كان مورد الابتلاء في الجنابة و الحيض، و النفاس، و الاستحاضة، و غسل الميت، كما هو ظاهر تعبير الأصحاب في الحدث الأكبر، فلو وجب الاجتناب لشاع و بان في مثل هذا الأمر العام البلوى. و لصحيح ابن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام: «عن الرجل يصب الماء في ساقية أو مستنقع، أ يغتسل منه للجنابة، أو يتوضأ للصلاة إذا كان لا يجد غيره؟ .. إلى أن قال عليه السلام:- و إن كان في مكان واحد و هو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه فإنّ ذلك يجزيه»۳.

فإنّه ظاهر في جواز الاغتسال مما يرجع فيه.

إن قلت: يختص ذلك بحال الضرورة، كما يستفاد من الصحيح.

قلت أولا: بناء على المانعية، لا فرق بين الضرورة و غيرها. و ثانيا:

الظاهر أنّ المراد بقوله عليه السلام: «لا يكفيه لغسله ..» عدم الكفاية على ما هو المتعارف من الصب على الأعضاء، و ذهاب الغسالة هدرا، لا ما إذا اجتمعت الغسالة و اغتسل منها أيضا، فإنّ الصحيحة كالصريحة في كفاية الماء حينئذ، صدرا و ذيلا، فيكون قوله عليه السلام: «يجزيه» دليلا على جواز الاغتسال بغسالة غسل الجنابة.

و استدل أيضا بصحيح ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام:

الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره: أغتسل من مائه؟ قال: نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد اغتسلت فيه، و جئت فغسلت رجلي و ما غسلتهما إلا بما لزق بهما من التراب»٤.

و فيه: إنّ الاغتسال في الحمام و من مائه، أعم من أن يكون بغسالة غسل الجنابة، كما هو أوضح من أن يخفى. و قد استدل أيضا بأخبار أخرى ظاهرة الخدشة من شاء العثور عليها، فليراجع الحدائق و غيره من المطولات.

و نسب إلى جمع منهم الصدوقان و ابن حمزة و البراج (قدّس اللّه سرّهم:

المنع عن استعماله في رفع الحدث، لقاعدة الاشتغال.

و فيه: أنّها محكومة بالعمومات، مع أنّ الشك في أصل الشرطية، فالمرجع البراءة. و بجملة من الأخبار:

منها: خبر ابن سنان، عن الصادق عليه السلام: «لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل، فقال عليه السلام: الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه، و أما الذي يتوضأ الرجل به فيغسل به وجهه و يده في شي‏ء نظيف، فلا بأس أن يأخذ غيره و يتوضأ به»٥.

و نوقش فيه أولا: بضعف السند لأحمد بن هلال. و يمكن دفعه: بأنّ المناط الوثوق بالصدور. و قد ذكر شيخنا الأنصاري رحمه اللّه قرائن تدل عليه، و لذا اعتمد الوحيد البهبهاني رحمه اللّه عليه.

و ثانيا: أنّه منزل على الغالب من اشتمال بدن الجنب على النجاسة خصوصا بالنسبة إلى نوع الناس في الأزمنة القديمة. و يؤيد ذلك إطلاق قوله عليه السلام في صدر الحديث: «لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل».

فإنّه يدل على أنّ المستعمل من حيث إنّه مستعمل لا يكون مانعا عن رفع الحدث به. نعم، حيث إنّ الثوب و بدن الجنب يشتملان على النجاسة غالبا، لا يجوز أن يستعمل الماء المستعمل فيهما في رفع الحدث. و لذا قال في مصباح الفقيه:

«بل الإنصاف أنّي أجد هذه الرواية في حد ذاتها على خلاف مطلوبهم أدل».

و يظهر ذلك من صاحب الجواهر أيضا.

و ثالثا: أنّها موافقة للعامة مع إعراض كثير من المتأخرين، و جملة من القدماء عنها، كما في الجواهر.

و منها: صحيح ابن مسكان، قال: «حدثني، صاحب لي ثقة أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل و ليس معه إناء و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء، كيف يصنع؟ قال: ينضح بكف بين يديه، و كفا من خلفه، و كفا عن يمينه، و كفا عن شماله، ثمَّ يغتسل»٦.

و فيه أولا: أنّه إرشاد إلى الاهتمام بترك ما يوجب استقذار الناس من الماء في المحل الذي تشتد حاجتهم إليه، فلا ربط له بالمقام.

و ثانيا: أنّ ما تقدم من غلبة اشتمال بدن الجنب يمنع عن استفادة الإطلاق منه.

و ثالثا: بيان هذا الحكم العام البلوى بمثل هذه الإشعارات، ليس من شأن الإمام عليه السلام.

ثمَّ إنّ قوله عليه السلام: «ينضح بكف ..» يحتمل وجوها:

الأول: الاقتصار في الغسل على أقل ما يمكن، لأنّ الماء محل احتياج الناس، فيغتسل بأربعة أكف، و يقتصر بمثل التدهين، كف لقدام البدن، و كف لخلفه، و كف لليمين، و كف لليسار.

الثاني: رش الأرض لتجتمع أجزاؤها فلا ينحدر ما ينفصل من البدن إلى الماء. و لا يخفى أنه خلاف المحسوس.

الثالث: بلّ الجسد قبل الاغتسال، ليسهل الاغتسال، و يتعجل به قبل أن ينحدر ما ينفصل منه و يعود إلى الماء.

الرابع: بلّ الأرض ليسرع عود الماء إلى محله، و لا ينقص من الماء شيئا معتنى به، فيكون على خلاف مطلوبهم أدل.

