1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل في المطهّرات
وهي أمور: «أحدها» الماء وهو عمدتها(۱)، لأنّ سائر المطهّرات مخصوصة بأشياء خاصة بخلافه، فإنّه مطهّر لكلّ متنجس(۲) حتّى الماء المضاف بالاستهلاك (۳)، بل يطهّر بعض الأعيان النجسة، كميّت الإنسان، فإنّه يطهر بتمام غسله (٤). و يشترط في التطهير به أمور: بعضها شرط في كلّ من القليل والكثير، وبعضها مختص بالتطهير القليل. أما الأول: «فمنها»: زوال العين (٥) والأثر، بمعنى الأجزاء الصغار منها، لا بمعنى اللون والطعم ونحوهما (٦). و «منها»: عدم تغير الماء في أثناء الاستعمال(۷). و «منها»: طهارة الماء، ولو في ظاهر الشرع (۸). و «منها»: إطلاقه (۹)، بمعنى عدم خروجه عن الإطلاق في أثناء الاستعمال. و أما الثاني: فالتعدد في بعض المتنجسات- كالمتنجس بالبول، وكالظروف- والتعفير- كما في المتنجس بولوغ الكلب- والعصر في مثل الثياب والفرش ونحوها مما يقبله. والورود (۱۰): أي ورود الماء على المتنجس، دون العكس، على الأحوط.

لقوله تعالى‏ وأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً(۱). وفي الصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسّع اللَّه عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض، وجعل لكم الماء طهورا- الحديث»(۲).

فمن أجلّ نعمه تعالى وأفضلها أن جعل لنا الماء طهورا. وما ورد في صدر الصحيح، لم يعلم أنّه كان نحو تعذيب بالنسبة إليهم جزاء لأعمالهم السيئة، أو أنّه كان حكما أوّليّا إلهيّا؟ يظهر من صدر الحديث، وما ورد عن عليّ بن إبراهيم: «و إذا أصاب أحدهم شيئا من بدنه البول قطعوه»(۳) الثاني.

‏ ولكنه لا ينفي مطهّرية الماء بالنسبة إليهم لسائر النجاسات. ثمَّ إنّ البحث عن دلالة الآية والروايات مما لا ينبغي بعد كون الحكم من الضروريات.

إجماعا ونصوصا كثيرة في الأبواب المتفرقة:

منها: قوله عليه السلام في المعتبر: «كل شي‏ء يراه ماء المطر فقد طهر»(٤)، مع القول بعدم الفصل بين المطر وغيره.

و قول عليّ عليه السلام: «الماء يطهّر ولا يطهّر»(٥).

أي يطهّر كلّ شي‏ء، لأنّه ورد في مقام التسهيل والامتنان. مضافا إلى القرينة الارتكازية الضرورية المحفوفة به، ولا ينافي ذلك دعوى إجمال قوله عليه السلام: «و لا يطهر»، إذ لا وجه لسراية إجماله إلى ما هو مبيّن عرفا- على فرض صحة الدعوى- مع أنّه لا وجه للإجمال، لأنّ معناه أنّه لا يطهر بغير الماء أو لا يطهر إلا بالاستهلاك في الماء، فيكون الماء مطهّرا مطلقا ما لم يرد تقييد شرعا.

و كذا قوله تعالى‏ وأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً(٦) وقوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلم: «خلق اللَّه الماء طهورا»(۷).

لأنّ لفظ الطهور- سواء كان مبالغة أم بمعنى ما يتطهّر به- دال عرفا على أنّه مطهّر للنجاسات.

إن قلت: فعلى هذا يصح التمسك بهذه العمومات في موارد الشك في حصول الطهارة والحكم بها. مع أنّ بناءهم على استصحاب بقاء النجاسة.

(قلت): الشك في حصولها (تارة): في ورود الردع عن بناء العقلاء، فلا إشكال في صحة التمسك بالعمومات، لأنّ عدم ثبوت الردع يكفي في عدمه، فلا يكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(و أخرى): ما إذا شك في تحقق بعض القيود المعتبرة شرعا في التطهير، فلا وجه للتمسك بالعمومات، لكونها حينئذ من التمسك بها في الشبهة المصداقية، فيكون المرجع استصحاب النجاسة لا محالة.

المراد به في المقام الاستهلاك العرفي الحاصل بانعدام صفاته في الماء المطلق المعتصم، لا الحقيقيّ الواقعيّ، حتّى يستشكل بأنّه موجب لانعدام ذاته، فلا وجه لصدق التطهير حينئذ. إذ لا بد فيه من بقاء الوجود وزوال وصف النجاسة، مع أنّ انعدام الذات في الاستهلاك الحقيقي أيضا لا دليل عليه، إن لم يكن على عدمه، ويأتي بعض الكلام في [مسألة ۷] من المطهّر الرابع، فراجع.

يأتي التفصيل في غسل الميت، وقد جعل رحمه اللَّه في الخامس عشر من المطهّرات تيمّم الميت مطهّرا لبدنه أيضا.

عرفا وشرعا، بل وعقلا أيضا، لأنّه مع بقاء علّة النجاسة والاستقذار كيف تعقل النظافة والطهارة.

للأثر مراتب متفاوتة.

فمنها ما يكشف عن بقاء العين، كالغبار الباقي بعد نفض التراب عن الشي‏ء والأجزاء الصغار الباقية بعد زوال العين عنه.

و منها ما يكون كاشفا عن زوال العين، كالحرارة أو البرودة الباقية في المحلّ بعد رفع النار أو الثلج عنه- مثلا-.

و منها ما يكون مرددا بينهما ولكلّ واحدة من هذه المراتب الثلاث درجات مختلفة أيضا.

ثمَّ إنّ بناء متعارف العقلاء في رفع القذارات على رفع العين، وإن بقي الأثر، إلا إذا كان نفس الأثر من حيث هو مستقذرا لديهم. وقد وردت الأدلّة في رفع النجاسات الشرعية على ما كان شائعا بين متعارف الناس، خصوصا في الأزمنة القديمة التي لم تكن وسائل التنظيفات شائعة فيها مثل هذه الأزمنة.

و لذا نسب إلى المشهور، بل ادعي الإجماع على أنّه يعتبر في الطهارة زوال العين والأثر، الكاشف عن بقائها- أي الأجزاء الصغار المتفرّقة- ولا يعتبر زوال الأثر بمعنى الطعم والرائحة، لأنّ الأثر بهذا المعنى مثل بقاء الحرارة والبرودة في المحلّ الذي كان فيه النار أو الثلج ثمَّ رفعا وبقي أثرهما الذي لا يدلّ على بقاء العين، فأدلة التطهير لا تدل على أزيد من إزالة العين أعمّ من وجودها الجمعي الخارجي، أو وجودها الانبساطي التفرقي الذي يعبّر عنه بالأجزاء الصغار. وأما اللون والطعم والرائحة، فليست من العين حتّى تشملها تلك الأدلّة، ولا دليل آخر على وجوب إزالتها، إلا إذا كانا كاشفين عن بقاء العين كما يظهر من بعض أخبار البئر.

بل مقتضى السيرة وإطلاق الأدلة وظهور الإجماع، وما ورد في الاستنجاء من أنّ:

«الريح لا ينظر إليها»(۸).

و ما ورد في دم الحيض من الأمر بصبغ الحائض: «بمشق حتّى يختلط ويذهب»(۹).

و مرسلة الفقيه عن الرضا عليه السلام: «لا شي‏ء عليه من الريح»(۱۰).

و ما روي أنّ خويلة بنت يسار أتت النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم فقالت:

يا رسول اللَّه إنّه ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض فيه فكيف أصنع؟ قال صلّى اللَّه عليه وآله وسلم: «إذا طهرت فاغسليه ثمَّ صلّي فيه». فقالت: فإن لم يخرج الدّم؟ فقال صلّى اللَّه عليه وآله وسلم: «يكفيك غسل الدم ولا يضرك أثره»(۱۱). عدم وجوب إزالتها.

فلا يجري الاستصحاب، لوجود الدليل. مع أنّه لا وجه لجريانه في نفسه، لكونه من القسم الثالث من استصحاب الكليّ، كما لا يخفى، هذا إذا كان من مجرد اللون والطعم والريح.

و أما لو تردد بين كونه لونا محضا- مثلا- أو مرتبة من بقاء العين، فمقتضى الاشتغال والاستصحاب وجوب الإزالة حينئذ. ومن ذلك يظهر حكم القسم الثالث من الأثر المردد بين كونه من الأجزاء الصغار أو اللون المحض- مثلا.

و الحاصل إنّ مثل اللون (تارة) يكشف عن بقاء العين. (و أخرى): يشك في أنّه لأجل بقائها أم لا؟ ويجب إزالته في هذين القسمين، لإطلاق الأدلة في القسم الأول، والأصل في الثاني. وثالثة: يعلم بزوال العين وبقاء مجرد اللون فقط، ومقتضى ما تقدم عدم وجوب الإزالة في هذا القسم.

و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فما نسب إلى المشهور من عدم وجوب إزالة الأثر، أي في القسم الأخير وما نسب إلى العلامة رحمه اللَّه من وجوبها أي في الأوليين.

إن قلت: لا وجه للتقسيم الثلاثي، لما ثبت في محلّه من عدم جواز بقاء العرض بلا موضوع واستحالة انتقاله من موضوع إلى موضوع آخر، فيرجع القسم الأخير إلى القسم الأول أيضا.

قلت أولا: إنّ اللون ونحوه ليس لأجل الانتقال حتّى يلزم المحال، وإنّما هو لأجل الاكتساب بالمجاورة، كاكتسابه الحرارة والبرودة بمجاورة النار والثلج- مثلا.

و ثانيا: إنّ ما ثبت في محلّه من استحالة الانتقال، وبقاء العرض بلا موضوع إنّما هو بحسب الدقة العقلية، لا العرفيات المبتنية عليها الأحكام الشرعية، فإنّ العين بحسب الأنظار العرفية شي‏ء، واللون المجرد عنها شي‏ء آخر لا ربط عندهم لأحدهما بالآخر، والظاهر أنّ الإيكال إلى المتعارف أولى من التطويل في هذه المسألة.

فروع:- (الأول): لكلّ من اللون والطعم والرائحة مراتب متفاوتة تكون بعض مراتبها كاشفة عن بقاء العين، فتجب الإزالة حينئذ. وكذا مع الشك، كما تقدم.

(الثاني): الظاهر أنّ اللزوجة والدسومة من مراتب بقاء العين، فتجب إزالتها، كما صرّح به في المستند- فيما إذا تنجس المحلّ بالدسم النجس- وأما الشي‏ء الدسم إذا تنجس فيكفي غسل ظاهره، ولا تجب إزالة الدسومة إلا مع العلم بالسراية.

(الثالث): المدار في الشك في أنّ الأثر كاشف عن بقاء العين أم لا، هو الشك المتعارف، لا غيره، خصوصا إن وصل إلى حدّ الوسواس.

(الرابع): الخشونة الباقية في الثوب بعد غسل مثل المنيّ عنه، يكون من الأثر ويجري فيه ما تقدم في مثل اللون.

التغير إما حين الاستعمال، أو بعده، وكلّ منهما إما بوصف النجس أو بالمتنجس. فما كان بوصف المتنجس لا يعتبر عدمه مطلقا، للسيرة وإطلاق الأدلة. وكذا ما كان بوصف النجس في الغسلة غير المتعقبة لطهارة المحلّ، لأنّ الغالب هو التغير فيها، خصوصا إن كانت النجاسة كثيرة، ولا منشأ لاعتبار عدم التغير فيها، الا دعوى الإجماع وانصراف الأدلة إلى صورة عدم التغير، والمتيقن من الأول ما تعقب طهارة المحلّ، والثاني ممنوع فيما لا يتعقب الطهارة. وأما إن كان فيما يتعقب الطهارة، فمقتضى الإجماع المدّعى، وارتكاز المتشرعة، وإطلاق ما دل على انفعال الماء بالتغير بوصف النجس، اشتراط عدم تغيره.

و يأتي في المسائل اللاحقة ما يتعلق بالمقام، والأحوط اشتراط عدم التغير في غير ما يتعقب طهارة المحلّ أيضا، جمودا على الإطلاق.

للإجماع، ولأنّ معطي الشي‏ء لا يمكن أن يكون فاقدا له بحسب أنظار العقلاء، والفرق بين هذا الشرط وسابقة يأتي في [مسألة ۲].

ثمَّ المراد باعتبار الطهارة أعمّ من الواقعية والظاهرية الثابتة بالاستصحاب، وقاعدة الطهارة واليد والبينة وشهادة العدل الواحد بناء على اعتباره.

لما تقدم في [مسألة ۱] من فصل المياه: أنّ المضاف لا يكون مطهّرا من الحدث والخبث، وإن لاقى نجسا تنجس، وإن كان كثيرا. وظاهر الأدلة تحقق الإطلاق حين الاستعمال، لا مجرد الصدق ولو كان قبله.

يأتي دليل اعتبار التعدد والتعفير والعصر في المسائل الآتية مفصّلا.

و أما الورود فاستدل على اعتباره: (تارة): بظهور الإجماع. وفيه: أنّه لم يتعرض الأكثر له، بل نسب عدم اشتراط الورود إلى المشهور، فكيف يصح دعوى الإجماع عليه حينئذ؟

(و أخرى): بالأصل. وفيه أنّه محكوم بالإطلاقات.

و ثالثة: بانصراف الأدلة إلى ورود الماء على النجس إن كان قليلا.

و فيه: أنّه ممنوع أصلا، وعلى فرضه، فهو بدويّ لا يعتنى به.

و رابعة: بالسيرة. وفيه: أنّها لأجل عدم حصول الاستقذار من تمام الماء، خصوصا في الأزمنة القديمة والأماكن التي تقل فيها المياه.

و خامسة: بالمستفيضة الدالة على صبّ الماء على البول‏(۱۲) الظاهرة في ورود الماء على النجس، دون العكس. وكذا ما ورد في تطهير الأواني من الأمر بصب الماء(۱۳).

و فيه: أنّهما من باب الغالب والتسهيل، لا الاشتراط والتقييد.

و سادسة: بأنّه ينجس الماء إذا ورد النجس عليه لقاعدة أنّ كلّ نجس منجس. فلا يصح حينئذ التطهر به، لقاعدة أنّ المتنجس لا يكون مطهّرا.

و فيه: أنّ القاعدتين مسلّمتان في النجاسة الثابتة قبل الاستعمال، دون الحاصلة بنفس الاستعمال. والا لاستحال التطهير بالقليل مطلقا. واختص بالمعتصم. فتلخّص مما ذكرنا أنّه لا دليل يصح الاعتماد عليه لاعتبار الورود في التطهير بالقليل، الا دعوى انصراف الإطلاقات إليه بقرينة مغروسية انفعال القليل في الأذهان، وتقدم ما يصلح لمنعها. ولذا اختار طائفة من الطبقة الثالثة عدم اشتراط الورود، واستوجهه في الذكرى كما في المستند.

و استدلوا عليه (تارة): بتحقق الغسل عرفا فتترتب عليه آثار الطهارة، لتعلقها في الأدلة بعنوان الغسل، وهو من المفاهيم العرفية المتحقق بكلا القسمين، ورد النجس على الماء أو كان بالعكس، وليس ما يصلح للتقييد الا الوجوه السابقة، وتقدم ما فيها.

و (أخرى): بصحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله في المركن مرّتين- الحديث-»(۱٤).

فإنّ إطلاقه يشمل الوارد، والمورود. ونوقش فيه: بأنّ الغالب وضع الثوب في المركن وصب الماء عليه، مع أنّه يحتمل أن تكون كلمة (في) بمعنى الباء، يعني اغسله بماء المركن. ويرده: أنّه غير مسلّم. وعلى فرضه، فالغلبة الوجودية لا تصلح للتقييد. وكون كلمة (في) بمعنى الباء، خلاف الظاهر.

و(ثالثة): بصحيح ابن محبوب عن أبي الحسن عليه السلام: «في الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمَّ يجصّص به المسجد، أيسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطه: «إنّ الماء والنار قد طهّراه»(۱٥).

إذ الظاهر أنّ الجصّ يوضع في الماء لا العكس. وفيه: أنّه مجمل، تقدم ما يصلح لبيانه(۱٦) راجع «فصل يشترط في صحة الصلاة»، فالجزم باعتبار الورود مشكل، والاحتياط لا يترك. ثمَّ إنّه قد تقدم حكم المسألة الأولى، فلا وجه للتكرار.

(مسألة ۱) المراد في التطهير زوال عين النجاسة، دون أوصافها، فلو بقيت الريح أو اللون مع العلم بزوال العين، كفى (۱۱) الا أن يستكشف من بقائهما بقاء الأجزاء الصغار، أو يشك في بقائها، فلا يحكم حينئذ بالطهارة.

لأنّ النجاسات عبارة عن الأعيان الخاصة، والأجسام المخصوصة واللون، والريح من الأعراض، فلا حكم لهما إلا إذا كانا طريقين إلى إحراز وجود موضوع النجس وقد تقدم قبل ذلك.

(مسألة ۲) إنّما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال فلا يضرّ تنجسه بالوصول إلى المحلّ النجس (۱۲). وأمّا الإطلاق‏ فاعتباره إنّما هو قبل الاستعمال وحينه (۱۳)، فلو صار بعد الوصول إلى المحلّ مضافا لم يكف، كما في الثوب المصبوغ، فإنّه يشترط في طهارته بالماء القليل بقاؤه على الإطلاق حتّى حال العصر، فما دام يخرج منه الماء الملوّن لا يطهر، إلا إذا كان اللون قليلا لم يصر إلى حدّ الإضافة.

لأنّه لو اعتبر طهارته حتّى في هذا الحال لامتنع التطهير بالماء القليل، وهو خلاف الإجماع، بل الضرورة الفقهية، هذا في الغسلة المزيلة. وأما المتعقبة لطهارة المحلّ، فقد تقدم حكمها في فصل الماء المستعمل ثمَّ إنّ الظاهر اعتبار طهارة الماء حين الاستعمال عن النجاسة الخارجية، فلو وصلت إليه نجاسة خارجية غير ما في المحلّ لا يعدّ من الغسلات، بلا فرق بين مختلف الحكم‏ ‏و متحده، وإن كان قد يشكل في الثاني.

لما تقدم في [مسألة ۱] من فصل المياه: من أنّ المضاف لا يكون مطهّرا، وظاهرهم التسالم على عدم الفرق بين كون الإضافة قبل الاستعمال أو حصولها به، فليس هذا مثل شرطية طهارة الماء، حيث إنّه لا يضر تنجسه بالاستعمال إجماعا، مع أنّه يجب تحقق الغسل بالماء إلى أن يطهر المحلّ ومع حصول الإضافة في الأثناء لا يصدق ذلك.

و من ذلك يعلم اعتبار الإطلاق حين العصر أيضا فيما يعتبر فيه ذلك، لأنّه متمم الطهارة وإخراج للماء الذي يطهّر به، ومع صيرورته مضافا لم تتم الطهارة بالماء.

و أما إذا غسل في الكثير، فيكفي فيه نفوذ الماء في جميع أجزائه بوصف الإطلاق، وإن صار بالعصر مضافا (۱٤)، بل الماء المعصور المضاف أيضا محكوم بالطهارة (۱٥). وأما إذا كان كذلك بحيث يوجب إضافة الماء بمجرد وصوله إليه ولا ينفذ فيه الا مضافا، فلا يطهر ما دام كذلك (۱٦). و الظاهر أنّ اشتراط عدم التغير أيضا كذلك (۱۷)، فلو تغيّر بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك، ولا يحسب غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد.

لعدم اعتبار العصر في الماء المعتصم، وكفاية مجرد الوصول والنفوذ في المتنجس لتحقق الطهارة.

لانفصاله عن شي‏ء طاهر فتطهر بمجرد وصول المعتصم إليه.

لأنّ ما يكون مطهّرا- وهو الماء- لم يصل إليه، وتقدم وجه اعتبار الإطلاق حين الاستعمال والنفوذ.

لما تقدم في اشتراط عدم التغيّر بوصف النجس في الغسلة المتعقبة لطهارة المحلّ، ويأتي هنا التفصيل المتقدّم هناك. ويعلم مما مرّ: أنّ الجزم بعدم احتسابها غسلة من الغسلات فيما يعتبر فيه التعدد في غير المتعقبة لطهارة المحلّ مشكل. نعم، هو الأحوط.

(مسألة ۳) يجوز استعمال غسالة الاستنجاء في التطهير، على الأقوى (۱۸) وكذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها (۱۹)، وأما على المختار من وجوب الاجتناب عنها احتياطا فلا.

لوجود المقتضي للتطهير- بعد ما تقدم (في فصل الماء المستعمل) من الأدلة على طهارة ماء الاستنجاء- وفقد المانع. نعم، لا ريب في تنفر الطبع في الجملة، وهو لا يصلح للمانعية الشرعية. وكذا دعوى الانصراف لأنّها ممنوعة. ولكن الأحوط الترك خروجا عن حلاف من لم يقل بطهارة ماء الاستنجاء.

لوجود المقتضي للتطهير على هذا القول، وفقد المانع، لأنّه إما دعوى انصراف أدلة مطهرية الماء عنه أو استصحاب النجاسة.

و الأولى ممنوعة. والثاني محكوم بإطلاق مطهريته. ولكن الأحوط عدم التطهير به خروجا عن خلاف المبسوط والوسيلة، حيث نسب إليهما المنع عن التطهير به.

(مسألة ٤) يجب في تطهير الثوب أو البدن، بالماء القليل من بول غير الرضيع، الغسل مرّتين (۲۰).و أما من بول الرضيع غير المتغذّي بالطعام فيكفي صبّ الماء مرّة (۲۱)، وإن كان المرّتان أحوط (۲۲).

على المشهور خصوصا بين المتأخرين، ونسبه في المعتبر إلى علمائنا. ويدل عليه جملة من الأخبار:

(منها): صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن البول يصيب الثوب؟ قال: اغسله مرّتين»(۱۷).

و عن أبي إسحاق النحوي عن أبي عبد الله ع قال: «سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين»(۱۸) ومثله عن ابن أبي العلاء قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد، قال: صبّ عليه الماء مرّتين، فإنما هو ماء- الحديث»(۱۹) ونحوها غيرها.

و عن الشهيد في البيان كفاية المرّة ونسبه في الذكرى إلى المبسوط، واستدل له (تارة): بالأصل. وفيه: أنّه لا وجه له مع الأدلة.

(و أخرى): بالإطلاقات الدالة على الغسل والتطهير. وفيه: أنّها مقيّدة بما مرّ من الأخبار.

(و ثالثة): بمرسلة الكافي روي: «أنّه يجزي أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة أو غيره»(۲۰).

و فيه: مضافا إلى قصور سنده معارضته بالمستفيضة الدالة على المرّتين في المقام وفي الاستنجاء(۲۱)، كما يأتي. ويمكن أن يكون مرادهما غير غسلة الإزالة فيتحدان مع المشهور.

و عن العلامة في القواعد التفصيل بين البول الجاف فمرّة والرطب فمرّتين، لخبر أبي العلاء على ما رواه في المعتبر: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن البول يصيب الجسد؟ قال: صبّ عليه الماء مرّتين، فإنّما هو ماء الأولى للإزالة، والثانية للإنقاء»(۲۲).

(و فيه) أولا: أنّه لم توجد هذه الزيادة في الأصول المعتبرة، كالكافي وغيره. وعن صاحب المعالم: «إنّي أحسبها من كلام المعتبر فتوهمها بعضهم‏ من الخبر». ويبعده وجود هذا التعبير في خبر غوالي اللئالي‏(۲۳).

و ثانيا: يمكن أن يكون قوله عليه السلام: «فإنّما هو ماء» من الحكمة، لا العلة التامة الفعلية المنحصرة حتّى يدور الحكم مدارها وجودا وعدما.

و ثالثا: كيف يعتمد عليه في مقابل إطلاقات الأدلة المعتضدة بإطلاقات الفتوى.

و عن صاحب المعالم الاكتفاء بالمرّة في خصوص البدن، للإطلاقات، وقصور النصوص الدالة على التعدد فيه سندا.

(و فيه): منع القصور في جميعها، وعلى فرضه فهو منجبر بالشهرة العظيمة، والإجماع المعتبر.

و عن بعض اختصاص التعدد بخصوص الثوب والبدن، دون غيرهما، لورود نصوص التعدد فيهما، فيرجع في غيرهما إلى الأصل والإطلاقات. وفيه:

أنّ ذكرهما في الأدلة من باب التمثيل، لا التقييد، وقد يدّعى القطع من إجماع أو غيره على عدم الفرق، كما في الجواهر.

فروع:(الأول): المرجع في التعدد الصدق العرفي. ويعتبر الفصل بالعدم بين المرّة الأولى والثانية، فلا يكفي المرّة الواحدة، وإن كانت بقدر المرّتين.

(الثاني) لا فرق بين بول الإنسان وغيره مما لا يؤكل لحمه، وقيل بالاختصاص بالإنسان، للانصراف إليه، ولإطلاق قوله عليه السلام:

«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(۲٤). ولكن الانصراف ممنوع، والإطلاق مقيّد، فالتفصيل باطل، كما لا فرق في الإنسان بين المسلم والكافر.

(الثالث): لا فرق في اعتبارهما بين وجود العين وعدمها، ولا بين حصول الإزالة بالأولى وعدمه، للإطلاق الشامل للجميع. نعم، لو حصلت الإزالة بالأخيرة تشكل الطهارة، بل الظاهر عدمها، لندرة زوال العين بالأخيرة. فلا يشملها الإطلاق. مع أنّه يصدق عليه أنّه شي‏ء أصابه البول فيجب الغسل بعدها مرّتين، للإطلاقات. وحينئذ فالثمرة بين البول وغيره من النجاسات التي تكفي فيها المرّة تظهر في النجاسة الحكمية فقط فإنّها إن كانت من البول يجب فيها التعدد، بخلاف سائر النجاسات فيكفي فيها المرّة، كما سيأتي.

(الرابع): المشهور عدم اعتبار التعدد في المعتصم جاريا كان أو غيره، لإطلاق قوله عليه السلام:

«فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة»(۲٥) وقوله مشيرا إلى غدير ماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئا إلّا وطهّره»(۲٦)، وقوله عليه السلام في المطر: «كلّ شي‏ء يراه ماء المطر فقد طهر»(۲۷).

فإنّ لمثل هذه الأخبار حكومة في التطهير بالمياه على ما يظهر منه اعتبار التعدد ونحوه. مع أنّ اعتبار التعدد إنّما هو لأجل ملاقاة المحلّ للماء الطاهر بعد زوال القذر، فإذا حكم الشارع بأنّ بمجرد الاتصال بالمعتصم تزول القذارة ولا يعتبر العصر ونحوه، فلا موضوع للتعدد حينئذ و(ما يقال): من اختصاص الأخبار بموردها مع قصور السند في الأخيرين. (مردود): بأنّ سياقها التسهيل والامتنان، وهو ينافي الاختصاص، مع أنّه خلاف المتفاهم منها عند المتشرعة، بل العرف مطلقا. واعتماد الفقهاء على الأخيرين فتوى وعملا من موجبات الوثوق بالصدور، فلا وجه للمناقشة فيها. فالسند معتبر، والإطلاق ثابت، وذكر المطر والغدير من باب المثال، لا التقييد، فلا يجب التعدد في الغسل بالماء المعتصم مطلقا.

(الخامس): لا تعتبر الغسلتان بعد زوال العين، بل لو زالت العين بالأولى كفى ضمّ الثانية إليها، لظهور الإطلاق والاتفاق.

نسب ذلك إلى مذهب الأصحاب تارة، وإلى اتفاق كلمتهم أخرى.

و عن ثالث: دعوى الإجماع عليه صريحا، ويدل عليه حسنة الحلبي- أو صحيحه- قال:

«سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن بول الصبيّ قال: تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا والغلام والجارية في ذلك شرع سواء»(۲۸)، ونحوه الفقه الرضوي‏(۲۹).

و أما موثق سماعة قال: «سألته عن بول الصبيّ يصيب الثوب، فقال:

اغسله. قلت: فإن لم أجد مكانه. قال: اغسل الثوب كلّه»(۳۰). فلا بدّ من تخصيصه بالمتغذّي، أو حمله على الندب، أو على التقية، أو إرادة الأعم من الصب من لفظ الغسل، وذلك لظهور الإجماع على خلافه ومعارضته بغيره.

لما تقدم من موثق سماعة، بناء على حمله على الندب.

فروع – (الأول): المشهور اختصاص الحكم بالصبيّ، وعن الحدائق تبعا لما حكي عن الصدوقين رحمهما اللَّه التعميم بالنسبة إلى الصبية أيضا لما تقدم في خبر الحلبي. وفيه: أنّه يمكن إرجاع قوله عليه السلام: «و الغلام والجارية شرع سواء» إلى قوله عليه السلام: «فإن كان قد أكل فاغسله». وإلا فإعراض المشهور عن إطلاقه يوهن التمسك به.

و يشهد للمشهور النبوي: «يغسل بول الجارية وينضح بول الصبيّ ما لم‏ يطعم»(۳۱) وقوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلم: «يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر»(۳۲)، وقوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلم: «يصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية»(۳۳).

(الثاني): الظاهر طهارة الغسالة هنا وعدم وجوب انفصالها، لإطلاق الأدلة الواردة في مقام البيان، مع ملازمة كفاية الصبّ مع طهارة الغسالة عند المتشرعة، بل العرف مطلقا.

و دعوى: أنّه مع كونه في المحلّ له حكم، وبعد الانفصال له حكم آخر.

تحتاج إلى دليل، وهو مفقود في المقام- الذي يكفي فيه غلبة الماء الحاصلة بالصبّ على المحلّ- الوارد مورد التسهيل، فيكون الصبّ هنا كالاتصال بالمعتصم في بول غير الصبيّ.

و أما خبر أبي العلاء قال: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الصبيّ يبول على الثوب قال: يصبّ عليه الماء قليلا ثمَّ تعصره»(۳٤).

فهو قاصر سندا، مع وهنه بإعراض الأصحاب، واحتمال أن يكون العصر للتجفيف، لا لإزالة الغسالة.

(الثالث): كفاية الصبّ فيه إنّما هي فيما إذا لم يكن المحلّ متنجسا بغير بول الصبيّ، وإلا فلا يكفي الصبّ، كما هو واضح.

(الرابع): المرجع في الأكل والتغذي هو العرف، فلا يضرّ إن كان في الأسبوع- مثلا- مرّة، كما أنّ الظاهر منه أكل ما تعارف للكبار. وأما ما أعدّ للصبيان، كما تعارف في هذه الأعصار من الألبان فلا يعد أكلا، وطريق الاحتياط واضح.

(الخامس): لا فرق بين كونه في الحولين أو أزيد، مسلما كان أو كافرا، كلّ ذلك للإطلاق، والأحوط: الاقتصار على المسلم وعلى من في الحولين.

‏(السادس): لا فرق بين بوله وما تنجس به للإطلاق، ولأنّ الفرع لا يزيد على الأصل.

(السابع): يعتبر في الصبّ استيعاب الماء للمحلّ، نصّا(۳٥) وإجماعا.

فلا يكفي مجرّد الرش بلا استيعاب.

و أما المتنجس بسائر النجاسات عدا الولوغ. فالأقوى كفاية الغسل مرّة (۲۳) بعد زوال العين فلا تكفي الغسلة المزيلة لها (۲٤)، الا أن يصبّ الماء مستمرّا بعد زوالها (۲٥)، والأحوط التعدد في سائر النجاسات أيضا، بل كونها غير الغسلة المزيلة (۲٦).

لا ريب في أنّ مفهوم الغسل والتطهير بالماء من المبيّنات العرفية في جميع الأزمان والملل والأديان، لتقوم المعاش على الغسل بالماء، واستعماله في التنظيفات البدنية وغيرها. وهو من الأمور التشكيكية التي لها مراتب متفاوتة، فيصدق على الغسلات الوضوئية والغسلية التي يكفي فيها مثل التدهين، وعلى ما يعتبر فيه انفصال الغسالة. ولا فرق في هذا المفهوم العرفي بين ما إذا استفيد نجاسة الشي‏ء من المدلول المطابقي للدليل، كما إذا ورد أنّه نجس، أو المداليل الالتزامية، كقوله: «اغسله، أو لا تصلّ فيه، أو اجتنب عنه»(۳٦) إلى غير ذلك، لأنّ الكلّ عبارة أخرى عن النجاسة التي لا بد من غسلها وتطهيرها، فمفهوم الغسل والتطهير في الجميع واحد.

و الظاهر أنّ كيفية التطهير موكولة إلى العرف ما لم يرد نصّ على الخلاف، توسعة أو تضييقا، فكلّ طريق تعارف استعماله في رفع القذارات العرفية بالماء، يكفي ذلك في رفع النجاسات الشرعية أيضا، إلا مع ثبوت الردع الشرعيّ، وقد جرت العادة في رفع مطلق القذارة بعد إزالة العين بالغسل بالماء مرّة، وإطلاقات أدلّة الغسل والتطهير منزلة عليها أيضا إلا مع القرينة على الخلاف، فالإطلاق ثابت والعرف شاهد. فالتطهير بالغسل مرّة متحقق.

إن قلت: الإطلاقات في مقام أصل تشريع الغسل والطهارة، ومقتضى الأصل بقاء النجاسة. مع أنّ قول أبي عبد اللَّه عليه السلام في البول:

«صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء»(۳۷)، وقوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «إنّه ذكر المنيّ وشدده وجعله أشد من البول»(۳۸).

تعدد الغسل بعد الإزالة، لأنّه إذا اقتضى البول الذي هو ماء التعدد، فاقتضاء ما فيه القوام والثخانة له يكون بالأولى.

قلت: دعوى كون الإطلاقات مجملة وفي مقام أصل التشريع باطلة، لكثرتها في موارد مختلفة وابتلائية الحكم من كلّ جهة، فكيف يتصوّر فيها الإجمال حينئذ. مضافا إلى ما تقدم من عدم الاحتياج في هذه الابتلائيات إلى البيان من الشرع، ويكفي فيها عدم ثبوت الردع. فالإطلاق محكّم.

و الاستصحاب لا وجه لجريانه معه، مع إمكان المناقشة في الاستصحاب: بأنّ مراتب النجاسات مختلفة موضوعا وحكما، كالقذارات الصورية، والمعلوم حصول مرتبة منها يعلم عادة بزوالها بالغسل مرّة واحدة، فيكون الشك في أصل الحدوث، لا البقاء حتّى يجري الاستصحاب.

