1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. تهذیب الاصول
  8. /
  9. القسم الثالث المفاهيم
تمهيد فيه امور:

حتى يكون من الموضوعات الشرعية أو المستنبطة التي تحتاج إلى النظر و البحث،بل هو من الامور المحاورية،و قد يطلق و يراد به المعنى،فيكون مدلول اللفظ معنى من حيث أنه عني من اللفظ.و مدلولا من حيث دلالته عليه.و مفهوما من حيث أنه يفهم من اللفظ،فالحقيقة واحدة و التعبير مختلف.

و قد يطلق في العرف-و منه الاصطلاح الاصولي-على ما يلازم الكلام عرفا،و غير مذكور في اللفظ بحدوده و قيوده بحيث يصح الاعتماد عليه في المحاورات و الاحتجاجات،سواء كان الكلام إنشائيا،مثل:أكرم زيدا إن جاءك، أم إخباريا مثل:إن ضربتني ضربتك،و هذا هو المراد من جميع التعريفات و إن اختلفت التعبيرات،فيصح أن يقال:إنه حكم لغير مذكور؛أو حكم غير مذكور، و المقصود بهما واحد.

و لا ريب في أن الدلالية و المدلولية و الدلالة،من الامور الإضافية فيستلزم كل منها الآخر،و لا يتحقق إحداها بدون الأخريين،فما يكون من صفات إحداها يكون من صفات البقية بالملازمة،فيصح أن يكون المفهوم من صفات الدلالة، أو الدال،أو المدلول،و إن كان بالأخير أقرب عرفا.

كما أن كون المفاهيم من الدلالات الإطلاقية السياقية أقرب لدى العرف من كونها من الدلالات الوضعية،و يشهد له أصالة عدم التفات الواضع إلى هذه الخصوصية،و إن كان من لوازم الكلام عرفا فيما إذا كان ترتب الجزاء على الشرط على نحو ترتب المعلول على العلة التامة،و ذلك لأن هذا اللزوم أعم من أن يكون ملحوظا حين الوضع،كما هو واضح.

و يسمى (بمفهوم الموافقة)،و الأولوية،و الفحوى.كقوله تعالى: إِذٰا نُودِيَ لِلصَّلاٰةِ مِنْ يَوْمِ اَلْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اَللّٰهِ وَ ذَرُوا اَلْبَيْعَ  فيدل على ترك اللهو و اللعب بالأولى،و قوله تعالى: فَلاٰ تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ  فيدل على حرمة الإيذاء بالأولى.

و أما مخالف له و يسمى(بمفهوم المخالفة)،كقوله تعالى: فَإِذَا اِنْسَلَخَ اَلْأَشْهُرُ اَلْحُرُمُ فَاقْتُلُوا اَلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ.

لا ريب في أن شخص الحكم المتقوّم بالموضوع في المنطوق ينتفي بانتفائه قهرا،و لا ينبغي أن يكون ذلك مورد النزاع،و لذا اتفقوا على أنه لا مفهوم في الوصايا،و الأقارير،و الأوقاف و نحوها،إذ ليس المنشأ فيها إلا شخص الحكم المتقوّم بموضوع خاص،فليس ذلك كله من المفهوم في شيء أبدا. و مورد البحث في المفهوم انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الموضوع،لا انتفاء شخصه.

إن قلت:إن ما حدث في المنطوق إنما هو شخص الحكم،و هو منتف بانتفاء موضوعه قهرا،و السنخ لم يحدث أصلا حتى يبحث عن انتفائه أو عدمه.

قلت:المنشأ في المنطوق إنما هو طبيعي الحكم و هو غير مقيد بخصوص الموضوع و إن تقيد حصة منه بذلك،و إن شئت قلت:إنه إن كان القيد قيدا لطبيعي الحكم المنشأ فلا ريب في المفهوم،لأن زوال حصة من الطبيعي بزوال الموضوع لا يوجب زوال أصله،و إن كان للحصة فلا ريب في عدم ثبوته، لانعدام أصل الحكم المنشأ حينئذ.

ثم إن النزاع في حجية المفهوم صغروي فقط،بمعنى أنه هل يكون للجملة الشرطية-مثلا-مفهوم أو ليس لها مفهوم؟و ليس نزاعا كبرويا،بمعنى أنه هل يكون المفهوم حجة أو لا؟لأن بناء العقلاء على اعتباره على فرض ثبوته،فلا يكون مورد البحث من هذه الجهة.