و منها: الأخبار الدالة على النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام‏۷.

و فيه: مضافا إلى الاستقذار النوعي، أنّ الظاهر، بل المقطوع به نجاستها و في الجواهر: «مع تضمن كثير منها التعليل بغسالة اليهودي، و النصراني و المجوسي، و الناصب لنا أهل البيت- و هو شرّهم- و ولد الزنا، و الجنب عن الحرام. مع أنّ في بعضها، ضعفا، و لذلك قال في المنتهى: أنّه لم يصل إلينا غير حديثين ضعيفين .. إلى أن قال-: بل في بعضها إشعار بالكراهة، كما في خبر علي بن جعفر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام، فلا يلومنّ إلّا نفسه. فقلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ أهل المدينة يقولون: إنّ فيه شفاء من العين، فقال:

كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام، و الزاني، و الناصب- الذي هو شرهما، و كلّ من خلق اللّه- ثمَّ يكون فيه شفاء من العين!!» ۸.

و منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن ماء الحمام، فقال: ادخله بإزار، و لا تغتسل من ماء آخر إلا أن يكون فيهم (فيه)

جنب، أو يكثر أهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا»۹.

و فيه أولا: أنّ المراد من ماء الحمام إما ما في الحياض الكبار، أو ما في الصغار، أن الغسالة الجارية على أرض الحمام. و الأول لا ربط له بالمقام لأنّ المراد بالغسالة الماء القليل، و ما في الحياض الكبار أضعاف الكر. و الثاني أيضا كذلك، لاتصالها بالكبار، مع أنّه لم يعهد الاغتسال في الحياض الصغار، بل يغتسل حولها. و الثالث مما لا يقدم عليه ذو شعور أبدا، مع أنّه لو كان المراد ذلك لزم على الإمام عليه السلام الإرشاد إلى الاغتسال مما في الحياض، لا تقريره في الجملة.

و ثانيا: لم يقل أحد بحرمة الاغتسال أو كراهته في الحمام من ماء آخر فلا بد من صرف النهي عن ظاهره.

و ثالثا: لم يقل أحد بعدم الاغتسال من ماء الحمام فيما إذا كثر أهله، و لم يعلم أنّ فيه جنبا أم لا، كما يدل عليه ذيل الحديث.

و رابعا: يعارضه خبر الواسطي قال: «سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمام لا أعرف اليهودي من النصراني، و لا الجنب من غير الجنب، قال: تغتسل منه، و لا تغتسل من ماء آخر، فإنّه طهور»۱۰.

فلا بد من حمل الصحيحة على ما هو الغالب من اشتمال بدن الجنب على النجاسة بعد العلم بأصل وجوده في الجملة. و استعماله الماء الذي يستعمله غيره، و حمل خبر الواسطي على غير ذلك.

فتلخّص: أنّ ما استدل به على المنع، مخدوش. فالأصل و الإطلاق و العموم، محكم.

و يؤيد الجواز ما عن ابن عباس: «اغتسل بعض أزواج النبي صلّى اللّه عليه و آله في جفنة فأراد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يتوضأ منها، فقالت: يا رسول اللّه إنّي كنت جنبا. فقال: إنّ الماء لا يجنب»۱۱.

و يؤيده أيضا سهولة الشريعة المقدسة.

لأنّ الاحتياط هو المعلوم مما استدل به على المنع من أخبار الباب و خروجا عن خلاف من خالف من الأصحاب. و مع الانحصار، الأحوط الجمع بين التطهير به و التيمم. و يتعلق بذلك المسائل الآتية:

فروع:

الأول: لو اغترف من إناء و اغتسل في الخارج، لا يكون ماء الإناء من الغسالة.

الثاني: الظاهر شمول الحكم منعا و كراهة- لمطلق الحدث الأكبر و ذكر الجنابة في الأخبار من باب المثال، لتعبير الفقهاء بغسالة الحدث الأكبر، كما اعترف به في الجواهر. و قد تقدم في خبر ابن سنان قوله «و أشباهه» بناء على عطفه على الماء الذي يغتسل به من الجنابة. و يظهر من صاحب الحدائق رحمه اللّه التردد فيه.

الثالث: لو وقع الماء من عضو على عضو آخر، مثل الرأس و الجسد لا يكون من المستعمل، لكونه عبارة عما انفصل عن البدن، لا ما انتقل من محل إلى محل آخر.

الرابع: المراد من الغسل، الغسل الصحيح الذي يكون رافعا للحدث.

فلو اغتسل مع فقد شرط أو وجود مانع، فلا تشمله الأدلة.

الخامس: لو اجتمعت أحداث من الأكبر على المرأة، و اغتسلت غسلا واحدا لها، لا يبعد اشتداد الكراهة في استعمال هذه الغسالة، و تأكد المنع على القول به.

السادس: الظاهر كون الحكم من الوضعيات، فلا يدور مدار التكليف.

فلو اغتسل الصبيّ الجنب، يجري على غسالته الحكم، بناء على صحة غسله.

السابع: هل الحكم مترتب على تمام الغسل، فلو غسل رأسه- مثلا- ثمَّ مات قبل تمام الغسل، لا يجري فيه المنع أو الكراهة، أو يشمل البعض‏ أيضا؟ وجهان: المنساق من الأدلة هو الأول، و على هذا لو غسل رأسه في إناء، و طرفه الأيمن في إناء آخر و الأيسر في إناء ثالث، لا يجري عليها حكم الغسالة.

