1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. تهذیب الاصول
  8. /
  9. الفصل الثالث أصالة التخيير و البحث فيها من جهات:

الجهة الاولى:في بيان موضوعها:تقدم أن المشكوك إما أن يلحظ فيه الحالة السابقة،فيكون مجرى الاستصحاب.أو لا يلحظ ذلك،و حينئذ فإن لم يعلم التكليف أصلا.و لو بجنسه-فهو مجرى البراءة،و إن علم به و أمكن الاحتياط،فيكون مورد الاشتغال،و إن لم يمكن ذلك فيكون مجرى التخيير. فمورد التخيير المبحوث عنه في المقام متقوّم بأمرين:العلم بجنس التكليف، أي:الالزام في الجملة فعلا أو تركا،و عدم إمكان الاحتياط رأسا.

الجهة الثانية:أن العلم بجنس التكليف إما في التوصليات أو في غيرها. أما الأول،كما إذا علم بأن السكوت في آن واحد إما واجب أو حرام عليه،فليس فيه إلا التخيير الفطري التكويني،لأنه بحسب إرادته الارتكازية إما فاعل أو تارك،و لا يجري فيه التخيير العقلي،لأنه فيما إذا كان في البين خطابان فعليان تاما الملاك من كل جهة و لفقد الترجيح،و عدم تمكن المكلف من الجمع بينهما يحكم العقل حينئذ بالتخيير،أو كان خطاب واحد فعلي معلوم بنوعه و له أفراد متساوية من كل جهة،فالعقل حينئذ يحكم بالتخيير بين الأفراد،و المفروض أنه ليس في المقام إلا خطاب واحد مردد بين الوجوب و الحرمة،فالتكليف ليس معلوما بنوعه،بل بجنسه المهمل فقط،فيكون المقام خارجا عن التخيير العقلي بقسميه تخصصا.

نعم،يحكم العقل بأنه إما فاعل أو تارك تكوينا،و ليس ذلك من التخيير العقلي المبحوث عنه في الاصول في شيء،كما لا وجه لجريان التخيير الشرعي المولوي الواقعي فيه،للعلم بعدم وجوب فردين أو أكثر للتكليف واقعا،بل المعلوم وحدته من كل جهة،مع أن الخطابات المولوية-تعينية كانت أو تخييرية-لا بد و أن تصلح للداعوية و مع كون المكلف بحسب إرادته الفطرية الارتكازية إما فاعل أو تارك،لا يصلح الخطاب لها فيكون لغوا إلا أن يكون إرشادا محضا إلى ما عليه المكلف بحسب ذاته و تكوينه،و لا كلام فيه،إنما الكلام في الحكم المولوي،و لا فرق فيه بين التخيير الواقعي،كما في خصال الكفارات.أو الظاهري،كما في التخيير الشرعي في الأمارات المتعارضة،مع أنه في التخيير الشرعي الواقعي لا بد و أن يكون كل واحد من الطرفين أو الأطراف تام الملاك و الخطاب،و ليس المقام كذلك،لعدم الملاك إلا في الواحد.

و كذا لا وجه لجريان الحلية و البراءة الشرعية،لأن جريانهما في خصوص الوجوب أو الحرمة ترجيح بلا مرجح،و فيهما معا مخالفة للعلم بأصل الإلزام، و بالنسبة إلى أصل العقاب في الجملة لا أثر لها للعلم بعدم العقاب،إذ لا عقاب لدى العقلاء في مورد العلم بجنس التكليف،لعدم كفايته في تنجزه بعد عدم إمكان المخالفة القطعية،و إنما هو على مخالفة نوع التكليف بعد العلم به و تنجزه،إلا أن يكون الجريان إرشادا إلى حكم العقل بعدم صحة العقاب.

و من ذلك يظهر عدم جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان أيضا، لاختصاص جريانها بمورد الشك في العقاب،فلا مجرى لها مع العلم بالعدم. هذا كله إذا كان المورد توصليا و لم يتصور فيه المخالفة القطعية و لا الموافقة القطعية.

و أما لو كان كل واحد منهما أو أحدهما المعين تعبّديا،فيتصور فيه حينئذ المخالفة القطعية بترك قصد القربة،فتحرم و إن لم تجب الموافقة لعدم إمكانها، و لكن الظاهر أنه مع عدم ثبوت أحدهما بالخصوص يكون الحكم هو التخيير أيضا،بدعوى أنه الأصل لدى العقلاء في كل ما تردد بين شيئين مثلا و لم يعلم بالخصوص.

نعم،فرّق بين التخيير هنا و ما مر في التوصلي،فإنه فيه فطري تكويني و هنا عقلائي اختياري و لا بد من قصد القربة في ما يعتبر فيه،سواء كان كل منهما أو أحدهما.

ثم إن ما تقدم إنما هو في ما إذا كان الطرفان،أو الأطراف متساوية من جميع الجهات،و أما لو كانت مزية في البين،فيكون من موارد الدوران بين التعيين و التخيير،و قد مرّ البحث فيه،فراجع.

الجهة الثالثة:مقتضى بقاء مناط التخيير-و هو التّحير و الجهل بالواقع و عدم الترجيح-كون التخيير استمراريا،فلا موجب لزواله بعد الأخذ بأحدهما إلاّ لزوم المخالفة القطعية،و لكنها ليست بمانعة لحصول العلم بها بعد العمل، و ما هو الحرام إنما هو المخالفة عن علم و عمد عند الارتكاب،بأن يكون حين العمل عالما،و كان عاصيا،هكذا قيل.

و لكنه مشكل،فإنه يعلم بوقوعه في الحرام في صورة استمرار التخيير، فيكون مثل العلم الإجمالي بالوقوع في الحرام في الأطراف التدريجية فلا يصح، كما يأتي من عدم الفرق بين التدريجية منها و الدفعية.و مقتضى مرتكزات المتشرعة عدم الفرق بينها أيضا،و ليس من شأن الفقيه الترخيص فيها.و من هنا يصح أن يقال بأولوية الموافقة الاحتمالية في المقام عن الموافقة القطعية، لاستلزام الأخيرة المخالفة القطعية أيضا.

 الشك في المكلف به:

كلما كان الشك فيه في أصل التشريع و ثبوته واقعا،فهو شك في أصل التكليف،و يكون مورد البراءة،و تقدّم ما يتعلّق بها.و كلما علم بثبوت أصل التشريع فيه و شك في جهات اخرى،فهو من الشك في المكلف به،و يكون مورد الاحتياط و الاشتغال.و الجهات الاخرى التي تكون مورد الشك كثيرة.

فتارة:تكون في نوع التكليف بعد العلم بأصل جنسه،كما إذا علم أصل الإلزام و تردد بين الوجوب و الحرمة مع إمكان الاحتياط.

و اخرى:تكون في المتعلّق،كما إذا علم الوجوب تفصيلا و تردد متعلّقه بين الظهر و الجمعة مثلا.

و ثالثة:تكون في الموضوع الخارجي،كما إذا ترددت القبلة بين جهتين أو جهات.

و كل ذلك:

تارة:في الشبهة التحريمية.

و اخرى:في الوجوبية.

و كل منهما:

تارة:يكون من المتباينين،و هو ما لم يكن معلوم التنجز في البين.

و اخرى:من الأقل و الأكثر و هو ما تحقق فيه معلوم التنجز،و شك في الزائد.

 موضوع الشك في المكلف به،جهات الشك و الكلام يقع في مقامين

فالكلام في مقامين:

الأول:في المتباينين.

و الثاني:في الأقل و الأكثر.

 المقام الأول:في المتباينين

اعلم أن البحث إنما هو بناء على كون العلم الإجمالي مقتضيا للتنجز،لا أن يكون علة تامة له،و إلا فالبحث ساقط من أصله لحكم العقل بوجوب الاحتياط حينئذ.

و لباب البحث يرجع إلى أن الاصول تجري في أطراف العلم الإجمالي بناء على كونه مقتضيا للتنجز حتى يسقط عن الاقتضاء،أو لا تجري فيكون حينئذ المقتضي للتنجز موجودا و المانع عنه مفقودا،فيكون مثلما إذا كان علة تامة للتنجز،و الحق هو الثاني،و استدل عليه بوجوه:

 مناط البحث فيه.الكلام في العلم الإجمالي الاستدلال عليه بوجوه

 الأول:اختلاف مورد الشك الذي هو مجرى الاصول عن أطراف العلم الإجمالي،إشكال و جواب

الأول:-و هو أسدّها و أخصرها-ما ارتكز في الأذهان من أن مورد الشك الذي تجري فيه الاصول لا بد و أن يكون لا اقتضاء بالنسبة إلى الحجية و التنجز من كل حيثية وجهة،فلو كان فيه الاقتضاء لها فلا مورد للاصول حينئذ،و لا أقل من الشك في ذلك،فلا يمكن حينئذ التمسك بأدلتها اللفظية،لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية،و لا بأدلتها اللبية،لأن المتيقن منها غير ذلك،فلا محيص إلا من الاحتياط،و لا ريب في ثبوت الاقتضاء في كل من أطراف العلم الإجمالي.

إن قلت:نعم،و لكنه إذا لوحظت الأطراف بنحو الجمع و الوحدة،و أما إذا لوحظ كل طرف مستقلا مع قطع النظر عن الآخر،فيكون لا اقتضاء من كل جهة فيجري الأصل،و حيث لا يمكن الجمع يحكم بالتخيير،كما في الأمارتين المتعارضتين.

قلت:لحاظ الوحدة و الجمع إنما هو في متعلّق العلم التفصيلي و هو علة تامة للتنجز،و إنما يثبت الاقتضاء بملاحظة كل طرف مع قطع النظر عن الآخر بنحو عدم الاعتبار لا اعتبار العدم،إذ يلزم الخلف لأنه حينئذ مستلزم لعدم كونه طرفا للعلم الإجمالي مع أنه أحد طرفيه في الواقع.

مع أن التخيير إما عقلي أو شرعي،و الأول إنما هو في ما إذا ثبت فيه الملاك التام في كل طرف،و الثاني لا يثبت إلا بدليل خاص،و لا ملاك في كل واحد منهما حتى يثبت التخيير العقلي،فهو منفي ثبوتا و لم يرد دليل على التخيير الشرعي فهو منفي إثباتا،فلا وجه له أصلا.

نعم،لو قلنا بأن التخيير في المتعارضين عقلائي،و لا يحتاج إلى ورود دليل بالخصوص يثبت التخيير العقلائي في المقام،أيضا لو فرض جريان الاصول في أطراف العلم الإجمالي و كان المانع منحصرا في لزوم المخالفة العملية من العمل بها مع ثبوت المقتضي للجريان من كل جهة،و لكنه ممنوع لما مرّ من عدم المقتضي لجريانها في أطراف العلم الإجمالي أصلا.

 الثاني:أن الاصول العملية بحسب ملاحظاتها مع أطراف العلم الإجمالي على أقسام ثلاثة:

الأول:ما يكون منافيا لنفس المعلوم بالإجمال و مضادا له،كأصالة الإباحة في مورد دوران الأمر بين المحذورين،فإن الإباحة تضاد الإلزام المعلوم في البين،فلا يجري مثل هذا الأصل في أطراف مثل هذا العلم الإجمالي،للمضادة.

