1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الزكاة
  10. /
  11. فصل في زكاة الغلات الأربع
و هي- كما عرفت- الحنطة، و الشعير و التمر و الزبيب (۱) و في إلحاق السلت- الذي هو كالشعير في طبعه و برودته، و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له- إشكال، فلا يترك الاحتياط فيه كالإشكال في العلس- الذي هو كالحنطة، بل قيل إنّه نوع منها في كل قشر حبتان، و هو طعام أهل صنعاء- فلا يترك الاحتياط فيه أيضا (۲).و لا تجب الزكاة في غيرها (۳) و إن كان يستحب إخراجها من كل ما تنبت الأرض، مما يكال أو يوزن من الحبوب كالماش، و الذرة، و الأرز، و الدخن، و نحوها إلا الخضر و البقول (٤) و حكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه، في قدر النصاب و كمية ما يخرج منه، و غير ذلك (٥).

للنصوص المتواترة التي تقدم بعضها، و إجماعا من المسلمين.

نسب إلى المشهور عدم الإلحاق، و في الغنية الإجماع، و تقتضيه أصالة البراءة، و حصر الوجوب في التسعة في الأخبار المتواترة، بل ظاهر خبر ابن مسلم- أنّ السلت ليس من الشعير- قال: «سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ قال (عليه السلام): البر، و الشعير، و الذرة، و الدخن، و الأرز، و السلت، و العدس- الحديث»۱ فإنّه (عليه السلام) ذكر السلت في عداد سائر الحبوب و يتم بالعلس بعدم القول بالفصل و منشأ الاحتياط تصريح جمع من اللغويين بأنّ السلت نوع من الشعير، و العلس نوع من الحنطة، و لكن عدم اطلاع أعاظم الفقهاء على ما صرّح أهل اللغة بعيد، و حمل كلمات اللغويين على الفرد الادعائي أو ما يلحق بها قريب فالمعوّل هو الأصل و أخبار الحصر إلا أن يصدق عليهما الحنطة و الشعير في المتعارف كما نقل ذلك عن بعض بلاد خراسان.

ثمَّ إنّ كلام بعض الفقهاء هنا و في الربا مختلط فاحتاط بعضهم هنا وجوبا و في الربا استحبابا، فأيّ فرق بينهما بعد كون المناط فيهما وحدة الجنس.

للأصل، و أدلة الحصر في التسعة.

تقدم ما يتعلق بذلك في (فصل الأجناس التي تتعلق بها الزكاة) فراجع.

للنص، و الإجماع، بل ضرورة من المذهب قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «ما أنبتت الأرض من الحنطة، و الشعير و التمر، و الزبيب ما بلغ خمسة أوسق، و الوسق ستون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، و ما كان يسقى بالرشا و الدّوالي و النواضح ففيه نصف العشر و ما سقت السماء أو السيح، أو كان بعلا ففيه العشر تاما. و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‏ء، و ليس فيما أنبتت الأرض شي‏ء إلا في هذه الأربعة أشياء»۲.

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران: الأول: بلوغ النصاب (٦)، و هو بالمنّ الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفيا- مائة و أربعة و أربعون منا، إلا خمسة و أربعين مثقالا. و بالمنّ التبريزي- الذي هو ألف مثقال- مائة و أربعة و ثمانون منّا و ربع منّ و خمسة و عشرون مثقالا، و بحقة النجف في زماننا سنة ۱۳۲٦- و هي تسعمائة و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفيا و ثلث مثقال- ثمان وزنات و خمس حقق و نصف إلا ثمانية و خمسين مثقالا و ثلث مثقال،- و بعيار الإسلامبول- و هو مائتان و ثمانون مثقالا- سبع و عشرون وزنة، و عشر حقق، و خمسة و ثلاثون مثقالا. و لا تجب في الناقص عن النصاب و لو يسيرا (۷) كما أنّها تجب في الزائد عليه يسيرا كان أو كثيرا (۸). الثاني: التملك بالزراعة فيما يزرع، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة. و كذا في الثمرة كون الشجر ملكا له إلى وقت التعلق، أو انتقالها إلى ملكه- منفردة أو مع الشجر- قبل وقته (۹).

كل صاع يكون ٦۱4 مثقالا صيرفيا، و كل كيلو يكون ۲۱۳ مثقالا و ۸ حمصة، فيصير النصاب بالعيار المعروف- في زماننا- بالكيلو غرام ۸٦4 كيلوا إلا 4٥ مثقالا، و النصاب بالمثقال الصيرفي مائة و أربعة و ثمانون ألف و خمسة و سبعون (۱۸4۰۷٥) مثقالا صيرفيا.

نصا، و إجماعا، و تدل عليه قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط.

لإطلاق الأدلة، و إجماع فقهاء الملة.

لأنّه المنساق من النصوص، و المدعى عليه الإجماع أيضا، و المستفاد من الأدلة إنّما هو تعلق الوجوب بمن ملك نمو الغلات حين التعلق، و هذه ملكية خاصة بالنسبة إلى وقت الغلات، فتكون لها حالات ثلاثة بالنسبة إلى تعلق الزكاة و ملك المالك لها.

الأولى: حالة قبل بدوّ الصّلاح فمن ملكها و زال عنها قبل ذلك لا يجب عليه الزكاة.

الثانية: حالة بدوّ الصّلاح و نموّ الحنطة و الشعير و التمر.

الثالثة: حالة اليبس و الجفاف و انتهاء النموّ، و المالك الذي تجب عليه الزكاة من ملك الحالة الوسطى دون الأخيرة و الأولى، فلو ملك الحالة الأولى أحد و انتقل المال منه إلى غيره اختيارا أو قهرا تجب الزكاة على المنتقل إليه دون المنتقل عنه.

(مسألة ۱): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف، فالمشهور على أنّه في الحنطة و الشعير عند انعقاد حبّهما، و في ثمر النخل حين اصفراره أو احمراره، و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرما (۱۰). و ذهب جماعة إلى أنّ المدار صدق أسماء المذكورات من الحنطة، و الشعير، و التمر، و صدق اسم العنب‏ في الزبيب، و هذا القول لا يخلو عن قوة (1۱) و إن كان القول الأول أحوط (1۲)، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقا إذ قد يكون القول الثاني أوفق بالاحتياط (1۳).

استدلوا عليه بوجوه:

منها: دعوى الإجماع. و منها: صدق الاسم فتشملها الأدلة. و منها: بعث النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله) الخارص حين الانعقاد.

و منها: الأخبار كقول أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في صحيح ابن خالد: «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق. و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا»۳.

و صحيح سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير، و التمر، و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال (عليه السلام): إذا ما صرم، و إذا خرص»4 و مثله غيره بدعوى: أنّ وقت الصرم و الخرص هو وقت الانعقاد.

و الكل مخدوش:

أما الأول: فلمنع ثبوته و على فرضه فهو اجتهاديّ لا تعبديّ، بل قيل إنّ الشهرة غير ثابتة، فيكف بالإجماع لكثرة الخلاف.

و أما الثاني: فلأنّ التسمية للأول و المشارفة من المجاز الشائع في المحاورة فلا بأس بها.

و أما الثالث: فهو ممنوع صغرى و كبرى، إذ لم يثبت أنّ بعثه (صلّى اللَّه عليه و آله) كان حين الانعقاد، و على فرض الثبوت فهل كان للإعلام أو الإلزام كلّ محتمل، و مقتضى الأصل، و عموم‏ وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ‏٥ هو الأول.

و أما الأخير، فلأنّ صدر صحيح ابن خالد في مقام أصل التشريع و ذيله على‏ خلاف المطلوب أدل و كون وقت الصرم و التخريص في صحيح سعد واحدا أول الدعوى، مع أنّ الصرم بمعنى القطع و هو أخص من وقت التسمية عرفا، فأصالة عدم تعلق الوجوب لا حاكم عليها بحسب هذه الأدلة المخدوشة.

ثمَّ إنّ البحث في المقام في جهات ثلاثة: وقت التعلق، و وقت اعتبار النصاب، و وقت الإخراج، و لا بد و أن يعقد فصل مستقل لكل واحدة منها، و الماتن (رحمه اللَّه) ذكر الأولين في هذا الفصل، و عقد لوقت وجوب الإخراج فصلا مستقلا و أشار في [مسألة ٦] من هذا الفصل إليه أيضا.

لانسباق التسمية العرفية من الأدلة، و أصالة البراءة، و لعله الأنسب بالإرفاق و التسهيل على المالك، و عدم التضيق عليه.

حذرا عن خلاف المشهور، و لأنّ أدلّتهم تصلح للاحتياط و إن لم تصلح للجزم بالفتوى.

كما لو تحقق بعض الشرائط العامة بعد بدوّ الصلاح، فإنّ الأحوط حينئذ تعلق الزكاة به و إن لم يتعلق بناء على القول المشهور.

(مسألة ۲): وقت تعلق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف إلا أنّ المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات (۱٤) فلو كان‏ الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليبس فلا زكاة (۱٥).

للإجماع، و لأنّ المتعارف بين الناس أنّهم يعتبرون المقدار في الحنطة و الشعير، و التمر بعد الجفاف، فيكون الإجماع و الاعتبار العرفي مقيدا للإطلاقات على فرض ثبوت الإطلاق لها من هذه الجهة، إذ من المحتمل قويّا أنّها في مقام بيان أصل التشريع في الجملة، فليس لها إطلاق من سائر الجهات و لا بد من تنزيلها على المتعارف.

ثمَّ إنّ المذكور في جلّ الأخبار، بل كلّها التمر و الزبيب. نعم، ذكر في خبرين‏ منها العنب كصحيح ابن خالد: «ليس في النخل صدقة حتى يكون خمسة أوساق و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا»٦.

و صحيح سعد عن الرضا (عليه السلام): «و هل على العنب زكاة أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال (عليه السلام): نعم، إذ خرصه أخرج زكاته»۷.

و الأول ظاهر، بل نص في أنّ المدار في تعيين النصاب على الزبيب، و الأخير محمول عليه بقرينة سائر الأخبار المستفيضة، بل المتواترة و هذه أيضا نحو إرفاق بالمالك و تسهيل عليه، بل و بالنسبة إلى الفقراء أيضا، فالوجوب يتعلق بمجرد التسمية، و النصاب يعتبر بعد الجفاف و هذا مراعاة للحقين، و عدل و إنصاف في البين.

لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط، مضافا إلى ظهور الإجماع. و به يفرق بين وقت التعلق و بين وقت اعتبار النصاب و إلا فمقتضى ظاهر الأدلة اعتبار النصاب في وقت التعلق أيضا.

(مسألة ۳): في مثل البرين و شبهه من الدقل الذي يؤكل رطبا، و إذا لم يؤكل إلى أن يجف يقلّ تمرة، أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضا- المدار فيه على تقديره يابسا (۱٦) و تتعلق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه.

على المشهور المتسالم عليه بين الفقهاء و قد أرسل ذلك إرسال المسلّمات و يشهد له ما تقدم من صحيح ابن خالد، و كذا إطلاق الأخبار المشتملة على التمر و الزبيب. و هذه المسألة و اللتان بعدها من الثمرات بين قول المشهور في وقت التعلق و قول من خالف المشهور. و يأتي في [مسألة ۲۲] ما ينفع المقام فراجع.

ثمَّ إنّه يظهر من المدارك و الذخيرة في القسم الثاني- و هو ما إذا لم يصدق على اليابس منه التمر- سقوط الزكاة رأسا، لأنّ ما دل على اعتبار بلوغه نصابا إذا صار تمرا ظاهر في دوران الحكم مدار هذه التسمية، و مع عدم صدق التمرية فكيف‏ يتصور اعتبار النصاب، و مع عدم إمكان اعتباره ينتفي موضوع الزكاة.