و لنا أن ندخل مباحث المفاهيم مطلقا في مباحث الملازمات العقلية غير المستقلة،لحكم العقل بثبوت المفهوم إن ثبت كون القيد علة تامة منحصرة للحكم،و عدم حكمه كذلك،بل حكمه بالعدم مع عدم ثبوت العلية التامة المنحصرة،فالجامع بين جميع المفاهيم ليس إلا ذلك.

لا أصل في المسألة الاصولية يتمسك بها إلا بناء على جريان الأصل في الأعدام الأزلية،و أما في المسألة الفرعية فإن كان في البين أصل موضوعي فهو المرجع،و إلا فيرجع إلى أصالة البراءة،فتكون النتيجة متحدة مع ثبوت المفهوم و هو انتفاء الحكم.

ثم إن المفاهيم كثيرة،و قد أنهاها في كشف الغطاء إلى عشرين،و لكن المعروف منها عند الاصوليين ستة:مفهوم الشرط،و الوصف،و الغاية،و الحصر، و اللقب،و العدد.

و الضابطة الكلية في تحقق المفهوم في الجميع تحقق العلية التامة المنحصرة لما ذكر موضوعا في المنطوق،فمع تحققها لا شبهة في تحقق المفهوم،و مع عدم العلية،أو عدم التمامية،أو عدم ثبوت العلية التامة المنحصرة لموضوع الحكم المذكور في المنطوق بالنسبة إليه و عدمه،فلا وجه للمفهوم أصلا،و استظهار ذلك لا بد أن يكون من العرف و المحاورات.

ثم إن الحاكم بثبوت المفهوم بعد الاستظهار إنما هو العقل،و لهذا أمكن إدراج هذه المباحث في العقليات غير المستقلة كما عرفت،و لكن ذكرناها في مباحث الألفاظ تبعا للقوم،مع أنها بحسب الأنظار العرفية من سنخ الدلالات اللفظية.

 الأول:مفهوم الشرط

ثبوت المفهوم للجمل الشرطية متوقف على أن يكون الجزاء مترتبا على الشرط،كترتب المعلول على العلة التامة المنحصرة،فلا بد في ثبوته من إحراز هذه القيود الثلاثة.و إلا فلو كان الترتب من مجرد ترتب المقتضى(بالفتح)على المقتضي(بالكسر)،أو ترتب المعلول على العلة غير التامة المنحصرة،يسقط المفهوم لا محالة.

فمع انتفاء أصل العلية-بأن كان الترتيب اتفاقيا-أو التمامية-بأن كان من ترتب المقتضى(بالفتح)على المقتضي(بالكسر)-أو الانحصار-بأن كان من ترتب المعلول على علل متعددة-لا وجه للمفهوم عقلا و اتفاقا.و لا ريب في تحقق الثلاثة في القضايا التي سيقت لبيان الموضوع كقول:«إن رزقت ولدا فاختنه»و نحوها الدالة على المفهوم لقرائن قطعية،و إنما البحث في بيان قاعدة كلية جارية في جميع القضايا الشرطية.

و ما قيل في دلالتها على المفهوم وجوه:

الأول:أن دلالتها على العلية التامة المنحصرة وضعية،لتبادرها منها.

و فيه:أن المتبادر مطلق الترتب في الجملة،لا على نحو العلية فضلا عن التامة أو المنحصرة،مع أنه يلزم أن يكون استعمالها في مطلق الترتب بناء على تبادر العلية التامة المنحصرة مجازا،و هو مشكل.

و كون ذلك من باب تعدد الدال و المدلول أشكل،لأصالة عدم وجود دال آخر و لو بالأصل الأزلي.

الثاني:أن ذلك من باب الانصراف.

و فيه:أنه ممنوع لغلبة الاستعمال في مطلق الاقتضاء و الترتب،و على فرض الصحة فهو بدوي لا اعتبار به.

الثالث:إنها إطلاقية،فإن كل واحد من إطلاق الشرط،و إطلاق ترتب الجزاء عليه،و إطلاق نفس الجزاء يقتضي العلية التامة المنحصرة،إذ لو كان في البين شرط آخر،أو كان الترتب على نحو الاقتضاء،أو صح أن يكون الجزاء جزاء لشرط آخر لذكر-و لو في كلام آخر-و حيث لم يذكر فيستفاد العلية التامة المنحصرة لا محالة،كما يستفاد الوجوب العيني التعييني النفسي عن إطلاق الأمر.