الثاني:الاصول الإحرازية-و تسمى التنزيلية أيضا-كالاستصحاب، و حيث إنها متكفلة للإحراز و التنزيل في الجملة عرفا،و تنزيل أطراف المعلوم بالإجمال منزلة خلافه مضاد و مناف له،فلا مجرى لها من هذه الجهة، كاستصحاب الطهارة مثلا في أطراف ما علم إجمالا بوقوع النجاسة فيها.

الثالث:ما تجري و تسقط بالمعارضة،كأصالة البراءة.

و فيه:أن هذا التفصيل إما مع فرض كون العلم الإجمالي مقتضيا للتنجز و أنه مانع عن جريان الاصول،أو مع فرض عدمه،فعلى الأول لا وجه لهذا التفصيل،لأن وجود ما فيه الاقتضاء بنفسه مانع عن جريانها،كما مرّ و لا تصل النوبة إلى الموانع الخارجية.

و على الثاني لا وجه له أيضا،لأن المضادة و المعارضة و المنافاة إنما تحصل لأجل وجود ما فيه الاقتضاء،و إلا فتكون الأطراف كالشبهات البدوية، فتجري الاصول مطلقا بلا مانع عنها في البين.

 الثالث:ما عن شيخنا الأنصاري قدّس سرّه،فإنه جعل المانع عن جريانها

تارة:ثبوتيا من لزوم المخالفة العملية بلا فرق بين الاصول مطلقا حتى الاستصحاب.

و اخرى:إثباتيا في خصوص الاستصحاب من مناقضة صدر دليله مع ذيله،فإن قوله عليه السّلام:«لا تنقض اليقين بالشك»،و قوله عليه السّلام في بعض الأخبار: «و لكن تنقضه بيقين آخر»متناقضان،لأن مقتضى الصدر صحة استصحاب الطهارة في كل واحد من الإناءين اللذين علم بنجاسة أحدهما إجمالا،فيجوز الارتكاب،و مقتضى الذيل وجوب نقض اليقين بالطهارة باليقين بالنجاسة فيجب الاجتناب،و ليس هذا إلا التناقض و التنافي في الدليل و العلم بكذب أحد الاستصحابين،فلا يجري الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي لذلك.

و اشكل عليه:

تارة:بأنه ليس تمام أدلة الاستصحاب مذيلا بهذا الذيل.

و فيه:أن هذا الذيل فطري ارتكازي فذكره في بعضها يغني عن تمامها، فالمطلقات منزلة عليه بقرينة الفطرة و الارتكاز،بل ليس هذا إلا التنافي الثبوتي الذي يسري إلى مقام الإثبات أيضا.

و اخرى:بأنه يظهر منه قدّس سرّه في مسألة ما إذا توضأ بمائع مردد بين الماء و البول،صحة استصحاب طهارة الأعضاء و بقاء الحدث مع العلم ببطلان أحدهما،و لا فرق بينها و بين المقام.

و فيه:أنه لا ربط لها بالمقام،لأنه في الوضوء من إناء واحد من الإناءين الذين علم ببولية أحدهما إذا توضأ بأحدهما فقط،لا علم فيه بنقض الحالة السابقة حتى يلزم التناقض من إجراء الأصلين،و الظاهر أنه قدّس سرّه لا يقول به.و أما العلم ببطلان أحد الأصلين في الوضوء من الإناء الواحد المردد بين الماء و البول،فهو مبني على عدم صحة التفكيك في لوازم الأحكام الظاهرية من كل حيثية و جهة،و إثباته مشكل،إذ يمكن أن يقال ببقاء الحدث للأصل،و بقاء طهارة البدن للأصل أيضا.

و ثالثة:بأن التناقض يلزم إن كان متعلّق اليقينين واحدا من كل جهة،و في مورد العلم الإجمالي ليس كذلك،لأن العلم التفصيلي متعلّق بكل واحد من الأطراف،و الإجمالي تعلق بواحد لا بعينه،فيختلف المتعلّق و يرتفع التناقض.

و فيه:أنه ليس المراد بالتناقض في المقام التناقض المنطقي،بل التناقض العرفي الأعم من مطلق المنافرة و التضاد،كما مرّ في بحث التعارض،و لا إشكال في تحققه.

و رابعة:بأن قوله عليه السّلام:«لا تنقض اليقين بالشك»له أثر فيصح تعلق الجعل به،و هو ترتب آثار المتيقن على المشكوك فيه شرعا.و أما قوله«و لكن تنقضه بيقين آخر»فلا أثر له،لأن نقض اليقين باليقين وجداني،و اليقين مما لا يناله الجعل،كما مرّ.

و فيه:أنه أيضا بلحاظ الحكم المترتب على اليقين و هو مجعول،و يكفي هذا المقدار في صحة تعلّق الجعل.

فتلّخص مما تقدم صحة جعل المانع في عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي إثباتيا أيضا،و لا محذور فيه.و ليس كلام الشيخ قدّس سرّه عند ذكره المانع الثبوتي في مقام الحصر حتى ينافي كلامه الآخر.

و قد يستدل على تنجز العلم الإجمالي بالاستصحاب.

و فيه:أنه إن اريد به الاستصحاب في طرف خاص و فرد مخصوص، فليس له حالة سابقة.و إن اريد به إثبات المقدّمية لكل طرف بالنسبة إلى العلم الإجمالي،فهو معلوم لا نحتاج في إثباته إليه و يكون من تحصيل الحاصل.و إن اريد به استصحاب الكلي لإثبات المقدّمية فهو تحصيل الحاصل أيضا.و أن اريد به إثبات الوجوب في طرف معين فهو مثبت.و إن اريد به استصحاب الفرد المردد فلا تحقق له لا خارجا و لا ذهنا،فلا وجه لهذا الاستدلال بجميع شقوقه، و تنجز العلم الإجمالي أظهر من الاستدلال بمثل هذه الاستدلالات،فهو كالعلم التفصيلي في وجوب الموافقة القطعية و حرمة المخالفة كذلك إلاّ في موارد خاصة تأتي الإشارة إليها.

 موارد عدم وجوب الموافقة القطعية:

 الأول:ما إذا دلّ دليل مخصوص على أن الشارع اكتفى بالامتثال الاحتمالي

و أسقط وجوب الاحتياط،و يدور ذلك مدار ورود الدليل،كما في موارد قاعدة الفراغ و التجاوز،و قاعدة«الوقت حائل».أو اكتفى بالامتثال التنزيلي،كموارد حديث«لا تعاد الصلاة إلا من خمس»،و قاعدة اعتبار الظن في الركعات،و قاعدة أنه«لا شك لكثير الشك»إلى غير ذلك مما هو كثير.و يمكن تصوير ذلك في مورد العلم الإجمالي،كما إذا علم إجمالا بأنه إما شك في الفاتحة بعد دخوله في السورة أو سها عن ذكر الركوع بعد رفع الرأس منه، فتصح صلاته،بل لو أحرز كل منهما في محله تفصيلا تصح صلاته و لا شيء عليه.

 الثاني:ما إذا كان في بعض الأطراف تكليف فعلي

ثابت بأمارة معتبرة،أو أصل كذلك،سواء كان من سنخ التكليف المعلوم بالإجمال أو من غيره،فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض و يسقط العلم الإجمالي عن التنجز،فلا تجب الموافقة القطعية حينئذ.

 الثالث:ما إذا لم يصلح العلم الإجمالي للداعوية

كما في دوران الأمر بين المحذورين على تفصيل تقدم في محله.

 الرابع:خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء

لأن اعتبار القدرة في التكليف مما لا ريب فيه.و هي إما دقّية عقلية،أو شرعية خاصة،أو عادية عرفية.

و الاولى ليست مناطا للتكاليف الشرعية،لأنه يستلزم العسر و الحرج و المشقة من كل جهة و الأحكام الشرعية مبنية على التسهيلات النوعية،و عدم لزوم العسر و الحرج.

و الثانية تحتاج إلى دليل خاص يدل على اعتبارها-و قد ورد في موارد خاصة-فيتبع لا محالة،فيكون المناط في مطلق التكاليف القسم الأخير إلا إذا دلّ دليل على الخلاف.و هي متقوّمة بالابتلاء بالمكلف به عند العقلاء فيكون دليل اعتبار الابتلاء في التكليف عين دليل اعتبار القدرة فيه،و دليل سقوطه عما خرج عن مورد الابتلاء عين دليل عدم صحة التكليف بغير المقدور،مع أن التكليف المطلق لا بد و أن يصلح للداعوية المطلقة،و ما هو خارج عن مورد الابتلاء لا يكون كذلك،بل يكون التكليف في حاق الواقع معلّقا على الابتلاء فيلزم من ذلك الخلف.

 حكم ما إذا لم يحرز الابتلاء فهل يجب الاحتياط أو تجري البراءة؟

ثم إنه إن احرز الابتلاء أو عدمه و لو بالأصل فهو،و إلا فهل يجب الاحتياط،أو تجري البراءة؟قولان:وجه الأول التمسك بعموم الخطاب و إطلاقه،لكونه شكا في أصل التخصيص و التقييد،و أن المستفاد من الأدلة الواردة في الأبواب المتفرقة و المتعارف في التكاليف العرفية،توقّف سقوط التكليف على إحراز العجز و عدم كفاية الشك في القدرة في ذلك،فيكون المقام نظير الرجوع إلى البراءة في الشبهات البدوية قبل الفحص الذي لا يجوز اتفاقا.

و فيه:أن التمسك بها في المقام تمسك بالعام في الشبهة المصداقية،لأن عمومات التكاليف و إطلاقاتها تخصصت بدليل اعتبار القدرة،و المشكوك مردد بين دخوله في العمومات أو في دليل المخصص،فلا يصح التمسك بكل منهما بالنسبة إليه.

مع أنه إنما يصح التمسك بالإطلاق بعد الفراغ عن صحة الإطلاق بدون القيد لا في ما شك في اعتباره في صحته-كما في المقام-إذ لم يحرز فيه صحة الإطلاق الواقعي حتى يصح التمسك بالإطلاق اللفظي،فيكون من الشك في أصل التشريع.و لا وجه للتمسك في مثله بالإطلاق اللفظي لتفرّعه على صحة الإطلاق الواقعي،و مع عدم صحة التمسك بالإطلاقات يتعين الرجوع إلى البراءة إلاّ أنه مما يهوّن الخطيب أن المتفاهم بحسب العرف من احرز عجزه،فتكون كالقرينة المحفوفة بالكلام فالقول بالاحتياط أولى.

 حكم ما إذا كان شيء مورد الابتلاء من جهة و خارجا عنه من جهة اخرى

ثم إنه لو كان شيء مورد الابتلاء من جهة و خارجا عنه من اخرى،كما إذا كان الشخص صائما و كان عنده إناءان،أحدهما المعين مضاف و الآخر مطلق طاهر،و وقعت قطرة من البول في أحدهما،و لم يعلم أنها وقعت في أيهما،فهل العلم الإجمالي منجز من حيث أنه صائم يحرم عليه الشرب أو لا تنجز فيه،إذ لا يحدث العلم الإجمالي تكليفا جديدا بالنسبة إلى حرمة الشرب إليه،فهل يجوز الوضوء بالمطلق لعدم جوازه بالمضاف قطعا قبل حدوث العلم الإجمالي بالنسبة إلى الوضوء تكليفا حادثا على كل تقدير؟ وجهان.