و فيه: أنّ أكثر الأخبار و إن اشتمل على لفظ التمر۸، و لكن الظاهر أنّ المراد منه ثمر النخل بقرينة ذكر النخل في بعض الأخبار كصحيح ابن خالد المتقدم، و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين»۹ فالمناط كله ثمر هذه الشجرة المخصوصة، و ذكر التمر من باب الغالب، و إلا فلثمرة هذه الشجرة أسماء كثيرة و حالات مختلفة، فلا وجه لما ذكراه و إن استجوده في الجواهر، و يأتي أنّ التأخير إرفاقي لا أن يكون واجبا.

(مسألة ٤): إذا أراد المالك التصرف في المذكورات- بسرا، أو رطبا أو حصرما أو عنبا بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن، وجب عليه ضمان حصة الفقير (۱۷)، كما أنّه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه أداء الزكاة حينئذ بعد فرض بلوغ يابسها النصاب (۱۸).

بناء على ما نسب إلى المشهور من الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية دون الأقوال الأخيرة، و هذه المسألة مبنية على مباحث ثلاثة: وقت التعلق، و كيفيته و استثناء المؤنة، و يأتي في المسائل الآتية ما ينفع المقام. ثمَّ إنّه هل يعتبر أن يكون الضمان بإذن الحاكم الشرعيّ أو لا؟ يأتي في المسائل الآتية ما يوضح المبنى.

لظهور اتفاقهم عليه، لأنّ التأخير إلى الجفاف إرفاقيّ لا أن يكون واجبا نفسيا أو غيريا و قد صرّح بذلك في الجواهر، فراجع، فيكون المقام كالإرفاق في تأخر الخمس إلى آخر السنة في الأرباح.

(مسألة ٥): لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب عليه القبول (۱۹)، بخلاف‏ ما لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما مثلا، فإنّه يجب على الساعي القبول (۲۰).

للأصل، و لأنّ وجوب القبول خلاف الإرفاق المبنيّ عليه مطالبة الزكاة.

لوجود المقتضي- و هو التعلق- و فقد المانع و هو المنافاة، للإرفاق لفرض أنّ المالك يبذلها باختياره، فعدم القبول يكون حينئذ خلاف الإرفاق. نعم، لو كان البذل في وقت يكون تفويتا لحق المستحق و إضرارا بالنسبة إليه يشكل القبول حينئذ.

و بذلك يمكن أن يجمع بين قول من يقول بوجوب القبول و بين قول من يقول بعدمه.

(مسألة ٦): وقت الإخراج- الذي يجوز للساعي مطالبة المالك فيه و إذا أخرها عنه ضمن- عند تصفية الغلة و اجتذاذ التمر و اقتطاف الزبيب فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلق (۲۱).

للإجماع عليه كما عن جمع، و تشهد له سيرة المتشرعة- قديما و حديثا- و لا فرق فيه بين قول المشهور في وقت التعلق و القول الآخر، لإطلاق معقد الإجماع و السيرة.

(مسألة ۷): يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي، مع التراضي بينهما قبل الجذاذ (۲۲).

لأنّه من فروع ولاية المالك على الإخراج، و ولاية الساعي على المطالبة المستفاد كل منهما من الأدلة التي تأتي الإشارة إلى بعضها، و تقدم في [مسألة ٥] ما ينفع المقام، فراجع.

(مسألة ۸): يجوز للمالك دفع الزكاة و التمر على الشجر قبل الجذاذ منه أو من قيمته (۲۳).

لظهور الاتفاق، و أنّه من التسهيل و الإرفاق، و كون ذلك كله من فروع ولاية المالك على الإخراج و هي ثابتة نصّا و إجماعا.

(مسألة ۹): يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين من أيّ جنس كان‏ بل يجوز أن تكون من المنافع، كسكنى الدار (۲٤) مثلا و تسليمها بتسليم العين إلى الفقير.

على المشهور المدعى عليه الإجماع، و تقتضيه كثرة إرفاق الشارع بالمالك و جعل ولاية الإخراج له كما يظهر من الوظائف المجعولة للجباة و السعاة. و تقدم في [مسألة ٥] من زكاة الأنعام ما ينفع المقام. و نسب إلى المستند تقريب المنع من غير النقدين و هو ضعيف لا دليل عليه. و طريق الاحتياط أن يكون في غير النقدين بإذن الحاكم الشرعي.

(مسألة ۱۰): لا تتكرّر زكاة الغلات بتكرر السنين إذا بقيت أحوالا فإذا زكى الحنطة ثمَّ احتكرها سنين لم يجب عليه شي‏ء. و كذا التمر و غيره (۲٥).

للنص، و الإجماع حتى من العامة قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام) في صحيح زرارة: «أيّما رجل كان له حرث، أو ثمرة فصدقها فليس عليه شي‏ء، و إن حال عليه الحول عنده إلا أن يحوّل مالا، فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكيه، و إلا فلا شي‏ء عليه، و إن ثبت ذلك ألف عام إذا كان بعينه. فإنّما عليه فيها صدقة العشر، فإذا أداها مرّة واحدة فلا شي‏ء عليه فيها حتى يحوّله مالا، و يحول عليه الحول و هو عنده»۱۰.

(مسألة ۱۱): مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات هو العشر فيما سقي بالماء الجاري، أو بماء السماء، أو بمص عروقه من الأرض- كالنخل و الشجر، بل الزرع أيضا في بعض الأمكنة- و نصف العشر فيما سقي بالدلو و الرشا و النواضح، و الدّوالي، و نحوها من العلاجات (۲٦). و لو سقي‏ بالأمرين، فمع صدق الاشتراك في نصفه العشر، و في نصفه الآخر نصف العشر (۲۷)،و مع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب (۲۸)، و لو شك في صدق الاشتراك أو غلبة صدق أحدهما، فيكفي الأقلّ و الأحوط الأكثر (۲۹).

إجماعا من المسلمين، و نصوصا كثيرة من المعصومين (عليهم السلام) قال أبو جعفر في الصحيح: «ما كان يعالج بالرشا و الدّوالي و النضح ففيه نصف العشر و ما كان يسقى من غير علاج- بنهر، أو عين، أو بعل أو سماء- ففيه العشر كاملا»۱۱ و مثله غيره، و يقتضيه العدل و الإنصاف أيضا.

فروع- (الأول): الظاهر من الأخبار و الكلمات أنّ المراد بالعلاج و غيره ما كان من الوصف بحال الذات لا من الوصف بحال المتعلق، يعني كان العلاج و عدمه في نفس السقي من حيث هو سقي لا في المقدمات، فإذا كان نفس السقي من حيث هو بعلاج ففيه نصف العشر، و إن كانت مقدمته بلا علاج كما إذا اجتمعت مياه المطر في محل و سقي الزرع منها بعلاج، و إذا كان نفس السقي من حيث هو بلا علاج ففيه العشر و إن كانت مقدماته مع العلاج كما هو كذلك غالبا. و يظهر من الجواهر دعوى الاتفاق على ما ذكرناه.

(الثاني): الظاهر أنّ العلاج و عدمه يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة، و ما ورد في الأخبار- كما مرّ- إنّما هو من باب المثال، لما كان متعارفا في تلك الأزمنة فالمناط الصدق عند متعارف أهل الخبرة و الحرّاث و الزارعين.

(الثالث): الظاهر أنّ السقي بالمكائن الحديثة من السقي بالعلاج.

(الرابع): لو شك في أنّ السقي بالعلاج أم لا، فالمسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، لأنّ نصف العشر معلوم و الشك في الزائد عليه فيرجع فيه إلى البراءة.

لتحقق الموضوع بالنسبة إلى كل من العشر و نصفه، فيشمله إطلاق الأدلة قهرا، مضافا إلى ظهور الإجماع. و لا إشكال فيه مع التساوي، و أما مع مجرد صدق الاشتراك الأعمّ من التساوي عرفا، فيدل عليه إطلاق خبر ابن شريح عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «قلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدّوالي، ثمَّ يزيد الماء و تسقى سيحا، فقال (عليه السلام): إنّ ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت: نعم، قال‏ (عليه السلام): النصف و النصف، نصف بنصف العشر، و نصف بالعشر فقلت:

الأرض تسقى بالدّوالي، ثمَّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا قال (عليه السلام): و كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر، أو سبعة أشهر، قال (عليه السلام):

نصف العشر»۱۲.

فإنّ إطلاق الصدر يشمل مطلق الاشتراك سواء كان متساويا أم لا، بما يتسامح فيه عرفا، مع أنّ هذه الأمور لا وجه للتعبد فيها، لأنّها موضوعات عرفية لا بد فيها من الرجوع إلى أهل خبرتها. و أما الذيل فظاهر فيما إذا كان السقي اللازم المتعارف بالدّوالي، و أما السقية و السقيتين فكانت من باب الاتفاق إذ لا تخلو الأرض عنهما في الغالب حتى فيما إذا كان السقي المتعارف بالعلاج، و يأتي في [مسألة ۱۳] ما ينفع المقام.

ثمَّ إنّ التساوي أو الغلبة تارة: يلاحظ بالنسبة إلى الزمان. و أخرى إلى العدد.

و ثالثة: إلى مطلق النفع. و رابعة: إلى النمو، و المرجع في التعيين أهل خبرة ذلك، إذ ليس تعيين ذلك من شأن الفقيه، و ليس من التعبديات التي لا بد فيها من الرجوع إلى الشرع.

لظهور الاتفاق، و يقتضيه الاعتبار.

لأنّ المسألة حينئذ من موارد الأقلّ و الأكثر و المرجع فيها البراءة و إن كان الاحتياط حسنا على كل حال، و للخروج عن خلاف من أوجب الاحتياط.

(مسألة ۱۲): لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي‏ و مع ذلك سقي بها من غير أن يؤثر في زيادة الثمر فالظاهر وجوب العشر (۳۰) و كذا لو كان سقيه بالدّوالي، و سقي بالنهر و نحوه من غير أن يؤثر فيه فالواجب نصف العشر (۳۱).

لإطلاق دليله الشامل لهذه الصورة أيضا، مع أنّ المنساق من السقي الموجب لنصف العشر السقي المحتاج إليه لا مطلق السقي و لو لم يكن احتاج إليه كما هو المفروض.

لعين ما تقدم في سابقة بلا فرق بينهما.

(مسألة ۱۳): الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدّوالي عن حكمه (۳۲)، إلا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدّوالي أصلا (۳۳)، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة فحينئذ يتبعهما الحكم.

لأنّها دائمية أو غالبية الوجود، فلو أوجب انقلاب حكم نصف العشر لصار جعل هذا الحكم لغوا و لا ريب في بطلانه، مع أنّ أهل الخبرة يحكمون بأنّه سقي بالعلاج مع التفاتهم إلى هذه الجهات.

لانتفاء موضوع العلاج و الدّوالي حينئذ، و تحقق موضوع عدم العلاج قهرا، فيتبعه الحكم لا محالة، و كذا مع تحقق الشركة يتعلق به حكم الاشتراك، إذ الحكم تابع لتحقق الموضوع علاجا كان، أو عدمه، أو بالاشتراك.

(مسألة ۱٤): لو أخرج شخص الماء بالدّوالي على أرض مباحة- مثلا عبثا، أو لغرض فزرعه آخر، و كان الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى العشر (۳٤). و كذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع، ثمَّ بدا له أن يزرع زرعا يشرب بعروقه (۳٥)، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع‏ الكذائي (۳٦) و من ذلك يظهر حكم ما إذا أخرجه لزرع، فزاد و جرى على أرض أخرى (۳۷).

لأنّ المتفاهم من الأدلة عرفا إنّما هو ما إذا كان السقي بالعلاج و الدّوالي عن عمد و التفات و توجه في الجملة، فلا يشمل مثل المقام، و مع الشك، فالمسألة من موارد الأقلّ و الأكثر، فيجب الأول، و إن كان الأحوط الأخير كما تقدم.