الثامن: لو استهلكت الغسالة في ماء آخر، فمقتضى استصحاب بقاء الحدث، عدم الاكتفاء به في رفعه. إلا أن يتمسك بإطلاق أدلة طهورية الماء بالنسبة إلى الماء المستهلك فيه.

التاسع: لا فرق فيما مر بين الغسل الترتيبي و الارتماسي. لو ارتمس جنبان في ماء قليل دفعة، لا يكون من المستعمل بالنسبة إليهما، بل يكون منه بالنسبة إلى غيرهما.

العاشر: لو اجتمع الماء المستعمل في الحدث الأكبر، و صار بقدر الكر، الظاهر بقاء الحكم، و هل يرتفع بالاتصال بالمعتصم مع عدم الاستهلاك؟

مقتضى الأصل عدمه، و يأتي بعض الفروع المتعلقة بالمقام في المتن.

الحادي عشر: غسل مستصحب الجنابة، كمتيقنها، و مقتضى الأصل عدم ترتب الحكم على الماء المستعمل في الغسل الاحتياطي، خصوصا الاستحبابي. و إن كان الأحوط ترتبه، خصوصا في الوجوبي.

الثاني عشر: لا فرق في الحكم المذكور بين المغتسل بنفسه، و بين غيره. فمن اغتسل في إناء و جمعت غسالته فيها، ثمَّ أجنب و أراد أن يغتسل ثانيا بما اجتمع من غسالة غسله الأول، يترتب عليه الحكم. نعم، في الغسل الواحد لو أخذ مما استعمله بغسل الرأس و الرقبة- مثلا- ثمَّ استعمل لغسل الطرف الأيمن، الظاهر عدم ترتب الحكم عليه.

الثالث عشر: لو اغتسل ثمَّ أجنب و كان على بدنه ماء من غسل جنابته الأولى، و أراد أن يغتسل بهذا الماء، ففي كونه من الماء المستعمل وجهان، و يأتي في [مسألة ۱۱] من فصل «غسل الجنابة مستحب نفسي» ما يتعلق بالمقام.

لإطلاق النص و الفتوى، مع ملازمة الغائط للبول غالبا. فتنزيل الأدلة على خصوص الأول تنزيل لها على الفرد النادر، مع أنّه يطلق الاستنجاء على غسل مخرج البول عند المتشرعة، بل و في الأخبار أيضا، ففي صحيح زرارة قال: «كان عليه السلام يستنجي من البول ثلاث مرات، و من الغائط بالمدر و الخرق»۱۲.

و في خبر نشيط عن الصادق عليه السلام قال: «سألته كم يجري من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: مثلا ما على الحشفة من البلل»۱۳.

و في موثق عمار، عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بالماء يبدأ بالمقعدة أو بالإحليل؟ فقال: يبدأ بالمقعدة ثمَّ بالإحليل»۱٤.

و يظهر منه المفروغية عن صدق الاستنجاء عليهما، فهو في اللغة و إن اختص بتطهير محل الغائط، لكن بحسب العرف أعم منه، و من تطهير مخرج البول، و الأخبار منزلة عليه.

إجماعا، تحصيلا و منقولا، نصا و ظاهرا، على لسان جملة من علمائنا. و نصوصا معتبرة مستفيضة، منها خبر محمد بن النعمان، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أخرج منه الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال: لا بأس به»۱٥.

و منها: خبر الأحول عنه عليه السلام أيضا: «الرجل يستنجي فيقع ثوبه‏ في الماء الذي استنجى به؟ فقال: لا بأس به، فسكت. فقال: أو تدري لم صار لا بأس به؟ قال: قلت: لا و اللّه جعلت فداك، فقال: إنّ الماء أكثر من القذر»۱٦.

و منها: خبر الهاشمي عنه عليه السلام أيضا: «عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به، أ ينجس ذلك ثوبه؟ قال: لا»۱۷.

و منها: مصحح ابن نعمان عنه عليه السلام أيضا قال: «قلت له:

أستنجي ثمَّ يقع ثوبي فيه و أنا جنب؟ فقال: لا بأس به»۱۸.

و المنساق من مثل هذه الأخبار عند العرف و المتشرعة الطهارة، و لم يصل إلينا مما دل على طهارة الأشياء إلا بمثل هذه التعبيرات، فلا وجه لاحتمال: أنّ مفادها العفو عنه، و هو أعم من الطهارة، كما لا وجه لاحتمال النجاسة، و طهارة الملاقي، لأنّ كلّ ذلك خلاف المنساق منها. و كذا لا وجه للإشكال على الإجماعات بخلو كلمات القدماء عن التصريح بالطهارة، للنقض بخلوها عن التصريح بالعفو أيضا، مع أنّ الغالب في كلماتهم الشريفة التعبير بما في النصوص، و فيها كفاية على فرض صحة احتمال إرادة العفو في عبارة بعض القدماء و بها تخصص ما دل على انفعال القليل و قاعدة: أنّ كلّ نجس منجس.

لأنّه مقتضى طهارته، فتشمله الإطلاقات و العمومات الدالة على مطهّرية الماء. نعم، بناء على عدم الطهارة، و مجرد العفو عنه، لا وجه لكونه مطهّرا. و لكنّه ممنوع، كما تقدم.

كلّ ذلك لظهور الإجماع- الذي حكاه جمع- و لتنفر الطباع و إطلاق ما تقدم من قول الصادق عليه السلام- في خبر ابن سنان: «الماء الذي يغسل به‏ الثوب أو يغتسل به من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه»۱۹.