 الخامس:الاضطرار و هو إما إلى تمام الأطراف أو إلى بعضها

 و الأول يوجب سقوط العلم التفصيلي عن التنجز

فكيف بالعلم الإجمالي نصا و إجماعا،إذ«ما من شيء حرّمه اللّه تعالى إلا و قد أحلّه لمن أضطر إليه».

 و الثاني إما إلى المعين،أو إلى غيره

و كل منهما إما يكون قبل تنجز العلم أو بعده.

و قال صاحب الكفاية بعدم تنجز العلم في جميع الصور الأربع،لأن من شرط تنجزه عدم الاضطرار إلى الارتكاب،و بفقد الشرط ينعدم المشروط،غير أنه قيل إنه عدل عن هذا الإطلاق.

إن قلت:هذا صحيح في ما إذا حصل الاضطرار قبل التنجز،و أما إذا حصل بعده فقد أثّر العلم الإجمالي أثره،فيستصحب التنجز في غير المضطر إليه.

قلت:التنجز في أطراف العلم الإجمالي إنما هو لأجل المقدمية لا النفسية المستقلة،و مع سقوط التنجز عن بعض الأطراف للاضطرار تسقط المقدّمية لا محالة فيصير استصحاب التنجز بلا ملاك.

و يرد عليه:أن ملاك التنجز في الأطراف إنما هو لزوم تحصيل العلم بالامتثال،و هذا متحقق في المقام،لأنه لو ترك الطرف غير المضطر إليه يعلم بعدم ارتكاب الحرام في المعين،إما لأجل الاضطرار إن كان في الطرف المضطر إليه،و إما لأنه تركه واقعا إن كان في غيره.

إن قلت:هذا إذا كان الاضطرار إلى المعين،و أما إذا كان إلى غير المعين فالترخيص المطلق ينافي استصحاب التنجز.

قلت:الترخيص فيه جهتيّ لا من كل جهة،فله أن يرفع اضطراره بكل واحد منهما،و ليس له الترخيص في ارتكاب كليهما فيستصحب أصل التنجز في الجملة فيه أيضا.

فالحق أنه إن حصل الاضطرار بعد تنجز العلم يبقى الطرف الآخر على تنجزه،سواء كان إلى المعين أو إلى غيره.

 نقل الكلام عن بعض مشايخنا في الاضطرار إلى غير المعين و المناقشة فيه

و عن بعض مشايخنا أن في الاضطرار إلى غير المعين يجب الاجتناب عن غير ما يدفع به الاضطرار مطلقا،سواء كان قبل العلم الإجمالي أو بعده أو مقارنا له.و خلاصة ما أفاده في وجه ذلك أن الاضطرار إلى غير المعين لا ينافي إلزام الشارع ثبوتا بالاجتناب عن الحرام،بأن يكلف المكلف بالاجتناب عما يختاره لو كان الحرام فيه،و يلزمه برفع الاضطرار بغيره بخلاف الاضطرار إلى المعين،فإنه لو كان الحرام فيه ليس للشارع إلزامه برفع اضطراره بغيره،إذ المفروض أنه مضطر إلى خصوص المعين فقط و لا يمكنه رفع الاضطرار بغيره.

و فيه:أنه تصور حسن ثبوتا،و لكن لا دليل على تحقق الالتزام إثباتا بعد جريان الأصل بلا معارض.

 السادس:فقدان بعض الأطراف

السادس:الظاهر أن حكم فقدان بعض الأطراف حكم الاضطرار في ما تقدّم من التفصيل،لأن تنجز التكليف مطلقا مشروط بالقدرة على متعلّقه و الفقدان يوجب فوت القدرة،و لكن لو تنجز العلم ثم عرض الفقدان يستصحب بنحو ما مرّ.

 السابع:الملاقي لأحد أطراف الشبهة المحصورة،رأي المشهور فيه المناقشة فيه

السابع:المشهور عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي لأحد أطراف الشبهة المحصورة،لأصالة الطهارة فيه بلا معارض بلا دليل حاكم عليها.لأنه إن كان دليل خاص دلّ على الاجتناب عن الملاقي فهو مفقود و لم يدّعه أحد.و إن كان لأجل سراية النجس إليه،فهو ممنوع إذ لا سراية إلا من النجس الواقعي.أو المتنجس كذلك لا مما حكم بالاجتناب عنه مقدمة لتحقق الاجتناب عن شيء و الاجتناب عن ملاقيه،فلا دليل عليها من عقل أو شرع أو عرف.و إن كان لأجل صيرورة الملاقي(بالكسر)طرفا للعلم الإجمالي كالملاقى(بالفتح)،فهو من مجرد الدعوى يحتاج إثباتها إلى الدليل،و الأنظار العرفية لا تساعدها،لأنهم يرون الفرق البيّن بين الملاقى(بالفتح)و ملاقيه في الطرفية للعلم الإجمالي،و إن الملاقي ليس كما إذا جعل أحد طرفي العلم الإجمالي في إناءين-مثلا-فإنهم يرون أن العلم الإجمالي حينئذ صار بين ثلاثة أطراف،بخلاف ما إذ لاقى شيء طاهر بأحد أطرافه فلا يتغير أطرافه حينئذ كما كانت عليه،و حيث لا يوجد الدليل على وجوب الاجتناب فتجري أصالة الطهارة لا محالة،و قد وافق المحقق الأنصاري قدّس سرّه المشهور إلا في صورة واحدة،و هي ما إذا حصلت الملاقاة قبل العلم الإجمالي بالنجاسة و فقد الملاقى(بالفتح)،ثم حصل العلم الإجمالي بنجاسة المفقود أو شيء آخر:فقال قدّس سرّه بوجوب الاجتناب عن الملاقي (بالكسر)حينئذ،لعدم جريان الأصل في ما فقد،لكونه بلا موضوع فيجري في الملاقي و الشيء الآخر و يسقط بالمعارضة فيؤثّر العلم الإجمالي أثره.

و فيه:أن جريان الأصل لا يدور مدار وجود الموضوع و عدمه،بل يدور مدار ترتب الأثر الشرعي عليه،فمعه يجري و إن فقد الموضوع،و مع عدمه لا يجري و إن كان موجودا،و الأثر الشرعي في المقام طهارة الملاقي فتجري أصالة الطهارة في المفقود و يترتب عليه طهارة ملاقيه،كما تجري في الطرف الآخر فتسقط بالمعارضة فيؤثّر العلم الإجمالي أثره ثم يجري أصالة الطهارة في الملاقي(بالكسر)بلا معارض.

إن قلت:إن هذا الأثر وجوده كعدمه،إذ لا نحتاج إليه مع جريان أصالة الطهارة في نفس الملاقي،فيكون إثبات الطهارة بواسطة الأصل الجاري في الملاقى(بالفتح)من التطويل بلا طائل.

قلت:المناط في جريان الأصل مطلق الأثر الشرعي أعم من كونه مؤكدا أو مؤسسا،و المقام من الأول دون الثاني.

 نقل كلام صاحب الكفاية في تثليث الأقسام في الملاقي لأحد الاطراف و ردّه

و ذهب صاحب الكفاية إلى تثليث الأقسام،فقال:

تارة:بوجوب الاجتناب عن الملاقي و الملاقى(بالفتح)و الطرف في ما إذا حصل العلم الإجمالي و العلم بالملاقاة دفعة واحدة،لصيرورة الجميع حينئذ طرفا للعلم الإجمالي فيؤثر أثره.

و فيه:أن المناط في تعارض الاصول و تساقطها و تنجز العلم الإجمالي بعد ذلك،هو المعية الرتيبة و عدم الاختلاف فيها،لا مجرد المعية الزمانية و إن اختلفت في الرتبة،و لا ريب في أن الأصل الجاري في الملاقي(بالكسر)في رتبة متأخرة عن الأصل الجاري في الملاقى(بالفتح)،لأن نجاسة الملاقي على فرض ثبوتها مستندة إلى الملاقاة فقط و معلولة لوجوب الاجتناب عن الملاقى (بالفتح)،لا لأجل كونه طرفا للعلم بالذات فمع سقوط الأصل في الملاقي و طرفه بالمعارضة تجري أصالة الطهارة في الملاقي بلا مزاحمة لاختلاف الرتبة.

و اخرى:قال:بوجوب الاجتناب عن الملاقى(بالفتح)دون الملاقي (بالكسر)،كما هو المشهور في ما إذا حصل العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى (بالفتح)و الطرف ثم حصل بالملاقاة،و قد مرّ وجهه.

و ثالثة:بوجوب الاجتناب عن الملاقي(بالكسر)دون الملاقى(بالفتح)، و ذكر لذلك موردين:

أحدهما:ما إذا علم بالملاقاة ثم حدث العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي (بالفتح)أو الطرف،و لكن حال حدوث العلم الإجمالي كان الملاقي(بالكسر) مورد الابتلاء.و الملاقى(بالفتح)خارجا عنه ثم عاد إلى مورد الابتلاء.

و فيه:أن المناط في تنجز العلم الإجمالي و تأثيره أثره،هو كون شيء طرفا له بالذات لتسقط الاصول في رتبة واحدة بالمعارضة،و الملاقي(بالكسر)-على أي نحو فرض-يكون طرفا بالعرض لا بالذات،و كل ذلك مغالطة واضحة،مع أنه لا فرق بينه و بين ما تقدّم عن الشيخ الأنصاري قدّس سرّه.

ثانيهما:ما إذا علم أولا بنجاسة الملاقي(بالكسر)أو الطرف بلا توجه إلى سبب نجاسة الملاقي ثم حدث العلم الإجمالي بالملاقاة،و العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى(بالفتح)أو الطرف،مع اليقين بأنه ليس لنجاسة الملاقي (بالكسر)على فرض الثبوت سبب غير الملاقاة فقط،و حيث حصل أولا علم إجمالي بنجاسة الملاقي(بالكسر)أو الطرف،و أثّر أثره ثم حصل العلم الإجمالي الآخر،و قد ثبت أن العلم الإجمالي العارض على علم إجمالي منجز، لا أثر له إلا إذا كان أثره من غير سنخ الأول و ليس المقام كذلك،فيجب الاجتناب عن الملاقي(بالكسر)دون الملاقى.

و فيه:أنه بعد تسليم أن سبب نجاسة الملاقي(بالكسر)منحصر بالملاقاة فقط و لا سبب لها غير ذلك،يكون العلم الإجمالي الأول لغوا و غير مؤثر، و ينحصر الأثر في العلم الإجمالي الثاني فقط،فيسقط الأصل في الملاقى (بالفتح)و الطرف بالمعارضة،و يجري الأصل في الملاقي بلا مزاحمة.هذا كله ما إذا لم يحمل الملاقي عن الملاقى(بالفتح)شيئا و كان من مجرد الملاقاة فقط، و إلا فالظاهر وجوب الاجتناب عنه أيضا خصوصا إن كان المحمول من الملاقى (بالفتح)معتدا به.

