1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مهذب الأحكام
  8. /
  9. كتاب الإجارة
  10. /
  11. فصل يكفي في صحة الإجارة
يكفي في صحة الإجارة كون المؤجر مالكا للمنفعة، أو وكيلا عن المالك لها، أو وليا عليه، و إن كانت العين للغير (۱). كما إذا كانت مملوكة بالوصية، أو بالصلح، أو بالإجارة، فيجوز للمستأجر أن يؤجرها من المؤجر أو من غيره لكن في جواز تسليمه العين إلى المستأجر الثاني بدون إذن المؤجر إشكال (۲). فلو استأجر دابة للركوب أو لحمل المتاع مدة معينة فآجرها في تلك المدة أو في بعضها من آخر يجوز، و لكن لا يسلمها اليه بل يكون هو معها و ان ركبها ذلك الآخر أو حمّلها متاعه، فجواز الإجارة لا يلازم تسليم العين بيده (۳)، فإن سلمها بدون اذن المالك ضمن (٤)، هذا إذا كانت الإجارة الأولى مطلقة، و أما إذا كانت مقيدة كأن استأجر الدابة لركوب نفسه فلا يجوز إجارتها من آخر (٥)، كما أنه إذا اشترط المؤجر عدم إجارتها من غيره أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه كذلك أيضا أي لا يجوز إجارتها من الغير (٦). نعم، لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه، و لم يشترط كونها لنفسه جاز أيضا إجارتها من الغير بشرط أن يكون هو المباشر للاستيفاء لذلك الغير (۷)، ثمَّ لو خالف و آجر في هذه الصور (۸).ففي الصورة الأولى- و هي ما إذا استأجر الدابة لركوبه نفسه- بطلت، لعدم كونه مالكا إلا ركوبه نفسه (۹) فيكون المستأجر الثاني ضامنا لأجرة المثل للمالك (۱۰) إن استوفى المنفعة (۱۱)، و في الصورة الثانية و الثالثة في بطلان الإجارة و عدمه وجهان مبنيان على أن التصرف المخالف للشرط باطل (۱۲) لكونه مفوتا لحق الشرط، أو لا بل حرام و موجب للخيار (۱۳)، و كذا في الصورة الرابعة (۱٤) إذا لم يستوف هو بل سلمها إلى ذلك الغير.

لأن ما هو المعتبر في صحة الإجارة انما السلطنة على إيجاد عقد الإجارة و تمليك المنفعة بها، سواء كانت العين و المنفعة مملوكة له حقيقة أو لا، بل كان مسلطا على نقلها بوجه شرعي، و كذا الكلام في البيع و سائر العقود المعاوضية، و الوجه في ذلك الإطلاقات و العمومات و ظهور الاتفاق.

نسب جواز التسليم بدون اذن المؤجر إلى المشهور، و نسب المنع إلى العلامة و الحلي، و عن ابن الجنيد التفصيل بين كون الثاني أمينا فيجوز، و لا بد من تنقيح البحث أولا بحسب القاعدة ثمَّ بحسب الأخبار الواردة.

أما الأول: فصحة الإجارة الثانية كما هو المفروض ملازمة عرفا لصحة الدفع و الاستيمان لاستيفاء المنفعة لفرض عدم شرط و قيد في البين من المؤجر الأول فهما متلازمان عند العرف و المتشرعة، فيكون دليل أحد المتلازمين دليلا على الآخر أيضا و الإذن في شي‏ء إذن في لوازمه.

و لعل نظر العلامة و الحلي حيث منعا عن ذلك إلى ان الملازمة انما تكون بين صحة الإجارة و التمكين من الاستفادة و الاستيلاء عليها و دفع الموانع عنها و كل ذلك أعم من الاستيمان.

و فيه: ان التمكين من الاستفادة إما مع التضمين لو تلفت العين بلا تعد و تفريط، أو مع عدم الضمان، و الأول مخالف لفرض صحة الإجارة عرفا و شرعا و الناس بحسب فطرتهم لا يقدمون على ذلك.

الثاني: هو المطلوب و هو المأنوس في الأذهان.

و أما قول ابن الجنيد فالظاهر أن مراده عدم ظهور أمارة الخيانة و التعدي فيه، و إلا فلا يجوز و هذا من المتفق عليه بين الكل، لأنه من التسليم إلى الخائن و هو موجب للضمان بلا إشكال، و لا يقول بذلك المشهور أيضا فلا مخالف في الحقيقة في المسألة بين الفقهاء.

و أما الثاني: فمن الاخبار صحيح ابن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه السّلام قال:

«سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت، ما عليه؟ قال عليه السّلام: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسم فليس عليه شي‏ء»۱، و هو ظاهر فيما نسب إلى المشهور و لا وجه لحمله على وضعها أمانة في يد الغير كما في الجواهر، لأنه مخالف لإطلاق نفي الضمان، و من الأخبار ما ورد من النصوص المطلقة في إجارة الأرض و غيرها بمساو الأجرة أو بالأقل أو الأكثر- على ما سيأتي التعرض لها في المسألة الآتية- فإنها ظاهر في جواز التسليم:

و منها: خبر الصفار قال: «كتبت إلى الفقيه عليه السّلام: في رجل دفع ثوبا الى القصّار ليقصّره، فدفعه القصّار إلى قصّار غيره ليقصّره، فضاع الثوب، هل يجب على القصّار أن يرده إذا دفعه إلى غيره، و إن كان القصّار مأمونا؟ فوقع عليه السّلام: هو ضامن له إلا أن يكون ثقة مأمونا إن شاء اللّه»۲، و نحوه مكاتبة محمد بن علي بن محبوب‏۳.

و فيه: أن مفاده انه مع التلف و ثبوته شرعا لا ضمان و مع غيره يكون فيه‏ الضمان، و ليس هذا إلا معنى الإجارة الصحيحة فيكون المستفاد من الجميع شيئا واحدا و مطابقا للقاعدة هذا، مع ان مورده عين المستأجر لا عين المؤجر و الكلام في الثاني دون الأول إلا ان يدعي القطع بعدم الفرق.

إن كان نظره إلى صحة التفكيك بينهما عقلا فهو صحيح، إذ لا ملازمة بينهما كذلك، و إن كان مراده قدّس سرّه عدم الملازمة بحسب المتعارف و ظواهر الأدلة فهو خلاف المنساق منهما كما لا يخفى.

لتحقق العدوان منه حينئذ سواء تلف أو تعب عند المستأجر الثاني بلا تعد أو معه، و هذه هي الثمرة بين القول بجواز الدفع بلا إذن منه و عدمه.

لما يأتي منه رحمه اللّه من عدم كونه مالكا للمنفعة المطلقة بل يملك ركوب نفسه فقط.

لأنه لا إجارة إلا فيما يتسلط عليه شرعا، و المفروض عدم تسلطه كذلك، فلو آجر تكون فضولية و تتوقف صحته على إذن المالك.

للإطلاقات بعد عدم تخلفه عن مقتضى الإجارة الأولى في شي‏ء.

أي الصور الأربعة: و هي ما إذا كانت مقيدة، أو اشترط عدم الإجارة من الغير، أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه، أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه. ثمَّ انه هل لا بأس بالإشارة إلى أمور توضيحا للمقام:

الأمر الأول‏: اشتراط استيفاء المنفعة بنفسه يمكن أن يكون من الالتزام في ضمن الالتزام، و يمكن أن يكون بتضييق دائرة المملوك في إنشاء أصل عقد الإجارة، و ذلك لسلطنة المالك على ملكه بجميع الشؤون المتصورة فيه ما لم يمنع عنه مانع عقلي أو شرعي، و لا مانع كذلك في البين.

و عن بعض مشايخنا4، المنع عن ذلك ببيان أن طبيعي سكنى الدار مثلا من شؤون الدار و قائم بها و ليس وصفا للمالك و قائما به، و لا يكون تحت سلطته و اختياره حتى يكون له حق التوسعة و التضييق.

و فيه: أن طبيعي السكنى له إضافة إلى الدار و إضافة أخرى إلى مالكها، و هاتان الإضافتان متلازمتان قوة و فعلا و اعتبارا في كل جهة تتصور فيهما، فكما يصح اعتبار ضيق منفعة الدار وسعتها بالنسبة إلى الدار يصح اعتبار تمليك ملك المنفعة الوسيعة أو الضيقة، إذ الاعتبار خفيف المؤنة و ليس من الوجودات العينية الخارجية، بل له نحو تحقق في مقابل الذهنيات و الخارجيات، و هو أعم منهما من كل جهة.