و فيه-أولا:أنه يعتبر في التمسك بهذه الإطلاقات إحراز كون المتكلم في مقام البيان من هذه الجهات أيضا،و مع عدم الإحراز لا وجه للتمسك بها،إلا أن يقال:إن مقتضى ظاهر حال المتكلم حين التكلم كونه في مقام بيان كل ما له دخل في مراده مطلقا إلا مع القرينة على الخلاف،فيكون حكم صورة الشك حكم صورة إحراز كونه في مقام البيان،لأصالة كونه في مقام البيان،و هي من الاصول المحاورية المعتبرة في المحاورات و الاحتجاجات.

و ثانيا:أن ذلك ليس إلا دعوى الانصراف الذي تقدمت المناقشة فيه،كما أن الاستدلال عليه بأن الظاهر من الجزاء ترتبه على خصوص الشرط،و إلا لكان مستندا إلى الجامع و هو خلاف الظاهر،يرجع إلى أحد الوجوه المتقدمة،فلا وجه لجعله دليلا مستقلا.

و هذه الوجوه و إن أمكنت المناقشة فيها،لكن مجموعها بقرينة بناء العرف على استفادة العلية التامة من الجمل الشرطية،يكفي لإثبات المطلوب.

و قد استدل على عدم المفهوم:

تارة:بأنه لو ثبت لكان بإحدى الدلالات،و الكل منتفية.

و أخرى:بقوله تعالى: وَ لاٰ تُكْرِهُوا فَتَيٰاتِكُمْ عَلَى اَلْبِغٰاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً،  فإن مفهومه جواز الإكراه مع عدم التحصّن،و هو ضروري البطلان.

و ثالثة:باحتمال أن يكون في الواقع شرط آخر لم يذكر في اللفظ.

و الجميع مردود:لأن الدلالة الالتزامية العرفية ثابتة،و عدم المفهوم بقرينة قطعية في الآية لا ينافي ثبوته في غيرها،و احتمال وجود شرط آخر مدفوع بظاهر الإطلاق،كما مر.

و يلحق بذلك مبحثان:

 المبحث الأول الشرط و الجزاء اما متحدان أو يكون الشرط واحدا و الجزاء متعدد أو بالعكس

الشرط و الجزاء إما أن يكونا متحدين،كما إذا قيل:إن جاءك زيد فأكرمه. و إما أن يتعددا،كما إذا قيل:إن جاءك فأكرمه،و إن سلّم عليك فسلّم عليه. و إما أن يكون الشرط واحدا و الجزاء متعددا،أو يكون عكس ذلك،بأن يكون الشرط متعددا و الجزاء واحدا.و لا ريب في صحة الجميع ثبوتا و إثباتا في المحاورات.

و إنما البحث في الأخير مثل قولهم:«إذا خفي الأذان فقصّر،و إذا خفي الجدران فقصّر»،فإن كانا متلازمين في التحقق الخارجي،فلا ريب في أن الشرط واحد و هو الجامع بينهما.و إن كانا مختلفين فيتحقق التعارض بين إطلاقي المنطوقين و بين مفهوميهما لا محالة،و لا بد حينئذ من دفع التعارض صونا للكلام عن اللغوية.

و دفعه منحصر بإسقاط العلية التامة المنحصرة عن الشرط،و يحصل ذلك بتقييد إطلاق كل واحد من الشرطين بالآخر،أما بالنسبة إلى التمامية فيكونان معا شرطا واحدا،فلا بد في ثبوت القصر من تحققهما معا و لا يكفي ثبوت أحدهما، أو تقييد إطلاق كل واحد منهما بالآخر بالنسبة إلى الانحصار فيجب القصر بثبوت أول الشرطين،و يكون الآخر كاشفا عن ثبوت العلة سابقا، و هذان الوجهان يشتركان في تقييد إطلاق الشرطين،فيسقط المفهوم لا محالة لابتنائه على الإطلاق من كل جهة؛و مع تقييده-و لو من وجه-ينتفي المفهوم قهرا.

و الظاهر أن العرف في نظائر المقام يساعد على الوجه الأول،و مع عدم الاستظهار العرفي و تردد التقييد بين أحد الوجهين يسقط المفهوم أيضا،للعلم الإجمالي باختلال شرط تحققه،و باقي الوجوه المذكورة في الكفاية و غيرها إن رجع إلى ما ذكرناه فهو،و إلا فهي ساقطة،كما هو واضح.

