1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الطهارة
  10. /
  11. فصل في أحكام الأموات
اعلم أنّ أهمّ الأمور و أوجب الواجبات التوبة من المعاصي (۱)، و حقيقتها الندم (۲)، و هو من الأمور القلبية (۳) و لا يكفي مجرد قوله: أستغفر اللّه (٤)، بل لا حاجة إليه مع الندم القلبي (٥) و إن كان أحوط (٦). و يعتبر فيها العزم على ترك العود إليها (۷)، و المرتبة الكاملة منها ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام (۸).

الموت: هو رجوع الروح إلى عالمها إن كان سعيدا، فإلى السعادة الأبدية، و إن كان شقيا، فإلى عالم الشقاوة و العذاب، و يبقى البدن في هذا العالم و تعرض عليه عوارض مختلفة و استحالات كثيرة لا يعلمها الا اللَّه تعالى فموت الإنسان تفريق بين شيئين لا أن يكون انعدام شي‏ء في البين. و الحشر، و المعاد عبارة عن ائتلافهما، و اجتماعهما ثانيا بعد تفرقهما مدة لا يعلمها إلا اللَّه تعالى، و الأرض بالنسبة إلى الأبدان كالرحم بالنسبة إلى النطفة إلا أنّ الأرض رحم نوعي، و مقر النطفة رحم شخصي و هناك جهات أخرى من التشابه مذكورة في محالّها.

ثمَّ إنّ أشد الساعات و أهولها، بل و أعظمها على الإنسان ثلاث ساعات ساعة ولادته، و ساعة خروج الروح من البدن، و ساعة الحشر من الأرض و القيام بين يدي اللَّه تعالى للحساب. و بعبارة أخرى: ساعتا الولادتين، و ساعة الموت. قال الرضا عليه السلام: «إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد و يخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، و يوم يموت فيعاين الآخرة و أهلها، و يوم يبعث فيرى أحكامها لم يرها في دار الدنيا و قد سلّم اللَّه عز و جل على يحيى عليه السلام في هذه الثلاثة المواطن و آمن روعته، فقال‏ وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا و قد سلم عيسى بن مريم عليه السلام على‏ نفسه في هذه الثلاثة- الحديث-»۱.

و عن عليّ بن الحسين عليه السلام «أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات:

الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، و الساعة التي يقوم فيها من قبره، و الساعة التي يقف فيها بين يدي اللَّه- تبارك و تعالى- فإما إلى الجنة و إما إلى النار- الحديث-»۲.

أما سكرات الموت و شدائده، فيدل عليها الكتاب‏۳ و السنة المستفيضة4، بل المتواترة، و المتحصّل من المجموع أنّ حالة الموت على أقسام أربعة:

الأول: الشدة بالنسبة إلى المؤمن حتّى يكون ذلك كفارة له لما بقي من ذنوبه.

الثاني: الخفة و الراحة بالنسبة إليه كأطيب ريح يشمه، فينعش بطيبة و ينقطع التعب و الألم و ذلك لمن ليس له ذنب، أو كفرت ذنوبه بما ورد عليه من المتاعب و المصائب.

الثالث: الشدة بالنسبة إلى الكافر، لأنّها أول الشروع في تعذيبه و التشديد عليه جزاء لكفره.

الرابع: و الخفة بالنسبة إليه، لأنّها آخر حظه من الدنيا و لا يعلم أسرار ذلك كلّه الا اللَّه تعالى.

ثمَّ إنّه يجب الاستعداد للموت بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ. أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ٥.

و من السنة ما رواه الفريقان عنه صلّى اللَّه عليه و آله: «اغتنم حياتك قبل موتك»٦.