الأمر الثاني‏: اشتراط استيفاء المنفعة بنفسه إما بنحو شرط الوصف أو بنحو شرط النتيجة أو الفعل، و الكل صحيح أما الأخير فواضح كأن يقول:

آجرتك الدار بشرط أن تسكنها بنفسك.

أما الثاني كأن يقول آجرتك الدار بشرط كون السكنى لك فقط.

و أشكل عليه بأن شرط النتيجة على فرض الصحة إنما يصح فيما إذا كفى‏ نفس الشرط في حصولها كشرط ملكية كذا و استحقاق كذا مثلا، و في المقام لا يكفي الشرط في حصول النتيجة لأن السكنى من شؤون المستأجر لا المؤجر بلا سلطنة له بالنسبة إليه حتى يكفى فيه شرط النتيجة.

و فيه: ان مرجع شرط النتيجة في المقام إلى أن المستأجر محجور عن جميع التصرفات إلا السكنى بنفسه و لا ريب في أن ذلك داخل تحت سلطنة المؤجر و يكون من شؤونه.

و الأول كأن يقول: آجرتك الدار بوصف سكناك فقط.

و أشكل عليه: بأن السكنى قائم بالمستأجر و ليس تحت سلطنة المؤجر حتى يتعلق به.

و فيه: ان أصل السكنى ملك المؤجر و له السلطنة عليه فالوصف المتعلق بالمملوك تحت اختيار المالك بالتبع، لأن ذلك من حدود ملكه و قيوده كما إذا قال المالك: آجرتك الدار بشرط كونك هاشميا مثلا.

الأمر الثالث‏: قد تشكل صحة الإجارة الثانية بأن المنفعة فيها ليست ملكا لأحد، فلا وجه لكون المستأجر الثاني مالكا لها أيضا لأنه بعد تقييد المنفعة في الإجارة الأولى باستيفائها المستأجر بنفسه تصير الحصة الخاصة منها التي لا يعقل التعدي عنها مملوكة للمستأجر، فلا يعقل ان يكون استيفاء المستأجر الثاني استيفاء، لما ملكه المتسأجر الأول لعدم كونه مالكا إلا للحصة التي يستوفيها على فرض الاستيفاء و ليست مملوكة للمؤجر أيضا، لأن المنافع متضادة، فما كان المؤجر مالكا لها ملكها إلى المستأجر الأول و استيفاء المستأجر الثاني ضد لذلك فيلزم التضاد في مرتبة الملكية، و هو غير جائز كالتضاد في الأشياء الخارجية و هذه هي الشبهة المشهورة في ان المنافع المتضادة لا تملك بالنسبة إلى المالك الواحد، و كذا بالنسبة إلى المالكين من جهة عدم القدرة على التسليم بالنسبة إليهما.

و هذا الإشكال ساقط من أصله، لأن المنافع مطلقا حيثيات قائمة بالعين، و هي بالقوة في مقام قيامها بالعين، و مهملة بلا تعيين فيها في تلك المرتبة، و يمكن أن تفرض فيها إضافات و نسب، و هي أيضا بنحو القوة و الإهمال و الإجمال و عدم التعيين بذاتها، و جميع إضافاتها و نسبها المهملة مملوكة لمالك العين و لا يعقل التضاد في تلك المرتبة، لأنه من صفات الموجودات العينية الخارجية و المفروض انها في تلك المرتبة من مجرد القوة و الاستعداد المحض، فاذا خرجت جهة من جهاتها عن ملك المالك بتمليكه لها إلى المستأجر الأول بقيت بقية الجهات على ملكه، لأنه لا موجب لانتقالها عنه إلى غيره إلا لأحد أمور ستة كلها مخدوشة:

الأول‏: النقل إلى المستأجر الأول يوجب النقل إليه من تمام الجهات.

و فيه: انه خلف لفرض ان النقل إليه من جهة خاصة لا من كل جهة.

الثاني‏: تضاد المملوكين فيتضاد الملكان، و لا يمكن الجمع بينهما بالنسبة إلى المالك المؤجر.

و فيه: ما مر من عدم التضاد فيما هو بالقوة، مع أن الملكية من الأمور الاعتبارية و الضدية تختص بالأعيان الخارجية.

الثالث‏: إذا خرج ما بالقوة إلى الفعلية ينحصر فيه، فلا فرد له أصلا إلا ما صار بالفعل.

و فيه: انه لا دليل على هذا الانحصار من عقل أو نقل بل كل ما بالقوة إذا صار بعض جهاته و إضافاته بالفعل تبقى بقية جهاته على ما كانت عليه.

الرابع‏: ما هو بالقوة و يكون غير متعين بواحد و لا يعقل خروج بعض جهاته الأخر على القوة.

و فيه: انه واحد و لكن ليس بواحد شخصي حقيقي خارجي، بل واحد نوعي اعتباري لا ينافي تحقق جهات من الحيثيات فيه كما هو واضح.

الخامس‏: المنافع المتضادة غير مقدورة عرضا، فهي غير مملوكة لأن كل غير مقدور كذلك غير مملوك.

و فيه: أنه لا دليل على هذه الكلية من عقل أو نقل بل الملكية شي‏ء و القدرة شي‏ء آخر يصح اعتبار كل منهما مع قطع النظر عن الآخر، سواء لوحظت القدرة بالنسبة إلى التسليم أو الى الاستيفاء و قد جرت سيرة الفقهاء في المعاملات على اشتراط الملكية و القدرة كل منهما متعددا غير مربوطة إحداهما بالأخرى.

السادس‏: الملكية نحو من السلطنة و لا سلطنة للمالك على المتضادين.

و فيه: ما مر مرارا من عدم التضاد فيما هو بالقوة و في ما هو من الاعتباريات، مع ان اختلاف الحيثية يرفع التضاد على فرض تحققه، فلا محذور في ملكية المنافع المتضادة بنحو ما قلناه، مع ان الاعتباريات خفيفة المؤنة جدا تصح بكل ما أمكن الاعتبار العرفي بالنسبة إليها.

الأمر الرابع: لا ريب في ان المنافع مطلقا يصح اعتبار الملكية فيها كما يصح اعتبار المالكية أيضا فيها، و لا يصح تمليك المنافع المتضادة لعدم القدرة على التسليم، كما لا يصح استيفاؤها في عرض واحد أيضا لعدم القدرة عليه و في العرف و الوجدان في ذلك كله غنى عن إقامة البرهان، فلا يستحق المالك الأجرة المسماة بالنسبة إلى المستأجر الثاني من جهة عدم قدرته على التسليم و عدم قدرة المستأجر على الاستيفاء لفرض أن المالك استوفاها و أخذ الأجرة المسماة من المستأجر الأول بإزائها فلا يبقى موضوع لاستيفاء غيره لتلك المنفعة فلا وجه لضمانه له من هذه الجهة، و إن صح من حيث تفويت المال على صاحبه فيضمن له من هذه الجهة لا من حيث الإجارة.

نعم، إذا كانت المنافع متفاوتة في المالية فما يكون أكثر مالية هو المضمون، فاذا فرض ان المنفعة المستوفاة أو الفائتة بالتفويت متساوية في المالية للمنفعة المملوكة بالإجارة الأولى لا يضمن للمالك شيئا لاستيفاء المالك مالية ماله بالأجرة المسماة في الإجارة الأولى، فلا يضمن المستأجر الثاني إلا مالية ما ملكه المستأجر الأول بالتفويت لا بالاستيفاء.

و أما إذا كانت المنفعة المستوفاة أو المضمونة ذات مالية زائدة على مالية ما ملكه المستأجر الأول فهي مضمونة على المستأجر الثاني للمالك، لأن ملك الزيادة لماله المضاف إليه بإضافة الملكية، و هذا هو أثر كون المنفعة باقية على مالك مالكه، و يمكن تصوير بقاء ملكيته مطلقا بنحو الترتب، و لو بحسب المرتبة الفعلية للملكية فإن الممتنع من اجتماع الملكية للمنافع المتضادة في مرتبة الفعلية انما هو فيما إذا كانت عرضية من كل جهة لا ما إذا فرضت طولية، كما في اجتماع الخطابين التكليفيين الطوليين، و كذا الكلام في القدرة على التسليم و القدرة على الاستيفاء فإنه يجوز فرضهما بنحو الترتب طولا.

فلا تصح الإجارة منه، لعدم الملكية و لا تصح اجازة هذه الإجارة من المالك، لفرض انه أخرج هذه الملكية عن نفسه و جعلها للمستأجر الأول، و لكن بناء على ما احتملناه أخيرا من صحة فرض ملكه بنحو الترتب يصح له اجازة هذه الإجارة للمستأجر الأول، كما أن للمستأجر الأول ان يجيزها للمالك، لأن الحق لا يعدوهما بناء على عدم تصور الملك بلا مالك مع صحة اعتبار الملكية كما هو المفروض.