إن قلت: المقام من القسم الأول من أقسام استصحاب الكليّ، فيجري فيه الاستصحاب بلا كلام.

(قلت): مقتضى ظواهر الأدلة أنّ النجاسة أقسام:

منها: ما يكفي في رفعها مجرّد الصبّ، كبول الصبيّ.

و منها: ما لا بد فيه من الغسل مرّتين، كبول غير الصبيّ.

و منها: ما يجب فيه الغسل ثلاث مرّات، كالأواني.

و منها: ما يجب فيه التعفير، كما يأتي.

و منها: ما يكفي فيه مجرّد الغسل، كسائر النجاسات.

و مع هذا التفصيل والتقسيم لا يبقى شك حتى يجري فيه الاستصحاب. ولا وجه لأن يقال بتعلق الحكم بالجهة المشتركة. وأما حديث الصبّ على البول‏(۳۹) مرّتين فإنّه ماء، فالتعليل للاكتفاء بأصل الصبّ مرّتين، ولا يستفاد منه أمر آخر.

كما أنّ التشديد في المنيّ، لأجل الاحتياج إلى الفرك والدلك والغسل لا لجهة أخرى.

كما أنّ قوله صلّى اللَّه عليه وآله وسلم في دم الحيض: «حتّيه ثمَّ اقرصيه، ثمَّ اغسليه»(٤۰) لا يدل على التعدد، لأنه مضافا الى قصور سنده، إرشاد إلى بيان ما لا يوجب التلوّث كثيرا.

فالحق كفاية المرّة، وتقتضيها سهولة الشريعة الغرّاء في مثل هذا الأمر العام البلوى. مع أنّ المقام من صغريات الأقلّ والأكثر الذي ثبت الاكتفاء بالأقلّ في الدوران بينهما في الأصول، فراجع‏(٤۱).

مع تغير الماء بوصف النجس في الغسلة الأولى، للشك في الاكتفاء بها حينئذ عرفا، فيشك في شمول الإطلاق لها أيضا. وأما مع عدمه أو الشك فيه، فمقتضى الإطلاقات الكفاية، بل يظهر من إطلاق جمع كثير الاكتفاء بالمرّة، كفايتها مطلقا، ولو مع التغيير، فراجع الكلمات.

لتحقق الغسل عرفا بعد زوال العين، فيشمله إطلاق الأدلة. وليس لفظ التعدد ونحوه مورد دليل حتّى لا يتحقق الا مع الفصل، بخلاف ما ورد في بول غير الصبيّ، فقد ذكر فيه لفظ (مرّتين) فلا بد من تحققهما عرفا(٤۲).

أما أصل التعدد فللخروج عن خلاف مثل الشهيد الثاني والمحقق‏ الثاني رحمهما اللَّه. وأما كونها بعد الغسلة المزيلة فلما نسبه في (شرح النجاة) إلى المشهور: من أنّ الخلاف في الاكتفاء بالمرّة أو المرّتين إنّما هو بعد الغسلة المزيلة، فيكون قول الشهيد الثاني والمحقق الثاني رحمهما اللَّه من اعتبار المرّتين بعدها لا محالة. ولكنه خلاف إطلاق الكلمات، كما تقدم.

ثمَّ إنّ قوله رحمه اللَّه: «و الأحوط التعدد في سائر النجاسات أيضا». فإن كان المراد التعدد بعد الغسلة المزيلة، فينافي قوله بعد ذلك: «بل كونها غير الغسلة المزيلة». وإن كان المراد التعدد معها، فهو الذي أفتى رحمه اللَّه قبيل ذلك بوجوبه، فكيف يحتاط هنا؟:

فروع – (الأول): الفرق بين الصبّ والغسل بالعموم من وجه. وقد ورد في جملة من الأخبار الأمر بالرش والنضح في موارد.

منها: مسّ الكلب أو الخنزير جافا.

و منها: مشي الفأرة على الثياب إن لم ير أثر الرطوبة فيها.

و منها: ثوب المجوسي الذي لم يعلم نجاسته.

و منها: الثوب والبدن اللذان شك في نجاستهما.

و منها: وقوع الثوب على الكلب الميت يابسا.

و منها: المذي.

و منها: بول البعير.

و منها: عرق الجنب في الثوب.

و منها: ذو الجروح في مقعدته إن وجد الصفرة بعد الاستنجاء.

و منها: الخصيّ الذي يبول ويلقى منه شدّة(٤۳) إلى غير ذلك- مما ذكر في الحدائق.

(الثاني): نسب إلى الشهرة استحباب مسح اليد بالتراب إن لاقت مع اليبوسة كلبا، أو خنزيرا، أو ثعلبا أو أرنبا، أو فأرة، أو وزغة، أو صافح ذميّا أو ناصبيّا معلنا بالعداوة. ويمكن الحمل على التخيير بينه وبين الرش، لما تقدم من‏ استحبابه في مثل الكلب والخنزير، ولا يبعد استحباب الجمع بينهما.

(الثالث): لو وضع قطنا أو خرقة في الماء بحيث تحمل الماء ومسحه على محلّ النجس وكان بحيث جرى الماء، فمقتضى الإطلاقات كفايته في تحقق الغسل، كما لو فعل ذلك بغسلات الوضوء والغسل.

(الرابع): لو ترددت النجاسة بين ما يكتفي فيها بالمرّة أم لا، تجزي المرّة، والأحوط: مرتان لأنّه من موارد الأقلّ والأكثر.

(الخامس): إذا تنجس موضع بالبول وموضع آخر بغيره من سائر النجاسات ثمَّ اشتبها، فالأحوط غسل كلّ من الموضعين مرّتين، لتنجز العلم الإجمالي.

(مسألة ٥): يجب في الأواني إذا تنجست بغير الولوغ، الغسل ثلاث مرّات في الماء القليل(۲۷). وإذا تنجست بالولوغ، التعفير بالتراب مرّة، وبالماء بعده مرّتين (۲۸)، والأولى أن يطرح فيها التراب من غير ماء وتمسح به، ثمَّ يجعل فيها شي‏ء من الماء وتمسح به. وإن كان الأقوى كفاية الأول فقط، بل الثاني أيضا (۲۹). ولا بدّ من التراب فلا يكفي عنه الرماد والأشنان والنورة ونحوها(۳۰). نعم، يكفي الرمل. ولا فرق بين أقسام التراب(۳۱).

كما عن جمع، لموثق عمار عن الصادق عليه السلام قال:

«سأل عن الكوز والإناء يكون قذرا، كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟ قال:

يغسل ثلاث مرّات، يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ثمَّ يفرغ منه، ثمَّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه، ثمَّ يفرغ ذلك الماء، ثمَّ يصب فيه ماء آخر فيحرّك فيه ثمَّ يفرغ منه وقد طهر- الحديث-»(٤٤).

و عن جمع منهم المحقق رحمه اللَّه في النافع والعلامة في أكثر كتبه:

الاكتفاء بالمرّة، تمسكا بالمطلق وتضعيفا للموثق.

(و فيه): ما ثبت في محله من حجية الموثق فيكون مقيدا للمطلق، فلا وجه بعد ذلك للتمسك بالإطلاق، ولا الرجوع إلى البراءة، ولا إلى ما أرسله في المبسوط: «و روي غسلة واحدة»(٤٥)، لعدم اعتبار ذلك كلّه في مقابل الموثق لذي استقر المذهب على العمل به في هذه الأزمنة، فيكون النزاع في هذه المسألة صغرويّا، كما لا يخفى. ويأتي في موثق آخر لعمار في [مسألة ۳] من (فصل في حكم الأواني)، كما يأتي معنى الآنية في [مسألة ۱۰] من ذلك الفصل.

يدل على أصل التثليث في الجملة- مضافا إلى الإجماع المنقول عن الانتصار والمنتهى، بل المحقق كما في المستند صحيح البقباق قال فيه:

«حتّى انتهيت إلى الكلب فقال عليه السلام: رجس نجس لا تتوضّأ بفضله واصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أول مرّة ثمَّ بالماء مرّتين» كذا في المعتبر والمنتهى‏(٤٦)، وموضع من الخلاف وغيرها- كما في المستند- من زيادة لفظ «مرّتين».

و يؤيده مضافا إلى الأصل، الفقه الرضوي: «و اغسل الإناء ثلاث مرّات مرّة بالتراب ومرّتين بالماء»(٤۷).

و وجود لفظ (مرّتين) في لسان القدماء الذين كانوا مواظبين على نقل متون الأحاديث في مقام الفتوى، حتّى إنّ الشيخ الذي روى الصحيح بدون ذكر (مرّتين) نقل الإجماع على وجوبهما، فلا يضرّ بعد ذلك خلوّ كتب الأحاديث التي بأيدينا عن لفظ المرّتين‏(٤۸).

و في الجواهر: «إنّ المحقق رحمه اللَّه غالبا يروي عن أصول ليس عندنا منها إلا أسماؤها».

و يؤيده أيضا: أنجسية الكلب من سائر النجاسات، كما في خبر البقباق وغيره‏(٤۹). ويشهد للتثليث اعتباره في مطلق الإناء المتنجس، كما تقدم.

و بالجملة مقتضى القرائن حصول الوثوق بصدور ما رواه في المعتبر عن المعصوم عليه السلام، فلا يبقى مجال لتشكيك صاحب المدارك: من أنّ كتب الأحاديث خالية عن لفظ (مرّتين)، وإنّما ذكره المحقق رحمه اللَّه وتبعه غيره، كما لا وجه للبحث عن أنّ أصالة عدم الزيادة معارضة بأصالة عدم النقيصة، وعند الدوران تقدم أصالة عدم النقيصة، لاحتياج الزيادة إلى مئونة زائدة بخلاف النقيصة، فعند الدوران يجري الأصل في عدم الزيادة. وذلك كلّه للوثوق بصدور كلمة «مرّتين» من المعصوم عليه السلام من جهة القرائن الكثيرة. مع أنّ تقديم أصالة عدم النقيصة على أصالة عدم الزيادة إنّما هو فيما إذا لم تكن الزيادة موردا لفحص من رواها لاجتهاده وفتواه، كما في المقام. وإلا فلا مجرى للأصل حينئذ، لأنّ المفروض أنّ من زادها بان على التفحّص والتحقيق. ثمَّ إنّه يظهر من المستند أنّ رواية المعتبر لا تشتمل على جملة: «فاصبب ذلك الماء» مع أنّ كتب الأحاديث تشتمل عليها، فراجع.

و أمّا مدرك المشهور في تقديم التعفير على الغسل بالماء هو ما تقدم من الصحيح، حتّى بناء على ما ضبط في سائر كتب الأحاديث.

و نسب إلى ابن الجنيد: وجوب الغسل سبعا، للأصل، ولموثق ابن عمار عن الصادق عليه السلام: «سأله عن الإناء يشرب فيه النبيذ، فقال: تغسله سبع مرّات وكذلك الكلب»(٥۰).

(و فيه): أنّ الأصل محكوم بالصحيح، والموثق محمول على الندب جمعا وإجماعا.

المنساق عرفا من الغسل بالتراب ما هو المتفاهم من الغسل بالسدر والصابون ونحوهما في رفع القذارات، كما في قولك: اغسل يدك بالصابون أولا، ثمَّ بالماء. وحينئذ فالمتفاهم من الدليل هو الثاني، واستفادة الأول خلاف الظاهر، والأحوط الجمع بينهما، لأنّه جمع بين المحتملين من الدليل وإن كان أحدهما ضعيفا.

لخروجها عن مورد الدليل موضوعا، بلا فرق بين حالتي الاختيار والاضطرار، لعدم الدليل على البدلية. فما يقال: من الاجتزاء عند الاضطرار، لا دليل عليه.

أما كفاية الرمل فيدور مدار صدق التراب عليه عرفا، فيكفي مع الصدق، ولا يكفي مع الشك، فكيف مع عدم الصدق. وأما عدم الفرق بين أقسام التراب، فللإطلاق.

و المراد من الولوغ شربه الماء، أو مائعا آخر بطرف لسانه(۳۲)، ويقوى إلحاق لطعه الإناء بشربه(۳۳). وأما وقوع لعاب فمه، فالأقوى‏ فيه عدم اللحوق (۳٤)، وإن كان أحوط (۳٥) بل الأحوط إجراء الحكم المذكور في مطلق مباشرته ولو كان بغير اللسان من سائر الأعضاء (۳٦) حتّى وقوع شعره، أو عرقه (۳۷) في الإناء.

لم يرد لفظ الولوغ في حديث معتبر حتّى يحتاج إلى التفسير. وإنّما الوارد في لفظ الفضل، كما تقدم في الصحيح. والظاهر كونه ملازما للولوغ الذي وقع في تعبيرات الفقهاء. نعم، في النبوي:

«طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب»(٥۱) ومثله غيره.

وتقتضيه مرتكزات المتشرعة. وعن المحقق الثاني: الجزم بالأولوية وفي الجواهر: «المشهور نقلا وتحصيلا شهرة كادت تبلغ الإجماع قصر الحكم على الولوغ».

على المشهور، جمودا على مورد النص، إذ لا يصدق الفضل الوارد فيه عليه.

لأنّ المتشرعة بحسب ارتكازاتهم لا يفرّقون بينه وبين الولوغ واللطع.

و لكن الكلام في اعتبار هذه المرتكزات في مقابل الدليل. الا أن يقال: إنّ ما ذكر في الدليل من باب ذكر أحد المصاديق، لا التخصيص.

خروجا عن مخالفة الصدوقين والمفيد وغيرهم، واستوجهه في الجواهر استصحابا للنجاسة. وفيه: أنّه محكوم بالإطلاقات والعمومات. ولأنّ ذكر الفضل في الصحيح من باب المثال. وفيه: أنّ عهدة إثباته على مدّعيه.

خروجا عن خلاف الفاضل في النهاية فألحقها بفضله، لما تقدم في سابقة مع ما فيه.

فروع – (الأول): يلحق بالماء سائر المائعات، وقال في الجواهر:

«ينبغي القطع بالإلحاق» ويقتضيه إطلاق أكثر الفتاوى، كما في المستند.

(الثاني): إن وقعت في الإناء نجاسة قبل تمام غسله تداخلت مع الولوغ فيما يتساويان، ويختص الزائد بالزائد إجماعا.

(الثالث): لا يجب الدلك في التعفير، للأصل والإطلاق.

(الرابع): لا يجري حكم التعفير في غسالة الولوغ، للأصل بعد عدم الدليل، وإن كان الأحوط الجريان.

(الخامس): لو ولغ الكلب في إناء وصب ماء الولوغ في إناء آخر وهكذا، فالظاهر جريان الحكم على الجميع.

(السادس): لا يجري الحكم في وقوع بول الكلب أو خرئه في إناء، وإن‏ كان الجريان أحوط.

(مسألة ٦): يجب في ولوغ الخنزير غسل الإناء سبع مرّات و كذا في موت الجرذ (۳۸)، وهو الكبير من الفأرة البرية (۳۹). والأحوط في الخنزير التعفير قبل السبع أيضا (٤۰)، لكن الأقوى عدم وجوبه.

أما الأول: فنسب إلى الفاضل وأكثر من تأخر عنه، لصحيح ابن جعفر قال:

«و سألته عن خنزير يشرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرّات»(٥۲).

و السند صحيح، والدلالة تامة، فالحكم كما ذكره رحمه اللَّه.

و أما الثاني: فنسب إلى المشهور، لقول الصادق عليه السلام في موثق عمار: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرّات»(٥۳).

و قيل: بالثلاث، وقيل: مرتان. وقيل: مرة. والكل لا دليل عليه في مقابل الموثق، وادعي الإجماع على كفاية الثلاث. وبلوغه حدّ الاعتبار مشكل، بل ممنوع.

كما عن جمع من اللغويين منهم صاحب العين، ويشهد له العرف أيضا.

خروجا عن خلاف الشيخ رحمه اللَّه ومن تبعه لإطلاق الكلب عليه أحيانا كما يطلق على سائر السباع أيضا.

(مسألة ۷): يستحب في ظروف الخمر الغسل سبعا، والأقوى كونها كسائر الظروف في كفاية الثلاث (٤۱).

لإطلاق ما تقدّم في مطلق الظروف مضافا إلى موثق عمار في: «قدح أو إناء يشرب فيه الخمر، قال: تغسله ثلاث مرّات. وسأل: أ يجزيه أن يصبّ‏ فيه الماء؟ قال: لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرّات»(٥٤).

و عن جمع منهم الشهيد والمحقق رحمهما اللَّه وجوب الغسل سبعا لموثقة الآخر عنه عليه السلام أيضا في الإناء يشرب فيه النبيذ فقال:

«تغسله سبع مرّات وكذلك الكلب»(٥٥).

و فيه: أنّه محمول على الندب جمعا. وعن جمع كفاية المرّة، لإطلاق قوله عليه السلام في موثقة الثالث: «إذا غسل فلا بأس»(٥٦).

و فيه: أنّه مقيد بالموثق الأول الظاهر في وجوب التثليث وحمل قوله عليه السلام: «حتّى يدلكه بيده» على الندب بقرينة خارجيّة لا يستلزم رفع اليد عن ظهور بقية الحديث بلا قرينة.

فرع: الظاهر اختصاص التعدد في الظروف مطلقا في الموارد الخاصة بما إذا تنجس داخلها. وأما إذا تنجس خارجها فقط، فمقتضى الإطلاقات كفاية المرّة إلا في البول. وذلك لأنّ مورد الأدلة- كما تقدم- الظرف والإناء ونحوهما، ولا يصدق ذلك كلّه على الطرف الخارج، وإن كان الأحوط الإلحاق.

(مسألة ۸): التراب الذي يعفّر به، يجب أن يكون طاهرا قبل الاستعمال (٤۲)

نسب ذلك إلى جمع منهم الشهيد والمحقق الثاني، لاستصحاب بقاء النجاسة، والمتبادر من إطلاق الأدلة، وفي النبوي:

«طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب»(٥۷).

فإنّ المتبادر من الطهور ما كان طاهرا في نفسه. ونسب إلى إطلاق كلمات‏ جمع عدم الاعتبار جمودا على إطلاق الأدلة.

(و فيه): أنّ كون إطلاق كلماتهم في مقام البيان من هذه الجهة مشكل، وتقدم أنّ المتبادر من إطلاق الأدلة الطهارة. فالجمود على إطلاقها أشكل.

(مسألة ۹): إذا كان الإناء ضيّقا لا يمكن مسحه بالتراب فالظاهر كفاية جعل التراب فيه وتحريكه إلى أن يصل إلى جميع أطرافه (٤۳).

لصدق غسله بالتراب- حينئذ- عرفا فيشمله الإطلاق.

و أما إذا كان مما لا يمكن فيه ذلك، فالظاهر بقاؤه على النجاسة أبدا (٤٤) الا عند من يقول بسقوط التعفير في الغسل بالماء الكثير.

لاشتراط الطهارة بالتعفير، فبامتناعه يمنع حصولها. وسقوطه في مثل الفرض، لانصراف الأدلة عنه دعوى بلا شاهد، كما أنّ دعوى بدلية الماء عنه حينئذ تحتاج إلى دليل، وهو مفقود.

(مسألة ۱۰): لا يجري حكم التعفير في غير الظروف (٤٥) مما تنجس بالكلب ولو بماء ولوغه أو بلطعه، نعم، لا فرق بين أقسام الظروف في وجوب التعفير، حتّى مثل الدلو، لو شرب الكلب منه، بل والقربة والمطهرة وما أشبه ذلك (٤٦).

لأنّ الظاهر من الكلمات والمتفاهم من الصحيح- الذي هو العمدة- «لا يتوضّأ بفضله واصبب ذلك الماء»(٥۸)، والنبوي «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب- الحديث-»(٥۹) هو الظرف. قال في الجواهر: «لظهور النص والفتوى بدوران الحكم مدار الإناء، فلو لطع الكلب ثوبا أو جسدا لم يجب التعفير، بل لو ولغ بماء في كفّ إنسان- مثلا- أو موضوع في ثوب ونحوه لا تعفير، بناء على ذلك ولكن لا يخلو من نظر».

و وجه النظر احتمال أن يكون ما يستفاد من النص والفتوى من باب المثال، لا التخصيص، فلا فرق حينئذ بين الإناء وغيره. ويشهد له ما تقدم من دعوى‏ القطع بعدم الفرق بين الماء وسائر المائعات، مع أنّ مورد النص والفتوى هو الولوغ في الماء.

لصدق فضل الماء بالنسبة إلى الجميع، بل الظاهر صدق الإناء أيضا، إذ المراد به في المقام وعاء الماء.

(مسألة ۱۱): لا يتكرّر التعفير بتكرر الولوغ من كلب واحد أو أزيد، بل يكفي التعفير مرّة واحدة (٤۷).

بلا خلاف ولا إشكال، لظهور الجنسية من الصحيح‏(٦۰) التي لا يتفاوت فيها القليل والكثير كباقي النجاسات كذا في الجواهر، وقريب منه في المستند.

(مسألة ۱۲): يجب تقديم التعفير على الغسلتين، فلو عكس لم يطهر (٤۸).

لظهور النّص‏(٦۱) والفتوى في تقديم التعفير عليهما، بل الصحيح نص في ذلك‏(٦۲).

(مسألة ۱۳): إذا غسل الإناء بالماء الكثير لا يعتبر فيه التثليث، بل يكفي مرّة واحدة حتّى في إناء الولوغ (٤۹). نعم، الأحوط عدم سقوط التعفير فيه (٥۰) بل لا يخلو عن قوة والأحوط التثليث حتّى في الكثير

كما عن العلامة والشهيدين والمحقق الثاني، بل نسبه في الحدائق إلى المشهور بين الأصحاب، لعموم قوله عليه السلام:

«كلّ شي‏ء يراه المطر فقد طهر»(٦۳)، وقوله عليه السلام مشيرا إلى غدير من الماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئا الا وقد طهر»(٦٤).

و عدم القول بالفصل بينهما وبين الجاري، أو القطع بعدم الفرق. فلا وجه بعد ذلك لاستصحاب بقاء النجاسة. مع أنّ ما ورد(٦٥) في تطهير الإناء ظاهر في القليل.

هذا خلاصة ما يستدل به على سقوط التثليث في المعتصم.

(و فيه): منع ظهور ما ورد في تطهير الإناء في القليل ظهورا يصح الاعتماد عليه. نعم، يمكن أن يدعى: أنّ الغلبة الخارجية في عصر صدور الرواية كانت للقليل. والظهور فيه- على فرض تحققه- إنّما هو لأجل ذلك ولا اعتبار بمثله، كما ثبت في محله. نعم، لا ريب في ثبوت العموم لقوله عليه السلام:

«كلّ شي‏ء يراه المطر فقد طهر»(٦٦).

و هو مقدم على الجميع، لما تقرر في الأصول: من أنّ العام الوضعيّ مقدم على إطلاق المطلق مطلقا(٦۷)، فإن ثبت عدم الفصل بينه وبين الجاري والكرّ، أو تحقق القطع بعدم الفرق فهو. والا فيصح التفصيل بين المطر وغيره من المياه المعتصمة. ولكن كون الجاري كالمطر قريب عند الناس، لاشتراكهما في الجريان، ولعلّه لهذا نسب إلى الشيخ رحمه اللَّه في المبسوط والمحقق رحمه اللَّه في المعتبر عدم سقوط التعدد في الراكد من الكثير. ولكنّه صحيح لو لا حكومة قوله عليه السلام في الغدير من الماء:

«إنّ هذا لا يصيب شيئا الا وقد طهّره»(٦۸).

فالنتيجة- حينئذ- ما نسبه في الحدائق إلى المشهور بين الأصحاب: من سقوط التعدد في الكثير والجاري.

هذا كلّه إن كان التثليث طريقا إلى التطهير. وأما إن كانت له موضوعية خاصة- ولو للمبالغة في الطهارة- فيتعيّن التثليث حتّى في المعتصم مطلقا.

كما عن المشهور، لإطلاق النص والفتوى، وأصالة بقاء النجاسة بدونه، لأنّه بمنزلة الغسل بالصابون ونحوه لإزالة القذارة. ولا يفرّق العرف في مثله بين القليل والكثير. ولا يصح التمسك بعموم قوله عليه السلام: «كلّ شي‏ء يراه المطر فقد طهر»(٦۹) لنفي التعفير، لعدم كونه في مقام البيان من هذه الجهة أصلا.

(مسألة ۱٤): في غسل الإناء بالماء القليل، يكفي صبّ الماء فيه (٥۱) وإدارته إلى أطرافه، ثمَّ صبه على الأرض ثلاث مرّات. كما يكفي أن يملأه ماء ثمَّ يفرغه ثلاث مرّات.

ذكرت هذه الكيفية في موثق عمار(۷۰)، والظاهر أنّه لا موضوعية فيها بالخصوص، بل المناط كلّه إحاطة الماء بالمحلّ، فتجزي الكيفية التي ذكرت في المتن أيضا.

(مسألة ۱٥): إذا شك في متنجس: أنّه من الظروف حتّى يعتبر غسله ثلاث مرّات أو غيره حتّى يكفي فيه المرّة، فالظاهر كفاية المرّة (٥۲).

إن كان في البين أصل موضوعيّ يقتضي كونه من الظروف أو عدم كونه‏ منها، يعمل به بلا إشكال. وإن لم يكن ذلك في البين وكانت الشبهة مفهومية، كما إذا شك- مثلا- في أنّ القربة إناء أم لا؟ فالمرجع فيه إطلاق ما دل على كفاية المرّة، لما ثبت في الأصول من أنّه مع إجمال المخصص أو المقيد، وتردده بين الأقلّ والأكثر يرجع فيه إلى العام أو المطلق.

و إن كانت الشبهة مصداقية، فإن قلنا بجريان أصالة عدم الظرفية بالعدم الأزلي، كما هو التحقيق، فيتحقق موضوع العام أو المطلق، فيكتفي بالمرّة أيضا. وإن قيل بعدم جريانها، لكونها خلاف أنظار المتشرعة، فالمرجع استصحاب بقاء النجاسة، فلا يكتفي بالمرّة.

فروع- (الأول): لو كان الإناء مملوءا من الماء وولغ فيه الكلب وجب تعفير جميعه. ولو لم يكن مملوءا وكان الماء إلى نصفه- مثلا- فاللازم التعفير بمقدار ما كان فيه الماء دون البقية، إلا مع وصول ماء الولوغ إليها.

(الثاني): لو كان الإناء فارغا ولطع الكلب بعض مواضعه يختص وجوب التعفير بموضع اللطع.

(الثالث): لو تردد الإناء بين اثنين أو أكثر ولم يمكن التمييز. وجب تعفير الجميع. ولو تردد محلّ ولوغه بين ما يجب تعفيره كالإناء وما لا يجب كالكرّ ونحوه، لا يجب تعفير الإناء وكذا غسله.

(الرابع): لو شك في الولوغ وعدمه، يبنى على العدم، للأصل ويثبت الولوغ بالعلم والبينة وإخبار ذي اليد.

(الخامس): لا فرق في الإناء بين الصغير والكبير، وجميع أنواع موادة، للإطلاق. نعم، إن كان أزيد من الكرّ وولغ فيه لا يجري عليه الحكم لعدم التنجس في المعتصم. هذا إذا كان ماؤه بقدر الكرّ. أما لو كان أقلّ منه، أو كان فيه مائع آخر غير الماء يجري عليه الحكم، للإطلاقات والعمومات. ولا مانع في البين الا دعوى الانصراف عن الظروف الكبار، وهي ممنوعة.

(السادس): لو كان ظرف فيه ماء قليل، ولكن كان متصلا بأنبوب إلى المعتصم، لا يجري عليه الحكم، إذ لا حكم للولوغ في مورد الاعتصام. وكذا لو كان ولوغه حين جريان المطر على الإناء.

(السابع): لو علم بنجاسة إناء ولم يعلم أنّها بالولوغ أو بغيره لا يجب التعفير، للأصل.

(الثامن): لو كان ظرف مشتملا على دهن جامد- مثلا- فلطع الكلب موضعا من الدهن بحيث لم يسر لطعه إلى الظرف لا يجري الحكم بالنسبة إلى الظرف، لعدم صدق اللطع بالنسبة إليه، بل يطرح موضع اللطع من الدهن، ويكون الباقي طاهرا.

(التاسع): لو علم بالولوغ، وشك في أنّه من الهر أو الكلب لا يجري عليه الحكم، للأصل.

(العاشر): لو ولغ كلب في إناء الغير وجب التعفير على من يستعمل الإناء، لأنّ وجوبه مقدميّ للاستعمال وإن حصل به نقص في الإناء لا يضمنه صاحب الكلب، والأحوط الاسترضاء في صورة التسبيب.

(الحادي عشر): لا يعتبر في التطهير بالتعفير العلم والالتفات إلى أنّ الإناء تنجس بالولوغ، فلو عفر الإناء لإزالة الدسومة- مثلا- وغسله ثلاث مرّات، ثمَّ علم بالولوغ لا يجب عليه تجديد التعفير.

(مسألة ۱٦): يشترط في الغسل بالماء القليل، انفصال الغسالة على المتعارف (٥۳)، ففي مثل البدن ونحوه مما لا ينفذ فيه الماء يكفي صبّ الماء عليه، وانفصال معظم الماء، وفي مثل الثياب والفرش مما ينفذ فيه الماء لا بد من عصره أو ما يقوم مقامه، كما إذا داسه برجله، أو غمزه بكفّه، أو نحو ذلك (٥٤)، ولا يلزم انفصال تمام الماء (٥٥). ولا يلزم الفرك أو الدّلك (٥٦)، إلا إذا كان فيه عين النجس‏ أو المتنجس وفي مثل الصابون والطّين ونحوهما مما ينفذ فيه الماء ولا يمكن عصره، فيطهر ظاهره بإجراء الماء عليه (٥۷)، ولا يضرّه بقاء نجاسة الباطن على فرض نفوذها فيه (٥۸).

على المشهور بين الفقهاء، بل الثابت بمرتكز العقلاء، فضلا عن المتشرعة، فإنّهم يرون القذارة باقية ما دامت غسالتها باقية في المحلّ. وقد وردت أدلّة التطهير(۷۱) على طبق هذه المرتكزات ولم يرد من الشارع ردع وتخطئة عنها، بل مقتضى الاستصحاب ذلك أيضا. فدفع القذارة متقوّم بزوال ما يستقذر منه عرفا، ولا زوال إلّا بالانفصال، ولا ربط لذلك بتقوّم الغسل بالعصر وعدمه، لتحقق الغسل في جملة من الأجسام بصبّ الماء وانفصاله عن المحلّ مع أنّه لا عصر فيها، فاعتبار العصر في بعض الموارد طريقيّ لإحراز خروج الغسالة، لا أن يكون له موضوعية خاصة. ولا فرق فيه أيضا بين القول بنجاسة الغسالة وعدمها، لأنّ بقاء القذارة أعمّ من النجاسة، فمع بقاء القذارة لا يحكم العرف بالطهارة.

على المشهور، لما تقدم من تقوم الغسل بزوال القذارة ولا تزول إلّا بانفصال الغسالة، فيكون وجوب العصر ونحوه فيما يتوقف الانفصال عليه طريقيّا لانفصال الغسالة، لا أن يكون له موضوعية ونفسية. وما استدلوا به على وجوبه من الإجماع والرضوي‏(۷۲) وغيره- على فرض التمامية- إرشاد إلى المرتكزات العقلائية، لا أن تكون فيها جهة التعبدية المحضة.

لعدم الدليل عليه بعد اكتفاء المتعارف والمتشرعة بما دونه وفي الجواهر: «لا يعتبر أعلى أفراد العصر قطعا». وهل يكتفى بالتجفيف بالشمس أو الحرارة، أو بالآلات الصناعية لتحقق إخراج أجزاء المائية بالحرارة الشديدة ونحوها؟ وجهان: لا يبعد الأول، لانتقال القذارة إلى الماء، وزواله عن المحلّ بالحرارة.

للأصل بعد عدم الدليل على وجوبه، لا نفسا ولا مقدمة، لصدق الغسل بدونهما عرفا وشرعا. فما عن العلّامة من الوجوب استظهارا، ولما ورد في إناء الخمر(۷۳). (مردود): بعدم الدليل على وجوب الاستظهار. والتنظير بإناء الخمر قياس باطل. نعم، قد يجبان مقدمة وهو المراد بقوله رحمه اللَّه: «إلا إذا كان فيه عين النجس أو المتنجس».

لعموم ما دل على مطهرية الماء وإطلاقه‏(۷٤) مضافا إلى ما ورد في تطهير الخبز. الواقع في القذر(۷٥) فيكون مقتضى القاعدة المستفادة من العموم والإطلاق: طهارة كلّ متنجس بغسله بالماء إلا ما خرج بالدليل.

لأنّ الظاهر والباطن موضوعان مختلفان، فيختلف حكمهما باختلافهما. نعم، لو سرى من الباطن إلى الظاهر يكونان حينئذ موضوعا واحدا، فلا يطهر الظاهر مع الاتصال بالباطن، والسراية إليه.

ثمَّ إنّ المشهور بين المتأخرين بقاء نجاسة الباطن في الصابون والطّين ونحوهما مع نفوذ النجاسة إليه، وطهارة الظاهر بعد تطهيره بالماء، لما تقدم.

و عن المدارك: أنّه بعد تطهير الظاهر يكون مقدار الباقي في الباطن كالباقي في مثل الثوب بعد العصر، فكلّ ما يكون مغتفرا في مثل الثوب فليكن مغتفرا في مثل الصابون أيضا. (و فيه): أنّ القياس مع الفارق، لأنّ الباقي في مثل الثوب إنّما بقي بعد العصر وخروج ما يلزم إخراجه، بخلاف مثل الصابون، إذ لم يخرج من الباقي شي‏ء أبدا. نعم، لو حصل التجفيف في الجملة، وقلنا بكفايته وبقي بعد ذلك شي‏ء، لكان التنظير في محله.

و أما في الغسل بالماء الكثير، فلا يعتبر انفصال الغسالة، ولا العصر، ولا التعدد (٥۹) وغيره، بل بمجرد غمسه في الماء بعد زوال‏ العين يطهر، ويكفي في طهارة أعماقه- إن وصلت النجاسة إليها- نفوذ الماء الطاهر فيه في الكثير، ولا يلزم تجفيفه أولا (٦۰).

على المشهور بين المتأخرين في عدم اعتبار الانفصال والعصر، لإطلاق قوله عليه السلام:

«كلّ شي‏ء يراه المطر فقد طهر»(۷٦)، وقوله عليه السلام في الغدير من الماء: «إنّ هذا لا يصيب شيئا إلا وقد طهّره»(۸۷)، وقوله عليه السلام في الجاري: «و إن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة»(۷۸).