 الثامن:عدم الفرق في تنجز العلم الإجمالي بين كون أفراده دفعية أو تدريجية

الثامن:لا فرق في تنجز العلم الإجمالي بين كون أفراده دفعية عرضية،أو تدريجية طولية.كما لا فرق في الثانية بين كون الزمان ظرفا للتكليف،كما إذا علم المكلف بأن بعض معاملاته في الأسبوع أو الشهر تكون ربوية.أو قيدا له، كما إذا علمت المرأة بأن حيضها ثلاثة أيام في جملة العشرة مثلا،و الوجه في ذلك كله فعلية التكليف في التدريجيات،كفعليته في الدفعيات،بلا فرق بينهما فتسقط الاصول في الأطراف بالمعارضة و يؤثر العلم بالتكليف أثره.

إن قلت:لا وجه لتعارضها،لأن من شرط التعارض وحدة الزمان،فإذا انتفى موضوع التعارض لا وجه لتأثير العلم الإجمالي،مع أن في التدريجيات تكون الأفراد المتدرجة التي توجد بعد ذلك خارجة عن مورد الابتلاء فعلا،فلا يكون العلم منجزا من هذه الجهة أيضا.

قلت:التعارض في اصطلاح الاصولي أعم من التناقض المنطقي،فلا يعتبر فيه وحدة الزمان،و لا إشكال في صدق كون الأفراد التدريجية مورد الابتلاء عرفا،كصدقه في الدفعيات أيضا.

إن قلت:كيف يثبت التكليف مع أن التمسك بعموم دليله يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية،لفرض تردد موضوعه بين أيام و أوقات و آنات.

قلت:نعم و لكن العلم بأصل وجوده في الجملة يكفي في قبح تفويته عقلا و لا يلزم إثباته في وقت مخصوص،حتى يكون ذلك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية،فأصل الخطاب بالتكليف في الجملة متحقق و قبح تفويته عقلا ثابت،فيكون العلم الإجمالي منجزا لا محالة،بلا فرق بين ما كان الزمان ظرفا أو قيدا،فما يظهر من الشيخ قدّس سرّه من صحة الرجوع إلى البراءة في الثاني مخدوش.هذا كله إذا صلح العلم الإجمالي للداعوية،و أما إذا لم يكن كذلك، كما إذا علم الكاسب أنه مبتلى بمعاملة ربوية في سنة أو ستة أشهر-مثلا- و كانت معاملاته كثيرة،فالظاهر كونها من الشبهة غير المحصورة لا يتنجز العلم الإجمالي منه في ما إذا كان الأفراد دفعية عرضية،فضلا عما إذا كانت تدريجية طولية:

 التاسع:لو اعتقد تنجز العلم الإجمالي في الأطراف الدفعية أو التدريجية

التاسع:لو اعتقد تنجز العلم الإجمالي في الأطراف الدفعية أو التدريجية و مع ذلك ارتكب بعضها،فبان عدم تنجزه لفقد شرط من شروطه،فهو من صغريات التجري.

 العاشر:عدم الفرق في جميع ذلك بين أقسام الشبهة الموضوعية التحريمية أو المفهومية

العاشر:لا فرق في جميع ما تقدم بعد العلم بأصل التكليف بين أقسام الشبهة من الموضوعية التحريمية،و قد تقدمت.أو المفهومية كذلك،كما إذا تردد مفهوم الغناء بين مطلق الترجيع أو ما كان مع الطرب،ففي مورد الافتراق وجب الاحتياط،و يأتي ما يتعلّق بذلك أيضا.أو الموضوعية الوجوبية،كتردد الواجب يوم الجمعة بين الظهر و الجمعة.أو المفهومية كذلك،كتردد الصلاة الوسطى من حيث المفهوم بين الظهر و العصر و الصبح،و سواء كان منشأ الشبهة فقد النص،أو إجماله بعد العلم بأصل التكليف في الجملة.و أما حكم تعارض النصين،فقد تقدّم في بحث التعارض،فراجع.

 الشبهة غير المحصورة:

لا ريب في تقوّمها بالكثرة في الجملة،لأن غير المحصورة من المفاهيم العرفية لا بد من مراجعة العرف فيها،كما في سائر المفاهيم العرفية،و ليس من الموضوعات التعبّدية،و لا المستنبطة حتى نحتاج إلى نظر الفقيه،فليس منها مطلق ما خرج بعض أطرافها عن مورد الابتلاء،أو سقط العلم فيه عن التنجز لجهة اخرى،لأن ذلك يوجب سقوط العلم عن التنجز في المحصورة فضلا عن غيرها،بلا فرق بينهما من هذه الجهة،و إنما الفرق بينهما من جهة اخرى تأتي الإشارة إليها.

إنما الكلام في حدّ الكثرة التي تكون موجبا لعدّ الشبهة غير محصورة، و الحق عدم صحة تحديدها بحدّ خاص،لاختلاف ذلك بحسب الموارد اختلافا واضحا،فرب كثرة في مورد تكون بها الشبهة غير محصورة مع كون تلك الكثرة بعينها في مورد آخر محصورة.فالمناط كله أن تكون كثرة الأطراف بحيث لم يمكن عادة جمعها في استعمال واحد بحسب المتعارف،و أن لا يرى العقلاء العلم الإجمالي فيها منجزا من كل حيثية و جهة،بل يقدمون بمقتضى فطرتهم على ارتكاب بعض الأطراف بلا تردد منهم في ذلك،و عدم صلاحية مثل هذا العلم للداعوية لإيجاب الموافقة القطعية و إيكال ذلك إلى الوجدان، أولى من تكلف إقامة البرهان،و بعد تحقق هذا الموضوع لا نحتاج في إثبات عدم وجوب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة إلى دليل خارجي،بل تكون من الموضوعات التي يكون حكمها ملازما لتحققها خارجا.

و ما قيل:في تحديدها إن رجع إلى ما قلناه فهو،و إلا فتكون ظاهر الخدشة،كما أن الوجوه التي استدل بها على عدم تنجز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة من الإجماع،و لزوم العسر و الحرج،و شمول أدلة البراءة لها،و خروج الأطراف بها عن مورد الابتلاء.

مخدوشة:أما الإجماع فالإشكال فيه واضح،و أما الثاني فمع العسر و الحرج يرتكب و مع العدم يجتنب،و أما الثالث فلكونه منافيا للعلم الموجود في البين،و أما الأخير فلكونه خلف الفرض لما مرّ من أنه لا فرق في هذه الجهة بين المحصورة و غيرها،و يمكن أن يكون مرجع جميع ذلك إلى ما قلناه، فالمراد واحد و إن كانت العبارات مختلفة.

ثم إن القدر المتيقن من بناء العقلاء و مرتكزاتهم في سقوط العلم الإجمالي عن التنجز في الشبهة غير المحصورة إنما هو بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية،و أما سقوطه بالنسبة إلى المخالفة القطعية أيضا ففيه إشكال في الشبهتين التحريمية و الوجوبية،و الشك في التعميم للمخالفة القطعية يكفي في العدم.و لو شك في كون شبهة من المحصورة أو من غيرها،فهو مثل الشك في أن الأطراف في الشبهة المحصورة تكون مورد الابتلاء أو لا،و قد تقدّم حكمه فراجع.و هل يجري على الأطراف في الشبهة غير المحصورة حكم الشبهة البدوية من كل جهة أو لا؟ وجهان:أحوطهما الثاني.

 المقام الثانى دوران الأمر بين الأقل و الأكثر:

 الفرق بينه و بين الشك في المحصل،أقسام الشك في الأقل و الأكثر

و ليعلم أولا أن الفرق بينه و بين الشك في المحصل،أن الثاني إنما يتحقق في ما إذا علم التكليف بتمام حدوده و قيوده،و لم تكن شبهة و لا إجمال فيه ثبوتا و لا إثباتا،و كان معلوما و مبينا من كل جهة،و انحصر الشك في الموضوع الخارجي في أنه مفرغ للذمة عما اشتغلت به أو لا،كما إذا اغتسل أو توضأ و في إصبعه خاتم و شك في وصول الماء إلى البشرة معه و عدمه،و في مثله يجب الاحتياط عقلا و شرعا،بخلاف الأقل و الأكثر،فإن أصل تعلّق التكليف بالنسبة إلى الأكثر مشكوك فيه ثبوتا و إثباتا،فلا علم بالتكليف بالنسبة إليه حتى يكون من الشك في المحصل،فلا ربط لأحدهما بالآخر أصلا.

ثم إن الشك في الأقل و الأكثر إما استقلالي-أي لا ترتبط الأجزاء بعضها مع بعض في مقام الامتثال-فيكون لكل جزء امتثال مستقل إن أتى به و مخالفة كذلك إن ترك،كما لو علم بأصل الدين و تردد مقداره بين الخمسة أو أكثر، و ظاهرهم الاتفاق على البراءة بالنسبة إلى الأكثر عقلا و نقلا إلا في الفائتة المرددة بينهما،فنسب إلى المشهور وجوب الأكثر،و قد تقدم أنه لا دليل لهم على ذلك من عقل أو نقل.

و إما ارتباطي،و هو ما إذا كان لجميع الأجزاء امتثال واحد و مخالفة واحدة، كأجزاء الصلاة و شرائطها مثلا و له موارد كثيرة،لأن الشبهة إما وجوبية أو تحريمية،و كل منهما إما بين الكل و الجزء،أو بين الجنس و النوع،أو بين المشروط و الشرط،و منشأ انتزاع الشرط إما جهة خارجية،أو ذهنية،أو اعتبارية.

و التحقيق-كما عليه أهله-هو البراءة عن الأكثر عقلا و نقلا في جميع ما يتصور من موارد الأقل و الأكثر مطلقا،لأدلة البراءة العقلية و النقلية.و ذهب جمع إلى الاحتياط.

و لا يخفى أن النزاع صغروي،فمن يقول بالبراءة يقول إن الشك بالنسبة إلى الأكثر شك في أصل التكليف،و المرجع فيه البراءة اتفاقا و لو كان معلوما لوجب الاحتياط،و من يقول بالاحتياط يقول إن التكليف معلوم بالنسبة إليه فوجب الامتثال،و لو كان مشكوكا فيه لصح الرجوع إلى البراءة،فيرجع النزاع إلى أن التكليف شمل الأكثر أو لا،و المرجع في التشخيص هو المتعارف بين العقلاء،فإن حكموا بتمامية البيان و الحجة بالنسبة إلى الأكثر فلا محيص إلا من الاحتياط،و إن ترددوا فيها أو حكموا بالعدم فيتحقق موضوع البراءة قهرا.

 بيان الحق في المقام،إقامة الشكل الأول على ذلك

و إذا راجعنا العقلاء نراهم يعترفون بأنه ليس قيام الحجة بالنسبة إلى الأكثر كقيامها بالنسبة إلى الأقل،و ليس ثبوت الأكثر على كاهل المكلف،كثبوت الأقل عليه،و هذا الفرق وجداني لكل من قطع النظر عن الشبهات و رجع إلى فطرته.