بناء على صحة اعتبار الملكية للمالك و لو بنحو الترتب، و أما بناء على عدم صحته فلا وجه لكون أجرة المثل له.

نعم، يستحق الزيادة عن المسمى كما مر في الأمر الرابع و يأتي ما يناسب المقام في (مسألة ٦).

و إن لم يستوف المنفعة فهو ضامن من حيث التفويت.

نعم، يصح ضمانه للزيادة للمالك بنحو ما مر.

المراد بالبطلان هو التوقف على إجازة الشارط لا البطلان المطلق بحيث لا يقبل الصحة بالإجازة أيضا، و على أي حال فثبوت الحق في الجملة في مورد الشرط للشارط مما لا ينكره العرف المنزل عليه الأدلة.

التعبير قاصر جدا و حق العبارة ان يقال: انه مع تخلف الشرط في المقام هل تكون الإجارة الثانية فضولية بالنسبة إلى المالك، فيصح له الإجازة بناء على ثبوت الحق في مورد الشرط أو لا بل يوجب الخيار فقط؟.

الظاهر ثبوت الخيار في هذه الصورة لو لم يمكن الإلزام بالعمل بالشرط وجها واحدا.

(مسألة ۱): يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة و ما بمعناها أن يؤجر العين المستأجرة بأقل مما استأجر، و بالمساوي له مطلقا- أي شي‏ء كانت- بل بأكثر منه أيضا إذا أحدث فيها حدثا، أو كانت الأجرة من غير جنس الأجرة السابقة (۱٥)، بل مع عدم الشرطين أيضا فيما عدا البيت و الدار و الدكان و الأجير و أما فيها فإشكال (۱٦).فلا يترك الاحتياط بترك إجارتها بالأكثر (۱۷)، بل الأحوط إلحاق الرحى و السفينة بها أيضا في ذلك (۱۸)، و الأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في الأرض على كراهة (۱۹) و إن كان الأحوط الترك فيها أيضا (۲۰)، بل الأحوط الترك في مطلق الأعيان (۲۱)، إلا مع إحداث حدث فيها، هذا.و كذا لا يجوز أن يؤجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الأجرة، كما إذا استأجر دارا بعشرة دنانير و سكن بعضها و آجر البعض الآخر بأزيد من العشرة فإنه لا يجوز بدون إحداث حدث (۲۲). و أما لو آجر بأقل من العشرة فلا إشكال (۲۳)، و الأقوى الجواز بالعشرة أيضا (۲٤)، و إن كان الأحوط تركه (۲٥).

كل ذلك للإطلاقات و العمومات و أصالة الصحة و ظهور الإجماع، و يأتي البحث عن اتحاد الجنس و اختلافه في التنبيه الثالث.

البحث في هذه المسألة.

تارة: بحسب الأصول و القواعد و الإطلاقات و العمومات.

و أخرى‏: بحسب الأدلة الخاصة.

أما الأول: فمقتضى أصالة الصحة و قاعدة السلطنة و العمومات و الإطلاقات الجواز فيها مطلقا كما في غيرها، فإن ثبت الحكم فيها يكون مخالفا للأصل و العمومات و الإطلاق، و لا بد من الاقتصار على ما تطابقت عليه‏ النصوص و لم يكن له معارض و مناف مخصوص.

و أما الثاني: فالعناوين الواردة في الأخبار ستة:

الأول‏: البيت و الدار، و هما واحد.

الثاني‏: الحانوت، و هو الدكان.

الثالث‏: الأرض.

الرابع‏: الرحى.

الخامس‏: الأجير.

السادس‏: السفينة٥، و يأتي حكم العمل في المسألة التالية.

و نسب الجواز مع الكراهة إلى أكثر علمائنا، و نسب إلى جمع الحرمة لما وصل إلينا من الأخبار، و لا بد من بيانها حتى يتبين الحال فنقول: أما البيت و الدار و الحانوت و الأجير فقد نص على حرمة فضل الأجرة فيها، ففي خبر أبي الربيع عن الصادق عليه السّلام: «سألته عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين ثمَّ يؤجرها بأكثر مما يتقبلها، و يقوم فيها بحط السلطان؟

فقال عليه السّلام: لا بأس به إن الأرض ليست مثل الأجير و لا البيت إن فضل الأجير و البيت حرام»٦، و في خبر أبي المعزى: «ان هذا ليس كالحانوت و لا الأجير إن فضل الحانوت و الأجير حرام»۷، و في خبر ابن المثنى: «ان فضل البيت حرام و فضل الأجير حرام»۸، هذه الأخبار التي استدل بها على حرمة فضل الأجرة في الثلاثة بدعوى ظهور لفظ الحرمة الوارد في الكتاب و السنة في الحرمة المعهودة المصطلح عليها بين الفقهاء.

و فيه .. أولا: ان ذلك من مجرد الدعوى.

نعم، لو كان هذا اللفظ مما ورد فيه الإثم و السحت و نحوهما من القرائن الخارجية و الداخلية، مما يدل على العقاب و ارادة الحرمة الاصطلاحية لكان لهذه الدعوى وجه، و اما المقام الذي يكون أصل الحكم فيه مخالفا للأصل‏ و الإطلاق و القاعدة فلا وجه لهذا الظهور مع احتمال إرادة مطلق المنع.

و ثانيا: انها معارضة بصحيح الحلبي: «في الرجل يستأجر الدار ثمَّ يؤجرها بأكثر مما استأجرها به، قال عليه السّلام: «لا يصلح إلا أن يحدث فيها شيئا»۹، فإن لفظ (لا يصلح) إما ظاهر في الكراهة الاصطلاحية أو مجملة من هذه الجهة، و على الأول يكون صارفا للفظ الحرمة عن الحرمة الاصطلاحية على فرض ظهورها، و على الثاني يكون من القرينة المجملة الموجب لإجمال ذي القرينة.

نعم، لو كانت الحرمة ظاهرة في الحرمة الاصطلاحية فلا وجه لسراية الإجمال حينئذ، و لكنه أول الدعوى كما مر، فالحق مع أكثر الفقهاء حيث نسب إليهم الكراهة.

و أما الرحى ففي موثق أبي بصير عن الصادق عليه السّلام: «إني لأكره أن استأجر رحى وحدها ثمَّ أوجرها بأكثر مما استأجرتها به إلا أن يحدث فيها حدثا أو يغرم فيها غرامة»۱۰، و قريب منه صحيح ابن خالد۱۱، و لا ريب في ظهورهما في الكراهة المعروفة ما لم يكن قرينة على الخلاف و هي مفقودة.

و أما السفينة فليس فيها إلا خبر ابن عمار، عن جعفر عليه السّلام، عن أبيه عن إبائه عليهم السّلام كان يقول: «لا بأس ان يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثمَّ يؤجرها بأكثر مما استأجرها إذا أصلح فيها شيئا»۱۲، فإنه بالمفهوم يدل على البأس مع عدم الزيادة و الإصلاح.

و فيه: ان البأس في المفهوم أعم من الحرمة كما هو واضح.

أما الأرض: فما ورد فيها من الأخبار أقسام ثلاثة:

الأول‏: ما هو ظاهر بل نص في الجواز كخبر الشامي و أبي المعزى و ابن‏ المثنى‏۱۳.

الثاني‏: ما يدل على التفصيل بين الإجارة و المزارعة، فلا يجوز في الأولى بالأكثر و يجوز في الثانية به لخبر الحلبي و ابن عمار۱4، و لعل المراد بقوله عليه السّلام:

«لأن هذا مضمون و ذلك غير مضمون»۱٥، هو بيان الفرق بين الإجارة و المزارعة، و عبر عن الإجارة بالضمان لوجوب الأجرة فيها على كل حال بخلاف المزارعة فإن أجرتها غير مضمونة، و لكن في خبر أبي بصير «مصمتان»۱٦، بالصاد المهملة بدل «مضمونان» و لعل المراد واحد إن لم يكن من الغلط.

الثالث‏: ما يدل على عدم جواز كل من الإجارة و المزارعة بالأكثر كخبر الهاشمي عن الصادق عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ثمَّ آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر، و له في الأرض بعد ذلك فضل أ يصلح له ذلك؟

قال عليه السّلام: نعم، إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك، قال و سألته عن الرجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فيؤجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي‏ء معلوم، فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان و لا ينفق شيئا، أو يؤجر تلك الأرض قطعا على أن يعطيهم البذر و النفقة فيكون له في ذلك فضل على إجارته و له تربة الأرض، أو ليست له؟ فقال له: إذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت»۱۷، بناء على أن الإجارة فيه أعم من الإجارة المصطلحة فيشمل المزارعة أيضا كما يظهر عن جمع، و يطلق الإجارة على المزارعة إطلاقا شائعا.

