للنصوص المستفيضة من الطرفين و إجماع المسلمين، منها قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «الشفعة في كل شيء»۱، و منها قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما»۲، و عنه أيضا عليه السّلام قال: «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن، و قال: لا ضرر و لا ضرار، و قال: إذا أرّفت الأرف و حدت الحدود فلا شفعة»۳.
و البحث في هذه المسألة من جهات.
تارة: بحسب الأصل.
و أخرى: بحسب الاعتبار.
و ثالثة: بحسب الأخبار.
و رابعة: بحسب الكلمات.
أما الأول: فمقتضى الأصل الأولى عدم ثبوت هذا الحق لأنه مسبوق بالعدم فيستصحب.
أما الثاني: فلا ريب في ثبوت السيرة العقلائية في الجملة على تقديم الشريك على الأجنبي و هو من الآداب المجاملية بين الناس فيقدمون الشريك على الأجنبي عند الدوران بينهما فلو عكس بأن يقدم الأجنبي مع اقتضاء الشريك يقع مورد الملامة و التقبيح.
ان قيل هذا مسلم في الحق المجاملي الأخلاقي، و انما البحث في الحق الشرعي الذي يكون للشفيع إلزام المشتري بالأخذ. و لو بدون رضاه و لا يثبت ذلك من بناء العرف و العقلاء يقال: حق الاسترجاع و التسلط عليه مساوق لصحة الإلزام به عرفا و هو من فروع ولاية الشريك على ماله فإن من فروع هذه الولاية دفع المزاحم و المعارض و لو من جهة الشركة فإن مراعاة خصوصيات الشريك من أهم مقاصد الشركة.
و أما الأخبار فهي على قسمين:
الأول: ما يظهر منه التعميم كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في مرسل يونس:
«الشفعة جائزة في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع»4، و في مرسله الآخر عنه عليه السّلام أيضا: «سألته عن الشفعة لمن هي؟ و في أي شيء هي؟ و لمن تصلح؟
و هل تكون في الحيوان شفعة؟ و كيف هي؟ فقال عليه السّلام: الشفعة جائزة [واجبة] في كل شيء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشيء بين الشريكين لا غيرهما فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحق به من غيره و إن زاد على الاثنين فلا شفعة لأحد منهم»٥.
الثاني: جملة من الأخبار الواردة في المملوك كصحيح الحلبي٦، عن الصادق عليه السّلام: «انه قال في المملوك: يكون بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه فيقول صاحبه: أنا أحق به إله ذلك؟ قال عليه السّلام: نعم، إذا كان واحدا، قيل له: في الحيوان شفعة؟ قال عليه السّلام: لا» و ذيله محمول على ما إذا تعدد الشركاء بقرينة قوله عليه السّلام في صحيح ابن سنان: «قال عليه السّلام: لا شفعة في الحيوان إلا أن يكون الشريك فيه واحدا»۷، و ظاهر هذه الأخبار بل نصها صحة الشفعة في المنقول و عدم الاختصاص بخصوص غير المنقول فتكون شاهدا على التعميم.
الثالث: مرسل الكافي: «الشفعة لا تكون إلا في الأرضين و الدور فقط»۸، و لا بد من حمله إما على الغالب أو على الحصر الإضافي بقرينة ما مر من صحيح ابن سنان و غيره مضافا إلى قصور سنده.
الرابع: قولهم عليه السّلام: «لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم»۹، و قوله عليه السّلام:
الشفعة لا تكون إلا لشريك لم يقاسم»۱0، و كذا قوله عليه السّلام: «لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما»۱۱، إلى غير ذلك مما اشتمل على مثل هذه التعبيرات و استفادوا منها أن موضوع الشفعة انما هو فيما كان قابلا للقسمة فما ليس قابلا للقسمة لا شفعة فيه.
و فيه: أولا ان مثل هذه الأخبار في مقام بيان مدة ثبوت حق الشفعة للشفيع و ليست متعرضة لبيان شيء آخر. و ثانيا: انها معارضة بما هو ظاهر في التعميم و لا وجه لطرح الظهور لأجل مثل هذه الاحتمالات.
الخامس: قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبر السكوني: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
لا شفعة في سفينة و لا في نهر و لا في طريق»۱۲.
و في رواية أخرى زيادة: «و لا في رحى و لا في حمام»۱۳.
و فيه: أولا أنه معارض بما دل على ثبوتها في الطريق كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيح ابن حازم: «ان كان باع الدار و حول بابها إلى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم، و إن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة»۱4. و ثانيا: يمكن حمله على ما إذا كان الشريك أكثر من واحد كما هو الغالب في السفينة و الحمام و النهر، مع أن للشفعة نحو حق و للحق مراتب متفاوتة و يمكن حمل مثل هذه الأخبار على نفي بعض مراتب الحق لا نفي أصله بالمرة.
هذا مع ان الموضوع عرفي لا ان يكون تعبديا محضا حتى نحتاج إلى الاستظهار من الأخبار ففي كل مورد يرى العرف الشريك أولى من الأجنبي نقول بها إلا مع تنصيص الشارع على المنع نصا معتبرا غير قابل للحمل، مع أن جملة من هذه الأخبار قاصرة سندا.
الرابعة: و هي البحث بحسب كلمات الفقهاء فهي مضطربة جدا فنسب إلى أكثر المتقدمين التعميم، بل ادعى المرتضى في الانتصار الإجماع عليه، و عن جمع كثير التخصيص منهم الفاضل و والده و ولده، و الشهيدان في اللمعة، و نسب ذلك إلى المشهور و الظاهر بل المعلوم ان إجماعهم و شهرتهم مستند إلى ما بين أيدينا من النصوص فلا اعتبار بهما، فإذا لم يعتبر إجماعهم فكيف يعتبر لنا أقوالهم التي أنهاها في الجواهر إلى أربعة.