بناء على أنّ ذكر غسل الثوب من باب المثال، و عن صاحب الحدائق و المستند و غيرهما رحمهم اللّه: جواز رفع الحدث به أيضا للعموم و الإطلاق، و المناقشة في الخبر و الإجماع، فراجع.

فروع:

الأول: هل يكون عدم جواز استعماله في رفع الحدث من الشروط العلمية، فلو توضأ به جهلا أو نسيانا يصح، أو يكون شرطا واقعيا؟ يظهر منهم الثاني، و ظاهرهم الإجماع عليه.

الثاني: لا فرق في ماء الاستنجاء بين الرجل و المرأة و الخنثى، و الكبير و الصغير، و النظيف و القذر، و لا يبعد دعوى الانصراف عمن لا يبالي بالنجاسة مطلقا. كما لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كان بمباشرة منه أو بالآلة، أو بيد الزوجة أو الأمة.

الثالث: لو أزال العين عن المحل بغير الماء، ثمَّ استنجى بالماء، فالظاهر شمول الحكم له.

لخبر ابن سنان المتقدم، و الإجماع المدعى عن المعتبر و المنتهي.

نسبت الطهارة إلى جماعة من المتقدمين، و النجاسة إلى أكثر المتأخرين، و هما عمدة الأقوال، و هناك أقوال أخر أنهاها في الجواهر إلى عشرة، و قد صارت من الأقوال النادرة فيما قارب هذه الأعصار، فلا وجه للتعرض لها.

ثمَّ إنّ البحث في المقام بعد الفراغ عن انفعال القليل مطلقا. و إلا فلا وجه للنجاسة، كما أنّه في صورة عدم التغيير، و إلا فلا خلاف.

أدلة القول بالطهارة و المناقشة فيها:

استدل على الطهارة، بعد الأصل الذي يكفي للطهارة ما لم تثبت النجاسة، بأمور:

الأول: أنّ أدلة انفعال الماء القليل لا تشمل المستعمل في غسل الأخباث.

و فيه: أنّه خلاف إطلاقها و عمومها. مع أنّه خلف الفرض، لما تقدم أنّ هذا البحث بعد الفراغ عن انفعاله مطلقا.

الثاني: أنّ المؤثر في طهارة الشي‏ء لا يتأثر عن نجاسته، لأنّ المتنجس لا يكون مطهّرا، بل قد يدعى استحالة ذلك عقلا.

و فيه: أنّه لا استحالة من عقل أو نقل في أن يتحمل الطاهر النجاسة و القذارة عن المحل، فينفعل الحامل و يطهر المحمول عنه، و في شهادة العرف بذلك غنى و كفاية، و يأتي في [مسألة ۲]، من «فصل المطهّرات» ما ينفع المقام.

الثالث: جملة من الأخبار:

منها: أخبار طهارة ماء الاستنجاء المتقدمة، خصوصا المشتمل على قوله عليه السلام: «أو تدري لم صار لا بأس به؟ قلت: لا و اللّه. قال عليه السلام:

لأنّ الماء أكثر من القذر»۲۰.

فيدل على أنّه كلما كان الماء فيه أكثر من القذر، يكون طاهرا.

و فيه: ما تقدم من أنّ مقتضى القاعدة: انفعال القليل إلا ما خرج بالدليل، و ماء الاستنجاء خرج عنها نصا و إجماعا، و بقي الباقي. و جريان العلة في غيره يحتاج إلى دليل على التعميم للغير، و هو مفقود، مع أنّ كونها من العلة الحقيقية- حتّى تجري في غير المورد- أول الدعوى، و يكفي الشك فيها في عدم الجريان في غير موردها.

و منها: مثل خبر الواسطي، عن أبي الحسن عليه السلام: «سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب؟ قال: لا بأس»۲۱.

و فيه: أنّه فيما إذا شك في ملاقاة النجاسة: و إلا فمع العلم بملاقاتها، فلا خلاف في النجاسة ممن قال بنجاسة القليل بالملاقاة، كما صرح به في الحدائق. مع أنّه معارض بقول أبي الحسن عليه السلام: «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت و هو شرّهم»۲۲، و نحوه غيره.

و منها: ما يأتي في [مسألة ٤] من فصل «المطهّرات» من كفاية الصب على بول الصبيّ مرة: و لو كانت متنجسة، لوجبت إزالتها بالمرة.

و فيه: أنّه في مورد خاص لدليل مخصوص. مع أنّ كونه مما نحن فيه، مشكل بل ممنوع، لأنّ مصطلحهم فيها ما انفصل عن المحلّ، لا ما بقي فيه.

و مثله: ما ورد من أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله بتطهير المسجد من بول الأعرابي «بصب ذنوب من الماء عليه»۲۳مع أنّه مجمل في نفسه.

و منها: صحيح ابن مسلم في غسل الثوب: «اغسله في المركن مرتين و إن غسلته في ماء جار فمرة واحدة»۲٤.

فإنّه لو قلنا بنجاسة الغسالة ينجس المركن لا محالة، فلا يكفي الغسل مرّتين.

و فيه: أنّه إن كان غسل الثوب بوضعه فيه، فيطهر المركن بالتبع أيضا، كطهارة يد الغاسل و نحوها. و إن كان بأخذ الثوب خارج المركن، و جعل المركن مصب الماء فقط، فلا ربط له بالمقام.

الرابع: لزوم العسر و الحرج من نجاستها، فتنتفي النجاسة بأدلة نفي العسر و الحرج.

و فيه أولا: أنّه لا حرج في البين، كما نراه بالوجدان.