و أحسن طريق للجميع هو حمل الأخبار المانعة على الكراهة مع اختلاف مراتبها ففي الإجارة بالمرتبة الشديدة، و في المزارعة بالمرتبة الخفيفة، إلى الأكثر من الكراهة في فضل الأجرة مطلقا هو الموافق للتحقيق بعد التأمل الدقيق.

و ينبغي التنبيه على أمور:

الأول‏: ان الحكم- كراهة أو حرمة- مخصوص بخصوص السبعة المنصوصة، و التعدي عنها إلى مطلق فضل الأجرة في مطلق الإجارة في هذا الحكم المخالف للأصل و الإطلاق و حمل ما ورد في الأخبار على المثال مشكل جدا، و دون إثباته خرط القتاد.

الثاني‏: هل الحرمة على فرض ثبوتها تكليفية محضة أو وضعية، و هل تختص بخصوص الزيادة أو تعم أصل الإجارة وجوه؟ المنساق من الأدلة هو الحرمة التكليفية بالنسبة إلى خصوص الزيادة و إثبات غيره يحتاج الى دليل و هو مفقود.

الثالث‏: إذا كانت الأجرة في الإجارة اللاحقة من غير جنس أجرة الإجارة السابقة فظاهرهم الجواز حينئذ، و في الجواهر دعوى الإجماع عليه، و لم يذكر فيما وصل إلينا من النصوص اسم عن تغاير الجنسين، فإن كان مراد من اعتبر ذلك انه مع الاتحاد يلزم الرباء فهو فاسد، إذ ليس المقام من الربا القرضي و لا المعاملي قطعا، و إن أراد أن هذا نحو ربا خاص في مقابل الربا القرضي فلا دليل عليه و للأصل و حصر الرباء في الشريعة فيما هو المعهود منه ينفيه، و إن كان مرادهم أن لفظ الأكثر و الفضل الوارد في الأخبار۱۸. ظاهر في الأكثر و الفضل فيما إذا كانت الأجرتان من جنس واحد، و أما مع الاختلاف فلا يصدق هذا اللفظ.

و فيه: أن الأكثر و الفضل يصدق على الأكثر و الأفضل مالا بلا إشكال، فيصح أن يقال: عشرة دنانير أكثر من عشرة دراهم مثلا، و لها فضل عليها، و أما اعتبار اتحاد الجنس فاستفادته من هذه الأخبار التي وصلت إلينا في المقام مشكل جدا، و لا أقل من الشك فيه فلا يصح التمسك لاعتباره بهذه الاخبار لأنه‏ من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و على أي حال يكفي التغاير الاعتباري كنقد دولة مع دولة أخرى.

أما حسن الاحتياط فللخروج عن خلاف جمع من الفقهاء، حيث نسب إليهم المنع مستندا الى ما تقدم من الأخبار القاصرة الدلالة على المنع بعد رد بعضها إلى بعض، و ملاحظة المجموع من حيث المجموع.

و أما وجوب الاحتياط فظهر مما تقدم عدم دليل عليه، بل الأصل و القاعدة و الإطلاقات تنفيه.

يجري هنا أيضا عين ما تقدم في الاحتياط السابق عليه من غير فرق.

تقدمت النصوص الواردة في الأرض‏۱۹، و انه لا يستفاد منها أزيد من الكراهة بعد رد بعضها الى بعض.

خروجا عن خلاف من ذهب إلى المنع و إن كان لا دليل له عليه كما مر.

بناء على التعدي عما ورد في النصوص إلى إجارة مطلق الأعيان كما نسب ذلك إلى جمع منهم السيدين و الشيخين، و لا دليل لهم عليه إلا حمل ما ورد في النصوص على مجرد المثال لكل عين توجد، و التعليل الوارد في قوله عليه السّلام لبيان الفرق بين الإجارة و المزارعة: «أن هذا مضمون و ذلك غير مضمون»۲۰.

و فيه: أن التعدي في هذا الحكم المخالف للأدلة نحو تعد في الأحكام و التعليل ليس من العلة الحقيقية و إنما هي تقريبية في مورد النصوص.

نعم، لا ريب في صلاحيته لحسن الاحتياط أو الكراهة في سائر الأعيان أيضا لأنهما خفيفتا المؤنة كما هو معلوم.

لفحوى ما مر من الأخبار الواردة في تمام البيت و الدار، و صحيح الحلبي عن الصادق عليه السّلام: «لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم، فسكن ثلثيها و آجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، و لا يؤجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث فيها شيئا»۲۱، فإن الضمير في الجملة الأخيرة إن رجع الى كل الدار يدل على المقام بالفحوى، و ان رجع إلى ثلث الدار فهو نص في المقام، و في خبر أبي الربيع المروي عن الفقيه: «لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها و آجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، و لكن لا يأجرها بأكثر مما استأجرها»۲۲.

للأصل و الإطلاق و الاتفاق و قاعدة السلطنة، و ما تقدم من صحيح الحلبي، و غيره.

للأصل و الإطلاق و قاعدة السلطنة، و ما مر من صحيح الحلبي و خبر أبي الربيع.

خروجا عن خلاف ما نسب إلى الشيخ رحمه اللّه من المنع لكونه ربا إذا كانت الأجرة من جنس واحد، و لمضمر سماعة المشتمل على المنع عن بيع المرعى بأزيد مما اشتراه أو بالمساوي‏۲۳، بناء على إرادة الإجارة من البيع، و لخبر ابن جعفر۲4، المشتمل على السؤال عن ذكر الإجارة بالأنقص و لو قليلا، بدعوى: ان ذلك هو منتهى الجواز.

و فيه: ان هذه الاستشعارات لا تعارض ما دل من الأصول و الأدلة الدالة على الجواز، و لكن الاحتياط حسن على كل حال.

فروع‏ الأول‏: لو ارتفعت أجرة المثل عن المسمى في الإجارة الأولى فهل يشمل دليل المنع- حرمة أو كراهة- لهذه الصورة أيضا مثلا إذا كانت أجرة المثل حين الإجارة الأولى كل سنة مائة دينار مثلا فصارت بعد مدة مأتي دينار هل تصح اجارة الدار بمائتين مع عدم إحداث الحدوث أو لا؟ يمكن القول بالأول بدعوى انصراف الأدلة عن هذه الصورة.

الثاني‏: هل يكفي في إحداث الحدث الرافع للمنع مطلقا أو لا بد و أن تكون بمقدار الزيادة التي يزيدها في الإجارة الثانية، مقتضى الإطلاق هو الأول و يظهر من الشرائع الثاني.

الثالث‏: هل تعتبر في الزيادة الرافعة للمنع ان تكون بإذن المالك أو تشمل مطلقها، و لو مع عدم رضاه و منعه مقتضى المتفاهم عند المتشرعة هو الأول، ثمَّ أن الظاهر ان التبييض و التلوين و كل ما توجب زيادة رغبات الناس من الزيادة الرافعة للمنع.

(مسألة ۲): إذا تقبل عملا من غير اشتراط المباشرة و لا مع الانصراف إليها يجوز أن يوكله إلى عبده أو صانعه أو أجنبي (۲٦)، و لكن الأحوط عدم تسليم متعلق العمل كالثوب و نحوه إلى غيره من دون إذن المالك، و إلا ضمن (۲۷) و جواز الإيكال لا يستلزم جواز الدفع كما مر نظيره في العين المستأجرة، فيجوز له استئجار غيره لذلك العمل بمساوئ الأجرة التي قررها في إجارته أو أكثر (۲۸)، و في جواز استئجار الغير بأقل من الأجرة إشكال (۲۹)، إلا أن يحدث حدثا أو يأتي ببعض، فلو آجر نفسه لخياطة ثوب بدرهم يشكل استئجار غيره لها بأقل منه، إلا أن يفصله أو يخيط شيئا منه (۳۰) و لو قليلا، بل يكفي أن يشتري الخيط أو الإبرة (۳۱) في جواز الأقل، و كذا لو آجر نفسه لعمل صلاة سنة أو صوم شهر بعشرة دراهم مثلا في صورة عدم اعتبار المباشرة يشكل استئجار غيره بتسعة مثلا إلا أن يأتي بصلاة واحدة أو صوم يوم واحد مثلا (۳۲).

