1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب البيع‏
  10. /
  11. فصل في شروط المتعاقدين‏
الأول: البلوغ (۱)، فلا يصح بيع الصبي و إن كان مميزا و كان بإذن‏ الولي إذا كان مستقلا في إيقاع المعاملة (۲). نعم، لو كانت المعاملة بين البالغين الكاملين و كان الصبي كمجرد الآلة لا بأس به (۳).

البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصل.

و أخرى‏: بحسب الأدلة العامة.

و ثالثة: بحسب الأدلة الخاصة.

و رابعة: بحسب كلمات الأعلام قدس سرّهم و يجري هذا البحث في إنشاءات الصبي مطلقا عقدا كان أو إيقاعا.

أما الأولى: فمقتضى الأصل عدم اعتبار البلوغ، لأن المسألة من صغريات الشك في الشرطية بعد صدق العقد عرفا على عقد الصبيان أيضا.

و ما يقال: من أن المورد من موارد جريان أصالة عدم النقل و الانتقال، و قد ثبت في محله أن الأصول الموضوعية مقدمة على الأصول الحكمية.

باطل: لأنه فيما إذا شك في أصل الصدق العرفي لا ما إذا أحرز ذلك و شك في أصل تشريع شي‏ء فيه جزءا أو شرطا، فإن المرجع فيه البراءة.

أما الثانية: فإن أصالة الإطلاق و العموم في الأدلة العامة لكل عقد تشمل الصبي و غيره، فتطابق الأصلان على عدم اعتبار البلوغ في العاقد مطلقا.

أما الثالثة: فاستدل.

تارة: بقول علي عليه السّلام: «إن القلم رفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ»۱.

و أخرى‏: بحديث: «عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة»۲، و خبر ابن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: «و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة»۳.

و الكل قابل للخدشة. إذ الأول: مردد بين رفع الإلزام أو المؤاخذة التي هي من آثاره، أو رفعه مطلقا حتى يكون كالبهائم و غير المميز و تعين الأخير يحتاج إلى دليل و هو مفقود، و المنساق منه بالقرائن المغروسة في الأذهان هو الأول يعني: إنه ليس كالبالغ في التشديد عليه في جعل القانون و في جزائه، و الظاهر كونه بهذا المعنى من المسلمات بين جميع ملل الدنيا و لا تختص بشرع الإسلام كما لا يخفى. كما لا ريب في الملازمة بين رفع الإلزام و المؤاخذة فأيهما رفع يلزمه رفع الآخر.

و الثاني: سياقه سياق الجنايات و الأخذ بإطلاقه خلاف طريقة الشرع و العقلاء، لأن الكل يستحسنون من الصبيان أفعالهم الحسنة و يستقبحون أفعالهم القبيحة، مع أن الخطأ لا يتصف بالحسن و القبح، و كيف يصح التعميم مع كثرة اهتمام الشارع بتعلم الصبيان معارف الإسلام و ترغيب أوليائهم إلى ذلك، مع انه قد ورد هذا التعبير في الأعمى أيضا4، و لم يحتمل أحد فيه التعميم، و أما جواز الأمر في قول أبي جعفر عليه السّلام: «لا يجوز أمر الغلام في الشراء و البيع» فالمنساق منه في موارد استعمالاته النفوذ التصرفي الاستقلالي، و بقول مطلق و هو مسلّم لا ريب فيه، و لكنه أعم من بطلان عقوده و إيقاعاته مع تحقق‏ سائر الشرائط و مجرد هذا الاحتمال يكفي في سقوط الاستدلال به.

و بالجملة: لا يجد العرف فرقا بين إخباراته و إنشائه في صحة الأولى مع اجتماعها للشرائط دون الثانية، كيف و من مفاخر بعض الأنبياء انه آتاه اللّه الحكم صبيا٥، و من فضائل علي عليه السّلام انه أسلم صبيا، و قد أثبتت العلوم الحديثة علما خاصا لاستكشاف مراتب عقل الصبيان و فطنتهم من أفعالهم، و قد جرب ذلك فكيف تكون تلك الأفعال الكاشفة عن الاستعدادات التكوينية و العقول الفطرية خطأ، مع أن هذه المسألة العامة البلوى بين الناس في جميع الأزمنة و الأمكنة لا بد و أن يعتني الشارع بها اعتناء كثيرا و أن يهتم الناس بالسؤال فيها في أعصار المعصومين عليهم السّلام فكيف أهمل حتى ظهر الإجماع بعد قرون.

و أما خبر السكوني عن الصادق عليه السّلام: «نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فإنه إن لم يجد سرق»٦، فالاستدلال به على الجواز أولى، لظهوره في أن المحذور شي‏ء آخر و هو احتمال السرقة، و لو كان نفس الكسب من حيث هو باطلا و فاسدا لكان التعليل به أولى من التعليل بذلك كما هو واضح، و يدل عليه وحدة سياقه مع صدره المتكفل لكسب الإماء معللا:

«فإنها إن لم تجد زنت»۷، مع انه لا ريب في صحة كسب الإماء.

و أما قول علي عليه السّلام: «المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطأ تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم»۸، فالسياق العرفي المحاوري منه أن قوله عليه السّلام: «و قد رفع عنهما القلم» كالبيان لقوله عليه السّلام: «عمدهما خطأ»، فلو اكتفى عليه السّلام بإحدى الجملتين لتم الحكم، فلو قال عليه السّلام: «عمدهما خطأ» صح و تمَّ، و كذا لو قال عليه السّلام: «قد رفع عنهما القلم» لأن متعارف الناس يفهمون أنه مع رفع القلم لا إلزام و لا عقوبة بالنسبة إليهما، و لكن القوم أطنبوا في‏ فقه الحديث خصوصا بعض مشايخنا قدس سرّهم.

و خلاصة القول إن المحتملات في قوله عليه السّلام: «و قد رفع عنهما القلم» أربعة.

الأول‏: البيانية و هو الذي ينساق إلى أذهان متعارف أهل اللسان، و يقتضيه لحن كلام المعصومين عليهم السّلام، حيث إنه ليس بنائهم على التعقيد و الإجمال في بيان أحكام اللّه تعالى مع عدم بنائهم غالبا على بيان العلية و المعلولية للحكم، كما لا يخفى على من تدبر كلماتهم المباركة.

الثاني‏: أنه علة لثبوت الدية على العاقلة.

الثالث‏: أنه معلول لقوله عليه السّلام: «عمدهما خطأ».

الرابع‏: أنه لا ربط له بذلك كله أبدا، بل هو في مقام بيان رفع العقوبة دنيوية كانت- كالحدود مثلا- أو أخروية مثل العقاب المستلزم لرفع الإلزام المستلزم لرفع العقوبة و العقل السليم يحكم بالأخير.

ثمَّ إنهم قالوا: إن الثمرة بين الثاني و الثالث تظهر في الأمور المتقومة بالقصد مثل الإتلافات، فبناء على العلية تشملها مع تحقق الضمان فيها قطعا، فلا بد من إخراجها بالتخصيص و السياق آب عن التخصيص، و بناء على المعلولية فهي غير داخل حتى نحتاج إلى التخصيص، و قد ظهر مما ذكرناه ان أصل المبنى فاسد، فلا وجه للبحث عن الثمرة و إن شئت التفصيل فراجع المطولات.

أما الجهة الرابعة: فتكرر في كلماتهم نقل الإجماع على اعتبار البلوغ في العقود و الإيقاعات، و الشهرة الفتوائية و السيرة العملية حتى بين المتدينين.

و يظهر عن جمع عدم الاعتبار بهذا الإجماع منهم العلامة، و ولده، و المحقق الأردبيلي و غيره، و الشهرة استنادية، و السيرة أعم من الاشتراط و من مطلق التنزه عن أفعال الصبيان المعلوم فيه الرجحان، فالحكم بلا دليل و طريق الاحتياط واضح.

و يمكن أن يجعل النزاع لفظيا فمن اشترط أي: فيما إذا لم يلتفت إلى الخصوصيات المعتبرة فيها و الاستيذان من الولي، كما هو الغالب في الصبيان بل الأصل فيهم، و من لم يشترط أي: فيما إذا التفت و توجه و استأذن و إن كانت الكلمات آبية عن هذا الجمع، و يدل على ما قلناه قوله عليه السّلام: «إذا احتلم و عرف الأخذ و العطاء»۹، إذ يستفاد منه إنه لا موضوعية للبلوغ من حيث هو و إنما هو طريق لمعرفة الأخذ و الإعطاء، فكلما تحققت هذه الجهة تصح معاملاته و عقوده و في غيره لا يصح و إن كان بالغا.

إلا أن يقال: إن ذلك من الحكمة لا العلية، و يدل عليه أيضا ما مر من خبر السكوني حيث علل عليه السّلام فيه النهي بغير الصغر لا أن يعللها به.

ثمَّ إن تصرفات الصبي إما في نفسه أو في ماله لضرورياته، أو في حوائجه العرفية، و مقتضى قاعدة السلطنة جواز الجميع، و يأتي في كتاب الحجر بعض الكلام.

لإطلاق الأدلة على فرض الصحة الشامل لجميع ذلك.

لأن المتيقن من إجماعهم الذي هو عمدة الدليل على فرض اعتباره غير هذه الصورة قطعا.

ثمَّ إنه يظهر من مشهور الفقهاء إن الصبي مسلوب العبارة مطلقا، فلا يصح أن يكون وكيلا للغير في إجراء الصيغة و لو بإذن الولي، فتكون عبارات الصبي كعبارات الهاذل و النائم و لا دليل لهم على ذلك غير ما تقدم، و تقدمت المناقشة فيها، و لعلهم أرادوا ما إذا لم يلتفت إلى الخصوصيات المعتبرة في العقود و الإيقاعات كما هو الغالب فيكون النزاع صغرويا.

(مسألة ۱): بيع الصبيان.تارة: يكون بلا اجتماع الشرائط و لا ريب في البطلان (٤). و أخرى يكون مع اجتماع الشرائط حتى اذن الولي (٥). و ثالثة: يكون مع اجتماع الشرائط غير اذن الولي (٦)، و لو شك في أن بيع الصبي جامع للشرائط أو لا فيحمل على الصحة (۷)، و لا فرق فيما تقدم بين الجليل و الحقير (۸).

بلا خلاف فيه عند الكل.

و هذا هو الذي نسب إلى المشهور البطلان، و قلنا إنه لا دليل لهم عليه.

مقتضى الأدلة الصحة لو أذن الولي و يصير من صغريات الفضولي، و لكن يظهر من المشهور البطلان و عدم الأثر لا جازته، لكونه مسلوب العبارة كما مر و لا دليل لهم عليه.

لقاعدة الحمل على الصحة و شمول أدلة القاعدة له أيضا.

لإطلاق الدليل جوازا أو منعا.

(مسألة ۲): يجوز تملك الصبي للمجانيات كالهبات و العطيات، و الصدقات (۹).

للإطلاقات و العمومات و السيرة، و يظهر ذلك من جملة من الاخبار، ففي صحيح يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين أ يعطي الصغار و الكبار سواء و النساء و الرجال، أو يفضل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟ فقال عليه السّلام: كلهم سواء»۱۰، و في خبر أبي بصير قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يموت و يترك العيال أ يعطون من الزكاة؟ قال عليه السّلام: نعم حتى ينشأوا و يبلغوا»۱۱، و في خبر أبي خديجة قال الصادق عليه السّلام: «ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة، كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا»۱۲، إلى غير ذلك من الاخبار.

(مسألة ۳): تثبت الوضعيات غير المتوقفة على القصد بالنسبة إلى الصبيان كالنجاسة، و الطهارة و الجنابة و نحوهما (۱۰) و أما الضمانات المالية و الجنائية ففيها وجهان (۱۱).

لإطلاق الأدلة، و عدم الخلاف من أعلام الملة.

من عدم اختصاص الوضعيات بالبالغين فتعم الجميع. و من سيرة المتشرعة حيث يستنكرون تضمين غير المميز أو وليه و يرونه كالحيوان، مع احتمال انصراف أدلتها عنه أيضا. مع أن الإتلاف الموجب للضمان متقوم بالقصد عرفا، و لا يتحقق هذه القصد من غير المميز و النائم و الحيوان، و هناك فروع أخرى مهمة نتعرض لها في محالها.

(مسألة ٤): عبادات الصبي صحيحة شرعية مع اجتماع الشرائط (۱۲)، و المشهور صحة وصيته إذا بلغ عشرا (۱۳).

لوجود الملاك و الأمر الشرعي، و إمكان قصد التقرب.

نعم، من بعض حكم التشريع عليهم التمرين، و ذلك لا يوجب قصر حكم المشروع على خصوصه كما هو واضح و تقدم مكررا في قسم العبادات فراجع‏۱۳.

نصا۱4، و فتوى على ما يأتي تفصيله في كتاب الوصية. و عن جمع‏ من القدماء صحة طلاقه و وقفه إذا بلغ عشرا، و يأتي تفصيل القول في ذلك كله في محله إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنه يتحقق البلوغ الموجب لصحة العقد في كل من الذكر و الأنثى بنبات الشعر الخشن على العانة و لا اعتبار بالزغب و الشعر الضعيف، و بخروج المني نوما أو يقظة بجماع أو غيره، و بالسن و هو في الذكر إتمام خمسة عشر سنة و في الأنثى إتمام تسع سنين، و يتحقق في الأنثى بالحيض أيضا، و يأتي تفصيل ذلك كله في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى.

(مسألة ٥): النزاع في ان عقد الصبي صحيح أو باطل لا ثمرة له في هذه الأعصار، و ينحصر مورد العقد بالنكاح و الإيقاع بالطلاق (۱٤).

لأن جميع المعاملات تقع بالمعاطاة، و حينئذ فإن علم إنه آلة للولي فيصح بلا إشكال، و إن شك فيه يحمل فعله على الصحة، لأنه مسلم و إن علم العدم فتتوقف الصحة على إذن الولي.

الثاني: العقل فلا يصح بيع المجنون (۱٥). الثالث: القصد فلا يصح بيع النائم و الهازل و الغالط و الساهي (۱٦).

لإجماع المسلمين، بل جميع العقلاء، و ما تقدم من النص و يصح من الأدواري في دور إفاقته مع تحقق سائر الشرائط.

لبناء العقلاء كافة على أن ما لا قصد فيه ساقط عن الاعتبار مطلقا، و المراد بهذا القصد القصد الجدي الاستعمالي على ما هو معتبر في جميع المحاورات الإنسانية بفطرة عقولهم، و هو في الأخباريات قصد حكائي و في الإنشائيات قصد إنشائي، و كل منهما مما ارتكز في نفوس الأنام في نظامهم الاجتماعي بلا فرق بين الخواص و العوام.

و لو شك في تحقق القصد في المتعاقدين فمقتضى قاعدة الصحة و ظاهر حال العقلاء في محاوراتهم التحقق إلا مع القرينة على الخلاف. و خلاصة المقال: إن الإنشاء مطلقا استعمال اللفظ، و كل استعمال إنشائي متقوم بقصود ثلاثة.

۱- قصد اللفظ.

۲- قصد استعمال اللفظ في المعنى جدا.

۳- قصد كون هذا الاستعمال الجدي بعنوان تحقق المعنى خارجا لا لأجل الفرار عن توعيد المكره (بالكسر) و نحوه، و يأتي بيان اعتبار القصد الثالث في المسألة التالية، و هذه القصود الثلاثة ارتكازية و لا يلزم أن يكون التفاتيا و لو إجمالية فضلا عن التفصيلية.

(مسألة ۱): لا يصح وحدة البائع و المشتري بأن يبيع شخص ماله لنفسه و يشتريه لنفسه بماله (۱۷)، و يصح أن يكون البائع أو المشتري أو كلاهما كليا، كما يجوز أن يكون شخصا خارجيا فيهما أو في أحدهما، و يجوز الاختلاف بأن يكون أحدهما كليا و الآخر شخصيا خارجيا، بل يجوز أن يكون أحدهما أو كلاهما فردا مرددا بعد أوله إلى التعيين (۱۸).

و هذا من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى تعرض الفقيه له.

كل ذلك للإطلاقات و العمومات بعد تحقق الغرض العقلائي فيه.

نعم، الغالب هو الشخص فيهما، و ذلك لا يوجب التقييد و التخصيص كما ثبت في محله، فتكون الوضعيات في هذه الجهة كالتكليفيات في تصور الوجوب العيني و التخييري و الكفائي فيها، و لا محذور فيه عقلا و نقلا، إذ الاعتباريات خفيف المؤنة جدا يتوسع فيها بكل ما أمكن ما لم يقم دليل معتبر على الامتناع من شرع أو عقل، و هو مفقود إلا بعض الأمور التي لم تتم دلالتها مثل لزوم بقاء الملك بلا مالك في الأول و عدم الجزم في العقود، و عدم الدليل على تأثير التعيين المتعقب في الأخير.

و الجميع مردود، لأنه تكفي إضافة الملك إلى المالك مجرد صحة اعتبار الإضافة عرفا كما في مالكية السادة للخمس، و الفقراء للصدقات، و النماء بالنسبة إلى الأوقاف الخاصة و العامة و غير ذلك. و الجزم حاصل وجدانا.

و الأخير: عين المدعي فكيف يجعل دليلا.

ثمَّ ان كل ملكية محفوفة باعتبارات ثلاثة.

الأول‏: اعتبار نفس المالكية.

الثاني‏: اعتبار المالكية.

الثالث‏: اعتبار المملوكية، و لا تلازم عقلا أو شرعا بين التبدل في أحديها و التبدل في الآخرين فقد يتبدل المالك مع بقاء عين المملوك كما في الهبة المجانية و الإرث، و قد يتلازم تبدل المالك لتبدل الملك كما في المعاوضات المالية كالبيع و غيره و هذه هي حقيقة المعاوضات، و أما ان من خرج من ملكه العوض لا بد و أن يدخل المعوض في ملكه فهو أمر غالبي لا أن يكون من المقومات كما أشرنا إليه سابقا، فيصح أن يقول أحد لآخر: اشتر بمالي لنفسك شيئا و إن كان خلاف الاحتياط خروجا عن خلاف العلامة و من تبعه.

(مسألة ۲): لا يعتبر في قوام المعاوضة تعيين من يبيع و من يشتري و العلم به (۱۹) إلا فيما إذا كان هناك غرض صحيح في البين كبيع الكلي، أو الشراء بثمن كلي (۲۰).

للإطلاق بعد صدق البيع بدونه عرفا.

لأن التعيين هنا معتبر من باب الوصف بحال المتعلق لا من باب الوصف بحال الذات بمعنى اعتباره في قوام المعاوضة، و كما في النكاح حيث أن تعيين الطرفين لازم، لتعلق الغرض به، فالمدار كله على تعيين ما يختلف الرغبات باختلافه و هو يختلف باختلاف العقود كما لا يخفى.

(مسألة ۳): لو كان أحد المتعاقدين أو كلاهما يعقد عن الغير- وكالة أو ولاية.فتارة: تكون في البين قرائن خاصة معتبرة معلومة على الوكالة أو الولاية فيصح حينئذ توجيه الخطاب إلى نفس العاقد من دون ذكر الوكالة أو الولاية (۲۱). و أخرى تكون هنا قرينة عامة ظاهرة في ان المخاطب ملحوظ بالعنوان الأعم من المباشرة أو الوكالة و الولاية كما في المعاوضات فيصح حينئذ توجيه الخطاب إلى نفس الطرف من دون ذكر الولاية أو الوكالة (۲۲). و ثالثة: لا يكون كذلك فلا بد من ذكرهما (۲۳).

لشيوع مثل هذه الإطلاقات و الاستعمالات في المحاورات و الأدلة وردت على طبقها هذا إذا كانت تلك القرائن لفظية، و كذا لو كانت حالية معلومة معتبرة عند أبناء المحاورة، لفرض إنها صارفة لظاهر اللفظ إلى المراد و المقصود في الواقع.

و دعوى: أنه لا بد في العقود اللفظية من الاعتماد على القرائن اللفظية دون الحالية.

لا شاهد عليه بعد كون عنوان الإنشاء لفظيا عرفا و كانت القرينة الحالية من سنخ المداليل السياقية العرفية فليس هذا خروجا عن اللفظ في العقود اللفظية بعد اعتباره في المحاورات، و اعتمادهم عليه في بيان مقاصدهم، و لكن الأحوط عدم الاعتماد على القرائن الحالية و لو كانت واضحة خروجا عن مخالفة شبهة الإجماع خصوصا في النكاح.

لفرض ان المخاطب ملحوظ بالعنوان الأعم.

لأصالة عدم ترتب الأثر بدونه و الشك في شمول الأدلة لمثله. و لو لم يذكر يمكن تصحيحه بعد ذلك بإجازة من له العقد، لصدور العقد بلا اقتضاء و بالإجازة يصير مما فيه الاقتضاء فتشمله الأدلة كما لا يخفى.

(مسألة ٤): لو نذر أن لا يعقد مع شخص فعقد معه فهل يبطل أصل‏ العقد (۲٤) أو يصح و أن فعل حراما و تتعلق به الكفارة (۲٥)؟ الظاهر صحة العقد (۲٦)، و كذا لو نذر أن لا يبيع ماله بأقل من ألف دينار- مثلا- فباعه بالأقل.

لتعلق النهي به فيبطل.

لأن الحرمة التكليفية لا تنافي الصحة الوضعية كما في بيع وقت النداء، أو مع نهي الوالدين مثلا.

لما مر من ان هذه النواهي ظاهرة في التكليفية.

الرابع: الاختيار (۲۷)فلا يصح البيع من المكره (۲۸)، و المرجع فيه انما هو العرف (۲۹)، و يصح بيع المضطر إليه (۳۰) و إن كان حاصلا من إلزام الغير لشي‏ء، كما إذا ألزمه ظالم على دفع مال فاضطر إلى بيع داره لدفع ذلك المال إليه (۳۱)، و لا فرق‏ في الضرر المتوعد به بين ان يكون متعلقا بالمكره بنفسه أو عرضه أو ماله، أو تعلق بمن يرتبط به كاولاده و عياله ممن يكون الضرر عليهم ضرره (۳۲)، و لو رضي المكره بالبيع صح و لزم (۳۳).

للأدلة الأربعة فمن الكتاب قوله تعالى‏ وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ‏۱٥، و من السنة قوله صلّى اللّه عليه و آله: «رفع عن أمتي تسعة أشياء، الخطأ، و النسيان، و ما أكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطروا عليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا»۱٦. و من الإجماع إجماع المسلمين بل العقلاء. و من العقل حكمه الفطري بقبح الظلم، لأن أكل مال الغير بلا طيب نفسه ظلم عليه، و هو قبيح و المتعارف من الناس لا يرون العقود و الإيقاعات الإكراهية سببا لحصول مسبباتها في الخارج و الأدلة الشرعية تشير إلى هذا المعنى المركوز في الأنفس و الأذهان، و ليس ذلك من التعبديات حتى نحتاج إلى بعض التطويلات.

و إنما البحث في جهات لا بد و أن نشير إليها إجمالا.

الأولى‏: مورد الكلام هنا إنما هو في المكره بغير حق، و أما المكره بالحق- كالمحتكر و بيع الطعام على المشرف على الهلاك أو في مورد إجبار الحاكم الشرعي- فلا ريب في الصحة حينئذ و لا اعتبار بعدم رضاه لقيام رضاء ولي‏ الأمر مقام رضاه، فيكون البيع صحيحا حينئذ إذا استجمع سائر شرائط الصحة التي منها القصد الاستعمالي الجدي، و مع عدم تحققه أو الشك فيه يتولى العقد الحاكم الشرعي، و يشكل جريان أصالة الصحة هنا لمكان الإكراه، لأنه كالقرينة على العدم.