و ثانيا: أنّه يعتبر في تطبيق دليل نفي الحرج على المورد، الحرج الشخصي و أما إذا كان الحرج في نفس تشريع الحكم الكليّ، فلا ربط لدليل نفي الحرج به، فإنّه متكفّل لتحديد ما بعد التشريع. و أما أصل تشريع الحكم الكليّ، فتحديده بحدود و قيود، لا بد و أن يكون بطريق الوحي و الإلهام سواء كان فيه الحرج بحسب عقولنا، أم لا.

ثمَّ إنّه قد ذكر في الجواهر لتأييد الطهارة وجوها ظاهرة الخدشة ربما تبلغ مع ذكرنا منها خمسة عشر، من شاء فليراجعها.

و ملخّص الكلام أنّهم قد ذكروا قواعد ثلاث في المقام لطهارة الغسالة و كلّها مخدوشة.

الأولى: أنّ المطهر لا بد و أن يكون طاهرا في نفسه و لا ريب فيها بل هي من ضروريات المذهب في الجملة.

و فيه: أنّها مسلمة من غير جهة التطهير به و إلا فلا مانع لأن يكون التطهير موجبا لتنجس المطهر و تحمله النجاسة من المحل و هو الموافق لمرتكزات المتشرعة إجمالا فلا وجه للاستدلال بهذه القاعدة للطهارة.

الثانية: أنّ المطهّر لا بد و أن يبقى على طهارته إلى حصول الطهارة في المحل.

و فيه: أنّه لا دليل على ذلك من نص أو إجماع أو اعتبار عرفي.

الثالثة: أنّ المتنجس منجس فلا يكون مطهّرا.

و فيه: أنّ الجزء الأول من هذه الجملة يأتي البحث عنه في [مسألة ۱۱] من فصل «كيفية تنجيس المتنجسات» و أما الجزء الأخير فهو عين القاعدة الأولى و تقدم تسليمها بالنسبة إلى غير جهة التطهير به.

أدلة القول بنجاسة الغسالة:

استدل عليها بأمور:

الأول: الإجماع، و لا يخفى وهنه بذهاب الطبقة الأولى إلى الطهارة، كما حكاه في الجواهر عن اللوامع، و قال في الجواهر: «لا يقال إنّ النجاسة مؤيدة بفتوى المشهور، و هي أرجح من جميع ما ذكر من المؤيدات، لأنا نقول لم‏ تثبت شهرة على الإطلاق، بل هي بين المتأخرين، بل قد عرفت أنّ المنقول من أكثر المتقدمين خلافه».

الثاني: أنّ المغروس في الأذهان هو الانفعال، تشبيها لها بغسالة القذارات الصورية، مع أنّها الموافقة للاحتياط:

و فيه: أنّ ما يكون مورد أنظار العلماء و اختلافهم و تصادم الأدلة، لا وجه لجعل المغروس دليلا فيه، و الاحتياط قد يكون في الطهارة كما لا يخفى. نعم، لا بأس بجعل ذلك كلّه من المؤيدات.

الثالث: جميع ما تقدم من الأدلة الدالة۲٥- بعمومها الأحوالي- على انفعال الماء القليل مطلقا، التي منها مفهوم قوله عليه السلام: «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجّسه شي‏ء»۲٦ الدال على انفعال القليل بمطلق النجاسة.

و أشكل على المفهوم تارة: بعدم العموم الأفرادي و الأحوالي و بدون ذلك لا يتم الاستدلال، إلا فيما هو المعلوم المسلّم بين الكل.

و فيه: أنّ المتفاهم العرفي المحاوري، يدل على ثبوت العمومين فيه في المقام، و هو المحكم في ذلك خصوصا بضميمة سائر ما يستفاد منها انفعال القليل، و الإجماع على عدم الفرق بين النجاسات و المتنجسات.

إن قلت: الماء القليل حين الاتصال بالمتنجس يتنجس، لأجل الاتصال به. و بعد الانفصال، إن صار المحل طاهرا مع بقاء الماء على النجاسة، فطهارة المحل حصلت بلا علة و إن انعكس فتكون طهارة الماء كذلك، و إن بقيا على النجاسة، فهو خلاف الأدلة الدالة على حصول طهارة المحل بالغسل مرة أو مرتين، و إن بقي الماء على طهارته و صار المحل طاهرا أيضا، فيدل على القول بطهارة الغسالة دون نجاستها.

قلت: كيفية التطهير موكولة إلى الأنظار العرفية، و مقتضى أنظارهم هو خصوص القسم الأول، فيصير الماء حاملا لنجاسة المحل، فتكون طهارته‏ مستندة إلى الماء، و لا يكون بلا علة و تكون نجاسة الماء لحمله نجاسة المحل، كما يكون الأمر كذلك في جميع دفع القذارات الصورية، و يأتي في [مسألة ۲]، من فصل «المطهّرات» بعض الكلام فيه.

إن قلت: نعم، و لكن مطلقات انفعال القليل منصرفة، فلا تشمل الغسلة الثانية مما يعتبر فيه التعدد، و لا الأولى مما لا يعتبر فيه. و يشهد لذلك خلو الأخبار، و كلام أكثر القدماء عن التعرض للغسالة مستقلة مع عموم البلوى بها.