و خلاصة الكلام على هيئة الشكل الأول:أن الحجة لم تتم بالنسبة إلى الأكثر،و كلما لم تتم الحجة بالنسبة إليه يكون من مجاري البراءة،فيكون الأكثر من مجاري البراءة.

الاستدلال على وجوب الاحتياط و الجواب عنه

و قد استدل على وجوب الاحتياط بامور:

الأول:أن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ كذلك.

و فيه:أن الاشتغال اليقيني بالنسبة إلى الأقل مسلّم،و بالنسبة إلى الأكثر مشكوك فيرجع فيه إلى البراءة.

الثاني:أن الأقل و الأكثر إن لوحظا بحدّ الأقلية و الأكثرية يكونان من المتباينين،و قد تقدّم وجوب الاحتياط فيهما.

و فيه:أنه لا وجه لملاحظتهما كذلك،بل تكون خلاف المتعارف،لأن الأقل بحسب الأنظار العرفية ملحوظ بعنوان اللابشرطية،فيجتمع مع الأكثر،لا أن يلحظ بحدّ الأقلية حتى يباينها و لا يجتمع معها.

الثالث:أن وجوب الأقل إما نفسي أو غيري،و الأول منفي بالأصل،و لا وجه للثاني مع عدم وجوب الأكثر،إذ لا معنى لوجوب المقدمة مع عدم وجوب ذي المقدمة.

و فيه:ما مرّ في بحث مقدمة الواجب من أن الأجزاء لا تتصف بالوجوب المقدمي،إذ لا تعدد بينهما و بين الكل بحسب الوجود.لكونها عين الكل وجودا،و الكل عينها كذلك،و إنما تتصف بالوجوب النفسي الانبساطي فيكون وجوب الكل عين وجوب الأجزاء بالأسر و بالعكس،و يكون مرجع الشك في المقام إلى أن الوجوب هل انبسط على تسعة أجزاء مثلا،أو على عشرة أجزاء، فيؤخذ بالمعلوم و يرجع في المشكوك إلى البراءة.هذا في وجوب الأجزاء.

و أما الشرط و المشروط فلا ريب في أن وجوب الشرط تابع لأصل وجوب المشروط من دون تحديد بحدّ خاص،و قد ثبت في المقام وجوب الأقل دون الأكثر فيكون وجوب الشرط تابعا لوجوب الأقل لا محالة.

الرابع:أن الاقتصار على الأقل في مقام الامتثال امتثال إجمالي بخلاف إتيان الأكثر فإنه تفصيلي،و لا تصل النوبة إلى الأول مهما أمكن الثاني.

و فيه:أن كيفية الامتثال تابعة لأصل الاشتغال و بعد أن لم يكن اشتغال إلا بالأقل،فيدور الامتثال مداره أيضا.

نعم،لا ريب في حسن الاحتياط بالنسبة إلى ما احتمل الاشتغال به و هو الأكثر.

و لباب القول:أن جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان بالنسبة إلى الأكثر و عمومات أدلة البراءة الشرعية مما لا محذور فيه بعد وجود المقتضي-و هو الشك في أصل التكليف-فيصح الاقتصار على الأقل،كما استقر عليه رأي المحققين،بلا فرق بين جميع موارد الأقل و الأكثر حتى في الشبهات الموضوعية،وجوبية كانت أو تحريمية،نفسية كانت أو غيرية،لانحلال الحكم بانحلال الموضوع فيتحقق الأقل و الأكثر لا محالة،فلو علم بوجوب إكرام العلماء،و تردد شخص بين كونه عالما أو لا،أو تردد كلام بين كونه من الغيبة المحرمة أو لا،أو تردد صوت بين كونه من الغناء المحرم أو لا،أو تردد ثوب بين كونه مما لا تصح الصلاة فيه أو لا.إما لأجل كونه مما لا يؤكل لحمه،أو لجهة اخرى،فالمرجع في الجميع هو البراءة.

 التمسك لعدم وجوب الأكثر بالأصل الأزلي

و قد يتمسك لعدم وجوب الأكثر بأصالة عدم الوجوب بالعدم الأزلي، بمعنى أن التكليف بأقله و أكثره لم يكن واجبا قبل البعثة ثم وجب،و مقتضى هذا الأصل عدم وجوب الأكثر إلاّ أن يدل دليل عليه،و يصح التمسك باستصحاب عدم الوجوب قبل البلوغ أيضا،و لكن ذلك كله مستغنى عنه بعد كفاية البراءة.

نعم،يصح التمسك به للتأييد و التأكيد.

 الكلام في الشبهة المفهومية الدائرة بين الأقل و الأكثر

ثم إن الرجوع إلى البراءة لنفي الأكثر في الشبهة التحريمية إنما هو في خصوص الشبهة الموضوعية منها.و أما المفهومية فالأكثر متيقن الحرمة،و الأقل هو المشكوك،فيرجع فيه إلى البراءة،فإذا تردد مفهوم البكاء الحرام في الصلاة بين كونه مع الصوت،أو مجرد البكاء و لو بلا صوت،فالمتيقن إنما هو ما كان مع الصوت،و في غيره يرجع إلى الأصل،و له نظائر كثيرة في الفقه.و حيث ان الاصوليين تعرضوا لبعض أحكام الخلل في المقام مع أنها من الأحكام الفقهية فنشير إلى بعضها،و قد ذكرنا التفصيل في كتاب(مهذب الأحكام).

 بعض أحكام الخلل:

و هو إما عن عمد أو جهل أو إكراه و اضطرار أو عن سهو،و الجميع إما بالنقصان و إما بالزيادة.و لا ريب في كون النقيصة العمدية موجبة للبطلان،إذ لا معنى للوجوب إلاّ أن التعمد.في تركه موجب للبطلان،ما لم يكن دليل على الخلاف،كما في بعض أفعال الحج حيث ان تركه العمدي لا يوجب بطلان أصل الحج،بناء على أنه جزء للحج و ليس من الواجب في الواجب.

إن قيل:كيف يعقل الصحة مع فرض الجزئية و الترك العمدي،فإن كان ذلك مع بقاء وجوب الجزء حينئذ فهو من التناقض،و إن كان مع زواله حينئذ فهو خلف.

يقال:ببقاء الوجوب و بترتب العصيان و الكفارة،و بعد ذلك ينزّل الشارع العمل الناقص منزلة التمام تسهيلا على الأنام،كما يمكن أن يقال بزواله،و حيث أنه مستند إلى اختياره يعاقب عليه ثم ينزّل الشارع الناقص منزلة التام تسهيلا و امتنانا.و قد ادّعي الإجماع على أن الجاهل بالحكم كالعامد إلا ما خرج بالدليل، و ظاهرهم التسالم على أن النقص عن إكراه و اضطرار يوجب البطلان أيضا إلا مع الدليل على الخلاف،و لو لا ظهور التسالم لأمكن التمسك بحديث الرفع للصحة بعد شموله لجميع الآثار،كما تقدم.و محل تنقيح الفروع إنما هو في الفقه.

 النقيصة السهوية: و الكلام فيها.

تارة:في تصوير التكليف بما عدا المنسيّ ثبوتا.

و اخرى:في دلالة الأدلة الأولية عليه.

و ثالثة:في الأدلة الثانوية.

 الأولى:تصوير التكليف بالنسبة إلى المنسي و غيره،الجواب عنه الإشكال في تكليف غير المنسي بوجوه

أما الاولى فلا ريب في سقوط التكليف بالنسبة إلى خصوص المنسي، لأن التكليف به مع فرض بقاء النسيان تكليف بما لا يطاق،و مع زواله خلف الفرض.و أما بقاء التكليف بالنسبة إلى بقية الأجزاء.

فاشكل عليه:بأن الأمر بالمجموع قد ارتفع لأجل النسيان،و قد ارتفع الأمر المتعلّق بالبقية بارتفاع الأمر بالمجموع و لا تكليف مستقلا بالنسبة إليها حتى يكون التكليف باقيا،فينتفي التكليف بعد عروض النسيان مطلقا بالنسبة إلى المنسي و غيره من الأجزاء.

و اجيب عنه بوجوه:

منها:أنه مبني على كون وجوب الأجزاء وجوبا مقدميا لتحقق الكل،و أما لو كان وجوبا نفسيا انبساطيا فلا وجه لزوال وجوب بقية الأجزاء لسقوط وجوب بعضها،و تكون حكمة الانبساط هو الكل،لا أن يكون ذلك العلة التامة المنحصرة.

و منها:أن المأمور به في حق الجميع ناسيا كان أو غيره ما عدا الجزء المنسي،و قد اختص الذاكر بخطاب خاص بما نسيه الناسي.

و اشكل عليه:بأن المنسي ليس شيئا واحدا دائما،بل يختلف بالنسبة إلى المكلف الواحد فكيف بعامة المكلفين،فليفرض أنه صلّى الظهر مثلا جمع، فنسى أحدهم الفاتحة،و الآخر السورة،و ثالث الأذكار الواجبة،و رابع السجدة، و خامس التشهد و هكذا،فما يكون الحدّ المشترك بين ذاكرهم و ناسيهم،و أي خطاب يختص بخصوص الذاكر منهم؟!فلا بد حينئذ من تصوير الجامع.

و فيه:أنه يمكن تصوير الجامع بنحو ما مرّ في تصويره في الصحيح و الأعم،فراجع.

و منها:أن التكليف المتوجه إلى الناسي ليس بعنوان النسيان حتى يلزم المحذور،بل بالعنوان الملازم له غالبا.

و فيه:أنه مع التفاته إلى الملازمة يلزم المحذور قهرا،و مع عدم التفاته يصير ملتفتا لا محالة،فإنه يسأل عن وجه اختصاصه بالخطاب فيلتفت فيعود المحذور أيضا.

فالحق أنه يمكن تصوير تكليف الناسي بما عدا المنسي،كما مر.و بجعله من صغريات تصوير الجامع بين الصحيح و الأعم،كما عرفت.مع أن الجزئية و التكليف متقوّم في الواقع بالملاك،و الوجوب كاشف عنه،و سقوط الوجوب لا يستلزم سقوط الملاك،كما هو معلوم فيصح تكليفه بالبقية ثبوتا،و يشهد لذلك العرف أيضا.

 الثانية:بحسب دلالة غير المنسي بوجوه

و أما الثانية-أي بحسب دلالة الأدلة الأولية-فهي منحصرة في الإطلاق الواقعي النفسي الأمري و تحقق الملاك في البقية المنكشف،ذلك كله من كثرة اهتمام الشارع بمثل الصلاة،و من الأدلة الثانوية التسهيلية الواردة فيها.

و اشكل عليه:بأنها-لبيا كانت أو لفظية،و سواء كانت مثل«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»أو غيره-كاشفة عن دخل الجزء و الشرط في قوام المركّب و المشروط،و لا يراد منها شيء أزيد من ذلك،و لا تدل بشيء من الدلالات على وجوب البقية عند عروض النسيان،بل يكون مقتضاها ما تعارف و ارتكز في الأذهان من أن المركّب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه،و المشروط ينتفي بانتفاء شرطه،لفرض كونها كاشفة عن الدخل في قوام الذات قيدا و تقيدا.