الثانية: القصد إلى الشي‏ء أعم من طيب النفس به وجدانا، فرب فعل مقصود و لا يطيب نفس الفاعل به، و رب أمر غير مقصود و يطيب النفس به كمال الطيب و الرضا، و ما هو المنفي في المكره إنما هو طيب النفس و الرضا لا أصل القصد، فإن قصد استعمال اللفظ و قصد الإنشاء جدا موجود و المفقود إنما هو طيب النفس و الرضاء بما هو إنشاء. و ما نسب إلى جمع منهم الشهيد من إنه لا قصد للمكره لعله أراد الحصة الخاصة من القصد، أي: ما هو المقارن مع طيب النفس فلا نزاع في البين حينئذ.

نعم، طيب النفس و الرضاء على أقسام.

الأول‏: ما يحصل مع الاقتدار و السلطة المطلقة على المعاملة كما يحصل في نوع معاملات الناس لنوعهم.

الثاني‏: ما يحصل أيضا عند عروض الأمور النوعية لنوعهم، كالمعاملات الواقعة عند الضرورات و الاضطراريات بطيب النفس منهم مع وجود السلطة المطلقة منهم على ما لهم و عدم تسلط الغير عليهم، فالسلطة مطلقة لكنهم يوجبون أعمال هذه السلطة المطلقة لأمر أهم من الضرر عند أنفسهم، فيكون هذا الرضاء و طيب النفس من باب الوصف بحال الذات، أي: يحصل لنفس المالك بلا سلطة الغير عليه في ذلك و لا بد من نفوذه و صحته كما هو دأب العقلاء في معاملاتهم الضرورية و الاضطرارية.

الثالث‏: ما يحصل عن سلطة الغير دفعا لشره، و هذه مناف للسلطة المطلقة التي جعلها الشرع و العقلاء في أموالهم، و لو كنا نحن و طبع هذه السلطة المقهورة تحت استيلاء الغير لقلنا ببطلان الإنشاءات المستندة إلى السلطنة المقهورة، لتقومها بطبعها بالاستيلاء و السلطنة القاهرة لا المقهورة و ليس الحكم تعبديا حتى نحتاج إلى حديث الرفع، و لا يكون الموضوع من الموضوعات‏ المستنبطة حتى نحتاج إلى مراجعة كلمات الفقهاء، بل الحكم وجداني عرفي يكون الفقيه هنا تابعا للعرف لا العكس.

و من ذلك يظهر ما في جملة من الكلمات حتى ما عن بعض مشايخنا۱۷، قدس سرّهم، و كنا نستشكل عليه و كان في مقام الجواب و لم يأت بشي‏ء يروي الغليل، و قد طبعت حاشيته الشريفة على المكاسب بنحو ما كان يباحث و كان كثيرا ما يقول أريد أن أراجع مرة أخرى في حواشي المكاسب و الكفاية، و لم يوفق حتى أدركته المنية جمع اللّه بينهم و بين صاحب الشريعة في أعلى غرف الجنان.

و بالجملة: كما تعتبر الملكية الطلقية في العوضين تعتبر السلطنة المطلقة في إنشاء المتعاقدين فمع مقهورية السلطنة فيه لا أثر في البين، و كذا في جميع الأفعال الصادرة عن عمد و اختيار، فإن مقتضى مرتكزات العقلاء في ترتب الأثر كون الفاعل المختار قاهرا في فعله و إرادته لا أن يكون مقهورا، و الظاهر وضوح الأمر بعد الرجوع إلى الوجدان.

و بعبارة أوضح يعتبر الاختيار في جميع الأفعال و الأقوال الاختيارية، و معناه كون المراد تحت الإرادة الاستقلالية بلا مقهورية في البين في مشية الفعل أو مشية الترك، و مع انتفاء القاهرية في إحدى المشيتين يخرج المورد عن الاختيار تخصصا.

إن قيل: فعلى هذا جميع موارد الإلزامات الشرعية من الإكراه، لمقهورية إحدى المشيتين فيها.

يقال: في موارد الامتثالات الشرعية إرادة الامتثال مستقلة و قاهرة و داعي الامتثال تبع للشرع و لا يصدق الإكراه عليه عرفا و لو فرض صدقه فهو من الإكراه بالحق الذي تقدم انه خارج عن مورد البحث. فيصح ما تقدم من الاستدلال بالأدلة الأربعة للمقام و لا وجه للمناقشة في الاستدلال بالآية الكريمة، و بحديث: «لا يحل مال مرء مسلم إلا بطيب نفسه»۱۸، كما عن جمع من محشى المكاسب بوجود الرضاء و طيب النفس في المعاملات الإكراهية و ذلك لأن المعتبر فيها إنما هو الرضا و طيب النفس القاهر لا المقهور تحت إرادة الغير، و لا ريب في أن الرضا و طيب النفس في المعاملات الإكراهية مقهوران تحت إرادة المكره (بالكسر).

الثالثة: الاضطرار في الاستعمالات المحاورية أعم من الإكراه، فإنه يطلق.

تارة: على ما إذا لم يكن إرادة في البين تكوينا كحركة يد المرتعش مثلا.

و أخرى على ما إذا اضطر إلى فعل كما في حالات الضرورات التي يلتجأ الشخص إليها، مثل ما إذا اضطر إلى قطع عضو من أعضائه لحدوث مرض فيه و إلا فيسري إلى قلبه فيقتله.

و ثالثة: الاضطرار إلى فعل من جهة توعيد الغير عليه.

و رابعة: الاضطرار إلى شي‏ء من جهة إرضاء الغير الذي لا يجد بدا من إرضائه- كالطلاق مداراة للأهل و إرضاء للوالدين مثلا- و يسمى الأخيرتان بالإكراه أيضا.

و بعبارة أوضح: الإكراه.

تارة، لأجل دفع الشر الذي لا يتحمل.

و أخرى لطلب الرضاء الذي لا بد منه، و يرجع هذا إلى دفع الشر أيضا، لأنه لو لم يطلق مثلا يختل أوضاعه و هو شر و أي شر أشد منه.

الرابعة: تقدم إن الإرادة المقهورة تحت إرادة الغير لا أثر لها عند العقلاء، إلا إذا كان القهر بحكم الشرع فيكون حينئذ بطلان ما يصدر من المكره- عقدا- كان أو إيقاعا مطابقا لهذا الأمر المركوز في الأذهان و المطابقة للقاعدة البنائية العقلائية من بنائهم على الاستقلال في القدرة و الإرادة فيما يتعلق بهم مهما أمكنهم، و هو من أهم أغراضهم فالبطلان لأجل هذه الجهة لا لأجل التعبد و إن لإكراه موضوعية خاصة لأجل ورود النص فيه.

الخامسة: الإكراه و الاضطرار مشتركان في رفع الحكم التكليفي في جميع الموارد نصا۱۹، و إجماعا و يتفاوتان في الحكم الوضعي فإن الإنشائيات الإكراهية- عقدا كانت أو إيقاعات- باطلة بخلاف الاضطرارية منها فإنها صحيحة بالإجماع و السيرة.

ان قيل: أن مقتضى عموم حديث رفع الاضطرار۲۰، شموله للإنشائيات الاضطرارية فلا بد من بطلانها أيضا.

يقال: لا وجه لبطلانها لأجل الحديث لأنه ورد في مقام التسهيل و الامتنان، و لو بطل الاضطراريات ربما اختل النظام و وقع الناس في ضيق شديد لا يليق بالشارع الرضاء به و الترخيص فيه.

نعم، ظاهرهم الإجماع على عدم رفع الحكم التكليفي في الإكراه الرضاء الغير في غير التقيد فيكون هذا خارجا عن العموم لظهور الإجماع.

لما تقدم من اعتبار تحقق القصد و الإرادة الطلقية الاستقلالية في العقود و الإيقاعات، و في مورد الإكراه لا يكون القصد و الإرادة استقلالية و طلقية.

لأنه من الموضوعات العرفية المختلفة باختلاف الأشخاص و النفوس، و الجامع بين الجميع تحقق الخوف في المكره (بالفتح) على ترك العمل المكره عليه من التخويف بإيقاع الضرر على تركه.

بإجماع المسلمين، بل بضرورة الفقه إن لم تكن من الدين.

لعدم إكراه في بيع الدار لا لغة و لا عرفا و لا شرعا.

نعم، هو غير ملائم للنفس، و يكون كرها و هما أعم من الإكراه بلا إشكال، إذ ليس كل كره إكراها كما هو معلوم، و لو بطلت المعاملات الكرهية و غير الملائمة للنفس لعم البطلان جملة كثيرة من معاملات الناس.

لصدق الضرر بالنسبة إليه في جميع ذلك عرفا، مع ان ظاهرهم الإجماع على هذا التعميم، و الظاهر شموله للصديق الذي يعد ضرره إضرارا به، و لا يعتبر في الضرر أن يكون كثيرا، بل يكفي مطلق وجوده بعد إن كان ضررا عرفا، و قد يكون الفحش و الهتك و الإيذاء و التوهين ضررا و أي ضرر أعظم منها بالنسبة إلى النفوس العفيفة الآبية.

فتارة: يصدق الإكراه عرفا.

و أخرى يصدق عدمه.

و ثالثة: يشك في الصدق، و في الثاني: يصح العقد، و كذا في الأخير:

للعمومات و الإطلاقات بعد الشك في صدق الإكراه و كون المخصص منفصلا كما ثبت في الأصول.

فرع: لو وقعت معاملة للخوف عن ضرر حيوان أو تلف سماوي أو نحو ذلك لا يكون من الإكراه في شي‏ء، و كذا لو كان الضرر المتوعد به حقا، كما لو قال: بع دارك و إلا قتلتك قصاصا و كان مستحقا للاقتصاص منه.

للإطلاق، و دعوى الاتفاق، و أصالة عدم لزوم مقارنة الرضا مع العقد، فيكون المقتضي حينئذ للصحة و اللزوم موجودا و المانع عنهما مفقودا، فيشمله جميع الأدلة الدالة على الصحة و اللزوم.

و استدل للبطلان حتى مع لحوق الرضا بأمور فسادها غنى عن البيان.

منها: إنه لا موضوع للرضاء اللاحق، لعدم قصد المكره للفظ.

و فيه: إنه خلاف وجدان المكرهين.

و منها: إنه ليس قاصدا للمعنى الاستعمالي.

و منها: عدم قصده لوقوع مضمون العقد في الخارج.

و فيهما: عين ما تقدم في الوجه الأول بلا فرق، لأنه قاصد للاستعمال، و لوقوع مضمون العقد فرارا عن التوعيد و ضرر الوعيد.

و منها: إن إنشاء المكره ليس بداعي الوقوع في الخارج، فلا موضوع للرضاء اللاحق.

و فيه. أولا: إن هذا الداعي موجود لكن الداعي على حصول هذا الداعي هو الإكراه، و لا دليل على كونه مانعا.

و ثانيا: على فرض عدم تحقق هذا الداعي لا يضر ذلك بتحقق الإنشاء الذي يصلح أن يكون متعلق الرضاء اللاحق، لأن تخلف الدواعي في الإنشائيات كثير.

و منها: انصراف أدلة اللزوم و الصحة إلى مقارنة الرضاء، فلا ينفع الرضاء اللاحق.

و فيه: إنه على فرض تسليمه غالبي لا اعتبار به، مع إنه لا وجه له من عقل أو نقل.

و منها: ان ظاهر قوله تعالى‏ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ‏۲۱، إنما هو حدوث التجارة عن التراضي الفعلي، و مع عدم فعليته حين حدوثها لا وجه لصحتها.

و فيه: إن التجارة عن التراضي موضوع عرفي إلى أن يكون من الدقيات العقلية، و لا من التعبديات الشرعية التي لم تكن، فحصلت بالتعبد و إذا راجعنا المتعارف بين التجار و المتعاملين يحكمون بأنه لا فرق في شؤون التجارة عن الرضاء بين مقارنته لها أو لحوقه بها، لأن ذلك كله من الاعتباريات التي تدور مدار صحة الاعتبار أينما دار، و من قال بصحة الفضولي من حيث مطابقة القاعدة يلزمه القول بالصحة هنا بالأولى.

و منها: إن مفاد حديث الرفع‏۲۲، فرض ما وقع عن إكراه كالعدم من كل جهة، و ما كان معدوما شرعا كيف يلحقه الرضا.

و فيه: إن الرفع جهتي لا من كل جهة، فكلما كان فيه تضييق على الأمة يرفع، و ما ليس فيه كذلك بل فيه التوسعة لا وجه لرفعه، لأنه مناسب للامتنان و التوسعة على الناس في الشريعة التي بنيت على التوسعة و التسهيل، و صحة بيع المكره بعد الإجازة توسعة و امتنان بلا إشكال.

و بعبارة أخرى يلحظ في عقد المكره جهات ثلاثة:، فعلية التأثير كسائر العقود المؤثرة فعلا، و اقتضاء التأثير معلقا على الرضاء، و اللغوية المحضة لأجل الإكراه. و المتعارف يحكمون بأنه يكفي في الامتنان و التسهيل في رفع الإكراه نفي فعلية التأثير فقط. و أما التأثير الاقتضائي التعليقي فلا ربط له بالإكراه حتى يشمله الحديث.

و ما يقال: من إنه بعد رفع فعلية التأثير لا وجه لبقاء الاقتضاء.

مردود: و إن فصل فيه الكلام، لأن هذا تحليل عقلي و عرفي و للعقل، بل العرف أن يحلل الشي‏ء الواحد ما كان للفكر فيه مجال و للنظر فيه مساق.

فتلخص،: أن الصحة و اللزوم بعد الرضاء موافق لما هو المغروس في أذهان الناس و هو المنساق من مجموع الأدلة الشرعية بلا شبهة و التباس.

إن قيل: فليكن في عقد الهازل أيضا كذلك مع أن أحدا لا يقول فيه بذلك.

يقال: العرف يحكم بالتفرق بينهما فإنه يرى اللفظ الصادر من الهازل لغوا أصلا فلا موضوع للرضاء حينئذ ثمَّ انه هل يكون الرضاء المتأخر ناقلا و كاشفا يأتي التعرض له في بيع الفضولي إن شاء اللّه تعالى فراجع و تأمل.

(مسألة ۱): لو شك في انه مكره أم لا صح عقده و لزم (۳٤).

للإطلاقات، و العمومات، و أصالة الصحة و اللزوم في صحة عقده و لزومه بعد عدم صحة التمسك بأدلة الإكراه، لكونه من التمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، و مع جريان أصالة الصحة و اللزوم لا تجري الأصول الأخر.

(مسألة ۲): لو حصل منه الرضاء و طيب النفس فعلا مع الإكراه لأجل الجهل بالحكم، أو اعتقاد أنه لا بد من طيب النفس في مورد الإكراه أيضا ففي صحة العقد (۳٥) إشكال (۳٦).

للإطلاقات و العمومات، و لا يصح التمسك بأدلة الإكراه لما تقدم في الفرع السابق.

لفرض وجود الإرادة المقهورة تحت إرادة الغير واقعا فيشكل التمسك بالإطلاقات و العمومات حينئذ أيضا.

(مسألة ۳): لو اعتقد الإكراه و أوقع العقد فبان عدمه يشكل الصحة (۳۷)، و يصح في العكس (۳۸).

لمقهورية إرادته من جهة خوف التوعيد الموجود في نفسه.

لاستقلال الإرادة حينئذ.

(مسألة ٤): لا يعتبر عدم إمكان التفصي بالتورية في الإكراه (۳۹)، فلو اكره على البيع فباع قاصدا للمعنى مع إمكان التورية بأن لا يقصد المعنى أصلا أو يقصد معنى آخر غير البيعة يكون مكرها و لا أثر لبيعه إلا بعد الرضاء به عن اختيار (٤۰).

لإطلاق الأدلة و عدم الإشارة إلى اعتبار هذا الشرط في شي‏ء منها مع كون المسألة مورد الابتلاء، و لصدق الإكراه عرفا حتى مع القدرة عليها و عدم التقصي بها، و يشهد لذلك قول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يمين في قطيعة رحم، و لا جبر، و لا في الإكراه، قلت: أصلحك اللّه فما فرق بين الجبر و الإكراه؟ فقال عليه السّلام:

الجبر من السلطان و يكون الإكراه من الزوج و الأم و الأب و ليس ذلك بشي‏ء»۲۳.

و دعوى: عدم صدق الإكراه مع القدرة عليها، أو انصراف الأدلة عن هذا القسم.

مخدوش: إذ الأول مخالف للعرف و الوجدان، و الثاني: على فرضه بدوي لا اعتبار به.

لصدق المكره عليه في المحاورات العرفية التي هي المناط في الاستظهار من الأدلة و إن فرض إنه لا يصدق عليه بالدقة العقلية التي لا اعتبار بها في الفقه مطلقا.

(مسألة ٥): لو تمكن من تخليص نفسه عن ضرر المكره بالاستعانة بمن يقتدر على ذلك، بلا ضرورة حينئذ و مشقة و مع ذلك لم يفعل لا يكون مكرها (٤۱).

لعدم صدق المكره عليه لا عرفا و لا لغة و لا شرعا، إذ ليس المراد بالإكراه مجرد التوعيد القولي من المكره (بالكسر)، بل هو التوعيد الذي لا يلام المكره على تحمله و لو أمكنه التخلص بسهولة، و مع ذلك فعل المكره (بالفتح) يلام على ذلك كما هو معلوم بالرجوع إلى الوجدان و السيرة المستمرة في جميع الأزمان.

(مسألة ٦): لا فرق في الإكراه بين الوضعيات و التكليفيات من حيث الموضوع، فإذا تحقق الإكراه على محرم من المحرمات يرتفع حرمة، و كذا الوجوب عند الإكراه على تركه (٤۲).

لحديث الرفع‏۲4، و بناء العقلاء على سقوط التكليف عند الإكراه‏ على ارتكابه.

ثمَّ ان المرجع في تحقق الإكراه فيها أيضا هو العرف و الوجدان فمهما حكما بتحقيقه يترتب الأثر و لا يتحقق إلا مع عدم القدرة على التقصي، فمن أكره على فعل حرام و هو يقدر على مدافعة المكره و فعله مع ذلك لا يكون ذلك من الإكراه في شي‏ء، و القدرة على التفصي يختلف اختلافا كثيرا بالنسبة إلى الأشخاص، و يمكن أن يختلف بحسب اختلاف مراتب التكليف فلا بد و أن تعمل القدرة على التفصي عند الإكراه على الزنا أكثر من أعمالها على الإكراه على محرم جزئي آخر لا حد فيه و لا تعزير لا يخفى على الخبير.

فرع: داعوية الإكراه لإتيان المكره عليه.

تارة: تكون بنحو الاستقلال و العلية التامة المنحصرة، و لا ريب في شمول أدلة رفع الإكراه لهذه الصورة.

و أخرى تكون بنحو دخل داع اختياري آخر بنحو التبعية، بحيث لو لم يكن الداع الاختياري لأتى بالعمل المكره عليه بداع الإكراه، و مقتضى إطلاق أدلة رفع الإكراه الشمول لهذه الصورة أيضا.

و ثالثة: يكون بالعكس، فيكون داعي الإكراه تبعا بحيث لو لم يكن إكراه لأتى بذلك العمل على أي تقدير.

و رابعة: يكون كل منهما في عرض الآخر بحيث لو لم يكن أحدهما يكفي الآخر في الداعوية و إتيان العمل، و المنساق إلى الأذهان العرفية عدم كون الصورتين الأخيرتين من الإكراه و تقدم في داعوية قصد القربة في العبادات ما ينفع المقام.

(مسألة ۷): لو أكرهه على احد أمرين إما بيع داره أو عمل آخر فباع داره فإن كان في الشي‏ء الآخر محذور ديني أو دنيوي يتحرز منه و لا يطيب نفسه بوقوعه وقع البيع مكرها عليه و إلا وقع مختارا (٤۳).

أما في الصورة الأولى فلكون كل واحد من طرفي التخيير مما يتحرز منه، فقد وقع الإكراه بالنسبة إلى الجامع بينهما فيتحقق الإكراه في كل واحد من‏ الطرفين لغة و عرفا، و أما في الصورة الأخرى فليس الجامع مما يتحرز منه، و يكون اختيار الطرف الآخر من التمكن العرفي السهل لدفع الضرر المتوعد به بلا محذور فيه، و حينئذ فلو اختار بيع الدار يقع ذلك عن طيب النفس و الاختيار فيصح لا محالة.

ثمَّ إنه لو قال الولد لوالده مثلا بعد دارك و إلا اقتل نفسي أو أقتل و باع الدار، فالظاهر كونه من الإكراه.

نعم، لو حصلت له إرادة مستقلة في بيع الدار خوفا عن وقوع الفتنة لا يكون منه، بل يكون من الاضطرار و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات.

(مسألة ۸): لو أكرهه على بيع أحد الشيئين على التخيير فكلما وقع منه كان مكرها عليه (٤٤)، و لو أوقعهما معا تدريجا يقع الأول مكرها عليه دون الثاني (٤٥) و اما لو أوقعهما معا دفعة يصحان معا (٤٦) و لو أكرهه على بيع شي‏ء معين فضم إليه غيره و باعهما معا بطل بالنسبة إلى ما اكره عليه‏ و صح بالنسبة إلى البقية (٤۷).

لصدق الإكراه بالنسبة إليه عرفا و لغة و شرعا فإنه بالنسبة إلى القدر المشترك الموجود في كل واحد منهما و الخصوصية الدقية العقلية الخارجية خارجة عن مورد الإكراه عرفا، و لو كانت هي أيضا مناط تحقق الإكراه لما يتحقق إكراه أبدا إذ ما من فعل مكرها عليه إلا و يكون بعض خصوصياته مورد الاختيار.

لانطباق عنوان الإكراه و دفع الضرر المتوعد به على الأول قهرا، فيكون كالواجب التخييري الذي أتى بأحد فرديه ثمَّ أتى بالفرد الآخر، فلا وجه لكون الثاني مورد الإكراه و لا كون الإكراه داعيا على الإتيان به فلا محالة يكون مورد الإرادة الاستقلالية لا التبعيّة المقهورة، بل لو قصد به الإكراه يمكن أن يكون قصده لغوا لعدم موضوع له بعد انطباق الإكراه على الأول.

لصدق إنه أتى بالبيع عن الاختيار و طيب النفس، و الإكراه بمعنى‏ التوعيد و إن كان موجودا أيضا،: و لكنه مضحمل في مقابل الاختيار و طيب النفس الموجود فعلا.

و بالجملة: العرف يرى هذا العمل غير العمل المكره عليه، و يكفي هذا المقدار في خروجه عن عنوان الإكراه.

نعم، لو أمكن هنا تحليل البيع عرفا لحقه حكم الفرع التالي، و لكن الظاهر عدم انحلال البيع في هذه الصورة.

لتحقق عنوانين في البيع و انحلاله إلى بيعين، كبيع ما يملك و ما لا يملك فيعمل في كل واحد منهما بحسب دليله.

(مسألة ۹): لو أكرهه على الجنس، فإن كان جميع أنواعه غير جائز يتحقق الإكراه، كما إذا كرهه إما على شرب الخمر أو المغضوب أو المتنجس مثلا (٤۸)، و لو كان بعض أنواعه جائزا، فلا يتحقق الإكراه كما إذا أكرهه على شرب الخمر أو المغصوب أو الماء مثلا، و كذا في الوضعيات فلو أكرهه على بيع داره أو كتبه، أو فرشته يتحقق موضوع الإكراه و أما لو أكرهه إما على بيع داره أو أداء دينه فلا يتحقق موضوع الإكراه (٤۹).

يمكن المناقشة في المثال بأن الظاهر فيه تعيين شرب المتنجس لأهمية الخمر منه، و كذا المغصوب لأهمية مراعاة حق الناس عند الدوران بينه و بين حق اللّه تعالى، كما نسب إلى المشهور.

نعم، لو قلنا بأنه عند الإكراه إلى التصرف في مال الغير يجوز التصرف فيه مع تعهد العوض و تضمينه ضمانا صحيحا شرعيا يتعين ذلك و يكون مقدما على شرب المتنجس.

لأن أداء الدين جائز بل واجب إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة التي يأتي التعرض لبعضها في كتاب الطلاق.