و المستفيضة المرغبة إلى ذكر الموت‏۷، و ليس المراد مجرد الذكر اللساني أو الخطور القلبي، بل المراد الذكر العملي و هو عبارة عن الاستعداد له، و من الإجماع إجماع المسلمين، بل كلّ من يعتقد بالمعاد من سائر الملل و الأديان، و للاستعداد للموت مراتب متفاوتة يكفي في أداء الواجب منه إتيان الواجبات و ترك المحرّمات.

يدل على وجوب التوبة في الجملة الأدلة الأربعة، فمن الكتاب الكريم آيات كثيرة:

منها: قوله تعالى‏ وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏۸.

و من السنة المستفيضة: «من لم يندم على ذنب يرتكبه، فليس بمؤمن»۹.

و مثل قول عليّ عليه السلام: «و إن قارفت سيئة، فعجل محوها بالتوبة».

من الإجماع اتفاق المسلمين عليه، و من العقل حكمه الجزمي بوجوب دفع الضرر المحتمل و لا ريب في احتمال العقاب في ترك التوبة.

ثمَّ إنّه يمكن أن يكون وجوب التوبة مولويا لا إرشاديا محضا. و ما يقال من أنّه على هذا يلزم تعدد العقاب على نفس المعصية و على ترك التوبة و لا يلتزم أحد بذلك، مدفوع بإمكان أن يقال إنّ العقاب واحد انبساطي من نفس المعصية على ترك التوبة و يشتد، لكونه نحو تجر و تساهل في الدين، و يمكن أن يستفاد ذلك مما ورد في ترتب الثواب عليها۱۰، ففيها جهة استقلالية في الجملة، كما جعلت في حديث سماعة ضد الإصرار۱۱ و جهة طريقية ينبسط عقاب المعصية عليها و يشتد، لانطباق عنوان التسامح و التساهل في الدين عليه، فعلى هذا تجب التوبة عن الصغائر أيضا مع أنّها مكفرة، لأنّها ذنوب أيضا، فتشملها الإطلاقات. و لا بأس به إن لم يتحقق موجب التكفير.

فمن أتى بالصغائر مع عدم اجتناب الكبائر و عدم تحقق موجب تكفير الصغائر عنه تجب عليه التوبة عن الصغائر أيضا.

فروع- (الأول): لا ريب في سقوط العقاب بالتوبة الصحيحة، نصا و إجماعا. قال عليه السلام: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»۱۲.

إنّما الكلام في أنه تفضليّ أو استحقاقي، و يمكن القول بالثاني بأنّ اللَّه تعالى جعل هذا الحق للتائب، و يمكن أن يستفاد ذلك من مثل قوله تعالى:

كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏۱۳.

فعلى هذا يقبح عليه تعالى العقاب بعد قبول التوبة من عبده إذ يكون حينئذ كالعقاب على ما لا يستحقه العبد من العقوبة و في التوبة مباحث نفيسة تعرضنا لها في التفسير۱4 فمن شاء فليرجع إليه.

(الثاني): التوبة و الاستغفار مختلفان مفهوما، لأنّ الأول بمعنى الرجوع، و الأخير بمعنى الستر و قد يتحدان مصداقا نحو اتحاد الكاشف و المكشوف عنه، و في الاستغفار نحو مذلة و استكانة للعبد لدى المولى لا يكون ذلك في أصل الندم القلبي و من هذه الجهة جعل عليه السلام في حديث سماعة الوارد في جنود العقل و الجهل: «التوبة ضد الإصرار، و الاستغفار ضد الاغترار»۱٥.

(الثالث): الندامة صفة نفسانية يغم الإنسان بالنسبة إلى ما صدر منه و يتمنّى عدم صدوره منه، و يكون في قلق و اضطراب من هذه الجهة، و لا بد في الندم الذي يكون توبة أن تكون الندامة لأجل صدور الذنب و مخالفة اللَّه تعالى فلو حصلت الندامة لجهات اخرى من ضرر دنيوي و فضيحة عند الناس لا يكون ذلك توبة.