لعين ما مرّ في سابقة من غير فرق.

فسقي زرعا آخر غير ما قصده أولا، فيجب فيه نصف العشر، لأنّ السقي بالعلاج مقصود في هذه الصورة و إن اختلف في سقي الزرع، فيشمله إطلاق الدليل لا محالة فأصول الأقسام خمسة:

الأول: السقي العلاجي لخصوص ما فيه الزكاة و لا ريب في نصف العشر حينئذ.

الثاني: السقي العلاجي لغرض آخر غير الزرع، فتعدّى منه إلى ما فيه الزكاة مع استغنائه بغير العلاج، و لا ريب في أنّ فيه العشر.

الثالث: السقي العلاجي للزرع غير الزكوي، فسقي الزكوي أيضا و فيه نصف العشر.

الرابع: عالج شخص آخر في السقي لغرض من زرع أو غيره، فسقي الزكوي من زرع شخص آخر بعروقه و فيه العشر.

الخامس: الصورة السابقة مع الاحتياج إلى السقي العلاجي، الظاهر التقسيط و هناك صور أخرى.

فيجب العشر في زرع الأرض الأخرى، لأنّ السقي بالعلاج غير مقصود بالنسبة إليها، فيكون كالصورة الأولى.

(مسألة ۱٥): إنّما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة (۳۸)،بل ما يأخذه باسم الخراج أيضا (۳۹) بل ما يأخذه العمال زائدا على ما قرّره السلطان ظلما (٤۰) إذا لم يتمكن من الامتناع جهرا و سرّا (٤۱) فلا يضمن حينئذ حصة الفقراء من الزائد (٤۲). و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلة أو من غيرها إذا كان الظلم عاما (٤۳). و أما إذا كان شخصيا فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها (٤٤)، بل الأحوط الضمان فيه مطلقا و إن كان الظلم عاما (٤٥). و أما إذا أخذ من نفس الغلة قهرا، فلا ضمان إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.

لعدم الملك، و عدم التمكن من التصرف إن استحقها السلطان قبل تعلق الزكاة، و للنص، و الإجماع إن استحقها بعده. قال أبو جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «كل أرض دفعها إليك السلطان، فما حرثته فيها، فعليك مما أخرج اللَّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللَّه منها العشر: إنّما عليك‏ العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك»۱۳ و المقاسمة عبارة عن نفس حاصل الأرض الذي يأخذه السلطان.

استدل عليه تارة: بالإجماع. و أخرى: بأنّه من المقاسمة موضوعا.

و ثالثة: باشتمال الكلمات على حصة السلطان و هي شاملة لهما. و رابعة: بأنّه من المؤنة التي يأتي استثناؤها. و خامسة: بخبر صفوان و البزنطي قالا: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج- إلى أن قال:- و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم»۱4 بدعوى: أنّ القبالة تشمل الخراج أيضا.

و الكل مخدوش:

أما الأول: فلما عن العلامة (رحمه اللَّه) من إرسال عدم استثنائه إرسال المسلّمات فكيف يتحقق الإجماع على الاستثناء.

أما الثاني: فلاختلاف الخراج و المقاسمة اعتبارا، فإذا كان المذكور في الدليل المقاسمة، فلا يتعدّى منها إلى الخراج إلا مع العلم باتحادهما حكما و هو أول الدعوى.

و أما الثالث: فلا وجه للاستناد إليه ما لم يكن من الإجماع المعتبر.

و أما الرابع: فيأتي تفصيله.

و أما الأخير: ففيه مضافا إلى قصور السند أنّ المراد به المقاسمة، لأنّها كانت متعارفة في الأزمنة القديمة.

فتلخص أنّ مقتضى الإطلاق و العموم عدم استثناء الخراج المحمول على رقبة الأرض. نعم، لو كان مجعولا على نفس الغلة من حيث هي يمكن استفادة استثنائه من مجموع ما تقدم.

فرع: لا يجزي عن الزكاة ما يأخذه السلطان بعنوان المقاسمة، للأصل و الاتفاق، و ظهور الإطلاق، و ما يدل على الإجزاء محمول على التقية. نعم، لو تقلبها الحاكم الشرعيّ بعنوان الزكاة يحسب منها، و يمكن حمل تلك الأخبار۱٥ على ما إذا قبل الإمام (عليه السلام) ذلك من الزكاة تخفيفا لشيعته.

إن كان ذلك من توسعة المقاسمة ظلما، فيشمله إطلاق دليل استثنائها و إلا فهو من المؤنة و يأتي حكمها.

لعدم الدليل على الاستثناء مع التمكن من الامتناع كذلك، بل مقتضى الإطلاق و العموم عدم الاستثناء حينئذ.

لما تقدم من أنّ الزائد حينئذ مثل نفس المقاسمة و يشمله دليل استثنائها.

لأنّ المتفاهم من أدلة استثناء المقاسمة إنّما هو الظلم العام لبناء موضوع المقاسمة على ذلك كما هو واضح.

لأنّ مقتضى الإطلاقات عدم الاستثناء حينئذ من حيث المقاسمة فيكون من المؤنة و يأتي حكمها.

جمودا على المتيقن من المقاسمة فقط، فإنّ المتيقن منها إنّما هو الجعل الخاص من الحكومة على الحرّاث و الزارعين.

(مسألة ۱٦): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها (٤٦) من غير فرق بين‏ المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة (٤۷)، كما أنّ الأقوى اعتبار النصاب أيضا بعد خروجها (٤۸)، و إن كان الأحوط اعتباره قبله (٤۹).بل الأحوط عدم إخراج المؤن (۵۰) خصوصا اللاحقة (۵۱). و المراد بالمؤنة كلما يحتاج إليه الزرع (۵۲) و الشجر من أجرة الفلاح، و الحارث، و الساقي و أجرة الأرض إن كانت مستأجرة، و أجرة مثلها إن كانت مغصوبة، و أجرة الحفظ، و الحصاد، و الجذاذ، و تجفيف الثمرة، و إصلاح موضع التشميس و حفر النهر، و غير ذلك، كتفاوت نقص الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها. و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها، وزع عليهما بالنسبة.

نسب ذلك إلى المشهور، بل استظهر الإجماع عليه. و استدلوا عليه بأمور كلها مخدوشة:

الأول: أصالة عدم الوجوب فيها. (و فيه): أنّه محكوم بالإطلاقات‏ و العمومات. و أما المناقشة في بعضها بورودها في مقام التشريع فقط، فلا يصح التمسك بها في سائر الجهات. لا ترد في جميعها، لورود بعضها في مقام البيان من كل جهة كما لا يخفى على المتأمل فيها.

الثاني: قاعدة نفي الحرج و الضرر. (و فيه): عدم شمولها للحكم المجعول في مورد الضرر و الحرج، مع أنّ مراعاتهما خلاف لمصلحة الفقراء مضافا إلى أنّه لا حرج في البين، و لو فرض اتفاقه أحيانا نقول بالاستثناء حينئذ.

الثالث: بما دلّ على استثناء حصة السلطان، فيستفاد من التعميم لجميع المؤن. (و فيه): أنّه قياس و لا نقول به.

الرابع: بما دل من الآيات و الروايات على العفو و الوسط۱٦ (و فيه): أنّ المنساق منها العفو و التوسط في أصل تشريع الزكاة فلا يشمل المقام بعد ثبوت أصل التشريع بنحو الوسط و الإرفاق.

الخامس: ما في الفقه الرضويّ من إخراج العشر بعد خراج السلطان و معونة العمارة و القرية، فقد ورد فيه: «و ليس في الحنطة و الشعير شي‏ء إلى أن يبلغ خمسة أوسق- إلى أن قال:- فإذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان، و معونة العمارة و القرية أخرج منه العشر- الحديث-»۱۷.

و فيه: مضافا إلى قصور سنده قصور دلالته أيضا، لأنّ معونة العمارة و القرية أعم من مطلق المؤنة كما لا يخفى.

السادس: ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح الفضلاء: «لا يترك للخارص (الحارث) أجرا معلوما و يترك من النخل معافارة، و أم جعرور، و يترك للحارث- يكون في الحائط- العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إياه»۱۸.

و في صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «يترك للحارس العذق و العذقان. و الحارس يكون في النخل ينظره، فيترك ذلك لعياله»۱۹.

و فيه: أنّه أعمّ من أن يكون استحبابيا أو استثنائيا، و يمكن استظهار الأول كما يقتضيه التأمل في الأخبار.

السابع: أنّ الصدوق (رحمه اللَّه) أرسل إخراج- مئونة القرية- إرسال المسلّمات في المقنع، و الهداية، و الفقيه و لا يكون ذلك إلا لظفره إما بالصحيح من الأثر، أو النص المعتبر.

و فيه: أنّه أعم من ذلك إذ يمكن أن يكون لأجل نظره الشريف الذي استفاده من الأخبار كما لا يخفى على من اطلع على عادته (رحمه اللَّه).

الثامن: بأنّ المؤنة اللاحقة على الوجوب تخرج، فكذا السابقة عليه لعدم القول بالفصل، بل يكون خروج السابقة بالأولى، لعدم تعلق حق الفقراء بعد.

و فيه: أنّه لا اعتبار بعدم الفصل و إنّما المعتبر القول بعدم الفصل و هو غير ثابت و الأولوية ظنية لا اعتبار لها.

التاسع: بأنّ ذلك مقتضى قاعدة العدل و الإنصاف.

و فيه: أنّها مخالفة للعمومات و الإطلاقات و نحتاج إلى دليل عليها بالخصوص و هو مفقود في المقام، و إن كانت تجري في غيره بمناسبة إجماع الإعلام، أو نص من الإمام (عليه السلام).

و قد يستدل بغير ذلك مما هو واضح المناقشة كما لا يخفى على من راجع الكتب المطولة. و لذا اختار جمع- منهم الشيخ و الشهيد الثاني- عدم الإخراج هذا. و لكن باب المناقشة في كل واحد من الأدلة و إن كانت واسعة إلا أنّ التأمل في المجموع يوجب الاطمئنان بالحكم، و إمكان المناقشة لا يضرّ بالاستدلال و ما يضرّ به سقوط الظهور العرفي، و إمكان المناقشة خصوصا من الأعلام أعم منه، إذ يمكن المناقشة في جملة من الواضحات كما هو واضح. و لقد أحسن في الجواهر حيث قال: «كل ما أجاد الفقيه التأمل في المسألة ازداد القول بخروج المؤنة قوة كما هو واضح لمن حصل له».

يجري فيها جميع ما تقدم من الأدلة التي استدلوا بها على استثناء المؤنة.

و أشكل عليه بأنّه يصح بناء على الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية، و أما بناء على كونها من مجرد الحق خصوصا بنحو الكلي في المعيّن، فمقتضى توجه خطاب الزكاة إلى المالك كون المؤنة عليه لا على الزكاة، فلا وجه حينئذ لاحتسابها على الزكاة.

و يمكن أن يجاب عنه بأنّ ذلك نحو إرفاق بالمالك و ترغيب له في الامتثال، و عناية خاصة من وليّ الزكاة بالنسبة إليه.

نسب ذلك إلى المشهور، و عن الغنية دعوى الإجماع عليه، و مجموع الأدلة على أقسام ثلاثة:

الأولى: الإطلاقات الدالة على وجوب العشر و نصفه.

الثاني: إطلاق أدلة اعتبار النصاب.

الثالث: ما دلّ على إخراج المؤنة، و الأخير مردد بين أن يكون مقيّدا للأول فيكون اعتبار النصاب قبل إخراج المؤن لا محالة، و أن يكون مقيّدا للثاني، فيكون اعتبار النصاب بعد الإخراج، و مقتضى المرتكزات و إجماع الغنية هو الأخير، و مع استقرار الإجمال تصل النوبة إلى الأصل العملي و هو البراءة عن الوجوب إن وصل المال إلى النصاب قبل الإخراج و لم يصل إليه بعده.