للعموم و الإطلاق و الاتفاق، و لا معنى لعدم الاشتراط عرفا إلا ذلك.

تقدم ما يتعلق بالضمان و عدمه في أول الفصل، و لا فرق بينه و بين المقام أصلا، فمع الاستظهار من القرائن جواز التسليم لا إشكال فيه من أحد، و مع استظهار عدمه منها كما إذا لم يكن ثقة و أمينا لا يجوز و الظاهر انه لا يقول بعدم الضمان حينئذ أحد، و مع الشك فمنشأ الضمان و عدمه صحة التمسك بإطلاق صحة الإجارة الثانية، فمع صحة التمسك به لا ضمان و مع عدمها يثبت الضمان، و الظاهر صحة التمسك كما لا يخفى، و على أي تقدير فالنزاع بين الفقهاء في الضمان و عدمه صغروي، و يزيد المقام على ما مر في العين المستأجرة ان الغالب في مثل الخياطة تسليم الثوب إلى الصنّاع و لا يخيطه من يتقبله بنفسه، و هذه قرينة عامة على رضا المالك بالتسليم إلى غيره.

للأصل، و العموم و الإطلاق و الاتفاق و قاعدة السلطنة.

نسب المنع الى المشهور، و الجواز الى جمع منهم الشهيدين و العلامة و المحقق الثاني.

و استدل المانعون بأخبار منها صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «انه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه الى آخر فيربح فيه، قال عليه السّلام: لا»۲٥، و بصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يتقبل العمل فلا يعمل و يدفعه إلى آخر يربح فيه، قال عليه السّلام: لا»۲٦، و هذه هي النسخة الصحيحة و يأتي نقله بنسخة أخرى غير صحيحة، و استدلوا أيضا بمفهوم قوله عليه السّلام: «لا بأس قد عمل فيه»۲۷، فإنه يدل على البأس ما لم يعمل.

و فيه أن البأس أعم من الحرمة كما لا يخفى.

و استدل المجوزون بأمور ..

منها: الأصل و الإطلاق و العموم.

و فيه: انها محكومة بالأدلة المانعة لو تمت دلالتها.

و منها: خبر علي الصائغ عن الصادق عليه السّلام: «أتقبل العمل ثمَّ أقبله من غلمان يعملون معي بالثلثين، فقال «ع»: لا يصح ذلك إلا ان تعالج معهم فيه.

قلت: فإني أذيبه لهم، فقال عليه السّلام: لا بأس ذلك عمل»۲۸، و أشكل عليه، بأن كلمة «لا يصلح» لا اقتضاء بالنسبة إلى الكراهة و الحرمة فتحمل في المقام على الحرمة بقرينة ما تقدم من صحيح ابن مسلم، و يمكن الإشكال عليه بأن هذه الكلمة لها الظهور العرفي في عدم الحرمة فتصلح لصرف النهي عن ظاهره.

و منها: صحيح ابن حمزة المتقدم على ما رواه ابن إدريس من تبديل كلمة «لا» بكلمة «لا بأس»، ثمَّ قال عليه السّلام: «لا بأس فيما تقبلت من عمل استفضلت فيه»، فإن ذيله كبيان قاعدة كلية للجواز مطلقا و صدره و إن كان مشتملا على العمل و هو انسق لكنه وقع في كلام السائل فلا يقيد به إطلاق كلام الإمام في الذيل.

و فيه: انه يمكن تقييد الذيل بالصدر و إن كان القيد في كلام السائل فتأمل.

و الحق ان الجزم بالمنع مشكل كما أن الجزم بالجواز أيضا كذلك و طريق الاحتياط واضح.

فيجوز حينئذ نصا كما تقدم و إجماعا.

لخبر أبي محمد الخياط عن مجمع عن الصادق عليه السّلام قال: «أتقبل‏ الثياب أخيطها ثمَّ أعطيها الغلمان بالثلثين، فقال عليه السّلام: أ ليس تعمل فيها؟ فقلت:

أقطعها و اشتري لها الخيوط، قال عليه السّلام: لا بأس»۲۹، فإن تقريره عليه السّلام لما قاله الراوي من شراء الخيوط يدل على المطلوب.

إن قيل: ان التقرير يرجع إلى المجموع من حيث المجموع أي القطع و شراء الخيوط، و لا ريب في أن القطع عمل فينطبق على الأخبار المشتملة على أنه إن عمل فيه لا بأس.

يقال: الظاهر أن المناط صرف مال فيه سواء انطبق ذلك على العمل كما هو الغالب أم صرف مال آخر فيه، فذكر العمل فيه في بعض الأخبار انما هو من باب الغالب فلا يصلح للتقييد.

قد يقال بخروج العمل المحض عن أخبار المقام لأن المنساق منها العمل في العين الخارجي كالثوب و نحوه بقرينة ما ذكر في الأخبار من العمل فيه و ذكر الخياطة و الصياغة في بعضها۳۰، فيبقى العمل المحض على مقتضى الأصل و الإطلاق و هو الجواز مطلقا.

و فيه: ان العمل و الخياطة و الصياغة إنما هو من باب المثال لاعتبار وجود العين الخارجي في مورد العمل، و لكن مع ذلك فيه تأمل لأن الحكم مخالف للأصل و الإطلاق لا بد و إن يقتصر فيه على ظاهر الدليل.

(مسألة ۳): إذا استؤجر لعمل في ذمته لا بشرط المباشرة يجوز تبرع الغير عنه (۳۳).و تفرغ ذمته بذلك، و يستحق الأجرة المسماة (۳٤). نعم، لو أتى بذلك العمل المعين غيره لا بقصد التبرع عنه لا يستحق الأجرة المسماة (۳٥) و تنفسخ الإجارة حينئذ لفوات المحل، نظير ما مر سابقا من الإجارة على قلع السن فزال ألمه، أو لخياطة ثوب فسرق أو حرق.

للأصل، و الإطلاق، و السيرة بلا فرق بين كون مورد الإجازة عملا محضا أو عملا متعلقا بالعين الخارجي.

لفرض أن المتبرع تبرع عن الأجير فكأن الأجير أتى بالعمل بنفسه.

لعدم إضافة العمل حينئذ إلى الأجير لأن الإضافة إليه متقومة بالقصد و المفروض عدم تحققه، فلا وجه لاستحقاقه الأجرة.

نعم، يحتمل ضمان العامل للأجير من حيث تفويت المال عليه.

(مسألة ٤): الأجير الخاص (۳٦)،- و هو من آجر نفسه على وجه يكون جميع منافعه للمستأجر في مدة معينة، أو على وجه تكون منفعته‏ الخاصة كالخياطة مثلا له، أو آجر نفسه لعمل مباشرة مدة معينة أو كان اعتبار المباشرة أو كونها في تلك المدة أو كليهما على وجه الشرطية لا القيدية- لا يجوز له أن يعمل في تلك المدة لنفسه أو لغيره بالإجارة أو الجعالة أو التبرع عملا ينافي حق المستأجر إلا مع إذنه (۳۷)، و مثل تعيين المدة تعيين أول زمان العمل بحيث لا يتوانى فيه إلى الفراغ (۳۸). نعم، لا بأس بغير المنافي (۳۹) كما إذا عمل البناء لنفسه أو لغيره في الليل، فإنه لا مانع منه إذا لم يكن موجبا لضعفه في النهار، و مثل إجراء عقد أو إيقاع أو تعليم أو تعلم في أثناء الخياطة و نحوها، لانصراف المنافع عن مثلها. هذا و لو خالف و أتى بعمل مناف لحق المستأجر فإن كانت الإجارة على الوجه الأول بأن يكون جميع منافعه للمستأجر و عمل لنفسه في تمام المدة أو بعضها فللمستأجر أن يفسخ (٤۰) و يسترجع تمام الأجرة المسماة أو بعضها (٤۱)، أو يبقيها و يطالب عوض الفائت من المنفعة بعضا أو كلا (٤۲)، و كذا إن عمل للغير تبرعا (٤۳) و لا يجوز له على فرض عدم الفسخ مطالبة الغير المتبرع له بالعوض، سواء كان جاهلا بالحال أو عالما، لأن المؤجر هو الذي أتلف المنفعة عليه دون ذلك الغير (٤٤) و إن كان ذلك الغير آمرا له بالعمل (٤٥)، إلا إذا فرض على وجه يتحقق معه صدق الغرور (٤٦)، و إلا فالمفروض أن المباشر للإتلاف هو المؤجر (٤۷).و إن كان عمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة فللمستأجر أن يجيز ذلك (٤۸) و يكون له الأجرة المسماة في تلك الإجارة أو الجعالة (٤۹)، كما أن له الفسخ و الرجوع إلى الأجرة المسماة، و له الإبقاء و مطالبة عوض المقدار الذي فات (٥۰) فيتخير بين الأمور الثلاثة (٥۱). و إن كانت الإجارة على الوجه الثاني و هو كون منفعته الخاصة للمستأجر فحاله كالوجه الأول. إلا إذا كان العمل للغير على وجه الإجارة أو الجعالة و لم يكن من نوع العمل المتسأجر عليه، كأن تكون الإجارة واقعة على منفعة الخيّاطي فآجر نفسه للغير للكتابة أو عمل الكتابة بعنوان الجعالة، فإنه ليس‏ للمستأجر إجازة ذلك، لأن المفروض أنه مالك لمنفعة الخيّاطي (٥۲) فليس له إجازة العقد الواقع على الكتابة فيكون مخيرا بين الأمرين (٥۳) من الفسخ و استرجاع الأجرة المسماة و الإبقاء و مطالبة عوض الفائت. و إن كانت على الوجه الثالث فكالثاني، إلا انه لا فرق فيه في عدم صحة الإجازة بين ما إذا كانت الإجارة أو الجعالة واقعة على نوع العمل المستأجر عليه أو على غيره، إذ ليست منفعة الخياطة- مثلا- مملوكة للمستأجر حتى يمكنه إجازة العقد الواقع عليها، بل يملك عمل الخياطة في ذمة المؤجر (٥٤)، و إن كانت على الوجه الرابع و هو كون اعتبار المباشرة أو المدة المعينة على وجه الشرطية لا القيدية ففيه وجهان: يمكن أن يقال بصحة العمل للغير بعنوان الإجارة أو الجعالة من غير حاجة إلى‏ الإجازة (٥٥)، و إن لم يكن جائزا من حيث كونه مخالفة للشرط الواجب العمل، غاية ما يكون أن للمستأجر خيار تخلف الشرط، و يمكن أن يقال بالحاجة إلى الإجازة لأن الإجارة أو الجعالة منافية لحق الشرط فتكون باطلة بدون الإجازة (٥٦).