و لكنه باطل بما مرّ من أن استفادة وجوب البقية من سياق مجموع ما بأيدينا من الأدلة التي هي كدليل واحد على الوجوب،فتكفي الإطلاقات الأولية في الإيجاب لاحتفافها بالقرينة عليه مع حكم العرف في المركبات الاعتبارية، فإن سقوط بعض الأجزاء بالعذر لا يوجب سقوط البقية،و يكشف ذلك عن كونه مفاد الأدلة الأولية أيضا.

 الثالثة:بحسب الأدلة الثانوية الدالة على وجوب البقية

و أما الثالثة-و هي ورود الأدلة الثانوية الدالة على وجوب البقية-فهي كثيرة متفرّقة في أبواب العبادات،مذكورة في الفقه في الموارد المناسبة لها. و يمكن التمسك بحديث الرفع أيضا،فإن إيجاب الإعادة أو القضاء مع النسيان مما لا يعلم فيكون مرفوعا،بل يمكن التمسك بخصوص حديث رفع النسيان أيضا،لأنه مقتض لوجوب التدارك إعادة أو قضاء فيكون ثابتا بثبوت المقتضي ثبوتا اقتضائيا،و هذا النحو من الثبوت يصح تعلّق الرفع التشريعي به لا رفع النسيان حقيقة حتى يقال:إنه غير قابل للرفع،و لا رفع العمل المنسي فيه عن صفحة العيان،فيكون خلاف الامتنان،إذ تجب الإعادة أو القضاء حينئذ.بل المراد ما قلناه.

و لباب الكلام:أنه يمكن إثبات الصحة في مورد النقيصة السهوية بالإطلاق المحفوف بالقرائن،و بحديث الرفع،و بأصالة عدم المانعية،و بالأدلة الثانوية.

 حكم الزيادة: و البحث فيها:

تارة:في تصويرها.

و اخرى:في أقسامها.

و ثالثة:في حكمها.

 الأولى:في تصويرها.الردّ على من قال بعدم إمكان تصويرها.

أما الاولى فقد يقال:بعدم تصويرها لأن المركب إن كان ملحوظا بشرط عدم الزيادة فمع الإتيان بها لم يأت بالمأمور به أصلا فكيف تتحقق الزيادة، فترجع حينئذ إلى النقيصة.و إن كان ملحوظا لا بشرط بالنسبة إلى الزيادة و عدمها فلا تضر الزيادة،فلا تتصور الزيادة حتى يبحث عنها.

و فيه:

أولا:أنه يصح تصويرها بحسب ظواهر الأدلة الشرعية،الدالة على تعيينها في أجزاء خاصة يكون إتيان غيرها زائدا عليها بمقتضى هذه الأدلة،و يشهد له ما ورد في سجدة العزيمة من«أنها زيادة في المكتوبة».

و ثانيا:تتصور الزيادة بحسب الأنظار العرفية،لأنه إذا عرضت الأجزاء المعهودة من المركب على العرف و المتشرعة يحكمون بأن كل ما زيد عليها يكون زائدا عرفا.

و ثالثا:يصح تصويرها بالدقة العقلية أيضا،بأن الأجزاء مأخوذة في المركّب على نحو صرف الوجود المنطبق على أول وجوداتها قهرا،فيسقط أمرها لا محالة،فيكون المأتي به ثانيا زائدا عليها حينئذ،لا أن تكون مأخوذة بشرط عدم الزيادة،أو بنحو لا بشرط حتى لا تتصور الزيادة.

 الثانية:أقسام الزيادة

و أما الثانية:فهي إما بقصد الجزئية،أو بقصد عدمها،أو تكون بلا قصد بالنسبة إليهما،و الظاهر تحقق الزيادة عرفا في الجميع،و يشهد له ما ورد في الأخبار الناهية عن قراءة العزيمة في المكتوبة من أن السجود زيادة في المكتوبة،و لكن مورد بحث الفقهاء قدس سرّهم في الزيادة المبطلة خصوص القسم الأول دون الأعم منه و من الأخيرين،كما يظهر من كلماتهم و استدلالهم على البطلان.كما أن الظاهر أن مورد بحث الاصولى أيضا ذلك،لأنهم يستدلون أيضا بعين ما استدل به الفقهاء و يناقشون فيها،فراجع و تأمل.

 الثالثة:حكمها،التمسك بأصالة عدم المانعية، و الاستصحاب و هو على أنحاء

و أما الثالثة:فمقتضى أصالة عدم المانعية عدم البطلان بالزيادة مطلقا -عمدية كانت أو غيرها،كانت بقصد الجزئية أو لا-إلا مع الدليل على الخلاف، و يصح التمسك بالأصل الموضوعي أيضا،و هو استصحاب تلبّس المكلف بما كان متلبسا به و عدم خروجه عما كان عليه،فيجب عليه الإتمام و يحرم عليه القطع،و يصح استصحاب بقاء الصورة الاعتبارية أيضا،لأن لكل مركب-عرفيا كان أو شرعيا-وحدة صورية اعتبارية حاصلة من اعتبار المعتبر شارعا كان أو غيره،فمن مثل قوله عليه السّلام في الصلاة:«أولها تكبيرة و آخرها تسليمة»مع ملاحظة أدلة الأجزاء و الشرائط و الموانع و القواطع،تحصل صورة اعتبارية لها،و عند الشك في زوالها يستصحب بقاؤها فيجب الإتمام و لا يجب التدارك،و ليس بمثبت،كما هو واضح.

 الإشكال على التمسك بالاستصحاب

نعم،لو اريد من هذا الاستصحاب نفي مانعية الزيادة و عدم قاطعيتها يكون مثبتا إن قلنا بأن ترتب الأحكام الوضعية الشرعية على الاستصحاب لا يكفي،بل لا بد من ترتب الحكم التكليفي عليه،و لكنه ممنوع فإنه يكفي فيه ترتب مطلق الأثر الشرعي تكليفيا كان أو وضعيا.

ثم إنه لا وجه لاستصحاب الصحة التأهّلية للأجزاء السابقة للقطع ببقائها، و لا استصحاب أثر المركّب للقطع بعدم تحققه بعد،فإنه إنما يتحقق بعد تمامه و إتمامه من كل جهة،و لا استصحاب الصحة الفعلية مطلقا،لأنه من الشك في الموضوع مع تحقق الزيادة التي يحتمل البطلان معها.هذا.

و يمكن دعوى:أن المانعية تدور مدار إحراز ثبوت المنع،و لا أثر لمشكوك المانعية أصلا،فلا تصل النوبة حينئذ إلى الأصل،و يمكن استفادة ذلك عن قول الصادق عليه السّلام:«إن الشيطان ينفخ في دبر الانسان حتى يخيل أنه قد خرج منه ريح،فلا ينقض الوضوء إلا ريح يسمع صوتها أو يجد ريحها». و إطلاق قوله عليه السّلام:«لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة»،و هذا هوالمناسب لسهولة الشريعة و سماحتها.

 ثم إنه قد استدل على البطلان بالزيادة العمدية:

تارة:بأنها إن كانت من القراءة و الذكر فتكون من الكلام الآدمي المبطل، و إن كانت من الأفعال فتخل بالموالاة.

و فيه:أن الكلام الآدمي المبطل لا يشمل القراءة و الذكر،و الإخلال بالموالاة في مطلق الزيادة العمدية ممنوع،و على فرضه فلا ربط له بالزيادة من حيث هي.

و اخرى:بأنها من التشريع المبطل.

و فيه:أنه مبني على سراية القبح الفاعلي إلى الفعل الخارجي،و هو أول الكلام،مع أنه مبني على كون الزيادة عن اقتضاء عدم الجزئية.و هو غير معلوم، إذ من الممكن أن تكون لا اقتضاء بالنسبة إليها في الواقع و إنما لم يؤمر بها تسهيلا.إلا أن يقال:إن العمل حينئذ من مظاهر التجري على المولى فلا يصلح للتقرب إليه تعالى،و لكنه فاسد لأنه متوقف على ثبوت المبغوضية،و هو أول الدعوى.

و ثالثة:بإطلاق قوله عليه السّلام:«من زاد في صلاته فعليه الإعادة».

و فيه:أنه مقيد بالركن،أو الركعة،لقوله عليه السّلام:«لا تعاد الصلاة من سجدة و إنما تعاد من ركعة».فلا دليل يصح الاعتماد عليه على البطلان بالزيادة مطلقا، و لكن البطلان بالعمدية منها من المسلّمات بين الأصحاب،و ادعي عليه الإجماع:و التفصيل يطلب من الكتب الفقهية،فإن هذه المباحث فقهية لا أن تكون اصولية.و قد تعرضنا لها في كتاب(مهذب الأحكام)فراجع.

 ما يتعلّق بالجزء و الشرط:

إذا ثبتت جزئية شيء أو شرطيته،فهل يكون مقتضى القاعدة ثبوتهما مطلقا حتى يسقط التكليف بالكل و المركب عند تعذرهما،أو يكون مقتضاها ثبوتهما في الجملة حتى يسقط تكليفهما فقط حينئذ دون التكليف بالكل و المشروط؟كل محتمل،و يأتي التفصيل.

قد يقال:إن هذه المسألة من فروع بحث الصحيح و الأعم،فعلى الأول يلغو البحث هنا،لانتفاء الصحة بتعذر الجزء و الشرط،و على الثاني يكون له مجال.

و فيه:أن البحث عن الصحيح و الأعم بلحاظ نفس المستعمل فيه مع قطع النظر عن الجهات الأخر،و المقام بلحاظ الاستظهار من الأدلة و لو كان ذاك البحث بهذا اللحاظ أيضا،لكان المقام من فروعه،كما لا يخفى.

 توهم اختصاص البحث في المقام ببعض الموارد و الإشكال،و الردّ على التوهم بأن البحث مبني على ثبوت

و قد يتوهم:اختصاص بحث المقام بما إذا لم يثبت الجزئية و الشرطية بمثل«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»،و«لا صلاة إلا بطهور».فإن هذه الجملة في نفي الحقيقة عند عدم الجزء و الشرط مما لا ينكر.

و فيه:أن جميع هذه التراكيب سيقت لبيان الجزئية و الشرطية،فلا فرق من هذه الجهة بينها و بين غيرها.

نعم،لا يبعد استفادة كثرة الاهتمام بما ذكر فيها من الجزء و الشرط و تقديمها على غيرها عند الدوران.

و قد يتوهم أيضا:أن البحث في المقام مبني على ثبوت الأجزاء أو الشرائط بأوامر متعددة دون ما إذا كان بأمر واحد.

و فيه:أنه بعد ما ثبت من انحلال الأمر الواحد المتعلّق بالكل بانحلال القيود المعتبرة فيه و انبساطه على الجميع،يصير ما كان بأمر واحد مثل ما كان بأوامر متعددة،فلا فرق من هذه الجهة أيضا.

 أقسام دليل المقيد و القيد:

و هي أربعة:لأنهما إما مطلقان من كل جهة،أو يكون الأول مهملا و الأخير مطلقا،أو بالعكس،أو يكونان مهملين من جميع الجهات.