قلت: إنّ الانصراف بدوي، و عدم التعرض لأجل الإيكال إلى مرتكزات المتشرعة، بل العرفية من استقذارهم الغسالة مهما أمكنهم ذلك، و لأجل عدم إثارة الوسواس بين الناس فيما هو أهم الأمور الابتلائية بينهم مع أنّ أدلة انفعال القليل تكفي للتعرض و ما استدل به على طهارة الغسالة لا تصلح لتخصيص تلك الأدلة، كما خصصت بغسالة الاستنجاء، لظهور الخدشة فيها.

الرابع: خبر عيص بن القاسم: «سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء. فقال عليه السلام: إن كان من بول أو قذر، فيغسل ما أصابه، و إن كان من وضوء الصلاة فلا بأس»۲۷.

و موثق عمار: «في الكوز و الإناء يكون قذرا، كيف يغسل و كم مرة يغسل؟

قال: يغسل ثلاث مرات، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه، ثمَّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثمَّ يفرغ ذلك الماء، ثمَّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثمَّ يفرغ منه و قد طهر»۲۸.

و قريب منهما جميع ما يدل على التعدد في الإناء، و العصر۲۹ في غيرها، فإنّه لو لا نجاسة الغسالة، لما كان وجه لجميع ذلك كلّه.

و يرد عليه: أما خبر العيص فلأنّ الطشت الذي فيه البول و القذر، لا ينفك‏ عن النجاسة، فوجب الاجتناب عما فيه لذلك. و أما موثق عمار فلأنّه لا يتحقق تعدد الغسل المعتبر في الظروف إلا بذلك، و كذلك سائر ما يدل على التعدد فيها، و هكذا ما دل على العصر في الثياب و نحوها، فإنّ العصر و الدّلك فيها، إنّما هو لإخراج عين النجاسة عنها، أو تحقق عنوان الغسل عرفا، أو لإخراج الغسالة و ذلك كلّه أعم من نجاسة الغسالة المنفصلة.

و لباب الكلام: أنّ الدليل على النجاسة، إطلاق أدلة انفعال الماء القليل بملاقاة النجس من غير ما يصلح للتقييد.

فإنّها المتيقن من الإجماع على فرض التمامية. و المنصرف إليه من أدلة انفعال القليل بملاقاة النجس.

لأصالة الطهارة بعد الشك في شمول أدلة انفعال القليل بملاقاة النجس- التي هي عمدة دليل نجاسة الغسالة- للغسلة الغير المزيلة.

إن قلت: قد تقدم في أدلة انفعال القليل بعض الأخبار الظاهر۳۰ في انفعاله بملاقاة المتنجس أيضا.

قلت: ظاهر تلك الأخبار، اختصاصها بموردها، و تعميم الحكم لغير المورد إنّما كان بالإجماع، و لا إجماع في المقام بالنسبة إلى الغسلة غير المزيلة، بل ظاهر جعل الفقهاء (قدس اللّه أسرارهم) غسالة الأخباث في مقابل غسالة الاستنجاء. و القول بالطهارة في الأخيرة دون الأولى، هو أنّ المناط خصوص الغسلة المزيلة دون غيرها، لأنّ مورد غسالة الاستنجاء خصوص المزيلة فقط، فيكون مقابلها كذلك أيضا. و حينئذ فيشك في ثبوت الإطلاق الأحوالي لأدلة انفعال القليل، خصوصا في مقابل ما أصر عليه صاحب الجواهر رحمه اللّه من القول بطهارة الغسالة مطلقا- حتّى المزيلة- و أقام عليها قرائن كثيرة عديدة، فإن مجموعها يصلح للخدشة في الإطلاق الأحوالي بالنسبة إلى الغسلة غير المزيلة، فتجري حينئذ أصالة الطهارة بلا مانع، سواء حصلت إزالة عين النجاسة بالماء، أو بشي‏ء آخر، مائعا كان أو جامدا.

تنبيه: يمكن الجمع بين بعض الكلمات، بأنّ من قال بالطهارة أي العفو عنها، لا صحة استعمالها في رفع الحدث أو الخبث. و من قال بالنجاسة أي عدم صحة استعمالها فيها فراجع و تأمل، و قد صرح صاحب الجواهر- المصر على الطهارة- بعدم جواز استعمالها فيها.

ثمَّ إنّ الكلام في أنّ حكم الغسالة بناء على النجاسة، هل هو حكم النجاسة التي انفعلت بها أو لا؟ يأتي في [مسألة ۱٤]، فراجع.

مسألة ۱: لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل، و لو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر (۱٤).

لعدم كونها من الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر عرفا، بل تكون منفصلة عن البدن حين الاستعمال، لا أن تكون منفصلة عنه بعد استعمالها، و يكفي الشك في الاستعمال في عدم ترتب حكمه عليه، مضافا إلى مثل صحيح الفضيل عن الصادق عليه السلام: «في الرجل الجنب يغتسل فيتنضح من الماء في الإناء. فقال عليه السلام: لا بأس‏ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏»۳۱.

و قد تقدمت في أول الفصل فروع تتعلق بالمستعمل في رفع الحدث، فراجع.

مسألة ۲: يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور: (الأول) عدم تغيره في أحد الأوصاف الثلاثة (۱٥).(الثاني) عدم وصول نجاسة إليه من الخراج (۱٦). (الثالث) عدم التعدي الفاحش (۱۷) على وجه لا يصدق معه الاستنجاء. (الرابع) أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى مثل الدم (۱۸). نعم، الدم الذي يعد جزء من البول أو الغائط لا بأس به (۱۹). (الخامس) أن لا يكون فيه أجزاء من الغائط بحيث يتميز (۲۰) أما إن كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء، أو شي‏ء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به (۲۱).