لاحتمال أن يكون إطلاق أدلة النصاب أقوى و أظهر من إطلاق العشر و نصفه، لورودها لتحديد المال بحدّ خاص، و الأدلة الواردة للتحديد يلاحظ فيها جميع الطوارئ و العوارض بخلاف أدلة العشر و نصفه، فإنّها لأصل التشريع في الجملة، فيصلح لعروض الإجمال و التقييد، و حينئذ فيؤخذ بإطلاق أدلة النصاب فتجب الزكاة و إن بلغ المال إلى النصاب قبل إخراج المؤن، مع أنّه أرفق بحال الفقراء و هو حسن على كل حال.

خروجا عن خلاف من لم يعتبر إخراجها أصلا.

في مقام اعتبار النصاب و خصوصا السابقة في مقام أصل الأداء.

المرجع في تشخيص المؤنة متعارف أهل الخبرة بالزرع و الزراعة و الغرس و أهل الكروم و النخيل و الحراث و الدّهاقين، و الظاهر اختلافها حسب اختلاف الأمكنة و الأزمنة و ليس تعيينها من وظيفة الفقيه، بل الفقهاء لا بد لهم من أن يرجعوا إلى خبراء هذه الأمور و ثقاتهم، و الظاهر الاختلاف في حفر النهر فتارة: يعدّ من المؤنة. و أخرى: لا يعدّ منها. و ثالثة: يشك في أنّه من أيّهما.

ثمَّ هل يحسب من المؤنة الخسران الوارد لإصلاح المكائن و آلات الحرث و جبر يد العامل- مثلا- لو انكسرت، و أعضاء الحيوان الذي يحرث به لو حصلت فيها آفة؟ الظاهر هو الاحتساب لعدّ ذلك من المؤن عرفا، و مع الشك فيها يأتي حكمه في [مسألة ۲۳].

فرع: لو كان فيما يصرف للمؤنة مراتب طولية في الزمان من حيث القيمة و كان بعضها أعلى قيمة من البعض يجوز له احتساب الأعلى و إن كان الأحوط الاقتصار على الأدون.

(مسألة (۱۷): قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى، أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن (۵۳). و المناط قيمة يوم تلفه و هو وقت الزرع (٥٤).

على ما هو المتعارف بين الناس إلّا أنّ البذر أقسام:

الأول: كونه من المزكى، أو ماله الذي لا زكاة عليه كما لو اشترى البذر، و يصح استثناء مقداره من الحاصل في الصورتين كما يجوز له استثناء الثّمن المسمّى في الأخيرة.

الثاني: مما فيه الزكاة مع كونه زائدا على النصاب، فيجب زكاته كوجوب زكاة الحاصل مع اجتماع الشرائط.

الثالث: كونه مما فيه الزكاة مع كونه متمما لنصاب الحاصل، و لا ريب في وجوب زكاة البذر، لأصالة بقاء الوجوب، و لا يجب عليه زكاة الحاصل لفرض أنّه باستثناء البذر الذي يكون من المؤنة يخرج المال عن النصاب، فلا يبقى موضوع للوجوب حينئذ حتى يجب فيه الزكاة.

ثمَّ إنّه لو اختلف مقدار الزكاة في البذر و الحاصل من حيث العشر و نصفه فلا أثر له في الصورة الأخيرة، و في الصورة الثانية يخرج من كل منهما بحسبه.

لأنّه وقت انطباق عنوان المؤنة عليه عرفا.

(مسألة (۱۸): أجرة العامل من المؤن (۵۵) و لا يحسب للمالك أجرة إذا كان هو العامل، و كذا إذا عمل ولده، أو زوجته بلا أجرة، و كذا إذا تبرع به أجنبيّ، و كذا لا يحسب أجرة الأرض التي يكون مالكا لها، و لا أجرة العوامل إذا كانت مملوكة له (۵۶).

لأنّ المرجع في المؤنة إلى المتعارف بين الناس، و لا إشكال بينهم في عدّها من المؤن فتشملها الأدلة قهرا.

كل ذلك لأنّ المتفاهم من المؤنة عرفا ما يوجب النقص المالي، فيتدارك الاستثناء إرفاقا، و جميع ما ذكر لا يوجب النقيصة المالية و إن أوجب فوت المنفعة، و لا يعدّ ذلك من الخسارة المالية حتى يكون من المؤنة.

(مسألة (۱۹): لو اشترى الزرع فثمنه من المؤنة (۵۷) و كذا لو ضمن النخل، و الشجر (۵۸) بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض، و النخل و الشجر (۵۹)، كما أنّه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها (۶۰).

للسيرة المتعارفة المستمرّة حيث يلحظ المحصول بعد استثناء ثمن الزرع و لكن في المقام لا بد و أن يعد من المؤنة ما يقع بإزاء خصوص الزكويّ دون غيره من التبن، و السعف و نحوهما.

لأنّ عوض التضمين من أهمّ المؤن عرفا، فيكون مثل ثمن الزرع بلا فرق بينهما من هذه الجهة.

لأنّه حينئذ من مؤن ملك المالك لا من مؤن الزكاة كما هو واضح.

بلا خلاف، و لا إشكال فيه إذا تمكن من الزرع بدونها أو لم يتمكن و لكن عدّت من أمواله و كانت قيمتها وافية بثمنها، و إلا فالظاهر أنّ الثّمن تماما أو إتماما من المؤنة عرفا، و مع الشك في كونه منها يأتي حكمه في [مسألة ۲۳]، و كذا الكلام في المكائن المستحدثة فيما قارب هذه العصور، فيجري فيها هذا التفصيل بلا فرق.

(مسألة ۲۰): لو كان مع الزكويّ غيره، فالمؤنة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين (۶۱). و إذا كان المقصود بالذات غير الزكويّ ثمَّ عرض قصد الزكويّ بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن (۶۲) و إذا كان بالعكس حسب منها (۶۳).

لأنّ المؤنة إما قصدية أو قهرية، و الأخيرة في صورة تعين الزكاة و انفرادها فإنّ كل ما يصرف عليه حينئذ يحسب من المؤنة قصد أو لا، و الأولى فيما إذا كان معه غيره فإنّ كونهما مقصودين قصد لمؤنتهما و لو إجمالا و ارتكازا و هذا المقدار من القصد يكفي، و لا دليل على اعتبار الأزيد من ذلك، بل مقتضى الأصل عدمه.

لعدم صدق المؤنة القصدية حين الصرف و عدم صدق القهرية أيضا لأنّها إنّما تنطبق إذا لم يقصد الخلاف و قد قصد في المقام صرف المؤنة في غير الزكويّ فكيف تنطبق عليه مع هذا القصد.

لصدق المؤنة القصدية بالنسبة إلى الزكويّ حينئذ.

(مسألة ۲۱): الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكويّ و غيره (6٤).

لأنّه مئونة لهما عرفا إن كان موضوعا عليهما، و أما إن كان موضوعا على أحدهما دون الآخر فلا وجه للاحتساب عليهما معا.

(مسألة ۲۲): إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الأولى (65) و إن كان الأحوط التوزيع على السنين (66).

بدعوى: أنّ المناط في استثناء المؤنة ملاحظة حال الحدوث فقط دون البقاء، و لو شك في أنّها بملاحظة البقاء من المؤنة لا يحسب منها كما يأتي في المسألة التالية.

ليس هذا من الاحتياط في شي‏ء، بل الاحتياط في اعتبار النصاب قبل إخراج المؤنة مطلقا سواء عدّ من السنة الأولى أم وزّع على السنين.

(مسألة ۲۳): إذا شك في كون شي‏ء من المؤن أم لا لم يحسب منها (67).

لأنّ الشبهة مفهومية مرددة بين الأقلّ و الأكثر، فيرجع إلى عمومات وجوب الزكاة في غير المتيقن من التقييد. نعم، لو كانت الشبهة موضوعية و لم يكن أصل موضوعيّ في البين، فالمرجع أصالة البراءة عن الوجوب.

(مسألة ۲٤): حكم النخيل، و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد (68)، فيضم الثمار بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد، و إن كان بينهما شهر، أو شهران أو أكثر، و على هذا فإذا ما بلغ ما أدرك منها نصابا أخذ منه ثمَّ يؤخذ من الباقي قلّ أو كثر. و إن كان الذي أدرك أولا أقلّ من النصاب ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلق به الوجوب، فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع (69)، و كذا إذا كان نخل يطلع في عام مرّتين يضم الثاني إلى الأول، لأنّهما ثمرة سنة واحدة لكن لا يخلو عن إشكال (70)، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل (71).

لظهور الإطلاق و الاتفاق. هذا مع صدق الوحدة العرفية. و أما مع التعدد، فيأتي حكمه، و مع الشك في الوحدة و التعدد، فمع وجود أصل موضوعيّ هو المعوّل عليه، و مع عدمه فالمرجع أصالة البراءة و لا يصح التمسك بالعمومات لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

لأنّ هذا هو ثمرة الانضمام، فيكون الجميع كالزكاة الموجودة في محلّ واحد.

نسب كونها في حكم ثمرة سنة واحدة إلى المشهور، لإطلاق الأدلة.

و فيه: أنّه لا وجه للتمسك به مع صدق التعدد عرفا، بل لا وجه للتمسك به مع الشك فيه فضلا عن التعدد العرفيّ، فالمرجع حينئذ هو البراءة كما لو فرض تحقق ثمرة بالإعجاز أو الكرامة مثلا.

نسب ذلك إلى المبسوط، و الوسيلة و اقتصر الشهيد في البيان و الدروس على النقل من دون تعرض للترجيح.

(مسألة ۲٥): إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنّه فرضه (72) و إن كان بمقدار لو جف كان بمقدار ما عليه من التمر، و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به. نعم، يجوز دفعه على وجه القيمة، و كذا إذا كان عنده زبيب لا يجزئ عنه دفع العنب إلا على وجه‏ القيمة، و كذا العكس فيهما. نعم، لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة (73). و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر أو الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟ لا يبعد الجواز، لكن الأحوط دفعه من باب القيمة (7٤) أيضا لأنّ الوجوب تعلق بما عنده، و كذا الحال في الحنطة و الشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى، أو شعير آخر.

على المشهور معللا بما في المتن و هذه من إحدى الثمرات المبنية على الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية المنسوبة إلى المشهور، لعدم كونه حينئذ مصداقا للحق فإنّ مصداقه على هذا القول القدر الخاص من العين، و كذا إن قلنا بأنّ تعلق الزكاة من قبيل الكليّ في المعيّن فيصح دفع كل ما كان من العين، بحيث يصدق الكليّ عليه و أما إن قلنا بأنّه حق متعلق بالعين يصح الإعطاء مطلقا و لو لم يكن من العين و يأتي التفصيل في [مسألة ۳۱] و أنّ الحق هو الأخير.

لأنّه حينئذ مصداق للحق الواجب، فتشمله الأدلة، و كذا فيما بعده.

بل الأحوط الدفع بعنوان ما عليه في الواقع أعمّ من القيمة و من الفرض.

(مسألة ۲٦): إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة، أو نقيصة لا يكون من الربا، بل هو من باب الوفاء (75).

أي: امتثال التكليف. و حرمة الربا في متحد الجنس يختص بالمعاوضات و ليس المقام منها- كما يأتي في محله- و قد بقي إشكال دفع القيمة من الجنس بحاله و قد تقدم في [مسألة ۲] من زكاة النقدين ما ينفع لدفع الإشكال من المصالحة مع الفقير.

(مسألة ۲۷): لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب (76)، أما لو مات قبله و انتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كل منهم النصاب، وجب على كل زكاة نصيبه. و إن بلغ نصيب‏ البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم (77).

لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات فتنتقل التركة إلى الورثة متعلقا لحق الفقراء، فيجب الوفاء. و منه يعلم الوجه فيما إذا بلغ نصيب بعض الورثة النصاب. و أما عدم الوجوب فيما إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب و إن بلغ المجموع، فللأصل بعد ظهور أدلة اشتراط النصاب في كونه في ملك مالك واحد و يأتي في [مسألة ۱٤] من مسائل الختام، و في [مسألة ۲۱] من كتاب المزارعة ما يناسب المقام.

لفقد شرط الوجوب و هو النصاب.

(مسألة ۲۸): لو مات الزارع، أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين، فإما أن يكون الدّين مستغرقا أو لا، ثمَّ إما أن يكون الموت بعد تعلق الوجوب أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضا، فإن كان الموت بعد تعلق الوجوب، وجب إخراجها سواء كان الدّين مستغرقا أم لا، فلا يجب التحاصّ مع الغرماء لأنّ الزكاة متعلقة بالعين (78). نعم، لو تلفت في حياته بالتفريط و صارت في الذمة، وجب التحاصّ بين أرباب الزكاة و بين الغرماء، كسائر الدّيون (79).و إن كان الموت قبل التعلق و بعد الظهور، فإن كان الورثة قد أدّوا الدّين قبل تعلق الوجوب من مال آخر (80)، فبعد التعلق يلاحظ بلوغ حصتهم النصاب و عدمه، و إن لم يؤدوا إلى وقت التعلق، ففي الوجوب و عدمه إشكال (81) و الأحوط الإخراج مع الغرامة للديان، أو استرضائهم، و أما إن كان قبل الظهور وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة بناء على انتقال التركة إلى الوارث و عدم تعلق الدّين بنمائها الحاصل قبل أدائه و أنّه للوارث من غير تعلق‏ حق الغرماء به (82).

لما يأتي في [مسألة ۳۱] و لا فرق فيه بين كونه بنحو الشركة كما نسب إلى المشهور، أو بنحو الكليّ في المعيّن، أو بنحو حق الرهانة، لعدم السلطنة في كل ذلك على تفويت مورد الزكاة من حيث سبق تعلق حق الفقراء بالعين، و أما إن كان بنحو حق الجناية، فلا ريب في أنّ للغرماء السلطنة على استيفاء حقهم من التركة إذا امتنع الورثة من الأداء، كما أنّ للفقراء ذلك أيضا. و حق الفقراء سابق على حق الغرماء لأنّ الأخير حدث بالموت، و الأول كان في زمان الحياة، و هل يكون مثل هذا السبق الزماني موجبا للترجيح أيضا بمجرّد السبق فقط أو لا؟ لأنّ ما هو منشأ الترجيح ما كان تعلق الحق فيه بالعين أولا و بالذات بأن يكون لذي الحق السلطنة الفعلية التامة على العين بحيث يتسلط على استيفاء حقه متى شاء و أراد، لا المعلقة على امتناع المالك عن الأداء و إلا فيكون مع غيره في عرض واحد وجهان؟ ربما يأتي ما ينفع المقام، و نسب إلى المبسوط تحاصّ الغرماء مع الفقراء مطلقا. و ظهرت الخدشة فيه مما تقدم.

لأنّها بعد ما صارت في الذمة لا موضوع لها في الخارج حتى يوجب الترجيح، فيكون تقديمها على غيرها من الترجيح بلا مرجح. إلا أن يقال: إنّ الزكاة اجتمع فيها حق اللَّه و حق الناس و هذا نحو ترجيح. و فيه: أنّه من مجرّد الاستحسان فلا يوجب الرجحان.

المناط كله تفريغ ذمة الميت سواء كان ذلك بالأداء من مال آخر، أم بالتضمين تضمينا شرعيا يوجب التفريغ.

الاحتمالات بل الأقوال- في مال الميت مع الدّين المستغرق و فيما قابل الدّين من التركة- ثلاثة:

الأول: البقاء على حكم ملك الميت و عدم الانتقال إلى الورثة.

الثاني: الانتقال إليهم متعلقا لحق الغرماء، فلا يجوز لهم التصرف فيه.

الثالث: الانتقال إليهم و جواز تصرفهم فيه و لكن يجب عليهم تفريغ ذمة الميت بحسب الحكم التكليفي فقط، لا أن يحدث في تركة الميت حقا وضعيا للغرماء.

و لا تجب الزكاة على الأول، لعدم الملك، و كذا على الثاني لعدم التمكن من التصرف بخلاف الأخير، فتجب و حيث إنّ المستفاد من الأدلة أحد الأولين بقرينة ما هو المأنوس في أذهان الناس من أنّه لو منع الغرماء الورثة من التصرف في تركة الميت إلا بعد أداء دين ميتهم لم يستنكر العقلاء ذلك، بل يرون الغرماء ذا حق في ذلك و المتشرعة أيضا لا يتصرّفون في التركة إلا بعد تفريغ ذمة ميتهم عن الدّين. و يستفاد ذلك من قولهم: (عليهم السلام): «أول شي‏ء يبدأ به من مال الميت الكفن، ثمَ‏ الدّين ثمَّ الوصية، ثمَّ الميراث»۲۰.

و بعبارة أخرى: تبدل ذمة الميت إلى ماله و يصير المال مورد الحق بعد أن كانت الذمة مورده فلا وجه لوجوب الزكاة في المستوعب و فيما قابل الدّين، و أما في غيره فتجب مع تحقق سائر الشرائط.

بناء على بقاء التركة في الدّين المستوعب و فيما قابل الدّين في غيره على ملك الميت لا وجه لوجوب الزكاة، لكون النماء تابعا لملك الأصل فلا يملك الورثة حينئذ ما قابل الدّين حتى تجب عليهم الزكاة، و كذا بناء على الانتقال إليهم متعلقا لحق الغير مع كون النماء مورد الحق أيضا كما هو المنساق إلى الأذهان خصوصا في مثل الزرع الذي تكون عمدة ماليته بنمائه، و ذلك لعدم التمكن من التصرف حينئذ. و أما بناء على أنّ المنع عن التصرف يختص بخصوص الأصل فقط دون النماء، فتجب الزكاة حينئذ مع تحقق سائر الشرائط، و إن شك في التمكن و عدمه، أو حصول الملك و عدمه فهو من الشك في تحقق أصل وجوب الزكاة و قد تقدم في الشرط الخامس من أول كتاب الزكاة فراجع.

(مسألة ۲۹): إذا اشترى نخلا، أو كرما أو زرعا مع الأرض أو بدونها قبل تعلق الزكاة، فالزكاة عليه بعد التعلق مع اجتماع الشرائط (83). و كذا إذا انتقل إليه بغير الشراء (8٤) و إذا كان ذلك بعد وقت التعلق فالزكاة على البائع (85) فإن علم بأدائه أو شك في ذلك ليس عليه شي‏ء (86)، و إن علم بعدم‏ أدائه، فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي (87)، فإن أجازه الحاكم الشرعيّ طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة، و إن دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه (88)، و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع و لو أدّى البائع الزكاة بعد البيع، ففي استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم إشكال (89).

لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات قهرا.

لأنّ المناط كله تحقق الملك قبل تعلق الزكاة بأيّ وجه تحقق اختياريا كان أو قهريا.

لأنّه المالك حين التعلق، فيتوجه إليه الخطاب بالأداء كما هو واضح.

أما مع العلم بالأداء فهو واضح. و أما مع الشك فهو المشهور المدعى‏ عليه الإجماع، و يقتضيه ظهور حال المسلم و السيرة المستمرة، فلا وجه للرجوع إلى أصالة عدم الأداء مع الإجماع، و السيرة، و ظهور الحال، مع إطلاق قوله (عليه السلام): «ضع أمر أخيك على أحسنه»۲۱، و ما ورد من تحريم التهمة بالمؤمن و سوء الظن به‏۲۲، فإنّ شمولهما لاعتبار ظاهر الحال ليس قابلا للمقال.

هذا و ما بعده من ثمرات كيفية تعلق الزكاة بالأعيان الزكوية و يأتي البحث عنها في [مسألة ۳۱] كما أنّ إجازة الحاكم الشرعيّ مبنية على ولايته لمثل ذلك و الظاهر ثبوتها، لأنّ مثل هذه الأمور تعدّ من الأمور الحسبية عند المتشرعة و ولايته عليها من المسلّمات كما ثبت في محله و يأتي في المسائل الآتية بعض ما ينفع المقام فراجع و تفحص.

لفرض أنّ المشتري دفع الزكاة عن البائع لا تبرعا، فمقتضى قاعدة نفي الضرر صحة الرجوع، و كذا إذا أخذ مقدار الزكاة من المبيع.

لا إشكال فيه، فيصح البيع من دون حاجة إلى الإجازة، لصحيح البصري قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): رجل لم يزك إبله، أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال (عليه السلام): نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع. أو يؤدي زكاتها البائع»۲۳.

و يمكن القول بالصحة مع قطع النظر عن هذا الصحيح أيضا بناء على أنّ تعلق الزكاة من تعلق نحو من الحق بالعين، و ذلك لوجود المقتضي و هو الملكية و فقد المانع بعد أداء الزكاة و سقوط الحق، فيكون المقتضي للصحة موجودا و المانع عنها مفقودا، فيؤثر البيع أثره، بل و يمكن القول بالصحة بناء على أنّه من الشركة العينية أيضا، لأنّ ولاية الإخراج من العين أو من مال آخر للمالك، و مع ثبوت هذه الولاية له يصح البيع إن أخرجها من مال آخر، لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الإطلاقات و العمومات، فليست الشركة في المقام كالشركة في سائر الموارد التي لا ولاية لأحد من الشركاء في التصرف إلا بإذن الباقين، بل جعل الشارع ولاية الإخراج من العين أو القيمة للمالك، فله الإعطاء بأيّ نحو شاء و فك ماله عن اشتراك الفقراء.

ثمَّ إنّه مع وجود البائع لا وجه لإجازة الحاكم كما لا يخفى، و لعل لفظ «الحاكم» وقع اشتباها عن لفظ البائع و بدلا عنه، و نظير المسألة ما إذا باع الراهن العين المرهونة ثمَّ فك الرهن.

(مسألة ۳۰): إذا تعدد أنواع التمر مثلا و كان بعضها جيّدا أو أجود و بعضها الآخر رديّ، أو أردأ، فالأحوط الأخذ من كل نوع بحصته (90)، و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيّد (91) و إن كان مشتملا على الأجود، و لا يجوز دفع الرديّ عن الجيّد و الأجود على الأحوط (92).

لما عن المشهور من أنّ تعلق الزكاة بنحو الشركة الحقيقية و الإشاعة في الجميع، فيكون كل من الجيّد و الرديّ مورد الشركة و الإشاعة و هذه الثمرة تصلح للاحتياط و إن لم تصلح للفتوى، لما يأتي من عدم تمامية أصل المبنى.

للإطلاقات و العمومات على ما يأتي تحقيقه من كون التعلق من مجرد الحق لا الإشاعة العينية. و حينئذ فيجزي كل ما أطلق عليه لفظ التمر عرفا و لو لم يكن أجود.

لقاعدة العدل و الإنصاف المرتكزة في الأذهان في الجملة، فيحتمل تنزل الأدلة عليها أيضا، و احتمال شمول إطلاق قوله تعالى:

‏ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ‏۲4 للمقام مع ملاحظة ما ورد في نزولها في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام):

«كان النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله) إذا أمر بالنخل أن يزكى، يجي‏ء قوم بألوان من التمر و هو من أردى التمر يؤدونه زكاتهم تمرا يقال له الجعرور و المعى فأرة قليلة اللحاء، عظيمة النوى و كان بعضهم يجي‏ء بها عن التمر الجيّد فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي‏ء و في ذلك نزل:

وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ‏.

و لكن الآية الكريمة لا تخلو عن إجمال، لأنّ للخبيث مراتب كثيرة جدّا و ظاهر الخبر كون الجعرور و المعى فارة خارجين عن النصاب و عدم تخريصها أصلا و هو أعم من عدم الإجزاء. نعم، ظاهر قوله (صلّى اللَّه عليه و آله): «و لا تجيئوا منها» عدم الإجزاء لو لم يحمل على الكراهة.