أما الأولان فلا إشكال في سقوط المأمور به بتعذر القيد،لإطلاق دليله الشامل لصورة التعذر أيضا،و لا أثر لإطلاق المقيد في القسم الأول،لأن إطلاق دليل القيد من القرينة المتصلة به،الكاشفة عن أنه لا تكليف بالمقيد مع تعذر القيد،فلا وجه لإطلاقه حينئذ.و كذا القسم الأخير،لعدم تمامية الحجة إلا في صورة وجود القيد.

و أما الثالث-و هو إهمال دليل القيد و إطلاق دليل المقيد-فلا إشكال في وجوب إتيان البقية بعد تعذر القيد،لفرض إطلاق دليل المقيد الشامل لصورة التمكن من القيد و عدمه،هذا بحسب مقام الثبوت.

و أما الإثبات فيستفاد من القرائن الخارجية التي منها الأدلة الثانوية الصورة الثالثة.و قد فصل ذلك في الفقه،و قد جرت سيرة الفقهاء على التمسك بالإطلاقات عند تعذر القيد،و التمسك بقاعدة الميسور على ما يأتي التعرض لها.

و أما الاصول العملية فلا أصل في البين إلا استصحاب وجوب الباقي عند تعذر القيد.

و أشكل عليه:بأنه مبني على جريانه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي أو المسامحة العرفية في المستصحب،و ذلك يختلف باختلاف الموارد.

و يمكن دفع الإشكال بأنه مبني على كون وجوب الأجزاء غيريا،و أما بناء على أن وجوبها عين وجوب الكل بنحو الانبساط.فيستصحب عين الوجوب الشخصي المنبسط على الأجزاء،و ليس ذلك من استصحاب الكلي،كما لا يخفى.

و أما نفي القيدية و إثبات وجوب البقية بحديث الرفع،فاشكل عليه بأنه من الامتنانيات التي يرفع به التكليف لا أن يثبت.

و فيه:أن الإثبات إنما يكون بالأدلة الأولية لا بحديث الرفع حتى يلزم الإشكال،فحديث الرفع يرفع وجوب الإعادة أو القضاء عند ترك الجزء المقدور،و أما وجوب البقية فبالأدلة الأولية.

 بعض الكلام في قاعدة الميسور،التمسك بالاخبار الإشكال عليها و الجواب عنه

و استدل أيضا بقاعدة الميسور،و هي من القواعد الارتكازية في الجملة و لم يردع عنها الشرع بل قررها في الجملة بقوله صلّى اللّه عليه و آله:«إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»الوارد في جواب السؤال عن الحج و أنه في كل عام أو في العمر مرة.و قوله صلّى اللّه عليه و آله:«الميسور لا يسقط بالمعسور»،و قوله عليه السّلام:«ما لا يدرك كله لا يترك كله».و قد تسالم الأصحاب-قديما و حديثا-على نقلها و العمل بها، و جرت السيرة على الاستدلال بها.

و لكن استشكل عليها:

تارة:بقصور السند.

و يرد:بالانجبار بالعمل و الاهتمام بالنقل،مضافا إلى ما تقدم من كون القاعدة عقلائية في الجملة يكفي فيها عدم الردع.

و اخرى:بأن المراد بالشيء في الحديث الأول الكلي لا الكل.

و يرد:بأن الشيء أعم منهما،كما لا يخفى،فيشمل الكل و أجزاءه و الكلي و أفراده.

و ثالثة:بأن كلمة(من)بيانية و لفظ(ما)وقتية،فيكون المعنى إذا أمرتكم بشيء فأتوا به وقت استطاعتكم،فيكون من أدلة اعتبار القدرة في المأمور به، و يكون إرشادا إلى حكم العقل.

و فيه:أن كلمة(من)ظاهرة في التبعيضية،و لفظ(ما)في الموصولة إلا مع القرينة على الخلاف،و لا قرينة كذلك.

و استشكل على الأخيرين أيضا:بأن المراد بالميسور هو الكلي،و هو المراد بكلمة(ما)في«ما لا يدرك كله»أيضا.

و فيه:أن الظاهر هو التعميم للكل و الكلي و لا وجه للتخصيص بالثاني.

ثم إن للميسور مراتب متفاوتة جدا فلا بد في التمسك بها من صدق الميسور إما بدليل شرعي يدل عليه-نصا كان أو إجماعا-و إما من صدقه في عرف المتشرعة،و مع عدم ذلك كله لا وجه للتمسك بها.و أما الأدلة الامتنانية التسهيلية فهي كثيرة وردت في أبواب الخلل،كقاعدة«لا تعاد الصلاة إلا من خمس»و غيرها.

 فائدة:

 لو دار الأمر بين كون شيء شرطا في العبادة أو مانعا

مثل الجهر و الإخفات في صلاة يوم الجمعة،فالظاهر وجوب الاحتياط،للعلم بأصل التكليف و الشك في الفراغ بالاكتفاء بأحدهما.

 شروط الاصول الاحتياط

لا يعتبر في الاحتياط شيء إلا حسنه،فما دام يكون حسنا لدى العقلاء يصح و لو مع وجود الحجة المعتبرة على التكليف وجودا أو عدما،و إذا حكموا بعدم حسنه يصير لغوا،بل قد يكون قبيحا و حراما،كما إذا كان مخلا بالنظام أو وصل إلى حدّ العسر و الحرج أو الوسواس،بلا فرق في ذلك كله بين العبادات و المعاملات،و لا بين التمكن من الامتثال التفصيلي و عدمه،و لا بين ما كان مستلزما للتكرار و غيره.كل ذلك للأصل و إطلاقات الأدلة و عموماتها من غير ما يصلح للتخصيص و التقييد إلا امور ظاهرة الخدشة.

 الجواب عن أن الاحتياط مخالف لقصد الوجه و الجزم في النية،مراتب الامتثال

منها:أن الاحتياط مخالف لاعتبار قصد الوجه و الجزم بالنية.

و فيه:

أولا:أنه لا دليل من عقل أو نقل على اعتبارهما في العمل.بل مقتضى الأصل و الإطلاقات عدم الاعتبار.

و ثانيا:أنه على فرض الاعتبار يكفي قصد الوجه بالتكليف الواقعي الموجود في البين،بل يصح قصد الوجه في كل واحد من المحتملات طريقا إلى الواقع لا بنحو الموضوعية فيه.

و منها:أن مراتب الامتثال أربعة لا تصل النوبة إلى كل لا حق مع التمكن من سابقه،و هي الامتثال العلمي التفصيلي،و العلمي الاحتمالي،و الظني، و الاحتمالي.

و فيه:أن التقسيم صحيح،و لكن الحكم بأنه لا تصل النوبة إلى كل لا حق مع التمكن من سابقه بلا دليل من نص أو إجماع،و إن كان منشؤه ما مرّ من اعتبار قصد الوجه و الجزم بالنية،فقد مرّ ما فيه و لا وجه للتكرار.

 الجواب عن أن الاحتياط المستلزم للتكرار لهو و عبث

و منها:أن الاحتياط المستلزم للتكرار لهو و عبث بأمر المولى مع التمكن من الامتثال التفصيلي.

و فيه:أن اللهو و العبث إما قصدي أو انطباقي،و الأول مفروض الانتفاء، و الثاني أيضا مفروض العدم،و على فرض الصدق،فهل يكون هذا القسم من اللهو و العبث حراما نفسيا أو غيريا،أو موجبا لفقد شرط أو جزء في المأمور به، و الأولان منفيان بالأصل،و الثاني مفروض العدم لفرض كون العمل واجدا لجميع الأجزاء و الشرائط،و على فرض كون هذا القسم من العبث حراما فهو في كيفية الامتثال لا في أصله حتى يوجب البطلان،و لذا استقرت آراء المحققين على جواز التقليد مع التمكن من الاجتهاد و بالعكس،و على جواز تركهما و العمل بالاحتياط.

ثم إنه يجزي في الاحتياط الإتيان بالاحتمالات المعتنى بها عند العقلاء و الفقهاء،و لا يجب الإتيان بجميع الاحتمالات،و إلا فهو من الوسواس أو ينجر إليه.

 الفحص في مورد الاصول العملية:

يعتبر الفحص في الأدلة في صحة جريان هذه الاصول الثلاثة-البراءة، و التخيير،و الاستصحاب-و البحث فيه:

تارة:عن وجوب أصل الفحص.

و اخرى:عن مقداره.

و ثالثة:عن حكم العمل قبل الفحص.

أما أصل وجوبه فتدل عليه الأدلة الأربعة:

فمن العقل:قاعدة دفع الضرر المحتمل الجارية في العمل لكل من الاصول اللفظية و العملية قبل الفحص في الأدلة،فلا موضوع لاعتبارها مطلقا قبل الفحص،لأن الشك في الاعتبار يكفي في عدمه-كما مر سابقا-بلا فرق بين الاصول اللفظية و العملية فلا موضوع لاعتبار أصالة الإطلاق و العموم و البراءة، و التخيير،و الاستصحاب قبل الفحص في الأدلة.

و من الكتاب:بآية النفر و هي قوله تعالى: فَلَوْ لاٰ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ  ، و السؤال و هي قوله تعالى: فَسْئَلُوا أَهْلَ اَلذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاٰ تَعْلَمُونَ.

و من السنة:بالأخبار المستفيضة الدالة على الحض و الترغيب إلى طلب العلم و التوبيخ على تركه،كما لا يخفى على من راجع الكافي و البحار.

و من الإجماع:إجماع الإمامية بل المسلمين عليه،بل يصح أن يقال إن موضوع الاصول مطلقا الشك المستقر،و لا استقرار له قبل الفحص،فهو خارج عن مورد الاعتبار تخصصا،و مقتضى إطلاقها عدم الفرق في وجوبه بين الشبهات الحكمية و الموضوعية،إن كان لها المعرضية العرفية للوقوع في خلاف الواقع،و لم يكن مطلق الجهل عذرا و لو مع التقصير.

و استدل على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية:

تارة:بالإجماع.

و اخرى:بأن بيانها ليس من عهدة الشارع حتى يتفحص عنها في الأدلة.

و يرد الأول بعدم تحققه لذهاب جمع إلى وجوبه في جملة منها مع عدم دليل عليه بالخصوص.

و الثاني بأنه لا يعتبر في الفحص أن يكون في الأدلة مطلقا،و إنما يختص ذلك بخصوص الاصول الحكمية و أما في غيرها فإنه في كل ما يرتفع بالفحص فيه المعرضية العرفية للوقوع في خلاف الواقع.

نعم،في مسألة الطهارة و النجاسة و غيرها مما علم من مذاق الشرع التسهيل و المسامحة فيها.لا وجه للفحص،بل قد لا يجوز مع إثارة الوسواس، و يمكن أن يكون مراد المجمعين ذلك أيضا،فيرتفع النزاع من البين.

و أما مقدار وجوب الفحص فهو حصول اليأس المتعارف عن الظفر بالدليل في الشبهات الحكمية،و خروج الشبهة عن المعرضية للوقوع في خلاف الواقع في الشبهات الموضوعية.و أما حكم العمل قبله فسيأتي إن شاء اللّه تعالى.و أما ما يجب فيه الفحص لأجل الاصول الحكمية فهو الأمارات، و الاصول الموضوعية،و القواعد المعتبرة.