و المستفاد من الجميع أنّ لاعتصام الماء خصوصية ليست للقليل، فنفوذ الماء المعتصم بوصف الاعتصام حدوثا وبقاءا في المتنجس يلازم عرفا طهارته، سواء انفصلت الغسالة أم لا، لأنّ انفصالها إنّما هو لإزالة القذارة، وحين استيلاء المعتصم على المتنجس ونفوذ المعتصم فيه بوصف الاعتصام لا يبقى نجاسة في المحلّ حتّى يلزم انفصالها عنه وقد تقدم أنّ وجوب العصر لا موضوعية فيه، بل يكون طريقا لانفصال الغسالة.

و بالجملة: فرض استيلاء الماء المعتصم على المحلّ، وعدم عين النجاسة يلازم الطهارة من دون عصر، ولا انفصال للغسالة. وقد تقدم ما يتعلق بالتعدد في المسائل السابقة، فراجع.

هذا كله في النجاسة الحكمية مع استيلاء المعتصم عليها عرفا وأما إذا لم يكن كذلك، بل كان من مجرد سراية رطوبة الماء فقط. فيشك في شمول إطلاقات المعتصم وعموماته لمثله، فلا يصح التمسك بها، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية ومقتضى الأصل بقاء النجاسة إلا أن يدل دليل على الخلاف، وهو (تارة) القول بكفاية هذا المقدار من الرطوبة في الطهارة التبعية، وهو مشكل في مقابل الأصل، وعدم عموم أو إطلاق في البين دال على كفايتها.

(و أخرى): ما دل على طهارة الأواني إذا غسل ثلاثا أو سبعا(۷۹) الشامل لما إذا كانت من الخزف ونحوه مما يرسب فيها الخمر أو الماء المتنجس.

(و ثالثة): بإطلاق ما دل على غسل اللحم الذي طبخ في القدر الذي فيه الدم، أو الفأرة(۸۰). فإنّ إطلاقه يشمل ما إذا لم ينفذ الماء الطاهر في داخل اللحم.

(و رابعة): بإطلاق ما دل على غسل الخفاف التي تنقع في البول‏(۸۱)، فإنّه يشمل ما إذا لم ينفذ الماء الطاهر في الباطن وكان من مجرد الاتصال الرطوبي فقط.

(و خامسة): بما دل على طهارة طين المطر، وطهارة السطح الذي يبال عليه بالمطر(۸۲) ضرورة أنّ رسوب ماء المطر فيها بنحو الرطوبة، لا سراية الماء بوصف المائية.

(و سادسة): بما ورد في قدر قطرت فيه قطرة خمر أو نبيذ مسكر فيه لحم كثير ومرق كثير. قال عليه السلام:

«يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب، واللحم اغسله وكله»(۸۳).

(و سابعة): بكثرة سهولة الشريعة في الطهارة، خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة التي ربما كان أهلها يكتفون بقربة من الماء أيّاما وليالي في أكثر حوائجهم العرفية والشرعية.

(و ثامنة): بأنّه لو كانت خصوصية خاصة معتبرة في التطهير وجودا أو عدما، لأشير إليها في مثل هذا الأمر العام البلوى. إما ابتداء من الإمام، أو سؤالا من الأنام، ولم نظفر بها إلا في الغسل من البول مرّتين، والتعدد في الإناء والتعفير في الولوغ‏(۸٤) وليس المقام من ذلك كلّه.

(و تاسعة): بأنّ الرطوبة المسرية توجب انتقال النجاسة فبأن توجب انتقال الطهارة المبنية على التيسير والتسهيل أولى.

(و عاشرة): بأنّ الشارع اكتفى في الطهارة الحديثة بمثل التدهين، فلأن يكتفي به في الطهارة الخبيثة أنسب برأفته بأمته.

و هذه الأمور وإن أمكنت المناقشة في بعضها، لكن جميعها مما يوجب الاطمئنان العرفي بحكم الشارع فأيّ بعد في أن ينزّل الشارع الأقدس هذه الرطوبة اليسيرة منزلة الماء بعد اتصالها بالمعتصم تسهيلا على الأمة وتيسيرا عليهم.

لأنّه إن نفذ فيه الماء، فهو متصل بالمعتصم. وإن لم ينفذ وكان من مجرد الرطوبة وقلنا بكفايتها، فكذلك أيضا. وإن لم يكن من هذا ولا ذاك، فلا وجه للطهارة. فلا موضوع للتجفيف على أيّ تقدير.

نعم، لو نفذ فيه عين البول- مثلا- مع بقائه فيه يعتبر تجفيفه (٦۱)، بمعنى عدم بقاء مائيته فيه، بخلاف الماء النجس الموجود فيه، فإنّه بالاتصال بالكثير يطهر فلا حاجة فيه إلى التجفيف (٦۲).

لوجوب إزالة عين النجاسة وعدم حصول الطهارة بدون ذلك فيجب التجفيف مقدمة لذلك، هذا إذا لم يستهلك بالاتصال بالمعتصم. والا فلا وجه للتجفيف.

لتحقق الطهارة بمجرد الاتصال بالمعتصم، فلا يبقى موضوع لوجوب التجفيف. نعم من يقول بعدم كفاية مجرد الاتصال به ولزوم العصر حتّى في المعتصم يحتاج إليه عنده.

فروع- (الأول): سراية النجس إلى الباطن لا بد وأن يكون بالأجزاء المائية، أو بنحو الرطوبة المسرية المعبّر عنها في الفارسية ب (تري)، ولا يكفي مجرد الرطوبة، لأصالة طهارة الباطن إلا مع الدليل على الخلاف ولا دليل في غير الأولين.

(الثاني): إذا علم بوصول النجاسة إلى الباطن وشك في نفوذ الماء المعتصم إليه ولو بنحو ما مرّ يبقى على النجاسة لاستصحاب بقائها وإذا شك في وصول النجاسة إليه، فمقتضى الأصل طهارته، سواء علم بوصول الماء المعتصم إليه، أم شك فيه، أم علم بالعدم.

(الثالث): لا يثبت نفوذ النجاسة إلا بالعلم أو الحجة المعتبرة، ولا عبرة بالظنّ، ولا اعتبار بعلم الوسواسي.

(مسألة ۱۷): لا يعتبر العصر ونحوه فيما تنجس ببول الرضيع وإن كان مثل الثوب، والفرش ونحوهما، بل يكفي صبّ الماء عليه مرّة على وجه يشمل جميع أجزائه (٦۳) وإن كان الأحوط مرّتين (٦٤) لكن يشترط أن لا يكون متغذيا، معتادا بالغذاء ولا يضرّ تغذيته اتفاقا نادرا (٦٥)، وأن يكون ذكرا، لا أنثى على الأحوط (٦٦)، ولا يشترط فيه أن يكون في الحولين، بل هو كذلك ما دام يعد رضيعا غير متغذ، وإن كان بعدهما (٦۷).

على المشهور المقطوع به لدى الأصحاب، لمعتبرة الحلبي:

«سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن بول الصبيّ. قال عليه السلام: تصبّ عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء»(۸٥).

فيحمل خبر أبي العلاء: «عن الصبيّ يبول على الثوب. قال:

عليه السلام تصب عليه الماء قليلا ثمَّ تعصره»(۸٦) على الإرشاد إلى إزالة الماء بحسب المتعارف لا العصر الواجب في الغسل بالماء القليل مقدمة لانفصال الغسالة، كما أنّه يحمل موثق سماعة:

«سألته عن بول الصبيّ يصيب الثوب فقال: اغسله»(۸۷) على المتغذي جمعا وإجماعا.

وعن بعض تعيينهما جمودا على الإطلاقات‏(۸۸) الدالة على لزوم‏ الغسل من البول مرّتين. ولكنّه لا بد من حملها على المتغذّي جمعا وإجماعا.

أما اعتبار عدم الاعتياد بالغذاء، فلظهور الإجماع، وما تقدم من خبر الحلبي. وأما عدم كون التغذّي الاتفاقي مضرّا بالحكم، فلظهور الدليل في أنّ المراد من الأكل ما هو المتعارف منه، لا النادر الذي يكون بحكم العدم.

وعن المشهور المدّعى عليه الإجماع: الجزم بذلك، للعمومات الدالة على الغسل مرّتين في البول‏(۸۹) مطلقا المقتصر في تخصيصها على خصوص الذكر، ولما عن عليّ عليه السلام:

«لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم»(۹۰).

مع اشتمال الروايات الدالة على كفاية الصب على بول الصبيّ‏(۹۱) الظاهر في الذكر فقط.

و ما تقدم في خبر الحلبي «من أنّ الغلام والجارية فيه شرع سواء»(۹۲) أي بعد الأكل، لا قبله.

و لعلّ وجه عدم جزم الماتن: أنّه نوقش في الإجماع بعدم اعتباره، إذ لم يذكر إلا في المختلف. وفي العمومات بأنّها من التمسك بها في الشبهة الموضوعية، وفي الخبر باشتماله على ما لا يقول به أحد: من وجوب الغسل من لبن الجارية، وفي خبر الحلبي بأنّه لا شاهد على هذا الحمل.

و الكلّ مردود، لأنّ هذا الإجماع لا يقصر عن سائر الإجماعات التي يعتمدون عليها مع اعتضاده بالشهرة المحققة، وعدم نقل الخلاف، وأنّ العمومات يصح التمسك بها، لكون المقام من الشك في أصل التخصيص كما أنّ‏ التفكيك في الخبر الواحد بالعمل ببعض أجزائه، دون الآخر شائع فما هو المشهور هو المتعيّن، وتقتضيه أصالة بقاء الأثر. ودعوى: أنّ المراد بالجارية أعمّ من الرضيع. لا وجه له في المقام، لأنّ قوله عليه السلام: «لبن الجارية»، وقوله عليه السلام: «قبل أن تطعم» قرينة على الرضيع.

لإطلاق خبر الحلبي لما بعدهما أيضا. ودعوى الانصراف إلى ما بينهما ممنوع، لأنّه بدوي كما أنّ قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «لا رضاع بعد فطام»(۹۳) لا يدل على السلب المطلق من تمام الجهات والحيثيات موضوعا وحكما، بل المنساق منه بالنسبة إلى نشر الحرمة فقط. فلا وجه لما نسب إلى المحقق الثاني والشهيد الثاني من الاختصاص.

كما أنّه لو صار معتادا بالغذاء قبل الحولين لا يلحقه الحكم المذكور (٦۸)، بل هو كسائر الأبوال.

لاختصاص الصبّ بخصوص غير المتغذّي نصّا وإجماعا، فيرجع في غيره إلى إطلاق ما دل على وجوب الغسل من البول مرّتين‏(۹٤).

و كذا يشترط في لحوق الحكم أن يكون اللبن من المسلمة، فلو كان من الكافرة لم يلحقه، وكذا لو كان من الخنزيرة (٦۹).

لعدم تعارف ارتضاع الصبيّ من الكلبة والخنزيرة، والأدلة منزلة على المتعارف. فأصالة بقاء الأثر جارية، فوجب الغسل مرّتين، بلا فرق فيه بين ما إذا قلنا بنجاسة ما يدخل من الباطن إلى الباطن أم لا، ويشهد له التعليل الوارد في خبر السكوني‏(۹٥)، فإنّه وإن لم يعمل به في مورده، ولكن يمكن أن يستأنس به‏ للغسل إذا كان اللبن نجسا. وأما لبن المشركة أو غيرها من فرق الكفار المحكومة بالنجاسة. فإن قلنا بعدم اختصاص الحكم بالصب بالمسلمين، كما في سائر الأحكام، ويقتضيه الإطلاق كفى فيه الصبّ أيضا. وإن قيل بالاختصاص بالمسلم كان لبنها كلبن الخنزيرة والأول أقوى، والثاني أحوط.

فروع- (الأول): لا فرق بين كون الإرضاع من الثدي مباشرة أو بحلب اللبن في إناء وإطعام الصبيّ، للإطلاق.

(الثاني): يشكل الحكم فيما لو كان فم الصبي، أو ثدي المرأة أو اللبن المحلوب متنجسا بالعرض، لاحتمال الانصراف عن ذلك. نعم، الظاهر شمول الإطلاق لما إذا كانت النجاسة من جهة الصبيان لغلبتها فيهم وتعذر التطهير.

(الثالث): لا فرق بين كون الإرضاع من الأم أو غيرها مستأجرة كانت أو لا، كما لا يبعد جريان الحكم على شرب الألبان الصناعية الحديثة، أو شرب لبن الشاة والبقر بالطريق المخصوص أو نحو ذلك، لصدق عدم التغذّي بالمعتاد في جميع ذلك. ولكنّه خلاف الاحتياط ولو تعارف تغذيته كلّ يوم بماء البرتقال- مثلا- يكفي الصب في بوله، لعدم صدق المتغذّي المعتاد على مثله، والاحتياط في الغسل.

(الرابع): لو ارتضعت الجارية بلبن الغلام أو بالعكس، فمقتضى التعليل الوارد في خبر السكوني كفاية الصب في الأول، ووجوب الغسل في الثاني.

و لكنه مشكل- بناء على تضعيف السند- ولكن أثبتنا اعتباره.

(مسألة ۱۸): إذا شك في نفوذ الماء النجس في الباطن في مثل الصابون ونحوه بنى على عدمه، كما أنّه إذا شك بعد العلم بنفوذه في نفوذ الماء الطاهر فيه، بنى على عدمه، فيحكم ببقاء الطهارة في الأول، وبقاء النجاسة في الثاني (۷۰).

لاستصحاب الطهارة والنجاسة في الصورتين.

(مسألة ۱۹): قد يقال بطهارة الدّهن المتنجس إذا جعل في الكرّ الحار بحيث اختلط معه، ثمَّ أخذ من فوقه بعد برودته، لكنه مشكل، لعدم حصول العلم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، وإن كان غير بعيد إذا غلى الماء مقدارا من الزمان (۷۱).

القائل بالطهارة هو العلامة. ووجه الإشكال، بل الامتناع ما ثبت في محلّه من امتناع تداخل الأجسام، فلا يمكن استيلاء الماء المعتصم جميع الذرات النجسة من الدهن. نعم، لو فرض استهلاك الدهن في الماء المعتصم يطهر، لما تقدم في [مسألة ٦] من فصل المياه‏(۹٦) من أنّ المضاف النجس المستهلك في المعتصم يطهر بالاستهلاك ولكن استهلاك الدهن في الماء بعيد جدا. ويشهد لعدم الطهارة إطلاق ما ورد(۹۷) في الزيت والسمن الجامدين إن ماتت فيهما فارة.

و يأتي منه رحمه اللّه الفتوى بعدم الطهارة، راجع آخر المطهّرات [مسألة ۱].

(مسألة ۲۰): إذا تنجس الأرز أو الماش أو نحوهما يجعل في وصلة (خرقة) ويغمس في الكرّ، وإن نفذ فيه الماء النجس (۷۲)، يصبر حتّى يعلم نفوذ الماء الطاهر إلى المقدار الذي نفذ فيه الماء النجس بل لا يبعد تطهيره بالقليل (۷۳)، بأن يجعل في ظرف ويصب عليه، ثمَّ تراق غسالته، ويطهر الظرف أيضا بالتبع (۷٤) فلا حاجة إلى التثليث فيه، وإن كان هو الأحوط. نعم، لو كان الظرف أيضا نجسا فلا بد من الثلاث (۷٥).

كلّ ذلك للاتصال بالمعتصم. أما الظاهر فقط إن لم تنفذ النجاسة أو الداخل أيضا إن نفذت فيه.

تقدم التفصيل في [مسألة ۱٦]، فراجع‏(۹۸).

لأنّه آلة الغسل عرفا فيشمله ما دل على الطهارة في آلات الغسل، راجع التاسع من المطهرات، ويشهد له عدم تعرض صحيح ابن مسلم(۹۹) لغسل المركن‏ مستقلا بعد غسل المتنجس فيه.

لأنّ له حكما مستقلا حينئذ في مقابل المتنجس الذي غسل فيه، فيشمله إطلاق التثليث في الظروف.

(مسألة ۲۱): الثوب النجس يمكن تطهيره بجعله في طشت وصب الماء عليه (۷٦) ثمَّ عصره وإخراج غسالته، وكذا اللحم النجس.و يكفي المرّة في غير البول، والمرتان فيه، إذا لم يكن الطشت نجسا قبل صبّ الماء. والا فلا بد من الثلاث (۷۷)، والأحوط التثليث مطلقا.

بناء على اعتبار ورود الماء على النجس. وأما بناء على جواز ورود النجس على الماء، فيجزي العكس أيضا وتقدم في أول الفصل ما ينفع المقام، فراجع. وكذا الكلام في اللحم وغيره.

لاستصحاب النجاسة بعد قصور الدليل عن إثبات الطهارة التبعية.

(مسألة ۲۲): اللحم المطبوخ بالماء النجس أو المتنجس بعد الطبخ يمكن تطهيره في الكثير، بل والقليل (۷۸) إذا صبّ عليه الماء ونفذ فيه إلى المقدار الذي وصل إليه الماء النجس.

لإطلاق مطهّرية الماء، وإطلاق قول عليّ عليه السلام:

«يغسل اللحم ويؤكل»(۱۰۰).

و لكن لا بد من إخراج الغسالة بما أمكن.

(مسألة ۲۳): الطين النجس اللاصق بالإبريق، يطهر بغمسه في الكرّ ونفوذ الماء إلى أعماقه، ومع عدم النفوذ يطهر ظاهره، فالقطرات التي تقطر منه بعد الإخراج من الماء طاهرة وكذا الطين‏ اللاصق بالنعل، بل يطهر ظاهره بالماء القليل أيضا، بل إذا وصل إلى باطنه- بأن كان رخوا- طهر باطنه أيضا به (۷۹).

كلّ ذلك لإطلاق مطهّرية الماء لكن بشرط وصول الماء إلى ما نفذت النجاسة مطلقا وانفصال الغسالة عرفا إن كان التطهير بالقليل، وقد انتفى موضوع جملة من هذه المسائل في هذه الأعصار، لكثرة المياه المعتصمة لشيوع أنابيب الماء في القرى فكيف بالبلاد.

(مسألة ۲٤): الطحين والعجين النجس يمكن تطهيره بجعله خبزا ثمَّ وضعه في الكرّ (۸۰) حتّى يصل الماء إلى جميع أجزائه. و كذا الحليب النجس (۸۱) بجعله جبنا ووضعه في الماء كذلك.

بناء على نفوذ الماء في أعماقه، والمفروض عدم اعتبار انفصال الغسالة في المعتصم، بل يصح تطهيره حينئذ بالقليل أيضا لو أمكن الانفصال بنحو ما مر.

بناء على عدم مانعية الدسومة الموجودة فيه عن حصول طهارته كما في اللحم والألية المتنجسين. وأما بناء على المانعية فلا يطهر الا بالاستهلاك ولا يبعد الأول، لصدق أنّه جسم دسم أحاط الماء بجميع أجزائه.

(مسألة ۲٥): إذا تنجس التنور يطهر بصب الماء في أطرافه من فوق إلى تحت، ولا حاجة فيه إلى التثليث، لعدم كونه من الظروف، فيكفي المرّة في غير البول، والمرّتان فيه، والأولى أن يحفر فيه حفيرة (۸۲) تجتمع الغسالة فيها، وطمّها بعد ذلك بالطّين الطاهر.

أما طهارة التنور- ولو بالقليل- فلإطلاق أدلة مطهّرية الماء. وأما حفر الحفيرة فلا ربط لها بطهارة التنور.

(مسألة ۲٦): الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر والحجر تطهر بالماء القليل إذا أجرى عليها، لكن مجمع الغسالة يبقى نجسا، و لو أريد تطهير بيت أو سكة فإن أمكن إخراج ماء الغسالة- بأن كان هناك طريق لخروجه- فهو، والا يحفر حفيرة ليجتمع فيها، ثمَّ يجعل فيها الطين الطاهر، كما ذكر في التنور. وإن كانت الأرض رخوة بحيث لا يمكن إجراء الماء عليها، فلا تطهر إلا بإلقاء الكرّ أو المطر أو الشمس. نعم، إذا كانت رملا يمكن تطهير ظاهرها بصب الماء عليها ورسوبه في الرّمل فيبقى الباطن نجسا بماء الغسالة، وإن كان لا يخلو من إشكال (۸۳) من جهة احتمال عدم صدق انفصال الغسالة.

إن كان منشأ الإشكال من جهة احتمال عدم صدق انفصال الغسالة.

فهو مخدوش، لأنّ المراد بالانفصال انتقالها إلى محلّ آخر، ولا ريب في الانتقال عن السطح الظاهر إلى الباطن، فيطهر الظاهر لا محالة وإن بقي الباطن على النجاسة، لأجل الغسالة.

(مسألة ۲۷): إذا صبغ ثوب بالدم لا يطهر ما دام يخرج منه الماء الأحمر (۸٤). نعم، إذا صار بحيث لا يخرج منه طهر بالغمس في الكرّ أو الغسل بالماء القليل، بخلاف ما إذا صبغ بالنيل النجس، فإنّه إذا نفذ فيه الماء في الكثير بوصف الإطلاق يطهر وإن صار مضافا أو متلوّنا بعد العصر، كما مرّ سابقا.

لكونه كاشفا عن بقاء العين، ومع بقاء عين النجاسة لا يعقل الطهارة، وقد تقدم في [مسألة ۲] من أول فصل المطهّرات عند قوله رحمه اللّه:

«أما إذا غسل في الكثير» ما ينفع المقام‏(۱۰۱).

(مسألة ۲۸): فيما يعتبر فيه التعدد لا يلزم توالي الغسلتين أو الغسلات، فلو غسل مرّة في يوم، ومرّة أخرى في يوم آخر كفى (۸٥). نعم، يعتبر في العصر الفورية (۸٦) بعد صبّ الماء على الشي‏ء المتنجس.

لإطلاق أدلة الغسل‏(۱۰۲) وإطلاق مطهّرية الماء، مضافا إلى ظهور الاتفاق.

تقدم أنّه ليس للعصر وجوب نفسيّ، وإنّما هو مقدمة لإخراج الغسالة، فالمناط كلّه على عدم بقاء الغسالة في المحلّ. فإن صدق عرفا مع عدم المبادرة إلى إخراجها، بقاؤها في المحلّ، كما إذا كان الهواء حارّا جدّا، ولم نقل بكفاية الجفاف في إخراج الغسالة، فلا ريب في وجوب المبادرة. وأما إذا أمكن إخراجها ولو بعد زمان، طال أو قصر، وأخرجت بعد ذلك فلا دليل على الفورية حينئذ، بلا فرق في ذلك بين كون دليل العصر هو الإجماع أو غيره.

(مسألة ۲۹): الغسلة المزيلة للعين بحيث لا يبقى بعدها شي‏ء منها، تعدّ من الغسلات (۸۷) فيما يعتبر فيه التعدد، فتحسب مرّة، بخلاف ما إذا بقي بعدها شي‏ء من أجزاء العين، فإنها لا تحسب (۸۸). و على هذا، فإن أزال العين بالماء المطلق فيما يجب فيه مرّتان، كفى غسله مرّة أخرى، وإن أزالها بماء مضاف يجب بعده مرّتان أخريان (۸۹).

على تفصيل تقدم في [مسألة ٤] من أول الفصل فراجع.

لأنّه مع بقاء العين لا وجه للطهارة ولو بأدنى مراتبها.

لإطلاق ما دل على الغسل بالماء مرّتين‏‏(۱۰۳) الشامل لما إذا أزيلت العين بغير الماء أيضا.

(مسألة ۳۰): النعل المتنجسة تطهر بغمسها في الماء الكثير ولا حاجة فيها إلى العصر، لا من طرف جلدها، ولا من طرف خيوطها. و كذا البارية (۹۰)، بل في الغسل بالماء القليل أيضا كذلك، لأنّ الجلد و الخيط ليسا مما يعصر، وكذا الحزام من الجلد، كان فيه خيط، أو لم يكن.

لما تقدم من سقوط اعتبار العصر في المعتصم، بشرط استيلاء ماء المعتصم على النجس، ظاهرا كان، أو باطنا، أو هما معا.

(مسألة ۳۱): الذّهب المذاب ونحوه من الفلزّات إذا صبّ في الماء النجس، أو كان متنجسا فأذيب، ينجس ظاهره وباطنه (۹۱)، ولا يقبل التطهير الا ظاهره، فإذا اذيب ثانيا بعد تطهير ظاهره تنجس ظاهره ثانيا. نعم، لو احتمل عدم وصول النجاسة إلى جميع أجزائه، وأنّ ما ظهر منه بعد الذوبان الأجزاء الطاهرة. يحكم بطهارته. وعلى أي حال بعد تطهير ظاهره لا مانع من استعماله (۹۲) وإن كان مثل القدر من الصفر.

بشرط السراية إلى الباطن، ولكنّها مشكلة، لأنّ شدّة الحرارة في الفلزات المذابة تمنع عن السراية إلى الباطن، ويكفي الشك في السراية في عدم النجاسة. نعم، لو كانت متنجسة فأذيبت ينجس الباطن إن تحقق اختلاط جميع الأجزاء ظاهرا أو باطنا. ومع الشك في الاختلاط، تجري قاعدة الطهارة في الباطن.

لطهارة ظاهره قطعا. نعم، لو ظهر الباطن بالاستعمال وكان نجسا، وجب تطهيره. ومع الشك في ظهوره، فمقتضى الأصل عدمه.

(مسألة ۳۲): الحليّ الذي يصوغه الكافر إذا لم يعلم ملاقاته له مع الرطوبة يحكم بطهارته (۹۳)، ومع العلم بها يجب غسله ويطهر ظاهره، وإن بقي باطنه على النجاسة إذا كان متنجسا قبل الإذابة.

لقاعدة الطهارة وأما وجوب تطهيره مع العلم بالنجاسة، فهو وجوب مقدميّ للاستعمال.

(مسألة ۳۳): النبات المتنجس يطهر بالغمس في الكثير، بل والغسل بالقليل إذا علم جريان الماء عليه بوصف الإطلاق، وكذا قطعة الملح. نعم، لو صنع النبات من السكر المتنجس، أو انجمد الملح بعد تنجسه مائعا، لا يكون حينئذ قابلا للتطهير (۹٤).

لعدم نفوذ الماء في باطنه بوصف الإطلاق. نعم، يطهر بالاستهلاك في المعتصم كما تقدم.

(مسألة ۳٤): الكوز الذي صنع من طين نجس، أو كان مصنوعا للكافر، يطهر ظاهره بالقليل، وباطنه (۹٥) أيضا إذا وضع في الكثير فنفذ الماء في أعماقه.

أما طهارة ظاهره بالقليل فلإطلاق أدلّة مطهّرية الماء، وعدم سراية النجاسة من الباطن إلى الظاهر، كما هو المفروض. وأما طهارة باطنه بنفوذ الماء، فلما مرّ من أنّ الاتصال بالمعتصم يوجب الطهارة. ولكن الأقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا أحرز عادة نفوذ الماء في الأعماق، كما هو الغالب في الكوز.

الثاني: إحراز عدم النفوذ.

الثالث: الشك في النفوذ.

و لا ريب في الطهارة في القسم الأول. وأما الآخران فتبقى النجاسة، وإن طهر ظاهره.

(مسألة ۳٥): اليد الدسمة إذا تنجست تطهر في الكثير والقليل، إذا لم يكن لدسومتها جرم، والا فلا بد من إزالته أولا، وكذا اللحم الدسم، والألية، فهذا المقدار من الدسومة لا يمنع من وصول الماء (۹٦).

للدسومة مراتب متفاوتة. فبعضها كالعرض، وبعضها لها جسمية خارجية. وما لا يكون مانعا هو الأولى، دون الأخيرة. ومع الشك فمقتضى الأصل بقاء النجاسة، ولكن الظاهر أنّ الغالب في اليد، واللحم وظاهر الألية المرتبة الأولى، فلا موضوع للشك.

(مسألة ۳٦): الظروف الكبار التي لا يمكن نقلها، كالحب المثبت في الأرض ونحوه إذا تنجست يمكن تطهيرها بوجوه (۹۷): (أحدها) أن تملأ ماء ثمَّ تفرغ (۹۸) ثلاث مرّات. (الثاني) أن يجعل فيها الماء ثمَّ يدار إلى أطرافها بإعانة اليد أو غيرها، ثمَّ يخرج منها (۹۹) ماء الغسالة ثلاث مرّات. (الثالث) أن يدار الماء (۱۰۰) إلى أطرافها، مبتدئا بالأسفل إلى الأعلى، ثمَّ يخرج الغسالة المجتمعة ثلاث مرّات. (الرابع): أن يدار كذلك لكن من أعلاها إلى الأسفل ثمَّ يخرج ثلاث مرّات. و لا يشكل بأنّ الابتداء من أعلاها يوجب اجتماع الغسالة في أسفلها قبل أن يغسل، ومع اجتماعها لا يمكن إدارة الماء في أسفلها، وذلك لأنّ المجموع يعدّ غسلا واحدا، فالماء الذي ينزل من الأعلىيغسل كلّ ما جرى عليه إلى الأسفل، وبعد الاجتماع يعدّ المجموع غسالة، ولا يلزم تطهير آلة إخراج الغسالة (۱۰۱) كلّ مرّة، وإن كان أحوط (۱۰۲). و يلزم المبادرة (۱۰۳) إلى إخراجها عرفا في كلّ غسلة، لكن لا يضرّ الفصل (۱۰٤) بين الغسلات الثلاث. والقطرات التي تقطر من الغسالة فيها لا بأس بها (۱۰٥)، وهذه الوجوه تجري في الظروف غير المثبتة أيضا وتزيد بإمكان غمسها في الكرّ أيضا، ومما ذكرنا يظهر حال تطهير الحوض أيضا بالماء القليل (۱۰٦).

هذه الوجوه ليست تعبديّة، بل من الأمور التي يساعدها العرف في كيفية رفع القذارات والنجاسات عن الظروف الكبار.

يشمل هذا الوجه قوله عليه السلام في موثق عمار: «يصب فيه الماء فيحرك فيه ثمَّ يفرغ»‏(۱۰٤).

لإطلاق قوله عليه السلام في الموثق: «فيحرك ثمَّ يفرغ»، إذ التحريك أعمّ مما إذا كان باليد أو بآلة أخرى، كما أنّ التفريغ أيضا أعمّ من ذلك.

يشمله إطلاق الصب والتحريك أيضا.

لتحقق التبعية العرفية فيها نجاسة وطهارة، وعدم لحاظ الاستقلال فيهما بالنسبة إليها في المتعارف.

خروجا عن خلاف جمع منهم الشهيد الثاني حيث جعلها مستقلة في النجاسة والطهارة، وهو خلاف المتفاهم العرفي، ويكون مثيرا للوسواس.

للأصل وعدم دليل على اعتبار المبادرة: بل إطلاق الموثق ينفيه.

و دعوى انصرافه إلى صورة المبادرة ممنوعة. نعم، لو كان الفصل بحيث يكون إبقاء للقذارة عرفا، يشكل الطهارة حينئذ.

للأصل، وإطلاق الموثق.

لجريان حكم التبعية عليها، كما تقدم في الآلة.

بعد كون هذه الوجوه من الطرق المتعارفة في التطهير، لا فرق فيها بين الظروف، مثبتة كانت أو ناقلة، ولا بينها وبين الحوض، ما لم يرد ردع شرعيّ عن وجه من تلك الوجوه. ثمَّ إنّه مما يسهل الخطب انتفاء موضوع الوجوه المذكورة في هذه المسألة في هذه الأعصار التي شاع استعمال (السيار) المتصل بأنبوب الماء في تطهير مثل هذه الظروف.

(مسألة ۳۷): في تطهير شعر المرأة ولحية الرجل لا حاجة إلى العصر وإن غسلا بالماء القليل، لانفصال معظم الماء بدون العصر (۱۰۷).

الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الشعور وسائر الجهات، فقد يتوقف على العصر، وقد لا يتوقف عليه لانفصال الغسالة بنفسها.

(مسألة ۳۸): إذا غسل ثوبه المتنجس ثمَّ رأى بعد ذلك فيه شيئا من الطّين أو من دقاق الأشنان الذي كان متنجسا، لا يضرّ ذلك بتطهيره، بل يحكم بطهارته أيضا، لانغساله بغسل الثوب (۱۰۸).

مع إحراز عدم كونه مانعا عن وصول الماء إلى الثوب.

(مسألة ۳۹): في حال إجراء الماء على المحلّ النجس من البدن أو الثوب إذا وصل ذلك الماء الى ما اتصل به من المحلّ الطاهر- على ما هو المتعارف- لا يلحقه حكم ملاقي الغسالة (۱۰۹) حتّى يجب غسله ثانيا، بل يطهر المحلّ النجس بتلك الغسالة وكذا إذا كان جزء من الثوب نجسا فغسل مجموعه، فلا يقال: إنّ المقدار الطاهر تنجس بهذه الغسلة، فلا تكفيه. بل الحال كذلك إذا ضمّ مع المتنجس شيئا آخر طاهرا، وصبّ الماء على المجموع، فلو كان واحد من أصابعه نجسا فضم إليه البقية، أجرى الماء عليها بحيث وصل الماء الجاري على النجس منها إلى البقية، ثمَّ انفصل، تطهر بطهره. و كذا إذا كان زنده نجسا فأجرى الماء عليه فجرى على كفّه ثمَ‏ انفصل، فلا يحتاج إلى غسل الكفّ لوصول ماء الغسالة إليها، وهكذا. نعم، لو طفر الماء من المتنجس حين غسله على محلّ طاهر من يده أو ثوبه يجب غسله- بناء على نجاسة الغسالة- وكذا لو وصل بعد ما انفصل عن المحلّ إلى طاهر منفصل، والفرق أنّ المتصل بالمحلّ النجس يعدّ معه مغسولا واحدا، بخلاف المنفصل.

لعدّ الجميع شيئا واحدا، وحينئذ فالغسالة ما انفصلت عن المجموع، لا عن بعض الأجزاء. هذا مضافا إلى السيرة القطعية على عدم إجراء حكم الغسالة عليه إلا بعد الانفصال عن المجموع.