(مسألة ۳۱): الأقوى أنّ الزكاة متعلقة بالعين (93) لكن لا على وجه الإشاعة، بل على وجه الكليّ (9٤) في المعيّن و حينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صح (95) إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده (96) بخلاف ما إذا باع الكل، فإنّه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليا محتاجا إلى إجازة الحاكم على ما مرّ (97) و لا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على‏ الأحوط (98).

على المشهور المدعى عليه الإجماع. و لباب المقال: أنّ التكليف بالزكاة إما من التكليف المحض- كالصلاة، و الصوم و نحوهما- و هو و إن كان مطابقا لظواهر الآيات، و الروايات- كما تقدم- المشتملة على إيتاء الزكاة و إعطائها و نحو ذلك من التعبيرات الظاهرة في الحكم التكليفي المحض، و لكنه خلاف ظواهر أدلة أخرى و المسلّمات الفقهية عند الإمامية.

أو من مجرّد الذميات المحضة- كالديات، و الغرامات، و الضمانات و الكفارات و هذا أيضا مخالف لظاهر الإجماع، و ظهور جملة من الأخبار على ما يأتي.

و كليات الأدلة الواردة في الزكاة على قسمين:

الأول: ما يستفاد منها أنّها من التكليف المحض.

الثاني: ما هو ظاهر في الجهة الوضعية بالنسبة إلى متعلق الزكاة. و محصل‏ المجموع أنّه اجتمع في الزكاة حكمان تكليفيّ و وضعيّ، و الأخير يتردد بين احتمالات:

الأول: كونه من الشركة الحقيقية و الإشاعة الواقعية في جميع متعلق الزكاة شركة ملكية عينية، فلا يجوز تصرف المالك في متعلقها إلا بإذن وليّ الفقراء أو إجازته كجميع الأموال المشتركة بين الأشخاص و يجري على تصرفه حكم الفضولي.

الثاني: أنّ الشركة ملكية عينية و لكن بنحو الكليّ في المعيّن، فيصح تصرف المالك فيه مطلقا إلا فيما يبقى من مقدار الزكاة.

الثالث: أنّه ليس من الشركة الخارجية العينية أصلا، بل هو كحق الرهانة المتعلق بالعين فيكون حكمه كالوجه الأول- لأنّ الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف، فلا يجوز لكل منهما التصرف في العين إلا بإذن الآخر- فلا يجوز للمالك التصرف في متعلق الزكاة إلا بإذن الحاكم الشرعي، و الفرق بينهما أنّ الفقير شريك للمالك في الملكية العينية في متعلق الزكاة بمقدار حقهم بخلاف هذا الوجه، فإنّ لهم مجرّد الحق فقط كحق المرتهن في العين المرهونة.

الرابع: أنّه كحق الجناية الحاصل للمجنيّ عليه بالنسبة إلى العبد الجاني حيث يجوز لمولاه بيعه بلا استيذان من المجنيّ عليه، و لكنه التزام بالوفاء من غيره، فيجوز للمالك في المقام حينئذ التصرف في متعلق الزكاة، و تصرفه هذا التزام عرفيّ- بحسب ظهور إسلامه- بإعطاء الزكاة من سائر أمواله.

الخامس: أنّه كالحق الحاصل للمنذور له في منذور التصدق، فهو نحو حق برزخيّ بين الحقيقة المحضة و الحكم كذلك، فليس للفقراء إسقاطه و لا المطالبة به إلا من باب الحسبة، كما أنّ هذا هو شأن المنذور له أيضا.

السادس: أنّه كحق الخراج و العشور، و الماليات المجعولة في الدول على أموال الرعية، فتكون العين منشأ لجعل الحق على الشخص لا أن تكون متعلقا له أولا و بالذات، و لا أن يكون التكليف ذميا من كل جهة بحيث تشتغل الذمة أولا و بالذات و لو لم يكن عين في البين أصلا.

ثمَّ إنّه بناء على كونه من الحق بجميع أقسامه يتردد بين أن تكون متعلقا بجميع المال أو بالكلّي في المعيّن، و المتيقن من أقسام الحق كونه من الكلّي في المعيّن إلا أن يدل‏ دليل على الخلاف، كما أنّ المتيقن من الحق الكلّي في المعيّن أن يكون متعلقا بمالية المال لا بشخصه إلا أن يدل دليل عليه بالخصوص و هو مفقود كما يأتي. فالزكاة نحو من الحقوق المجعولة في الممالك و الدول على أموال مخصوصة.

ثمَّ إنّه استدل المشهور على ما ذهبوا إليه من الشركة الحقيقية بأمور:

الأول‏- ما دل على أنّ اللَّه تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، كما في خبر أبي المعزى عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «إنّ اللَّه تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم»۲٥.

الثاني: جملة من الأخبار الدالة على أنّ اللَّه تعالى جعل في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء كما عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «إنّ اللَّه عزّ و جل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم- الحديث-»۲٦.

و في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «إنّ اللَّه عزّ و جل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو علم أنّ الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم»۲۷ و غيرهما من الأخبار.

الثالث: ما تقدم من صحيح عبد الرحمن البصري قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال (عليه السلام): نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع. أو يؤدي زكاتها البائع»۲۸.

الرابع: ما دل على الضمان إن تلف و أنّ لها القسط من الربح كما في خبر عليّ بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن الزكاة تجب عليّ في مواضع لا يمكنني أن أؤديها، قال (عليه السلام): اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي‏ء، فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها تقسيطها من الربح، و لا وضيعة عليها»۲۹.

و هذا الخبر أقوى أدلتهم على الشركة الحقيقية.

الخامس: الأخبار المشتملة على لفظي الإخراج و العزل- كقوله (عليه السلام): «أخرجها من مالك لا تخلطها بشي‏ء ثمَّ أعطها كيف شئت»۳۰ و مثله غيره- و هي ظاهرة في الشركة الحقيقية.

السادس: المستفيضة المشتملة على لفظ «في» الظاهر في الظرفية الحقيقية فيستفاد منها الشركة و الإشاعة كقولهم (عليهم السلام): «في كل خمسين حقة، و في كل أربعين ابنة لبون‏۳۱، و قوله (عليه السلام) في الذهب: «إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار»۳۲ و قوله (عليه السلام) في الغلات: «ففيها العشر»۳۳ إلى غير ذلك من التعبيرات.

السابع: ما ورد في آداب المصدق كقوله (عليه السلام): «لا تدخله إلا بإذنه فإنّ أكثره له، فاصدع المال صدعين»۳4، فإنّه ظاهر في الشركة.

الثامن: ما ورد في تلف الزكاة بتلف المال من غير تفريط كما في الصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها خرجت من يده»۳٥ و تقدم ما يدل على ذلك‏۳٦.

التاسع: ما دل على أنّ الساعي يتبع العين لو امتنع المالك عن الأداء- كما سيأتي فإن ذلك ظاهر في الشركة.

العاشر: ظهور الاتفاق على تقديمها على الدّين مع قصور التركة و وجود العين المتعلق بها الزكاة.

هذه هي الأدلة التي استدلوا بها على الشركة الحقيقية.

و الكل مخدوش:

أما الأول: فلأنّه يشمل جميع الصدقات بواجباتها و مندوباتها، مع أنّه لا يقول أحد بالشركة في غير الزكاة، مضافا إلى أنّ الشركة أعمّ من الملكية و الحقية، و التنزيلية العرفية، و يشهد للأخير قوله (عليه السلام): «فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم»۳۷.

و في الحديث: «إنّ المسلمين شركاء في الماء، و الكلاء، و النار»۳۸، و الاستعمالات المتعارفة عند التسلية: أنا شريك لك في المصيبة إلى غير ذلك من موارد استعمال الشركة غير المختصة بالملكية.

و أما الثاني: فلأنّ الجعل أعمّ من جعل الملك و الحق و الحكم و غيرها من الاعتباريات، فلا وجه للاستدلال به على الشركة الحقيقية كما هو واضح.

و أما الثالث: فهو أعمّ من الشركة الملكية، بل يناسب الحقية و لو بنحو الكلّي في المعيّن، بل يناسب مطلق الموردية و لو لم يكن من الحق المتعلق بالعين كالخراج المجعول على بعض الأموال و لا ريب في أنّ متابعة ما هو مورد الجعل عند امتناع من عليه الجعل عن الأداء من اللوازم العرفية لذات الجعل سواء كان حقا، أو ملكا، أو حكما، أو غيرها.

و أما الرابع: ففيه مضافا إلى قصور سنده بالضعف، و الإرسال و عدم عمل الأصحاب بمضمونه، و معارضته بصحيح البصري مخالف لجملة من المسلّمات لدى الفقهاء التي يصعب طرحها لأجل مثله كتوقف صحة البيع الفضولي على الإجازة و يظهر منه عدم التوقف، و كجواز دفع المالك الزكاة من غير العين و لو مع عدم رضا المستحق. و يظهر منه عدم الجواز، و كحرمة تصرف أحد الشريكين في المال المشترك بغير إذن الشريك و يظهر منه الجواز، و كقاعدة تبعية النماء للمالك مع أنّهم لا يقولون‏ به في المقام، و مثل أنّه لو فرط المالك في الأداء لا بد و أن يكون ضامنا للمنفعة و لو لم يستوفها مع أنّهم لا يقولون به في المقام. إلى غير ذلك من آثار الشركة الحقيقية التي لا يلتزمون بها، فكيف يصح أن ينسب إليهم الموضوع مع أنّهم لا يلتزمون بآثاره.

و أما الخامس: فهو باعتبار الغالب خصوصا في الأزمنة القديمة حيث كانوا يخرجون الزكاة الواجبة من نفس العين، فتصح هذه التعبيرات من هذه الجهة لا من جهة الشركة الحقيقية.

و أما السادس: فاستعمال لفظ «في» في الظرفية مما لا ينكر إلا أنّها هل يكون المراد بها الظرفية باعتبار الملكية أو الحقية، أو من مجرّد الموردية للجعل و التشريع.

و المتيقن من الأدلة الأخيرة إلا أن يدل دليل على إحدى الأولتين و قد استعملت الأخيرة في موارد شتّى: قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام) في كفارات الإحرام: «في القبّرة و العصفور، و الصعوة مدّ من الطعام»۳۹، و قال (عليه السلام) في الدّيات: «في الخطإ خمسة و عشرون بنت لبون، و في شبه العمد ثلاثة جذعة»، و قال (عليه السلام):

«إنّ اللَّه تعالى فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال تعالى‏ وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ‏.

فللظرفية معنى واسع جدّا بحسب اعتبارات المظروف و اعتبار الظرفية، فلا ظهور لها في مجرّد الملكية الإشاعية مع أنّ استعمالها في السببية أيضا صحيح.

و أما السابع: فهو يناسب الملكية و الحقية و مجرّد الموردية أيضا و هو نحو تسهيل و تفضل من الشارع، مع أنّه بحسب الغالب خصوصا في تلك الأزمنة التي تخرج الزكاة من العين، فلا وجه للاستدلال بها على الملكية.

و أما الثامن: فقد ظهر مما تقدم، فإنّه يناسب الحق و الموردية أيضا و هو نحو إرفاق من الشارع بالنسبة إلى الملاك.

و أما التاسع: فلعدم اختصاصه بالملكية مطلقا، بل يجري بناء على الحق‏ و غيره، بل هو من بعض مراتب الأمر بالمعروف، و من الأمور الحسبية التي يقوم بها الحاكم الشرعي.

