لما تقدم، و مر أن الجعالة من الأسباب فيكون التأمين أيضا كذلك.
و أشكل على صحة كونه من الجعالة بوجوه.
الأول: إن فيها لا بد و ان يكون الجعل من الجاعل دون العامل بخلاف المقام يكون الجعل فيه ممن هو بمنزلة العامل أي المستأمن (طالب التأمين).
الثاني: في الجعالة يكون التبادل بين العمل و المال، و في المقام يكون المال بإزاء تدارك الخطر (تحمل الحوادث المقررة) لا بين المال و العمل.
الثالث: في الجعالة لا يملك العامل على الجاعل شيئا، بمجرد الجعل بل بإتيان العمل، و قد جعل ذلك هو الفارق بينها و بين الإجارة بخلاف المقام، فإن المؤمن يملك على المستأمن القسط و لو قبل العمل.
الرابع: إن في الجعالة لا يستحق الطرف على الجاعل شيئا لو لم تحصل الوظيفة المجعولة له، بخلاف المقام فإن المؤمن يستحق القسط على المستأمن و لو لم يحصل خطر و لا خسارة في البين أصلا.
و الكل مخدوش.
أما الأول فلأن كون الجعل من الجاعل في الجعالات المتعارفة إنما هو غالبي لا أن يكون من مقومات ذات الجعالة- كما تقدم- فلو قال قائل: «إني أرد العبد الآبق و آخذ من صاحبه كذا و كذا» و قبل الطرف الآخر يكون ذلك جعالة و ينطبق ذلك على المقام قهرا.
و أما الثاني: فلأن تقوّم الجعالة بأن يكون فيها غرض عقلائي مع جعل المال سواء كان الغرض العقلائي عملا أو شيئا آخر، بل و لو كان أمر عدميا كما تقدم بل العقود مطلقا تدور مدار الأغراض الشرعية العقلائية إلا ما دل دليل على التحديد و التقييد و لم يرد ذلك في الجعالة و ما ذكره الفقهاء إنما هو من باب المثال، مع ان قولهم ليس بحجة ما لم يدل عليه نص أو إجماع معتبر.
و أما الثالث: فهو صحيح فيما إذا لم يكن شرط و بناء فعلي بينهما على الخلاف و إلا فالمتبع هو الشرط لأدلة وجوب الوفاء به و منه يظهر الجواب عن الرابع.
و احتمال ان مثل هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد فيكون باطلا.
مردود: بأنه مخالف لإطلاقه لا لذاته، و مع الشك فالمرجع أصالة عدم المخالفة بالعدم الأزلي، كما أثبتناه في محله و لكن حيث ان عقد التأمين لم ينص عليه في الكتاب و السنة ينبغي مراعاة الاحتياط فيه.
ان قيل ان الجعالة عقد جائز فلا وجه لوجوب الوفاء بهذا الشرط (أي:
دفع المال بالتقسيط).
يقال: أولا مقتضى «المؤمنون عند شروطهم» وجوب الوفاء بالشرط و لو كان في ضمن العقود الجائزة ما دام العقد باقيا، و إذا زال العقد بسبب من الأسباب يزول موضوع وجوب الوفاء قهرا كما مر في أول بحث الشروط۷.
و ثانيا: بأن بناء العقلاء على الالتزام بهذا الشرط يكون مخصصا لما دل على أن الشروط المأتي بها في ضمن العقود الجائزة غير واجب الوفاء لأن عمدة الدليل على جواز الجعالة الإجماع، و المتيقن من إجماعهم غير مورد مثل هذا الالتزام الشرطي بين الطرفين.