 المبحث الثاني اذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء فهل يتعدد الجزاء يتعدد شرط؟

بناء على أن كل شرط علة تامة منحصرة لترتب الجزاء،فإذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء في ظاهر الخطاب،فهل يتعدد الجزاء أيضا بتعدد الشرط،كما إذا قال:إذا بلت فتوضأ،فبال مكررا،فهل يجب تكرار الوضوء أيضا؟و تنقيح البحث يقتضي بيان امور:

 بيان امور

 أحدها: الشروط المتعددة اما من صنف واحد أو لا

الشروط المتعددة إما من صنف واحد أو لا،و على كل منهما فإما أن يكون المحل قابلا لتعدد الجزاء-و لو بالاشتداد و الضعف-أو لا.و الجميع داخل في محل النزاع إلا الأخير،لأنه مع عدم قابلية المحل للتعدد،فحينئذ ينتفي النزاع عقلا بانتفاء أصل موضوعه.

 ثانيها: تداخل الاسباب، و تداخل المسببات

يمكن القول بتعدد الجزاء مطلقا حسب تعدد الشرط،كما يمكن التفصيل بين وحدة الشرط صنفا فيتحد الجزاء،و بين تعددها كذلك فيتعدد.كما يمكن إرجاع الشروط المتعددة مطلقا إلى واحد،و يعبّر عنه بتداخل الأسباب، أو الاكتفاء عن الجزاءات المتعددة في مقام الامتثال بواحد،و يعبّر عنه بتداخل المسببات.و التداخل فيهما إما رخصة أو عزيمة.هذه هي عمدة الوجوه المحتملة ثبوتا في المقام.

 ثالثها: ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط إلا مع القرينة على الخلاف،و هى على قسمين

ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء عند حدوث كل شرط، فلا بد حينئذ من تعدد الجزاء حسب تعدد الشرط إلا إذا دلت قرينة معتبرة على الخلاف،فيدل على تداخل الأسباب أو تداخل المسببات،و هي على قسمين:

 الأول:القرينة الخاصة،و هي في موارد مخصوصة

كظهور إجماعهم على كفاية طهارة واحدة،عند اجتماع أحداث صغرى من صنف واحد أو من أصناف شتى.و كذا بالنسبة إلى كل واحد من الأحداث الكبرى إذا تكرر من صنف واحد،بل و من أصناف متعددة،لقول أبي جعفر عليه السّلام:«إذا اجتمعت للّه عليك حقوق يجزيك غسل واحد».

 الثاني:القرينة العامة و هى كثيرة و المناقشة فيها

و هي كثيرة:

منها:أن تعدد الجزاء حسب تعدد الشرط يوجب اجتماع المثلين،لأن الجزاء طبيعة واحدة،فيتعدد الوجوب بالنسبة إلى الطبيعة الواحدة،فيلزم اجتماع المثلين.

و فيه:

أولا:أن موضوع اجتماع المثلين المحال إنما هو في ما إذا كان المثلان عرضا خارجيا،فلا موضوع له في الأحكام التي هي من الاعتباريات العقلائية؛و لا تكون من الموجودات الخارجية.

و ثانيا:أنه يلزم إذا لوحظت الطبيعة على نحو الوحدة لا من حيث السريان إلى الأفراد،و إلا يتعدد الوجوب حسب تعدد الأفراد قهرا.

و منها:أن إطلاق متعلق الجزاء يقتضي الاكتفاء بمجرد إتيانه مرة واحدة فقط،فإن مقتضى الإطلاق مطلوبية صرف الوجود حتى مع تعدد الشرط و هو يحصل بالمرة.

و فيه:أنه كذلك لو لم تكن قرينة على الخلاف،و ظهور تعدد الجزاء بتعدد الشرط من القرينة على الخلاف،مع أنه يقتضي الاكتفاء بصرف الوجود بالنسبة إلى طلبه فقط،و لا نظر له بالنسبة إلى طلب آخر و قضية اخرى.

و منها:أن الجملة الشرطية عند تعدد الشرط لا تدل على حدوث الجزاء عند حدوث الشرط،بل على مجرد الثبوت الأعم من الحدوث الحاصل بالشرط الأول،و البقاء الكاشف عن الشرط الثاني،فأصل الحدوث حاصل بالشرط الأول،و باقي الشروط تكشف عن البقاء.

و فيه:

أولا:أنه من مجرد الدعوى،و لا شاهد عليها من عقل أو نقل.

و ثانيا:أنه يلزم أن تكون جملة شرطية واحدة بالنسبة إلى شخص دالة على الحدوث و بالنسبة إلى آخر دالة على البقاء،بل يلزم ذلك بالنسبة إلى حالات شخص واحد أيضا،و فيه من الغرابة ما لا يخفى.