لأنّ التغيير يوجب نجاسة المعتصم فكيف بالقليل، مضافا إلى دعوى الإجماع عن جمع، و يشهد له التعليل في خبر الأحول‏۳۲: «من أنّ الماء أكثر من‏ القذر» و احتمال الإطلاق في الأدلة حتّى يشمل صورة التغيير أيضا، بعيد جدا عن أذهان المتشرعة، بل المتعارف من الناس مطلقا.

لأنّ المتفاهم من الأدلة، و المتيقن من إجماع علماء الملة.

لأنّ مفاد الأدلة طهارة غسالة الاستنجاء، و مع عدم صدقه يكون المرجع إطلاق أدلة انفعال القليل لا محالة، بل يظهر من بعض الأخبار أنّ في الأزمنة القديمة لا يحصل التعدي أصلا، فكيف بما إذا كان فاحشا فعن الصادق عليه السلام: «كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار، لأنّهم كانوا يأكلون البسر و كانوا يبعرون بعرا، فأكل رجل من الأنصار الدباء فلان بطنه ..» ۳۳.

ثمَّ لا يخفى الفرق بين الرجل و المرأة في مخرج البول، فالمرأة تكون أكثر تلوثا من الرجل، فالمناط فيها على الخروج عن متعارف النساء و المعتاد فيهنّ.

لأنّ أدلة طهارة ماء الاستنجاء منزلة على المتعارف و مقتضاه عدم خروج نجاسة أخرى و الا فالمرجع أدلة الانفعال حينئذ.

إن كان مستهلكا عرفا فيشمله إطلاقات الأدلة المتقدمة و الا ففيه إشكال بل منع، فالمرجع إطلاق أدلة الانفعال حينئذ.

لأنّ مورد أدلة طهارة ماء الاستنجاء هو خصوص الماء الملاقي للمحل‏ دون الماء الموجود فيه عين النجس فعلا، فالمرجع فيه حينئذ عموم أدلة الانفعال سواء كان المخصص مبينا كما استظهرناه أم مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر، لأنّه مع إجماله كذلك و كونه منفصلا يرجع إلى العام في المقام.

للإطلاق الشامل له.

مسألة ۳: لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد (۲۲) و إن كان أحوط.

لأنّ مقتضى الإطلاقات المتقدمة عدم الفرق بين سبق الماء على اليد أو العكس أو التقارن.

مسألة ٤: إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء، ثمَّ أعرض ثمَّ عاد لا بأس (۲۳)، إلا إذا عاد بعد مدة ينتفي معها صدق التنجس بالاستنجاء، فينتفي حينئذ حكمه.

لصدق الاستنجاء عرفا، فيشمله الإطلاق و العموم. و عن صاحب الجواهر و شيخنا الأنصاري رحمهما اللّه: استظهار النجاسة فيما إذا أعرض ثمَّ عاد، لعد نجاسة المحل حينئذ من النجاسة الأجنبية.

و فيه: أنّه خلاف العرف، و إطلاق الأدلة، و استصحاب بقاء الحالة.

نعم، إن كان الإعراض بخلاف المتعارف بحيث لم يعد الثاني من متممات الأول، صح ما استظهراه، و هو المراد من قول الماتن رحمه اللّه «الا إذا أعاد بعد مدة» و لعلّ ذلك مراد الفقيهين رحمهما اللّه أيضا.

مسألة ٥: لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الأولى و الثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد (۲٤).

للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

مسألة ٦: إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي (۲٥)، و مع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غسالته.

لصدق محل النجس حينئذ عليه. فتشمله الأدلة. و أما مع عدم الاعتياد فلا ريب في صدق ملاقاة القليل للنجس، و شمول أدلته له، و يكفي الشك في شمول دليل طهارة ماء الاستنجاء له في عدم الشمول لما تقدم.

ثمَّ إنّ المراد بقوله رحمة اللّه عليه «وجوب الاحتياط من غسالته» أي:

الاجتناب كما تقدم منه رحمة اللّه عليه.

مسألة ۷: إذا شك في ماء أنّه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات يحكم عليه بالطهارة (۲٦)، و إن كان الأحوط الاجتناب.

لاستصحاب الطهارة و قاعدتها، و قد تقدم في [مسألة ۲] من فصل الماء الجاري، و [مسألة ۷] من الراكد ما ينفع المقام، فراجع.

فروع:

الأول: لو استنجى مرة و بقيت النجاسة في المحل، ثمَّ تطهّر مرة أخرى، ففي طهارة غسالة الثانية، إشكال، لصدق أنّه غسل نجاسة خارجية أخرى، و زوال عنوان الاستنجاء بالغسلة الأولى.

الثاني: لو يبست العذرة على المحل، فأزيلت بالدلك و نحوه ثمَّ تطهر، ففي طهارة الغسالة إشكال، لزوال عنوان الاستنجاء بعد الدلك.

الثالث: لو خرجت المقعدة (الشرج) متلطخة بالعذرة، فعادت إلى الداخل فإن لم يظهر في الظاهر شي‏ء فلا يجب التطهير، و إن ظهر و تطهر، ففي طهارة غسالته إشكال، للشك في صدق الاستنجاء بالنسبة إليه.

الرابع: لو استنجى شخص الصبي غير المميز، يشكل الحكم بطهارة غسالته، لاحتمال ظهور الأدلة في الاستنجاء المباشري.

مسألة ۸: إذا اغتسل في الكر- كخزانة الحمام أو استنجى‏ فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر (۲۷)، أو غسالة الاستنجاء أو الخبث.