(مسألة ٤۰): إذا أكل طعاما نجسا فما يبقى منه بين أسنانه باق على نجاسته (۱۱۰)، ويطهر بالمضمضة (۱۱۱). وأما إذا كان الطّعام طاهرا فخرج دم من بين أسنانه، فإن لم يلاقه لا يتنجس (۱۱۲) وإن تبلل بالريق الملاقي للدم، لأنّ الريق لا يتنجس بذلك الدم. وإن لاقاه ففي الحكم بنجاسته إشكال، من حيث إنّه لاقى النجس في الباطن، لكن الأحوط الاجتناب عنه، لأنّ القدر المعلوم أنّ النجس في الباطن لا ينجس ما يلاقيه مما كان في الباطن، لا ما دخل إليه من الخارج. فلو كان في أنفه نقطة دم لا يحكم بتنجس باطن الأنف، ولا بتنجس رطوبته، بخلاف ما إذا أدخل إصبعه فلاقته، فإنّ الأحوط غسله.

لاستصحاب بقاء النجاسة. ويأتي التفصيل في العاشر من المطهّرات.

لإطلاق ما دل على طهورية الماء.

لقاعدة الطهارة، واستصحاب بقائها.

(مسألة ٤۱): آلات التطهير- كاليد والظرف الذي يغسل فيه- تطهر بالتبع (۱۱۳)، فلا حاجة إلى غسلها، وفي الظروف لا يجب غسله‏ ثلاث مرّات، بخلاف ما إذا كان نجسا قبل الاستعمال في التطهير، فإنه يجب غسله ثلاث مرّات، كما مرّ.

لإطلاق أدلّة التطهير، وما تقدم من صحيح ابن مسلم، ولسيرة المتشرعة، وسهولة الشريعة خصوصا في الطهارة. ويأتي في التاسع من المطهّرات ما ينفع المقام.

«الثاني»: من المطهّرات الأرض (۱۱٤)، وهي تطهّر باطن القدم‏ و النعل (۱۱٥) بالمشي عليها. أو المسح بها (۱۱٦)، بشرط زوال عين النجاسة إن كانت (۱۱۷) والأحوط الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة. دون ما حصل من الخارج (۱۱۸) و يكفي مسمّى المشي أو المسح (۱۱۹)، وإن كان الأحوط المشي خمس عشرة خطوة (۱۲۰). وفي كفاية مجرد المماسة من دون مسح أو مشي إشكال (۱۲۱)، وكذا في مسح التراب عليها (۱۲۲). و لا فرق في الأرض بين التراب والرّمل والحجر الأصلي، بل الظاهر كفاية المفروشة بالحجر، بل بالآجر، والجص والنورة (۱۲۳).نعم، يشكل كفاية المطلي بالقير، أو المفروش باللوح من الخشب مما لا يصدق عليه اسم الأرض (۱۲٤).

على المشهور بل المجمع عليه في الجملة محصّلا ومنقولا، ونصوصا مستفيضة، وعملا مستمرّا- كما في الجواهر، ففي صحيح زرارة:

«قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها.

أ ينقض ذلك وضوءه؟ وهل يجب عليه غسلها؟ فقال عليه السلام: لا يغسلها إلا أن يقذرها ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ويصلّي»(۱۰٥).

و في صحيح الأحول عن الصادق عليه السلام «في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثمَّ يطأ بعده مكانا نظيفا. قال عليه السلام: لا بأس إذا كان خمس عشرة ذراعا أو نحو ذلك»(۱۰٦).

و في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «جرت السنة في الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان [۱] ولا يغسله، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما»(۱۰۷).

و عن المعلّى: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا؟ فقال عليه السلام: أ ليس وراءه شي‏ء جاف؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا»(۱۰۸) إلى غير ذلك.

و يمكن أن يتمسك بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «جعلت لي الأرض‏ مسجدا وطهورا»(۱۰۹) بناء على كونه أعمّ من الحدث والخبث.

لإطلاق الأدلة الشامل لهما، فإنّ الوطء بالرجل يشمل الحافي والناعل مع غلبة لبس شي‏ء في الرجلين من النعل والخف وغيرهما.

و في النبوي صلّى اللّه عليه وآله وسلم: «إذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب»(۱۱۰).

و في صحيح حفص عن الصادق عليه السلام: «إن وطأت على عذرة بخفيّ ومسحته حتّى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال عليه السلام:

«لا بأس»(۱۱۱) مضافا إلى إطلاق التعليل في رواية المعلّى: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا».

أما المسح فلما تقدم في صحيحي زرارة. وأما المشي فلإطلاق لفظ الوطء الظاهر فيه، مضافا إلى خبر الحلبي عن الصادق عليه السلام.

«إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال عليه السلام: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت:

بلى، قال عليه السلام: «فلا بأس «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا»(۱۱۲).

إذ لا يعقل الطهارة مع بقاء النجاسة.

للأصل، والاقتصار على المتيقن من الأدلة، بل هو الظاهر من صحيحي زرارة والأحول، وقوله عليه السلام: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» أي يطهّر بعضها النجاسة الحاصلة من بعضها، وهذا هو المنساق منه عرفا.

و احتمال أن يكون المراد انتقال النجاسة عن محل من الأرض إلى محلّ آخر منها، كما عن الوافي، أو أنّ بعض الأرض يطهّر بعض المتنجسات، كما عن الوحيد، خلاف الظاهر.

نعم، قوله عليه السلام في الصحيحة الثانية لزرارة: «و يجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما»(۱۱۳).

يمكن أن يستفاد منها التعميم ولكنّها محمولة على غيرها، مع أنّ كونها في مقام البيان حتّى من هذه الجهة مشكل، فلا وجه للتمسك بإطلاقها. نعم، يمكن استفادة التعميم في النجاسة الحاصلة من الأرض إلى ما كانت بالمشي عليها، أو وضع الرجل- مثلا- على النجاسة، ولو من دون مشي، كما إذا جلس في موضع لقضاء الحاجة فوضع رجله على النجاسة. ويمكن أن يستأنس ذلك من صحيحة زرارة الثانية.

لإطلاق ما تقدم من النصوص، وظهور الاتفاق عليه الا ما عن ابن الجنيد، ويأتي دليله والمناقشة فيه.

تقدم في صحيح الأحول التعبير بالذراع، وهو محمول على الندب أو على ما إذا توقفت إزالة العين عليه، لإباء الإطلاقات الواردة في مقام الامتنان، خصوصا صحيحي زرارة المتقدمين عن التقييد به، فلا وجه لما نسب إلى ابن الجنيد من اعتبار المشي خمس عشرة ذراعا.

ثمَّ إنّ المذكور في صحيح الأحول إنّما هو الذراع، وما ذكره في المتن من‏ الخطوة، فلعلّه للملازمة بينهما في الجملة.

من إطلاق قوله عليه السلام: «الأرض يطهّر بعضها بعضا»(۱۱٤) فتكفي المماسة.

و من ظهور لفظ المشي والمسح الواردين في النصوص‏(۱۱٥) في عدم كفاية مجرد المس. ولكن الأول في مقام أصل التشريع في الجملة، فلا يصح الأخذ بإطلاقه، فالمرجع استصحاب بقاء النجاسة إلى أن يتحقق المشي أو المسح.

من صحة دعوى كون المناط إزالة العين بالأرض، كما في الاستنجاء. ومن أنّ المتعارف والمنساق من الأدلة في مثل نجاسة النعل والرجل مسحهما على الأرض، لا العكس، كما أنّ المتعارف في الاستنجاء مسح الأرض على المحلّ، لا العكس، كما يأتي في الاستنجاء. ولكن الكلام في اعتبار هذا التعارف، مع أنّ المدار كلّه على زوال العين في الموضعين.

فروع- (الأول): بناء على عدم كفاية مجرد المماسة لو تكرّر المس كما إذا وضع رجله أربع مرّات- مثلا- على الأرض ورفعها. فهل يجزي ذلك في الطهارة أم لا؟ وجهان: لا يبعد الأول، وعلى هذا لو صعد درجة ذات أربع درجات أو أكثر لا يبعد الطهارة، لتكرر المس، وما لا يكفي إنّما هو مجرد المس لا تكرره.

(الثاني): هل يعتبر في مسح النعل أن تكون في الرجل فلا يكفي لو أخذها بيده ومسحها على الأرض، أو يكفي ذلك؟ وجهان: من الجمود على المعهود المتعارف فلا يكفي الثاني، ومن الجمود على الإطلاق، فيكفي ولا يبعد الثاني.

(الثالث): لا يعتبر في المسح والمشي أن يكون بقصد الطهارة، بل ولا يعتبر العلم بالنجاسة حين المشي، فلو علم بعد المشي بالنجاسة قبله كفى، كما لا يعتبر أن يكونا بالمباشرة فيكفي بأيّ نحو تحقق، كلّ ذلك للإطلاق كسائر الطهارات الخبثية.

(الرابع): لو علم بالنجاسة والمشي، وشك في التقدم والتأخر، فمقتضى الأصل بقاء النجاسة.

(الخامس): لا يعتبر الاتصال بين زمان التنجس والمشي أو المسح، للإطلاق.

(السادس): لو علم إجمالا إما بنجاسة رجله أو نعله وجب الاحتياط لتنجز العلم الإجمالي.

(السابع): لو علم إجمالا بنجاسة نعله أو نعل غيره، لا أثر لهذا العلم الإجماليّ بالنسبة إليه للخروج عن محلّ الابتلاء.

(الثامن): لو لبس نعل الغير ونجسه لا يجوز مسحه أو المشي به بدون إذن صاحبه. وهل يجب إعلامه بالنجاسة؟ مقتضى الأصل عدمه.

(التاسع): لا يجب تطهير النعل إلا إذا كانت مستعملة فيما يعتبر فيه الطهارة.

(العاشر): لو علم بنجاسة رجله أو نعله ولم يعلم بأنّها حصلت من الأرض أو من غيرها، لا يطهر بالمشي والمسح، للأصل.

لإطلاق الأدلة الشامل للجميع كقوله عليه السلام: «أ ليس وراءه شي‏ء جاف»(۱۱٦).

و صحيح الأحول: «ثمَّ يطأ بعده مكانا نظيفا»(۱۱۷).

و يصح التمسك بالإطلاق الأحوالي للأرض في قوله عليه السلام: «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا»(۱۱۸) مع غلبة وجود هذه الأشياء على الأرض في القرى‏ والبلاد، مضافا إلى أنّ الحكم تسهيليّ امتنانيّ يناسبه التيسير والتعميم، ومع الشك فالمرجع استصحاب النجاسة.

لا إشكال في إطلاق الشي‏ء والمكان عن ذلك كلّه، بل الأرض في الجملة أيضا. إنّما الكلام في انصرافها إلى ما كان متعارفا في تلك الأزمنة أو يشمل الجميع، والانصراف مسلّم. ولكنّه لغلبة الوجود بالنسبة إلى الأزمنة القديمة، وقد تقرّر أنّ الانصراف الذي يكون كذلك لا اعتبار به وقد تقدم حكم صورة الشك.

فروع- (الأول): هل يجزي المرمر الطبيعيّ أو الصناعيّ أو الموزائيك أو الإسمنت أو لا؟ وجهان: مقتضى الجمود على الإطلاق هو الأول، وطريق الاحتياط واضح.

(الثاني): هل يعتبر الاتصال بالأرض، فلا يكفي المشي على التراب المطروح على الفراش- مثلا- أم لا يعتبر ذلك؟ ظاهر الإطلاق هو الثاني.

(الثالث): الظاهر كفاية المشي على الغبار الغليظ الذي يصدق عليه التراب إن كان على الفرش ونحوه، لصدق المشي على التراب، ومع الشك فالمرجع استصحاب بقاء النجاسة.

و لا إشكال في عدم كفاية المشي على الفرش، والحصير، والبواري وعلى الزرع والنباتات (۱۲٥)، الا أن يكون النبات قليلا بحيث لا يمنع عن صدق المشي على الأرض (۱۲٦)، ولا يعتبر أن تكون في‏ القدم أو النعل رطوبة، ولا زوال العين بالمسح أو بالمشي (۱۲۷) وإن كان أحوط (۱۲۸). و يشترطّ طهارة الأرض وجفافها (۱۲۹). نعم، الرطوبة غير المسرية غير مضرّة.

لعدم صدق الأرض عليها، مضافا إلى الإجماع على عدم الإجزاء الا ما نسب إلى ابن الجنيد من اكتفائه بكلّ جسم قالع، وفي أصل النسبة بحث، وعلى فرض الصحة فلا يضرّ مخالفته، لكثرة مخالفته في المسلّمات.

فيشمله الإطلاق مع غلبة وجود الخليط على الأرض من نبات أو غيره، والتقييد بعدمه، يوجب أن لا يبقى في مورد الإطلاق إلا الفرد النادر.

كلّ ذلك لظهور الإطلاق، فتطهر النجاسة الحكمية بهما أيضا.

نعم، في العينية لا بد من زوال العين، سواء كان ذلك بالمسح أم المشي أم بغيرهما، قبل المشي أو المسح.

جمودا على ما تقدم في صحيح زرارة: «يمسحها حتّى يذهب أثرها»(۱۱۹).

و لكن لا يصلح لتقييد المطلقات، لكون المورد وجود العين.

أما الطهارة فلما أشرنا إليه من قاعدة أنّ المتنجس لا يكون مطهّرا(۱۲۰)، المطابقة للمرتكزات، واستقراء المطهّرات في الشريعة، وهي كالقرينة المحفوفة بالكلام تمنع عن ظهور الإطلاق. وأما الجفاف فلقوله عليه السلام في خبر المعلّى:

«أ ليس وراءه شي‏ء جافّ»(۱۲۱) وفي خبر الحلبي: «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة»(۱۲۲).

و المتفاهم منهما الجفاف واليبوسة بالنسبة إلى المحلّ الذي مشى فيه‏ وتنجست رجله، لا الجفاف المطلق من كلّ جهة. فيصح قوله رحمه اللّه:
«نعم، الرطوبة غير المسرية غير مضرّة وإن كان الأحوط الجفاف عنهما أيضا»، جمودا على الإطلاق المتقدم.

و يلحق بباطن القدم والنعل حواشيهما بالمقدار المتعارف مما يلتزق بهما من الطّين والتراب حال المشي (۱۳۰)، وفي إلحاق ظاهر القدم أو النعل بباطنهما إذا كان يمشي بهما، لاعوجاج في رجله وجه قويّ، وإن كان لا يخلو عن إشكال (۱۳۱)، كما أنّ إلحاق الركبتين واليدين بالنسبة إلى من يمشي عليهما أيضا مشكل، وكذا نعل الدابة، وكعب عصا الأعرج، وخشبة الأقطع، ولا فرق في النعل بين أقسامها من المصنوع من الجلود والقطن والخشب ونحوها مما هو متعارف (۱۳۲)، وفي الجورب إشكال إلا إذا تعارف لبسه بدلا عن النعل، ويكفي في حصول الطهارة زوال عين النجاسة وإن بقي أثرها، من اللون والرائحة. بل وكذا الأجزاء الصغار التي لا تتميز كما في‏ الاستنجاء بالأحجار (۱۳۳)، لكن الأحوط اعتبار زوالها (۱۳٤). كما أنّ الأحوط زوال الأجزاء الأرضية اللاصقة بالنعل والقدم وإن كان لا يبعد طهارتها أيضا (۱۳٥).

لتنزل الأدلة على ما هو المتعارف، والمفروض تعارف ذلك، خصوصا في مثل العذرة التي هي مورد صحيح زرارة.

أما وجه الإلحاق فللإطلاق الشامل للجميع بعد فرض كون ذلك متعارفا أيضا في نوعه ومناسبا للتسهيل والامتنان.

و أما وجه الإشكال فلاحتمال الانصراف عن العجزة، والركبة واليدين بالنسبة إلى من يمشي عليهما ونعل الدابة ونحو ذلك، ولكن الانصراف في جميع ذلك بدويّ، للصدق الحقيقيّ العرفيّ بالنسبة إلى الجميع، وكون ذلك متعارفا في نوع خاص.

للإطلاق الشامل للجميع، ووجه الإشكال في الجورب احتمال الانصراف عنه، خصوصا بالنسبة إلى أزمنة صدور الأخبار، لعدم تعارفه فيها، لكن إذا تعارف لبسه بدلا عن النعل يشمله الإطلاق، إذ لا تحديد للنعل بكيفية خاصة فيشمل الدليل كل ما كان نعلا، أو تعارف استعماله بمنزلة النعل.

اما اعتبار زوال العين فلأنه لا يعقل الطهارة مع بقاء عين النجاسة.

و اما الأثر فله إطلاقات. أحدها: اللون، والرائحة، والطعم غير الكاشفة عن بقاء العين، فلا يعتبر زواله نصا وإجماعا- كما تقدم- وثانيها: ما يكون كاشفا عن بقاء العين، ويعتبر زواله بلا إشكال، لكونه من مراتب بقاء العين. وثالثها:

الأجزاء الصغار التي لا يمكن إزالتها إلا بالماء، ولا تزول بالأرض وغيرها، ومقتضى إطلاق أدلة مطهرية الأرض عدم اعتبار زوالها والا تكون مطهريتها لغوا، كما يأتي في الاستنجاء بالأحجار وظهر من ذلك أن المراد بقوله (رحمه اللّه):

«لا تتميز» اي لا تزول الا بالماء، كما يأتي في الاستنجاء.

خروجا عن خلاف من أوجب ذلك كالعلامة الطباطبائي، وان لم يكن له دليل ظاهر.

لجريان الطهارة التبعية في غير الماء أيضا، فإنّها من كيفيات الطهارة الموكولة إلى العرف بحسب ما يرونه من الملازمة بين طهارة الشي‏ء وطهارة ما يتبعه.

(مسألة ۱): إذا سرت النجاسة إلى داخل النعل لا تطهر بالمشي، بل في طهارة باطن جلدها إذا نفذت فيه إشكال وإن قيل بطهارته بالتبع (۱۳٦).

أما عدم طهارة داخل النعل بالمشي، فلأنّ الظاهر من الأدلة(۱۲۳) ملاقاة الأرض موضع النجاسة، ولا يتحقق ذلك بالنسبة إلى الداخل. وأما الإشكال فلظهور الأدلة في طهارة السطح الظاهر، وقصور دليل التبعية عن شمول‏ الباطن، وإنّما تشمل التوابع الظاهرية فقط، بل ظاهرهم عدم الشمول إلا في صورة نفوذ الماء المعتصم إليه، ولكنّه ليس من التبعية في شي‏ء، ومع الشك فالمرجع أصالة بقاء النجاسة.

(مسألة ۲): في طهارة ما بين أصابع الرجل إشكال (۱۳۷). و أما أخمص القدم فإن وصل إلى الأرض يطهر، وإلا فلا، فاللازم وصول تمام الأجزاء النجسة إلى الأرض (۱۳۸)، فلو كان تمام باطن القدم نجسا ومشى على بعضه لا يطهر الجميع، بل خصوص ما وصل إلى الأرض.

وجه الإشكال احتمال عدم شمول دليل الطهارة التبعية لما بين الأصابع، فمقتضى الأصل بقاء النجاسة حينئذ، ويمكن الفرق بين ما ينفتح ما بينها حين المشي، فيصير من التوابع الظاهرية، وبين ما يبقى على الانضمام فمقتضى الأصل بقاء النجاسة حينئذ.

لأنّه الظاهر من الروايات‏(۱۲٤) والكلمات. نعم، ما يكون تابعا عرفا للطهارة لا يعتبر فيه ذلك.

(مسألة ۳): الظاهر كفاية المسح على الحائط، وإن كان لا يخلو عن إشكال (۱۳۹).

من إطلاق لفظ «المسح» الوارد في صحيح زرارة(۱۲٥)، ومن احتمال اختصاص كون الممسوح به خصوص الأرض بالنحو المتعارف، ويشهد له صحيح الأحول:

«ثمَّ يطأ بعد ذلك مكانا نظيفا»(۱۲٦).

و كذا ذيل خبري المعلّى والحلبي‏(۱۲۷) بدعوى: كون المحلّ قابلا لذلك، والجدار ليس كذلك.

(مسألة ٤): إذا شك في طهارة الأرض يبني على طهارتها (۱٤۰) فتكون مطهّرة، إلا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها، وإذا شك في جفافها لا تكون مطهّرة إلا مع سبق الجفاف فيستصحب (۱٤۱).

لاستصحاب طهارة الأرض إذا كانت مسبوقة بها. ومع الجهل بالحالة السابقة، فلقاعدة الطهارة، ولا يجري بعد ذلك استصحاب النجاسة في الرجل أو النعل، لما ثبت في محلّه من تقدم الأصل الجاري في السبب على الأصل الجاري في المسبّب مطلقا. وإذا كانت الحالة السابقة في الأرض النجاسة، فيجري استصحاب النجاسة بلا إشكال، ولا مورد حينئذ لقاعدة الطهارة.

هذا إذا علم بسبق الجفاف. وأما إن علم بسبق الرطوبة غير المغتفرة فلا وجه للطهارة، لعدم تحقق الشرط. وكذا لو لم يعلم الحالة السابقة، لأنّ الشك في الشرط يستلزم الشك في المشروط، فيرجع إلى استصحاب النجاسة في الصورتين.

(مسألة ٥): إذا علم وجود عين النجاسة أو المتنجس لا بد من العلم بزوالها (۱٤۲). وأما إذا شك في وجودها فالظاهر كفاية المشي وإن لم يعلم بزوالها على فرض الوجود (۱٤۳).

لأصالة بقائها إلى أن يحرز العلم بزوالها.

بل يجب العلم بالزوال على هذا الفرض، لأصالة بقاء النجاسة حتّى يعلم الزوال، ولا تجري أصالة عدم العين لعدم العلم بعدمها بالعدم النعتي، لأنّ النجاسة حدثت إما معها، أو مع عدمها، فلا حالة سابقة معلومة لها من هذه الجهة. نعم، تجري أصالة عدم العين بالعدم الأزلي.

(مسألة ٦): إذا كان في الظلمة ولا يدري أنّ ما تحت قدمه أرض أو شي‏ء آخر من فرش ونحوه لا يكفي المشي عليه فلا بد من‏ العلم بكونه أرضا (۱٤٤)، بل إذا شك في حدوث فرش أو نحوه بعد العلم بعدمه يشكل الحكم بمطهّريته أيضا (۱٤٥).

لأصالة بقاء النجاسة إلا بعد إحراز المشي على الأرض بأمارة أو أصل معتبر، والمفروض عدمهما.

بل مقتضى استصحاب بقاء النجاسة عدمها، بعد كون أصالة عدم حدوث الفرش أو نحوه لا تثبت الأرضية. الا أن يقال: إنّ موضوع الحكم المشي على ما ليس بفرش أو نحوه- ولو بالأصل- فلا يكون الأصل مثبتا حينئذ، ولكنّه مشكل، لعدم انفهام ذلك من ظواهر الأدلة.

(مسألة ۷): إذا رقع نعله بوصلة طاهرة فتنجست تطهر بالمشي (۱٤٦). وأما إذا رقعها بوصلة متنجسة ففي طهارتها إشكال، كما مرّ من الاقتصار على النجاسة الحاصلة بالمشي على الأرض النجسة.

لإطلاق الأدلة الشامل لها أيضا.

فروع- (الأول): هل يجري الحكم في الحيوانات أيضا؟ الظاهر أنّه لا وجه لهذا النزاع في النجاسة العينية، لأنّها مع وجود عين النجاسة في أبدانها نجسة، ومع الزوال طاهرة، كما يأتي في العاشر من المطهّرات، سواء كان الزوال بالمشي أم بغيره. وأما الحكمية فلا يبعد القول بذلك إن قلنا بالنجاسة الحكمية فيها أيضا.

(الثاني): هل يجري الحكم في عربات السيارات ونحوها من النواقل؟ لا يبعد ذلك، لكون الحكم تسهيليا.

(الثالث): يشمل جميع ما تقدم: الصغير الذي لا تكليف عليه، فلو صارت رجله أو نعله متنجستين تطهران بالمشي على الأرض.

(الرابع): لو صنع النعل من الجلد المتنجس لا تطهر بالمشي على الأرض لأنّها نجاسة خارجية، وتقدم عدم كون الأرض مطهّرة لها.

(الخامس): لا فرق في مطهّرية الأرض بين كونها مباحة أو مغصوبة كما في جميع المطهّرات الخبثية.

(السادس): لو علم بنجاسة النعل ولم يعلم بأنّها لأجل كون الجلد من الميتة، أو لأجل النجاسة العرضية، ولم يكن أصل أو أمارة يعيّنان أحدهما فمقتضى الأصل بقاء النجاسة وعدم الطهارة بالمشي.

«الثالث» من المطهّرات: الشمس (۱٤۷) وهي تطهّر الأرض و غيرها من كلّ ما لا ينقل (۱٤۸) كالأبنية، والحيطان وما يتصل بها من الأبواب، والأخشاب، والأوتاد، والأشجار، وما عليها من الأوراق، والثمار، والخضروات، والنباتات ما لم تقطع، وإن بلغ أوان قطعها، بل وإن صارت يابسة ما دامت متصلة بالأرض أو الأشجار. و كذا الظروف المثبتة في الأرض أو الحائط، وكذا ما على الحائط والأبنية مما طلي عليها من جصّ وقير ونحوهما، عن نجاسة البول، بل وسائر النجاسات والمتنجسات (۱٤۹). ولا تطهر من المنقولات إلا الحصر والبواري فإنّها تطهّرهما أيضا على الأقوى (۱٥۰). و الظاهر أن السفينة و«الطّرادة» من غير المنقول وفي «الگاري» ونحوه إشكال، وكذا مثل الجلابية والقفّة (۱٥۱). ويشترط في تطهيرها أن يكون في المذكورات رطوبة مسرية (۱٥۲). وأن تجفّفها بالإشراق‏ عليها بلا حجاب عليها (۱٥۳)، كالغيم ونحوه، ولا على المذكورات فلو جفّت بها من دون إشراقها، ولو بإشراقها على ما يجاورها، أو لم‏ تجف، أو كان الجفاف بمعونة الريح لم تطهر (۱٥٤). نعم، الظاهر أنّ الغيم الرقيق أو الريح اليسير على وجه يستند التجفيف إلى الشمس وإشراقها لا يضرّ (۱٥٥)، وفي كفاية إشراقها على المرآة مع وقوع عكسه على الأرض إشكال (۱٥٦).

على المشهور المدعى عليه الإجماع في السرائر. ويدل عليه نصوص:

منها: صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه؟ فقال عليه السلام: إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر»(۱۲۸).

و في موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنّه قد يبس الموضع القذر. قال عليه السلام: لا يصلّى عليه وأعلم موضعه حتّى تغسله. وعن الشمس، هل تطهر الأرض؟ قال عليه السلام: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثمَّ يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة. وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر، وكان رطبا فلا يجوز الصلاة حتّى ييبس، وإن كانت رجلك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على ذلك الموضع حتّى ييبس، وإن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك»(۱۲۹).

و المنساق منه عرفا طهارة المحلّ بإشراق الشمس خصوصا مع ملاحظة ما دلّ‏ على وجوب طهارة محلّ السجود إن لم تجب طهارة بقية المساجد.

و أمّا ما عن الشيخ البهائي والكاشاني رحمهما اللّه: من أنّ الموجود في النسخة الموثوق بها: «و إن كان عين الشمس» بدل «و إن كان غير الشمس» فتكون كلمة (إن) وصلية، وتدل على عدم مطهّرية الشمس.

ففيه أولا: أنّه خلاف الظاهر، كما اعترف به غير واحد.

و ثانيا: أنّه لا وجه لكون النسخة المشتملة على (عين الشمس) موثوقا بها مع اشتمال جملة من كتب الحديث وكتب الفروع على جملة (غير الشمس)، وفي كشف اللثام إنّ العين سهو من النساخ.

و ثالثا: أنّه لا وجه لتذكير الفعل حينئذ بل اللازم أن يقال: (و إن كانت عين الشمس).

و رابعا: أنّ استعمال عين الشمس خلاف الاستعمالات المتعارفة، لأنّها إنّما تكون بدون لفظ العين كما في جميع روايات الباب وغيرها من الكتاب السنة فالموثقة إنّما تتضمن حكم الأقسام الثلاثة الابتلائية:

(الأول) جفاف النجاسة بالشمس، وحكمه الطهارة وعدم بقاء النجاسة.

(الثاني) عدم الجفاف مع إشراق الشمس، وحكمه بقاء النجاسة.

(الثالث) الجفاف بغير الشمس، وحكمه بقاء النجاسة فكيف بما إذا لم يجف.

فتلخّص: أنّ المتفاهم من أخبار المقام الطهارة بالشمس.

و في خبر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام: «ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر»(۱۳۰) أو «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر»(۱۳۱).

و المتفاهم من هذه الأخبار عرفا الطهارة، كما يستفاد الطهارة من مثل هذه التعبيرات في الأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة. فما نسب إلى جمع من القدماء من القول بالعفو عن التيمم، والسجود على ما جفّفته الشمس دون الطهارة وأحكامها، خلاف ظاهر الأخبار، ولا وجه للتمسك باستصحاب بقاء النجاسة في مقابلها.

و أما صحيح زرارة وحديد بن حكيم قالا: «قلنا: لأبي عبد اللّه عليه السلام: السطح يصيبه البول أو يبال عليه، أ يصلّى في ذلك المكان؟ فقال عليه السلام: إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافا فلا بأس الا أن يكون يتخذ مبالا»(۱۳۲).

فذكر الريح فيه من باب الغالب، لا التقييد، والا فهو خلاف الإجماع، ويمكن حمله على التقية. كما أنّ صحيح ابن بزيع قال: «سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه، هل تطهّر الشمس من غير ماء؟ قال: كيف يطهر من غير ماء»(۱۳۳) فمحمول على ما إذا كانت الأرض جافة، لما يأتي من أنّه يشترط في التطهير بالشمس أن تكون في المحلّ رطوبة متعدّية والا فهو مطروح، أو محمول على التقية.

على المشهور بين المتأخرين، واستدل عليه تارة: بإطلاق خبر الحضرمي المتقدم، خرج منه المنقول إجماعا، وبقي الباقي.

و أخرى: بأنّ المذكور في الأدلة لفظ «تصيبه الشمس» أو «أشرقت عليه الشمس» أو «جفّفته الشمس»، والمنساق منها عرفا الثابت الذي له استعداد ذلك.

و ثالثة: باشتمال الأدلة على الموضع والمكان والسطح، والظاهر منها إرادتها بما يتبعها من الثابتات فيها التي تكون عبارة أخرى عن غير المنقول.

و رابعة: بورود النّص‏(۱۳٤) في البواري التي قلّ نقلها لكونها تتكسر بذلك‏ غالبا فيكون من باب المثال لما لا ينقل عادة.

و خامسة: باقتضاء سهولة الشريعة وسماحتها في ذلك.

و سادسة: بالملازمة العرفية بين طهارة السطح والموضع والمكان وما يكون ثابتا فيها.

و بالجملة مقتضى قول أبي جعفر عليه السلام في خبر الحضرمي: «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» المنجبر بالشهرة المؤيد بما ذكر، عموم الحكم لكلّ شي‏ء إلا ما خرج بالدليل. فاللازم إقامة الدليل على الإخراج، لا الاستدلال على التعميم فإنّه ثابت بالعموم الوضعي.

نسب ذلك إلى المشهور بين المتأخرين. ويدل على الكلّ عموم خبر الحضرميّ المؤيد بالوجوه المذكورة.

و ما نسب إلى جمع من الاختصاص بالبول، لا دليل لهم الا ذكره في بعض ما تقدم من الأخبار. ولكنّه من باب المثال بقرينة موثق عمار:

«إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك»(۱۳٥).

ثمَّ إنه ليس من لفظ المنقول وغير المنقول في الأخبار عين ولا أثر، وإنّما ذكرا في كلمات الفقهاء، ولعلّهم استظهروهما مما ورد في الأخبار من لفظ السطح والمكان والموضع والصلاة عليه ونحو ذلك، فراجع ما تقدم منها(۱۳٦).

على المعروف بين الأصحاب، لعموم خبر الحضرمي المنجبر، ولإمكان أن يراد بالسطح والمكان والموضع الأعمّ من البواري والحصر ما لم يقم‏

إجماع على الخلاف، ولا إجماع كذلك. وفي صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام:

«عن البواري يصيبها البول، هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال عليه السلام نعم، لا بأس»(۱۳۷)، وفي آخر عنه عليه السلام «عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّى عليها؟ قال: إذا يبست فلا بأس»(۱۳۸).

و المنساق من إطلاق الصلاة عليها صحة السجود عليها، خصوصا في الأزمنة القديمة التي كانوا يسجدون على الحصر والبواري غالبا فلا بد وأن يراد باليبس والجفاف ما إذا كانا بالشمس.

و أما صحيحة الثالث «عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل فيهما من الجنابة أ يصلّى فيهما إذا جفّا؟ قال عليه السلام: نعم»(۱۳۹).

فلا ربط له بالمقام، لأنّ لفظ (فيهما) قرينة ظاهرة على أنّ المراد مكان المصلّى ومحلّ الصلاة، لا محلّ سجوده في مكان المصلّي إذا لم تكن النجاسة مسرية، كما يأتي.

ثمَّ إنّه قد نقل عن جمع من أهل اللغة: اتحاد الحصير والبارية، وفي كاشف اللثام: «إنّي لم أعرف في اللغة فرقا بينهما».

أقول: لا إشكال في أنّ لها أنواعا وأقساما في كلّ عصر وزمان، وغلبة بعض الأنواع في بعض الأزمان أو في بعض الأماكن لا توجب الاختصاص به.

فما قيل باختصاص البارية بما عمل من القصب، والحصير بغيره. إن كان لأجل الغلبة الوجودية الخارجية، فلا يكون ذلك منشأ للاختصاص، وإن كان لأجل ذكر البارية في الصحيحين‏(۱٤۰) فهو من باب المثال.

و قال في الجواهر: «إن لم نقل بشمولها له (أي البوريا للحصير) لغة أمكن إلحاقه بها، إلقاء للخصوصية بقرينة فهم الأصحاب». وأرسل في المستند اتحادهما الحكمي إرسال المسلّمات. ولا فرق بين أنواعها وأقسامها ما دام يصدق الحصير والبوريا، وفي شمول الحكم لما يعمل بنحو السجادة، وينقل إلى حيث يراد، إشكال.

ثمَّ إنّ مقتضى الإطلاق عدم الفرق في الحصر والبواري بينما إذا كانت مبسوطة قطعا متعددة أو معمولة بقدر المكان قطعة واحدة للإطلاق. وهل يشمل ما إذا كانت ملفوفة موضوعة في محلّ، جمودا على الإطلاق، أم لا؟ وجهان:

الأحوط هو الأخير.