(مسألة ۱۰): لو أكره أحد الشخصين على شي‏ء يتحقق الإكراه‏ بالنسبة إلى كل منهما إلا إذا اطمئن أحدهما بأنه لو لم يفعل يأتي به الآخر فلا يتحقق الإكراه بالنسبة إليه حينئذ، و كذا لو كان كل واحد منهما عالما بأن الآخر يأتي بالمكره عليه فمن بادر لا يكون مكرها عليه و فعله يوجب سقوط الإكراه بالنسبة إلى الآخر أيضا (٥۰)، و لو كان وقت الفعل متسعا يجوز المبادرة مع خوف لحقوق الضرر في تركها و لا يجوز مع عدمه في الإكراه على المحرمات (٥۱).

لأنه لا يتحقق الإكراه بالنسبة إلى من يطمئن بتصدي الغير للفعل المكره عليه.

لعدم موضوع الإكراه مع السعة و عدم الضرر فعلا في ترك المكره عليه.

(مسألة ۱۱): لو قال بع دارك أو دار زيد فضوليا ليس ذلك من الإكراه فلو باع داره يقع صحيحا (٥۲).

لأن بيع دار زيد فضوليا لا محذور فيه، فيكون مما تقدم في الفرع الأول.

(مسألة ۱۲): قد يكون الإكراه بالنسبة إلى المالك و العاقد معا سواء اتحدا أو تعددا و حكمه معلوم، و قد يكون بالنسبة إلى المالك دون العاقد، كما إذا كره المالك على التوكيل في بيع داره فالمالك مكره و الوكيل العاقد مختار و هذه الصورة من صغريات بيع الفضولي (٥۳)، و قد ينعكس الأمر بأن يكونه المالك مختارا و العاقد مكرها، و كأن يقول المالك لشخص بع مالي و إلا أقتلك و لا إشكال في صحة البيع في هذه الصورة (٥٤).

فإن أجاز المالك وكالة وكيله بعد رفع الإكراه عنه يصح العقد و إلا فلا.

لأن المالك مختار و يكون راضيا بالبيع و القصد الاستعمالي الجدي‏ موجود في العاقد، و لا يعتبر في العاقد من حيث إنه عاقد سوى ذلك، فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود. و ما قلناه في هذا الفرع يجري في جميع العقود و الإيقاعات و نشير إلى جملة منها في المواضع المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

الخامس: كونهما مالكين للتصرف (٥٥)، فلا تقع المعاملة عن غير المالك- إذا لم يكن وكيلا عنه أو وليا عليه، كالأب و الجد و الوصي عنهما، و الحاكم الشرعي (٥٦) و لا من المحجور عليه، لسفه أو فلس، أو غير ذلك من أسباب الحجر (٥۷)، و المراد بعدم الوقوع عن غير المالك- كالفضولي و المحجور عليه عدم اللزوم و النفوذ لا كونه لغوا بحيث لا يقبل الإنفاذ، فلو أجاز المالك العقد الواقع من غير المالك أو أجاز من له الحق العقد الواقع‏ عن غيره صح و لزم (٥۸).

للأدلة الأربعة، فمن الكتاب آية التجارة عن تراض‏۲٥، و من السنة قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرى مسلم إلا بطيب نفسه»۲٦. و من الإجماع إجماع المسلمين. و من العقل إن النقل و الانتقال بالنسبة إلى مال الغير بلا إذنه و رضاه ظلم بالنسبة إليه، و هو قبيح، و قد مرّ إن أصالة احترام المال من أهم الأصول النظامية العقلائية.

لصحة بيع الوكيل عن الموكل بالضرورة على ما يأتي تفصيله في كتاب الوكالة إن شاء اللّه تعالى. و كذا الولي بالنسبة إلى المولى عليه على التفصيل الآتي.

لأنه لا معنى للحجر إلا عدم استقلال المحجور عليه في البيع، و يأتي الكلام في كتاب الحجر إن شاء اللّه تعالى.

لوجود المقتضي لأصل الصحة، و هو صدور الإنشاء جامعا للشرائط إلا رضاء من له الحق، فإذا لحقه الرضاء يصير المقتضى موجودا و المانع مفقودا، فيؤثر العلة التامة أثره لا محالة.

ثمَّ إن البحث عن بيع الفضولي عن جهات.

الأولى‏: للعقد الفضولي إطلاقان، أخص و هو ما إذا فقد خصوص شرط الملكية فقط مع وجود سائر الشرائط. و أعم و هو ما إذا فقد بعض الشروط الأخر، كالاختيار، و البلوغ، و الملكية الطلقية. و بالجملة كلما يوجب التوقف على الإنفاذ و الإمضاء داخل فيه موضوعا أو حكما. فالمراد بالفضولي بهذا الإطلاق أي كل عقد يحتاج إلى الإمضاء و الإنفاذ و لو كان صادرا من نفس المالك، و تعبيرهم بالفضولي بالمعنى الأول من باب الغالب لا التقوم أو باعتبار أن عقده حيث إنه ليس علة تامة لوجوب الوفاء به كأنه فضول، و لو كان صادرا من نفس المالك فيشمل التعبيرين حينئذ.

الثانية: مقتضى أصالة عدم ترتب الأثر في جميع العقود و الإيقاعات هو الفساد مطلقا، و لذا اشتهر لديهم أصالة الفساد في العقود و الإيقاعات مطلقا أي بحسب الأصل العملي الموضوعي و هو استصحاب عدم ترتب الأثر. و أما مقتضى الأصول اللفظية- أي الإطلاقات و العمومات- فالصحة و ترتب الأثر مع صدق عنوان العقد عليه عرفا، كما مرّ بيانه سابقا.

و تحقيق المسألة.

تارة: بحسب الأصل العملي.

و أخرى‏: بحسب الأصل اللفظي أي الإطلاقات و العمومات.

و ثالثة: بحسب الأذهان العرفية.

و رابعة: بحسب كلمات الفقهاء.

و خامسة: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأول: فقد مر إن مقتضاه عدم الانعقاد و عدم ترتب الأثر، لأن الشك في أصل الحدوث فيستصحب عدمه، و كذا في جميع العقود و الإيقاعات مطلقا، و يمكن أن يقال في المقام بعدم جريان هذا الأصل، لأن الشك فيه مسبب عن اعتبار مقارنة الرضاء مع العقد. و مقتضى الأصل عدمه، و قد تسالموا على تقدم الأصل الجاري في السبب على الجاري في المسبب، هذا مضافا إلى قاعدة الصحة بعد صدق العقد عليه عرفا مع إنه بعد صدق الإطلاقات و العمومات لا تصل النوبة إلى هذه الأصول.

و أما الثاني: فلا ريب في شمول الإطلاقات و العمومات من كل عقد و إيقاع للفضولي منها عرفا و لغة، فيصح بحسبها أن يقال: باع زيد دار عمرو فضولة، و عقد بكر على بنت خالد فضولة، و هكذا في جميع العقود و الإيقاعات.

و أما الثالث: فلا يفرق الأذهان العرفية بين أن نقول: بعت داري و ربحت فيه، و بين قول باع فلان داري فضولة فأمضيته و ربحت في هذا البيع، فكما يرون الأول بيعا صحيحا جامعا للشرائط يرون الثاني أيضا كذلك، و لا يفرقون بحسب فطرتهم بين مقارنة الرضا و لحوقه في كون نتيجة كل من البيعين استندت إلى الرضاء و طيب النفس، و يرون أصل الرضا و طيب النفس من أهم المقومات. و أما مقارنته للإنشاء فهو شي‏ء غالبي لا أن يكون مقوما أو شرطا معتبرا في العقد أو الإيقاع، بل ربما يمدحون الفضولي و يعطونه العطية لأنه باع المال بأزيد مما أرادوا أن يبيعوه، كما وقع ذلك كثيرا على ما نقل.

و أما الرابع: فعمدة ما ذكروه في البطلان و ان الفضولي على خلاف القاعدة أنه لا بدّ في الإنشائيات مطلقا من الانتساب الصدوري إلى من له الإنشاء، بحيث لو أنشأ بلا رضاه يكون كالعدم لأنه وقع الإنشاء منتسبا إلى المنشئ لا إلى المالك و من له الإنشاء، فلو غيره الإجازة اللاحقة يلزم انقلاب الشي‏ء عما وقع عليه، و هو محال.

و فيه. أولا: إنه يكفي في الصحة مجرد الإضافة إلى من له حق الإنشاء و هي من الأمور الخفيفة المؤنة، فكما تحصل بالإذن السابق تحصل بالإجازة اللاحقة، فإذا أذن في عقد أو إيقاع يقال العقد عقده و الإيقاع إيقاعه، و كذا لو وقع عقد أو إيقاع على ما يتعلق به ثمَّ أنفذه و أجازه يقال العقد عقده و الإيقاع إيقاعه بلا فرق بين الصورتين أصلا، فأصل هذه الدعوى مغالطة بين الانتساب الحدوثى الصدوري و بين صحة الإضافة بأي وجه أمكن عرفا، و المعتبر هو الثاني دون الأول، فإذا صحت الإضافة تشمله جميع الأدلة الدالة على صحة العقد و لزوم الوفاء به.

و ثانيا: استحالة انقلاب الشي‏ء عما وقع عليه إنما تكون التكوينيات بحسب نظام التكوين لا بحسب قدرة اللّه تعالى، و لا في الاعتباريات الدائرة مدار الاعتبار كيفما يصح الاعتبار، و لا يستنكر عند العرف. فهذا الدعوى ساقط أصلا و يكفينا في الصحة أصالة عدم اعتبار مقارنة الرضا، و أصالة العموم و الإطلاق في الإنشائيات مطلقا.

و أما الخامس: فاستدل للصحة- مضافا إلى الأصل العملي بالمعنى الذي مرّ و الأصل اللفظي- بأمور.

الأول‏: دعوى الإجماع عن التذكرة على الصحة.

و فيه. أولا: الإشكال في أصل تحققه.

و ثانيا: بأنه اجتهادي على فرض التحقق.

الثاني‏، الحديث الذي أطبق العامة على نقله عن عروة البارقي، و هو: «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله دفع إليه دينارا ليشتري له به شاة فاشترى له به شاتين فباع إحديهما بدينار و جاء بدينار و شاة فدعا له النبي صلّى اللّه عليه و آله بالبركة في بيع و كان لو اشترى التراب لربح فيه»۲۷، و اتفقت كتب القوم- الذين هم الأصل في هذا الحديث- على ضبط الراوي بعروة من كتب حديثهم و فقههم و ما ألفوه في حالات النبي صلّى اللّه عليه و آله و معجزاته و أصحابه. فنسبة الشيخ ذلك إلى عرنة المدني، و العلامة إلى عرفة الأزدي سهو منهما اللهم إلا أن تكون القضية متعددة، و إن شئت التفصيل‏ فراجع منتهى المقال‏۲۸.

و فيه: إن سياق الحديث و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله و تبريكه و ملاحظة عاداته و حالاته مع أصحابه و كثرة تسامحه معهم قرينة قطعية على أنه صلّى اللّه عليه و آله أذن في التصرف في الدينار و الشاة بما شاء و أراد، فكان كالوكيل المفوض في هذه الجهة، بل الظاهر انه صلّى اللّه عليه و آله بالفراسة الإيمانية أو بالعلم الغيبي السماوي علم ذلك من عروة و أذن له في مطلق التصرف، ثمَّ دعا له حتى يبقى أثر دعائه المستجاب و هذه المعجزة في عروة ما دام حياته. و مع هذا الاحتمال يسقط الاستدلال، و هناك احتمالات أخرى توجب سقوط الاستدلال به، و إن شئت العثور عليها فراجع المطولات.

الثالث‏: صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام: «قضى في وليدة باعها إن سيدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثمَّ قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير، فقال: هذه وليدتي باعها ابني بغير ادنى، فقال: خذ وليدتك و ابنها فناشدة المشتري، فقال عليه السّلام: خذ ابنه يعني الذي باع الوليدة حتى ينفذ لك ما باعك، فلما أخذ البيع الابن قال أبوه: أرسل ابني، فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأول أجاز بيع ابنه»۲۹. و السند تام و الدلالة ظاهرة، فالأخذ به متعين.

و أشكل عليه. تارة: بأن الحكم بأخذ الوليدة قبل سمع دعوى المشتري مما لا ينبغي.

و أخرى‏: بعدم الاستفصال عن الإجازة و عدمها.

و ثالثة: الحكم بأخذ الابن مع تولده حرا لا وجه له.

و رابعة: الحكم بأخذ ابن السيد مع عدم جواز حبس الحر مما لا ينبغي.

و خامسة: بتعليم الحيلة مع إنه لا يناسب الإمام عليه السّلام.

و سادسة: بظهوره في صحة الإجازة بعد الرد، فلا وجه للاستدلال به مع هذه المناقشات.

و فيه: إن كل هذه الإشكالات مردودة، لأن للحاكم الشرعي أن يتوصل في فصل الخصومة بين المتخاصمين خصوصا الإمام المعصوم عن الزلل سيما مثل أمير المؤمنين عليه السّلام بشتى التدبيرات و هذه أحسنها، و لا بد و أن يكون الحاكم مطلعا عليها و محيطا و عاملا بها. و أما قضية الظهور في تأثير الإجازة بعد الرد.

ففيه. أولا: إنه لم يقم دليل غير الإجماع على أن الإجازة بعد الرد لا أثر له، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى، و المتيقن منه على فرض اعتباره ما إذا كان الرد متحققا في الخارج لا ما إذا كان استظهاريا، كما في المقام فلا قصور في الحديث للاستدلال به لصحة الفضولي.

الرابع‏: صحته في النكاح نصا۳۰، و إجماعا يستلزم الصحة في غيره بالفحوى.

و نوقش فيه: بما ورد في الرد على العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل و بين بيعه بالصحة في الثاني، لأن المال له عوض و البضع ليس له عوض من قوله عليه السّلام: «سبحان اللّه ما أجور هذا الحكم و أفسده إن النكاح أولى و أجدر أن يحتاط فيه و هو فرج و منه يكون الولد»۳۱. و المستفاد منه ان صحة الفضولي في العقود المالية يستلزم صحة النكاح بالأولى لا العكس فلا يصح الاستدلال بالفحوى للمقام.

أقول: يمكن المناقشة في الفحوى.

أولا: بأنها ظنية لا اعتبار بها.

و ثانيا: إن الاهتمام في المسبب- و هو الزوجية- لا يستلزم الاهتمام في السبب، فيمكن أن يكون بالنسبة إلى السبب بالعكس. فلا تسهيل في السبب المحدث للزوجية و التشديد في السبب الناقل للمال لأن يكون الحصول عليه لكل أحد سهلا يسيرا، فالأولوية غير ثابتة في السبب الذي هو مورد البحث و ان ثبتت في أصل المسبب عرفا و شرعا و أثرها لزوم الاحتياط في الشبهات مهما أمكن و لا ربط له بالمقام.

و ثالثا: الحكم في النكاح ليس مسلّما عند الكل الاقتصار بعض في صحة الفضولي فيه على موارد خاصة ورد فيها النص بالخصوص، ربما تبلغ تسعة موارد يأتي التعرض لها في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى، و التعدي منها إلى مطلق نكاح الفضولي مشكل فضلا عن غيره.

و لكن الظاهر ثبوت الفحوى عرفا و إنه أصرّ بعض مشايخنا على عدمه و أطال القول فيه، كما إن القول بالاقتصار في النكاح على خصوص موارد النص تفريط من القول لحصول الاطمئنان العرفي بحكم مطلق النكاح من مورد نص واحد منها فضلا عن موارد كثيرة، كما إنه لا نحتاج إلى إثبات الفحوى حتى يطال فيه الكلام نفيا و إثباتا، بل يكفي حصول الاطمئنان بتساوي باقي العقود مع عقد النكاح، و هو حاصل لكل من يراجع الأدلة، و لا أدري ما دعيهم إلى تفصيل المقال في هذه المسألة مع إن بنائهم على كفاية مطلق الاطمينانات في الاستظهارات الفقهية.

ثمَّ إن قول الإمام عليه السّلام: «النكاح أولى و أحرى أن يحتاط فيه»۳۲، يحتمل وجوها.

الأول‏: أن يكون ردا على العامة و أن قولهم ببطلان النكاح لا وجه له، بل لا بدّ فيه من الاحتياط أما بالنكاح الجديد أو الطلاق.

الثاني‏: إن لفظ الاحتياط من الامام عليه السّلام ليس بمعنى الاحتياط الاصطلاحي بل صدر منه عليه السّلام لأجل التقية حيث إن هذا التفكيك منهم بين البيع و النكاح كان لمجرد الاستحسان منهم فرد عليه السّلام استحسانهم بهذا النحو تسكيتا لمقالهم و أن لا يعترضوا على الإمام عليه السّلام.

الثالث‏: إنه مجمل لا بد من رد علمه إلى أهله، و على أي تقدير لا يضر بثبوت الفحوى.

و يمكن الاستدلال بفحوى صحة بيع المكره بعد لحوق الرضاء بدعوى إنه إذا صح مع وجود الكراهة و عدم الرضا حين البيع يكون صحيحا في غيره‏ بالفحوى.

الخامس‏: جملة من الأخبار الواردة في المضاربة.

منها: موثق جميل عن الصادق عليه السّلام: «في رجل دفع إلى رجل مالا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة، فذهب فاشترى به غير الذي أمره، قال عليه السّلام:

هو ضامن و الربح بينهما على ما شرط»۳۳. فإنه يمكن حمله على صورة الإجازة اللاحقة بعد مخالفة الشرط فيكون من الفضولي المعهود حينئذ.

و فيه: إنه من مجرد الاحتمال الذي لا يكفي في الاستدلال و إن صح الاستيناس و الاستشهاد، و المنساق منها بحسب الأذهان العرفية أن الشرط إنما هو من باب تعدد المطلوب لا التقييد الحقيقي، فأصل الإذن حاصل في صورة مخالفة الشرط أيضا مع تحقق الربح، و هذا هو المشاهد في المضاربات الواقعة بين الناس، فمثل هذه الأخبار لا ربط لها بالفضولي فلا تصلح للتأييد فضلا عن الاستدلال.

و قد يستدل له بما ورد في الاتجار بمال اليتيم بناء على شمول إطلاقها لاتجار غير الولي ثمَّ إجازة الولي لها.

منها: صحيح ربعي: «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل عنده مال اليتيم، فقال عليه السّلام: إن كان محتاجا و ليس له مال فلا يمسّ ماله، و إن هو اتجر به فالربح لليتيم و هو ضامن».۳4 و منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في مال اليتيم، قال عليه السّلام: العامل به ضامن، و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال، و قال عليه السّلام: إن عطب أداه»۳٥.

و منها: خبر الصيقل: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به؟

فقال عليه السّلام: إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن المال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال»۳٦.

و منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال»۳۷.

و منها: خبر السمان: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فأن اتجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الذي يتجر به»۳۸.

و فيه: إن المنساق منها بعد رد بعضها إلى بعض إنما هو الولي فلا تصلح للاستئناس فضلا عن الاستدلال، كما إنه لا وجه للاستشهاد للمقام بخبر ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السّلام: «عن عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عني و حج عني بالباقي، ثمَّ مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى أباه فأعتقه عن الميت و دفع إليه الباقي يحج عن الميت فحج عنه و بلغ ذلك موالي أبيه و مواليه و ورثة الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف، فقال: موالي العبد المعتق إنما اشتريت أباك بمالنا، و قال الورثة: إنما اشتريت أباك بمالنا، و قال موالي العبد: إنما اشتريت أباك بمالنا فقال أبو جعفر عليه السّلام: أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد، و أما المعتق فهو ردّ في الرق لموالي أبيه، و أي الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان له رقا»۳۹، بناء على أنه لو لا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك المبيع بعد طلبه الظاهر في الإجازة لم يكن مجرد دعوى الشراء بالمال، و لا إقامة البينة كافية في تملك المبيع.

و فيه: مضافا إلى قصور سنده، و هجر الأصحاب عنه إنه أجنبي عن المقام، إذ الظاهر منه وقوع البيع بالإذن السابق فلا ربط بالمقام، و لعمري ان الحكم في الفضولي أوضح من أن يستشهد له بمثل هذه الاستحسانات.

و كذا لا ربط لصحيح الحلبي بالمقام «عن الرجل اشترى ثوبا و لم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثمَّ ردّه على صاحبه، فأبى أن يقبله إلا بوضيعة، قال عليه السّلام: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد». فأن الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا على صحة بيع الفضولي لنفسه.

و فيه. أولا: إنه يمكن أن يكون دليلا لجواز الإقالة بالزيادة أو النقيصة، كما نسب إلى ابن الجنيد لهذا الصحيح خلافا للمشهور القائلين بأنه لا بد في الإقالة من تراد نفس العينين بلا زيادة و نقيصة في البين فيكون أجنبيا عن المقام حينئذ.

و ثانيا: إنه لو كان البيع صحيحا بالإجازة لا فرق فيه بين البيع بالزيادة أو النقيصة أو التساوي، فما وجه الاختصاص بالأولى؟! فلا بد إذن من حمله على ما إذا وقعت الإقالة بالنسبة إلى نفس العينين بلا زيادة و لا نقيصة في البين و كانت الزيادة خارجة عن حقيقة الإقالة بصلح خارجي، و ردّ ما زاد يحمل على الندب حينئذ، و كذا لا وجه للتأييد بموثق عبد اللّه عن الصادق عليه السّلام: «عن السمسار أ يشترى بالأجر فيدفع إليه الورق و يشترط عليه إنك تأتي بما نشتري فما شئت أخذته، و ما شئت تركته، فيذهب فيشتري ثمَّ يأتي بالمتاع، فيقول: خذ ما رضيت، ودع ما كرهت؟ قال عليه السّلام: لا بأس». فإن إطلاق قوله عليه السّلام: «لا بأس» يشمل جميع الاحتمالات في سؤال السائل التي.

منها: أن يأخذ السمسار المال قرضا و يشتري لنفسه ثمَّ يجيزه صاحب الورق.

و منها: أن يكون فضوليا عن صاحب الورق مترقبا لإجازته فيكون من مورد الفضولي.

و فيه: إن ظاهر الخبر تحقق الإذن السابق من صاحب الورق و تسليطه للسمسار عليه فيخرج عن مورد الفضولي.

السابع‏: قاعدة قررها أبو جعفر الباقر عليه السّلام في العقود في الفرق بين ما تقبل الإجازة اللاحقة و بين ما لا تقبلها، محصولها: أن كل عقد عصى فيه اللّه تعالى فالبطلان فيه مستقر ثابت لا يرتفع بالإجازة اللاحقة، كبيع الخمر و الخنزير و نحوهما من المحرمات، و كل ما خولف فيه المالك تنفعه الإجازة اللاحقة، فقال عليه السّلام في جملة من الاخبار الوارد في نكاح العبد بدون إذن سيده: «إنه لم يعص اللّه. و إنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز». و هي قاعدة نظامية صحيحة تنطبق على مورد الفضولي فيصح بالإجازة.

إن قيل: إن معصية السيد معصية اللّه تعالى أيضا فلا وجه للصحة بالإجازة.

يقال: نعم إن معصية اللّه تعالى في مورد معصية السيد تعليقية على رضاء السيد.

و بعبارة أخرى المعصية التي توجب البطلان و لا تنفعها الإجازة ما كانت من الوصف بحال الذات و ما تنفعها ما كانت من الوصف بحال المتعلق. هذه جملة ما استدل به على صحة الفضولي في كل عقد إلا ما خرج بالدليل و في الإطلاقات و العمومات و أصالة عدم اعتبار مقارنة الرضا مع العقد غنى و كفاية.

و قد استدل للبطلان بالأدلة الأربعة. فمن الكتاب قوله تعالى‏ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*- الآية-، بدعوى ظهورها في اعتبار كون حدوث إنشاء التجارة عن تراض، فمع عدم الحدوث بهذا الوصف لا اعتبار بها و لو لحقتها الإجازة، لا استفادة الحصر من الآية في المحاورات العرفية إما لأجل الاستثناء في مثل المقام، أو لأجل السياق فأصل الحصر في الجملة مما لا مجال لإنكاره في عرف المحاورات.

