الصيد من الأمور المتوّغلة في القدم بين جميع الشعوب و الأمم و له معنيان:
الأول: الاستيلاء على الحيوان الوحشي فيملكه حينئذ على تفصيل يأتي في (مسألة ۱٦).
الثاني: إزهاق روح الحيوان بغير الذبح على ما يأتي، و كلاهما مباحان بالضرورة الفقهية بل الدينية، و تأتي الإشارة إلى الأدلة الواردة فيهما إن شاء اللّه تعالى.
و الجامع بين الصيد- بالمعنى الثاني- و الذبح و النحر التذكية، و قد اهتمت الشريعة الإسلامية بل جميع الشرائع السماوية بتذكية الحيوانات بالنسبة إلى آثارها و أسّس الفقهاء أصلا موضوعيا فيها و اصطلحوا عليه ب (أصالة عدم التذكية)، و هي من المسلّمات لديهم أثبتوها بالإجماع و السنة، و قد لخّصنا المقال فيها في كتاب تهذيب الأصول، و حاصل ما ذكرناه هناك أن أصالة عدم التذكية تستعمل في موردين.
فتارة: في الشبهات الموضوعية.
و أخرى: في الحكمية، و الأولى عبارة عن كلما شك في تحقق شرط من الشرائط المعتبرة في التذكية، و حيث أن تحقق الشرط مسبوق بالعدم فتجري أصالة عدم تحققه، و يحكم بعدم الحلية ما لم تكن أمارة معتبرة على الخلاف.
و أما ما يستعمل بالنسبة إلى الشك في حرمة أصل الحيوان و حليته بنحو الشبهة الحكمية الكلية فلا دليل لهم على الحرمة فيها على ما حققناه في الأصول و تأتي الإشارة إليه في (مسألة ۲۳) من الذباحة.
و قد نسب إلى المشهور الملازمة بين الميتة و النجاسة و هو احتياط حسن و وافقناهم في كتاب الطهارة، لكن بعد التأمل ظهر أنه لا دليل على الملازمة من عقل أو نقل فراجع و تأمل فإن الأقوال بين الإفراط و التفريط.
ثمَّ إن مورد جريان أصالة عدم التذكية في الشبهات الموضوعية ليس كل شبهة فرضت أو أمكن فرضها أو وقعت في الخارج، كما لو شك في أنه هل يعتبر في الصائد و الذابح أن يكونا قائمين أو يجزي القعود أيضا، أو شككنا في ان المذبوح لا بد و أن يضطجع على الطرف الأيمن أو يجزي الاضطجاع على الأيسر أيضا إلى غير ذلك من الأمثلة، فإن في جميع هذه الموارد لا بد من الرجوع إلى أصالة الإطلاق و عدم الاشتراط، و إنما تختص أصالة عدم التذكية بخصوص الشرائط التي نص على اعتبارها فيه ثمَّ شك في تحققها في الخارج و عدم التحقق.