تقدم: أنّه ليس للفظ المنقول وغير المنقول في الأخبار عين ولا أثر، وإنّما المذكور فيها الموضع والمكان والمحلّ، والظاهر عدم صحة الأخذ بإطلاقها، لشمولها للمنقول أيضا في الجملة. نعم، لا يبعد أن يستظهر من الأخبار المتقدمة أنّ المناط صحة وقوع الصلاة فيها وعليها، فما كان صالحا لذلك وجرت العادة بالصلاة فيها- ولو أحيانا- يطهر بالشمس، وما لم يكن كذلك فلا يشمله الدليل، بل ومع الشك أيضا، فيكون المرجع أصالة بقاء النجاسة.

لاشتمال الأدلة(۱٤۱) على الجفاف واليبس الحاصل بالشمس ويتوقف على وجود الرطوبة المسرية، وهذا لا إشكال فيه بناء على ترادف اليبس والجفاف. وأما بناء على أنّ بينهما العموم من وجه بدعوى: عدم صدق الجفاف إلا مع سبق الرطوبة المسرية، سواء زالت بعد إشراق الشمس رأسا أم بقي منها شي‏ء يسير لا يضرّ بصدق الجفاف عرفا. وأما اليبس، فلا يصدق إلا إذا زالت الرطوبة رأسا ولم يبق منها شي‏ء ولو يسيرا، سواء كانت الرطوبة السابقة مسرية أم لا، فيكون مورد الاجتماع- وهو ما إذا كانت في المحلّ الرطوبة المسرية ويبست‏ بالإشراق- طاهرا قطعا، وفي غيره- وهو ما إذا لم يصدق عليه اليبس وإن صدق الجفاف- يرجع إلى أصالة بقاء النجاسة ما لم يدل دليل على التطهير، ولا دليل عليه الا عموم: «كلّ ما أشرقت الشمس عليه فهو طاهر»(۱٤۲) ولا وجه للتمسك به، لوجوب تخصيصه بما إذا صار يابسا. ولكن الظاهر أنّ بينهما الترادف لغة وعرفا. نعم، قد يتسامح في إطلاقهما ولو كان في المحلّ رطوبة يسيرة، ولا يبعد اغتفارها مع صدق الجفاف واليبوسة عرفا.

ثمَّ إنّه يستفاد من موثق عمار أمور(۱٤۳):

الأول: مسلميّة كون الشمس مطهّرا حيث قال: «فلا تصيبه الشمس .. إلخ»، إذ يستفاد منه معروفية مطهّرية الشمس في الجملة وإنّما سأل عن الخصوصيات، وأكد ذلك بالسؤال ثانيا بقوله: «و عن الشمس هل تطهّر الأرض».

الثاني: عدم اختصاص المطهّرية بقذارة البول فقط، لقوله عليه السلام:

«أو غير ذلك».

الثالث: اعتبار الرطوبة في المحل ثمَّ اليبس بالشمس.

الرابع: عدم مطهّرية غير الشمس من الريح والحرارة ونحوهما بقوله عليه السلام: «و إن كان غير الشمس أصابه .. إلخ». وما تقدم عن الحبل المتين والوافي‏(۱٤٤) فقد مرّت المناقشة فيهما.

نصّا وإجماعا، وتقدم خبر الحضرمي: «كلّ ما أشرقت عليه الشمس».

كلّ ذلك لاستصحاب بقاء النجاسة بعد كون المتفاهم عرفا من الأدلة استقلال الشمس بالإشراق والجفاف، وتقدم ما في خبر حديد(۱٤٥) الذي ذكر فيه الريح مع الشمس.

لصدق الجفاف بإشراق الشمس عرفا.

لخروجه عن المتفاهم العرفي من الأدلة، ومثله ما لو كان الحائل زجاجا ونحوه مما لا يمنع المشاهدة وإن كان أخفّ إشكالا من المرآة وأما الستار المصنوع لدفع دخول الهوام، فالظاهر أنّه غير مانع إن صدق إشراق الشمس معه عرفا.

(مسألة ۱): كما تطهر ظاهر الأرض كذلك باطنها المتصل بالظاهر النجس بإشراقها عليه وجفافه بذلك (۱٥۷)، بخلاف ما إذا كان الباطن فقط نجسا أو لم يكن متصلا بالظاهر، بأن يكون بينهما فصل بهواء، أو بمقدار طاهر، أو لم يجف أو جفّ بغير الإشراق على الطاهر، أو كان فصل بين تجفيفها للظاهر وتجفيفها للباطن، كأن يكون أحدهما في يوم والآخر في يوم آخر، فإنّه لا يطهر في هذه الصور (۱٥۸).

لصدق الجفاف بإشراق الشمس، فيشمله إطلاق الأدلة. ونسب إلى البحار دعوى الإجماع عليها أيضا، هذا مع وحدة الموضوع عرفا، بخلاف ما إذا تعدّد أو شك في الوحدة والتعدد، فالمرجع استصحاب النجاسة حينئذ.

كلّ ذلك لاستصحاب النجاسة بعد ظهور الأدلّة في غيرها أو الشك في شمولها لتلك الصور، إذ لا يجوز التمسك بها حينئذ، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.

(مسألة ۲): إذا كانت الأرض أو نحوها جافة، وأريد تطهيرها بالشمس يصبّ عليها الماء الطاهر، أو النجس، أو غيره مما يورث الرطوبة فيها حتّى تجفّفها (۱٥۹).

على المشهور، وتقدم أنّ ذلك محمل صحيح ابن بزيع.

(مسألة ۳): ألحق بعض العلماء (البيدر) الكبير بغير المنقولات وهو مشكل (۱٦۰).

من الجمود على إطلاق: «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» ولم يقم دليل فيه على الخلاف ومن أنّ المتعارف في أمثاله إجراء حكم الأجزاء على الكلّ، والأجزاء منقولة قطعا، فيكون الكلّ كذلك أيضا.

(مسألة ٤): الحصى والتراب والطّين والأحجار ونحوها ما دامت واقعة على الأرض هي في حكمها، وإن أخذت منها لحقت بالمنقولات، وإن أعيدت عاد حكمها، وكذا المسمار الثابت في الأرض، أو البناء، ما دام ثابتا يلحقه الحكم، وإذا قلع يلحقه حكم المنقول، وإذا أثبت ثانيا يعود حكمه الأول، وهكذا فيما يشبه ذلك (۱٦۱).

على المشهور، لكونها من توابع غير المنقول عرفا، فيشملها إطلاق الأدلة، هذا إذا كانت النجاسة والإشراق كلاهما في حال الاتصال بالأرض. وأما إن كانت النجاسة في حال الانفصال، والإشراق في حال الاتصال بها، أو كان بالعكس، أو كانا معا في حال الانفصال، فمقتضى الأصل بقاء النجاسة بعد الشك في شمول الأدلة لها، بل الجزم بالعدم في بعض الصور.

(مسألة ٥): يشترط في التطهير بالشمس زوال عين النجاسة إن‏ كان لها عين (۱٦۲).

للإجماع، مضافا إلى عدم تعقل الطهارة مع بقاء عين النجاسة.

(مسألة ٦): إذا شك في رطوبة الأرض حين الإشراق أو في زوال العين بعد العلم بوجودها، أو في حصول الجفاف، أو في كونه بالشمس أو بغيرها أو بمعونة الغير، لا يحكم بالطهارة (۱٦۳)، وإذا شك في حدوث المانع عن الإشراق من ستر ونحوه يبنى على عدمه على إشكال، تقدم نظيره في مطهّرية الأرض (۱٦٤).

لاستصحاب بقاء النجاسة، ولا يصح التمسك بإطلاقات الأدلة، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.

لاستصحاب النجاسة بعد عدم صحة جريان أصالة عدم المانع لكونها مثبتة.

(مسألة ۷): الحصير يطهر بإشراق الشمس على أحد طرفيه، طرفه الآخر (۱٦٥)، وأما إذا كانت الأرض التي تحته نجسة، فلا تطهر بتبعيته (۱٦٦) وإن جفّت بعد كونها رطبة وكذا إذا كان تحته حصير آخر، إلا إذا خيط به على وجه يعدّان معا شيئا واحدا. وأما الجدار المتنجس إذا أشرقت الشمس على أحد جانبيه فلا يبعد طهارة جانبه الآخر إذا جفّ به (۱٦۷)، وإن كان لا يخلو عن إشكال (۱٦۸). وأما إذا أشرقت على جانبه الآخر أيضا فلا إشكال (۱٦۹).

بناء على وحدة الموضوع فتشمله إطلاقات الأدلة. وأما مع الشك فيها فالمرجع استصحاب النجاسة. والظاهر اختلاف ذلك بحسب الموارد.

لتحقق الاثنينية العرفية، ولا أقلّ من الشك في الوحدة، فيرجع إلى استصحاب بقاء النجاسة، ومن ذلك يظهر حكم الجدار أيضا، إذ الظاهر تحقق الاثنينية بين طرفيها، فالمدار على صدق الوحدة العرفية والتبعية كذلك.

مع صدق الوحدة العرفية.

مع عدم الصدق أو الشك فيه.

لشمول العموم للطرفين.

«الرابع»: الاستحالة وهي تبدل حقيقة الشي‏ء وصورته النوعية إلى صورة أخرى (۱۷۰). فإنّها تطهّر النجس، بل والمتنجس (۱۷۱)، كالعذرة تصير ترابا، والخشبة المتنجسة إذا صارت رمادا، والبول والماء المتنجس بخارا، والكلب ملحا وهكذا كالنطفة تصير حيوانا، والطعام النجس جزءا من الحيوان (۱۷۲). و أما تبدل الأوصاف وتفرّق الأجزاء، فلا اعتبار بهما، كالحنطة إذا صارت طحينا (۱۷۳) أو عجينا، أو خبزا (۱۷٤)، والحليب إذا صار جبنا (۱۷٥). وفي صدق الاستحالة على صيرورة الخشب فحما تأمل (۱۷٦)، وكذا في صيرورة الطّين خزفا أو آجرا (۱۷۷) ومع الشك في الاستحالة لا يحكم بالطهارة.

وهي من المبيّنات العرفية، ولا بد من الرجوع في فهم حقيقتها إلى العرف. وإذا راجعناهم يحكمون بأنّ المراد بها تبدل موضوع الحكم بالنجاسة بحسب المتفاهم من الأدلة، بل يكون كذلك عقلا أيضا، لأنّ تقوم الحكم بموضوعه المأخوذ في دليله عقليّ، فمع انتفاء الموضوع ينتفي الحكم لا محالة، وليس للفقهاء اصطلاح خاص حتى نحتاج إلى بيان تعريفاتهم، لأنّ مرادهم بيان المعنى العرفي لها أيضا. ولم يرد لفظ الاستحالة في الأدلة الشرعية حتّى يحتاج إلى البحث والاجتهاد، بل في تسميتها من المطهّرات مسامحة واضحة، إذ المتفاهم منها بقاء الموضوع وزوال وصف النجاسة، وأما تبدل أصل الموضوع فهو من السالبة بانتفاء الموضوع.

ثمَّ إنّ للاستحالة مراتب متفاوتة، والمراد منها في المقام الصدق العرفي بأن يصدق على الشي‏ء التراب- مثلا- ولا يصدق عليه العذرة، ودليل الطهارة بها واضح، لأنّ موضوع النجاسة إنّما هو العناوين الخاصة، ولا ريب في تبدلها بالاستحالة فلا يجري إطلاق أدلة تلك العناوين، ولا الاستصحاب لتبدل الموضوع وحينئذ فتشمله إطلاقات أدلة المستحال إليه، فيكون طاهرا لا محالة.

هذا إذا أحرز تبدل الموضوع واقعا، فتكون الطهارة في المستحال إليه واقعية.

و أما الشك فيه بحيث لا يجري استصحاب النجاسة من جهة اختلاف الموضوع فالمرجع قاعدة الطهارة، وتكون الطهارة ظاهرية حينئذ. وبعد كون المرجع في موضوع الاستحالة هو العرف ومسلّمية حكمها عند الفقهاء، فإن وقع‏ النزاع في بعض أفرادها، فهو صغرويّ، لا أن يكون نزاعا في حكم أصل الاستحالة. وظاهرهم الإجماع على تحققها في الرماد والدخان.

و تردد المحقّق رحمه اللّه في المعتبر في الفحم، ولا وجه له، خصوصا في بعض مراتبه لأنّ الفحم غير الخشب عرفا ولغة. ونسب إلى المبسوط نجاسة دخان الدهن المتنجس والظاهر أنّه ليس لأجل النزاع في الاستحالة، بل لأجل تصاعد الأجزاء الدهنية النجسة، كما لا يخفى على من راجع كلماته. وظاهرهم التسالم على تحقق الطهارة في صيرورة الماء النجس بخارا. وكذا استحالة العذرة إلى الدود والتراب وصيرورة الكلب والخنزير ملحا، والنطفة حيوانا، والماء والغذاء النجس لبنا، أو عرفا، والوجه في طهارة جميع ذلك صدق عنوان المستحال إليه على المذكورات، ولا نحتاج بعد ذلك إلى الإجماع، وقاعدة الطهارة، مع صحة التمسك بهما أيضا. وإشكال جمع في صيرورة الكلب ملحا، إنّما هو لأجل الجهات الخارجية، لا من جهة الإشكال في مطهّرية أصل الاستحالة فيكون النزاع في أنّه هل تحققت الاستحالة بالنسبة إلى جميع الخصوصيات أم لا؟

لأنّ معروض النجاسة الصورة النوعية، وهي تزول بالاستحالة فيزول حكم النجاسة قهرا. ولا منشأ للحكم بالنجاسة في استحالة المتنجس إلّا القول بأنّ المعروض مطلق الجسم. ولا وجه له ثبوتا، لأنّ الجسم المطلق من حيث هو لا تحقق له في الخارج إلا في ضمن الصورة النوعية الخاصة فهي المحكومة بالأحكام الشرعية، وكذا لا دليل عليه إثباتا، بل مقتضى المتفاهمات العرفية خلافه، فيكون النزاع في أنّ استحالة المتنجس توجب الطهارة أم لا، صغرويا، لا كبرويّا. فمن يقول بأنّ معروض النجاسة الصور النوعية يقول بالأول. ومن يقول بأنّه مطلق الجسمية يقول بالثاني، ولكن لا طريق له إلى إثباته، لا من العقل، ولا من النقل.

نعم، مع الشك في أصل الاستحالة يجري استصحاب النجاسة بلا شبهة، ومع الشك في بقاء موضوع الاستصحاب، فالمرجع قاعدة الطهارة، لعدم جريان دليل المستحال منه، ولا المستحال إليه، ولا الاستصحاب، للشك في الموضوع. فتصل النوبة قهرا إلى قاعدة الطهارة، كما هو واضح إلى النهاية.

و ما يقال: من أنّ مدرك التطهير بالاستحالة منحصر في الإجماع، ولا إجماع في المتنجس لوجود الخلاف فيه.

(مخدوش) بأنّ المدرك قاعدة انتفاء الحكم بانتفاء الاسم التي مرّت إليها الإشارة(۱٤٦)، والإجماع حاصل منها، لا أن يكون إجماعا تعبّديا، وتلك القاعدة تشمل النجس والمتنجس، كما لا يخفى فيشكل الاعتماد على مثل هذه الإجماعات.

لأنّ في الجميع المستحال منه، وما استحال إليه نوعين مختلفين عرفا، ولكلّ منهما آثار مختلفة تكشف عن اختلاف الحقيقة بينهما، فيختلف حكمهما قهرا. ثمَّ إنّ الظاهر عدم الفرق بين أن تكون الاستحالة بالتبدلات التكوينية، أو الصناعية الحديثة بعد عدم صدق اسم المستحال منه على المستحال إليه.

لشهادة العرف، والاتفاق، والاستصحاب على عدم الاستحالة فيه.

على المشهور، ويدل عليه- مضافا إلى الاستصحاب- صحيح ابن أبي عمير:

«قيل لأبي عبد الله عليه السلام: في العجين يعجن من الماء النجس‏ كيف يصنع به؟ قال: يباع ممن يستحل أكل الميتة»(۱٤۷).

و أما مرسلة الآخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «يدفن ولا يباع»(۱٤۸)، فيدل على النجاسة.

و أما بالنسبة إلى البيع فمحمول على من لا يستحل الميتة جمعا، أو على ما إذا كان المشتري مسلما مع عدم الإعلام.

كما أنّ صحيحه الثالث: «في عجين عجن وخبز، ثمَّ علم أنّ الماء كان فيه الميتة، قال: لا بأس أكلت النار ما فيه»(۱٤۹). محمول على ميتة ما لا نفس له، أو على ما إذا كان الماء من البئر بقرينة خبر الزبيري، وتكون من أدلة عدم انفعال البئر، كما استقر عليه المذهب.

و أما قوله عليه السلام: «أكلت النار ما فيه» فإرشاد إلى زوال مطلق الحزازة، لا زوال النجاسة الاصطلاحية.

و كذا خبر الزبيري: «عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز؟ قال: إذا أصابته النار فلا بأس بأكله»(۱٥۰).

هذا مع أنّ قصور سند الأخير، وإعراض المشهور عنه- على فرض نجاسة البئر- أسقطه عن الاعتبار.

ثمَّ إنّه قد تقدم جواز بيع النجاسات فكيف بالمتنجسات مع وجود المنافع المحللة فيها، فيجوز بيعها من المسلم أيضا مع الإعلام. ولعلّ قوله عليه السلام: «يباع ممن يستحل الميتة» للإرشاد إلى تنزه المسلمين عن هذه الأمور وإن كانت مباحة لهم.

هذا مع أنّ المشهور بين الفقهاء أنّه يجب على المسلمين إجراء حكم المسلم على الكفار إلا ما خرج بالدليل، وحينئذ يجب إعلامهم بالنجاسة أيضا، كما إذا بيع من المسلم. إلا أن يقال: إنّ الإعلام لغو بالنسبة إليهم، لفرض‏ نجاستهم ونجاسة رطوباتهم مطلقا، فلا أثر للإعلام، لأنّ وجوبه مقدّميّ، لا نفسيّ.

ظهور الإجماع على عدم الاستحالة، ولاستصحاب بقاء النجاسة.

من جهة الشك في بقاء الموضوع وعدمه، ولكن العرف يحكم بالاستحالة في الفحم، خصوصا في بعض مراتبه. مضافا إلى أنّه مع بقاء الشك في بقاء الموضوع لا وجه للتمسك بدليل المستحال منه، ولا المستحال إليه، لأنّه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، كما لا وجه للاستصحاب للشك في أصل الموضوع، فيكون المرجع قاعدة الطهارة.

نسب القول بالاستحالة والطهارة فيهما إلى الأكثر، وعن الشيخ دعوى الإجماع على الطهارة. وعن جمع منهم الشهيد الثاني القول: بعدمها وبقاء النجاسة. وعن آخرين التوقف في المسألة. وهذا الفرع يذكر هنا وفي التيمم، كما يذكر في مسجد الجبهة. وربما يختلف نظر الفقيه الواحد في المقامات الثلاثة. والنزاع صغرويّ، لا أن يكون كبرويا.

و البحث فيه تارة: بحسب الأصل. وأخرى: بحسب الاستظهارات العرفية. وثالثة: بحسب الأدلة.

أما الأول فمقتضى الأصل بقاء الشي‏ء على حالته الأولية، وعدم عروض عنوان الاستحالة، وعدم حصول الطهارة مع بقاء وحدة الموضوع عرفا، وأما مع التعدد أو الشك في الوحدة، فالمرجع قاعدة الطهارة.

و أما الثاني فمقتضى قاعدة (أنّ اختلاف الآثار يكشف عن اختلاف الحقيقة). تحقق الاستحالة، فيكون الطين مع كلّ من الجص والخزف، والآجر مختلفا ومباينا، وحينئذ لا يبقى مورد للأصل، لأن تلك القاعدة كالأمارة المقدمة عليه.

و أما الأخير فليس في البين الا دعوى الإجماع عن الشيخ على الطهارة، وصحيح ابن محبوب الذي تقدم‏(۱٥۱)، لكن الصحيح مجمل، واعتبار ما ادعاه الشيخ من الإجماع أول الدعوى. وقاعدة كشف اختلاف الآثار عن اختلاف الحقائق مسلمة إن كان الاختلاف في جميع الآثار وتمامها، لا في الجملة، فيمكن أن يكون اختلاف كلّ من الخزف والجص والآجر مع الأرض، كالاختلاف بين اللحم الطريّ والمشويّ ولكن لا ريب في أنّ الشك في تعدد الموضوع يوجب سقوط الاستصحاب فالمرجع قاعدة الطهارة. وقد جزم الماتن في (فصل ما يصح به التيمم) و(مسجد الجبهة) بعدم جواز التيمم والسجود عليها. وهنا أشكل في الاستحالة مع سكوت أعلام المحشّين رحمهم اللّه في الموضعين.

ثمَّ إنّ الشك في الاستحالة (تارة): يكون في أصل الجعل الشرعي، بأن يكون الشك في أنّ الشارع جعلها من المطهّرات أم لا؟ والمرجع حينئذ أصالة عدم الجعل. (و أخرى): في مفهومها بعد العلم بالجعل، ولا وجه فيه للتمسك بالأدلة اللفظية مطلقا، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. كما لا يجري الاستصحاب لا في الحكم، للشك في موضوعه. ولا في الموضوع، لأنّ الشك في بقاء الموضوع، لا في موضوعية الباقي والمرجع حينئذ قاعدة الطهارة.

(و ثالثة): في مجرد بقاء الموضوع الخارجي كما إذا علم بوقوع الكلب- مثلا- في المملحة وشك لأجل الظلمة أو العمى أو نحوهما في الاستحالة وعدمها، فيجري استصحاب بقاء الكلب على ما كان عليه، ومعه لا تصل النوبة إلى استصحاب النجاسة، لتقدم الأصل الموضوعيّ على الحكميّ. وهذا القسم هو مراد الماتن من الحكم بعدم الطهارة.

فرع: ظاهر الفقهاء اعتبار عدم وجود الرطوبة المسرية في مورد الاستحالة. والا، تبقى النجاسة بحالها، وإن تحقّقت الاستحالة، لأصالة بقاء الرطوبة على النجاسة، وعدم تحقق الاستحالة بالنسبة إليها، إلا إذا قلنا بالطهارة التبعية في مورد الاستحالة أيضا.

«الخامس»: الانقلاب كالخمر تنقلب خلّا (۱۷۸) فإنّه يطهر، سواء كان بنفسه أم بعلاج (۱۷۹) كإلقاء شي‏ء من الخلّ أو الملح فيها (۱۸۰)، سواء استهلك أو بقي على حاله (۱۸۱). و يشترط في طهارة الخمر بالانقلاب عدم وصول نجاسة خارجية إليها، فلو وقع فيها- حال كونها خمرا- شي‏ء من البول أو غيره، أو لاقت نجسا لم تطهر بالانقلاب (۱۸۲).

قد اشتهرت عناوين ستة في الألسنة: الاستحالة، وتبدل الأوصاف وتبدل الأجزاء، والانقلاب، والانتقال، والاستهلاك، ويجمعها التغاير في الجملة. والأول كالعذرة تصير ترابا، وهي من المطهّرات، كما تقدم. والثاني كالحليب يصير جبنا. والثالث كالحنطة تصير دقيقا، وتقدم عدم الاستحالة بهما فلا يوجبان زوال النجاسة. والرابع مطهّر نصّا وإجماعا، وليس له إلا مصداق واحد وهو انقلاب الخمر خلا فقط، ولا مورد له غير ذلك، ويأتي في المسألة الخامسة أنّه عبارة عن مجرد تغير الاسم، دون تبدل الحقيقة النوعية.

و فيه إشكال: لأنّ الخلّ والخمر حقيقتان مختلفتان لغة وعرفا وأثرا وواقعا، وتقدم أنّ للاستحالة مراتب متفاوتة فإذا قلنا بجريان الاستحالة في المائعات أيضا يكون الانقلاب من أفراد الاستحالة، فيكون النص الوارد فيه موافقا للقاعدة. وإذا قلنا- كما هو المشهور- باعتبار عدم الرطوبة المسرية في مورد الاستحالة تكون الطهارة بالانقلاب تعبدية للنص‏(۱٥۲)، والإجماع ويأتي معنى الانتقال في السابع من المطهّرات، ومعنى الاستهلاك في المسألة السابعة.

أما الأول فبضرورة المذهب، بل الدّين. والمستفيضة من نصوص المعصومين عليهم السلام. أما الثاني فللإجماع، وإطلاق جملة من النصوص، وما ورد فيه بالخصوص، ففي صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام قال:

«سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلا؟ قال: لا بأس»(۱٥۳)، وفي صحيح ابن المهتدي قال: «كتبت إلى الرضا عليه السلام: جعلت فداك العصير يصير خمرا فيصب عليه الخلّ وشي‏ء يغيّره حتّى يصير خلا. قال: لا بأس به»(۱٥٤)، وعن أبي بصير عن الصادق عليه السلام: «أنّه سئل عن الخمر تعالج بالملح وغيره لتحول خلا. قال: لا بأس- الحديث-»(۱٥٥) إلى غير ذلك من الروايات.

و أما خبر أبي بصير(۱٥٦) عنه عليه السلام: «سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ فقال: لا، إلا ما جاء من قبل نفسه».

فمحمول على الكراهة، جمعا بينه وبين خبره الآخر عنه عليه السلام أيضا عن الخمر: «يصنع فيها الشي‏ء حتّى تحمض؟ قال: إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا بأس به»(۱٥۷).

هذا مضافا إلى الوهن بقصور السند، وإعراض المشهور.

و كذا خبر العيون عن عليّ عليه السلام: «كلوا ما انفسد ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم»(۱٥۸). مع إمكان حمل مثل هذه الأخبار على ما إذا أزيل السكر ولم تصر خلا، فلا تطهر حينئذ، كما يأتي.

هما منصوصان فيما تقدم من خبري أبي بصير وابن المهتدي، ويشملهما إطلاق الشي‏ء في سائر الأخبار.

على المشهور، للإطلاق الشامل لهما، كما أنّ مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين كون ما يعالج به مائعا أو جامدا، لأنّ أدلة طهارة الخمر بالانقلاب‏ تشمل جميع ذلك بالملازمة العرفية، بل صرّح في صحيح ابن المهتدي بصبّ الخلّ عليه، والظاهر كونه من باب المثال، فيشمل مطلق المائع.

لاستصحاب النجاسة بعد قصور الأدلة عن إثبات الطهارة بمثل هذا الانقلاب، سواء قلنا بأنّ النجس ينفعل بملاقاة نجس آخر أم لا. أما على الأول فلأنّ دليل الطهارة بالانقلاب يدل على طهارة الخمر بالانقلاب فقط، فتصير خلا متنجسا بالنجاسة الخارجية. وأما على الثاني فلأنّ عدم نجاسة الخمر بنجاسة نجس آخر القي فيه لا يلازم زوال نجاسة ذلك النجس الآخر، فتستصحب نجاسته إلى أن تثبت الطهارة، ودليل مطهرية الانقلاب لا يثبت الطهارة، لا بالملازمة العرفية، ولا الشرعية، كما هو واضح. ومن ذلك يعلم الوجه في المسألة اللاحقة فلا نحتاج إلى الإعادة.

نعم، لو ألقيت فيه خمر وانقلبت تلك الخمر أيضا، فالظاهر شمول دليل مطهّرية الانقلاب لها حينئذ، لعدم تفرقة العرف في طهارة الخمرين بالانقلاب، فيشملها الإطلاق حينئذ.

(مسألة ۱): العنب أو التمر المتنجس إذا صار خلّا لم يطهر. و كذا إذا صار خمرا، ثمَّ انقلب خلّا (۱۸۳).

لما مرّ من استصحاب النجاسة، بلا دليل حاكم عليه.

(مسألة ۲): إذا صبّ في الخمر ما يزيل سكرها لم تطهر وبقيت على حرمتها (۱۸٤).

لإطلاق الأدلة، وأصالة بقاء النجاسة والحرمة، وما في بعض الأخبار من أنّه «إذا ذهب سكره فلا بأس»(۱٥۹)، و«إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به»(۱٦۰) مقيد بما إذا كان ذلك بالتخليل فقط، ولم يعمل أحد من الأصحاب بإطلاقهما.

هذا مع صدق الموضوع عرفا. وأما مع عدم الصدق، أو الشك فيه فلا وجه للتمسك بهما، فيكون المرجع قاعدتي الحلية والطهارة، إن لم يكن إجماع في البين. ولو جعل في العنب شي‏ء يمنع عن حصول صفة الإسكار فيه بعد نشيشه مع تحقق سائر صفات الخمر، فلا مورد للإطلاق والاستصحاب، وينحصر المرجع في قاعدتي الحلية والطهارة.

(مسألة ۳): بخار البول أو الماء المتنجس طاهر (۱۸٥)، فلا بأس بما يتقاطر من سقف الحمام الا مع العلم بنجاسة السقف.

هذه المسألة من فروع: أنّ البخار من الاستحالة، أو من تفرق الأجزاء، فعلى الأولى يكون طاهرا، بخلاف الثاني والعرف واختلاف الأثر يدلّان على الأول، ومع الشك في أنّه من أيّهما، فالمرجع قاعدة الطهارة بعد عدم جواز التمسك بالأدلة اللفظية، وبالاستصحاب، للشك في الموضوع، وتقدم في [مسألة ٤] من فصل المياه، بعض الكلام‏(۱٦۱).

(مسألة ٤): إذا وقعت قطرة خمر في حبّ خلّ، واستهلكت فيه لم يطهر، وتنجس الحلّ إلا إذا علم انقلابها خلّا بمجرد الوقوع فيه (۱۸٦).

أما عدم طهارة القطرة الواقعة فلما دل على نجاسة الخمر، وأصالة بقائها إلى ما بعد ورودها في الخلّ. وأما تنجس الخلّ فلأنّه مائع مضاف لاقى نجسا فينفعل بمجرد الملاقاة، ولا أثر لاستهلاك النجس في المضاف، بل يتنجس المضاف بمجرد الملاقاة، وقد تقدم في [مسألة ۱] من فصل المياه بعض الكلام فراجع‏(۱٦۲). وأما إذا علم بانقلابها خلا بالوقوع فيه، فالصور المتصورة فيه ثلاث:

(الاولى) انقلابها خلا قبل الوقوع في الخلّ، فلا إشكال في طهارة الخلّ‏ وطهارة القطرة الواقعة فيه، لأنّها خلّ وقعت في الخلّ.

(الثانية): الانقلاب بعد الوقوع، فلا ريب في نجاسة الخلّ، لما مرّ من أنّه مضاف لاقى النجس فينجس.

(الثالثة): الانقلاب إلى الخلّ في آن الوقوع فيه بالدقة العقلية، ويشكل التمسك بما دل على أنّ ملاقاة النجس موجب للانفعال في هذه الصورة، لكونه من التمسك بدليل يشك في موضوعه، كما يشكل التمسك بما دل على مطهرية الانقلاب أيضا لذلك، فيرجع إلى استصحاب طهارة الخلّ بلا دليل حاكم عليها، وهذه الصورة نظير ما تقدم في [مسألة ۷] من فصل المياه‏(۱٦۳).

و أما ما نسب إلى الشيخ رحمه الله في النهاية: من أنّه إذا وقع شي‏ء من الخمر في الخلّ لم يجز استعماله الا بعد أن يصير ذلك الخمر خلا. فإن أراد الصورة الثالثة فهو. والا فلم يعلم الوجه فيه، بل هو ظاهر الخدشة كما تقدم.

(مسألة ٥): الانقلاب غير الاستحالة (۱۸۷)، إذ لا تتبدل فيه‏ الحقيقة النوعية بخلافها، ولذا لا تطهر المتنجسات به وتطهر بها (۱۸۸).

للاستحالة مراتب متفاوتة، والانقلاب من بعض مراتبها بلا شبهة.

و الفرق بينهما: أنّ الاستحالة تختص بما ليست فيه رطوبة مسرية، والانقلاب يختص بمائع مخصوص لدليل خاص. ولو قيل بأنّ الاستحالة تجري حتّى فيما فيه الرطوبة المسرية أيضا لما نحتاج في مطهّرية الانقلاب إلى دليل خاص به، بل نقول بالطهارة لو استحال الدم- مثلا- إلى الماء ولكنّه خلاف المصطلح بين الفقهاء رحمهم اللّه وإن كان الظاهر تسالمهم على طهارة انقلاب الدم بالقيح.

و التعليل في قوله رحمه الله تعالى: «إذ لا تبدل فيه للحقيقة النوعية».

(مخدوش) لاختلاف الخمر والخلّ في الآثار الكاشف عن الاختلاف في الحقيقة، وحق التعليل أن يقال: إنّه يختص بالمائع ومورد خاص بخلاف الاستحالة فإنّها تختص بغيره.

أما عدم طهر المتنجسات بالانقلاب فلاستصحاب بقاء النجاسة بالنسبة إلى ذات الجسم الموجود في الموردين، فلا ينافي ما تقدم في الخامس من المطهرات‏(۱٦٤)، لأنّ الحكم تعلق هناك بالصور النوعية بخلاف المقام الذي يكون موضوع الحكم هو ذات الجسم وهو باق في الحالتين .. بعد اختصاص دليل مطهّريته بمورد خاص- وهو انقلاب الخمر خلا- فقط.

و أما طهرها بالاستحالة فلانتفاء الحكم بانتفاء الموضوع قهرا. ولكن بشرط أن لا يكون من المائعات ولم تكن فيه الرطوبة المسرية على المشهور.

(مسألة ٦): إذا تنجس العصير بالخمر ثمَّ انقلبت الخمر خلّا، لا يبعد طهارته، لأنّ النجاسة العرضية صارت ذاتية (۱۸۹) بصيرورته‏ خمرا، لأنّها هي النجاسة الخمرية (۱۹۰)، بخلاف ما إذا تنجس العصير بسائر النجاسات فإنّ الانقلاب إلى الخمر لا يزيلها، ولا يصيّرها ذاتيّة، فأثرها باق بعد الانقلاب أيضا.

المنساق إلى الأذهان السليمة أنّ النجاسة العرضية تنعدم عند صيرورتها ذاتية مع كونهما من صنف واحد، والأدلة الشرعية قاصرة عن إثبات نجاستين في موضوع واحد مع كونهما من صنف واحد. فمع زوال النجاسة الذاتية بالانقلاب تحصل الطهارة لا محالة.