المراد بالخاص هنا- كما في سائر الموارد- الخصوصية الخارجية في مقابل العام و الكلي و تتحقق تلك الخصوصية.

تارة: بالنسبة إلى خصوصية ذات العمل كالخياطة مثلا في مقابل سائر الأعمال.

و أخرى‏ بالنسبة إلى الزمان المخصوص.

و ثالثة: بالنسبة إليهما معا و يمكن فرضها بالنسبة إلى المكان أيضا، ثمَّ إن الخصوصية.

تارة: بنحو التقوم الذاتي و لو في الاعتباريات.

و أخرى: بنحو الشرطية الخارجة عن الذات، و الجامع بين الجميع صيرورة العمل بواسطة تلك الخصوصية مورد حق الغير، فلا يصح التصرف فيه بغير إذنه.

لأن التصرف في متعلق حق الغير بدون إذنه حرام بالأدلة الأربعة كما تقدم مرارا، مضافا إلى الإجماع في المقام، و خبر إسحاق ابن عمار قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السّلام: عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيبعثه في ضيعته و يعطيه رجل آخر دراهم، و يقول: اشتر بهذا كذا و كذا و ما ربحت بيني و بينك؟

فقال: إذا اذن له الذي استأجره فليس به بأس»۳۱.

لأنه أيضا نحو تعيين و لا يعد من الأجير العام المطلق عرفا، فيكون تصرفه تصرفا في متعلق حق الغير و يتوقف على إذنه.

لأن تصرفه حينئذ لا يكون تصرفا في متعلق حق الغير، فلا يكون حراما، لفرض عدم المنافاة، فتشمله أدلة الصحة من الأصل و الإطلاق و العموم.

لفرض كون العمل منافيا لحقه فلم يتحقق التسليم الذي يعتبر في‏ الإجارة فتكون له السلطة على حقه إبقاء أو فسخا، كما هو مقتضى سلطة كل ذي حق على حقه بدفع المنافي عن حقه و إثباته و هذا هو حق الفسخ الثابت في المقام.

لعموم قاعدة السلطنة الشاملة للكل و البعض من غير ما يصلح للتخصيص، و أما بناء على عدم التبعيض في الفسخ فيفسخ في الكل، و يكون له المسمى و عليه عوض البعض المستوفى.

لقاعدة السلطنة الشاملة للإبقاء لذلك أيضا، بل لا معنى لحق الفسخ إلا التخيير بين الإبقاء و الإزالة.

لتعلق حقه بذات العمل الصادر منه سواء كان لنفسه أم لغيره تبرعا، فيتخير المستأجر حينئذ بين فسخ إجارته و بين إبقائها كما مر.

لعدم صحة انتساب الإتلاف إليه لا مباشرة و لا تسبيبا.

حيث إن الآمر استوفى بأمره عمل الأجير الذي هو ملك للمستأجر من دون تبرع من مالكه، فيجوز للمالك الرجوع اليه و أخذ عوض ملكه عنه، و تبرع الأجير لا أثر له بعد عدم كونه مالكا و لا مأذونا من المالك في ذلك.

صدق الغرور مشكل و على فرضه فهو موجب لرجوع الأجير إليه لا المستأجر، إلا أن يقال: انه بذلك يصير أقوى من الأجير فيرجع المستأجر إليه حينئذ.

نعم المباشر هو الأجير، و لكن مستوفي المنفعة عرفا هو الآمر و المستوفى أقوى من المباشر بحسب المتعارف و لا أقل من التساوي، فيجوز الرجوع إلى كل منهما.

لان العقد وقع على ما يتعلق به فله السلطنة على حله و إبقائه، و له إثبات المنافي لما يتعلق به و ازالته على ما تقدم في بيع الفضولي.

بلا فرق بين كون الإجارة أو الجعالة الثانية واقعة على الشخص أو على الذمة.

أما الأول: فلأن العقد الثاني وقع على عين ماله فتكون له الأجرة المسماة.

و أما الثاني: فلأن ما في الذمة يتعين فيما يقع في الخارج فيصير مال المستأجر عرفا بعد التعين و بالجملة العرف يراه مال المستأجر.

و يجوز له الرجوع إلى كل من الأجير و المستوفى لكون كل منهما سبب للضمان، الأول بالمباشرة و الثاني بالاستيفاء.

و هناك وجه رابع، و لعله أحوط و هو إبقاء إجارة نفسه ورد الإجارة الثانية و الرجوع إلى مستأجرها بأجرة مثل العمل، لفرض انه المستوفى لمال المالك، و وجه الاحتياط انه مع تمكن المستأجر الأول من استيفاء ماله بلا حرج‏ و مشقة فمقتضى الأصل عدم تسلطه على فسخ عقد نفسه.

هذا التعليل عليل، أما بناء على صحة تملك المنافع المتضادة كما اخترناه سابقا فلا إشكال في صحة تعلق الإجارة، و اما بناء على عدمها فتصح الإجازة أيضا، لأنه لا يعتبر في صحة الإجازة كونها متعلقة بالملك، بل يكفي كون موردها حقا أيضا كحق الرهانة و نحوه، سواء كان الحق ثابتا أولا و بالذات أو بالواسطة و الملازمة.

ظهر مما مر تخييره بين الأمور الثلاثة بل الأربعة.

بعد عدم اعتبار كون مورد الإجازة ملكا للمجيز و كفاية مجرد الحقية تصح الإجازة هنا أيضا، لفرض كون الإجارة الثانية منافية لحق المستأجر الأول، ففي جميع الصور تصح الإجارة، سواء كانت الإجارة الثانية مماثلا للإجارة الأولى أم ضدا لها بأي نحو من المضادة و المنافاة، لفرض ثبوت حق له في الجملة سواء كان بلا واسطة أم معها فتنفع إجازته في الصحة و تبطل الإجارة مع عدمها.

و بالجملة: المحذور المانع عن صحة الإجارة الثانية انما هو من ناحية مراعاة حق المستأجر الأول، فيجوز له إزالة هذا المحذور بالإجازة.

لا وجه لهذا الاحتمال لما مر في الشروط من كتاب البيع و في بعض المسائل السابقة، من أن الشرط يوجب ثبوت حق في الجملة للشارط على المشروط عليه للتنفيذ و الإسقاط، فيتحقق موضوع الإجازة حينئذ.

و هذا هو الحق و حينئذ فيرجع الأجير إلى من عمل له بأجرة المثل، لقاعدة «ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده».