و إنما الكلام في إنه هل ينفع شيئا في المقام؟ الحق هو عدمه.

أما أولا: فلأن في العقود و الإيقاعات شيئان، الأسباب و المسببات، و كل منهما من الاعتباريات و لا ريب عند كل أحد أن الأسباب لها طريقة محضة إلى النتائج و المسببات، و هي المناط الوحيد بين الناس فلا موضوعية للرضاء بالسبب حين حدوثه بوجه من الوجوه لا عرفا و لا شرعا و لا عقلا، فإذا كانت نتيجة العقد و مسببه مورد الرضاء و طيب النفس حين تأثير العقد، فتكون التجارة عن تراض لا محالة و العرف يحكمون بأنه ليس من الأكل بالباطل.

و بالجملة: إذا كانت الأدلة منزلة على العرفيات فالعرف يرى الإجازة اللاحقة كالإذن السابق في الخروج عن كونه من الأكل بالباطل.

و ثانيا: العقد وقع عن الرضا و طيب النفس الحاصل للفضولي و الإجازة اللاحقة تنزلها منزلة الرضا و طيب نفس المالك، و لا بأس بذلك في الاعتباريات التي تدور مدار الاعتبار ما لم يقم على امتناعه الدليل.

و من السنة نصوص كثيرة منها النبوي: «لا تبع ما ليس عندك»44، و النبوي الآخر: «لا بيع إلا فيما تملك»، و في حديث المناهي: «نهى عن بيع ما ليس عندك»، و قوله عليه السّلام: «لا طلاق إلا فيما تملكه و لا بيع إلا فيما تملكه»، و عن مولانا العسكري: «لا يجوز بيع ما ليس يملك»، و عن الحجة (عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف): «الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضي منه»، و في صحيح ابن مسلم في الأرض: «لا تشترها إلا برضا أهلها»٥۰، و في الصحيح الوارد فيمن باعت بعض القطائع فسئل عليه السّلام يعطيها المال أم يمنعها؟

قال عليه السّلام: «قل له: يمنعها أشد المنع فإنها باعته ما لم تملكه»٥۱، إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق.

و الجواب عن الجميع.

أولا: انه لا بد من تخصيصها بالكلي الذمي، فإنه جائز نصا و إجماعا، فيعلم منه انه ليس لنفس عدم كونه عنده موضوعية بل لا بد من انطباق جهة أخرى عليه.

و ثانيا: هي معارضة بما تقدم من الأدلة الدالة على الصحة و الترجيح معها، لموافقة الإطلاقات و العمومات، و شهادة العرف و الوجدان على عدم الفرق بين المقارن و اللاحق.

و ثالثا: المنساق من مثل هذه التعبيرات في المحاورات انما هو النفي، أو النهي عن البيع المؤثر الفعلي التام، و هذا هو المنفي أو المنهي عرفا في مثل هذه الأخبار و هو مسلم بين الكل لأنه ما لم يجز المالك لا يقول بصحة أحد، و أما نفي مجرد الاقتضاء و الشأنية المحضة فلا تدل هذه الأخبار عليه بوجه من الوجوه.

و بذلك يمكن أن يجعل النزاع لفظيا فمن يقول بدلالة مثل هذه الأخبار على البطلان، أي في مقام فعلية التأثير من كل جهة و من يقول بالعدم أي: في مقام الشأنية المحضة، و الاقتضاء الصرف فالصحة في جميع العقود الفضولية اقتضائية فإن لحقتها الإجارة يؤثر أثرها، و إلا فتبطل لا محالة كما هو شأن كلما فيه الاقتضاء بالنسبة إلى الجزء الأخير من العلة التامة.

ثمَّ أنه يصح لنا التمسك للاقتضاء بشكل بديهي الإنتاج فنقول: العقود الفضولية ليست من اللغو عند أبناء المحاورة و كل ما ليس كذلك فيه اقتضاء الصحة، فالعقود الفضولية فيها اقتضاء الصحة و لا ينبغي المناقشة فيه إلا ممن دأبه المناقشة في الواضحات، كما لا ينبغي التعرض للجواب لكل واحد واحد من الروايات مستقلا بعد كون أصل الجواب عن الجميع واحدا و لو بجامع واحد قريب عرفي كما ذكرناه فراجع و تأمل.

و من الإجماع ما ادعاه الشيخ في الخلاف.

و فيه: أن دعوى الإجماع في هذه المسألة الاختلافية من أول حدوثها على أحد الطرفين أوهن من بيت العنكبوت، مع اعتراف مدعيه بالخلاف و المخالف مع ذهاب أساطين القدماء إلى الصحة فكيف ينبغي دعوى الإجماع على البطلان.

و من العقل: إن عقد الفضولي تصرف في مال الغير و هو قبيح عقلا و حرام شرعا فيوجب البطلان لا محالة.

و فيه: إن مجرد العقد الذي له اقتضاء التأثير- لا أن يكون مؤثرا فعليا- ليس‏ من التصرف في مال الغير لا بحكم العقل و لا بحكم الشرع و لا بنظر العرف.

و لكن لا ريب في انه تجر لا ينبغي صدوره ممن يعتني بدينه.

نعم، لو كان العقد من العلة التامة التوليدية لحصول الأثر كان تصرفا حينئذ و لكنه لا نقول به بل هو محال، و كذا لو كان علة تامة و لم يكن توليديا و قلنا بحرمة مقدمة الحرام.

و لكن فيه. أولا: انه حينئذ ليس من دليل العقل، بل يدخل في النقل فيكون من السنة.

و ثانيا: قد أثبتنا في الأصول أن النهي التحريمي في المعاملات لا يدل على الفساد فراجع و تأمل.

و قد يستدل للبطلان بعدم القدرة على التسليم، و عدم موضوع لوجوب الوفاء بالعقد، و إن العقد غرري بالنسبة إلى الأصيل.

و الكل باطل لأن القدرة معتبرة حين التسليم لا حين العقد، و لم يقل أحد باعتبار القدر في مجرى الصيغة فقط و وجوبها إنما هو بعد الإجازة و للرضا قولا واحدا، و لا غرر في البين كما هو المعلوم لدى العرف. فتلخص من جميع ما مر أن المقتضى لصحة العقود الفضولية موجود بنحو الاقتضاء و المانع عنها كذلك مفقود.

الجهة الثالثة: من موارد عقد الفضولي: عقد المملوك بدون إذن سيده و المحتملات فيه ثلاثة.

الأول‏: البطلان مطلقا بحيث لا تنفعه لحوق الإجازة كما نسب إلى المشهور في عقد الصبي من كونه مسلوب العبارة رأسا. و هذا الاحتمال باطل بالنسبة إلى العبيد لترتب الأثر على أقوالهم و أفعالهم عقلا و شرعا، و ربما يزاد في قيمهم لأجل الكمالات القولية و الفعلية التي تكون فيهم.

الثاني‏: كونه صحيحا و نافذا و لو بدون رضاء سيده و لا ريب في بطلانه، لأنه ينافي العبودية و تكون قدرته و إرادته مندكا تحت قدرة السيد و إرادته، و العرف و العقلاء يرون ذلك باطلا، و لا نحتاج فيه إلى التعبد الشرعي و لولاه لاختل النظام كما هو واضح.

الثالث‏: حيث انه مملوك و عبد لا بد و أن يكون اختياره و ارادته من فروع اختيار المولى و إرادته إما بالإذن السابق أو الإجازة اللاحقة، و هذا هو الذي يقتضيه نظام العبودية في العالم، و عليه بناء العقلاء في عبيدهم و إمائهم و قرره الشرع الأقدس بقوله تعالى‏ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ٥۲، و ليس المراد بها نفي القدرة التكوينية بل المراد القدرة التي يعملها المولى في شؤونه، و في المثل المعروف الرعية لا تقدر على شي‏ء في مقابل السلطان، و يدل على ما قلناه خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليهم السّلام قالا: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده قلت: فإن كان السيد زوّجه بيد من الطلاق؟ قال عليه السّلام: بيد السيد «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ أ فشي‏ء الطلاق»٥۳، و عنه أيضا: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال عليه السّلام: ذلك إلى سيده ان شاء أجاز و إن شاء فرق بينهما» قلت: أصلحك اللّه ان الحكم بن عيينة و إبراهيم النخعي و أصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد فلا تحل له إجازة السيد له، فقال عليه السّلام: إنه لم يعص اللّه، و إنما عصى سيده فإذا أجاز فهو له جائز»٥4، و المراد بالمعصية التعدي عن زيّ العبودية و ظهورهما فيما قلناه مما لا ينكر و حيث ان المسألة خارجة عن مورد الابتلاء فلا وجه للتفصيل بأكثر من ذلك.

الجهة الرابعة: الفضولي.

تارة: يعلم بعدم رضاء المالك ببيع ماله.

و أخرى لا يعلم به.

و ثالثة: يعلم برضائه بذلك مع تحقق الرضاء واقعا أيضا.

و رابعة: يعلم به مع عدم تحقق الرضاء في الواقع.

و لا ريب في كون القسمين الأولين من الفضولي المبحوث عنه عند الفقهاء، كما لا ريب في أن القسمين الأخيرين يوجب رفع الحرمة التكليفية لو كانت في البين، و هل يوجب الخروج عن عنوان الفضولية أيضا، بحيث يكون كالبيع المأذون فيه قبل العقد أو لا يوجب ذلك، بل يكون من الفضولي و لو علم بالرضا و صادف الواقع؟ الظاهر هو الأخير، لعدم اكتفاء العقلاء في معاملاتهم الدائرة بينهم على مجرد العمل بالرضاء ما لم يكن مبرز خارجي في البين، و لو كان ذلك سكوتا يعتمد عليه في كونه مظهر الرضا و مبرزه، و ذلك لأن فيها معرضية للخصومة و اللجاج فلا بد و أن يكون في الظاهر ما يصلح للاحتجاج و قطع اللجاج من قول أو فعل أو قرينة خارجية معتبرة يصلح للاستناد إليه عند نوع أهل العرف.

الجهة الخامسة: بعد كون الفضولي مطابقا للإطلاقات و العمومات و أصالة عدم اشتراط مقارنة الرضا بصدور الإنشاء لا فرق فيه بين العقود و الإيقاعات فيصح الإيقاع الفضولي مع الإجازة اللاحقة إلا مع دليل خاص أو عام على الخلاف و ليس في البين شي‏ء منهما سوى دعوى الإجماع، و حديث: «لا عتق إلا بعد ملك»٥٥، و الأول موهون جدا، و نجيب عن الثاني بعين ما أجبنا به عن قوله صلّى اللّه عليه و آله: «لا بيع إلا في ملك»٥٦، فمقتضى القاعدة الجواز، و طريق الاحتياط معلوم خصوصا في الطلاق و العتق، حيث ادعى فيهما الإجماع على المنع بالخصوص، مضافا إلى الإجماع المدعى على المنع في مطلق الإيقاعات.

و انما الشأن في اعتبار مثل هذه الإجماعات، مع أن مقتضى الأصل عدم اعتبارها مطلقا.

(مسألة ۱): لا فرق في صحة بيع الفضولي- مع إجازة المالك- بينما إذا قصد وقوعه للمالك (٥۹) و ما إذا قصد وقوعه لنفسه كما في بيع لنفسه كما في بيع‏ الغاصب و من اعتقد انه مالك و ليس بمالك (٦۰)، كما لا فرق فيما إذا قصد الوقوع عن المالك بين ما إذا سبقه منع المالك عن البيع و ما لم يسبقه المنع (٦۱).

الأقسام في بيع الفضولي ثلاثة.

الأول‏: ما إذا قصد وقوعه عن المالك مع عدم سبق المنع.

الثاني‏: ما إذا قصد وقوعه عن نفسه.

الثالث‏: ما إذا قصد وقوعه عن المالك مع سبق المنع.

أما القسم الأول: فيشمله جميع الأدلة الدالة على صحة الفضولي من غير ثبوت ما يصلح للمنع على ما مر تفصيله.

لشمول جميع الأدلة المتقدمة لهذا القسم أيضا بعد إمكان إلقاء قيد الإضافة إلى نفسه خصوصا في الاعتباريات التي هي أخف الأشياء مئونة. و يصح حيث ما أمكن الاعتبار عرفا.

و لكن قد أشكل عليه.

تارة: بشمول إطلاق قوله صلّى اللّه عليه و آله «لا تبع ما ليس عندك»٥۷، لهذا القسم.

و أخرى بأنه يكون من بيع الفضولي مع سبق منع المالك، لعدم رضاء الملاك غالبا بذلك.

و ثالثة: بأنه لا يتحقق فيه قصد المعاوضة الحقيقية، فلا يتحقق البيع أصلا، لأن معنى البيع قصد خروج المبيع عن ملك من يدخل الثمن في ملكه بدلا عنه، فإذا قصد البيع عن نفسه و دخول الثمن في ملكه لا يتحقق معنى البيع رأسا فيكون أصل قصده باطلا، فلا موضوع للإجازة حينئذ تكوينا. و هذا إشكال من جهة عدم الموضوع للإجازة لانتفاء الموضوع لها من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

و رابعة: بأن الإجازة اللاحقة إن تعلقت بعين ما أنشأه الفضولي و هو خلاف المقصود و إن تعلقت بالبيع بالنسبة إلى المالك فهو غير منشأ فيكون المنشأ غير مجاز و المجاز غير منشأ هذه هي الإشكالات التي استشكل بها على‏ هذا القسم من الفضولي.

و الكل باطل لا وجه.

أما الأول: فلما مر من ان المراد منه عدم صحة البيع في مقام ترتب الأثر الفعلي من كل جهة لا عدم الصحة و لو اقتضاء.

و أما الثاني: فلما يأتي من انه لا مانع من عقل أو نقل، و يكون المنع كعدمه في عدم المانعية.

و أما الثالث: فلما مر سابقا من إن حقيقة المعاوضة متقومة بتبادل المالين و لو مع قطع النظر عن تبدل المتعاوضين.

نعم، في الغالب يكون ذلك ملحوظا أيضا و لو إجمالا، لكن ليس ذلك من مقومات المعاوضة و لا من لوازمها الذاتية، فقصد نفس تبادل المالين و لو إجمالا يكفي في تحقق معنى البيع، سواء قصد تبدل المالكين أو لا، و ثبوت قصد تبادل المالين من الضروريات في كل بيع فضولي و لو كان لنفسه، و الإجازة اللاحقة تتعلق بنفس هذا القصد مع إلقاء قيد كونه لنفسه و لا ريب في الصحة حينئذ.

و منه يظهر الجواب عن الإشكال الرابع، لأن المنشأ انما هو تبادل المالين و هو مورد الإجازة اللاحقة، و قصد كونه عن نفسه ادعائي و تجعلي و الإجازة إنما تتعلق بما هو الواقع و الحقيقة دون ما هو الادعائي الجعلي، و الحقيقة في المقام انما هو لتبادل المالين بين المالكين الحقيقيين، فيبقى الحق و الحقيقة و يذهب الادعاء الباطل فاسدا و باطلا لا محالة، هذا لباب ما ينبغي أن يقال في المقام، و قد طال الكلام من مشايخنا الاعلام قدس سرّهم فراجع و تأمل هذا إذا باع الفضولي لنفسه و أجاز المالك فيقع البيع للمالك. و أما إذا باع لنفسه ثمَّ صار مالكا فيأتي حكمه في المسائل الآتية.

للإطلاقات و العمومات، و ما تقدم من أن صحة الفضولي مطابقة للقاعدة فلا بد حينئذ من إقامة دليل خاص لإخراج صورة سبق المنع عن تحت القاعدة، و قد ذكر له أمور.

الأول‏: انه كرد العقد فلا يبقى موضوع للإجازة بعد ذلك.

الثاني‏: أن الروايات الخاصة التي استدل بها لصحة الفضولي بعضها ظاهرة في عدم سبق المنع كخبر عروة٥۸، و خبر السمسار، و خبر ابن أشيم‏٥۹، و إن كان بعضها مطلقة كخبر الحلبي‏٦۰.

الثالث‏: انه من الرد بعد العقد موضوعا، إذ يكفي فيه عدم الرضاء الباطني آنا ما بعد العقد و هو متحقق في المقام.

الرابع‏: قول النبي صلّى اللّه عليه و آله: «إذا تزوج العبد بغير إذن سيده كان عاهرا»٦۱، فيشمل صورة سبق المنع بالأولى.

الخامس‏: ان المشتري العالم بالغصب إن سلطه البائع على الثمن مجانا فلا وجه لرجوعه إلى المالك بالإجازة، و إن سلطه بعوض فكذا أيضا لفرض ان التسليط وقع للبائع من حيث هو، فلا ينتقل إلى المالك بالإجازة هذه هي الوجوه التي استدلوا بها على بطلان هذا القسم من الفضولي.

و الكل باطل. أما الأول: فلأن رد العقد و النهي عن إيجاد العقد موضوعا متباينان عقلا و عرفا، لأن و الأول إعدام ما وجد الثاني إنما هو النهي عن الإيجاد، و قد ثبت في الأصول أن النهي التكليفي في المعاملات لا يوجب الفساد إذا كان عن الخالق فضلا عما إذا كان عن الخلق.

و أما الثاني: ففيه أن كون موردها عدم سبق المنع لا يدل على تخصيص أصل الحكم به بعد ظهور الإطلاقات و العمومات و مثل خبر الحلبي في التعميم.

و أما الثالث: فكون مجرد عدم الرضاء الباطني ردا خلاف الوجدان.

و أما الرابع: فهو حق لا ريب فيه إن كان التزويج بغير الإذن أصلا حتى‏ الإجازة اللاحقة كما يدل عليه سائر الأخبار الواردة في هذا الباب المشتمل على قوله عليه السّلام: «إنما عصى سيده فإذا أجاز جاز»٦۲، و لا يدل على بطلان ما إذا منع قبل العقد و بعد وقوعه أجازه.

و أما الخامس: فلا ريب في ان المشتري العالم بالفساد لا يملّك ماله مجانا إلى البائع كما هو المحسوس في مشتري الأعيان المحرمة فضلا عن المعاملات الفضولية، و إنما يملّك ماله بحيثية مالكية المبيع، و هذه الحيثية تقييدية فأينما وجدت هذه الحيثية كان التملك لها و هو المالك الحقيقي بعد الإجازة، فيكون الثمن ملكا له فالحق صحة هذا القسم من الفضولي أيضا.

مسألة ۲): لا فرق في صحة الفضولي بين كون الثمن من الغير أو كون المثمن منه أو هما كذلك، و لا بين كون مورده العين الخارجي أو الكلي في ذمة الغير سواء كان هو الثمن أو المثمن أو هما معا، كما يجوز ان يكون بالاختلاف بأن يكون أحد العوضين عين مال الغير و الآخر كليا في ذمة الغير (٦۲).

لأنه بعد كون الفضولي مطابقا للقاعدة يجري فيه جميع أقسام البيوع مطلقا إلا مع وجود دليل معتبر على الخلاف في بعضها و هو مفقود.

(مسألة ۳): لا فرق في صحة الفضولي بين ما إذا كان بالعقد أو بالمعاطاة (٦۳).

لأنه بعد كون كل من المعاطاة و الفضولي مطابقا للقاعدة كما أثبتناه فتنطبق القاعدة على جميع موارد إمكان فروض الصغريات كما هو معلوم.

و توهم إن المعاطاة متقومة بالتراضي و قصد التمليك و التملك و هما من وظائف المالك، مع أن الدليل مختص بالفضولي العقدي.

فاسد: بما أثبتناه سابقا من انه لا فرق في أسباب البيع بين القولي فيه و الفعلي، كما أن اختصاص الدليل بالفضولي العقدي من مجرد الدعوى مع وجود العمومات و الإطلاقات في البين. و الحق إن كلماتهم مضطربة و غير منقحة في المقام رفع اللّه تعالى شأنهم.

(مسألة ٤): يعتبر في صحة الفضولي إجازة من له الحق (٦٤) و هي تقع باللفظ الظاهر في الرضا بما وقع ظهورا عرفيا مثل: أجزت، و أنفذت و رضيت و نحوها، و كقوله للمشتري: بارك اللّه فيه و نحو ذلك من الكنايات التي هي أبلغ من التصريح (٦٥)، و يقع بالفعل الكاشف عرفا عن الرضاء بالعقد، كما إذا تصرف في الثمن (٦٦) أو أجاز البيع الواقع عليه (٦۷)، و كما إذا أمكنت الزوجة من نفسها إذا زوجت فضولا و نحو ذلك من‏ الأفعال (٦۸).

بإجماع المسلمين، بل ضرورة من الدين، و الكتاب المبين، و نصوص المعصومين، و قد تقدم مرارا آية التراضي‏٦۳، و حديث «لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه»٦4، و يمكن الاستدلال بدليل العقل أيضا لأن التصرف في مال الغير بغير رضاه ظلم و هو قبيح عقلا، فتطابقت الأدلة الأربعة على اعتبار الإجازة في العقود الفضولية.

لأن كل ذلك معتبر في المحاورات العرفية و يستند الناس إليها في ۲ مقام الاحتجاج و رفع التخاصم و اللجاج، و الأدلة الشرعية منزلة على ذلك كله ما لم يمنعه مانع و لا مانع في البين من عقل أو نقل.

لأن اللفظ لا موضوعية له في المقام و إنما يعتبر من حيث الكشف عن الرضا، فكل ما يكون كاشفا عنه يصح الاعتماد عليه.

لأنه مستلزم لإجازة البيع الواقع على المثمن أيضا.

لكشف ذلك كله عن الرضا كشفا عرفيا، و قد ورد في سكوت المولى عن نكاح العبد بعد علمه به بأنه إقرار و إجازة٦٥.

(مسألة ٥): الإجازة من الأمور القصدية و ليست من الأمور الانطباقية القهرية فلو صدر منه لفظ أو فعل بلا قصد لا تتحقق به الإجازة (٦۹)، و كذا لو شك في كون اللفظ أو الفعل كاشفا عن الرضا و لم يكن قرينة في البين على أحد الطرفين لا تتحقق الإجازة أيضا (۷۰).

لأصالة عدم تحقق الإجازة.

لما تقدم من أصالة عدم تحققها.

(مسألة ٦): لو تنازعا في ظهور ما صدر في الرضا و عدمه، فالقول قول المنكر بيمينه (۷۱).

لأصالة عدم تحقق الرضا. و أما العين فلما يأتي في كتاب القضاء.

(مسألة ۷): لا يكفي مجرد الرضاء الباطني من دون كاشف عنه في البين في الخروج عن الفضولية، فيحتاج نفوذ العقد إلى الإجازة خصوصا إذا لم يلتفت حين العقد إلى وقوعه، لكن كان بحيث لو التفت لكان راضيا (۷۲).

لما تقدم في الجهة الرابعة فراجع.

(مسألة ۸): الأحوط أنه يعتبر في نفوذ الإجازة أن لا يسبقها الرد (۷۳).

استدل على إنه يعتبر في نفوذها ان لا يسبقها الرد.

تارة: بالإجماع.

و أخرى بأن الإجازة تجعل المجيز كأحد طرفي العقد و من شروط العقد أن لا يتخلل الرد بين طرفيه.

و ثالثة: بأن مقتضى سلطة الناس على أموالهم تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن ملكه.

و الكل مخدوش: أما الإجماع فعهدة إثباته على مدعيه، مع عدم ثبوته عند القدماء الذين هم الأساس للإجماع. و حصول القطع منه برأي المعصوم عليه السّلام ممنوع في تخلل الرد بين الإيجاب و القبول، فضلا عن المقام و المتيقن منه على فرض اعتباره ما إذا أسقط الموجب إيجابه رأسا قبل تحقق القبول حتى يبقى للقبول بلا مورد و أما رد القابل.

أولا: ثمَّ القبول.