و أما ما يقال: في وجه عدم إمكان اجتماع نجاستين، إن كانتا من صنف واحد، بأنّه من اجتماع المثلين، وهو باطل. (فمخدوش): بأنّ اجتماع المثلين الباطل إنّما هو في الموجودات الخارجية، دون الاعتباريات، شرعية كانت، كالطهارة والنجاسة أو غيرها، لأنّها تدور مدار اعتبار المعتبر، وفي مورد اتحاد الأثر لا وجه للاعتبار، وفي مورد الاختلاف يعتبر الأثر الزائد. كما أنّ ما يجاب به على فرض كون المقام من اجتماع المثلين الباطل: من تعدد الموضوع، فإنّ موضوع النجاسة الذاتية، حقيقة الخمرية، وموضوع النجاسة العرضية ذات العصير وهما مختلفان. (مخدوش) أيضا، لكون الموضوع في‏ كلّ منهما ذات الجسم، وهذا الاختلاف اعتباريّ عقليّ وهو غير موجب لتعدد وجود الموضوع خارجا، كما لا يخفى.

فيصح فيها التضاعف والاشتداد، لما مرّ: من أنّ النجاسة اعتبارية، واعتبار التضاعف والاشتداد في الاعتباريات لا بأس به.

(مسألة ۷): تفرق الأجزاء بالاستهلاك (۱۹۱) غير الاستحالة ولذا لو وقع مقدار من الدم في الكرّ واستهلك فيه، يحكم بطهارته (۱۹۲)، لكن لو اخرج الدم من الماء بآلة من الآلات المعدّة لمثل ذلك عاد إلى النجاسة (۱۹۳)، بخلاف الاستحالة فإنّه إذا صار البول بخارا ثمَّ ماء، لا يحكم بنجاسته، لأنّه صار حقيقة أخرى. نعم، لو فرض صدق البول عليه يحكم بنجاسته بعد ما صار ماء (۱۹٤). و من ذلك يظهر حال عرق بعض الأعيان النجسة أو المحرّمة، مثل عرق لحم الخنزير، أو عرق العذرة أو نحوهما، فإنّه إن صدق عليه الاسم السابق (۱۹٥) وكان فيه آثار ذلك الشي‏ء وخواصه يحكم بنجاسته أو حرمته، وإن لم يصدق عليه ذلك الاسم، بل عدّ حقيقة أخرى ذات أثر آخر وخاصيّة أخرى، يكون طاهرا وحلالا. وأما نجاسة عرق الخمر فمن جهة أنّه مسكر مائع، وكلّ مسكر نجس.

الاستهلاك: عبارة عن زوال الوحدة الاتصالية التي تكون في الشي‏ء، وصيرورة ذلك الشي‏ء أجزاء متفرقة متناهية- بناء على تحقق الجزء الذي لا يتجزأ- وغير متناهية- بناء على امتناعه- مع بقاء الحقيقة النوعية وآثارها في تلك الأجزاء واقعا.

الحكم بالطهارة في مورد الاستهلاك فطريّ عقليّ، لأنّ زوال النجاسة لعدم الموضوع لها، فلا موضوع للنجاسة حتّى يحكم بها. ثمَّ إنّه لا اختصاص بالاستهلاك بخصوص الكرّ، بل يجري الحكم في الاستهلاك في مطلق المعتصم. نعم، لا وجه للاستهلاك في القليل والمضاف مطلقا، لأنّه ينفعل المستهلك فيه بأول الملاقاة.

إن صدق الدم عليه فعلا فيتعلق به الحكم بالنجاسة قهرا، وكذا فيما يأتي في البول.

بناء على نجاسة كلّ بول ولو تكوّن من الماء، لأنّ ما كان من الحيوان قد انعدم، وهذا بول آخر حصل من الماء. نعم، لو صدق عليه عين البول السابق الذي كان من الحيوان غير المأكول فلا ريب في نجاسته حينئذ ولكن في كون مثل هذه الاستحالة من المطهّرات بحث، لفرض العلم ببقاء أجزاء المستحال منه في المستحال إليه.

عرق الأعيان النجسة (تارة): يعلم بوجود عين النجس فيه، أو بملاقاته له، فلا إشكال في النجاسة، وكذا لو علم بتصاعد أجزاء النجس إليه بواسطة الحرارة ونحوها. (و اخرى): يعلم بعدم عين النجس فيه، وعدم الملاقاة له وعدم تصاعد الأجزاء إليه. (و ثالثة): يشك في ذلك. ومقتضى قاعدة الطهارة الحكم بها في الصورتين الأخيرتين بعد كون العرق من الاستحالة عرفا وإن كانت فيه خواص ذلك الشي‏ء وآثاره، لأنّ ذلك أعمّ من كونه من النجاسات المنصوص عليها بالخصوص. نعم، لو سمّي باسم ذلك الشي‏ء عرفا، فالنجاسة وعدمها مبنيان على أنّ نجاسة تلك العناوين مختصة بما إذا تكوّنت بأسبابها الطبيعية الخاصة، أو تشمل غيرها أيضا. ومنشأ الإشكال الجمود على الإطلاق الاسمي، أو دعوى الظهور في المتعارف الخارجي. ومن ذلك يعلم حكم العرق المتخذ من الأعيان المحرّمة، فمع وجود أجزاء الحرام فيه- ولو بالتصاعد- يحرم، ومع العلم بالعدم أو الشك، فمقتضى قاعدة الحليّة عدم الحرمة.

(مسألة ۸): إذا شك في الانقلاب بقي على النجاسة (۱۹٦).

مع بقاء الموضوع، للاستصحاب. والا فمقتضى القاعدة، الطهارة.

«السادس»: ذهاب الثلاثين في العصير العنبي (۱۹۷)، على القول بنجاسته بالغليان. لكن قد عرفت أنّ المختار عدم نجاسته، وإن كان الأحوط الاجتناب عنه. فعلى المختار فائدة ذهاب الثلاثين تظهر بالنسبة إلى الحرمة، وأما بالنسبة إلى النجاسة فتفيد عدم الإشكال لمن أراد الاحتياط. و لا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو بالشمس أو بالهواء (۱۹۸). كما لا فرق في الغليان الموجب للنجاسة- على القول بها- بين المذكورات، كما أنّ في الحرمة بالغليان التي لا إشكال فيها، والحليّة بعد الذهاب كذلك، أي لا فرق بين المذكورات (۱۹۹) وتقدير الثلث والثلاثين إما بالوزن، أو بالكيل، أو بالمساحة (۲۰۰). و يثبت بالعلم وبالبينة، ولا يكفي الظنّ. وفي خبر العدل الواحد إشكال (۲۰۱)، الا أن يكون في يده، ويخبر بطهارته وحليته وحينئذ يقبل قوله، وإن لم يكن عادلا، إذا لم يكن ممن يستحله قبل ذهاب الثلاثين (۲۰۲).

«مطهّرية ذهاب الثلاثين» ، لا ريب في ثبوت الأثر له في الجملة نصّا(۱٦٥) وإجماعا، وضرورة من الفقه. أما بالنسبة إلى الطهارة والتحليل معا لو قلنا: بحصول النجاسة أيضا بالغليان. أو بالنسبة إلى الأخير فقط، إن قلنا: بعدم حصولها به، وحيث تقدم عدم حصول النجاسة فينحصر أثره في التحليل. ثمَّ إنّ العصير إن صار خمرا، فينحصر التطهير، والتحليل بالتخليل فقط. وإن لم يصر خمرا فيحصلان بالتخليل إجماعا، وبذهاب الثلاثين بالإجماع والنصوص المستفيضة بل المتواترة التي يأتي بعضها.

مدرك هذا التعميم الجمود على إطلاق قوله عليه السلام: «حتّى‏ يذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه»(۱٦٦).

و يمكن انصرافه عرفا، بل ظهوره في الذهاب بالنار، فالتعميم مشكل، فراجع أخبار الباب‏(۱٦۷) تجد لفظ الطبخ في جملة منها، كقوله عليه السلام: «إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال»(۱٦۸).

و لا ريب في ظهور لفظ «إن طبخ» في الطبخ بالنار فتكون المطلقات‏(۱٦۹) أيضا منصرفة إليه، ومع الشك فالمرجع استصحاب الحرمة والنجاسة على القول بها.

لظهور الأدلة في التعميم، كقوله عليه السلام:

«لا يحرم العصير حتّى يغلي»(۱۷۰)، وقوله عليه السلام: «تشرب ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه قلت: أيّ شي‏ء الغليان؟ قال: القلب»(۱۷۱) وقوله عليه السلام: «إذا نشّ العصير أو غلى حرم»(۱۷۲)، وقوله عليه السلام: «إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه»(۱۷۳).

إلى غير ذلك من الأخبار. نعم، إذا غلى بنفسه وصار مسكرا، فطهره وتحليله منحصر بتخليله.

المدار على إحراز ذهاب الثلاثين بأيّ وجه تحقق، ويمكن أن يعلم‏ بغير ذلك كالغلظة واللون ونحوهما، وربما كان العامي الذي يكون من أهل الخبرة بهذه الصناعة أبصر من الفقيه بطرق العلم بذهاب الثلاثين. وما ورد في خبر عمار من الكيل‏(۱۷٤)، وفي خبر ابن أبي يعفور من الوزن‏(۱۷٥) ليس لأمر تعبدي حتّى يبحث عنه، بل إرشاد إلى ما يصلح أن يكون طريقا لإذهاب الثلاثين، وما يلزم على الشارع إنّما هو بيان ماله دخل في الحلية من حيث الحكم الكلّي، وهو ذهاب الثلاثين، وأما تشخيص الموارد الجزئية الخارجية فليس ذلك من وظيفة الشارع، ولا بد من إيكاله إلى المتعارف.

نعم، هنا إشكال، وهو أنّ التحديد الوزني أخصّ من غيره، فكيف يصح أن يجعل الأعمّ معرّفا حينئذ. ويدفع: بأنّه يمكن أن يكون التفاوت بما يتسامح فيه وهو مما لا بد منه في مثل هذه التحديدات، كما في تحديد الكرّ بالأشبار. ولو كان التفاوت بما لا يتسامح فيه فلا بد من التحديد الوزني.

أما الثبوت بالعلم فهو من الضروريات. وأما بالبينة فلعموم دليل اعتبارها كما تقدم‏(۱۷٦). وأما عدم الثبوت بالظنّ، فلأصالة عدم اعتباره وأما الإشكال في العدل الواحد فقد تقدم مكرّرا، فراجع‏(۱۷۷).

أما اعتبار قول ذي اليد فلبناء العقلاء، ولصحيح معاوية(۱۷۸) وأما عدم الاعتبار به في المقام إذا استحله، فلسقوط قوله بذلك، مع أنّه منصوص(۱۷۹) بالخصوص. وأما صحيح ابن جعفر:

«لا يصدق إلا أن يكون مسلما عارفا»(۱۸۰)، وخبر عمار: «إن كان مسلما ورعا مؤمنا» كما في الوسائل‏(۱۸۱)، «و إن كان مسلما عارفا مأمونا» كما في الجواهر.

فمحمولان إما على ما إذا كان ذو اليد غير مبال بالدين، أو على الندب.

و إلا فإطلاقهما مناف للسيرة، ولسهولة الشريعة.

(مسألة ۱): بناء على نجاسة العصير إذا قطرت منه قطرة بعد الغليان على الثوب أو البدن أو غيرهما يطهر بجفافه، أو بذهاب ثلثيه، بناء على ما ذكرناه من عدم الفرق بين أن يكون بالنار أو بالهواء. وعلى هذا فالآلات المستعملة في طبخه تطهر بالجفاف وإن لم يذهب الثلثان مما في القدر، ولا يحتاج إلى إجراء حكم التبعية. لكن لا يخلو عن إشكال، من حيث إنّ المحلّ إذا تنجس به أولا لا ينفعه جفاف تلك القطرة، أو ذهاب ثلثيها، والقدر المتيقن من الطهر بالتبعية المحلّ المعد للطبخ، مثل القدر والآلات، لا كلّ محلّ كالثوب والبدن ونحوهما (۲۰۳).

لأنّ دليل الطهارة التبعية. إما الإجماع، أو السيرة، أو لزوم العسر والحرج. ولا بد في الأوليين من الاقتصار على المتيقن منها، وفي الأخير على مورد تحققهما. وإما إطلاق الأدلة فلا بد من الاقتصار على ما يفهم منه عرفا، والمقام ليس في شي‏ء من ذلك، فاستصحاب النجاسة غير محكوم بشي‏ء مطلقا.

(مسألة ۲): إذا كان في الحصرم حبّة أو حبّتان من العنب فعصر واستهلك لا ينجس ولا يحرم بالغليان (۲۰٤). أما إذا وقعت تلك الحبة في القدر من المرق أو غيره فغلى، يصير حراما ونجسا، على القول بالنجاسة (۲۰٥).

لأنّ الاستهلاك يوجب زوال الموضوع عرفا، فلا موضوع للحرمة، و لا يصدق غليان العصير العنبي حتّى ينجس. هذا إذا كان الغليان بعد الاستهلاك. وأما إذا كان قبله. فالظاهر أنّ غليانه يوجب النجاسة، على القول بها.

مع كون الغليان قبل الاستهلاك، وإن كان بعده فلا حرمة ولا نجاسة. وكذا في صورة الشك في أنّه كان قبله أو بعده، فإنّ مقتضى الأصل الحلية والطهارة فيها أيضا.

مسألة ۳): إذا صبّ العصير الغالي قبل ذهاب ثلثيه في الذي ذهب ثلثاه، يشكل طهارته وإن ذهب ثلثا المجموع (۲۰٦). نعم، لو كان ذلك قبل ذهاب ثلثيه وإن كان ذهابه قريبا فلا بأس به (۲۰۷). والفرق أنّ في الصورة الأولى ورد العصير النجس على ما صار طاهرا فيكون منجسا له، بخلاف الثانية فإنّه لم يصر بعد طاهرا فورد نجس على مثله. هذا ولو صب العصير الذي لم يغل على الذي غلى، فالظاهر عدم الإشكال فيه. ولعلّ السرّ فيه أنّ النجاسة العرضية صارت ذاتية، وإن كان الفرق بينه وبين الصورة الأولى لا يخلو عن إشكال (۲۰۸) ومحتاج إلى التأمل.

لاستصحاب بقاء النجاسة العرضية الحاصلة بملاقاة العصير المغلي لما زالت نجاسته وحلّ وطهر، والتثليث إنّما يؤثر في طهارة ما لم يثلث لا بالنسبة إلى ما ثلث وحلّ وطهر، ثمَّ حصلت له نجاسة عرضية، فلا حاكم على استصحاب النجاسة العرضية، ولا مزيل لها، ومن إطلاق الأحواليّ الدال على الطهارة الشامل لجميع ذلك.

يعني يطهر ويحل بعد العلم بذهاب ثلثي المجموع. أما على القول بعدم عروض النجاسة العرضية على العصير المغلي النجس مثل نجاسة من سنخها فواضح لا إشكال فيه، لعدم حدوث نجاسة أخرى حتى نبحث عن موجب الطهارة بالنسبة إليها، بل تنحصر النجاسة في النجاسة الذاتية وتزول بذهاب الثلاثين. وأما على القول به فحيث إنّ العصير المغليّ صار نجسا ذاتا ثمَّ عرضت عليه نجاسة أخرى مثلها، والذاتية تذهب بالتثليث فكذا العرضية التي تكون مثلها، وإلا لزم زيادة الفرع على الأصل المستنكرة عند المتشرعة.

ظهر مما تقدم عدم الإشكال، لأنّ النجاسة العرضية الحاصلة للعصير الطاهر في الصورة الأولى لم تقع على النجاسة العصيرية الذاتية. فلا مزيل لها، ومقتضى الأصل بقاؤها، بخلاف الثانية فإنّها وقعت على الذاتية، ومع زوال الذاتية بالتثليث تزول العرضية التي تكون مثلها قهرا.

(مسألة ٤): إذا ذهب ثلثا العصير من غير غليان لا ينجس إذا غلى بعد ذلك (۲۰۹).

تقدم الإشكال في هذا التعميم. نعم، إن كان ذلك بالنار فلا أثر للغليان بعد ذلك.

(مسألة ٥): العصير التمري أو الزبيبي لا يحرم ولا ينجس بالغليان على الأقوى (۲۱۰)، بل مناط الحرمة والنجاسة فيهما هو الإسكار.

وهو المشهور، وقد تقدم الوجه في نجاسة الخمر. فراجع.

(مسألة ٦): إذا شك في الغليان يبنى على عدمه، كما أنّه لو شك في ذهاب الثلاثين يبنى على عدمه (۲۱۱).

للأصل في الموردين.

(مسألة ۷): إذا شك في أنّه حصرم أو عنب‏يبنى على أنّه حصرم (۲۱۲).

الوجه في ذلك أصالة البقاء على الحصرمية، وعدم الاستحالة إلى العنبية.

(مسألة ۸): لا بأس بجعل الباذنجان أو الخيار أو نحو ذلك في الحبّ مع ما جعل فيه من العنب أو التمر أو الزبيب ليصير خلّا، أو بعد ذلك قبل أن يصير خلّا، وإن كان بعد غليانه أو قبله وعلم بحصوله بعد ذلك (۲۱۳).

لإطلاق أدلّة مطهّرية الانقلاب، وشمول دليل الطهارة التبعية لمثل هذه الأمور كشموله لغيرها مما يكون ملازما عادة مع العنب والتمر والزبيب، فكلّ ما يكون معها أو يجعل معها عادة يشمله دليل الطهارة التبعية.

(مسألة ۹): إذا زالت حموضة الخلّ العنبي وصار مثل الماء لا بأس به (۲۱٤)، الا إذا غلى فإنّه لا بد حينئذ من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلّا ثانيا.

فلا يحرم ولا ينجس بالغليان، لفرض أنّه خلّ وليس بعصير. هذا إذا كان خلا فاسدا، وأما إذا زالت الحموضة قبل صيرورته خلا. فإن كان عصيرا ولم ينقلب خمرا، فلا بد بعد الغليان من ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلا. وأما إن كان خمرا وصار مثل الماء فينحصر طهارته وتحليله في التخليل فقط.

(مسألة ۱۰): السيلان وهو عصير التمر أو ما يخرج منه بلا عصر، لا مانع من جعله في الأمراق، ولا يلزم ذهاب ثلثيه كنفس التمر (۲۱٥).

على المشهور المختار، وتقدم الوجه في [مسألة ۱] من نجاسة الخمر.

«السابع» الانتقال (۲۱٦): كانتقال دم الإنسان أو غيره مما له نفس إلى جوف ما لا نفس له كالبق، والقمل، وكانتقال البول إلى النبات والشجر ونحوهما. ولا بد من كونه على وجه لا يسند إلى المنتقل عنه والا لم يطهر، كدم العلق بعد مصّه من الإنسان (۲۱۷).

(مطهّرية الانتقال)، لا يخفى أنّ بين الانتقال وبين الاستحالة عموما من وجه، فيصدقان‏ معا في انتقال النجس أو المتنجس إلى الأشجار والأزهار والأثمار وتصدق الاستحالة دونه في استحالة الكلب ملحا- مثلا- ويصدق دونها في انتقال دم الإنسان إلى جوف البق ونحوه. وفي مورد تصادقهما يكفينا في الدليل على الطهارة ما تقدم في الاستحالة ولا نحتاج إلى إقامة دليل آخر. وفي غيره (تارة):

تصح إضافة النجس فعلا إلى المنتقل إليه ولا تصح إلى المنتقل عنه إلا بعلاقة ما كان. (و أخرى): بعكس ذلك. (و ثالثة): يشك في أنّه من الأولى أو الثانية. ودليل الطهارة في الأولى- مضافا إلى الإجماع والسيرة- إطلاق دليل طهارة المنتقل إليه، كالأخبار الواردة في طهارة دم البق والقمل‏(۱۸۲). ولا وجه للطهارة في الثانية، لفرض إضافة النجس إلى المنتقل عنه، وصحة سلبها عن المنتقل إليه، بل مقتضى ذلك هو النجاسة كما لا وجه للطهارة في الثالثة أيضا، لأنّ المتيقن من الإجماع والسيرة وغيرها ومع الشك في الموضوع لا يصح التمسك بدليل طهارة المنتقل إليه ولا بنجاسة المنتقل عنه، لكونه من التمسك بالدليل مع عدم إحراز موضوعه ويجري الاستصحاب مع بقاء الموضوع عرفا. وإلا فالمرجع قاعدة الطهارة فتنحصر مطهّرية الانتقال، إما باتحاده مع الاستحالة، أو الإضافة إلى المنتقل إليه وسلب الإضافة عن المنتقل عنه.

للأصل والإطلاق، ومع الشك في الموضوع، فالمرجع قاعدة الطهارة.

(مسألة ۱): إذا وقع البق على جسد الشخص فقتله، وخرج منه الدم لم يحكم بنجاسته إلا إذا علم أنّه هو الذي مصّه (۲۱۸) من جسده‏ بحيث أسند إليه لا إلى البق فحينئذ يكون كدم العلق.

أو شك فيه مع صدق بقاء الموضوع عرفا، فيجري الاستصحاب حينئذ.

فروع- (الأول): يجوز أخذ الدم وتزريقه إن لم يكن في البين ما يوجب الحرمة من ضرر ونحوه، وتصح المبادلة عليه بالمال، لفرض المنفعة المحللة، بلا فرق فيه بين دم المسلم والكافر، والأجنبي والأجنبية والأرحام وغيرهم.

و الأحوط عدم جعل المال في مقابل خصوص الدم خروجا عن خلاف من أبطل المعاملة عليه مطلقا، كما يجوز إيداع الدم وإهداؤه والتبرع به، خصوصا بالنسبة إلى ذوي الحاجة والمسكنة، وفيه الأجر والثواب.

(الثاني): لا يجوز التصرف في دم الغير إلا بإذنه، ويضمن إن كان بدونه، لفرض اعتبار المالية العرفية فيه.

(الثالث): لو غصب دم الغير وجعل في بدن شخص، فلا إشكال في الضمان والإثم بالنسبة إلى الغاصب. وهل تبطل صلاة من جعل في بدنه مع العلم بالغصبية، أم لا؟ ظاهر الفقهاء الثاني في كلّ ما دخل في الباطن مع عدم إمكان الرد وصيرورته كالتلف.

(الرابع): لو جنى على أحد بما خرج منه الدم، فلا ريب في وجوب الدية إن كان للجناية مقدّر شرعيّ، أو أرش الجناية، إن لم يكن لها مقدّر. فهل يضمن الدم التالف بجنايته، خصوصا إن كانت قيمة الدم أكثر من الدية أو أرش الجناية فيه تفصيل، يأتي إن شاء اللّه تعالى في الجنايات.

(الخامس): ليس لكلّ أحد أن يأذن في إخراج الدم منه ما لم يطمئنّ بعدم الضرر، كما أنّه ليس لوليّ الطفل أن يأذن في إخراج دم الطفل إلا بعد الاطمئنان بعدم التضرر.

(السادس): يجري الرباء في بيع الدم بمثله مع التفاضل.

(السابع): يضمن العامل لإخراج الدم وتزريقه إن حدث بفعله ضرر.

(الثامن): قد يجب بذل الدم، كما إذا أشرف مؤمن على الهلاك وتوقف حفظ نفسه عليه، وقد يكون وجوبه عينيا، وقد يكون كفائيا، كما للحاكم الشرعيّ أن يأخذ الدم من صاحبه ويعطيه لمن يحتاج إليه من الفقراء والمساكين، ويحتسب له من الحقوق الشرعية مع تحقق الشرائط.

(التاسع): لو أخذ دم الصبيّ والمجنون يكون للوليّ حق مطالبة العوض، وهو للمولى عليه، دون الولي.

(العاشر): تجري جميع أحكام البيع وأقسامه في بيع الدم.

«الثامن»: الإسلام (۲۱۹): وهو مطهر لبدن الكافر ورطوباته المتصلة به من بصاقه، وعرقه ونخامته، والوسخ الكائن على بدنه (۲۲۰). وأما النجاسة الخارجيّة التي زالت عينها ففي طهارته منها إشكال، وإن كان هو الأقوى (۲۲۱). نعم، ثيابه التي لاقاها حال الكفر مع الرطوبة لا تطهر على الأحوط بل هو الأقوى في ما لم يكن على بدنه فعلا.

(مطهّرية الإسلام)، وهو من المطهّرات بضرورة المذهب في الجملة إن لم يكن من الدّين.

كلّ ذلك للتبعية العرفية في الطهارة، فلا يجري استصحاب النجاسة.

ثمَّ إنّ للتبعية مراتب متفاوتة:

(منها): ما كان من عوارض البدن اللازمة له غالبا.

(و منها): النجاسة الحكمية، فإنّها من العوارض اللازمة لأبدان الكفار غالبا، والظاهر جريان حكم التبعية فيها أيضا، للسيرة وخلوّ الأدلة عن الأمر بالتطهير منها، مع أنّ لزوم التطهير منها إنّما يتصوّر بناء، على صحة تأثر النجس من النجس، وأما بناء على عدمه فلا وجه له أصلا.

(و منها): ثيابه التي تكون على بدنه حال الإسلام ولاقاها مع الرطوبة في حالة الكفر.

(و منها): ما لا تكون على بدنه، وباشرها بالرطوبة في حالة الكفر.

(و منها): أثاث بيته التي تكون كذلك.

أما الإشكال فلاستصحاب النجاسة، ولكن لا وجه له بعد أنّ‏ الحكم بالطهارة التبعية في الجميع مقتضى سهولة الشريعة، خصوصا بالنسبة إلى الأزمنة القديمة. وخصوصا بالنسبة إلى الطهارة المبنيّة على التسهيل مطلقا، مع أنّه لم نظفر بما يدل على لزوم التطهير: من نص معتبر، أو سيرة، أو إجماع، بل الظاهر ثبوت السيرة في زمن المعصومين (عليهم السلام) على عدم التطهير، فلا وجه معها لاستصحاب النجاسة، وطريق الاحتياط واضح وأما الطّهارة فقد ظهر وجهها مما تقدم.

(مسألة ۱): لا فرق في الكافر بين الأصلي والمرتد المليّ، بل الفطري أيضا على الأقوى من قبول توبته باطنا وظاهرا أيضا (۲۲۲)، فتقبل عباداته ويطهر بدنه. نعم، يجب قتله إن أمكن، وتبين زوجته، وتعتد عدّة الوفاة وتنتقل أمواله الموجودة حال الارتداد إلى ورثته، ولا تسقط هذه الأحكام بالتوبة (۲۲۳)، لكن يملك ما اكتسبه بعد التوبة (۲۲٤)، ويصح الرجوع إلى زوجته بعقد جديد حتّى قبل خروج العدّة على الأقوى (۲۲٥).

أما عدم الفرق بين الأصليّ والمليّ، فلظهور الإجماع والسيرة، بل الضرورة. وأما قبول توبة الفطريّ باطنا وظاهرا، فلإطلاقات وعمومات أدلة التوبة(۱۸۳) الواردة في مقام الرأفة والامتنان غير القابلة للتقييد والتخصيص، ولسعة رحمة اللّه تعالى غير القابلة للتضييق، ولسهولة الشريعة المقدّسة، خصوصا بالنسبة إلى التوبة، مع أنّ اليأس من رحمة اللّه تعالى من الكبائر، وقبول التوبة رحمة من اللّه تعالى.

مضافا إلى اتفاقهم على فعلية تكليف المرتد، وبطلان عمله في حال الارتداد، فلو لم تقبل توبته يكون ذلك من التكليف بالمحال، مضافا إلى ما دلّ على أنّ الإسلام إنّما هو الإقرار بالشهادتين‏(۱۸٤) فإذا أقرّ بهما يكون مسلما، فكيف يطلق عليه اسم الكفر حينئذ؟

و مع ذلك كلّه نسب إلى المشهور عدم قبولها من الفطريّ لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم:

«من رغب عن الإسلام وكفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه وآله بعد إسلامه فلا توبة له، وقد وجب قتله، وبانت منه امرأته، ويقسم ما ترك على ولده»(۱۸٥).

المحمول على الفطريّ بقرينة صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال:

«سألته عن مسلم تنصّر؟ قال: عليه السلام: يقتل ولا يستتاب، قلت:

فنصرانيّ أسلم ثمَّ ارتد. قال: يستتاب فإن رجع، والا قتل»(۱۸٦).

و لقول أبي عبد اللّه عليه السلام في موثق عمار: «كلّ مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد محمدا صلّى اللّه عليه وآله نبوّته وكذّبه، فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتد، ويقسم ماله على ورثته، وتعتد امرأته عدة المتوفّى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه»(۱۸۷) ونحوهما غيرهما.

«و فيه»- أولا: أنّه يجب تقييدها بما إذا لم يدّع الشبهة، والا فلا بد من إزالتها أولا. ثمَّ الحكم بالارتداد بعد الإصرار عليه، فلا وجه للأخذ بإطلاق مثل هذه الأخبار من تمام الجهات.

و ثانيا: إنّ عدم استتابة الإمام عليه السلام في موثق عمار بعد الثبوت لديه والوقوع في يده لا يدل على عدم قبول توبته أصلا، وإنّما يدل على عدم صحة الاستتابة للإمام، وعدم سقوط القتل لو تاب لديه، فيكون كحد الزناء إذا ثبت بالبينة عند الحاكم ولا ملازمة بين ذلك وبين عدم قبول التوبة منه مطلقا، حتّى لو لم يثبت عند الحاكم أو ثبت عنده وحكم بقتله وهرب وتاب.

و ثالثا: قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «فلا توبة له» يحتمل وجوها:

(الأول): عدم الأثر لتوبته بالنسبة إلى قتله وتقسيم تركته وبينونة زوجته واعتدادها، وهذا مسلّم لا ريب فيه.

(الثاني): عدم القبول مطلقا، كما نسب إلى المشهور.

(الثالث): عدم التوفيق للتوبة، كما يكون كذلك غالبا.

(الرابع): عدم التوبة الكاملة.

(الخامس): عدم كفاية مجرد التوبة في إسلامه، بل لا بد من إظهار الشهادتين بعدها. والمتيقن، بل الظاهر من هذه الاحتمالات هو الأول، بمعنى أنّ رجوعه عن ارتداده ليس رجوعا إلى زوجته كالمرتد المليّ، وتعيين غيره يحتاج إلى قرينة وهي مفقودة.

إن قلت: القرينة: استصحاب بقاء الكفر وعدم زواله بالتوبة.

(قلت): لا وجه للاستصحاب بعد عمومات التوبة وإطلاقاتها المؤيدة بما تقدم من الوجوه، ويأتي بعض الكلام في كتاب الحدود إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّ مقتضى ما تقدم قبول توبته ظاهرا وباطنا بالنسبة إلى نفسه وغيره، لظاهر العموم والإطلاق، فلا وجه للتفصيل بين القبول باطنا وعدم القبول ظاهرا، ولا بين القبول لنفسه دون غيره، إذ لا دليل عليه الا زعم أنّه جمع بين الأدلة.

و تقدم أنّ المقام من العام والخاص، والمطلق والمقيد، لا التعارض حتّى يحتاج إلى الجمع، لأنّ عمومات قبول التوبة وإطلاقاتها وما دل على أنّ الإسلام مجرّد الإقرار بالشهادتين(۱۸۸) محكمة، وقوله عليه السلام: «لا توبة له»(۱۸۹) إنّما هو بالنسبة إلى الأمور المذكورة في موثق عمار فقط، لا بالنسبة إلى جميع الجهات.

و الشك في ثبوت العموم يكفي في عدم صحة التمسك به.

نصّا(۱۹۰) وإجماعا.

بل وقبلها أيضا، لعموم أدلّة التملّك بالأسباب الموجبة له من المعاملات وحيازة المباحات، لكن بنحو ينتقل إلى الورثة كسائر ما كان مالكا، ومقتضى الأصل والإطلاق عدم كون الارتداد مطلقا مانعا عن التملك بالأسباب وإن عدّ الفقهاء الارتداد من موجبات الحجر، لكنّه لا ينافي الملكية، كما في المفلس والمريض.

إذ لا يستفاد من الأدلة أنّ المرتد الفطري كالميت مطلقا ومن تمام الجهات، حتّى بناء على قبول توبته ولم يعدوا الارتداد عن فطرة من المحرّمات الأبدية لزوجة المرتد، ولو بناء على قبول التوبة، والظاهر أنّ المشهور أيضا لا يقولون به- على فرض قبولها- فيكون هذا النزاع لفظيا فمن يقول بصحة الرجوع إليها بعقد جديد يقول بصحة توبته، ومن يقول بعدمها يقول بعدم صحة التوبة منه. وأنّ هذه العدة عدّة البائنة ومقتضى ما يأتي في محلّه من صحة العقد من الزوج على زوجته في العدة البائنة صحة العقد منه عليها في المقام بعد التوبة.

(لا يقال): إنّ مقتضى الأصل عدم ترتب الأثر على هذا التزويج. (فإنه يقال): الأصل محكوم بإطلاق ما دل على أنّ للزوج العقد على زوجته في العدة البائنة.

فروع- (الأول): يعتبر في الارتداد الموجب لما تقدم من الأحكام:

البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد إجماعا، بل ضرورة في بعضها فلا عبرة بما يصدر من الصبيّ، والمجنون، والمكره، والغافل.

(الثاني): لو كان في حالة لا يملك نفسه من غضب ونحوه وصدر منه ما يوجب الارتداد، فمقتضى الأصل عدم كفره، ولما ورد عن عليّ بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كنت عنده وسأله رجل عن رجل يجي‏ء منه الشي‏ء على جهة غضب، يؤاخذه اللّه به؟ فقال: اللّه أكرم من أن يستغلق عبده»(۱۹۱).

(الثالث): لا فرق في الارتداد الموجب لما تقدم من الأحكام بين ما إذا علم به غيره أم لا، طال زمانه أم لا، لإطلاق ما تقدم من الأخبار.

(الرابع): إذا شك في حصوله وعدمه، فمقتضى الأصل عدمه سواء حصل الشك له، أم لغيره، أم لهما.

(الخامس): الكافر الأصلي من انعقدت نطفته في حال كفر والديه وبلغ كافرا. والمليّ من انعقدت نطفته في حال كفر والديه وبلغ كافرا ثمَّ أسلم، ثمَّ ارتد. والفطري: من انعقدت نطفته في حال إسلام والديه أو أحدهما وبلغ مسلما ثمَّ ارتد. ثمَّ إنّ مقتضى الأصل عدم الحكم بالارتداد مع الإسلام الحكمي. قال في الجواهر في كتاب الحدود: «ليس في النصوص إطلاق يوثق به على الاكتفاء بصدق الارتداد مع الإسلام الحكمي ولعله لا يخلو عن قوّة».

(السادس): لا تقتل المرأة على الارتداد، ولو فطريا، بل تحبس دائما على ما يأتي التفصيل في كتاب الحدود.