و منها:أن الجزاء و إن كان متعددا واقعا،و لكنه يجزي الواحد من باب تداخل المسببات،كما إذا ورد:أكرم عالما،و أكرم هاشميا،و أكرم عادلا،أي أكرم من كان جامعا لهذه الصفات.

و فيه:أنه يحتاج إلى دليل و هو مفقود،و المثال أجنبي عن المقام،لأنه في ما إذا كان بين العناوين المنطبقة على الواحد عموما من وجه و تصادقت عليه، و في المقام لا يكون الجزاء إلا طبيعة واحدة قابلة للتكرر.

و كذا لو قيل:بأن الجزاء يحدث عند كل شرط تأكيدا لا تأسيسا،فيكون من تداخل المسببات أيضا،فإنه خلاف الظاهر،مع أن مقتضى الأصل في المحاورات هو التأسيس لا التأكيد.

و منها:أن العلل و الأسباب الشرعية ليست حقيقية حتى يمتنع اجتماعهما على واحد،بل هي معرّفات و كواشف،فالعلة في الواقع واحدة و الجزاء يكون واحدا.

و فيه:أنه لا فرق بين العلل التكوينية و الشرعية في أنهما حقيقة تارة، و كواشف عن العلل الحقيقية اخرى.و الظاهر كونها حقيقية إلا مع الدليل على الخلاف،و لا دليل كذلك على نحو الكلية.

فتبين من جميع ما تقدم أن مقتضى الظاهر تعدد الجزاء بتعدد الشرط، سواء كان من صنف واحد أم كان من أصناف متعددة،و أن القول بتداخل الأسباب أو المسببات يحتاج إلى دليل خاص.

و لكن يمكن أن يقال:انه في ما إذا تعاقبت الشروط المتعددة من صنف واحد على محل واحد و لم يتخلل الجزاء بينهما،كانت تلك الشروط بمنزلة شرط واحد عرفا،لأن المنساق عند المتعارف حينئذ أن الجنس شرط،لا أن يكون خصوص الفرد شرطا،و الأدلة الشرعية منزّلة على العرفيات،و لذا استقرت سيرة العلماء في الفقه على ذلك،كما لا يخفى.

 الأول: تعيين المرجع فى حالة الاجمال، و عدم استظهار تعدد الجزاء مع تعدد الشرط

لو فرض الإجمال و عدم استظهار تعدد الجزاء مع تعدد الشرط، فإن كان الشك في أن التكليف في الواقع واحد أو متعدد،فهو من موارد الأقل و الأكثر،فتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر،و يتحد في النتيجة مع تداخل الأسباب.

و إن احرز تعدد التكليف،و شك في أن الجزاء الواحد يجزي عن التكاليف المتعددة،فمقتضى قاعدة الاشتغال عدم الإجزاء و وجوب التعدد،و إن شك فيهما معا فيكون من القسم الأول و تجري البراءة عن الزائد.

 الثاني:قد ورد الدليل على كفاية جزاء واحد عن شروط متعددة في موارد خاصه

منها:ما تقدم من كفاية وضوء واحد عن أحداث صغرى،سواء كانت من صنف واحد أم لا،للإجماع.

و منها:ما سبق أيضا من كفاية غسل واحد عن موجبات كثيرة للغسل، لقول أبي جعفر عليه السّلام:«إذا اجتمعت للّه عليك حقوق يجزيك غسل واحد».

و منها:كفاية كفارة واحدة لمن أفطر متعمدا في يوم من شهر رمضان متعددا،سواء كان الإفطار من صنف واحد أم من أصناف متعددة،تخلل التكفير أم لا،و لكن الظاهر خروجه عن المقام تخصصا،لأن بالإفطار الأول يبطل الصوم فلا يبقى موضوع للكفارة بعد ذلك،و وجوب الإمساك في شهر رمضان إنما هو تأدبي لا ربط له بالكفارة،و توجد هناك موارد اخرى مذكورة في الفقه،فراجع.

 الثاني:مفهوم الوصف

الوصف إما أن يكون مذكورا في الكلام،أو يستفاد من سياق الجملة- فيكون كالمذكور فيه في المحاورات-و على كل منهما فإما أن يكون الموصوف مذكورا أو لا.و مورد البحث في المقام خصوص ما كان الموصوف مذكورا في الكلام،و أما غيره فإنه أشبه بمفهوم اللقب،و يأتي البحث عنه.