ثانيا: فالشك في كونه من مورد الإجماع يكفي في عدم شموله له.

أما الثاني: فهو ممنوع صغرى و كبرى أما الصغرى فلأن المقام أجنبي عنه، لأن العقد حصل و كمل بجزئيه جامعا لشرائط الإيجاب و القبول، و لم يحصل بين جزئي العقد ما يسقط عن الاعتبار و الإجازة تنفيذ لما وقع جامعا للشرائط.

و أما الكبرى فلما تقدم آنفا.

أما الثالث‏: فلا وجه له أصلا، إذ لم يحدث للطرف الآخر علاقة تزاحم سلطنة المالك حتى تدفع بقاعدة السلطنة، لأن عقد الفضولي قبل الإجازة لا أثر له، فمقتضى الأصل بقاء صلاحية العقد للحوق الإجازة و لو بعد الرد و إنما عبرنا بالاحتياط في عنوان المسألة خروجا عن مخالفة دعوى الإجماع.

(مسألة ۹): الإجازة كاشفة عن صحة العقد الصادر من الفضولي من حين وقوعه، فتكشف عن ان المبيع كان ملكا للمشتري و الثمن ملكا للبائع من زمان وقوع العقد فكأن الإجازة وقعت حين العقد لا ان تكون ناقلة بمعنى: كونها شرطا لتأثير العقد من حين وقوعها و كأن العقد وقع حين الإجازة (۷٤). و تظهر الثمرة بينهما في النماء المتخلل بين العقد و الإجازة، فعلى الأول نماء المبيع للمشتري و نماء الثمن للبائع، و على الثاني بالعكس (۷٥)، و في جواز تصرف الأصيل فيما انتقل إليه مع علمه بتحقق الإجازة فيجوز بناء على الكشف دون النقل (۷٦)، و لا يجوز مع عدم علمه (۷۷).

هذه احدى المسائل التي اضطربت فيها الأقوال و تشتت الاحتمالات‏ حتى صارت من المشكلات و العويصات عندهم منشأها إنه إن قلنا بحصول الملكية بالعقد قبل الإجازة يلزم تقدم المعلول على العلة و تأثير المعدوم- و هو الإجازة- في الموجود و هو الملكية. و إن قلنا بحصول الملكية بعد الإجازة و بعد الإنشاء بزمان يلزم تأخر المعلول عن العلة زمانا بعد صيرورة الإنشاء كالعدم، مع انه الأصل الأصيل في العقود كلها فضولية كانت أو غيرها، فكيف يؤثر مع العدم. و هذا الإشكال جعل الافهام صرعى و الأفكار حيارى فاختار كل مهربا فمن قائل بأن الشرط تعقب العقد للإجازة. و لا ريب في كونه خلاف ظواهر الأدلة و من قائل بالكشف الحقيقي المحض و يظهر ذلك من المشهور، و بعض الاخبار الخاصة كصحيح قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في وليدة باعها ابن سيدها و أبوها غائب فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر، فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال عليه السّلام: الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها فناشده الذي اشتراها، فقال له:

خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك فلما رآه أبوه قال له: أرسل ابني قال لا و اللّه لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه»٦٦، و يأتي دفع إشكال تقدم المعلول على العلة بناء عليه إن شاء اللّه.

و من قائل بالكشف عن الرضاء التقديري و هو مقارن. و لا دليل على كفاية أصل الرضاء التقديري حتى يكون الكشف عنه كافيا و كان جوابا عن الإشكال.

و من قائل بالكشف بنحو اللم أي: كشف العلة عن معلولها.

و فيه: إنه خلاف ظواهر الأدلة الشرعية و إن نسب إلى المشهور.

و من قائل بالكشف الانقلابي يعني أن الإجازة تقلب الواقع عما كان عليه فيجعله مؤثرا بعد ما لم يكن كذلك.

و فيه: انه خلاف ما اشتهر من أن الشي‏ء لا يتغير عما وقع عليه في الأمور الواقعية.

و من قائل بالكشف الحكمي لا الموضوعي و الكشف الحكمي عبارة أخرى عن النقل الموضوعي مع ترتب الأثر من حين العقد يعني: أن بالإجازة يترتب حكم الملكية من حين حدوث العقد لا أن تكون الإجازة شرطا للملكية الحقيقية حتى يلزم تقدم المعلول على العلة هذه أقوالهم قدس سرّهم.

أقول: أولا: حق القول أن يقال الكشف أما حقيقي أو تنزيلي، و جميع ما ذكر من الأقسام داخل في القسم الثاني، فلا وجه لتكثير الأقسام بعد عدم ثمرة معتنى بها في التكثير.

و ثانيا: أصل الإشكال الذي اضرهم للفرار عنه إلى التمسك بهذه الوجوه حصل من المغالطة بين الأمور التكوينية و الأمور الاعتبارية و جميع ما أثبتوه في فن المعقول من أحكام العلة و المعلول‏٦۷، على فرض صحة بعضها إنما هو في التكوينيات فقط و لا تجري في الاعتباريات التي تقوم بها نظام البشر، و كذا الأحكام الشرعية التي هي أيضا من الاعتباريات الصحيحة العقلائية في جميع المذاهب و الأديان و لا ربط لعالم الاعتبار بعالم التكوين، كما لا ربط لهما بعالم الربوبي لفرض انه فوق العقول من كل جهة و لا يعقل الإحاطة بشي‏ء منه للبشر المتناهي من كل جهة و إن كملت عقولهم و دقت فطنتهم، كذلك عالم الاعتبار فإنه أوسع من عالم التكوين بمراتب، و له نظام خاص و تنظيم مخصوص في مقابل العوالم الخارجية التكوينية، و مؤسس هذه الاعتباريات الأنبياء و الرسل بالنسبة إلى الاعتباريات الشرعية و عقلاء العالم بجميع فرقهم بالنسبة إلى الاعتباريات العقلائية فكل ما صح في الاعتبار صحيح و إن خالف ما أثبتوه أهل الحكمة في التكوينيات، و كل ما لم يصح فيه ليس بصحيح و ان وافق ما قالوه، فكما أن العرفيات يختلف اختلافا كثيرا، فرب شي‏ء متعارف حسن عند طائفة يكون ذلك بعينه قبيحا عند طائفة أخرى. و بالعكس تكون نسبة الاعتباريات مع ما اثبتوا في الحكمة هكذا أيضا فما قالوه من امتناع اجتماع المثلين أو الضدين، و امتناع تقدم المعلول على العلة، و امتناع صدور الكثير عن‏ الواحد و بالعكس لا موضوع لها في الاعتباريات رأسا و هي خارجة تخصصا، و لقد أحسن الأقدمون من أصحابنا رفع اللّه تعالى منازلهم في الآخرة حيث لم يتعرضوا لمثل هذه المباحث أصلا، و كان ذلك لما غرس في أذهانهم الشريفة من التباين بين الموضوعين و احتفظوا كل الاحتفاظ على أن لا يختلط الفقه الذي هو أهم مواريث الأنبياء و المرسلين بجملة من الأوهام و المغالطات، و في المقام إذا صح اعتبار حصول الملكية بعد عقد الفضولي مع لحوق الإجازة عند عامة الناس و سوادهم يصح شرعا أيضا، و إذا راجعنا إلى وجداننا و وجدانهم نراه صحيحا لا غبار عليه.

فما نسب إلى المشهور من الكشف الحقيقي هو الصحيح الموافق للأذهان الساذجة العرفية فكما يصح اعتبار السنة من الزمان المتدرج الوجود، و اعتبار الملكية من الأشياء المتفرقة الاجزاء، و اعتبار صلاة الظهر من الركعات المتقدمة و المتأخرة، و اعتبار الاعتبار في شخص يصير ملكا في مستقبل الأيام، و اعتبار الاعتبار أيضا ممن كان ملكا في سالف الأيام و سار أسيرا في أيدي الأنام، إلى غير ذلك مما هو كثير لا يحصى فكذلك في نظائر المقام فالعقد الفضولي مع الإجازة له نحو وحدة عرفية اعتبارية، بتلك الوحدة يؤثر في الملكية كما في بيع الصرف و السلم مع القبض، بل و جميع الأسباب المتدرجة الوجود في الزمان و الاعتباريات كما تكون أوسع شي‏ء دائرة و بها يقوم نظام الشريعة تكون أيضا أخف شي‏ء مئونة، و ما من شي‏ء إلا و هو محفوف بالاعتباريات و هذا الجواب سار في كل ما يجري فيه هذا الإشكال من أول الفقه إلى آخره، فتشمله العمومات و الإطلاقات بحسب ما كان مغروسا في أذهان فقهائنا الأقدمين و أذهان عامة الناس أجمعين، و هذا هو المستفاد مما ورد من الأدلة الخاصة أيضا في صحة الفضولي في المقام كصحيح محمد بن قيس‏٦۸، و غيره فراجع.

ثمَّ إن منشأ القول بالنقل أو الكشف الحكمي أو الانقلابي، أو شرطية الرضاء التقديري أو العنوان الانتزاعي إنما هو إشكال تقدم المعلول على العلة بناء على الكشف الحقيقي، و حيث إنه لا وقع لأصل هذا الإشكال في الاعتباريات مطلقا فلا وجه بعد ذلك للتفصيل و النقض و الإبرام و بسط الكلام مع وجود الأهم من ذلك في البين.

لأنه على الكشف حصلت ملكية المثمن للمشتري و ملكية الثمن للبائع من حين حدوث العقد و النماء تابع للملك، فيكون نماء كل ملك لمالكه و بناء على النقل تحصل الملكية من حين الإجازة فيتبعها النماء من حين حدوث الملكية لا محالة، فلا فرق في ذلك بين الكشف الحقيقي و التنزيلي بأقسامه، لأن الآثار الشرعية و إن كانت مترتبة على الموضوعات الواقعية إلا أن للشارع تنزيل الموجود منزلة المعدوم و بالعكس، كما إنه لا اختصاص لذلك بخصوص النماء بل جميع آثار الملكية يترتب من أول العقد بناء على الكشف و من حين الإجازة بناء على النقل.

لتحقق المقتضى و فقد المانع في الأول و عدم المقتضي في الثاني، لعدم الأثر للعقد بناء على النقل إلا من الإجازة، و لكن لو علم برضاء المالك بالتصرف يجوز له التصرف من هذه الجهة لا من حيث حصول الملكية.

لأصالة عدم تحقق الإجازة، و لكن لو تصرف مع هذا و تحققت الإجازة يكون من التجري، و أما تصرف المالك فيما انتقل عنه فإن كان مع علمه بوقوع بيع الفضولي على ماله، فالعرف يراه ردا و مع عدم علمه به و إجازته بعد ذلك يمكن القول بصحة التصرفات ظاهرا و الانتقال إلى البدل خصوصا بناء على الكشف جمعا بين الأدلة و لأصالة بقاء عقد الفضولي على الاقتضاء و القابلية.

و أما لزوم المعاملة على الأصيل بناء على الكشف و علمه بتحقق الإجازة فالعرف يرى المعاملة لازمة عليه حينئذ بخلاف ما إذا لم يعلم فضلا عن النقل، هذه خلاصة ما ينبغي أن يقال في المقام. و أما الكلمات فهي مشوشة بل بعضها من الرجم بالغيب جعل اللّه تعالى أقوالنا و أقلامنا مع أفعالنا تحت رعايته و عنايته.

(مسألة ۱۰): لا تورث الإجازة لو مات المالك قبلها و انما تورث ما يكون مورد الإجازة (۷۸).

لأن جواز الإجازة حكم شرعي و الحكم الشرعي ليس قابلا للإرث، و أما إرث مورد الإجازة مالا كان أو حقا قابلا للنقل و الانتقال فلا إشكال فيه نصا٦۹، و إجماعا.

و الفرق بين إرث الإجازة و إرث موردها إنه إن كانت الإجازة موروثة يمكن القول بأن الزوجة ترث منها، و إن كانت محرومة من موردها بخلاف ما إذا لم يكن موروثة فتدور إرثها عن متعلقها مدار عدم حرمانها عنه، و يأتي في إرث الخيار ما ينفع المقام.

(مسألة ۱۱): تتعلق الإجازة بالعقد و اما القبض و الإقباض الحاصل فالأحوط فيهما الاذن الجديد (۷۹).

لما يظهر منهم أن موردها الاعتباريات دون الخارجيات كالأقوال و الافعال.

و فيه: إنه من مجرد الدعوى بل تشمل الاعتباريات و ما هو من لوازمها العرفية أو الشرعية- قولا كان أو فعلا- و ما من أمر اعتباري إلا و هو محفوف‏ بقول أو فعل.

ثمَّ إنه بناء على عدم تعلق الإجازة بهما إن انطبق عليهما عنوان خاص صح انطباقه على مورد الإجازة يصح تعلق الإجازة به حينئذ كإسقاط الضمان فيما نحن فيه.

و أشكل عليه.

تارة: بأنه من إسقاط ما لم يجب.

و أخرى بأنه أن أريد به إسقاط ضمان المعاوضة فهو حكم شرعي غير قابل للإسقاط. و إن أريد به الغرامة فلا دليل على أن الإجازة تؤثر فيه.

و هو مردود: للكفاية المعرضية العرفية للإسقاط، فلا يكون حينئذ من إسقاط ما لم يجب، و ان ضمان المعاوضة فيه جهتان جهة الحكمية و جهة الحقية و الأولى مترتبة على الثانية، و لا ريب في إن الأخيرة قابلة للإسقاط فلا يبقى موضوع للجهة الأولى فيصح بيان قاعدة و هي: أن كلما يؤثر فيه الإذن السابق تؤثر فيه الإجازة اللاحقة إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخروج فيصح الاسقاط بمعنى ضمان الغرامة أيضا، و باب المناقشة و إن كانت مفتوحة و لكن جميعها قابلة للرد بعد التأمل و التدبر، فإجازة البيع إجازة لكل ما يلازمه من اللوازم العرفية و الشرعية إلا ما خرج بدليل معتبر، و لا فرق فيه بين قبض الثمن المعين و تشخيص الكلي في الفرد بعد التسالم على إن الإجازة اللاحقة كالإذن السابق عند كل من يقول بصحة الفضولي.

(مسألة ۱۲): الإجازة ليست على الفور فيصح التأخير فيها (۸۰)، و لو تضرر الأصيل فله الخيار بعد عدم إمكان الإجبار (۸۱).

للأصل، و الإطلاقات، و العمومات، و ظاهر صحيح ابن قيس‏۷۰، و غيرها من الروايات.

لقاعدة نفي الضرر و الضرار بناء على لزوم العقد من قبله و إلا فلا إشكال في البين كما لا يخفى.

(مسألة ۱۳): الإجازة. تارة: موافقة لما وقع كما و كيفيا، و أخرى مخالفة له من حيث النقيصة أو من حيث الزيادة و كل منهما. تارة: بالنسبة إلى الجزء. و أخرى بالنسبة إلى الشرط فهذه أقسام خمسة و لا ريب في صحة القسم الأول (۸۲) و كذا في البقية إن انحل الالتزام العقدي و الاجازي إلى التزامات متعددة حسب تعدد انحلال المتعلق (۸۳).

للإجماع عند كل من قال بصحة الفضولي و للإطلاقات و العمومات.

لأنه بعد انحلال الالتزام من الأصيل و المجيز إلى التزامات كثيرة، بحيث يكثر مورده جزءا كان أو شرطا يصح فيما وقع به الالتزام و يبطل في غيره، و لو كان الالتزام بنحو المجموع من حيث المجموع تبطل في صورة الاختلاف مطلقا، لأن ما عقد ما لم يجز و ما أجيز لم يقع عليه العقد، و المنساق من العقود المتعارفة بين الناس إنما هو الانحلال. و لو شك في انه انحلالي أو مجموعي فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر في صورة الاختلاف بينهما بعد عدم وجود أصل موضوعي غير معارض في البين.

(مسألة ۱٤): لو أجاز المالك بعد إيجاب الفضولي و قبل قبول الأصيل صح العقد و ليس من الفضولي المعهود (۸٤).

أما صحة العقد، فلوجود المقتضى و فقد المانع. و أما عدم كونه من الفضولي المعهود فلأن المراد به في اصطلاح الفقهاء ما إذا وقعت الإجازة بعد تمامية الإيجاب و القبول لا في الأثناء.

(مسألة ۱٥): لو باع المالك شيئا مع تحقق قصد إنشاء البيع منه كالفضولي و قبل المشتري و لكن قال المالك أجيز بعد ثلاثة أيام- مثلا- يصح البيع (۸٥).

للإطلاقات، و العمومات، و هل يكون من الفضولي المعهود أو لا؟

صريح الجواهر هو الأول. و عن بعض الأخير و منشأ النزاع دعوى الانصراف و عدمه.

و قد يقال ببطلان أصل البيع، لعدم تحقق قصد الإنشاء جدا منه.

و فيه. أولا: إنه خلاف الوجدان بين المتعاملين، حيث يقولون: بعتك هذا المتاع، و لكن أمضيه بعد المراجعة إلى السندات و الدفاتر أو أهل الخبرة.

و ثانيا: إنه نزاع صغروي لا يضر بأصل الكبرى.

(مسألة ۱٦): لا يعتبر في الفضولي وحدة المكان، فلو كان الفضولي في بلد و الأصيل في بلد آخر و المجيز في بلد ثالث و حصل العقد و الإجازة بينهم بالوسائل الحديثة صح و لزم (۸٦).

للإطلاقات و العمومات بعد صدق العنوان عليه عرفا.

(مسألة ۱۷): لا يشترط في الفضولي قصد الفضولية فلو تخيل كونه وليا أو وكيلا فباع ثمَّ بان الخلاف يكون من الفضولي (۸۷) و أما العكس بأن تخيل كونه غير جائز التصرف ثمَّ بان أنه كان يجوز له التصرف بالولاية أو الوكالة أو كونه مالكا يصح البيع في الجميع (۸۸)، و لكن يحتاج إلى‏ الإجازة في اللزوم (۸۹)، و كذا لو باع شيئا لنفسه و انكشف كونه وليا أو وكيلا فالبيع فيهما صحيح (۹۰).

لصدقه عليه عرفا، و شرعا، و لغة فهو من العناوين الانطباقية القهرية لا القصدية، حتى إنه لو قصد عدم الفضولية و باع لنفسه متجزما به يكون من الفضولي فضلا عن صورة عدم القصد.

لوجود المقتضي للصحة و هو القصد الجدي في إنشاء البيع و كونه جامعا لسائر الشرائط، كما هو المفروض و فقد المانع عنها، إذ ليس ما يتوهم فيه المانعية إلا أنه قصد بيع مال الأجنبي فبان إنه ليس من الأجنبي، بل هو مما يتعلق به ولاية أو وكالة أو ملكا فما قصده لم يقع و ما وقع لم يقصد و العقود تتبع القصود.

و لكنه باطل، لأن هذا التخلف من تخلف الداعي و المقارنات، و هو كثير في المعاملات و ليس معنى تبعية العقود للقصود هذه القصود. و إلا لبطل جملة من المعاملات و اختل النظام بل المراد أن العقد لا بد و أن يصدر عن قصد جدي استعمالي صحيح لا أن كلما قصد في كل عقد لا بد و أن يتحقق خارجا، إذ لا دليل عليه من عقل أو نقل و بطلانه غنى عن البيان.

و ما نسب إلى القاضي- و هو ابن البراج و أحد تلامذة الشيخ رحمه اللّه- من أنه لو أذن السيد لعبده في التجارة و هو لا يعلم لا يصح بيعه. يراد به أن ثبوت الرضاء الباطني من السيد و عدم إبرازه ظاهرا لا يكفي، و قد مر سابقا عدم كفايته في صحة البيع بلا إجازة لا أن يكون مراده عدم صحة أصل البيع بحيث لا تنفعه الإجازة، لأن مشايخنا الأقدمون رحمهم اللّه أجل من أن ينسب إليهم مثل هذا القول.

لأن مقتضى ظواهر الأدلة الدالة على عدم حل المال إلا بطيب النفس، و مقتضى حكم العقل بأصالة عدم جواز التصرف في مال الغير هو عدم الجواز إلا إذا أحرز الرضاء بعنوان انه ماله، أو انه وليه في بينه أو وكيل أو مأذون فيه.

و بعبارة أخرى الرضاء الخاص الشخصي لا مطلق جنس الرضا بأي نحو كان، و هذا هو الذي يقتضيه كثرة اهتمام الشارع بأموال الناس و نفوسهم و أعراضهم، و المسألة سيالة في موارد كثيرة من الفقه نشير إليها في مواضعها، و حيث أن هذا الرضاء الشخصي الخاص بقيد كونه مالكا أو وليا أو وكيلا لم يحرز، فلا بد من الإجازة حينئذ.

إن قيل أن الاحتياج إلى الإجازة من قبيل لزوم ما لا يلزم، لأنه عقد صدر عن أهله و في محله فلا بد فيه من اللزوم، فالحكم بصحة البيع في المقام ملازم عرفا للزومه فلا مورد للإجارة بعد ذلك، و لا وجه للتفكيك بين الصحة و عدم اللزوم قبل الإجازة.

يقال: وجه التفكيك ظاهر لا مساق لإنكاره، لأن الرضاء الالتفاتي الشخصي ربما يكون مستلزما لإعمال خصوصيات و جهات لا يكون ذلك في جنس الرضا كما هو معلوم بالوجدان، و هذا من قبيل الحكمة لاعتباره لا العلة، فيعتبر فيما لم تترب عليه تلك الحكمة.

للعمومات، و خصوص أدلة الولاية و الوكالة، و لكن يحتاج لزومه إلى الإجازة بعد الانكشاف، لعدم الرضاء الشخصي الخاص حين البيع عمن له حق البيع و الولاية عليه.

(مسألة ۱۸): يعتبر في المجيز أن يكون جائز التصرف حين الإجازة بالبلوغ، و العقل، و الرشد، و عدم الحجر (۹۱)، و لا يعتبر في صحة الفضولي جود مجيز حال العقد فيصح و لو تجدد حال الإجازة (۹۲)، كما لا يعتبر فيه‏ أن يكون جائز التصرف حين العقد على فرض وجوده (۹۳) فإذا كان المالك غير جائز التصرف حين العقد لمانع من صغر، أو سفه، أو جنون أو نحو ذلك ثمَّ ارتفع المانع فأجاز تنفذ إجازته (۹٤).

للإجماع، و إطلاق أدلة اعتبار البلوغ و العقل و الرشد، و عدم المنع بالحجر في صحة التصرف الشامل لحال الإجازة أيضا، فلا يصح إجازة الصبي و المجنون و المحجور مطلقا لسفه كان أو غيره، و يشمل دليل مانعية الحجر الصبي و المجنون أيضا مضافا إلى سلب عبارة المجنون عند العقلاء، و عبارة الصبي عند المشهور من الفقهاء، كما مر و إن ناقشنا في الأخير.

لإطلاقات أدلة صحة الفضولي و عموماتها الشاملة لهذه الصورة أيضا، و لأن المناط في اللزوم على حال التنفيذ لا حال صدور العقد، فيكون وجوده بالنسبة إلى حال صدور العقد كعدمه، فلو زوج الفضولي الصغير مع عدم التمكن من الوصول إلى الولي حين العقد، و بعد مدة حصل التمكن منه و أجاز صح العقد.

ثمَّ إن المراد بوجود المجيز هنا وجوده من حيث ظهور الأثر لا أصل وجوده و لو لم يكن له أثر، و لذا نسب إلى العلامة رحمه اللّه اشتراط وجود المجيز حال‏ عقد الفضولي مستدلا بأن صحة العقد و الحال هذه ممتنعة فإذا امتنع في زمان امتنع دائما، و للزوم الضرر على المشتري، لامتناع تصرفه في العين لإمكان عدم الإجازة لإمكان تحققها.