(السابع): لا فرق في حكم الارتداد بين ما إذا انتحل بعد الارتداد نحلة من النحل الباطلة أم لا، لإطلاق ما تقدم من الأخبار.

(الثامن): لو ادعى الإكراه، أو الشبهة، أو عدم القصد أو نحوها يقبل منه، لما سيجي‏ء في محله من أنّ الحدود تدرأ بالشبهة، ولأنّ المنساق من أدلة المقام غيره.

(التاسع): لو اضطر إلى ما يوجب الارتداد، لخوف على النفس أو العرض يجوز، بل قد يجب، وينبغي التورية مع الإمكان، ولا يجب عليه تجديد الإسلام بعد رفع العذر.

(العاشر): لو كان معتقدا بالإسلام واقعا، وصدر منه ما يوجب الارتداد وكان مخالفا لاعتقاده، فمقتضى الأصل عدم حصول الارتداد، والظاهر من العمومات والإطلاقات الدالة على حصول الارتداد بما يوجبه إنّما هو فيما إذا لم يكن معتقدا للإسلام، ومع الشك لا يصح التمسك بها لأنّه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(الحادي عشر): يعتبر في حصوله القصد الجديّ، فلو كان لاعبا أو لاغيا، فمقتضى الأصل عدم حصول الارتداد وإن تحقق منه القصد الاستعمالي.

نعم، لا ريب في الإثم.

(الثاني عشر): لو لقّن ما يوجب الارتداد، وقال كما يقول الملقن بلا جزم منه في ذلك، فالأصل بقاء إسلامه، وعدم كفره.

(الثالث عشر): الظاهر عدم الفرق بين الارتداد المادامي، والارتداد الدائمي.

(مسألة ۲): يكفي في الحكم بإسلام الكافر، إظهار الشهادتين، وإن لم يعلم موافقة قلبه للسانه، لا مع العلم بالمخالفة (۲۲٦).

أما كفاية الإقرار بالشهادتين في الحكم بالإسلام فللنص‏(۱۹۲) والإجماع، بل الضرورة. وأما الأقسام المتصورة، فأربعة:

الأول: الإقرار بهما مع عقد القلب عليهما واليقين بالمعارف الإسلامية وعلم الغير بذلك أيضا، ولا ريب ولا إشكال في صحة إسلامه.

الثاني: الإقرار بهما وعقد القلب عليهما مع عدم اليقين وعدم علم الغير بذلك أيضا، ومقتضى العمومات والسيرة الحكم بإسلامه أيضا، كما عليه سواد الناس، خصوصا في أوائل الإسلام. ولو اعتبر اليقين مضافا إلى عقد القلب، لزم منه عدم إسلام جمع من الناس، وقول الصادق:

«من شك في اللّه ورسوله، أو في رسوله صلّى اللّه عليه وآله فهو كافر»(۱۹۳) الدال بظاهره على اعتبار اليقين، مقيد بقوله عليه السلام: «يا زرارة إنّما يكفر إذا جحد»(۱۹٤)، فيكون المراد بالشك ما أوجب الجحود وزوال أصل الاعتقاد.

الثالث: مجرد الإقرار اللفظيّ مع عدم عقد القلب بهما، ومع علم الغير بأنّه لا يعتقد بمفاد إقراره، ولكن مع العمل بأحكام الإسلام وقوانينه ظاهرا.

و مقتضى سيرة النبي صلّى اللّه عليه وآله وخلفائه المعصومين عليهم السلام الحكم بإسلامه، وقد أفتى بذلك جمع كثير من الفقهاء.

و في مفتاح الكرامة: «إنّ الأخبار بذلك متواترة». فالمنافق مسلم ظاهريّ، واللّه تعالى أعلم به يوم القيامة، ويمكن ثبوت الكفر الواقعي بالنسبة إليه، ولا ينافي ذلك إسلامه الظاهر لمصالح شتّى في الدنيا.

و أما قول الصادق عليه السلام في المنافقين: «ليسوا من الكفار وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين، يظهرون الإسلام ويصيرون إلى الكفر والتكذيب لعنهم اللّه تعالى»(۱۹٥). فلا يدل على كفرهم لنفيه عليه السلام الكفر عنهم، وإنّما يدل على نفي بعض مراتب الإيمان والإسلام عن المنافقين، لأنّ لهما مراتب متفاوتة جدّا. ولعلّ المراد بقوله عليه السلام: «و يصيرون إلى الكفر والتكذيب» أنّ مصيرهم في الآخرة إليهما، وأما في الدنيا فليسوا بكافرين، كما صرّح به عليه السلام في صدر الحديث.

الرابع: القسم الثالث بعينه، ولكن مع عدم علم الغير بمخالفة إقراره لاعتقاده- ويظهر حكمه من سابقة بالأولى، كما لا يخفى. ومن ذلك كلّه تظهر الخدشة في قوله رحمه اللّه: «لا مع العلم بالمخالفة».

(مسألة ۳): الأقوى قبول إسلام الصبيّ المميز إذا كان عن بصيرة (۲۲۷).

للعمومات والإطلاقات المرغبة في الإسلام الشاملة للبالغ والمميز(۱۹٦) ولا دليل على الخلاف. وما يتوهم من دليل الخلاف إن كان قوله عليه السلام: «رفع القلم عن الصبيّ حتّى يحتلم»(۱۹۷).

فالمنساق منه المؤاخذة والإلزام، لا أصل الصحة، ولعلّ ذلك واضح عرفا. وإن كان قوله عليه السلام: «عمد الصبيان خطأ»(۱۹۸). فالمنساق منه خصوص الجنايات، لا مطلق أعماله الحسنة.

و إن كان احتمال أنّه لا حكم لارتداده فلا حكم لإسلامه أيضا، فهو قياس، مع أنّه مع الفارق، لأنّ الإسلام حسنة ورحمة يناسب التوسعة وصحته من كلّ أحد إلا ما اتفق على عدم صحته، كالمجنون وغير المميز. والارتداد سيئة يناسب التضييق، كما جرت عليه عادة اللّه تبارك وتعالى في الحسنات والسيئات.

فرع: لو ارتد الصبيّ لا عبرة بارتداده إجماعا، ويأتي التفصيل في الحدود والكفارات وتعرض له في (الجواهر) عند قول المحقق: «و لو أسلم المراهق لا يحكم بإسلامه».

(مسألة ٤): لا يجب على المرتد الفطريّ بعد التوبة تعريض نفسه للقتل (۲۲۸)، بل يجوز له الممانعة منه (۲۲۹)، وإن وجب قتله على‏ غيره (۲۳۰).

للأصل، وظهور الأدلة في أنّ القتل تكليف الغير(۱۹۹). مضافا إلى الأخبار الخاصة الدالة على أنّ التوبة أفضل من التعريض للحد:

منها: ما عن عليّ عليه السلام: «ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش فيفضح نفسه على رؤوس الملإ، أ فلا تاب في بيته، فو اللّه لتوبته فيما بينه وبين اللّه أفضل من إقامتي عليه الحد»(۲۰۰).

و لا فرق فيه بين كونه قبل التوبة أو بعدها، ولعلّ تقييده رحمه اللّه بما بعد التوبة، لدفع توهم كونه شرطا لصحة التوبة.

للأصل أيضا، ولا يبعد الوجوب إن فرض شمول دليل وجوب حفظ النفس للمورد أيضا. ولو توقفت الممانعة على ضرب القاتل وجرحه فهل يجوز أم لا؟ وجهان: من أنّ ذلك من مقدمات حفظ النفس فيجوز الجرح والدفع، بل قد يجب، ومن احتمال انصراف ما دل على وجوب حفظ النفس عن مثل ذلك فلا يجوز.

فروع- (الأول): لا يجب على أحد الفحص عن أنّ إقرار شخص بالشهادتين موافق لاعتقاده أولا، بل قد لا يجوز، ولا بد من ترتب آثار الإسلام مطلقا.

(الثاني): من ارتد وله أولاد صغار، مقتضى الأصل عدم نجاسة أولاده، إلا مع صدق التبعية العرفية في هذه الجهة.

(الثالث): لا أثر لمجرد القصد والنية في الارتداد، بل لا بد فيه من مبرز خارجيّ.

أي الحاكم الشرعي، أو من يستأذن من بعد بيان الموضوع عنده وشرحه.

«التاسع»: التبعية (۲۳۱): وهي في موارد: «أحدها»: تبعية فضلات الكافر المتصلة ببدنه، كما مرّ (۲۳۲). «الثاني»: تبعية ولد الكافر له في الإسلام أبا كان، أو جدّا، أو أمّا، أو جدّة (۲۳۳). «الثالث»: تبعية الأسير للمسلم الذي أسره (۲۳٤)، إذا كان غير بالغ ولم يكن معه أبوه أو جدّه. «الرابع»: تبعية ظرف الخمر لها بانقلابها خلّا (۲۳٥). «الخامس»: آلات تغسيل الميت من السدة، والثوب الذي يغسله فيه، ويد الغاسل دون ثيابه (۲۳٦)، بل الأولى والأحوط الاقتصار على يد الغاسل (۲۳۷). «السادس»: تبعية أطراف البئر، والدلو والعدّة، وثياب النازح- على القول بنجاسة البئر- (۲۳۸) لكن المختار عدم تنجسه بما عدى التغير، ومعه أيضا يشكل جريان حكم التبعية (۲۳۹). «السابع»: تبعية الآلات المعمولة في طبخ العصير على القول بنجاسته- فإنّها تطهر تبعا له بعد ذهاب الثلاثين (۲٤۰). «الثامن»: يد الغاسل، وآلات الغسل في تطهير النجاسات، وبقية الغسالة الباقية في المحلّ بعد انفصالها (۲٤۱). «التاسع»: تبعية ما يجعل مع العنب أو التمر للتخليل كالخيار والباذنجان، ونحوهما كالخشب والعود، فإنّها تنجس تبعا له عند غليانه- على القول بها- وتطهر تبعا له بعد صيرورته خلّا (۲٤۲). «العاشر»: من المطهّرات: زوال عين النجاسة أو المتنجس عن جسد الحيوان غير الإنسان بأيّ وجه كان (۲٤۳)، سواء كان بمزيل، أو من قبل نفسه، فمنقار الدجاجة إذا تلوّث بالعذرة يطهر بزوال عينها وجفاف رطوبتها، وكذا ظهر الدابة المجروح إذا زال دمه بأيّ وجه، وكذا ولد الحيوانات الملوّث بالدم عند التولد إلى غير ذلك، وكذا زوال عين النجاسة أو المتنجس عن بواطن الإنسان (۲٤٤) كفمه، وأنفه، واذنه. فإذا أكل طعاما نجسا يطهر فمه بمجرّد بلعه. هذا إذا قلنا إنّ البواطن تتنجس بملاقاة النجاسة، وكذا جسد الحيوان، ولكن يمكن أن يقال بعدم تنجسهما أصلا، وإنّما النجس هو العين الموجودة في الباطن أو على جسد الحيوان. و على هذا فلا وجه لعدّه من المطهّرات، وهذا الوجه قريب جدّا (۲٤٥)، ومما يترتب على الوجهين أنّه لو كان في فمه شي‏ء من الدم، فريقه نجس ما دام الدم موجودا على الوجه الأول. فإذا لاقى شيئا نجّسه، بخلافه على الوجه الثاني، فإنّ الريق طاهر والنجس هو الدم فقط، فإن أدخل إصبعه- مثلا- في فمه، ولم يلاق الدم لم ينجس وإن لاقى الدم ينجس إذا قلنا بأنّ ملاقاة النجس في الباطن أيضا موجبة للتنجس، والا فلا ينجس أصلا إلا إذا أخرجه وهو ملوّث بالدم.

بمعنى أنّ دليل طهارة المتبوع يشمل التابع أيضا، لمكان التبعية، و عدم الانفكاك بينهما عرفا، والا فليس للتابع بما هو كذلك دليل خاص يدل على طهارته، فيكون النزاع في الطهارة وعدمها في بعض موارد التبعية صغرويا، لا كبرويّا، بمعنى أنّ من يقول بالطهارة يثبت التبعية العرفية. ومن يقول بعدمها ينفيها. ولو اتفقوا على التبعية، لاتفقوا على الطهارة أيضا.

تقدم الوجه فيها، فراجع‏(۲۰۱).

لقول الصادق عليه السلام: «في رجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك، فقال: إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار وهم أحرار وولده وماله ومتاعه ورقيقه له، فأما الولد الكبار فهم في‏ء للمسلمين، الا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك»(۲۰۲).

و إطلاقه يشمل الأب والجد، وأما الأم والجدة فلظهور تسالم الأصحاب على تبعية الولد لأشرف الأبوين، وإرسال قاعدة الإسلام يعلو ولا يعلى عليه إرسال المسلّمات في نظائر المقام. ولا بأس بالإشارة إليها ولو إجمالا.

«قاعدة: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» الأصل في هذه القاعدة: نبويّ مرسل في كتب أصحابنا، وهو: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»(۲۰۳)، المنجبر بعملهم واستدلالهم في موارد متعددة، حتّى في عدم جواز علوّ بناء الكافر على بناء المسلم، بل عدم جواز مساواته. وتشهد له جملة من الأخبار، بل تدل عليه:

منها: ما عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: «الإسلام يزيد المسلم خيرا ولا ينقص»(۲۰٤) وعن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ اللّه عزّ وجل لم يزدنا بالإسلام إلا عزّا»(۲۰٥) أو «لا نزداد بالإسلام إلا عزّا»(۲۰٦). وتشهد له أيضا جملة كثيرة من الأخبار الواردة في القصاص‏(۲۰۷).

و يحتمل في قوله عليه السلام: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» وجوه:

(الأول): إتقان أحكامه أصولا وفروعا.

(الثاني): ناسخيته لجميع الأديان، وأنّه لا ناسخ له.

(الثالث): ظهور الإسلام في الدنيا واستيلاء المسلمين على الأرض كلّها.

(الرابع): علوّه المعنوي في الآخرة. وتخصيص الرواية بإرادة كلّ واحد مما مرّ بلا مخصص، فيتعيّن الوجه.

(الخامس): وهو العلوّ بجميع معنى الكلمة، وكلّ ما يحتمل فيه من المعاني. وقد أطلقت القاعدة على قوله عليه السلام: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» في كلمات الفقهاء منهم صاحب الجواهر وغيره.

و الظاهر، بل المتعيّن أنّ العمل بعمومها في كلّ مورد يحتاج إلى ملاحظة عمل الأصحاب، إذ الظاهر أنّهم لم يعملوا بعموم هذه القاعدة وأمثالها، كقاعدة الميسور، والقرعة في جميع الموارد، فإذا كان المسلم مديونا- مثلا- للكافر غير الحربي، ليس لأحد أن يتمسك بعموم هذه القاعدة والقول بسقوط دينه، بل المماطلة في أداء دينه. وكذا في جميع موارد حقوق الناس، وسيأتي التعرض لمورد جريانها في الموارد المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.

فروع- (الأول): تقدم أنّه لو اختار الصبيّ الكفر مع إسلام أحد أبويه، فالظاهر بقاء التبعية، للأصل والإطلاق، وعدم الاعتبار مما اختاره الصبيّ من الكفر.

(الثاني): لو اختار الإسلام مع كفر أبويه، فظاهر المشهور من سلب عبارات الصبيّ، عدم الحكم بإسلامه، ولكن مقتضى قبول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله إسلام عليّ عليه السلام- وهو صغير- القبول. والمسألة مذكورة في كتاب الكفّارات عند اعتبار إسلام المعتق، فراجع. وتردد فيها المحقق رحمه اللّه في الشرائع.

(الثالث): لا فرق في التبعية بين وحدة المكان وتعدده، فلو كان الصبيّ في بلاد الكفر- مثلا- والمسلم من والديه في بلاد الإسلام، أو بالعكس جرى حكم التبعية في الإسلام والطهارة.

(الرابع): مقتضى إطلاق المتن عدم الفرق بين الجدّ والجدّة من طرف الأب أو الأم، ولا بين حياة الوالدين وبقائهما على الكفر وعدمه لإطلاق ما تقدم من «قاعدة الإسلام يعلو ولا يعلى عليه»، وبناء الفقهاء على تغليب جانب الإسلام.

نسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب. واستندوا (تارة) إلى قاعدة الطهارة بعد عدم جريان استصحاب النجاسة، لأنّها كانت تبعية لوالديه، وقد زالت بزوالها، ولا أقلّ من الشك في الموضوع المانع من جريان الاستصحاب.

(و اخرى): بالسيرة المستمرة على جريان حكم الآسر على الأسير في هذه الجهة. (و ثالثة): باستصحاب طهارة ملاقي الأسير بعد عدم جريان استصحاب نجاسته، لما تقدم. والا يكون مقدّما على استصحاب طهارة ملاقيه، لأنّ الأصل السببيّ مقدم على الأقل المسببي. وأما الاستدلال بالنبويّ المعروف: «كلّ مولود يولد على الفطرة»(۲۰۸). ففيه: مضافا إلى قصور سنده، أنّه ليس المراد بالفطرة فعلية الإسلام، بل المراد بها استعداد قبول الإسلام لو عرض عليه، لأنّ الإسلام دين الفطرة: يعني أنّ قوانينه مطابقة للفطرة المستقيمة العقلائية. وإذا كان بالغا فظاهرهم الإجماع على عدم التبعية، كما أنّه إذا كان معه أبوه أو جدّه، فلا خلاف عندهم في البقاء على الكفر التبعيّ لأحدهما، ولا وجه حينئذ لتبعية الآسر. ويأتي في كتاب الجهاد وأحكام اللقيط وكتاب الحدود ما ينفع المقام فراجع.

للملازمة العرفية بين طهارة الخلّ بالانقلاب وطهارة ظرفه فيشمله دليل طهارة الخلّ عرفا.

السدة: كما في المجمع هي «الباب». وكان يغسل عليها الميت، فيشملها إطلاق ما دل على طهارة الميت‏(۲۰۹) بالغسل، وكذا الثوب الذي يغسل فيه. وكذا يد الغاسل، فإنّ كلّ ذلك يطهر بالتبعية العرفية المستفادة من الإطلاق.

خروجا عن خلاف من اقتصر في المقام على طهارة خصوص يد الغاسل بالتبع وتوقف في غيرها.

أرسل الطهارة التبعية في أطراف البئر والدلو والرشا إرسال المسلّمات، بل عدّها من ضروريات الفقه، ويمكن أن تستفاد الطهارة التبعية بالنسبة إلى الثياب أيضا من سكوت النصوص الواردة في النزح عن تطهيرها مع كون الحكم ابتلائيا في تلك الأزمنة.

بدعوى: أنّ التطهير حينئذ منحصر بزوال التغيير، لا أن يكون نفس النزح مطهّرا. نعم، هو موجب لزوال التغير. ويمكن دفعه: بأنّ التبعية أعمّ مما كانت بلا واسطة أو معها، وعلى أيّ تقدير، التبعية العرفية متحققة فيشملها إطلاق دليل طهارة البئر(۲۱۰).

فروع- (الأول): المكائن الحديثة المصنوعة لغسل الثياب والظروف تطهر بالتبع أيضا إن طهرت الثياب والظروف فيها، لما مرّ.

(الثاني): الطهارة التبعية في الخامس والثامن في مورد الغسل بالماء القليل. وأما إذا كان بالمعتصم ووصل الماء إلى الجميع، فالطهارة استقلالية، لا تبعية.

(الثالث): لو شك في أصل تبعية شي‏ء للمتنجس، فالمرجع استصحاب النجاسة إن كان متنجسا، والا فالمرجع قاعدة الطهارة.

(الرابع): المتيقن من الطهارة بالتبع ما إذا كان التابع متنجسا بنجاسة المتبوع. وإن كان متنجسا بنجاسة أخرى أيضا، ففي طهارته بالتبع إشكال.

(الخامس): لو علم بنجاسة التابع وترددت بين كونها تبعية حتّى تطهر بالتبع، أو غيرها حتّى لا تطهر به، فمقتضى الأصل بقاء النجاسة.

لصدق قيام الشي‏ء بعينه فالمقتضي للرد موجود و المانع عنه مفقود.

لإطلاق دليل طهارة المغسول الحالي والمقامي، الشامل لليد وآلات الغسل، والغسالة الباقية في المحلّ بالملازمة العرفية.

ظهر ذلك أيضا مما تقدم. وعمدة الوجه في ذلك كلّه التمسك بالإطلاق الحاليّ والمقاميّ في المطهّرات، وسهولة الشريعة المقدّسة فيها.

على المشهور، بل المتسالم عليه، للسيرة القطعية من أول البعثة وفي زمان المعصومين إلى هذا الزمان على طهارة الحيوانات مع العلم بتلوثها بدم الولادة أو سائر النجاسات، وينبغي عدّ هذه المسألة من القطعيات، بلا احتياج إلى التمسك بالإجماع والروايات، بل تطهير الحيوانات عن النجاسات الحكمية يعدّ من الوسواس عند المتشرّعة، ويدل عليها إطلاقات الأدلة الدالة على طهارة سؤر الهرّة(۲۱۱) والباز والصقر والعقاب‏(۲۱۲) والوحش‏(۲۱۳) وصحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام:

«عن فأرة وقعت في حبّ دهن وأخرجت قبل أن تموت، أبيعه من مسلم؟

قال: نعم، ويدهن منه»(۲۱٤).

فإنّ محل بولها وبعرها كان متنجسا قطعا، ومع ذلك حكم عليه السلام بترتيب أثر الطهارة على ملاقيه. وإطلاق قول الصادق عليه السلام في موثق عمار:

«كلّ من الطير يتوضأ مما يشرب منه الا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا توضأ منه ولا تشرب»(۲۱٥).

فجعل عليه السلام النجاسة مدار وجود عينها فقط. واحتمال أنّ مثل هذه الأخبار وارد مورد احتمال ورود المطهّر، كما في النهاية، خلاف الظاهر والمأنوس من مرتكزات المتشرعة. كما أنّ احتمال بقاء النجاسة والعفو عنها أيضا كذلك.

إجماعا، بل ضرورة، كما في الجواهر. وخبر عبد الحميد قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه. قال: ليس بشي‏ء»(۲۱٦)، ومثله رواية حسن الحنّاط.

وتدل بالنسبة إلى البواطن الأدلة المستفادة:

منها: أنّه لا حكم للنجاسة إلا للظاهر وفي الظاهر، لاشتمالها على غسل الثوب والجسد(۲۱۷)، وقوله عليه السلام: «لا تتوضأ بفضله»(۲۱۸) وقوله عليه السلام: «اغسل يدك»(۲۱۹) وقوله عليه السلام: «ما يبل الميل ينجس حبّا من الماء»(۲۲۰) إلى غير ذلك مما هو ظاهر، بل نصّ في تعلق الحكم بالظاهر فقط، مضافا إلى أنّ الحكم بنجاسة الباطن مطلقا خلاف سهولة الشريعة ومرتكزات المتشرّعة. ومع الشك في شمول الأدلة، فالمرجع قاعدة الطهارة.

ثمَّ إنّ للباطن مراتب متفاوتة:

منها: الحلق وأعلى داخل الأنف- مثلا.

و منها: أوائل الأنف والفم، ويمكن استفادة طهارتها من إطلاق قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «في رجل يسيل من أنفه الدم. وهل عليه أن يغسل باطنه، يعني: جوف الأنف؟ فقال: إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه»(۲۲۱).

و قول أبي الحسن الرضا عليه السلام: «يستنجي ويغسل ما ظهر منه على الشرج، ولا يدخل فيه الأنملة»(۲۲۲)، وقول أبي جعفر عليه السلام: «إنّما عليك أن تغسل ما ظهر»(۲۲۳).

و نحوها المؤيدة بسهولة الشريعة، خصوصا في الطهارة الخبثية المبنية على التسهيل والتيسير.

و أما بالنسبة إلى عدم نجاسة بدن الحيوان، فلما تقدم من قول الصادق‏ عليه السلام في الموثق: «الا أن ترى في منقاره دما» فإنّه ظاهر في أنّ الدم نجس لا بدن الحيوان. هذا مع عدم التعرض لهذا الحكم العام البلوى في الأخبار، لا بيانا من الإمام عليه السلام، ولا سؤالا من الرواة إلا بمثل موثق عمار(۲۲٤) الظاهر في عدم الانفعال، ولو وصلت النوبة إلى الشك، فمقتضى قاعدة الطهارة عدم الانفعال بعد الشك في شمول أدلة سراية النجاسة إلى بدن الحيوان.

(مسألة ۱): إذا شك في كون شي‏ء من الباطن أو الظاهر يحكم ببقائه على النجاسة بعد زوال العين على الوجه الأول (۲٤٦)، من الوجهين، ويبنى على طهارته على الوجه الثاني، لأنّ الشك عليه يرجع إلى الشك في أصل التنجس (۲٤۷).

لاستصحاب بقاء النجاسة.

فيكون المرجع حينئذ قاعدة الطهارة.

(مسألة ۲): مطبق الشفتين من الباطن، وكذا مطبق الجفنين، فالمناط في الظاهر فيهما ما يظهر منهما بعد التطبيق (۲٤۸).

على ما هو المعروف بين الفقهاء والمتعارف بين الناس، لأنّ الظاهر والباطن من المبينات العرفية. فما كان ظاهرا عرفا ينجس، وما كان باطنا كذلك تدور نجاسته مدار وجود العين، أو لا ينجس أصلا على ما تقدم- وما يشك في أنّه باطن أو ظاهر، فالمرجع فيه قاعدة الطهارة، إلا مع وجود العين بحيث لا تجري‏ القاعدة حينئذ. وما تقدم من غسل ظاهر الأنف عند الرعاف، وظاهر المقعدة عن الاستنجاء، بيان للأمر العرفيّ ويأتي في الطهارة الحدثية أيضا كفاية غسل الظاهر.

«الحادي عشر»: استبراء الحيوان الجلّال، فإنّه مطهّر لبوله وروثه (۲٤۹)، والمراد بالجلّال: مطلق ما يؤكل لحمه من الحيوانات المعتادة بتغذّي العذرة، وهي غائط الإنسان (۲٥۰). والمراد من الاستبراء منعه من ذلك، واغتذاؤه بالعلف الطاهر (۲٥۱) حتّى يزول عنه اسم‏ الجلل (۲٥۲)، والأحوط مع زوال الاسم مضيّ المدة المنصوصة في كلّ حيوان بهذا التفصيل: في الإبل إلى أربعين يوما (۲٥۳)، وفي البقر إلى‏ ثلاثين (۲٥٤)، وفي الغنم إلى عشرة أيام، وفي البطة إلى خمسة أو سبعة (۲٥٥)، وفي الدجاجة إلى ثلاثة أيام (۲٥٦) وفي غيرها يكفي زوال الاسم (۲٥۷).

نصّا(۲۲٥) وإجماعا، ولقاعدة زوال الحكم بزوال العنوان‏(۲۲٦)، فإنّه إذا زال عنوان الجلل يزول الحكم. قهرا.

على المشهور المتسالم عليه بين الأصحاب، والمتفاهم عرفا من خبر ابن أكيل عن أبي جعفر عليه السلام «في شاة شربت بولا، ثمَّ ذبحت.

قال: فقال عليه السلام: يغسل ما في جوفها ثمَّ لا بأس به، وكذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلّالة. والجلّالة هي التي يكون ذلك غذاؤها»(۲۲۷).

و تشهد له اللغة أيضا(۲۲۸)، فما عن الحلبي: من إلحاق سائر النجاسات بها، لا وجه له في مقابل أصالة الحلية والطهارة. والمرجع في صدق الجلّال هو العرف، فإذا صدق أنّ غذاءه العذرة محضا، يتعلق به الحكم لعدم ورود التحديد الموضوعيّ عن الشرع، والأدلة منزلة على الصدق العرفي قهرا، فالتحديد باليوم والليلة، أو بما يظهر النتن في لحمه، أو جلده أو بما ينمو بذلك لا وجه له ما لم يكن من الصدق العرفيّ في مقابل استصحاب الحليّة والطهارة الذي هو المرجع عند الشك في حصول الحرمة والنجاسة.

ليس لهذا التقييد في الأخبار عين ولا أثر الا أن يدعى انصرافها إليه. وفيه ما لا يخفى. نعم، هو المشهور في الكلمات وبلوغه حدّ الإجماع المعتبر، مشكل، ولكنّه الأحوط.

لدوران الحكم مدار صدق الموضوع حدوثا وبقاء، فمع زوال عنوان الجلل لا وجه لبقاء الحرمة والنجاسة. وإنّما البحث في أنّ ما ورد من التحديد في النصوص(۲۲۹) له موضوعية خاصة حتّى يجب ولو مع زوال الاسم والعنوان قبل حصوله، أو أنّه طريق إلى زوال الاسم فيدور مداره. يحتمل الأخير، لبعد التعبد المحض في هذا الأمر العرفي، وإنّما ورد التحديد بما ورد من باب الغالب، فالمناط كله زوال الاسم المختلف باختلاف مزاج الحيوان والزمان والمكان. فيكون المقام نظير المرض والصحة المعلق عليهما الحكم في الأدلة. هذا ولكن نسب إلى المشهور، بل المجمع عليه وجوب مراعاة ما ورد في النصوص وإن زال الاسم قبله.

ورد هذا التحديد في خبر السكوني عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتّى تقيد ثلاثة أيام والبطة الجلالة خمسة أيام، والشاة الجلالة عشرة أيام، والبقرة الجلالة عشرين يوما، والناقة الجلالة أربعين يوما»(۲۳۰).

و المشهور عملوا بهذا الحديث، وهو معتبر من حيث السند أيضا، كما أثبتناه في محلّه.

ثمَّ إنّ المتفق عليه نصّا وفتوى أنّ مدة الاستبراء بالنسبة إلى الإبل أربعون يوما واختلفت النصوص في غيره، ولأجل ذلك اختلفت الأقوال أيضا، ففي خبر مسمع على ما رواه في الكافي عن أبي عبد اللّه عليه السلام:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام- في حديث-: والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتّى تغذى ثلاثين يوما(۲۳۱) وضبطه في التهذيب ب «عشرين يوما»(۲۳۲)، وفي الاستبصار «أربعين يوما»(۲۳۳)، وفي خبر يعقوب بن يزيد قال:

«قال أبو عبد اللّه: الإبل الجلالة إذا أردت نحرها، تحبس البعير أربعين يوما، والبقرة ثلاثين يوما، والشاة عشرة أيام»(۲۳٤).

و في خبر يونس عن الرضا عليه السلام في حديث: «و البطة سبعة أيام، والشاة أربعة عشر يوما، والبقرة ثلاثين يوما، والإبل أربعين يوما ثمَّ تذبح»(۲۳٥)، وفي خبر الجوهري: «و البطة تربط ثلاثة أيام»(۲۳٦). قال وروي: «ستة أيام»(۲۳۷)، وفي مرسل العلامة: «للشاة سبعة». ولكن الكلّ قاصرة سندا، ومعرض عنها عند الأصحاب، فالعمل على خبر السكوني الذي عمل به المشهور هو المتعيّن.

تقدم أنّ المشهور نصّا وفتوى «عشرون يوما»، وفي خبر مسمع على نسخة الكافي والاستبصار: «أربعين يوما». وقصور السند والإعراض أوهناهما، مع أنّ في نسخة التهذيب ضبط: «عشرين يوما».

ذكر السبعة في خبر يونس عن الرضا عليه السلام، كما تقدم ولكنه موهون بقصور السند والإعراض ولا بأس بحمله على الندب.

هذا متفق عليه نصّا وفتوى. نعم، قال في المقنع: «الدجاجة تربط ثلاثة أيام»(۲۳۸)، وروي «يوما إلى الليل»، ولكنه لم يعرف له قائل‏(۲۳۹).

لقاعدة «انتفاء الحكم بانتفاء الاسم والعنوان» كما تقدم(۲٤۰).

«الثاني عشر»: حجر الاستنجاء على التفصيل الآتي (۲٥۸).

نصّا وإجماعا، كما يأتي في فصل الاستنجاء.

«الثالث عشر»: خروج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف فإنّه مطهّر لما بقي منه في الجوف (۲٥۹).

تقدم ذلك في النجاسات، راجع [مسألة ۲] من نجاسة الدم.

«الرابع عشر»: نزح المقادير المنصوصة لوقوع النجاسات المخصوصة في البئر على القول بنجاستها ووجوب نزحها (۲٦۰).

إذ لا وجه لوجوب النزح الا التطهير، وهو المراد من الروايات الواردة في النزح سؤالا وجوابا(۲٤۱).

«الخامس عشر»: تيمم الميت بدلا عن الأغسال عند فقد الماء، فإنّه مطهّر لبدنه على الأقوى (۲٦۱).

لعموم بدلية الطهارة الترابية عن المائية في المقام، إذ لا نجاسة للميت إلا الحدثية الحاصلة بالموت، ومع زوال الحدثية تحصل الطهارة من هذه الجهة لا محالة. والا لغي وجوب الطهارة الترابية عند تعذر الطهارة المائية بالنسبة إلى الميت، ولا ينافي ذلك عدم حصول الطهارة الخبثية بالتيمم في سائر الموارد، ويأتي التعرض له في [مسألة ٦] من فصل غسل الميت. هذا إذا لم يكن بدن الميت متنجسا بالنجاسة العرضية، والا فالحكم بطهارة هذه النجاسة العرضية بالتيمم مشكل.

«السادس عشر»: الاستبراء بالخرطات بعد البول، وبالبول بعد خروج المنيّ، فإنّه مطهّر لما يخرج منه من الرطوبة المشتبهة (۲٦۲) لكن لا يخفى أنّ عدّ هذا من المطهّرات من باب المسامحة (۲٦۳)، والا ففي الحقيقة مانع عن الحكم بالنجاسة أصلا.

نصا وإجماعا، ويأتي التفصيل في فصل الاستبراء.

لأنّ طهارة الرطوبة المشتبهة: أما ظاهرية، فيكفي فيها مجرد الشك في النجاسة، فلا وجه لتسمية الاستبراء مطهّرا، وإما واقعية يكفي فيها تحقق موضوعها الواقعيّ ولا وجه لكون الاستبراء مطهّرا أيضا. ويمكن أن يقال: إنّ الاستبراء موضوع لحكم الشارع واقعا بطهارة البلل، كما أنّ الذبح الشرعيّ موضوع لحكم الشارع لطهارة الدم المتخلف.

«السابع عشر»: زوال التغير في الجاري، والبئر، بل مطلق النابع بأيّ وجه كان وفي عدّ هذا منها أيضا مسامحة، والا ففي الحقيقة المطهّر هو الماء الموجود في المادة (۲٦٤).