(مسألة ٥): إذا آجر نفسه لعمل من غير اعتبار المباشرة و لو مع تعيين المدة، أو من غير تعيين المدة و لو مع اعتبار المباشرة جاز عمله للغير و لو على وجه الإجارة قبل الإتيان بالمستأجر عليه، لعدم منافاته له من حيث إمكان تحصيله لا بالمباشرة أو بعد العمل للغير، لأن المفروض عدم تعيين المباشرة أو عدم تعيين المدة، و دعوى أن إطلاق العقد من حيث الزمان يقتضي وجوب التعجيل، ممنوعة (٥۷)، مع أن لنا ان نفرض الكلام فيما لو كانت قرينة على عدم إرادة التعجيل.

كيف تكون ممنوعة مع اعترافه قدّس سرّه في (مسألة ٥) من أول كتاب الإجارة من ان الإطلاق يقتضي التعجيل، و هو المعروف بين الأصحاب، و يشهد له المتعارف بين الناس أيضا.

(مسألة ٦): لو استأجر دابة لحمل متاع معين شخصي أو كلي على وجه التقييد فحمّلها غير ذلك المتاع، أو استعملها في الركوب لزمه الأجرة المسماة و أجرة المثل (٥۸) لحمل المتاع الآخر أو للركوب، و كذا لو استأجر عبدا للخياطة فاستعمله في الكتابة، بل و كذا لو استأجر حرا لعمل معين في زمان معين و حمله على غير ذلك العمل مع تعمده و غفلة ذلك‏ الحر و اعتقاده أنه العمل المستأجر عليه (٥۹) و دعوى: أن ليس للدابة في زمان واحد منفعتان متضادتان، و كذا ليس للعبد في زمان واحد إلا إحدى المنفعتين من الكتابة أو الخياطة فكيف يستحق أجرتين، مدفوعة بأن المستأجر بتفويته على نفسه و استعماله في غير ما يستحق كأنه حصلت له منفعة أخرى (٦۰).

هذا الفرع من فروع مسألة ملكية المنافع المتضادة و من ثمراتها، و قد صححناها في أول هذا الفصل‏۳۲، فلا إشكال ثبوتا في أصل هذا الفرع، و إنما أشكل إثباتا بوجوه:

الأول‏: ان ذلك مما لم يقل به أحد.

و فيه: ان ذلك لعله لما كان في أذهانهم من امتناع ملكية المنافع المتضادة فالمسألة مبنائية لا ان تكون لأجل دليل وصل إليهم، و لم يصل ذلك إلينا، و مخالفة الفقهاء في اجتهاداتهم شائعة في الفقه من أوله إلى آخره.

نعم، لو كان قول مخالف للإجماع لا بد من طرحه حينئذ إن كان الإجماع معتبر، و لا وجه للإجماع في هذه المسائل الاجتهادية الخلافية.

الثاني‏: انه خلاف المرتكز العرفي و مذاق الفقاهة.

و فيه: أما مخالفة مذاق الفقاهة فلما ارتكز في أذهانهم من امتناع ملكية المنافع المتضادة، و أما المرتكز العرفي فوجوب أجرة المسمى و أجرة المثل موافق لمرتكزات الآخذين و مخالف لمرتكزات المعطين لهما، و بأي وجه يرجع الثانية على الأولى.

الثالث‏: انه مخالف لظهور كلماتهم في الموارد المتفرقة من الغصب، و غيره في المنافع المتضادة من ضمان أعلى المنافع قيمة.

و فيه .. أولا: انه ما لم تصل إلى الإجماع لا اعتبار بها لأنها كلها اجتهادية في مثل هذه المسألة التي فيها خلاف عظيم بينهم ربما تصل أقوالهم فيها إلى سبعة أو أكثر.

و ثانيا: بعد ظهور بنائهم على امتناع ملكية المنافع المتضادة يكون قولهم هذا بنائيا.

الرابع‏: انه مخالف لصحيح أبي ولّاد۳۳، حيث حكم أبو عبد اللّه عليه السّلام فيه بدفع أجرة المثل، و لم يذكر عليه السّلام عن أجرة المسمى شيئا لا نفيا و لا إثباتا.

و فيه: أن المتأمل في الرواية يرى ان الإمام عليه السّلام في مقام رد أبي حنيفة القائل بعدم وجوب أجرة المثل مستدلا بما ذكره عليه السّلام في الرواية و ليس في مقام بيان شي‏ء آخر حتى يتمسك بإطلاقه.

نعم، كل ما سأل أبو ولّاد من الإمام عليه السّلام أجابه عليه السّلام لذلك، و لكن لا ربط للسؤالات و الأجوبة بالمقام.

و بالجملة مقتضى الالتزام المعاملي الصادر منه أولا و العمل الذي صدر منه بعده و أصالة احترام المال هو تعدد الأجرة نظير ما إذا أقر أحد بعين لشخص، ثمَّ أقر به لآخر فيجب عليه تسليم العين إلى الأول و القيمة إلى الأخير، و المراد بالتنظير التشبيه في الجملة لا من كل جهة.

ثمَّ انه قد مر أن المملوك في المنافع المتضادة طبيعي المنفعة بنحو الإهمال و الإجمال المنطبق على الجميع متضادة كانت أو لا، مستوفاة كانت أو لا، و أما احتمال انه هو الواحد المردد أو أحدها في ظرف عدم الآخر، فلا دليل عليه لا ثبوتا و لا إثباتا.

و الاشكال: بأنه لو كان المملوك الطبيعي المهمل من كل جهة المنطبق على المستوفاة و غيرها يضمن الغاصب جميع المنافع مطلقا مستوفاة كانت أو لا، مع أنهم لا يقولون به، بل يخصصون الضمان بخصوص المستوفاة فقط.

مدفوع: بأنه لا بأس بالقول بالضمان مطلقا، و يشهد له ما ينقل من أن «الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال»، و لكن لا بد من الاحتياط في هذه المسائل المتعارضة الآراء و الدلائل مع عدم تنقيحها كما هو حقه.

لا أثر لهذا الاعتقاد فإن تسبيب الغير لاستيفاء منفعة الأجير يوجب الضمان لعوض المنفعة، سواء اعتقد انه العمل المستأجر عليه أو لا، و لعل نظره قدّس سرّه من ذكر هذه الجملة انه مع علمه بأنه غير العمل المستأجر عليه يقصد التبرع فلا يستحق شيئا، و هو مشكل أيضا لأنه مع تسبيب المستأجر لاستيفاء منفعة الأجير لا أثر لهذا العقد بالنسبة إليه و يأتي في (مسألة ۱۹) من الفصل التالي ما ينفع المقام.

لا ريب في أنه منفعة أخرى غير ما استأجر عليه، كما لا ريب في حصول التسبيب لاستيفاء هذه المنفعة من طرف المستأجر فاستوفى و حصل منفعة أخرى، فيلزمه عوضها، و لا وجه لإشكال بعض عليه كما لا يخفى.

(مسألة ۷): لو آجر نفسه للخياطة- مثلا- في زمان معين فاشتغل بالكتابة للمستأجر مع علمه بأنه غير العمل المستأجر عليه لم يستحق شيئا، أما الأجرة المسماة فلتفويتها على نفسه بترك الخياطة، و أما أجرة المثل للكتابة- مثلا- فلعدم كونها مستأجرا عليها فيكون كالمتبرع بها، بل يمكن أن يقال بعدم استحقاقه لها و لو كان مشتبها غير متعمد، خصوصا مع جهل المستأجر بالحال (٦۱).

لأنه لا يتصور تسبيب منه لاستيفاء المنفعة حينئذ، و حيث إن الأجير هو الذي فوت عوض عمله بعمده و اختياره فلا وجه للتمسك بأصالة احترام العمل حينئذ.

(مسألة ۸): لو آجر دابته لحمل متاع زيد من مكان إلى آخر فاشتبه و حملها متاع عمرو لم يستحق الأجرة على زيد، و لا على عمرو (٦۲).

أما الأول: فلعدم الإتيان بعمله المستأجر عليه.

و أما الثاني: فلعدم التسبيب منه في استيفاء المنفعة، فلا وجه لوجوب الأجرة عليه.

(مسألة ۹): لو آجر دابته من زيد مثلا فشردت قبل التسليم اليه أو بعده في أثناء المدة بطلت الإجارة (٦۳) و كذا لو آجر عبده فأبق، و لو غصبهما غاصب فإن كان قبل التسليم فكذلك، و ان كان بعده يرجع المستأجر على الغاصب بعوض المقدار الفائت من المنفعة، و يحتمل التخيير (٦٤) بين الرجوع على الغاصب و بين الفسخ في الصورة الأولى و هو ما إذا كان الغصب قبل التسليم.