و دليله الأول مخدوش صغرى و كبرى خصوصا في الاعتباريات و سيما بعد ما تقدم من صحة الإجازة حتى بعد الرد فإذا لم يكن دليل على مانعية الرد عن الإجازة فأي دليل على اعتبار أصل وجود المجيز و ضرر المشتري مجبور بالخيار في صورة الجهل، و في صورة العلم يرجع إلى الحاكم الشرعي فلا وجه لهذا الاستدلال.

لأن شرائط جواز التصرف من شرائط التنفيذ و اللزوم فإذا لم يكن أصل وجود المجيز معتبرا حين عقد الفضولي، فعدم اعتبار تحقق شرائطه يكون بالأولى.

لوجود المقتضى للنفوذ و فقد المانع عنه حينئذ.

(مسألة ۱۹): لا يعتبر في المجيز أن يكون مالكا حين العقد فيجوز أن يكون المالك حين العقد غير المالك حين الإجازة كما إذا مات المالك حين العقد قبل الإجازة فيصح بإجازة الوارث، و كما إذا باع المالك العين بعد وقوع عقد الفضولي و قبل الإجازة فتصح الإجازة للمنتقل إليه و إن لم تصح بالنسبة إلى المنتقل عنه لفوات محل الإجازة بالنسبة إليه بالانتقال عن ملكه (۹٥).

كل ذلك للإطلاقات و العمومات الشاملة لجميع هذه الصور.

(مسألة ۲۰): لو باع شيئا فضولة ثمَّ ملكه إما باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالإرث- لزم البيع بإجازته بعد ما ملكه (۹٦).

الأقوال في هذه المسألة بين الإفراط و التفريط، فقد حكى عن الشيخ و الشهيد اللزوم بعد الملك فلا حاجة إلى الإجازة، و حكى عن المحقق الثاني البطلان و عدم القابلية للحوق الإجازة، و عن جمع اللزوم بعد الإجازة.

و دليل اللزوم بلا احتياج إلى إجازة مستأنفة أصالة بقاء الرضاء من حين صدور العقد إلى حين حصول الملكية، فالمقتضي للزوم موجود و المانع عنه مفقود حينئذ.

و فيه: ما مر ان المناط في الإجازة الرضاء الشخصي الالتفاتي إلى ملكه و سائر جهاته و أصالة بقاء الرضا لا يثبت ذلك قطعا.

و استدل للبطلان بأمور كلها مخدوشة.

الأول‏: إنه من بيع مال الغير لنفسه.

و فيه: انه قد مر صحته و عدم الإشكال فيه بعد الإجازة.

الثاني‏: إن الفضولي خلاف القاعدة فلا بد فيه من الاقتصار على حصوله للمالك حين العقد بعد إجازته، مع انه لا قدرة على التسليم بالنسبة إلى المجيز حال العقد.

و فيه: ما مر من انه موافق للقاعدة فيصح بالنسبة إلى كلما انطبقت عليه القاعدة مطلقا و لا ريب في انطباقها على من باع شيئا ثمَّ ملك، و المعتبر من القدرة إنما هو حال ترتيب الأثر لا حال العقد، مع انه لا تعتبر القدرة في العاقد بلا كلام كما مر.

الثالث‏: الإجازة كاشفة فيلزم خروج المال عن ملك مالكه قبل دخوله فيه. و يرد بأن الإجازة كاشفة عن الواقع على ما هو عليه بحسب تدرج الوجود في الشرائط المعتبرة شيئا فشيئا، و المكشوف عنه ليس بسيطا آني الحصول بل هو عقد فضولي و تملك من المالك ثمَّ إجازة من المالك الجديد، فالإجازة تتعلق بهذا العقد المتحقق في الخارج، و تكشف عن نحو تحققه من أول حدوثه منبسطا و متدرجا، فكما ان إجازة كل عقد تكشف عن إجازة الإيجاب أولا ثمَّ القبول ثانيا و لو لحق العقد ثالثا فكذا في المقام تكشف الإجازة عن أول حدوث العقد بمسيرة الشرعي المتدرج الوجود لا أن تكشف عن الملكية من أول العقد مع عدم تمامية موجباتها الشرعية، مع أن أصل هذا الإشكال مبني على الكشف الحقيقي و لا يجري في الكشف الانقلابي كما هو واضح.

الرابع‏: بناء على ان الكشف إجازة العقد الأول إنما يترتب عليه الأثر بإجازة الفضولي، و هي مترتبة على صحة العقد الثاني المتوقفة على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي فتكون صحته موجبة لكون المال المعين ملكا للمالك و للمشتري معا في زمان واحد، و هو محال فوجود الثاني يقتضي عدم الأول و هو موجب لعدم الثاني فيلزم وجوده و عدمه في آن واحد.

و فيه. أولا: أنه عين الإشكال الثالث أعيد بتقرير آخر كما لا يخفى.

و ثانيا: إنه مغالطة بين الكشف البسيط الآني الحصول و التدريجي الانبساطي كانبساط وجوب واحد على عمل مركب ذي أجزاء كثيرة متدرجة الوجود، و الكشف في المقام من الثاني دون الأول فكلما يجاب به عن الاشكال الثالث يجاب به عن هذا الإشكال أيضا.

الخامس‏: بناء على كاشفية الإجازة فهي تكشف عن صحة البيع الأول، و عن كون المال ملكا للمشتري الأول فقد وقع العقد الثاني على ماله فلا بد من أجازته، كما لو بيع المبيع من شخص آخر فأجاز المالك البيع الأول فلا بد من إجازة المشتري البيع الثاني حتى يصح، و يلزم على هذا توقف إجازة كل من الشخصين على الآخر و توقف صحة كل من العقدين و الإجازة على إجازة المشتري للغير الفضولي و هو من الأعاجيب.

و فيه: أن التوقف الباطل ما إذا كان عرضيا من كل جهة لا أن يكون طوليا انبساطيا كما مر، و هذا أيضا عين الاشكال الثالث أعيد ببيان آخر، و الجواب عن‏ الكل واحد، و لعمري ان هذه الشبهات مما لا يرضى بها صاحب الشرع بأن يتدخل في أحكامه التي وردت على طبق أذهان الناس و عامتهم و عدم ابتنائها على المغالطات.

السادس‏: ان بيع المالك ماله من الفضولي فسخ للعقد الأول الذي وقع من الفضولي فلا يبقى مورد للإجازة بعد ذلك، لأنه كالفسخ و الرد الذي لا يبقى معه موضوع للإجازة.

و فيه: أن الفسخ و الرد.

تارة: لفظي.

و أخرى فعلي، و هو إما بتفويت محل الإجازة رأسا مطلقا فيكون اعتبار بقائه لغوا محضا و إما بتفويت محلها بالإضافة إلى نفس البائع فقط دون غيره، كما في المقام فإنه لم يتحقق فيه الرد و الفسخ اللفظي و لم يفوّت محل الإجازة رأسا بأن كان المبيع عبدا فأعتق، و إنما فات محل الإجازة بالنسبة إلى البائع فقط دون الفضولي الذي اشترى المال و صار مالكا ثمَّ أجاز، فإن هذا البيع بالنسبة إليه محقق موضوع الإجازة له لا أن يكون مفوتا لمحلها بالإضافة إليه فهذا الإشكال حصل من الخلط بين فوت محل الإجازة بالنسبة إلى المالك الأصيل البائع و البائع الفضولي الذي أشترى المال و صار مالكا فأجاز.

السابع‏: الأخبار المستفيضة التي يكون المتحصل من مجموعها منطوقا أو مفهوما أو تعليلا إنه لا يجوز للشخص أن يبيع ما لا يملكه، و قد مر بعضها في ما استدل به على بطلان أصل بيع الفضولي مطلقا۷۱، و في رواية يحيى بن الحجاج قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقول لي: اشتر لي هذا الثوب هذه الدابة و بعنيها أربحك فيها كذا و كذا؟ قال عليه السّلام: لا بأس بذلك اشترها و لا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها أو تشتريها»۷۲، و في صحيحة ابن مسلم قال: «سألته عن‏ رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد، أو نسيئة فابتاعه الرجل من أجله؟ قال عليه السّلام: ليس به بأس أشتريه منه بعد ما يملكه»۷۳، و كذا صحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه السّلام: «في رجل أمر رجلا يشتري له متاعا فيشتريه منه، قال عليه السّلام: لا بأس بذلك إنما البيع بعد ما يشتريه»۷4، و صحيحة معاوية بن عمار۷٥ قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يجئني الرجل يطلب مني بيع الحرير و ليس عندي منه شي‏ء فيقاولني عليه و أقاوله في الربح و الأجل حتى نجتمع على شي‏ء ثمَّ أذهب فاشتري له الحرير فأدعوه إليه فقال عليه السّلام: أرأيت إن وجد بيعا هو أحب إليه مما عندك أ يستطيع أن ينصرف إليه و يدعك أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع أن تنصرف إليه و تدعه؟ قلت: نعم، قال عليه السّلام: فلا بأس» إلى غير ذلك من الروايات فراجع أبوابها.

و فيه: ما مر من أن النهي عن البيع في مثل هذه الأخبار.

تارة: يراد به البيع الصحيح الفعلي الجامع لجميع الشرائط فعلا.

و أخرى البيع الصحيح الاقتضائي بحيث لو اجتمع سائر الشرائط لأثر أثره الفعلي و المنساق من الأخبار هو الأول و مورد البحث في بيع الفضولي هو الثاني فلا ربط لها بالمقام و على اللّه التوكل و به الاعتصام و من أراد الاطلاع على مزيد من ذلك فعليه بمراجعة كلمات شيخنا الأنصاري مع حواشي بعض مشايخنا الاعلام قدس سرّهم.

ثمَّ أن هذه الوجوه المذكورة للبطلان و إن كان ظاهر بعضها فيما إذا كان التملك اختياريا و لكن ملاك البحث شامل لغير الاختياري أيضا و قد صرح به شيخنا المدقق الأصبهاني الغروي أعلى اللّه مقامه في بحثه الشريف.

(مسألة ۲۱): يعتبر في عقد الفضولي الذي يصير لازما بالإجازة أن يكون جامعا لجميع شروط العقد و العوضين و المتعاقدين (۹۷)، و يعتبر في‏ المجاز أن يكون معلوما للمجيز (۹۸)، فلا يكفي إجازة المجهول إلا إذا علم بالقرائن أنه يجيز و يرضى بكل ما وقع و تحقق (۹۹).

لإطلاق أدلة اعتبار تلك الشروط الشامل لكل عقد سواء كانت له‏ فعلية التأثير أو مجرد الاقتضاء و الصلاحية بلا فرق فيه بين الكشف و النقل، لأن الإجازة تنفيذ للواقع على أي تقدير و ليست عقدا مستأنفا فانطباق أدلة اعتبار الشروط في العقد و المتعاقدين و العوضين حين العقد قهري لا يحتاج إلى مزيد عناية و تطويل بيان إلا أن يدل دليل معتبر على الخلاف و هو مفقود.

لأصالة عدم ترتب الأثر، و لبناء العرف و العقلاء في المعاملات الواردة على أموالهم على التثبت و التفحص مهما أمكنهم ذلك.

لفرض صدور الإجازة على أي تقدير و بأي نحو وقع العقد كما إذا صرح و قال أجزت العقد الصادر من الفضولي بأي نحو كان و على أي شي‏ء وقع و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات، فراجع و تأمل.

(مسألة ۲۲): لو وقعت بيوع متعددة على مال الغير فصوره أربع. الأولى: ما إذا وقع على نفس مال الغير مكررا. الثانية: ما إذا وقع عليه من أشخاص متعددين. الثالثة: ما إذا وقع من شخص واحد على الأعواض و الأثمان بالترامي. الرابعة: ما إذا وقع على العوض الشخصي مرارا، و القاعدة الكلية التي ذكرها الأصحاب رحمهم اللّه إن العقود الواردة على مال المجيز يصح المجاز و ما بعده دون ما قبله و العقود الواردة على بدل ماله يصح المجاز و ما قبله دون ما بعده (۱۰۰).

لأن هذا هو المتفاهم عرفا من الإجازة في الموردين فإجازة البيع الوارد على نفس المال حيث انه إخراج للمال عن الملك و إدخال في ملك الغير تصحح المجاز و ما بعده لا محالة بالملازمة العرفية فيكون ما قبله لغوا لا محالة و إجازة البيع الوارد على العوض حيث إنه إدخال للعوض في الملك، و ما لم يدخل ما قبله لا يدخل ما يترتب عليه يستلزم ذلك إجازة ما قبله بحسب الملازمة العرفية، و يكون ما بعده لغوا لا محالة.

ثمَّ أن الاقسام اثنى عشر، ستة للغرض الأول، و ستة للغرض الثاني، فإنه لو كان المجاز العقد الواقع على مال الغير فأما أن يكون ذلك أول العقود الواقعة عليه أواخره، أو وسط بين عقدين على عوضه أو وسط بين عقدين يكون السابق منهما واقعا على نفسه و اللاحق على عوضه، أو بالعكس فهذه ستة أقسام، و هكذا لو كان المجاز العقد الواقع على العوض و لا بد من تطبيق هذه الاقسام على ما ذكره الأصحاب و لا موضوعية لهذا التشقيق و إن وقع في كلام بعض الأعاظم. و لا يخفى ان المراد بقولهم رحمهم اللّه: على بدل ماله يصح المجاز و ما قبله دون ما بعده إنما هو البدلية النوعية دون الشخصية، لأن البدل الشخصي في حكم شخص ماله من هذه الجهة.

فالصواب ان يقال: إذا ترتبت عقود على مال المجيز فإجازة واحد مما ترتب على شخص ماله أو على بدله الشخصي ملزمة لما بعده دون سابقة، كما أن إجازة واحد مما يترتب على عوض ماله عوضا نوعيا ساريا في كل واحد من العقود إجازة لسابقه دون ما بعده، و حيث ان المسألة عديم الابتلاء و فرضية محضة فلا وجه للتفصيل مع وجود الأهم و من شاء فليراجع المطولات.

ثمَّ إنهم قد ذكروا هناك إشكالان لا ينبغي ذكرهما أصلا فضلا عن اطالة القول فيه.

أحدهما: انه مع العلم بأن القابض لا يستحق القبض فإقباضه الثمن أذن في الإتلاف مجانا، كما أن إقباضه المثمن إتلاف فلا يبقى موضوع للإجارة في العقد الأول فكيف تترتب العقود.

و فيه: ان هذا الاشكال مخالف لوجدان كل من يأتي بالمعاملات الفاسدة مع الغاصبين و السرقة فإنهم بوجدانهم لا يفرقون بينها و بين المعاملات المحللة التي تحصل منهم فيها قصد المعاوضة، و الإجازة تتعلق بالمقصود لا بخصوصية القاصد كما مر فراجع.

ثانيها: ان إجازة المالك للبيع الثاني تتوقف على كون المبيع ملكا له، إذ لا أثر لإجازة الأجنبي قطعا، و كون المبيع ملكا له متوقف على إجازته و هو دور.

و فيه: إنه من البطلان بمكان لأن الإجازة واحد نوعي تنحل إلى إجازات كثيرة حسب تعدد متعلقها، و ليست واحدة بالوحدة الشخصية بل انحلالية كالعام الاستغراقي الانحلالي.

(مسألة ۲۳): الرد الذي يوجب بطلان عقد الفضولي إما قولي (۱۰۱)، و اما فعلي كما إذا تصرف فيه بما يوجب فوت محل الإجازة عقلا كالإتلاف، أو شرعا، كالعتق (۱۰۲) الذي يفوت به محل الإجازة مطلقا حتى بالنسبة إلى غير المالك.

و هو كل لفظ له ظهور عرفي و لو بالقرائن في إسقاط العقد و إرادة عدمه، كقول: فسخت و رددت و نحو ذلك.

و هو كل فعل له ظهور عرفي في التباني بينه و بين إنفاذ العقد و الدليل على سقوط الإجازة بذلك ان صحتهما معا من المتنافيين فلا بد إما من بطلان الإجازة أو بطلان التصرف و الثاني خلاف قاعدة السلطنة فيتعين الأول. هذه خلاصة ما قالوه بتلخيص منا.

و فيه: أما بالنسبة إلى الرد القولي فقد تقدم انه لا دليل من عقل أو نقل على أن الإجازة بعد الرد لا تؤثر. و أما بالنسبة إلى الرد الفعلي فأي مانع من تأثير الإجازة مع الحكم بصحة التصرف و الانتقال إلى البدل مع بناء الأصيل و المالك على إبقاء العقد خصوصا مع كون التصرف من المالك عن جهل بوقوع عقد الفضولي.

و بالجملة: أصالة بقاء اقتضاء العقد للتصحيح لا مدفع لها بوجه من‏ الوجوه و قد أشكلنا بذلك على بعضد أعاظم مشايخنا قدس سرّهم و كان بصدد الجواب و لم يأت بما يرتضيه الأصحاب.

نعم، لا ريب في تحقق الرد القولي و الفعلي بما مر مع استقراره و عدم تعقب الإجازة رأسا و منه يظهر ما في تعبير سيد مشايخنا في الوسيلة بقوله رحمة اللّه:

«الرد الذي يكون مانعا عن تأثير الإجازة» و إن صح على مبناه قدس سرّه من عدم الأثر للإجازة بعد الرد.

ثمَّ أن ظاهرهم عدم الفرق في الرد الفعلي بين علم المالك بوقوع العقد و عدمه بل صرح به شيخنا الأنصاري قدس سرّه لأن التنافي بينها و بين الإجازة ذاتي قهري لا أن يكون قصديا اختياريا.

و فيه: ما مر من انه لا دليل على البطلان في صورة علم المالك و التصرف فيه فضلا عن صورة الجهل، فيصح الانتقال إلى البدل بعد الإجازة إلا أن يكون إجماع معتبر في البين و عهدة إثباته على مدعيه، و أما الرد القولي فظاهر بناء العقلاء على إنه لا أثر للأقوال مطلقا مع الجهل بعدم تأثيره إلا مع العلم.

و لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف و النقل لأن العقد له اقتضاء التأثير على أي تقدير فإذا سقط عن الاقتضاء بالرد قولا أو فعلا يكون الكشف و النقل في ذلك على السواء.

(مسألة ۲٤): قد يكون الرد مانعا عن لحوق الإجازة بالنسبة إلى خصوص المالك حين العقد فقط لا مطلقا، كالتصرف الناقل للعين كالبيع و الهبة و نحوهما حيث ان بذلك لا يفوت محل الإجازة إلا بالنسبة إلى المنتقل عنه فقط (۱۰۳) و أما المنتقل إليه فله أن يجيز بناء على عدم اعتبار كون المجيز مالكا حين العقد كما مر (۱۰٤).

بناء على ما نسب إلى المشهور من عدم الانتقال في مورد الإجازة إلى البدل و لو مع الأصيل و المالك.

لأن هذه المسألة حينئذ من صغريات تلك المسألة، و قد تقدم ما يتعلق بها في مسألة فراجع.

(مسألة ۲٥): يجوز التوكيل في الرد القولي و الفعلي (۱۰٥).

لعمومات الوكالة الدالة على جريانها في كل شي‏ء إلا ما خرج بالدليل.

(مسألة ۲٦): لو آجر المالك العين ثمَّ أجاز البيع لفضولي تصح الإجازة بإجازة الأصيل (۱۰٦).

بناء على الكشف لأن المنافع و النماء تابع للملك فإذا حصلت الملكية للأصيل- بناء على الكشف- من أول حدوث عقد الفضولي فقد وقعت الإجازة في ملك الغير فإن أجازها صحت و إلا فلا.

نعم، بناء على النقل تصح الإجازة و تنتقل العين إلى الأصيل مسلوبة المنفعة، لعدم التنافي بين الإجازة و الإجارة و له الخيار مع الجهل.

(مسألة ۲۷): كل لفظ أو فعل شك في كونه ردا لا يثبت به الرد (۱۰۷).

لأصالة بقاء قابلية العقد للحوق الإجازة و عدم خروجه عن صلاحية ذلك.

(مسألة ۲۸): لو باع الفضولي بخيار ففسخ ثمَّ أجاز المالك تصح الإجازة (۱۰۸)، و إذا باع الفضولي بخيار ففسخ المالك يصح فسخه (۱۰۹).

لبقاء العقد بالنسبة إليه فيكون فسخ الفضولي كالعدم.

و يكون ذلك إمضاء للعقد إلى ما قبل الفسخ، و لا بأس بأن يترتب على شي‏ء واحد عنوانان مختلفان من جهتين كالاستغفار فإنه إقرار للذنب و توبة عنه، هذا إذا حصل الانفساخ من حين الفسخ و أما أن حصل من حين وقوع العقد فيأتي تفصيله.

(مسألة ۲۹): لو اختلفا في انه هل رد المالك العقد أو لا فالقول قول‏ المنكر (۱۱۰)، و كذا لو ردّ و اختلفا في انه هل أجاز قبل ذلك أو لا يقدم قول منكر الإجازة (۱۱۱).

للأصل بعد فقد الحجة للمدعي.

للأصل بعد عدم دليل على الخلاف.

(مسألة ۳۰): لا يعتبر في الرد العلم بخصوصيات العقد فيكفي رد العقد بنحو الإجمال (۱۱۲).

لصدق الرد عرفا، فيشمله الإطلاق.

(مسألة ۳۱): إذا لم يجز المالك عقد الفضولي سواء تحقق منه الرد أو تردد يجوز له انتزاع عين ماله مع بقائه ممن وجده في يده، و له الرجوع بمنافعه في هذه المدة، و له مطالبة البائع الفضولي برد العين و منافعها إذا كانت في يده و قد سلمها إلى المشتري (۱۱۳)، و لو كانت في رده مئونة وجبت عليه (۱۱٤). هذا مع بقاء العين و أما مع تلفها فيرجع ببدلها إلى من تلفت عنده (۱۱٥).

كل ذلك لقاعدتي اليد و السلطنة التي هي من القواعد المعتبرة النظامية، و إجماع الإمامية بل المسلمين في الجملة، و نصوص خاصة في الموارد المتفرقة تقدم بعضها و تأتي الإشارة إلى بعضها الآخر في مظانها، و يجري في المقام ما تقدم في المقبوض بالعقد الفاسد مع أن الاستيلاء على مال الغير بدون رضاه حرام بالأدلة الأربعة و يوجب الضمان.

لوجوب مقدمة الواجب ما لم يكن ضررا و إجحافا و لو كان الرد ما يكفي فيه مجرد التخلية و رفع اليد يكفي ذلك فيه كما في سائر الموارد.

لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و قاعدة الاحترام، و قاعدة اليد، إذ الكل تقتضي تسلط المالك على ماله مع وجوده و على بدله مع التلف ما لم يكن أذن شرعي أو مالكي في الإتلاف في البين.

(مسألة ۳۲): لو تعاقبت أياد متعددة على العين بأن كانت مثلا بيد البائع الفضولي و سلمها إلى المشتري و هو إلى الآخر و تلفت عنده تخير المالك في الرجوع في أخذ البدل إلى أي واحد منهم (۱۱٦) و له الرجوع‏ إلى الكل موزعا عليهم بالتساوي أو التفاوت (۱۱۷)، و قرار الضمان على من تلف العين في يده (۱۱۸) إن لم يكن مغرورا و الا فعلى الغار (۱۱۹) هذا بالنسبة إلى ضمان أصل العين. و أما الزيادة الفعلية أو السوقية فضمانها على من حصلت عنده و قرار الضمان على من نقصت لديه (۱۲۰) و إذا رجع المالك إلى أحد و استوف‏ حقه منه ليس له الرجوع إلى آخر بعد ذلك (۱۲۱) هذا حكم المالك مع الفضولي و كل من جرت يده على ماله مشتريا كان أو غيره. و أما حكم المشتري مع البائع الفضولي فمع علمه بكونه غير مالك فالمعروف انه ليس له الرجوع بعوض الثمن إذا تلف عند البائع (۱۲۲) و عندي فيه إشكال بل منع (۱۲۳)، و طريق الاحتياط التراضي (۱۲٤) و مع البقاء يجوز له الاسترداد (۱۲٥)، كما أنه يجوز له الرجوع مع الجهل بكونه فضوليا سواء كان الثمن باقيا أو تالفا (۱۲٦)، و لا يجوز للفضولي التصرف في ما انتقل إليه مع علم المشتري بالفضولية (۱۲۷).