فالأليق بعنوان البحث في المقام أن يقال:الحكم الثابت للمنعوت بنعت ظاهري أو سياقي،هل يدور مدار وجود النعت؟

و كيف كان،فالوصف و الموصوف إما يكون بينهما التساوي،أو العموم المطلق،أو العموم من وجه،و أما التباين فلا يمكن أن يتحقق بينهما،للزوم الاتحاد بين الصفة و الموصوف في الجملة،و لا اتحاد بين المتباينين.و الظاهر خروج الأول عن مورد البحث،لأن مقتضى التساوي بين الموصوف و الصفة، انتفاء الموصوف بانتفاء الوصف قهرا،فتكون القضية من السالبة بانتفاء الموضوع،إلاّ أن يكون مورد نظرهم في المقام إلى الأعم من ثبوت الموضوع خارجا أو فرضا،و لكنه بعيد عن كلماتهم.

كما أنه لا إشكال في خروج القسم الأخير إن كان الافتراق من طرف الموضوع،إذ لا اعتماد فيه للوصف على الموصوف في ظاهر الخطاب،و قد تقدم اعتباره،فما نسب إلى بعض الشافعية من أن قوله صلّى اللّه عليه و آله:«في الغنم السائمة زكاة»يدل على عدم الزكاة في غير السائمة.لا وجه له إلاّ إذا استفيد العلية التامة المنحصرة من السائمة الواردة في الغنم في غير الغنم من سائر الأنعام التي فيها الزكاة أيضا.فيبقى مورد البحث القسم الثاني،و الأخير في ما إذا كان الافتراق من ناحية الوصف،و تكون البقية من اللقب الذي يأتي عدم المفهوم فيه.و منه يظهر الإشكال في ما في الكفاية من تعميمه للجميع،فراجع و تأمل.

ثم إن الوصف إما أن يكون علة تامة منحصرة لثبوت الحكم للموضوع أو يكون مقتضيا له،أو لا اقتضاء له أصلا،فيكون وجوده كعدمه على حدّ سواء، و المفهوم إنما يثبت في القسم الأول فقط دون الأخيرين،كما تقدم في مفهوم الشرط.

إذا عرفت ذلك نقول:إنه لا ريب في ثبوت المفهوم للوصف في بعض الموارد لقرائن خارجية أو داخلية،كما لا ريب في عدمه كذلك في بعض الموارد الأخر،إنما الكلام في بيان القاعدة الكلية التي يصح الاستناد إليها في كل مقام،و ما يمكن أن يستند به عليها وجوه جميعها قابلة للمناقشة:

منها:دلالته على المفهوم وضعا.

و فيه:أنه لو كان كذلك لما وقع الخلاف فيه،و لكانت كتب اللغة مرجعا لبعض ذلك من دون احتياج إلى إتعاب النفس إلى التمسك بالأدلة الخارجية.

و منها:أنه لو لم يدل عليه لكان ذكره لغوا،إذ لا فائدة فيه غير ذلك.

و فيه:وضوح عدم انحصار الفائدة فيه،بل له فوائد كثيرة،كما لا يخفى على من تأمل في المحاورات،فراجع علم المعاني و البيان.

و منها:ما اشتهر من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا،و أن تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية،فيثبت المفهوم لا محالة.

و فيه:أنه لا أصل لهذا الأصل إلاّ في الحدود الحقيقية و التعريفات الواقعية،و هي كلها خارجة عن مورد الكلام.

و قضية تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية ليست من القواعد المعتبرة،مع أن الإشعار بالعلية أعم من العلية التامة المنحصرة التي هي مناط تحقق المفهوم،كما مر.

و منها:أن من لزوم حمل المطلق على المقيد في المحاورات العرفية يستكشف المفهوم للوصف أيضا.

و فيه:أن مناط حمل المطلق على المقيد إحراز وحدة الحكم فيهما، و تقديم النص-الذي هو المقيد-على الظاهر-الذي هو المطلق-و المناط في المقام إحراز العلية التامة المنحصرة للوصف،فلا ربط لأحدهما بالآخر.

فليست في البين قاعدة كلية تدل على ثبوت المفهوم للوصف،بل لا بد في ثبوته من دلالة القرائن الخاصة المعتبرة عليه.

و قد يستدل على عدم المفهوم للوصف بقوله تعالى: وَ رَبٰائِبُكُمُ اَللاّٰتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اَللاّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ  فإنه لو ثبت المفهوم لدلت الآية على حلية الربيبة إذا لم تكن في الحجر،مع أنها محرّمة أيضا.

و فيه:أن ذلك لأجل الأدلة الخاصة الدالة على حرمة الربيبة مطلقا و لو لم تكن في الحجر،مع أن عدم دلالة الوصف على المفهوم أحيانا لا يدل على عدم دلالته عليه بالكلية،كما هو واضح.