و أما العاشر: فإنّه يناسب مجرّد الحق أيضا كما في حق الرهانة، فإنّ المرتهن أحقّ باستيفاء دينه من العين المرهونة من سائر الغرماء، و كذا فيما إذا كان من جملة أموال المفلس عين اشتراها و كان ثمنها في ذمته كان البائع أولى بأن يأخذ عين ماله من سائر الغرماء كما يأتي تفصيل ذلك كله في محله، بل و كذا لو كان من مجرّد الحكم التكليفي أيضا لأهمية ملاحظة حق الفقراء حينئذ، فلا يستفاد من تلك الأدلة كونها من الملك سواء كان بنحو الإشاعة، أو الكلّي في المعيّن.

و يمكن استفادة كونها من الديون و الذميات من الأخبار المشتملة على لفظ:

«على المالك» أو «عليه» فإنّ ظهور هذه اللفظة في الذميات مما لا ينكر، و الآيات الكريمة مشتملة على الإيتاء و هو أعمّ من الملكية، بل و من الحقية أيضا، و قد مرّ أنّ المنساق منها الحكم التكليفيّ المحض، مع أنّ المشهور في الزكوات المندوبة يقولون بتعلقها بمالية المال لا بالعين، فليكن المقام أيضا كذلك، لتفرغ الأدلة عن لسان واحد، مضافا إلى أنّ جعل الحقوق المالية ليست من التعبديات المحضة المختصة بالشريعة المقدّسة الإسلامية، بل كانت دائرة قبل الشريعة، و حين حدوثها و بعد ظهورها في جميع الممالك و الدول بالنسبة إلى جملة من الأشياء، فكل ما يقال فيها يصح أن يقال بالنسبة إلى الزكاة أيضا، و مقتضى المتعارف فيها عدم الملكية مطلقا. و تلك الحقوق عند العقلاء متعلقة بأصل مالية المال في الجملة.

و من ثمرات هذا النحو من التعلق أنّه لو امتنع من عليه الحق من الأداء كان للذي له الحق استيفاؤه من مورد الحق و هذا هو المتيقن من بناء العقلاء في الحقوق المجعولة عندهم على الأموال و هو المستفاد من مجموع أدلة الزكاة بعد رد بعضها إلى بعض و هو المطابق للأصل العمليّ أيضا، لأنّ كونها بهذا النحو من الحق معلوم قطعا و غيره مشكوك، فيرجع فيه إلى البراءة.

ثمَّ إنّ أمهات الحقوق- التي توجب خروج الملك عن الطلقية، و اعتنى الفقهاء بذكرها و التعرض لفروعها- أربعة: حق الوقف، و حق أم الولد، و حق الرهانة و حق الجناية. و هناك حقوق أخرى ربما أنهاها بعضهم إلى عشرين. تعرضنا لجملة منها في كتاب البيع عند بيان موارد جواز بيع الوقف فراجع.

قد ظهر من جميع ما تقدم أنّه لا دليل على تعين هذا الاحتمال بل لا دليل على الملكية أصلا و لو بهذا النحو من الملكية، فإنّ تعلق حق في الجملة بمالية المال معلوم، و الاحتمالات الأخرى مشكوكة و أن مرجعها الأصل.

بلا فرق فيه بعد كونه من الكليّ في المعيّن بين كونها ملكا أو حقا بأيّ نحو من أنحاء الحقوق. نعم، لو كان الحق مشاعا في الجميع لا يصح التصرف في جزء معيّن و إن صح في الكسر المشاع غير المعيّن- كما لو باع ثلث النصاب مشاعا مثلا- و لكنه يتوقف التسليم و التقسيم على رضا الشريك حينئذ كما في جميع موارد الشركة الإشاعية ملكا كانت أو حقا، كما لا فرق بينما إذا بنى المالك على أدائها من مال آخر أم لا و إن كانت الصحة في الصورة الأولى أوضح و أولى.

لانحصار مورد الحق فيه حينئذ، فيصير ذلك نحو إفراز قهري. هذا بناء على الملكية و على الحقية الخاصة المتعلقة بالعين.

بلا إشكال فيه إن كان تعلق الزكاة بنحو الملكية سواء كانت من الإشاعة أم من الكلّي في المعيّن، فإنّ مقابل الزكاة من الثمن يكون للفقراء، فيكون من الفضولي و تتوقف صحة البيع و تعين الزكاة في الثمن على الإجازة. و أما إن كان التعلق من قبيل حق الرهانة، فلا ريب في الاحتياج إلى الإجازة أيضا، لكن في سقوط الحق فقط لا في تعين الزكاة في الثمن، لأنّ الزكاة على هذا تكون في الذمة و تكون العين وثيقة لحق الفقراء فقط موردا لاستيفاء الحق لو امتنع المالك عن الأداء فلا ربط للإجازة بتعين الثمن للزكاة. نعم، لو قبضه الحاكم الشرعيّ ولاية عن الفقراء بعنوان‏ قبض الزكاة، فيتعيّن للزكاة حينئذ كما في الصورة الآتية.

ثمَّ إنّ الحاكم تارة: يأخذ مقدار الزكاة من المالك ثمَّ يجيز البيع و أخرى:

يشترط عليه إعطاءها في ضمن عقد لازم بحيث كان له الفسخ لو تخلف. و ثالثة:

يكون مبسوط اليد يقدر على أخذه منه على أيّ تقدير، فلا ريب في صحة إجازته في هذه الصور. و أما مع عدم ذلك كله فيشكل نفوذ إجازته للشك في ثبوت ولايته حينئذ، بل إن عدّ ذلك من تضييع حق الفقراء عرفا، فلا تنفذ إجازته قطعا، و لو شرط عليه الإعطاء في ضمن نفس الإجازة فلا أثر للشرط، لظهور الإجماع على أنّ الشرط المذكور في الإيقاعات لا يجب الوفاء به.

هذا، و لو كان التعلق من باب حق الجناية فإن قلنا بما هو المشهور من أنّ هذا الحق متعلق بالعين من حيث هي مع قطع النظر عن إضافتها إلى المالك، فيصح البيع و لا يحتاج إلى الإجازة لقيام الحق بالعين من حيث هي، و مع عدم الوفاء يتبعها ذو الحق أين ما وجدها. و قلنا سابقا: إنّ هذا هو المتعارف من جعل الحقوق المالية و أما إن قلنا بأنّ حق الجناية قائم بالعين من حيث إضافتها إلى المالك و ما دام في ملكه فيحتاج إلى الإجازة حينئذ على تفصيل مرّ في احتمال كونه من قبيل حق الرهانة.

لأصالة عدم الولاية له على ذلك و لعل وجه تردده (قدّس سرّه) احتمال إمكان استفادة ولايته على ذلك أيضا من ولايته على الإخراج و لو من القيمة بدعوى:

أنّ ذلك كله من فروع أصل ثبوت ولايته، فهي ملازمة لأصل ثبوت الولاية و لكنه مشكل، بل ممنوع. نعم، لو استوثق ذلك بالطرق الوثيقة المعتبرة، فالظاهر الكفاية.

(مسألة ۳۲): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم (99) – بل و الزرع (100)- على المالك و فائدته جواز التصرف للمالك، بشرط قبوله‏ كيف شاء (10۱).و وقته بعد بدو الصلاح و تعلق الوجوب (102)، بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه (103) إذا كان من أهل الخبرة، أو بغيره من عدل أو عدلين (10٤) و إن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم، أو وكيله مع التمكن (105) و لا يشترط فيه‏ الصيغة (106)، فإنّه معاملة خاصة (107) و إن كان لو جي‏ء بصيغة الصلح كان أولى (108). ثمَّ إن زاد ما في يد المالك كان له و إن نقص كان عليه (109) و يجوز- لكل من المالك و الخارص- الفسخ مع الغبن الفاحش (110). و لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطبا جاز (111) و يجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو غيره (112).

لجملة من الأخبار:

منها: صحيح سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن العنب هل عليه زكاة، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال (عليه السلام): نعم‏ إذا خرصه أخرج زكاته».

و قال: أبو عبد اللَّه (عليه السلام) في الصحيح: «كان رسول اللَّه إذا أمر بالنخل أن يزكى يجي‏ء قوم بألوان من التمر- و هو من أردى التمر- يؤدونه من زكاته تمرا يقال له: الجعرور، و المعى فأرة قليلة اللحاء عظيمة النوى، و كان بعضهم يجي‏ء بها عن التمر الجيد، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله): لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي‏ء» و المراد بقوله (صلّى اللَّه عليه و آله) منهما المعى فأرة و الجعرور، فيستفاد من مثلهما أنّ التخريص كان معهودا و متعارفا بالنسبة إلى النخل و الكرم، و يدل عليه مضافا إلى ذلك ظهور الإجماع، و أنّه اهتمام بحق الفقراء و تسهيل بالنسبة إلى المالك، و من فروع ولايته على الإخراج و التعيين عرفا.

لصحيح سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن الزكاة في الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب متى تجب على صاحبها قال (عليه السلام): إذا ما صرم و إذا خرص»44 و إطلاقه يشمل الجميع و هذا هو المشهور و ادعي عليه الإجماع أيضا.

و عن جمع المنع و استدلوا عليه تارة: بأنّ التخريص مخالف للقاعدة لا بد من الاقتصار على المتيقن. و أخرى: بأنّه لا يمكن تخريص الزرع لاستتاره. و ثالثة: بأنّ الفائدة في النخل و الكرم نماؤه بخلاف الزرع.

و الكل مخدوش: إذ يرد على الأول أنّه لا وجه للاقتصار على القدر المتيقن مع إطلاق صحيح سعد و ظهور الإجماع. و على الثاني: أنّ للتخريص أهل خبرة يمكنهم الاطلاع على مقدار الزرع بحسب ما هو متعارف لديهم بلا فرق عندهم في تخريص النخل، و الكرم، و الزرع من هذه الجهة. و على الأخير: أنّ الفائدة الاهتمام بحق‏ الفقراء و التسهيل على المالك كما يأتي، و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك، فما هو المشهور المدعى عليه الإجماع من جواز التخريص في الزرع أيضا لا إشكال فيه.

لما أرسلوا ذلك إرسال المسلّمات الفقهية، و يشهد له العرف و الاعتبار. ثمَّ إنّ التخريص تارة: بمعنى مجرد الإخبار بمقدار زكاة المال، و أنّ زكاته كذا، و مقتضى الأصل جوازه مطلقا رضي المالك بذلك أم لا، و مع تبيّن الخلاف لا بد من العمل على ما هو الواقع، و الظاهر خروج هذا القسم عن مورد الكلمات و عدم ترتب الثمرة عليه. و أخرى: بمعنى انقطاع الحق عن العين و انتقاله إلى ذمة المالك و تسلطه على مورد الحق كيف ما شاء و أراد، و ظاهر الفقهاء صحة ذلك مرسلين له إرسال المسلّمات و ثالثة: بمعنى تعيّن الكلّي في المعيّن حقا أو ملكا و هو مبنيّ على كون التعلق بنحو الإشاعة حقا كان أو ملكا. و أما إن كان بنحو الكلّي في المعيّن فلا أثر للتخريص كما هو واضح إلا أن يكون المراد به التعين الخارجي في جزء معيّن خارجي.

ثمَّ إنّ التخريص يحتمل أن يكون معاملة متقوّمة برضا الطرفين فلا ريب في اعتبار رضا المالك حينئذ و أنّه لا ثمرة له بدون رضاه. كما يحتمل أن يكون من مجرد تخمين الزكاة على المالك و إزالة المانع عن تصرفه كيفما شاء و أراد، و الظاهر التوقف على رضاه أيضا. لسلطنته على ماله و كون ولاية الإخراج إليه و يحتمل أن يكون من مجرّد الحسبة التي لا بد و أن يقوم بها الإمام أو نائبه مع بسط اليد و المنساق من الكلمات، و إطلاق بعض الروايات‏ عدم التوقف على رضا المالك و قد أرسل في الجواهر عدم كونه من المعاملة إرسال المسلّمات. و يمكن استظهار كونه من الأمور الحسبية مراعاة لحق الفقراء، و تسهيلا على الملاك، و لمصالح أخرى تعرّضوا لها في المطوّلات فراجع.