(الرابع): يظهر من جملة من الأخبار أمور:

الأول: أنّ باب التوبة مفتوحة ما دام الروح في الجسد و بالنسبة إلى نوع البشر مفتوحة ما لم تطلع الشمس من مغربها۱٦.

الثاني: لو نسي أحد ذنبه و تذكر بعد سنين و تاب منه يغفر له. قال الصادق عليه السلام: «العبد المؤمن إذا أذنب ذنبا أجله اللَّه سبع ساعات، فإن استغفر اللَّه لم يكتب عليه شي‏ء»۱۷.

و قال عليه السلام: «إنّ المؤمن ليذكر ذنبه بعد عشرين سنة حتّى يستغفر ربه فيغفر له»۱۸.

و قوله عليه السلام: «أجل سبع ساعات» أي لم يكتب عليه ثمَّ يكتب و يمحى بالتوبة إن تاب أو بالتكفير، لقوله تعالى‏ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ‏۱۹.

الثالث: إنّ العناوين الواردة في القرآن الكريم ثلاثة: منها قوله تعالى:

ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ‏۲۰.

فقدم- تعالى- فيها التوبة من نفسه أولا ثمَّ ذكر توبة العاصي و هذا نهاية إعمال الملاطفة منه تعالى و غاية إظهار الكرم و الجود، و توبته تعالى عبارة عن التوفيقات و العنايات الخاصة التي يوفق تعالى بها العصاة، فيتوبوا و يرجعوا إليه عز و جل.

و منها: قوله تعالى‏ وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ‏۲۱.

فقدم الاستغفار على التوبة و هو في الدعوات كثير، و صيغة الاستغفار المتعارف هكذا أيضا.

و منها: قوله تعالى‏ أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَهُ‏۲۲.

فقدم التوبة على الاستغفار. و المتحصّل من المجموع: أنّ التوبة تحصل أولا بتوفيق اللَّه تعالى و إقباله على العاصي ليقبل عليه بعد المخالفة و يدخل في الصراط المستقيم بعد الانحراف ثمَّ يتحقق الندم من العاصي على عصيانه و هو ملازم عادة لإبراز ذلك على لسانه و يعبّر عنه بالاستغفار أي إظهار حب الغفران و هو ملازم عادة لثبوت الندم بعده في الجملة أيضا، فمجموع الآيات مشتملة على هذه الجهات أي: إقباله تعالى على العصاة بتوفيقهم للتوبة، و ندم العاصين و إظهارهم للندامة، و حب الغفران و الاستغفار، و وجود الندامة بعد الاستغفار أيضا. و مما منّ به اللَّه تعالى على عباده، بل من أوسع أبواب رحمته ما قاله أبو جعفر عليه السلام في خبر ابن المستنير: «لو لا أنّكم تذنبون فتستغفرون اللَّه لخلق اللَّه خلقا حتّى يذنبوا، ثمَّ يستغفروا فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتن ثواب، أما سمعت قول اللَّه عز و جل‏ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏، و قال:

اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ*۲۳.

إجماعا، و نصّا قال النبي صلّى اللّه عليه و آله فيما روى عنه الفريقان: «كفى بالندم توبة»۲4.

و هو عبارة أخرى عن الرجوع إلى اللّه تعالى و الإقبال عليه تعالى بعد مخالفته رجوعا و إقبالا قلبيا، و لا يتحقق ذلك إلا بالندامة.

لشهادة وجدان كلّ تائب بذلك، و لا يخفى أنّ للندامة مراتب متفاوتة، و مقتضى الإطلاق كفاية مطلق الندامة بحيث تصدق الندامة عرفا.

لأنّ اعتبار الاستغفار إنّما هو من جهة كشفه عن الندامة القلبية و مع عدمها لا يكون كاشفا فلا أثر له أصلا- كالإقرار بالشهادتين مع عدم الاعتقاد بها- نعم، من سمع ذلك و لم يعلم بمخالفة اللسان مع الجنان يصح له ترتيب الأثر.

لإطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله: «كفى بالندم توبة» و أنّ اللسان طريق محض إلى الجنان.

جمودا على مثل قوله عليه السلام: «دواء الذنوب الاستغفار»۲٥.

و قوله عليه السلام: «لا كبيرة مع الاستغفار»۲٦.

و لكن الظاهر، بل المعلوم أنّ اعتباره طريقيّ لا أن يكون له موضوعية خاصة.

لأنّ مع عدم العزم على ترك العود لا تحصل حقيقة الندم الذي هو التوبة، و لا فرق في العزم على ترك العود بين أن يثق من نفسه بعدم العود أيضا أو لا يثق منها بذلك أو العلم بأنّه يغلبه هواه على العود أو يعلم بأنّه يعود بعمده و اختياره، و مقتضى العمومات و الإطلاقات تحقق التوبة في الجميع مع تحقق العزم على الترك بحيث يصدق أنّه عازم على الترك فعلا. و أما اعتبار العزم على العدم دائما و أبدا، فلا دليل على اعتباره، بل مقتضى الأصل عدمه خصوصا بعد ما ورد من: «أنّ اللّه تعالى يحب العبد المفتن التواب»۲۷ أي من يتوب ثمَّ يعود ثمَّ يتوب. و ما ورد من أنّه: «لو ارتكب في يوم و ليلة أربعين كبيرة و تاب يغفر اللّه له».

مع ما دل على أنّ اليأس من رحمة اللّه من الكبائر.

تعتبر في التوبة أمور ستة:

الندم، و العزم على ترك العود، و أداء حقوق الناس إن كانت المعصية منها، و أداء حقوق اللّه تعالى إن كانت المعصية منها.

و لا خلاف عند أحد في اعتبار هذه الأمور الأربعة في التوبة نصّا و فتوى.

و الخامس: إذابة اللحم الذي نبت على السحت حتّى يلحق الجلد بالعظم.

و السادس: أذاقه الجسم ألم الطاعة، كما أذاقه لذة المعصية۲۸.

و لا ريب في كون الأخيرين من شروط الكمال. و أما اعتبارهما في أصل تحققها، فمقتضى الإطلاقات و العمومات و السيرة بين المتشرعة عدمه- كما لا يخفى- مع منافاة ذلك لسهولة الشريعة، و يأتي في فروع اشتراط عدالة إمام الجماعة ما ينفع المقام فراجع ثمَّ إنّ الأخيرين لا بد و أن يكونا بالصوم و نحوه من الأمور الشرعية دون الرياضات الباطلة.

(مسألة ۱): يجب عند ظهور أمارات الموت أداء حقوق الناس الواجبة و رد الودائع و الأمانات التي عنده مع الإمكان و الوصية بها مع عدمه (۹) مع الاستحكام على وجه لا يعتريها الخلل بعد موته (۱۰)

أما أداء الحقوق فإن كانت فورية فلا فرق فيها بين ظهور أمارات الموت و عدمه، و إن كانت موجلة فتصير فورية بالموت، كما يأتي في كتاب الدين. و أما رد الودائع و الأمانات، فلعدم الفرق في فورية رد أموال الناس بالموت بين العين و الدين، كما يأتي في كتاب الوديعة. و أما الوصية و الاستحكام مع عدم إمكان الرد فعلا، فلأنّها من أقرب طرق إيصال حقّ الناس إليهم حينئذ و إيصال حقوق الناس إليهم واجب، بالأدلة الأربعة، فتجب الوصية مقدمة لذلك.

لانّه بدون ذلك تضييع لحقوق الناس و هو حرام.

(مسألة ۲): إذا كان عليه الواجبات التي لا تقبل النيابة حال الحياة كالصلاة و الصوم، و الحج، و نحوها- وجب الوصية بها إذا كان له مال، بل مطلقا إذا احتمل وجود متبرع و فيما على الوليّ كالصلاة و الصوم التي فاتته لعذر يجب إعلامه، و الوصية باستئجارها أيضا (۱۱).