لظهور الإجماع، و الأخبار، و السيرة القطعية في اختصاص الغسالة المبحوثة عنها في الفقه بالقليل، دون المعتصم، و في صحيح صفوان قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الحياض التي ما بين مكة و المدينة تردها السباع، و تلغ فيها الكلاب، و تشرب منها الحمير، و يغتسل فيها الجنب و يتوضأ منها، قال: و كم قدر الماء؟ قال: إلى نصف الساق، و إلى الركبة، فقال:

توضأ منه» ۳٤.

و أما صحيح ابن بزيع قال: «كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء، و يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول، أو يغتسل فيه الجنب، ما حده الذي لا يجوز؟ فكتب لا توضأ من مثل هذا إلا من ضرورة إليه»۳٥.

فيمكن حمله على الكراهة، لظهور الإجماع على عدم الفرق في عدم الجواز بين الضرورة و غيرها.

مسألة ۹: إذا شك في وصول نجاسة من الخارج، أو مع الغائط يبني على العدم (۲۸).

للأصل، ثمَّ إنّ المسألة العاشرة مكررة مع الثامنة المتقدمة، فراجع.

مسألة ۱۰: سلب الطهارة أو الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، أو الخبث، استنجاء أو غيره، إنّما يجري في الماء القليل، دون الكر فما زاد، كخزانة الحمام و نحوها.
مسألة ۱۱: المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر فلو أخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة (۲۹). و كذا ما يبقى في الإناء بعد إهراق ماء غسالته.

لأنّ الغسالة عبارة: عما الفصل عن المحل، دون ما بقي فيه بعد خروج المتعارف، فإنّه يطهر بالتبع، لإطلاق الأدلة و الإجماع، و السيرة القطعية.

مسألة ۱۲: تطهر اليد تبعا بعد التطهير، فلا حاجة إلى غسلها. و كذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب و نحوه (۳۰).

يأتي البحث عنها في المطهرات، إن شاء اللّه تعالى.

مسألة ۱۳: لو أجرى الماء على المحلّ النجس زائدا على مقدار يكفي في طهارته (۳۱)، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر (۳۲) و إن عد تمامه غسلة واحدة و لو كان بمقدار ساعة و لكن مراعاة الاحتياط أولى.

بأن كان مما لا يعتبر فيه التعدد، و كفى صرف وجود وصول الماء إليه.

لاستصحاب الطهارة و قاعدتها، فيكون ماء طاهرا لاقى محلا طاهرا، فلا وجه لنجاسته. و أما وجه الاحتياط فلاحتمال عدّ الجميع غسلا واحدا عرفا، فيكون حينئذ من الغسالة، و لكنه خلاف فرض كفاية صرف الوجود في الطهارة.

مسألة ۱٤: غسالة ما يحتاج إلى تعدد الغسل، كالبول- مثلا- إذا لاقت شيئا، لا يعتبر فيه التعدد (۳۳)، و إن كان أحوط.

لأنّ التعدد يختص بخصوص النجس الذي ورد دليل التعدد فيه، و لا ريب أنّ الغسالة متنجسة به، لا أن تكون عينه، فلا يشملها دليل ذلك النجس، فيكون المرجع حينئذ إطلاقات مطهرية الماء و عموماتها.

مسألة ۱٥: غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها (۳٤).

لرجحان الاحتياط شرعا، ما لم يوجب الحرج و الوسواس، و اللّه تعالى هو العالم بالحقائق.

  1. الوسائل باب: ۸ من أبواب الماء المضاف حديث: ۲.
  2. الوسائل باب: ۸ من أبواب الماء المضاف حديث: ۳. و الركو: زق يتخذ للخمر و الخل و المخمرة: أي المغطى.
  3. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الماء المضاف حديث: ۱.
  4. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المضاف حديث: ۳.
  5. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المضاف حديث: ۱۳.
  6. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب الماء المضاف حديث: ۲.
  7. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الماء المضاف.
  8. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الماء المضاف حديث: ۲.
  9. الوسائل باب: ۷ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
  10. الوسائل باب: ۷ من أبواب الماء المطلق حديث: ٦.
  11. مستدرك الوسائل باب: ۷ من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: ۲.
  12. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ٦.
  13. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ٥.
  14. الوسائل باب: ۱٤ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ۱.
  15. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الماء المضاف حديث: ۱.
  16. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الماء المضاف حديث: ۲.
  17. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الماء المضاف حديث: ٥.
  18. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الماء المضاف حديث: ٤.
  19. تقدم في صفحة ۲٤۸.
  20. تقدم في صفحة: ۲٥٥.
  21. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المضاف حديث: ۹.
  22. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الماء المضاف حديث: ۱.
  23. مستدرك الوسائل باب: ٥۲ من أبواب النجاسات حديث: ٤ و في صحيح البخاري ج ۱ باب يهرق الماء على البول من كتاب الوضوء.
  24. الوسائل باب: ۲ من أبواب النجاسات.
  25. تقدم في صفحة: ۱٦۹.
  26. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱.
  27. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المضاف حديث: ۱٤ و لم يذكرها بتمامها و لكن أوردها الشيخ في الخلاف في‏[ مسألة ۱۳٥].
  28. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  29. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب النجاسات و باب: ۳ منها حديث: ۳.
  30. تقدم في صفحة ۱٦۷.
  31. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المضاف حديث: ٥.
  32. تقدم في صفحة: ۲٥٥.
  33. الوسائل باب: ۳٤ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ٥.
  34. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱۲.
  35. الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المطلق حديث: ۱٥.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"