لتعذر استيفاء المنفعة إذا كان ذلك من الأول و تعذر الاستيفاء في بقية المدة إذا كان ذلك في الأثناء، و تقدم في (مسألة ۳) من الفصل الثالث نظير المقام.

تقدم الكلام فيه في (مسألة ۱۱) من الفصل الثالث، و قد اضطرب كلامه في الموردين فراجع و تأمل.

(مسألة ۱۰): إذا آجر سفينته لحمل الخل- مثلا- من بلد الى بلد فحملها المستأجر خمرا لم يستحق المؤجر إلا الأجرة المسماة، و لا يستحق أجرة المثل لحمل الخمر، لأن أخذ الأجرة عليه حرام (٦٥) فليست هذه‏ المسألة مثل مسألة إجارة العبد للخياطة فاستعمله المستأجر في الكتابة. لا يقال: فعلى هذا إذا غصب السفينة و حملها خمرا كان اللازم عدم استحقاق المالك أجرة المثل لان أجرة حمل الخمر حرام، لأنا نقول: إنما يستحق المالك أجرة المثل للمنافع المحللة الفائتة في هذه المدة و في المسألة المفروضة لم يفوّت على المؤجر منفعة، لأنه أعطاه الأجرة المسماة لحمل الخل بالفرض.

حرمة استيفاء المنفعة على من يستوفيها لا يوجب عدم استحقاق المالك عوض ماله ان لم يكن تسبيب من ناحيته في فعل الحرام، كما في ضمان الغاصب المنافع المستوفاة للمالك مع حرمة الاستيفاء عليه، و لزوم مهر المثل على الزاني مع كون المرأة مشتبهة، و على هذا فلو كانت أجرة حمل الخمر أكثر من أجرة حمل الخل وجب عليه إعطاء الزيادة، لإمكان فرض كونها ملكا للمالك.

(مسألة ۱۱): لو استأجر دابة معينة من زيد للركوب الى مكان فاشتبه و ركب دابة أخرى له لزمه الأجرة المسماة للأولى (٦٦) و أجرة المثل للثانية، كما إذا اشتبه فركب دابة عمرو فإنه يلزمه أجرة المثل لدابة عمرو و المسماة لدابة زيد حيث فوّت منفعتها على نفسه.

مع تحقق التسليم و التمكين من استيفاء المنفعة في المدة المعينة.

فروع‏:

الأول‏: لو اشتبه المالك و أعطى إلى المستأجر شيئا آخر غير ما استأجره لا يستحق الأجرة المسماة لعدم تحقق التسليم منه، و يستحق أجرة المثل بالنسبة إلى ما أعطاه مع استفادة المستأجر منه.

الثاني‏: في صورة اشتباه المستأجر لو علم المالك باشتباهه و مع ذلك سكت عن إعلامه، لأن يأخذ منه الأجرتين المسماة و المثل، فهل تجب على المستأجر الأجرتان أيضا؟ وجهان الظاهر هو الأول.

الثالث‏: هل يجري هذا الحكم فيما اتحدا من كل جهة كالأشياء التي تخرج من معمل واحد بقالب واحد، متحد من حيث القيمة و الانتفاع و الرغبات‏ لا؟ الظاهر هو الأخير إن عد قصد الخصوصية في أحدها دون الآخر من اللغو المحض عند المتعارف.

الرابع‏: في صورة اشتباه المستأجر و أخذه شيئا آخر مما استأجره إن تصرف المالك فيما آجره يجب عليه أجرة المثل للمستأجر، فيأخذ منه الأجرة المسماة في الإجارة و يعطيه أجرة المثل لتصرفه فيه.

الخامس‏: لا فرق في جميع ما مر بين الاشتباه و العمد إلا تحقق الإثم في الثاني دون الأول.

(مسألة ۱۲): لو آجر نفسه لصوم يوم معين عن زيد- مثلا ثمَّ آجر نفسه لصوم ذلك اليوم عن عمرو لم تصح الإجارة الثانية (٦۷)، و لو فسخ الأولى بخيار أو إقالة قبل ذلك اليوم لم ينفع في صحتها (٦۸). بل و لو أجازها ثانيا (٦۹)، بل لا بد له من تجديد العقد لأن الإجازة كاشفة و لا يمكن الكشف هنا لوجود المانع حين الإجارة (۷۰)، فيكون نظير من باع‏ أو شيئا ثمَّ ملك (۷۱) بل أشكل (۷۲).

بلا إجازة من زيد و تصح مع إجازته لأن المانع منحصر في حقه فقط، فيزول بالإجازة.

الجزم به مشكل و المسألة من صغريات نظير من باع شيئا ثمَّ ملك، و ما إذا باع الراهن العين المرهونة ثمَّ فك الرهن، و هي محل البحث بينهم كما مر في بيع الفضولي.

هذا من مجرد الدعوى و يأتي وجهه.

نعم، و لكن هذا المانع تعليقي على رضا المستأجر الأول، و ليس مانعا دائميا فإذا أجاز و رضى يستكشف انه في الواقع و في علم اللّه تعالى لم يكن مانع في البين أصلا، فتصح الإجارة الثانية حينئذ لوجود المقتضى و فقد المانع واقعا.

و قد مر في الفضولي انه يصح مع الإجازة لا ان يكون باطلا أصلا بحيث لا يقبل الإجازة.

لم يظهر وجه للأشكلية بل الأمر بالعكس.

و ما يتوهم في وجه أشكلية المقام من أن عدم القدرة على الضد الثاني يوجب خروجه عن صلاحية الملك، فالمانع فيه ذاتي بخلاف مسألة من باع ثمَّ ملك فإن المانع فيه عرضي، و هو تبدل المالك من دون قصور في ذات المملوك.

فاسد: بما مر من أن القدرة على التسليم أو الاستيفاء لا ربط لها بمرتبة الملكية، فإنهما شيئان مستقلان لا ربط لأحدهما بالآخر في مرتبة المفهوم و التحقق و الاعتبار، فإذا لوحظ المقام و مسألة من باع شيئا ثمَّ ملك بالنسبة إلى حال إنشاء العقد فكل منهما غير مالك لمتعلق العقد ظاهرا، و إذا لو حظ بالنسبة إلى بعد الإجازة و التنفيذ فكل منهما مالك له في علم اللّه تعالى، فأي فرق بينهما حتى يكون المقام أشكل منه، و الظاهر أن مسألة «من باع شيئا ثمَّ ملك» أشكل من المقام لما أشير إليه من عدم المقتضى، و هو عدم الملك في مسألة «من باع» بخلاف المقام فإنه لأجل المانع و هو عدم القدرة على التسليم، و قد مر صحة ملكية المنافع المتضادة فراجع و تأمل.

  1. الوسائل باب: ۱٦ من أبواب أحكام الإجارة:
  2. الوسائل باب: ۱۸ من أبواب أحكام الإجارة: ۱۸.
  3. الوسائل باب: ۱۸ من أبواب أحكام الإجارة: ۱۸.
  4. هو الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني قدّس سرّه.
  5. الوسائل باب: ۲۲ و ۲۰ من أبواب الإجارة.
  6. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الإجارة حديث: ۳.
  7. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الإجارة حديث: 4.
  8. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الإجارة حديث: ٥.
  9. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الإجارة: 4.
  10. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الإجارة: ٥.
  11. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الإجارة: ۱.
  12. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الإجارة: ۲.
  13. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب الإجارة: ۳ و 4 و ٥.
  14. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الإجارة: ۱.
  15. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الإجارة: ٦.
  16. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب الإجارة: ٦ و ۳ و 4.
  17. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب أبواب الإجارة: ٦ و ۳ و 4.
  18. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب أحكام الإجارة.
  19. تقدم في صفحة: ۱4۷.
  20. الوسائل باب: ۲۱ من أبواب أحكام الإجارة: ۱.
  21. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب أحكام الإجارة: ۳.
  22. الوسائل باب: ۲۰ من أبواب أحكام الإجارة: ۳.
  23. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب أحكام الإجارة: ٦.
  24. الوسائل باب: ۲۲ من أبواب أحكام الإجارة: ۸.
  25. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب أحكام الإجارة حديث: ۱.
  26. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب أحكام الإجارة حديث: ۱.
  27. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب أحكام الإجارة حديث: ٥.
  28. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب أحكام الإجارة: ۷.
  29. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب أحكام الإجارة: ٦.
  30. الوسائل باب: ۲۳ من أبواب أحكام الإجارة: 4.
  31. الوسائل باب: ۹ من أبواب أحكام الإجارة.
  32. راجع صفحة: ۱۲4.
  33. الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الإجارة: حديث ۱.
الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"