كلّ ذلك، لقاعدة الاشتغال، و وجوب تفريغ الذمة بأيّ وجه أمكن مباشرة أو تسبيبا و لو بالإظهار و الإعلام.

(مسألة ۳): يجوز له تمليك ماله بتمامه لغير الوارث (۱۲) لكن لا يجوز تفويت شي‏ء منه على الوارث بالإقرار كذبا (۱۳) لأنّ المال بعد موته يكون للوارث، فإذا أقرّ به لغيره كذبا فوّت عليه ماله. نعم، إذا كان له مال مدفون في مكان لا يعلمه الوارث يحتمل عدم وجوب إعلامه (۱٤).لكنّه أيضا مشكل. و كذا إذا كان له دين على شخص. و الأحوط الإعلام، و إذا عدّ عدم الإعلام تفويتا فواجب يقينا (۱٥).

لقاعدة السلطنة، و قول أبي عبد اللّه عليه السلام: «صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شي‏ء من الروح يضعه حيث يشاء»۲۹.

و يأتي تفصيل ذلك في كتاب الوصية.

البحث فيه من جهتين:

الأولى: في الحرمة التكليفية و لا ريب فيها، لأنّه كذب و لا إشكال في حرمته.

الثانية: في الحكم الوضعي و هو عدم انتقال المال إلى المقرّ له، و يدل عليه الأصل بعد الشك في شمول قاعدة السلطنة لمثله، بل مقتضى مرتكزات المتشرعة استقباح ذلك مطلقا و الشك في شمول القاعدة يكفي في عدم شمولها، لانّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه و لا فرق في حرمة تفويت مال الغير بين كونه مباشريا أو بالتسبيب على ما هو التسالم عليه بينهم، و يمكن أن يستفاد ذلك مما ورد في تحريم شهادة الزور و تحريم الوصية بحرمان بعض الورثة عن التركة، و ما ورد في النهي عن التسعير۳۰ و نحو ذلك، بل يمكن أن يقال: إنّ مقتضى أصالة احترام مال الغير مطلقا إلا برضاه أنّ هذا النحو من الإقرار من إيقاع الغير- و هو المقرّ له- في الحرام، فتكون أصالة احترام المال و العرض و النفس في عرض واحد من هذه الجهة، فكما لا يصح إيقاع الغير في الأخيرين لا يجوز في الأول أيضا، فينطبق على التفويت عناوين مختلفة موجبة للحرمة، و هي الكذب و الإعانة على الإثم، و التصرف في حق الغير بدون إذنه.

منشأ عدم الوجوب، أصالة البراءة عنه و منشأ الإشكال أصالة احترام المال التي هي من الأصول المعتبرة الحاكمة بالتحفظ عن تفويته مهما أمكن و هي أصل موضوعي مقدم على أصالة عدم الوجوب.

و يمكن الخدشة فيها بأنّ حفظ المال عن التلف لا دليل على وجوبه ما لم ينطبق عليه عنوان من العناوين المحرمة- كالإسراف و السفه- و ظاهرهم عدم وجوب تعمير العقار المشرف على الانهدام. نعم، في الحيوان المملوك ظاهرهم وجوب حفظه عن التلف، و يأتي التفصيل في آخر كتاب النكاح في أبواب النفقات إن شاء اللّه تعالى.

فرع: لو علم بأنّ ورثته يصرفون ماله في المحرّمات و لا يمكن ردعهم عن ذلك إلا بالإقرار بأنّ المال للغير أو عدم إعلامهم بالمال، فالظاهر عدم المحذور حينئذ فيهما، لأنّ الإعلام و عدم الإقرار يعدّ من التسبيب إلى ارتكاب الحرام عرفا.