 الثالث:مفهوم الغاية

البحث في الغاية من جهتين:

الاولى:في دخولها في المغيّا و عدمه،و التحقيق أن لها معنيين:فتارة يراد بها آخر الشيء باعتبار وجوده المختص به،كقولك:مساحة هذا الشيء ذراع. و هو داخل في المغيّا،لأن كل شيء عبارة عن المحدود بحد خاص و شكل مخصوص.

و اخرى يراد بها ما ينتهي عنده الشيء باعتبار الحكم لا باعتبار الموضوع، كقوله تعالى: ثُمَّ أَتِمُّوا اَلصِّيٰامَ إِلَى اَللَّيْلِ.  و حينئذ فيمكن أن يقال بانتزاع الغاية من أول جزء من الليل فتكون داخلة حينئذ،أو انتزاعها من آخر جزء من النهار فتكون خارجة لا محالة،و يختلف ذلك باختلاف الموارد،و المتبع هو القرائن المعتبرة و مع عدمها فالمرجع هو الاستصحاب،فتكون النتيجة دخولها في المغيا.

و المعروف بين أهل الأدب أن كلمة(حتى)و(إلى)تدلان على دخول الغاية في المغيّا ما لم تكن قرينة على الخلاف،و لكن اعتبار كلامهم أول الدعوى إلا مع ثبوت ذلك في المحاورات المعتبرة.

الثانية:أنها هل تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية؟و التحقيق أنها إن كانت قيدا للموضوع تكون من الوصف حينئذ،و قد تقدم عدم المفهوم له.و إن كانت قيدا للحكم فتدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية قهرا،و إلا فلا تكون غاية و هو خلف،مثل قوله عليه السّلام:«كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر»، و قوله عليه السّلام:«كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّه حرام»فلا وجه للطهارة و الحلّية بعد العلم بالقذارة و الحرمة.و يمكن أن يعد هذا من الدلالة المنطوقية لا المفهومية،و إن شك في كونها قيدا للحكم أو للموضوع فالمرجع الاستصحاب مع تحقق شرائطه و إلاّ فالبراءة،فتخرج حينئذ عن الدلالة منطوقية كانت أو مفهومية.

 الرابع:مفهوم الاستثناء

مقتضى المحاورات المتعارفة في كل لغة أن الاستثناء من الإيجاب سلب؛و من السلب إيجاب،و أنه يدل على الحصر،و أن الحكم المذكور في القضية مختص بالمستثنى منه،و المشهور أن انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى إنما هو بالمفهوم،فإن أرادوا ذلك في الجملة و في بعض الموارد الخاصة لمناسبات مخصوصة فلا إشكال فيه،و إلا فالظاهر أنه في مثل(ليس)و(لا يكون)بالمنطوق لا بالمفهوم،لتبادر ذلك منهما في المحاورات،و لا يبعد ذلك في مثل(إلاّ)أيضا إذا كان من حدود الحكم و متعلقاته.

و أما إذا كان من قيود الموضوع فمرجعه إلى الوصف،و تقدم عدم المفهوم له،فيصح أن يقال:إن الأدوات الاستثنائية تدل على انتفاء حكم ما قبلها عما بعدها بالمنطوق لا المفهوم،إلا في بعض الموارد لقرائن خاصة.

و أما ما قيل:من أنها لو دلت على المفهوم لكان قوله عليه السّلام:«لا صلاة إلاّ بطهور»دالا على كون الطهور صلاة و لو لم تتحقق سائر الأجزاء و الشرائط.

فهو باطل قطعا،لأن مثل هذه التعبيرات إنما يقال عند بيان اعتبار ما بعد إلاّ لما قبلها تحققا أو كمالا،فيقال:لا صلاة إلا بطهور،و يكون عبارة اخرى عن قوله عليه السّلام:«الصلاة ثلث طهور،و ثلث ركوع،و ثلث سجود».و كما يقال:لا علم إلاّ بعمل،و لا إيمان إلا بصبر.

كما أن قبول إسلام من قال:لا إله إلا اللّه،لا يدل على ثبوت المفهوم للاستثناء على نحو الكلية،لما تقدم من احتمال كون الدلالة فيها أيضا بالمنطوق مثل(ليس)و(لا يكون)،و على فرض كونها بالمفهوم فهي لقرينة خاصة،و لا تثبت بها الكلية.