لأنّه لا موضوع للتخريص قبل ذلك، كما مرّ من حدوث حق الفقراء حين بدو الصلاح في [المسألة ۱] من هذا الفصل فلا حق له قبل ذلك حتى يعين حقه.

و ما روي عن النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله) أنّه كان يبعث عبد اللَّه بن رواحة خارصا للنخل حين يطيب‏ فلا يدل على التخريص قبل بدوّ الصلاح، لأنّ المراد بالطيب التسمية و بدو الصلاح.

لأنّه من فروع كون ولاية الإخراج للمالك، بل هو نحو من العزل و يأتي جواز كل منهما للمالك، و لو كان من الأمور الحسبية يجوز له أيضا مع الثقة و الأمانة إذ لا دليل على توقف صحة جميع الأمور الحسبية بتمام مراتبها على إذن الحاكم الشرعي. نعم، لا إشكال في توقف بعض أقسامها و مراتبها عليه، و مع الشك فيشمله إطلاق قوله (عليه السلام): «كل معروف صدقة»، مع أنّ المناط كله في التخريص مراعاة حق الفقراء و التحفظ عليه و هو يحصل بمباشرة المالك أيضا مع كونه من أهل الخبرة كما هو المفروض مع أنّه نحو من المسارعة و الاستباق إلى الخير.

مقتضى ما تقدم من أنّ المناط في التخريص هو التحفظ على حق الفقراء و الإحسان إليهم جوازه بكل ثقة أمين من أهل الخبرة فكيف بالعدل أو العدلين. و قد نسب الجواز إلى الشهيد و الفاضلين، و يشهد له بعض الإطلاقات أيضا.

لاحتمال عموم ولايته لمثل هذه الأمور، و تحفظا على الاستيثاق لحق الفقراء مهما أمكن، مع حسن تدخل الحاكم الشرعي في كل ما فيه معرضية النزاع و المخاصمة.

للأصل، و الإطلاق، و السيرة.

كما في الجواهر (و فيه) أنّه لا دليل على كونه من المعاملة أصلا لا من العرف و لا من الشرع و لا من اللغة، بل المنساق إلى الأذهان كونه من سنخ القسمة و إن لم يكن عينها، فلا يجري عليه أحكام المعاملة و لا أحكام القسمة، للأصل بعد عدم كونه داخلا في موضوعهما لغة و شرعا. نعم، لو كانت معاملة خاصة يكفي في صحتها العمومات و الإطلاقات بعد عدم دليل على لزوم حصرها في المعاملات المعهودة.

و هو يجري في التخريص سواء كان معاملة خاصة أم لا.

إن كانت الزيادة و النقيصة مما يتسامح فيهما، فالظاهر، بل المقطوع به أنّ بناء التخريص على الاغتفار بالنسبة إليهما حينئذ و إن كانتا مما لا يتسامح فيهما، فلا دليل على الاغتفار حينئذ من نص أو إجماع، أو عرف، أو عادة معتبرة، بل مقتضى القاعدة عدم الاغتفار و بطلان أصل التخريص، فلا تكون الزيادة له و النقيصة عليه.

الظاهر عدم تحققه حينئذ أصلا حتى يحتاج إلى الفسخ، لأنّه لو لم يكن معاملة فلا موضوع للصحة حينئذ، و لو كانت معاملة خاصة فكذلك أيضا، لأنّ خيار الغبن و إن عمّ جميع المعاملات، لكنّه فيما إذا تقوّمت المعاملة بالعوضين و التبادل من الطرفين لا فيما إذا غلبت عليها جهة الإفراز و القسمة، فلا تصح حينئذ أصلا حتى يتحقق موضوع الفسخ.

لأنّ الحق لا يتعداهما فلهما البناء على ما تراضيا عليه و توافقا بالنسبة إليه.

لأنّ ذلك من فروع ولاية الحاكم الشرعي على الزكاة تخريصا، و تفريقا،و إيصالا لها إلى أهلها، بل و يجوز ذلك من المالك الأمين أيضا، لأنّه من فروع ولايته على إخراج الزكاة من القيمة.

(مسألة ۳۳): إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء (113) بالنسبة، و إن خسر يكون خسرانها عليه.

لما مرّ من مرسل ابن أبي حمزة، و لكن قصور سنده، و هجر الأصحاب عن إطلاقه أسقطه عن الاعتبار. نعم، بناء على ما نسب إلى المشهور من الشركة الحقيقية العينية يصح ذلك، و لكن بعد إجازة الحاكم الشرعي للبيع، و أما قبلها فأصل البيع باطل فكيف يكون الربح للفقراء بالنسبة و قد تقدم ضعف أصل المبنى بما لا مزيد عليه.

(مسألة ۳٤): يجوز للمالك عزل الزكاة (11٤) و إفرازها من العين، أو من‏ مال آخر (115)، مع عدم المستحق، بل مع وجوده أيضا على الأقوى (116)، و فائدته صيرورة المعزول ملكا للمستحقين قهرا، حتى لا يشاركهم المالك عند التلف (117)، و يكون أمانة في يده، و حينئذ لا يضمنه إلا مع التفريط (118)، أو التأخير مع وجود المستحق (119).و هل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها؟ إشكال. و إن كان الأظهر عدم الجواز (120). ثمَّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقين، متصلا كان أو منفصلا (121).

لنصوص كثيرة:

منها: صحيح أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثمَّ سماها لقوم فضاعت أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي‏ء عليه».

و قول أبي عبد اللَّه في صحيح عبيد: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد برئ منها».

و في الموثق عنه (عليه السلام) أيضا: «زكاتي تحلّ عليّ في شهر أ يصح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجئني من يسألني يكون عندي عدّة، فقال (عليه السلام):

إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشي‏ء، ثمَّ أعطها كيف شئت قال:

قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال (عليه السلام): نعم، لا يضرّك»٥۰.

و في صحيح ابن سنان: «في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقي بعضا يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر قال (عليه السلام): «لا بأس»٥۱.

إلى غير ذلك من النصوص التي عمل بها المشهور الظاهر في إذن وليّ الزكاة في عزلها و هي إرشاد إلى طريق تخليص المالك من ضمان الزكاة لو تلفت، و إرفاق و تسهيل بالنسبة إليه. فما عن بعض من عدم الجواز. اجتهاد في مقابل النص، كما أنّ ما نسب إلى الشيخين من وجوبه خلاف المنساق من نصوصه.

لما دل على جواز إخراج الزكاة من مال آخر، و ظاهر أخبار المقام عزل الزكاة بمالها من الأحكام، فتشمل الإخراج من القيمة أيضا.

لظهور ما تقدم من الموثق، و صحيح ابن سنان في ذلك، مضافا إلى ظهور إطلاق بعض الأخبار، فما يظهر من المحقق (رحمه اللَّه) من التخصيص بصورة فقد المستحق ضعيف.

لظهور النصوص و الفتاوى في ذلك، و لو لا هذه الثمرة لا فرق بين المعزول و غيره، فلا وجه لتوقف الدروس فيه.

هذه الأمانة أمانة شرعية، و معنى الأمانة- شرعية كانت أو مالكية- عدم الضمان إلا مع التعدّي أو التفريط، إذ لا وجه لتضمين الأمين مطلقا إلا مع التعدّي.

نصّا، و إجماعا، ففي صحيح زرارة قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت، فقال (عليه السلام) ليس على الرسول، و لا على المؤدي ضمان. قلت: فإن لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيّرت، أ يضمنها؟ قال (عليه السلام) لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها»٥۲.

و في خبر ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (عليه السلام): إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنّها قد خرجت من يده»٥۳، و بذلك كله يقيد ما تقدم من مثل خبر أبي بصير٥4.

لظهور الأدلة في انقطاع ولاية المالك عنها بعد العزل، فليس له حق التصرف فيها، لكونه كقبض الفقير، فيصير بذلك ملكا قهريا له. نعم، تبقى للمالك خصوص ولايته على الإقباض الخارجيّ فقط.

لأنّ المستفاد من الأدلة خصوصا مثل قول الصادق (عليه السلام) فيما تقدم في خبر ابن مسلم: إنّ العزل بمنزلة القبض، فيكون المعزول ملكا قهريا للمستحقين و النّماء تابع للملك شرعا و عرفا.

  1. الوسائل باب: ۱ من أبواب زكاة الغلات حديث: ٥.
  2. الوسائل باب: ۱ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۷.
  3. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۱.
  4. سورة محمد: ۳٦.
  5. الوسائل باب: ۱ من أبواب زكاة الغلاة حديث: ۷ و ۱.
  6. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب زكاة الغلاة حديث: ۲.
  7. الوسائل باب: ۱ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۷ و ۱.
  8. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۲.
  9. راجع الوسائل باب: ۱ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۱.
  10. الوسائل باب: ۳ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۳.
  11. الوسائل باب: ٦ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۱.
  12. الوسائل باب: ۷ من أبواب زكاة الأنعام حديث: ۱.
  13. الوسائل باب: ۷ من أبواب زكاة الأنعام حديث: ۲.
  14. الوسائل باب: ۱۰ من أبواب زكاة الغلات.
  15. الأعراف: ۱۹۸ و في سورة البقرة: ۲۱۹ و غيرهما من الآيات.
  16. مستدرك الوسائل باب: ٦ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۱.
  17. الوسائل باب: ۸ من أبواب زكاة الغلات حديث: 4.
  18. الوسائل باب: ۸ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۳.
  19. الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الوصية.
  20. الوسائل باب: ۱٦۱ من أبواب أحكام العشرة.
  21. الوسائل باب: ۱٦۱ من أبواب أحكام العشرة.
  22. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب زكاة الأنعام حديث: ۱.
  23. سورة البقرة: ۲٦۷.
  24. الوسائل باب: 4 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.
  25. الوسائل باب: ۱ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: ۲.
  26. الوسائل باب: ۱ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: ۳.
  27. الوسائل باب: ۱۳ من أبواب زكاة الأنعام حديث: ۱.
  28. الوسائل باب: ٥۲ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۳.
  29. الوسائل باب: ٥۲ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۲.
  30. الوسائل باب: ۲ من أبواب زكاة الأنعام حديث: ۳.
  31. الوسائل باب: ۱ من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: ۹.
  32. الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الغلات حديث: ۸.
  33. الوسائل باب: ۱4 من أبواب زكاة الأنعام حديث: ۱.
  34. الوسائل باب: ۳۹ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۱ و راجع صفحة:.
  35. الوسائل باب: ۳۹ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۱ و راجع صفحة:.
  36. تقدم في صفحة:.
  37. الوسائل باب: ٥ من أبواب إحياء الموات حديث: ۱.
  38. راجع الوسائل باب: ۷ من أبواب كفارات الصيد( كتاب الحج).
  39. الوسائل باب: ۲ من أبواب ديات النفس حديث: ۱.
  40. الوسائل باب: ۷ من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: ۲.
  41. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۲.
  42. الوسائل باب: ۱۹ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۱.
  43. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۱.
  44. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب زكاة الغلات حديث: ۲.
  45. السنن للبيهقي ج: 4 باب الخرص صفحة: ۱۲۳. ۱۱.
  46. الوسائل باب: 4۱ من أبواب الصدقة حديث: ۱.
  47. الوسائل باب: ٥۲ من أبواب مستحقي الزكاة حديث: ۳.
  48. الوسائل باب: ۳۹ من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4 و ۳.
  49. تقدم في صفحة ۸۲.
  50. الوسائل باب: ٥۳ من أبواب مستحقي الزكاة حديث: ۱.
  51. الوسائل باب: ۳۹ من أبواب مستحقي الزكاة حديث: ۲
  52. الوسائل باب: ۳۹ من أبواب مستحقي الزكاة حديث: ۱
  53. تقدم في صفحة: ۱٥٥.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"