الموت: هو رجوع الروح إلى عالمها إن كان سعيدا، فإلى السعادة الأبدية، و إن كان شقيا، فإلى عالم الشقاوة و العذاب، و يبقى البدن في هذا العالم و تعرض عليه عوارض مختلفة و استحالات كثيرة لا يعلمها الا اللَّه تعالى فموت الإنسان تفريق بين شيئين لا أن يكون انعدام شيء في البين. و الحشر، و المعاد عبارة عن ائتلافهما، و اجتماعهما ثانيا بعد تفرقهما مدة لا يعلمها إلا اللَّه تعالى، و الأرض بالنسبة إلى الأبدان كالرحم بالنسبة إلى النطفة إلا أنّ الأرض رحم نوعي، و مقر النطفة رحم شخصي و هناك جهات أخرى من التشابه مذكورة في محالّها.
ثمَّ إنّ أشد الساعات و أهولها، بل و أعظمها على الإنسان ثلاث ساعات ساعة ولادته، و ساعة خروج الروح من البدن، و ساعة الحشر من الأرض و القيام بين يدي اللَّه تعالى للحساب. و بعبارة أخرى: ساعتا الولادتين، و ساعة الموت. قال الرضا عليه السلام: «إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد و يخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، و يوم يموت فيعاين الآخرة و أهلها، و يوم يبعث فيرى أحكامها لم يرها في دار الدنيا و قد سلّم اللَّه عز و جل على يحيى عليه السلام في هذه الثلاثة المواطن و آمن روعته، فقال وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا و قد سلم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه الثلاثة- الحديث-»۱.
و عن عليّ بن الحسين عليه السلام «أشد ساعات ابن آدم ثلاث ساعات:
الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، و الساعة التي يقوم فيها من قبره، و الساعة التي يقف فيها بين يدي اللَّه- تبارك و تعالى- فإما إلى الجنة و إما إلى النار- الحديث-»۲.
أما سكرات الموت و شدائده، فيدل عليها الكتاب۳ و السنة المستفيضة4، بل المتواترة، و المتحصّل من المجموع أنّ حالة الموت على أقسام أربعة:
الأول: الشدة بالنسبة إلى المؤمن حتّى يكون ذلك كفارة له لما بقي من ذنوبه.
الثاني: الخفة و الراحة بالنسبة إليه كأطيب ريح يشمه، فينعش بطيبة و ينقطع التعب و الألم و ذلك لمن ليس له ذنب، أو كفرت ذنوبه بما ورد عليه من المتاعب و المصائب.
الثالث: الشدة بالنسبة إلى الكافر، لأنّها أول الشروع في تعذيبه و التشديد عليه جزاء لكفره.
الرابع: و الخفة بالنسبة إليه، لأنّها آخر حظه من الدنيا و لا يعلم أسرار ذلك كلّه الا اللَّه تعالى.
ثمَّ إنّه يجب الاستعداد للموت بالأدلة الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ. أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ٥.
و من السنة ما رواه الفريقان عنه صلّى اللَّه عليه و آله: «اغتنم حياتك قبل موتك»٦.
و المستفيضة المرغبة إلى ذكر الموت۷، و ليس المراد مجرد الذكر اللساني أو الخطور القلبي، بل المراد الذكر العملي و هو عبارة عن الاستعداد له، و من الإجماع إجماع المسلمين، بل كلّ من يعتقد بالمعاد من سائر الملل و الأديان، و للاستعداد للموت مراتب متفاوتة يكفي في أداء الواجب منه إتيان الواجبات و ترك المحرّمات.