و قد يقال:بأن المقصود من كلمة التوحيد الإقرار بوجود اللّه تعالى و تحقق فعليته من كل جهة،و نفي الشريك له تعالى.فإن قدّر خبر(لا)النافية ممكن،يكون المعنى:لا إله ممكن إلا اللّه،فهو ممكن و يثبت الإمكان بالنسبة إليه تعالى،و هو أعم من الوجود الفعلي،إذ لا يلزم أن يكون كل ممكن موجودا.و إن قدّر موجود فيكون المعنى:لا إله موجود إلا اللّه فهو موجود،فهو و إن دلّ على الفعلية و الوجود و لكن لا يدل على امتناع الشريك له تعالى،لأن نفي الوجود أعم من الامتناع إذ ليس كل معدوم ممتنعا.

نقول:

أولا:أن كلمة(لا)تامة لا تحتاج إلى الخبر مثل ليس التامة، فالمعنى أنه لا تحقق للمعبود بالذات إلاّ اللّه تعالى،و هو ظاهر في وجوده و امتناع معبود آخر غيره عزّ و جلّ.

و ثانيا:يصح تقدير الخبر لفظ الممكن و لا يلزم المحذور،لما ثبت في محله من أن كل ما كان من المعاني الكمالية ممكنا بالنسبة إليه تعالى و لم يكن مستلزما للنقص،فهو واجب بالنسبة إليه،فقولك:لا إله ممكن إلا اللّه فهو ممكن، أي واجب،كما برهن عليه.قال الحكيم السبزواري:

إذ الوجود كان واجبا فهو و مع الإمكان قد استلزمه         و قس عليه كلما ليس امتنع    بلا تجشم على الكون وقع

و ثالثا:يصح تقدير الخبر لفظ الموجود،و يكون نفي الوجود عن جنس الواجب بالذات أو المستحق للعبادة ذاتا ملازما لامتناعه،لأنه لو كان ممكنا لتحقق.

ثم إن لفظ(إنما)يدل على الحصر و الاختصاص،لتبادر ذلك منه عند عرف أهل المحاورة ما لم تكن قرينة على الخلاف.

و كذا لفظ(بل)الإضرابية المستعملة في الجملة المنفية مع كون الإضراب حقيقيا التفاتيا،فإنه يدل على الاختصاص أيضا،لتبادره منه.و أما لو كان لبيان السهو و الغفلة و الغلط فلا يدل عليه،كما لا يدل عليه سائر أقسام(بل)المذكورة في الكتب الأدبية إلا مع قرينة معتبرة دالة عليه.

و قد يعدّ مما يدلّ على الحصر تعريف المسند إليه باللام،و تقديم ما حقه التأخير،فإن اريد أنها لأجل القرينة الخاصة-حالية كانت أو مقالية- فلا إشكال فيه.و إن اريد أنها وضعية فهي ممنوعة،لعدم التبادر كما لا يخفى.

 الخامس و السادس:مفهوم اللقب و العدد

و الأول ما كان طرفا للنسبة الكلامية في الجملة،مسندا كان،أو مسندا إليه، أو من متعلقاتهما.و حينئذ فإن كان وصفا يصير مورد بحث المفهوم من جهتين، بل يمكن أن يصير مورد البحث من جهات لامور أخر أيضا.

و على أي تقدير مقتضى الأصل و المحاورات العرفية عدم اعتبار المفهوم للقب،فإن قول:زيد قائم،لا يدل على نفي القعود عنه-نعم حين القيام لا يصدق عليه القعود فعلا من جهة امتناع اجتماع الضدين،و لا ربط له بالمفهوم- كما لا يدل على نفي القيام عن عمرو بوجه من الدلالات،و قد ارتكز في النفوس أن إثبات شيء لشيء لا يدل على نفيه عما عداه و نفي ما عداه عنه و عن غيره.

و أما العدد:

فتارة:يكون محدودا بالنسبة إلى طرفي القلة و الكثرة،كركعات الظهر مثلا.

و اخرى:بالنسبة إلى طرف القلة فقط،كالصدقات الواجبة المحدودة بحدّ خاص معين،فلا يجزي الأقل منه.

و ثالثة:يكون محدودا بالنسبة إلى طرف الزيادة،كنافلة الظهر حيث لا تجوز الزيادة على الثمانية و يجزي الأقل منها.

و رابعة:يكون لا اقتضاء بالنسبة إلى الطرفين.

و الكل ليس من المفهوم في شيء،و المنساق عرفا من العدد التحديد بالنسبة إلى الأقل إلا مع القرينة على الخلاف.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"