لفرض جريان يد الجميع على ماله، فله الرجوع إلى كل من جرى يده عليه، لقاعدة اليد و لا مانع من عقل أو نقل على اشتغال ذمم متعددة لمال واحد على البدل خصوصا في الاعتباريات التي تقوم بالاعتبار. و لا بأس بالإشارة إلى جهات، إذ المسألة سيالة في الفقه.

الأولى‏: الوجوه المتصورة في المال و الذمة أربعة:

الأول‏: الذمة الشخصية و المال الشخصي و لا ريب في الصحة و الوقوع.

الثاني‏: الذمة الشخصية و المال الكلي، و لا ريب في الصحة و الوقوع أيضا كما لا يخفى.

الثالث‏: الذمة الكلية و المال الشخصي و هذا يتصور على ما هو التحقيق من بقاء نفس العين بما هي في الذمة ما لم تفرغ، و لا محذور فيه من عقل أو نقل في اعتبار الواحد الشخصي في محال متعددة بحسب الاعتبار، لأن المحل و الحال كلاهما من الاعتباريات، إذ العهد و الذمة أيضا أمر اعتباري عقلائي و اعتبار العين فيهما أيضا كذلك و الممتنع إنما هو وجود شي‏ء واحد في محال متعددة إذا كان المحل و الحال كلاهما من الموجودات الخارجية دون الاعتباريات التي تدور مدار صحة الاعتبار كيف ما كان.

الرابع‏: الذمة الكلية و المال الكلي كما في المقام. و قد أشكل عليه بوجوه كلها مخدوشة.

منها: استحقاق المالك لا بدال متعددة مع إنه ليس كذلك لأنه لا يستحق إلا شيئا واحدا لا الإبدال المتعددة.

و فيه: إنه مناف للبدلية المفروضة فإن معناها الوحدة الابهامية الاهمالية المنطبقة على أي بدل كان، و ليست الوحدة تعيينية حتى تتعدد بتعدد الذمم.

و منها: أن الواحد لا يعقل ان يحل في محال متعددة.

و فيه: ما مر من أن الامتناع إنما هو في الواحد الخارجي التعييني لا الواحد الاعتباري البدلي، كما هو واضح.

و منها: إنه غير معقول، لأنه ان أريد الذمة المرددة و الملكية المرددة المفهومية فلا تحقق للمردد من حيث هو كما ثبت في محله و إن أريد التردد المصداقي كما في الواجب التخييري فليس للبدل في كل ذمة بدل ليكون كالواجب التخييري، و إن أريد تقييد اشتغال كل ذمة بعدم اشتغال الأخرى فيلزم عدم اشتغال الذمم أصلا فينتفي أصل موضوع اشتغال الذمم.

و فيه: انه يمكن اعتبار الذمة المرددة و الملكية المرددة، و قضية انه لا تحقق للمردد صحيحة و لكنه في الخارجيات دون الاعتباريات التي ليس لها وجود خارجي و لا ذهني فتعتبر مهما كان للاعتبار إليها سبيل، كما يصح بنحو الترديد المصداقي و الواجب التخييري أيضا، و الترديد في المصداق إنما هو باعتبار ذمة زيد أو عمرو لا أن يكون في كل ذمة من حيث هي بدل و مبدل، بل كل ذمة بدل عن الأخرى في إرادة المالك و اختياره، كما يصح تقييد اشتغال الذمة بعدم اشتغال الأخرى بنحو القضية الحينية لا الشرطية و بنحو العدم البديل لا العدم الذاتي الأصيل، و كون الاشتغال أيضا بنحو البديل لا الأصيل فيكون كلا من الاشتغال و عدمه بدليل في حين عدم الآخر و لا محذور فيه أبدا.

الجهة الثانية: الذمة الكلية تلحظ.

تارة: بنحو المجموع من حيث المجموع.

و أخرى بنحو الاستغراق العمومي كما في اشتغال الذمة بالزكاة و الخمس و نحوهما من الحقوق العامة الخالقية و الخلقية.

و ثالثة: بنحو البدلي كما في المقام و لم أظفر على مثال للأول عاجلا في الوضعيات و لا في التكليفيات فيكون ممكنا ثبوتا و لكنه غير واقع إثباتا، و يمكن أن يمثل بغسل الجنابة فإنه لو لم يغسل جزء من البدن يبطل الغسل.

فتلخص من جميع ما مر إمكان تصوير ضمان ذمم متعددة لمال واحد عينا كان أو غيرها على البدل.

الجهة الثالثة: لا بأس بتصويره بنحو الواجب الكفائي أيضا، فيجوز للمالك الرجوع إلى الكل، و لو أعطي أحد منهم يسقط عن الكل و لو خالفوا يعاقب الكل و ليس معنى الواجب الكفائي في التكليفيات إلا هذا.

و توهم انه لا وجه لجريان التكليف الكفائي في المقام لأن لازمه إنه يلزم استحقاق المالك لأبدال متعددة لو اجتمع الكل على تفريغ الذمة كما يحصل الامتثال في التكليفيات بفعل الجميع لو اتفق الكل على الامتثال في الواجب الكفائي التكليفي.

فاسد: لحصول الامتثال في المقام أيضا بفعل الجميع، إلا انه ليس للمالك إلا أخذ الواحد على البدل كما يكون في الواجبات التكليفية أيضا كذلك فيكون المأمور به منطبقا على واحد مما أتى به قهرا و يثاب البقية ثواب التفضل و الانقياد.

و بالجملة: العرف لا يرى الفرق في تصوير التكليف الكفائي بين التكليفيات و الوضعيات بعد التوجه و الالتفات و يأتي بقية الكلام عما قريب.

و قد قالوا في تصوير اشتغال ذمم متعددة بمال واحد وجوها أخر.

منها: ان الخطاب بالنسبة إلى من تلف لديه المال وضعي، و بالنسبة إلى البقية تكليفي، و يكون من المعاوضة القهرية بين الدافع و من تلف عنده المال.

و منها: المعاوضة القهرية بين الدافع و المالك لبقاء العين التالفة على ملك مالكها فيدفع الدافع العوض إلى المالك و يصير مالكا للعين و يرجع إلى من تلف لديه.

و منها: ان للعين التالفة ملكيتان فعلي و شأني و الأولى للمالك، و الثانية لمن جرت يده على المال.

بمعنى: إنه لو أدى عوض التالف له حق الرجوع إلى اللاحق فالجمع بين الملكيتين يقتضي ما قلناه.

و منها: ان للعين جهتان ملكية هي تكون للمالك، و عهدة تكون لمن جرت يده عليها و الجمع بينهما يقتضي ذلك.

و الكل مخدوش: لأن كل ذلك و إن أمكن ثبوتا و لكنه خلاف المتفاهم من ظواهر الأدلة إذ المنساق منها إلى الأذهان العرفية ما مر من البدلية و التفصيل يطلب من المطولات خصوصا ما كتبه شيخنا المحقق المدقق الأصبهاني‏ الغروي رحمه اللّه في حاشيته الشريفة. مع إنه لا ثمرة عملية بعد الاتفاق على أصل الحكم.

لاقتضاء ولايته على ماله و سلطنته المطلقة على ذلك بعد جريان يد الجميع عليه، فله أن يفعل ما يشاء في استيفاء ماله ما لم يردع عنه رادع شرعي و هو مفقود بالنسبة إلى التوزيع بالتساوي أو بالاختلاف.

للإجماع، و لأنه حيث تلقى اللاحق العين من السابق لا وجه لقرار الضمان بالنسبة إلى السابق الذي انتقل العين منه إلى اللاحق، كما لا موضوع للضمان بعد التلف بالنسبة إلى شخص آخر لم تجري يده على ملك المالك فضلا عن قراره فالحكم- مع انه إجماعي- عقلي أيضا.

لقاعدة ان المغرور يرجع إلى من غره، المعمول بها في أبواب الفقه و المعتمد عليها في الجملة عند كافة العقلاء كما سيأتي.

أما ضمان الزيادة الفعلية فلقاعدة اليد و لا وجه لضمانها على من لم تحصل عنده، لعدم جريان يده عليها، و أما كون قرار الضمان على من نقصت عنده فلأن النقص كالتلف، و تقدم أن قرار الضمان على من تلف لديه المال، و أما ضمان زيادة القيمة السوقية فمبني على ضمان أعلى القيم، فمن قال به يلزمه القول هنا و من لم يقل به فلا موضوع للضمان لديه، و قد مر في المقبوض بالعقد الفاسد بعض ما ينفع المقام فراجع.

لفرض ان حقه بدلي و قد وصل إلى حقه فلا يبقى موضوع للرجوع بعد ذلك.

على المعروف بين الأصحاب، و عن جمع منهم المحقق رحمه اللّه في بعض تحقيقاته صحة الرجوع، و لا بد من بيان الموضوع أولا ثمَّ التعرض للأصل، ثمَّ بيان ما يصلح أن يكون دليلا للطرفين.

فنقول: تارة: تكون في البين قرائن معتبرة دالة على أن المشتري في مقام التحفظ على ماله و عوضه مع تلفه و بنائه على عدم هتك ماله و عدم إلقاء احترامه، و لا يرضى بذلك أصلا و لا ريب في جواز رجوعه إلى عوض الثمن مع تلفه عند البائع لعدم صدور ما يوجب هتك ماله و إلقاء احترامه عنه، لأن ذلك إما قصدي أو انطباقي قهري، و المفروض عدم قصد الأول بل قصد عدمه و عدم انطباق الثاني لفرض وجود الأمارة المعتبرة على عدم الهتك.

و أخرى يكون في البين قرائن معتبرة على إنه أقدم على هتك ماله و لا معنى للرجوع حينئذ لوجود قرائن معتبرة دالة عليه و هي حاكمة على قاعدة اليد و الإتلاف الدالة على ضمان البائع.

و ثالثة: يتنازعان في وجودها و عدمها فيقدم قول المنكر مع اليمين إن لم تكن بينه على الإثبات في البين.

و رابعة: يكون من مجرد الشك فقط مع عدم تنازع و لا قرينة في البين، و هذه الصورة مراد ما نسب إلى المعروف من عدم الرجوع، و إلى غيرهم من جوازه. هذا ما يتعلق ببيان الموضوع.

و أما مفاد الأصل في المقام، فمقتضى الأصل الموضوعي عدم حصول الملكية للفضولي و أثره الشرعي وجوب الخروج عن العهدة إما برد العين أو بالبدل مع التلف، و لا مجرى لأصالة البراءة بعد فرض بقاء نفس العين في الذمة إلى ان تفرغ منها، و مقتضى قاعدة الاشتغال و الاحترام و الإتلاف التي هي من الأصول الفطرية العقلائية، و قد وردت الشريعة عليها و قررها هو الضمان أيضا، و ليست هذه الأصول متخذة من الشريعة كما أتعب به بعض مشايخنا قدس سرّهم. لأنّا نرى إنها جارية في جميع الملل و الأديان و لو في الجملة و لو لا خوف الإطالة لأوضحت انه ليس في الفقه جهة تعبدية و إنما هو أمور فطرية كشف عنها الشريعة المقدسة الختمية و أو حي بها الوحي السماوي على نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله الذي هو رأس العقلاء و رئيسهم فأثار دفائن العقول و دعاهم إلى ما حكم به الفطرة السليمة.

و أما الثالث: فقد تمسكوا لعدم الضمان بإطلاق قوله عليه السّلام: «لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه»۷٦، لأن المال صار حلالا للفضولي، لفرض ان المشتري أحل له بطيب نفسه فأتلفه في ظرف الحلية له بطيب النفس، فلا وجه للضمان بعد ذلك.

و فيه: أن الطيب في إتلاف المال أما مجاني أو معاوضي، و الأول مفروض الانتفاء و مع الشك فيه لا يصح التمسك بالحديث، لأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و الثاني من موجبات الضمان لأن المعاوضة بطبيعي العوض إما المسمى في ظرف وجوده أو البدل مع التلف هذا. مع أن مقتضى قاعدة اليد هو الضمان خرج منها ما أحرز فيه المجانية و بقي الباقي مطلقا.

و تمسكوا لعدم الضمان أيضا بالاتفاق على عدمه في صورة التلف.

و فيه: إنه لا وجه لاعتباره مع مخالفة جمع منهم المحقق، و معلومية مدرك المتفقين.

و أما التمسك بقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده فتبعيد للمسافة و أكل من القفا، لأن هذه القاعدة أصلا و عكسا ليس مفاد نص، و لا معقد إجماع معتبر، و إنما الاعتبار بمدركها لا بنفسها، و مقتضى مدركها الضمان إلا إذا ثبتت المجانية.

و يمكن أن يجعل هذا النزاع بينهم لفظيا فمن قال بالضمان، أي: فيما إذا لم تحرز المجانية، و من قال بالعدم، أي: فيما إذا أحرزت. و لعمري أن الكلمات في المقام مضطربة و غير منقحة.

ظهر وجه مما مر.

خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور و إن لم يكن له دليل كما مر.

لأصالة عدم خروجه عن ملكه و فحوى جميع ما تقدم في الرجوع من التلف.

للإجماع و قاعدتي اليد و الاحترام.

لأنه أكل مال بالباطل إلا إذا أحرز المجانية المطلقة من كل جهة.

(مسألة ۳۳): كل ما يغرمه المشتري للمالك أو ترد عليه من الخسارة يرجع به إلى البائع مع الجهل بكونه فضوليا بل مع العلم أيضا إذا صدق الغرور منه عرفا (۱۲۸) و إن لم يصدق الغرور فلا رجوع في صورة الجهل‏ فضلا عن صورة العلم (۱۲۹)، و كل ما اغترم المشتري للمالك بدل‏ النماءات التي استوفاها يرجع به إلى البائع فضلا عما اغترم له عما لم يستوفه و فات عنده مع الجهل (۱۳۰)، فإذا اشترى دارا مع الجهل بأن البائع غير مالك و إنها مستحقة للغير و سكنها مدة ثمَّ جاء المالك و أخذ داره و أخذ منه أجرة مثل الدار في تلك المدة له أن يرجع بها إلى البائع، و كذا يرجع إليه بكل خسارة وردت عليه مثل نفقة الدابة و ما صرفه في العمارة، و ما تلف منه و ضاع من الغرس أو الزرع أو الحفر و غيرها فإن البائع الغير المالك ضامن لدرك جميع ذلك و للمشتري الجاهل أن يرجع بها إليه (۱۳۱)، و لا فرق في ذلك كله بين تمام المبيع أو اجزائه أو أوصاف (۱۳۲).

لقاعدة الغرور التي هي من القواعد المعمول بها في أبواب الفقه.

و البحث فيها من جهات.

الأولى‏: في أنها هل من القواعد التعبدية حتى نحتاج إلى التماس دليل‏ تعبدي، أو انها من القواعد العقلائية فيكفي عدم ثبوت الردع عنها. و الحق هو الأخير لأنّا نرى في جميع الملل و الأديان، بل و جميع بني نوع الإنسان إن المغرور يتشبث بغاره، و يحكم جميع العقلاء بحسن هذا التشبث و يوبخون الغار و يلزمونه بدفع خسارات المغرور، فما نسب إلى نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله:

«المغرور يرجع إلى من غره»۷۷، و متنه يشهد باعتباره، و لا نحتاج إلى تكلف تصحيح سنده، مع ان فقهاء الفريقين اعتمدوا عليها و يكفي هذا في صحة الاعتماد عليه، و بذلك كله صرح شيخنا المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي أعلى اللّه مقامه في بحثه الشريف.

الثانية: قد استدل عليها.

تارة: بإجماع الإمامية بل المسلمين، و لا يمكن المناقشة فيه بوجه إلا أن يقال انه من حيث بناء العقلاء المرتكز في أذهانهم الشريفة لا من جهة التعبد الإجماعي.

و أخرى بنصوص مستفيضة واردة في الأبواب المتفرقة.

منها: صحيح جميل: «عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثمَّ يجي‏ء مستحق الجارية، قال عليه السّلام يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه»۷۸، فإن حرية ولد المشتري أما أن يكون نفعا عائدا إليه أو لا و على التقديرين يثبت رجوع المغرور إلى الغار. إما بالمطابقة أو بالفحوى.

و منها: موثق إسماعيل بن جابر قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته، فسأل عنها فقيل هي ابنة فلان، فأتى أباها، فقال: زوجني ابنتك فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد انها غير ابنته و أنها أمة قال: ترد الوليدة على مواليها و الولد للرجل، و على الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل و خدعه»۷۹، و في معتبرة رفاعة بن موسى قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحدود و المحدودة- إلى ان قال- و سألته عن البرصاء؟ فقال: قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوجها وليها و هي برصاء ان لها المهر بما استحل من فرجها، و إن المهر على الذي زوجها، و إنما صار عليه المهر لأنه دلسها، و لو ان رجلا تزوج امرأة و زوجه إياها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي‏ء و كان المهر يأخذه منها»۸۰، و في صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا دلست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فإنها ترد على أهلها من غير طلاق، و يأخذ الزوج المهر من وليها الذي كان دلسها»۸۱، و يمكن استفادة العلية من قوله عليه السّلام: «لأنه دلسها» إلى غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي تأتي الإشارة إليها، و يمكن الاستشهاد بقاعدة الضرر۸۲، و قاعدة التسبيب‏۸۳، و ما تسالموا عليه من ان قرار ضمان المكره (بالفتح) على المكره (بالكسر).

و أما ما ورد في بعض الأخبار من السكوت من رجوع المشتري إلى البائع، كخبر زريق قال: «كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام يوما إذ دخل عليه رجلان- إلى أن قال- فقال أحدهما انه كان عليّ مال لرجل من بني عمار، و له بذلك ذكر حق و شهود، فأخذ المال و لم استرجع منه الذكر بالحق، و لا كتبت عليه كتابا، و لا أخذت منه برأيه، و ذلك لأني وثقت به، و قلت له: مزّق الذكر بالحق الذي عندك، فمات و تهاون بذلك و لم يمزقها، و عقب هذا إن طالبني بالمال وارثه و حاكموني و أخرجوا بذلك الذكر بالحق و أقاموا العدل فشهدوا عند الحاكم، فأخذت بالمال و كان المال كثيرا فتواريت من الحاكم فباع عليّ قاضي الكوفة معيشة لي و قبض القوم المال، و هذا رجل من إخواننا ابتلى بشراء معيشتي من القاضي، ثمَّ ان ورثة الميت أقروا ان المال كان أبوهم قد قبضه، و قد سألوه ان يرد عليّ معيشتي و يعطونه في أنجم معلومة، فقال: اني أحب ان تسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذا، فقال الرجل- يعني المشتري- جعلني اللّه فداك كيف أصنع؟ فقال عليه السّلام: تصنع ان‏ ترجع بمالك على الورثة و ترد المعيشة إلى صاحبها و تخرج يدك عنها، قال: فإذا أنا فعلت ذلك له ان يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم، له ان يأخذ منك ما أخذت من الغفلة ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب ان ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت فإن للزارع إما قيمة الزرع إما ان يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع، فإن لم يفعل كان له ورد عليك القيمة و كان الزرع له، قلت جعلت فداك فإن كان هذا قد أحدث فيها بناء أو غرسا؟ قال: له قيمة ذلك- الحديث-»۸4، و خبر زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثمَّ ان أباها يزعم إنها له و أقام على ذلك البينة، قال عليه السّلام: يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها»۸٥.

فلا ينافي سائر الأخبار لأنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة و عدم البيان لا يعارضها البيان.

الثالثة: الغرور، بمعنى: المكر و الخديعة و التدليس و الباطل، فهو يستعمل في مقابل الحق و ليس مختصا بخصوص النقص في المال أو في الطرف، بل يكون أعم منه و النسبة بينه و بين كل من الضرر و التسبيب عموم من وجه.

و التسبيب أقسام ثلاثة.

فتارة: يكون مجرد إحداث الداعي فقط و ليس فيه ضمان.

و أخرى‏: يكون بنحو لا يتخلل فعل الفاعل المختار بين السبب و حدوث الضرر، كما إذا فتح أحد طريق الماء مثلا فجرى و تضرر الغير.

و ثالثة: يكون مع حدوث فعل من فاعل مختار، كمن قدم إلى غيره طعاما فأكله بزعم انه لمن قدمه إليه و التغرير ينطبق على هذا القسم.

و الغرور من الموضوعات العرفية التشكيكية المختلفة باختلاف الموارد و الأشخاص، فمع صدقه يترتب عليه الحكم و مع عدمه فلا حكم من جهة الغرور.

نعم، إن كان ضرر أو تسبيب في البين يترتب عليه حكمهما.

و لا فرق في صدق الغرور بين كون الغار عالما أو جاهلا بعنوان التغرير للإطلاق الشامل لكل منهما.

نعم، في الحكم التكليفي و هو الحرمة لا بد من اعتبار العلم بالحكم و الموضوع و مع الجهل بهما أو بأحدهما مع العذر لا حرمة في البين و إن ترتب عليه الحكم الوضعي.

ثمَّ أن التغرير اما بإتلاف مال الغير أو بإتلاف مال نفس المغرور، و على كل منهما أما ان يصل من ذلكم نفع إلى المغرور أو لا و تشمل الأدلة للجميع، و أما المغرور فإن كان عالما بأن الغار في مقام تغريره فلا ريب في انه لا يرجع إلى الغار، لفرض انه بنفسه أقدم على ان يتغرر و ان كان جاهلا به و بالفضولية فلا ريب في انه يرجع إلى البائع الفضولي لصدق التغرير عرفا، و إن كان عالما بالفضولية و جاهلا بالتغرير فيمكن ان يصدق التغرير أيضا، لأن العلم بالفضولية أعم من التغرير، فإطلاق أن المشتري لا يرجع إلى الفضولي مع العلم بالفضولية كما عن سيد مشايخنا في الوسيلة لا وجه له.

الخامسة: يجوز للمالك الرجوع إلى كل من الغار و المغرور، لفرض جريان يد كل منهما على ماله.

نعم، قرار الضمان على الغار، و كذا الكلام في المكره (بالفتح) و المكره (بالكسر).

السادسة: عن جمع من الفقهاء- منهم المحقق الأردبيلي- ان التغرير و الخديعة من الكبائر، و الحق معهم لأنه خيانة و أي خيانة أعظم، و قد ورد النص في الخيانة بأنها من الكبائر۸٦، بل التغرير مع المؤمنين الذين لا يتوجهون إلى المكر و الخديعة أعظم إثما من التغرير مع أهل المكر و الخديعة، و لا فرق في حرمة التغرير و الخديعة بين الأموال و النفوس و الاعراض بل المجاملات الأخلاقية، لأن أصل هذا العمل من فعل الشيطان يجب التجنب عنه على عبّاد الرحمن، كما لا فرق في حرمة التغرير و الخديعة بين المسلم و الكافر فضلا عما بين فرق المسلمين لمبغوضية أصل الخديعة مطلقا بالأدلة الأربعة و لأنها نحو من الظلم القبيح عقلا و قد استثنى الخديعة في الحرب‏۸۷، في الجملة.

و لو لم يمكن استيفاء الحق إلا بالتغرير يجوز مع الانحصار و إن كان الأحوط خلافه لأنه ليس من شأن المعتنى بدينه، و قد ورد عنهم عليهم السّلام: «إن خانك فلا تخنه»۸۸. و لكن يمكن حمله على غير المقام.

و أما لو غر زيد عمروا و بالعكس جهلا يتهاتر بينهما بالتساوي.

ثمَّ أن المعاملات التي يؤتى بها لأجل تغرير الناس و تخديعهم يمكن القول بفساد أصلها، لأن أصل هذه المعاملة من مظاهر المبغوضية لدى الشارع بل العقلاء، و لو دلّس شخص بإظهار خلاف الواقع في زيّه و عمله فزعمه الناس من أهل الورع و التقوى فباعوه بأقل من ثمن المثل يشكل صحة المعاملة بالنسبة إليه مع علمه بذلك.