إن انطبق عليه عنوان الإسراف و السفه عرفا، و مع عدم الانطباق يشكل الوجوب.

(مسألة ٤): لا يجب عليه نصب قيّم على أطفاله، إلا إذا عدّ عدمه تضييعا لهم أو لمالهم (۱٦)، و على تقدير النصب يجب أن يكون أمينا (۱۷). و كذا إذا عيّن على أداء حقوقه الواجبة شخصا يجب أن يكون أمينا. نعم، لو أوصى بثلثه في وجوه الخيرات غير الواجبة لا يبعد عدم وجوب كون الوصيّ عليها أمينا (۱۸) لكنّه- أيضا- لا يخلو عن إشكال، خصوصا إذا كانت راجعة إلى الفقراء.

أما الأول فلأصالة البراءة. و أما الأخير فلأنّه حينئذ من فروع ولايته التي يجب عليه القيام بها.

لأنّ تسليط غير الأمين على نفوس الأيتام و أموالهم تضييع لهم و لأموالهم و نحو ظلم بالنسبة إليهم و هو حرام بالأدلة الأربعة.

بدعوى: أنّه ماله فيكون مسلطا عليه كيفما شاء، بلا فرق بين زمان الحياة و بعد الممات. و لكنّه مشكل، بل ممنوع، للشك في شمول قاعدة السلطنة لمثله، فإنّ ذلك خلاف طريقة المتشرعة، بل العقلاء خصوصا إن كانت راجعة إلى الفقراء فإنّه حينئذ يرجع إلى تضييع حق الغير. و اللّه تعالى هو العالم.

  1. البحار ج: ٦ من الطبعة الحديثة صفحة: ۱٥۸.
  2. البحار ج: ٦ من الطبعة الحديثة صفحة: ۱٥۹
  3. سورة ق: ۱۹ و سورة الأنفال: ٥۰.
  4. راجع الوسائل باب: ۳٦ من أبواب الاحتضار.
  5. سورة يونس: ۷- ۸.
  6. الوسائل باب: ۹۱ من أبواب جهاد النفس.
  7. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب الاحتضار.
  8. سورة النور: ۳۱.
  9. الوسائل باب: 4۷ من أبواب جهاد النفس حديث: ۱۱.
  10. راجع الوسائل باب: ۸٦ من أبواب جهاد النفس.
  11. الكافي ج: ۱ كتاب العقل و الجهل حديث: ۱4.
  12. الوسائل باب: ۸٦ من أبواب جهاد النفس حديث: ۱4.
  13. سورة الأنعام: ٥4.
  14. راجع تفسير مواهب الرحمن البحث الكلامي في ضمن آية ۱٦۲ من سورة البقرة.
  15. الكافي ج: ۱ كتاب العقل و الجهل الحديث: ۱4.
  16. راجع الوسائل باب: ۹۳ من أبواب جهاد النفس.
  17. الوسائل باب: ۸٥ من أبواب جهاد النفس حديث: ٥.
  18. الوسائل باب: ۹۰ من أبواب جهاد النفس حديث: ۱.
  19. سورة هود: ۱۱4
  20. سورة التوبة: ۱۱۸
  21. سورة هود: ۳.
  22. سورة المائدة: ۷4
  23. الكافي ج: ۲ صفحة: 4۲4
  24. الوسائل باب: 4۷ من أبواب جهاد النفس حديث: ۱۱.
  25. الوسائل باب: ۹۲ من أبواب الجهاد النفس حديث: ۲.
  26. الوسائل باب: 4۸ من أبواب جهاد النفس حديث: ۳.
  27. الوسائل باب: ۸۹ من أبواب جهاد النفس حديث: ۲.
  28. الوسائل باب: ۸۷ من أبواب جهاد النفس حديث: 4.
  29. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الوصايا حديث: 4.
  30. الوسائل باب: ۳۰ من أبواب آداب التجارة.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"