فتحصل الطهارة حينئذ لوجود المقتضي- وهو المادة- وزوال المانع- وهو التغير- فليس مجرد زوال التغير مطهّرا، بل المطهّر إنّما هو المادة الموجودة والاتصال بها.

«الثامن عشر»: غيبة المسلم، فإنّها مطهّرة لبدنه، أو لباسه، أو فرشه، أو ظرفه، أو غير ذلك مما في يده (۲٦٥). بشروط خمسة (۲٦٦): «الأول»: أن يكون عالما بملاقاة المذكورات للنجس الفلاني (۲٦۷). «الثاني»: علمه بكون ذلك الشي‏ء نجسا أو متنجسا اجتهادا أو تقليدا (۲٦۸). «الثالث»: استعماله لذلك الشي‏ء فيما يشترط فيه الطهارة، على وجه يكون أمارة نوعيّة على طهارته، من باب حمل فعل المسلم على الصحة (۲٦۹). «الرابع»: علمه باشتراط الطهارة في الاستعمال المفروض (۲۷۰). «الخامس»: أن يكون تطهيره لذلك الشي‏ء محتملا، والا فمع العلم بعدمه لا وجه للحكم بطهارته (۲۷۱)، بل لو علم من حاله أنّه لا يبالي بالنجاسة وأنّ الطاهر والنجس عنده سواء يشكل الحكم بطهارته (۲۷۲)، وإن كان تطهيره إيّاه محتملا. و في اشتراط كونه بالغا، أو يكفي ولو كان صبيا مميزا وجهان والأحوط ذلك. نعم، لو رأينا أنّ وليّه مع علمه بنجاسة بدنه أو ثوبه يجري عليه بعد غيبته آثار الطهارة لا يبعد البناء (۲۷۳) عليها، والظاهر إلحاق الظلمة والعمى بالغيبة مع تحقق الشروط المذكورة (۲۷٤). ثمَّ لا يخفى أنّ مطهّرية الغيبة إنّما هي في الظاهر والا فالواقع على حاله (۲۷٥)، وكذا المطهّر السابق وهو الاستبراء بخلاف سائر الأمور المذكورة فعد الغيبة من المطهّرات من باب المسامحة، والا فهي في الحقيقة من طرق إثبات التطهير.

لظهور الإجماع والسيرة القطعية من صدر الشريعة، ولزوم الحرج من الاجتناب، وظهور حال المسلم في الاجتناب عن النجاسة والاهتمام بتطهيرها، فيكون نفس احتمال التطهير كافيا في ترتيب آثار الطهارة، وكما أنّ احتمال الطهارة في سائر الموارد يكفي في الحكم بها مع عدم سبق النجاسة يكتفى به في المقام حتّى مع سبق النجاسة، لسقوط استصحاب النجاسة بالسيرة، وظهور الإجماع وعدم اعتناء المتشرعة بمثل هذا الاستصحاب، فيكون المقام كسائر الموارد في جريان قاعدة الطهارة أيضا بلا مانع، الا أنّ جريانها في سائر الموارد يكون بلا عناية شي‏ء، وفي المقام يكون لأجل احتمال التطهير، ومقتضى عموم دليل القاعدة الشمول للصورتين. مع أنّ في أصل جريان استصحاب النجاسة إشكالا، لاحتمال أن يكون زوال العين عما يتعلق بالمسلم كزوال العين عن بدن الحيوان، فالنجاسة تدور مدار وجود عينها فقط في الحيوان. وسواد الناس، والسيرة القطعية على عدم الاجتناب عنهم، ولا اختصاص لما قلناه بالنجاسة، فلنا أن ندعي السيرة العقلائية على أنّه إن رأى العقلاء قذارة على بدن شخص أو ثيابه أو ما يتعلق به من أثاثه، ثمَّ لم يروا تلك القذارة واحتملوا إزالتها لا يرتّبون آثار بقاء تلك القذارة، بل يرتبون آثار النظافة، بلا فرق في ذلك كلّه بين الظنّ بالإزالة وعدمه، ويرون التأمل في ذلك من الوسواس، والمتردد فيه خارجا عن متعارف الناس.

الشرطان الأولان يرجعان إلى شي‏ء واحد، والدليل على اعتبارهما:

أنّهما كالموضوع لتحقق احتمال التطهير الذي هو العمدة في الحكم بالطهارة، ومع عدم الأمرين لا يتحقق هذا الاحتمال قطعا.

كما أنّ الشرط الثالث والرابع يرجعان إلى شي‏ء واحد أيضا، وهو ترتب آثار الطهارة عليه مطلقا سواء أ كان بالاستعمال أو بغيره، والدليل عليه: أنّ ذلك هو المتيقن من الإجماع والسيرة. كما أنّ الدليل على الشرط الخامس كونه المتيقن من الإجماع والسيرة أيضا.

و لكن عن بعض الفقهاء رحمهم اللّه عدم اشتراط علمه بالنجاسة ولا تلبّسه بما يشترط بالطهارة، لعموم السيرة وسهولة الشريعة، خصوصا بالنسبة إلى الطهارة سيّما في صدر الإسلام، بل وفي هذه الأيام بالنسبة إلى نوع العوام، ولكن الأحوط ما قاله الماتن تبعا لجمع من الفقهاء رحمهم اللّه.

المراد من العلم العادي منه الشامل لمطلق الحجج المعتبرة ومر الدليل على اعتبار أصل الشرط.

تقدم أنّه يرجع إلى الشرط الأول.

إذا جعلنا استعماله أمارة على الطهارة فلا نحتاج إلى أصالة الصحة وقد ذكرنا الفرق بين الأمارة والأصل في كتابنا (تهذيب الأصول) ومن شاء فليراجعه.

لأنه مع عدم العلم بذلك ولا أثر لاستعماله كما مرّ.

لأنّ مطهّرية الغيبة طريق تسهيليّ ظاهري، لا موضوع لها مع العلم بالواقع، كسائر الطرق الظاهرية مطلقا.

منشأ الإشكال فيه وفي المميز، الإشكال في ثبوت السيرة وعدمه.

و عن الفقيه الهمداني دعوى ثبوتها فيهما، ويمكن الاختلاف باختلاف مراتب عدم‏ المبالاة ومراتب التمييز، ففي بعضها ثابتة، وفي بعضها مشكوكة الثبوت، وفي بعضها مقطوعة العدم. وبذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

تقدم أنّه بالنسبة إلى بعض مراتب التمييز يصح دعوى قيام السيرة، وبالنسبة إلى بعض مراتبها الأخر لا يصح، فيجوز الاعتماد على عمل الوليّ إن أوجب حصول الاطمئنان بالطهارة، والا فلا وجه للاعتماد عليه.

بدعوى: أنّه ليس لنفس الغيبة من حيث هي موضوعية خاصة بل المناط كلّه تحقق الشروط المذكورة والمفروض تحققها، فتكون من طرق استظهار الطهارة. نعم، لو كانت الظلمة والعمى بحيث لم يمكن استظهار الطهارة معهما، يشكل الإلحاق، فيكون النزاع حينئذ صغرويا.

كما في كلّ حكم ظاهريّ مجعول، ولكن يمكن أن يكون نفس الغيبة موضوعا لجعل الطهارة الواقعية، كما تقدم في الاستبراء. هذا بناء على النجاسة الحكمية. وأما بناء على أنّ النجاسة تدور مدار عينها كما مرّ، فالطهارة واقعية في غير عين النجاسة.

(مسألة ۱): ليس من المطهّرات الغسل بالماء المضاف، ولا مسح النجاسة عن الجسم الصيقلي كالشيشة، ولا إزالة الدم بالبصاق، ولا غليان الدم في المرق، ولا خبز العجين النجس، ولا مزج الدّهن‏ النجس بالكرّ الحار، ولا دبغ جلد الميتة وإن قال بكلّ قائل (۲۷٦).

نسب الأول إلى المفيد والسيد. والثاني إلى السيد والمفاتيح.

و الثالث إلى السيد. والرابع إلى المفيد، والشيخ والقاضي، والخامس إلى الشيخ في النهاية والاستبصار. والسادس إلى العلامة. والسابع إلى ابن الجنيد (قدّس اللّه أسرار جميعهم).

و الكل مردود، لاستقرار المذهب على خلافهم، مع أنّه لا مدرك لهم يصح الاعتماد عليه، لأنّ مستندهم بين ما هو قاصر سندا، أو معارض بمثله، أو موهون بهجر الأصحاب، فلا يصلح لمعارضة استصحاب النجاسة، فضلا عن التقدم عليه، وقد تقدم في [مسألة ۱۱] من نجاسة الدم، وفي الاستحالة، و[مسألة ۱٥] من المطهّرات، و[مسألة ۸] من نجاسة الميتة وسائر المسائل المناسبة ما يتعلق بالأقوال.

(مسألة ۲): يجوز استعمال جلد الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بعد التذكية ولو فيما يشترط فيه الطهارة (۲۷۷)، وإن لم يدبغ على الأقوى (۲۷۸). نعم، يستحب أن لا يستعمل مطلقا الا بعد الدبغ (۲۷۹).

لما يأتي في لباس المصلّي وكتاب الصيد والذباحة إن شاء اللّه تعالى من قبول كلّ حيوان للتذكية إلا ما خرج بالدليل، مثل نجس العين، وما ليس له نفس سائلة، والمسوخ غير السباع. وفي موثق سماعة:

«سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ قال: إذا رميت وسمّيت، فانتفع بجلدها»(۲٤۲).

و إطلاقه يشمل الجميع الا ما خرج بالدليل.

وهو المشهور، للأصل، وإطلاق مثل موثق سماعة:

«عن جلود السباع فقال عليه السلام: اركبوها ولا تلبسوا شيئا منها تصلّون فيه»(۲٤۳).

و لكن لا تصح الصلاة فيما لا يؤكل منها، لما يأتي إن شاء اللّه تعالى في الرابع من شرائط لباس المصلّي، وتقدم في [مسألة ۳] من نجاسة البول ما يتعلق بالمقام‏(۲٤٤).

نسب إلى الشيخين والمرتضى عدم الطهارة إلا بالدبغ، لما روي عن الرضا عليه السلام: «دباغة الجلد طهارته»(۲٤٥).

و لخبر أبي مخلّد السراج «- في حديث- قال: إنّي رجل سراج أبيع جلود النمر، فقال: مدبوغة هي؟ قال: نعم، قال: ليس به بأس»(۲٤٦).

و لكنهما لا تصلحان لحرمة الاستعمال، لقصور السند والهجر عند الأصحاب. مع أنّ قوله عليه السلام: «دباغة الجلد طهارته» يمكن أن يحمل على الطهارة في مقابل القذارة الظاهرية، دون ما تقابل النجاسة الشرعية.

(مسألة ۳): ما يؤخذ من الجلود من أيدي المسلمين أو من أسواقهم محكوم بالتذكية (۲۸۰)، وإن كانوا ممن يقول بطهارة جلد الميتة بالدبغ (۲۸۱).

بضرورة المذهب، بل الدّين، والمستفيض من الأخبار، تقدم بعضها في [مسألة ٦] من نجاسة الميتة(۲٤۷).

على المشهور، لإطلاق الأدلة الدالة على اعتبار يد المسلمين‏ وسوقهم الشامل لهذا القسم أيضا مع وجود من يقول بهذا بينهم، خصوصا في الصدر الأول، ويشهد له إطلاق قوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار:

«إنّ الدّين أوسع من ذلك»(۲٤۸).

و ما ورد في بعضها من النّهي عن السؤال(۲٤۹).

(مسألة ٤): ما عدا الكلب والخنزير من الحيوانات التي لا يؤكل لحمها قابل للتذكية (۲۸۲)، فجلده ولحمه طاهر بعد التذكية.

لإطلاق موثق ابن بكير(۲٥۰) وصحيح ابن يقطين‏(۲٥۱). ولا بد من استثناء الحشرات والإنسان أيضا. أما الأخير، فبضرورة الدّين، وأما الأول فإنّه لا أثر للتذكية فيها، لعدم جواز أكلها ذكيت أولا، كما أنّها طاهرة مطلقا، ذكيت أم لا.

(مسألة ٥): يستحب غسل الملاقي في جملة من الموارد مع عدم تنجسه، كملاقاة البدن أو الثوب لبول الفرس والبغل والحمار (۲۸۳)، وملاقاة الفأرة الحية مع الرطوبة مع ظهور أثرها، والمصافحة مع الناصبيّ بلا رطوبة (۲۸٤)، ويستحب النضح- أي الرش‏ بالماء- في موارد، كملاقاة الكلب، والخنزير، والكافر بلا رطوبة (۲۸٥)، وعرق الجنب من الحلال (۲۸٦)، وملاقاة ما شك في‏ ملاقاته لبول الفرس والبغل والحمار (۲۸۷)، وملاقاة الفأرة الحية مع الرطوبة إذا لم يظهر أثرها (۲۸۸)، وما شك في ملاقاته للبول أو الدم أو المنيّ (۲۸۹)، وملاقاة الصفرة الخارجة من دبر صاحب البواسير (۲۹۰)، و معبد اليهود والنصارى والمجوس إذا أراد أن يصلي فيه (۲۹۱). و يستحب المسح بالتراب أو بالحائط في موارد: كمصافحة الكافر الكتابي بلا رطوبة، ومس الكلب والخنزير بلا رطوبة، ومسّ الثعلب والأرنب (۲۹۲).

لقول الصادق عليه السلام: «يغسل بول الحمار والفرس والبغل»(۲٥۲).

المحمول على الندب، جمعا بينه. وبين ما ظاهره الطهارة(۲٥۳).

أما في الفأرة فلخبر ابن جعفر عن أخيه عليه السلام قال:

«سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء فتمشي على الثياب أ يصلّى‏ فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها، وما لم تره انضحه بالماء»(۲٥٤).

المحمول على الندب بقرينة غيره‏(۲٥٥). وأما الناصبيّ، فلخبر القلانسي عن الصادق عليه السلام:

«ألقى الذمي فيصافحني. قال: امسحها بالتراب وبالحائط. قلت:

فالناصب؟ قال: اغسلها»(۲٥٦).

المحمول في الذمّي على عدم الرطوبة إجماعا وفي الناصب على استحباب الغسل حتّى مع اليبوسة.

لحديث الأربعمائة قال:

«تنزهوا عن قرب الكلاب، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله، وإن كان جافا فلينضح ثوبه بالماء»(۲٥۷).

و صحيح ابن جعفر عن أخيه عليه السلام فيمن أصاب ثوبه خنزير قال عليه السلام: «إن كان دخل في صلاته فليمض، فإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه، الا أن يكون فيه أثر فيغسله»(۲٥۸).

و في صحيح الحلبي عن الصلاة في ثوب المجوسي، فقال عليه السلام:

«يرشّ بالماء»(۲٥۹).

المحمول كلّ منها على الندب، لقرائن خارجية وداخلية.

لخبر أبي بصير عن القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب حتّى يبتلّ‏ القميص، فقال: «لا بأس، وإن أحبّ أن يرشه بالماء فليفعل»(۲٦۰).

و في استفادة الاستحباب الشرعي عن مثل هذا التعبير إشكال.

لخبر ابن مسلم قال: «سألته عن أبوال الدواب والبغال والحمير، فقال عليه السلام: اغسله، فإن لم تعلم مكانه، فاغسل الثوب كلّه فإن شككت فانضحه‏(۲٦۱).

المحمول على الندب إجماعا.

لما تقدم من خبر ابن جعفر: «و ما لم تره انضحه بالماء».

لخبر ابن الحجاج عن الكاظم عليه السلام: «عن رجل يبول بالليل فيحسب أنّ البول أصابه فلا يستيقن، فهل يجزيه أن يصيب على ذكره إذا بال ولا يستنشف؟ قال: يغسل ما استبان أنّه قد أصابه، وينضح ما يشك فيه من جسده وثيابه ويتنشف قبل أن يتوضّأ»(۲٦۲).

و المراد بالتنشف الاستبراء- كما في الوسائل- وفي خبر ابن سنان عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال:

«إن كان قد علم أنّه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل أن يصلّي ثمَّ صلّى فيه ولم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلّى، وإن كان لم يعلم به، فليس عليه إعادة، وإن كان يرى أنّه أصابه شي‏ء فنظر فيه فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء»(۲٦۳).

و الظاهر أنّ ذكر الجنابة في الجواب من باب الاكتفاء بأحد فردي السؤال عن فرده الآخر، لا الاختصاص بها فقط.

لخبر صفوان قال: «سأل رجل أبا الحسن عليه السلام وأنا حاضر فقال: إنّ لي جرحا في مقعدتي، فأتوضأ ثمَّ أستنجي، ثمَّ أجد بعد ذلك الندى والصفرة تخرج من المقعدة. أ فأعيد الوضوء؟ قال: قد أيقنت؟ قال: نعم، قال: لا. ولكن رشه بالماء، ولا تعد الوضوء»(۲٦٤).

و حيث إنّ الغالب في جرح المقعدة البواسير، فيحمل الخبر عليه.

لصحيح ابن سنان قال: «سألته عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس فقال عليه السلام: رشّ وصلّ»(۲٦٥).

أما الكتابيّ فلما تقدم في خبر القلانسي، وأما الكلب والخنزير فلفتوى جمع به معترفين بعدم العثور على النص. وعن بعض زيادة مس الثعلب والأرنب، وعن آخر إضافة مسّ الفأرة والوزغة. وعن المبسوط استحبابه لمس كلّ نجاسة يابسة. فإن أرادوا الاستحباب الشرعي، وكفى فتوى الفقيه في ثبوته تسامحا يثبت الاستحباب في ذلك كلّه، والا فلا وجه له وإن أرادوا حسن التنزه ورفع مطلق الاستقذار عند العقلاء فله وجه.

و الحمد للّه ربّ العالمين ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وقد انتهى في اليوم الأول من شهر رجب المرجب سنة ألف وثلاثمائة وتسع وسبعين هجرية على من هاجرها آلاف التحية والثناء وصلّى اللّه على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

  1. بسمة تعالى: الفرقان: ۲٥. الآية 4۸.
  2. الوسائل باب: ۱ من أبواب الماء المطلق حديث: 4 و قريب منه ما عن النبي( صلّى اللَّه عليه و آله و سلم) كما في كنز العمال ج: ۹ باب التخلّي و الاستنجاء حديث: ٦۱، ط: الهند.
  3. الوسائل باب: ۷ من أبواب التيمم حديث: ٥.
  4. الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
  5. الوسائل باب: ۱ من أبواب الماء المطلق حديث: ۷.
  6. الفرقان: ۲٥، الآية 4۸.
  7. الوسائل باب: ۱ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
  8. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  9. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  10. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب النجاسات حديث: ٦.
  11. سنن أبي داود: ج: ۱ باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها ص ۳٦٥.
  12. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۳ و 4 راجع باب: ۳ منها.
  13. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب النجاسات.
  14. الوسائل باب: ۲ من أبواب النجاسات.
  15. الوسائل باب: ۸۱ من أبواب النجاسات.
  16. ج: ۱ صفحة: 4٦۰.
  17. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  18. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۳.
  19. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: 4.
  20. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: 4.
  21. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب أحكام الخلوة.
  22. المعتبر صفحة: ۱۲۱ و الرواية مذكورة في الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: 4 بدون« الأولى للإزالة .. إلخ».
  23. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۳.
  24. الوسائل باب: ۸ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  25. الوسائل باب: ۲ من أبواب النجاسات.
  26. مستدرك الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المطلق حديث: ۸.
  27. الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
  28. الوسائل باب: ۳ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  29. مستدرك الوسائل باب: ۲ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  30. الوسائل باب: ۳ من أبواب النجاسات حديث: ۳.
  31. سنن أبي داود باب بول الصبيّ يصيب الثوب حديث: ۳۷۸.
  32. سنن أبي داود باب بول الصبيّ يصيب الثوب حديث: ۳۷٥.
  33. كنز العمال ج: ۹ الحديث: ۱۸٦۱ الإكمال من الطهارة من بول الصبيّ( الأقوال).
  34. الوسائل باب: ۳ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  35. راجع الوسائل باب: ٥ من أبواب النجاسات حديث: ۳ و باب: ۳ منها حديث: ۱.
  36. أما المدلول المطابقي كما ورد في الوسائل باب: ۱۱ حديث: ۱ من أبواب النجاسات و باب: ۱۲ حديث: ٦. و أما المداليل الالتزامية فهي كثيرة جدّا راجع بعضها في باب: ۱ و باب: ۳۸ و باب: ۸ من أبواب النجاسات.
  37. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۷.
  38. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  39. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۷.
  40. كنز العمال ج: ۹ حديث: ۲٦۳۱، باب إزالة النجاسة( الأفعال)
  41. تهذيب الأصول ج: ۲ صفحة: ۱۲4 ط بيروت.
  42. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات.
  43. تقدمت النصوص الواردة في تلك الموارد في ج: ۱ صفحة: 4۲۳.
  44. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب النجاسات.
  45. المبسوط صفحة: ٦ الطبعة الحجرية باب: حكم الأواني.
  46. راجع: المعتبر صفحة: ۱۲۷.
  47. مستدرك الوسائل باب: 4۳ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  48. الوسائل باب: ۱ من أبواب الأسئار حديث: 4.
  49. راجع الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الماء المضاف حديث: ٥.
  50. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الأشربة المحرّمة حديث: ۲.
  51. كنز العمال ج: ۹ صفحة: ۲۲۰ رقم ۱۸۷٥.
  52. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  53. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب النجاسات.
  54. الوسائل باب: ٥۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  55. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب الأشربة المحرّمة حديث: ۲.
  56. الوسائل باب: ٥۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  57. السنن الكبرى للبيهقي: ۱ باب إدخال التراب في إحدى غسلاته صفحة: ۲4۰.
  58. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  59. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  60. السنن الكبرى للبيهقي صفحة: ۳4۰ ج: ۱.
  61. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  62. تقدم في صفحة: ۲٦.
  63. الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
  64. مستدرك الوسائل باب: ۹ من أبواب الماء المطلق حديث: ۸.
  65. راجع الوسائل باب: ٥۱ حديث: ۱ و باب: ٥۳ من أبواب النجاسات.
  66. الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
  67. راجع: تهذيب الأصول: ج: ۱ صفحة: ۱۲4 ط ۳- بيروت.
  68. مستدرك الوسائل: ۹ من أبواب الماء المطلق حديث: ۸.
  69. الوسائل باب: ٦ من أبواب الماء المطلق حديث: ٥.
  70. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب النجاسات.
  71. مضافا إلى ما سبق من الروايات. راجع الوسائل باب: ۳ حديث: ۱ و باب: ٥ حديث: ۳ و باب: ٥۳ من أبواب النجاسات: و راجع مستدرك الوسائل باب: ۲ و ۳ من أبواب النجاسات.
  72. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  73. الوسائل باب: ٥۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  74. الوسائل باب: ۱ من أبواب الماء المطلق.
  75. الوسائل باب: ۳۹ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ۱.
  76. تقدما في صفحة: ۱۸.
  77. تقدما في صفحة: ۱۸.
  78. الوسائل باب: ۲ من أبواب النجاسات.
  79. الوسائل باب: ٥۳ و ۱٥ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  80. الوسائل باب: ٥ من أبواب الماء المضاف حديث: ۳ و باب: ٦، من الأشربة المحرمة.
  81. الوسائل باب: ۷۱ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  82. الوسائل باب: ۷٥ من أبواب النجاسات و باب: ٦ من أبواب الماء المطلق.
  83. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب الأشربة المحرمة.
  84. الوسائل باب: ۱ و باب: ٥۳ و باب: ۷۰ من أبواب النجاسات.
  85. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  86. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  87. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: 4.
  88. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱ و ۲ و 4.
  89. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱ و ۲ و 4.
  90. الوسائل باب: ۳ من أبواب النجاسات حديث: 4.
  91. الوسائل باب: ۳ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  92. الوسائل باب: ۳ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  93. الوسائل باب: ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع.
  94. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  95. الوسائل باب: ۳ من أبواب النجاسات حديث: 4.
  96. راجع: ج: ۱ صفحة: ۱۳۹.
  97. راجع الوسائل باب: 4۳ من أبواب الأطعمة المحرّمة.
  98. صفحة: ۳۷.
  99. الوسائل باب: ۲ من أبواب النجاسات.
  100. الوسائل باب: 44 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: ۱.
  101. صفحة: ۱4.
  102. الوسائل باب: ۲ من أبواب النجاسات.
  103. الوسائل باب: ۲ من أبواب النجاسات.
  104. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب النجاسات.
  105. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۷.
  106. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  107. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب أحكام الخلوة حديث: ۱۰.
  108. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۳.
  109. الوسائل باب: ۷ من أبواب التيمم حديث: ۲.
  110. سنن أبي داود باب: الأذى يصيب النعل حديث: ۳۸٦.
  111. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ٦.
  112. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۹.
  113. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۱۰.
  114. راجع الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۲ و ٦ و ۸ و ۹.
  115. راجع الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۲ و ٦ و ۸ و ۹.
  116. راجع الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات.
  117. راجع الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات.
  118. راجع الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات.
  119. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۷.
  120. راجع: ج: ۱ صفحة: 44۸.
  121. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۳. و تقدما في صفحتي: ٥۸.
  122. الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات حديث: ۹. و تقدما في صفحتي: ٥۹.
  123. راجع الوسائل باب: ۳۲ من أبواب النجاسات.
  124. تقدمت في صفحة ٥۸ و ٥۹.
  125. تقدمت في صفحة ٥۸ و ٥۹.
  126. تقدمت في صفحة ٥۸ و ٥۹.
  127. تقدمت في صفحة ٥۸ و ٥۹.
  128. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  129. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: 4.
  130. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ٥.
  131. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ٦.
  132. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  133. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ۷.
  134. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ۳.
  135. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: 4.
  136. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ۱ و ۲ و ۷.
  137. الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ۳.
  138. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  139. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  140. الوسائل باب: ۲۹ و باب: ۳۰ من أبواب النجاسات حديث: ۳ و ۲.
  141. راجع الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات.
  142. راجع الوسائل باب: ۲۹ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  143. تقدم في صفحة: ۷۰.
  144. الوافي ج: 4 صفحة: ۳٦ و تقدمت المناقشة في صفحة: ۷۱.
  145. تقدم في صفحة: ۷۲.
  146. راجع: ج: ۱ صفحة: ۱۳۷.
  147. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الأسئار حديث: ۱.
  148. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب الأسئار حديث: ۲.
  149. الوسائل باب: ۱4 من أبواب الماء المطلق حديث: ۱۸.
  150. الوسائل باب: ۱4 من أبواب الماء المطلق حديث: ۱۷.
  151. راجع: ج ۱ صفحة: 4٦۰.
  152. راجع الوسائل باب: ۷۷ من أبواب النجاسات.
  153. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۱.
  154. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۸.
  155. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۱۱.
  156. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۷.
  157. الوسائل باب: ۷۷ من أبواب النجاسات حديث: 4 كما ورد في باب: ۳۱ من الأشربة المحرمة.
  158. عيون أخبار الرضا باب: ۳۱ حديث ۱۲۷.
  159. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۹.
  160. الوسائل باب: ۳۱ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ٥.
  161. راجع: ج: ۱ صفحة: ۱۳۷.
  162. ج: ۱ صفحة: ۱۳۰.
  163. ج: ۱ صفحة: ۱4۰.
  164. راجع صفحة: ۸٦.
  165. الوسائل باب: ۲ من أبواب الأشربة المحرمة.
  166. الوسائل باب: ٥ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۱.
  167. راجع الوسائل باب: ۲ و ٥ و ۸ من أبواب الأشربة المحرمة.
  168. الوسائل باب: ۲ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ٦.
  169. راجع الوسائل باب: ٥ من أبواب الأشربة المحرمة.
  170. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأشربة المحرمة.
  171. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأشربة المحرمة.
  172. الوسائل باب: ۳ من أبواب الأشربة المحرمة.
  173. الوسائل باب: ۲ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۷.
  174. الوسائل باب: ٥ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۲ و ۳.
  175. الوسائل باب: ۲ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ۹.
  176. ج: ۱ صفحة: ۲۳۲.
  177. ج: ۱ صفحة: ۲۳۷.
  178. الوسائل باب: ۷ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4 و ٥.
  179. الوسائل باب: ۷ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4 و ٥.
  180. الوسائل باب: ۷ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ٦ و ۷.
  181. الوسائل باب: ۷ من أبواب الأشربة المحرمة حديث: ٦ و ۷.
  182. راجع الوسائل باب: ۲۳ من أبواب النجاسات.
  183. راجع الوسائل باب: ۸٦ من أبواب جهاد النفس.
  184. أصول الكافي ج: ۲ صفحة: ۲٥، و راجع الوسائل باب: ۱ من أبواب مقدمة العبادات.
  185. الوسائل باب: ۱ من أبواب المرتد حديث: ۲.
  186. الوسائل باب: ۱ من أبواب المرتد حديث: ٥.
  187. الوسائل باب: ۱ من أبواب المرتد حديث: ۳.
  188. تقدم في صفحة: ۱۰4.
  189. الوسائل باب: ۱ من أبواب المرتد.
  190. راجع الوسائل، الباب: ۱ من أبواب حدّ المرتد.
  191. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب حد القذف حديث: ۱.
  192. تقدم في صفحة: ۱۰4.
  193. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب حدّ المرتد حديث: ٥۲.
  194. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب حدّ المرتد حديث: ٥٦.
  195. الوافي: باب النفاق من أبواب الكفر حديث: ۱.
  196. من الكتاب آل عمران آية ۱۹ و ۸٥ و من السنة راجع الوسائل باب: ۱۰ و ۱۱ من أبواب جهاد العدوّ.
  197. الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
  198. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب العاقلة حديث: ۷.
  199. الوسائل باب: ۱ من أبواب حد المرتد حديث: ۳.
  200. راجع الوسائل باب: ۱٦ من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها العامة حديث: ۳.
  201. صفحة: ۱۰۳.
  202. الوسائل باب: 4۳ من أبواب الجهاد حديث: ۱.
  203. الوسائل باب: ۱ من أبواب موانع الإرث حديث: ۱۱.
  204. الوسائل باب: ۱ من أبواب موانع الإرث حديث: ۱۰.
  205. الوسائل باب: ۱ من أبواب موانع الإرث حديث: 4.
  206. الوسائل باب: ۱ من أبواب موانع الإرث حديث: ۱۹.
  207. راجع الوسائل باب: 4۷ من أبواب القصاص.
  208. البحار ج: ۳ صفحة: ۲۸۱ حديث: ۲۲ و في الوسائل باب: 4۸ من أبواب جهاد العدوّ حديث: ۳ باختلاف يسير و في كنز العمال حديث: ۱۳۰۸ و ۱۳۰۹.
  209. الوسائل باب: ۱ من أبواب غسل الميت.
  210. الوسائل باب: ۱4 من أبواب الماء المطلق حديث: ۱ و ٦.
  211. الوسائل باب: ۲ من أبواب الأسئار.
  212. الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار.
  213. الوسائل باب: ۱ من أبواب الأسئار حديث: 4.
  214. الوسائل باب: ۹ من أبواب الأسئار حديث: ۱.
  215. الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار حديث: ۲.
  216. الوسائل باب: ۳۹ من أبواب النجاسات حديث: ۱ و ۲.
  217. الوسائل باب: ۱ من أبواب النجاسات حديث 4. و غيره من الأخبار المذكورة.
  218. الوسائل باب: ۱ من أبواب الأسئار حديث: ۱.
  219. الوسائل باب: ۱4 من أبواب النجاسات حديث: ۳ و ٥.
  220. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب النجاسات حديث: ٦.
  221. الوسائل باب: ۲4 من أبواب النجاسات حديث: ٥.
  222. الوسائل باب: ۲4 من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  223. الوسائل باب: ۲4 من أبواب النجاسات حديث: ۷.
  224. الوسائل باب: ۲4 من أبواب النجاسات حديث: ٥.
  225. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرمة.
  226. تقدم في ج: ۱ صفحة: ۱۳۷.
  227. الوسائل باب: ۲4 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: ۲.
  228. راجع: مجمع البحرين صفحة: 4۲۹.
  229. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرّمة حديث: ۱.
  230. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: ۲.
  231. الوسائل باب: ۲4 من أبواب النجاسات حديث: ٥.
  232. التهذيب باب الصيد و الذكاة حديث: ۱۸۹.
  233. الاستبصار باب كراهية لحوم الجلالات حديث: ۲.
  234. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 4.
  235. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: ٥ و ٦.
  236. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: ۷ و ۱۰.
  237. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: ۸ و ۹.
  238. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: ۱۰ و ۸ و ۹.
  239. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: ۱۰ و ۸ و ۹.
  240. تقدم في ج: ۱ صفحة: ۱۳۷.
  241. الوسائل أبواب: ۱٥ إلى ۲۳ من أبواب الماء المطلق.
  242. الوسائل باب: ۳4 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 4.
  243. الوسائل باب: ٥ من أبواب لباس المصلي حديث: ٦.
  244. راجع: ج ۱ صفحة: ۳۰۰.
  245. الفقه الرضوي: صفحة: 4۱ و ذكرنا الرواية في ج: ۱ صفحة: ۳۰۷.
  246. الوسائل باب: ۳۸ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۱.
  247. ج ۱ صفحة: ۳۲۳ و راجع الوسائل باب: ٥۰ من أبواب النجاسات.
  248. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب النجاسات حديث: ۳ و ٦ و ۷.
  249. الوسائل باب: ٥۰ من أبواب النجاسات حديث: ۳ و ٦ و ۷.
  250. الوسائل باب: ۳ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  251. الوسائل باب: ۱ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۱.
  252. الوسائل باب: ۹ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۹ و ۱۲.
  253. الوسائل باب: ۹ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۹ و ۱۲.
  254. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب لباس المصلّي حديث: ۲.
  255. الوسائل باب: ۹ من أبواب الأسئار حديث ۱ و ۹.
  256. الوسائل باب: ۱4 من أبواب النجاسات حديث: 4.
  257. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب النجاسات حديث: ۱۱.
  258. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب النجاسات حديث: ۱.
  259. الوسائل باب: ۷۳ من أبواب النجاسات حديث: ۳.
  260. الوسائل باب: ۲۷ من أبواب النجاسات حديث: ۸.
  261. الوسائل باب: ۹ من أبواب النجاسات حديث: ٦.
  262. الوسائل باب: ۳۷ من أبواب النجاسات حديث: ۲.
  263. الوسائل باب: 4۰ من أبواب النجاسات حديث: ۳.
  264. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب نواقض الوضوء حديث: ۳.
  265. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب مكان المصلّي حديث: ۲.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"