للأصل بعد عدم دليل عليه، كما إذا تصدق بصدقة- مثلا- لحفظ المتاع الذي اشتراه فضولة و لم يجز المالك، إذ العرف لا يساعد على كون الصدقة من تغرير البائع حتى يرجع إليه بعد رد المالك، إلى غير ذلك من موارد عدم الصدق أو الشك فيه.

فرع‏: لو قدم طعام الشخص إليه فأكله فلا غرور في صورة العلم بأنه طعامه، و كذا مع الجهل إن كان جائعا و بانيا على أكل طعام مثله، و إن لم يكن كذلك فالظاهر صدق الغرور و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فراجع و تأمل.

و لو وقعت معاملة غررية و لم يعلم المغرور و لو في المحصور يجري عليها حكم مجهول المالك، و في المحصور لا بد من التراضي، و هناك فروع تأتي في محالها إن شاء اللّه تعالى.

لقاعدة الغرور، بل و مع العلم أيضا آن صدق التغرير.

كل ذلك لأنه مغرور من قبله و المغرور يرجع إلى من غره، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.

لأن الخسارة الواردة بإزاء جميع ذلك جائت من ناحية تغرير البائع فله ان يرجع إليه.

(مسألة ۳٤): كل ما يرجع المشتري به على البائع إن رجع المالك إليه لا يرجع البائع به على المشتري إن رجع المالك عليه (۱۳۳)، و ما لا يرجع المشتري به على البائع كمساوي الثمن من القيمة يرجع البائع به‏ على المشترى إذا غرمه للمالك (۱۳٤).

لأن قرار الضمان على البائع من جهة التغرير فلا وجه حينئذ لرجوعه إلى غيره.

لفرض ان تلف العين وقع في يد المشتري فيكون قرار الضمان عليه من هذه الجهة.

(مسألة ۳٥): لو كان فساد العقد مستندا إلى سببين تغرير البائع و جهة أخرى يؤثر كل سبب مقتضية (۱۳٥).

لعدم التضاد و التنافي و عدم موجب للتداخل. و ما عن جمع من إنه لا يرجع المغرور حينئذ إلى الغار، لأن المنساق من دليل الرجوع ما إذا كان الفساد منحصرا بخصوص جهة التغرير خلاف إطلاق الأدلة و السيرة في موارد اجتماع الأسباب.

(مسألة ۳٦): لو مات الغار يجوز للمغرور الرجوع إلى ورثته و يخرج المال من الأصل (۱۳٦)، كما انه لو مات المغرور يقوم ورثته مقامه في مطالبة حق مورثهم (۱۳۷).

لأنه دين، و هو يخرج من الأصل نصا و إجماعا۸۹. و في موارد رجوع المغرور إلى من غره يجوز له ان يحتسب ما عليه من الزكاة إن كان فقير الفرض اشتغال ذمة الغار للمغرور.

لانتقال الحق إليهم بالإرث.

فرع‏: لو نقل المغرور- أو المالك- حقه إلى غيره بأحد النواقل الاختيارية يقوم مقامه في المطالبة. و لو أسقط المالك في مورد الأيادي المتعاقبة حقه عن الجميع يسقط بلا إشكال و يبرئ جميع الذمم، و كذا لو أسقط واحدا غير معين على البدلية السارية في المجموع ليس له الرجوع إلى البقية.

ثمَّ انه لا فرق فيما مر من رجوع المغرور إلى من غره بين كون مورد التغرير من العبادة أو غيرها، فلو غرره على أن هذه الليلة ليلة النصف من شعبان- مثلا- و صرف المغرور مالا لزيارة الحسين عليه السّلام ثمَّ تبين كذب الغار يجوز له الرجوع إليه بما صرف.

(مسألة ۳۷): لو أحدث المشتري فيما اشتراه فضولة- بناء أو غرسا أو زرعا- فرد المالك يجوز له إلزام المشتري بإزالة ما أحدثه و تسويته الأرض و مطالبته بأرش النقص لو كان (۱۳۸) و لا يضمن المالك ما يرد عليه من الخسران (۱۳۹)، كما أن للمشتري إزالة ذلك (۱٤۰) مع ضمانه أرش النقص الوارد على الأرض (۱٤۱) و ليس للمالك إلزام المشتري بالإبقاء و لو مجانا، كما إنه ليس للمشتري حق الإبقاء و لو بالأجرة (۱٤۲)، و لو حفر بئرا أو أجرى نهرا في أرض الغير وجب عليه طمها وردها إلى الحالة الأولى لو أراده المالك و أمكن (۱٤۳)، و ضمن أرش النقص لو كان (۱٤٤) و ليس له مطالبة المالك أجرة عمله أو ما صرفه فيه من ماله و ان أراد به القيمة (۱٤٥)، كما انه ليس له رده إلى الحالة الأولى بالطعم و نحوه لو لم يرض به المالك (۱٤٦). نعم، يرجع بجميع ذلك من أجرة عمله و كل ما صرفه من ماله و كل خسارة وردت عليه إلى البائع مع الغرور (۱٤۷)، و كذا الحال فيما إذا أحدث المشتري فيما اشتراه صفة محضا في العين المشتراة كطحن الحنطة، و غزل القطن أو نسجه، أو صياغة الفضة (۱٤۸).

كل ذلك لقاعدة السلطنة، و ظهور الاتفاق، و حديث نفي الضرر و الضرار۹۰، و وجوب رد إعادة العين على ما كانت.

للإجماع، و لأنه الذي أدخل الضرر على نفسه، و عن عبد العزيز ابن محمد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: عمن أخذ أرضا بغير حقها و بنى فيها قال عليه السّلام: يرفع بنائه و يسلم التربة إلى صاحبها، ليس لعرق ظالم حق، ثمَّ قال عليه السّلام: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: من أخذ أرضا بغير حقها كلف ان يحمل ترابها إلى المحشر»۹۱.

لأن ذلك كله ماله، و الناس مسلطون على أموالهم، و أما النبوي: «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شي‏ء و ترد عليه نفقته»۹۲، فقصور سنده و اعراض الأصحاب عنه يمنع عن الاعتماد عليه.

للإجماع و قاعدة نفي الضرر.

للأصل و الإجماع في كل منهما.

لوجوب رد إعادة العين على ما كانت مع الإمكان.

للإجماع و لقاعدة نفي الضرر.

لعدم تسبب من المالك في ذلك بشي‏ء، و لأنه ظالم بتصرفه في مال الغير بغير اذنه، «و ليس لعرق ظالم حق» كما تقدم.

لأنه تصرف في مال الغير، و لا يجوز ذلك إلا برضاه نصا و إجماعا.

لما تقدم من رجوع المغرور إلى غاره، و لا فرق فيه بين الجهل و العلم ان تحقق الغرور مع العلم أيضا. و أما مع عدم الغرور فلا وجه للرجوع عليه، لأنه هو الذي أدخل الضرر على نفسه.

فليس له مطالبة المالك بأجرة عمله و ما صرفه فيه، لما تقدم من انه هو الذي أدخل الضرر على نفسه، و يأتي في كتاب الغصب جملة من الفروع المناسبة للمقام، و بعض ما ذكرناه مأخوذة مما ذكر هناك، و تعرضنا بالمناسبة لأن جملة من فروع المقامين متحدة.

(مسألة ۳۸): لو جمع البائع بين ملكه و ملك غيره في بيع واحد أو باع ما كان مشتركا بينه و بين غيره نفذ البيع بالنسبة إلى ملكه بما قابله من الثمن (۱٤۹) و يتوقف نفوذه في ملك الغير على إجازته فان أجازه صح (۱٥۰) و إلا فللمشتري خيار الفسخ من أصله مع جهله (۱٥۱).

للعمومات، و الإطلاقات الشاملة له فيكون المقتضى للنفوذ موجودا و المانع عنه مفقودا، مضافا إلى ظهور إجماعهم على الصحة، و ليس هذا من العقد الفضولي في شي‏ء. و قد استدل للبطلان.

تارة: بأن العقد ورد على المجموع، فلا وجه للصحة بالنسبة إلى البعض و التوقف على الإجازة بالنسبة إلى بعض آخر.

و أخرى‏: بأن اللفظ الواحد لا يؤثر اثرين.

و ثالثة: بجهالة الثمن بعد التقسيط.

و رابعة: بأن التراضي وقع بإزاء المجموع من حيث المجموع.

و الكل باطل .. أما الأول و الأخير: فبان العقد و الرضاء انحلالي واقعا و إن كان بسيطا اعتبارا.

و أما الثالث: فبأنه يكفي المعلومية في الجملة، و كون العقد في معرض المعلومية و المقام كذلك، إذ لا ريب في صيرورة الثمن معلوما بعد التقسيط مع كون المجموع معلوما و به يخرج عن الغرر قطعا.

و أما الثاني: فلا إشكال فيه إذا كان ذلك باعتبار تعدد المورد و المتعلق.

لأنه من صغريات الفضولي، فيشمله جميع ما تقدم من الأدلة.

لتبعض الصفقة عليه، و يأتي في محله انه قسم من أقسام الخيارات و يجري في جميع موارد التبعيض مطلقا.

(مسألة ۳۹): طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن أن يقوم كل منهما بقيمته الواقعية، ثمَّ يلاحظ نسبة قيمة أحدهما إلى قيمة الآخر فيجعل نصيب كل منهما من الثمن بتلك النسبة (۱٥۲) فإذا باعهما معا بستة و كانت‏ قيمة أحدهما ستة و قيمة الآخر ثلاثة يكون حصة ما كان قيمته من ستة الثمن نصف حصة الآخر منها فلأحدهما اثنان و للآخر أربعة (۱٥۳).

هذه المسألة جارية في جملة من الموارد.

منها: المقام.

و منها: ما إذا أجاز المالك و أريد تعيين حصة كل منهما من الثمن.

و منها: ما إذا تلف بعض المبيع قبل القبض.

و منها: ما إذا فسخ في البعض بخيار مختص به.

و منها: ما إذا تقايلا في البعض بناء على الجواز فيه.

و لا بد من بيان أمور.

الأول‏: لا ريب في تفرق الثمن على أجزاء المبيع بحسب قيمته الواقعية ما لم يعين في المعاملة حصة كل جزء فلا يحتاج إلى التقويم حينئذ، لفرض تعيين حصة كل جزء، و هذه قاعدة عرفية كلية جارية في جميع الموارد حتى في مثل بيع الآبق مع الضميمة، و ما في بعض الأخبار من أن الثمن بإزاء الضميمة۹۳، فالمراد منه انه إذا لم يحصل العبد لا يصير البيع باطلا من جهة عدم العوض للثمن لا إنه ليس بإزاء الآبق شي‏ء حتى لو ظهر ان الآبق كان لمالك آخر أو تلف قبل القبض.

الثاني‏: لا ريب في ان المقابلة في المعاملة إنما تكون بين العينين و الأوصاف و الشروط لا تقابل العوض و إن كانت موجبة لزيادة القيمة أو نقصانها، و كذا الثمن فما يقع بإزائها انما هو من باب الوصف بحال المتعلق لا الذات و انما الذات هو العينان فقط، و الأوصاف و الشروط دواع لزيادة قيمة الذات أو نقصانها.

و يمكن أن يجعل النزاع لفظيا فمن يقول بتقسيط الثمن على الأوصاف و الشروط، أي: بحسب الوصف بحال المتعلق و من يقول بالعدم، أي: بحسب الوصف بحال الذات فلا نزاع في البين حينئذ.

الثالث‏: الهيئة الاجتماعية قد لا توجب زيادة القيمة و لا نقصانها، و قد توجب الزيادة في كل واحد بالسوية أو بالاختلاف، و قد توجب النقيصة كذلك، و قد توجب الزيادة أو النقيصة في أحدهما فقط، فاللازم في التقويم ملاحظة جميع هذه الجهات حتى لا يلزم ضرر في البين. و حيث ان الموضوع عرفي و موكول إلى أهل الخبرة من المقومين لكل شي‏ء و هم أعرف بذلك من الفقيه، فاللازم إيكال الأمر إليهم كما في سائر الموضوعات الخارجية التي لها خبراء.

نعم، يعتبر فيهم الوثوق و الاطمئنان كما في جميع أهل الخبرة ممن يرجع إليهم في تشخيص سائر الموضوعات.

لأن نسبة الثلاثة إلى الستة النصف، فيؤخذ من ستة الثمن عددان تكون نسبة أحدهما إلى الآخر نسبة النصف و هو اثنان و أربعة. ثمَّ ان المتحصل من مجموع الكلمات في طرق التوزيع ثلاثة.

الأول‏: ما قلناه.

الثاني‏: أن يلاحظ قيمة المجموع ثمَّ يقوّم أحدهما ثمَّ تنسب قيمته إلى قيمة المجموع، و يظهر ذلك من الشرائع و اللمعة.

الثالث‏: ان يقوّم لكل منهما منفردا في حال الانضمام لا في حال الانفراد ثمَّ يؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع القيمتين، و الظاهر ان الإيكال إلى الثقات من أهل الخبرة مع ملاحظتهم لجميع الخصوصيات و الجهات الخارجية ثمَّ إتباع قولهم أولى من تدخل الفقيه فيه و طريق الاحتياط التصالح و التراضي هذه في القيميات، و أما المثليات فإن حكم أهل الخبرة بالمثلية من كل حيثية و جهة فيقسم بحسب السهمين و إلا فلا بد من التراضي في البين.

(مسألة ٤۰): لو كان مالكا لنصف الدار- مثلا- و قال بعت نصف الدار فإن كانت قرينة دالة على أنه أراد نصفه المختص به أو نصف الغير أو النصف المشاع بينه و بين غيره عمل به (۱٥٤)، و إن لم تكن قرينة خارجية معينة في البين و أراد نفس مفهوم هذا اللفظ يحمل على نصفه المختص به (۱٥٥)، و لا فرق فيه بين كون البائع أجنبيا أو مأذونا في بيع النصف الآخر وكالة أو ولاية (۱٥٦).

فينفذ في الأول في حصته المختصة به، و في الثاني يكون فضوليا إن‏ لم يكن وكيلا أو وليا، و في الأخير يكون من بيع المملوك و غير المملوك.

لظهور إنشاء البيع لنفسه مع انصراف لفظ النصف في نظير المقام من موارد التصرف إلى نصفه المختص به، و إن لم يكن له هذه الانصراف في سائر الموارد، مضافا إلى ان قصد الغير أو ادعاء كونه مالكا لمال الغير خلاف المفروض، فلا وجه للتمسك بإطلاق ظهور لفظ النصف في الإشاعة لأنه فيما إذا لم تكن قرينة على الخلاف و المفروض وجود القرينة عليه.

لوجود القرينة على تعيين خصوص حصة فلا تصل النوبة إلى التمسك بإطلاق لفظ النصف، لأن جملة «بعت نصف الدار» مع كونه مالكا لنصفها ظاهر عرفا في حصته المختصة به. هذا إذا لم تكن قرينة أخرى أقوى على تعلق البيع بما هو مأذون فيه وكالة أو ولاية و إلا فتتبع القرينة.

و بالجملة: الحكم يدور مدار الاستظهارات العرفية من الجهات الخارجية أو الداخلية و مع عدمهما مطلقا يؤخذ بظهور اللفظ في الإشاعة، و كذا في سائر المقامات لا بد من اتباع القرائن و الحالات و الحكم على طبقها و هي تختلف و يأتي في كتاب القضاء و الإقرار و الصلح و الإرث و الطلاق ما يرتبط بالمقام و لا وجه لتعرض الجميع هنا.

ثمَّ أن الكسر المشاع جزئي خارجي بجزئيته منشأ انتزاعه و خارجيته، و الكلي في المعين كلي و لكن أفراده منحصرة في المعين بخلاف الكلي المطلق و الفرد المردد من حيث هو لا تحقق له لا ذهنا و لا خارجا حتى يتعلق به الحكم، و لا يتعلق به الاعتبار العقلائي أيضا إلا ان يرجع إلى أحد الأولين.

(مسألة ٤۱): لو باع ما يقبل التملك و ما لا يقبله في صفقة واحدة كبيع الخل و الخمر معا- يصح في المملوك و يبطل في غيره (۱٥۷).

للإجماع و النص و قد تقدم خبر الصفار-: «لا يجوز بيع ما ليس يملك»۹4، المستفاد منه صحة البيع في المملوك.

و أشكل عليه في المقام بعين ما أشكل به فيما مر في (مسألة ۳۹) و الجواب عين ما تقدم فلا وجه للإعادة و التكرار، كما أن طريق تقسيط الثمن عين ما تقدم فيها فراجع.

  1. الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ۱۱.
  2. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب القصاص و باب: ۱۱ من أبواب العاقلة.
  3. الوسائل باب: ۱4 من أبواب عقد البيع حديث: ۱.
  4. الوسائل باب: ۳٥ من أبواب القصاص في النفس ج: ۱۹.
  5. سورة مريم: ۱۲.
  6. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۱.
  7. الوسائل باب: ۳۳ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۱.
  8. الوسائل باب: ۳٦ من أبواب القصاص في النفس حديث: ۲.
  9. الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: ٦.
  10. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الكفارات حديث: ۳ ج: ۱٥.
  11. الوسائل باب: ٦ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۱ و ۲.
  12. الوسائل باب: ٦ من أبواب المستحقين للزكاة حديث: ۱ و ۲.
  13. راجع ج: ۷ صفحة: ۳۲٦ و غيره.
  14. الوسائل باب: 44 من أبواب أحكام الوصايا حديث: ۳.
  15. سورة البقرة: ۱۸۸.
  16. الوسائل باب: ٥٦ من أبواب جهاد النفس حديث: ۱.
  17. هو المرحوم آية اللّه العظمى المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي.
  18. تقدم في صفحة: ۲٥۳.
  19. تقدم في صفحة: ۲۸۲.
  20. تقدم في صفحة: ۲۸۲.
  21. سورة النساء: ۹۲.
  22. الوسائل باب: ٥٦ من أبواب جهاد النفس و تقدم في صفحة: ۳۰۹.
  23. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الايمان ج: ۱٦
  24. تقدم في صفحة ۲٥۳.
  25. سورة النساء: ۲۹
  26. تقدم في صفحة: ۲٥۳.
  27. راجع مستدرك الوسائل باب: ۱۸ من أبواب عقد البيع و في سنن الترمذي باب: ۳4 من أبواب البيوع و في مسند ابن حنبل ج: ۱ صفحة: ۲۰4 و في كنز العمال ج: ۱٦ حديث: ۲4۰ من أحاديث فضائل الأصحاب.
  28. راجع منتهى المقال للمرحوم آية اللّه المامقاني ج: ۲ صفحة: ۲٥۱
  29. الوسائل باب: ۸۸ من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: ۱.
  30. راجع الوسائل باب: ۱۰ و ۱۲ و ۱۳ من أبواب عقد النكاح.
  31. الوسائل باب: ۲ من أبواب الوكالة حديث: ۲.
  32. تقدم في صفحة: ۳۰۱ و في الوسائل باب: ۱٥۷ من أبواب مقدمات النكاح.
  33. الوسائل باب: ۱ من أبواب أحكام المضاربة حديث: ۹
  34. الوسائل باب: ۷٥ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۳ و ۲.
  35. الوسائل باب: ۷٥ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۳ و ۲.
  36. الوسائل باب: ۲ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: ۷.
  37. الوسائل باب: ۲ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: ۸ و ۲.
  38. الوسائل باب: ۲ من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: ۸ و ۲.
  39. الوسائل باب: ۲٥ من أبواب بيع الحيوان حديث: ۱
  40. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب أحكام العقود حديث: ۱
  41. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب أحكام العقود حديث: ۲
  42. الوسائل باب: ۲4 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
  43. سورة البقرة: ۱۸۸.
  44. سنن ابن ماجه باب: ۲۰ من أبواب التجارات حديث: ۲۱۸۷.
  45. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب عقد البيع حديث: ۳.
  46. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: ۱۲.
  47. مستدرك الوسائل باب: ۱ من أبواب عقد البيع حديث: 4 سنن ابن ماجه باب: ۱ من أبواب الطلاق حديث: ۲۰4۷.
  48. الوسائل باب: ۲ من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: ۱.
  49. الوسائل باب: ۱ من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: ۸ و ۳ و ۲.
  50. الوسائل باب: ۱ من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: ۸ و ۳ و ۲.
  51. الوسائل باب: ۱ من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: ۸ و ۳ و ۲.
  52. سورة النحل: ۷٥.
  53. الوسائل باب: 4٥ من أبواب الطلاق حديث: ۱.
  54. الوسائل باب: ۲4 من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: ۱.
  55. الوسائل باب: ٥ من أبواب العتق.
  56. راجع صفحة: ۳۰۷.
  57. سنن الترمذي ج: ۳ باب: ۱۹ حديث: ۱۳۳۲ و تقدم في صفحة: ۳۰۷.
  58. راجع صفحة: ۲۰۹ و ۳۰٥.
  59. راجع صفحة: ۲۰۹ و ۳۰٥.
  60. راجع صفحة: ۲۰۹ و ۳۰٥.
  61. راجع سنن ابن ماجه باب: 4۳ من أبواب النكاح حديث: ۱۹٥۹ و في الوسائل باب: ۲4 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
  62. تقدم في صفحة: ۳۰٦.
  63. سورة النساء: ۲۹.
  64. راجع صفحة: ۲٥۳
  65. الوسائل باب: ۲٦ من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: ۱.
  66. الوسائل باب: ۸۸ من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: ۱.
  67. راجع الاسفار الأربعة ج: ۲ باب العلة و المعلول في المرحلة السادسة.
  68. تقدم في صفحة: ۳۰٦.
  69. راجع الوسائل باب: ۳ من أبواب و لا ضمان الجريرة و الإمامة ج: ۱۷.
  70. تقدم في صفحة: ۳۰٦.
  71. تقدم في صفحة: ۳۰٦.
  72. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام العقود حديث: ۱۳.
  73. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام العقود حديث: ۸ و ٦ و ۷.
  74. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام العقود حديث: ۸ و ٦ و ۷.
  75. الوسائل باب: ۸ من أبواب أحكام العقود حديث: ۸ و ٦ و ۷.
  76. تقدم في صفحة: ۲٥۳
  77. لم أظفر على الحديث في المجامع الا انه موجود في الكتب الفقهية الاستدلالية.
  78. الوسائل باب: ۸۸ من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: ٥.
  79. الوسائل باب: ۷ من أبواب العيوب و التدليس حديث: ۱ ج: ۱4( النكاح).
  80. الوسائل باب: ۲ من أبواب العيوب و التدليس حديث: ۲ و ۱.
  81. الوسائل باب: ۲ من أبواب العيوب و التدليس حديث: ۲ و ۱.
  82. راجع القاعدة في ج: ۲ من تهذيب الأصول صفحة: ۲4۳.
  83. راجع ج: ۱ صفحة: ٥۱۰.
  84. الوسائل باب: ۳ من أبواب عقد البيع و شروطه حديث: ۱.
  85. الوسائل باب: ۸۸ من أبواب نكاح العبيد و الإماء حديث: 4.
  86. الوسائل باب: ۱۳۷ من أبواب أحكام العشرة.
  87. راجع ج: ۱٥ صفحة: ۱۲٦.
  88. الوسائل باب: ۸۳ من أبواب ما يكتسب به حديث: ۷.
  89. الوسائل باب: ٥۲ من أبواب الوصايا.
  90. الوسائل باب: ۱۲ من أبواب إحياء الموات حديث: ۳.
  91. الوسائل باب: ۳ من أبواب الغصب حديث: ۱ و ۲.
  92. سنن ابن ماجه باب: ۱۳ من أبواب الرهون حديث: ۲4٦٦.
  93. الوسائل باب: ۱۱ من أبواب عقد البيع.
  94. تقدم في صفحة: ۳۰۷.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"