 و ينبغي التنبيه على امور:

 الأول: هل أن وجوب التعلم نفسي أو طريقي أو مقدمي؟

الأول:تقدم أن وجوب التعلم لقاعدة دفع الضرر المحتمل في تركه، و هل هو نفسي،أو مقدمي أو طريقي محض.الحق هو الأخير،لأن الأول يتوقف على ثبوت الملاك فيه في مقابل الواقع و لا دليل عليه،بل مقتضى تسالم الكل على أنه طريق إلى الواقع و مطلوب لأجل العمل،فيكون بطلانه كبطلان الثاني أيضا،لأنه إما مقدمة الوجود و شرط الصحة،و هو خلاف ما ثبت من صحة عمل الجاهل مطلقا إن طابق الواقع.أو شرط الوجوب،و هو خلاف ما تسالموا عليه من اشتراك الأحكام بين العالم و الجاهل مطلقا،فيتعين الأخير،و حينئذ فيحمل ما يستفاد منه كونه مقدميا على الطريقية المحضة،أو كون المقدمية حكمة للإيجاب لا قيدا في الوجوب،و إنما ذهب إلى النفسية من ذهب لدفع شبهة وردت في المقام،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى،فوجوب التعلم نظير وجوب الاحتياط،فكما لا وجه لاحتمال النفسية و المقدمية فيه،فكذلك في التعلم أيضا.

 الثاني: ملاك وجوب التعلم

الثاني:ملاك وجوب التعلم التحفظ على الواقعيات و الاهتمام بها و إمكان الوصول إليها،و هذا من قبيل اللوازم الذاتية له،لا يتغير و لا يتبدل بكونه بعد تنجز الواقع أو قبله،فلو لم يدخل وقت التكليف و علم المكلف أنه لو ترك التعلم قبل الوقت لفات عنه التكليف بعده،لحكم العقل و العقلاء بوجوبه قبل الوقت بعين الملاك الذي يحكمون بالوجوب بعده،و هذا من الوجدانيات لكل من رجع إلى وجدانه و في مراجعة العرف و الوجدان غنى عن إقامة البرهان، فيندفع الإشكال المعروف الذي استصعبه القوم و أطيل الكلام في دفعه و ذهبوا يمينا و شمالا:من أنه لو ترك المكلف التعلّم قبل الوقت ففات عنه التكليف في وقته لا وجه لعقابه،لأنه إن كان على ترك نفس التكليف يكون من العقاب على غير المقدور،لأن القدرة على الشيء متفرعة على العلم به و إن كان على ترك التعلم،فلا وجه للعقاب عليه لأن وجوبه ليس بنفسي،و العقاب لا بد و أن يكون على ترك الواجب النفسي،كما مرّ في مباحث الألفاظ.

و يدفع أصل الإشكال بأن العقاب على ترك الواجب النفسي المنتهى بالآخرة إلى الاختيار-و هو ترك التعلم-و يصدق عليه عرفا أنه ترك الواجب بعمده و اختياره فيصح عقابه عليه،فلا تصل النوبة في دفعه إلى القول بالوجوب النفسي للتعلم،أو القول بالواجب المعلق.

بدعوى:أن الوجوب للتكليف قبل الوقت فعليّ و الواجب استقباليّ،أو تصحيح ذلك بالشرط المتأخر،إذ كل ذلك بعيد عن الأذهان العرفية،و خلاف المشهور مع عدم الدليل عليها و عدم وجود ملزم للقول بها.

 الثالث: دوران صحة العمل و بطلانه مدار المطابقة للوظيفة و عدمها

الثالث:تدور صحة العلم و بطلانه على المطابقة للوظيفة المقررة له و عدمها،فكل عمل صدر من كل عامل-عالما كان أو جاهلا،قاصرا كان أو مقصرا،ملتفتا أو غيره-إن طابق الوظيفة المقررة شرعا للعمل صح،و إلا فلا يصح.

نعم،لو كان لنفس العلم من حيث هو دخل في الصحة لاختصت بصورة العلم فقط،و هو خارج عن محل البحث،مع أنه نادر بل غير واقع في ما أعلم، فيصح ما اشتهر من صحة عمل تارك الاحتياط و الاجتهاد و التقليد إن طابق الواقع،و لا معنى لكون التعلم طريقا محضا إلا هذا،كما هو اوضح من أن يخفى.

 الرابع: تلازم الصحة و سقوط العقاب،الإشكال في بعض الموارد و الجواب عنه و تعيين الحق في المقام

الرابع:الصحة و سقوط العقاب متلازمان شرعا و عرفا،بل و عقلا أيضا، فكل مورد صح العمل لا وجه للعقاب بالنسبة إليه،و كل مورد يعاقب على العمل لا وجه لصحته،و قد خرج عن هذه الكلية الجهر في موضع الإخفات و بالعكس إن كان عن جهل،و الإتمام في موضع القصر كذلك،فأفتوا فيهما بالصحة للنص، و حكموا بتحقق الإثم أيضا مع التقصير و عدم وجوب الإعادة أو القضاء،و لهما نظائر اخرى في الفقه،كما لا يخفى على التخبير،فيحصل إشكال،أنه لا وجه للصحة مع تحقق الإثم لأنهما متنافيان.

و قد اجيب عن الإشكال بوجوه:

منها:أن ما حكم فيها بالصحة و العقاب من باب تعدد المطلوب،فقد تعلّق طلب بذات المأمور به و طلب آخر بالخصوصية،فامتثل أحد الطلبين و فوت الآخر عن تقصير،فيصح ما امتثله لوجود المقتضي و فقد المانع،و يعاقب على ترك الآخر المنتهى إلى تقصيره.

و فيه:أنه خلاف ظاهر الأدلة الدالة على أن التكليف واحد مشتمل على أجزاء و شرائط،فهذا الوجه حسن ثبوتا،و لا دليل عليه إثباتا،بل ظاهر الدليل خلافه.

و منها:أن المأمور به إنما هو الذات،و القيد واجب نفسي لا أن يكون قيدا لصحة العمل.

و فيه:أنه مثل السابق بلا فرق بينهما إلا في كيفية التعبير.

و منها:أن المأتي به ليس بمأمور به و إنما هو شيء مسقط للواجب.

و فيه:أنه خلاف ظواهر الأدلة و كلمات الأجلة.

و منها:أن المقام من صغريات الترتب.

و فيه:أن مورده ما إذا كان في البين أمران فعليّان من كل جهة مع تمامية الملاك و المصلحة في كل منهما،و المقام ليس كذلك.

و منها:أن المأتي به واجد لمقدار من المصلحة لا تبلغ المصلحة التامة، و لا يمكن درك المصلحة التامة مع الإتيان بما فيه المصلحة الناقصة،فيصح لوجود المصلحة في الجملة،و يأثم لتفويت المصلحة التامة التي لا يمكن تداركها.فتأمل.

هذا،و يمكن المناقشة في أصل ثبوت العصيان إن لم يكن إجماع في البين،فيرتفع أصل الإشكال،و يمكن أن يقال إن العقاب إنما هو للتحفظ على عدم التقصير في المستقبل و الاهتمام بتكاليفه.

 ثم إنه قد ذكر الفاضل التوني قدّس سرّه للبراءة شرطين آخرين:

الأول:أن لا يكون إعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة اخرى.

فإن كان مراده أن مثبتات أصالة البراءة ليست بمعتبرة،فلا اختصاص له بالبراءة،بل مثبتات الاصول مطلقا لا اعتبار لها،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى،بل لا اعتبار بمثبتات الأمارات أيضا ما لم يدل على اعتبارها قرينة معتبرة عرفا.

و إن كان مراده بإجراء الأصل في أحد طرفي العلم الإجمالي لا يثبت الحكم المعلوم بالإجمال في الطرف الآخر.فهو أيضا حق و لا اختصاص له بالبراءة،بل الاستصحاب أيضا كذلك،مع أنه لا وجه لجريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي،كما تقدم.

و إن كان مراده أن الأصل لا يثبت موضوع حكم شرعي فلا دليل عليه من عقل أو نقل،إلاّ إذا كان موضوع الحكم الآخر نفي الحكم واقعا و في اللوح المحفوظ،و لا ريب أن بالأصل لا يثبت ذلك،و لكنه من مجرد الفرض،كما لا يخفى إذ الفقه غالبه،بل كله مبني على الأحكام الظاهرية التي تكون مؤديات الأمارات و مجاري الاصول.و إثبات حكم ظاهري في موضوع بجريان الأصل في موضوع آخر كثير شائع،كمن بلغ ماله إلى حدّ الاستطاعة،و شك في أن عليه دينا أو لا،فبأصالة البراءة عن الدين يجب عليه الحج لوجود المقتضي و فقد المانع فتشمله الأدلة قهرا.و كمن شك أن عليه صوما واجبا أو لا،فبأصالة البراءة عنه يثبت عدمه،فيستحب له الصوم المندوب و يصح منه.و كمن كان عنده ماء و شك في حليته و حرمته و بأصالة الإباحة تثبت إباحته فيجب عليه الطهارة المائية دون الترابية،إلى غير ذلك مما لا يحصى.

 الشرط الثاني:-مما ذكره الفاضل التوني-أن لا يكون في إعمالها الضرر

على النفس أو الغير ممن يكون محترما شرعا.

و هذا و إن كان حقا لا ريب فيه و لكن لا اختصاص له بأصالة البراءة،بل لا مجرى للاصول العملية مع قاعدة من القواعد المعتبرة،بلا فرق بين قاعدة الضرر و غيرها،فإنها مقدمة على الأمارات المثبتة للأحكام فضلا عن الاصول العملية.

 الكلام في قاعدة الضرر،و فيها جهات من البحث

ثم إنه لا بأس بالإشارة إلى قاعدة:«لا ضرر و لا ضرار»إجمالا،و فيها جهات من البحث:

 الأولى:كونها من القواعد العقلائية

الاولى:أنها من القواعد العقلائية الدائرة بين الناس في جميع الملل و الأديان،إذ السلطنة على النفس و العرض و المال مما اتفقت عليه آراء العقلاء، و التنقيص في كل واحد منها من المقبّحات لديهم،و يؤاخذون من تصدى لذلك و يلومونه و يعاقبونه،و على ذلك يدور نظام معاشهم.فهذه القاعدة من صغريات أصالة احترام النفس و العرض و المال التي هي من أهم الاصول النظامية العقلائية،بل الضرر من الظلم المنفي بالأدلة الأربعة،فلا وجه لإتعاب النفس في سند حديث نفي الضرر و الضرار و في وجه دلالته.هذا بالنسبة إلى الضرر على الغير.

و أما بالنسبة إلى إضرار الشخص على نفسه أو ماله فهو أيضا من القبائح العقلائية لو لم يكن غرض راجح في البين،و هكذا بالنسبة إلى هتك الإنسان عرض نفسه،فلا ريب في قبحه أيضا عند جميع العقلاء،فيكفي في مثل هذه القاعدة العامة البلوى عدم وصول الردع من الشارع و كيف و قد ورد التقرير، فادعى في الإيضاح في باب الرهن تواتر الأخبار على نفي الضرر،و ادعى صاحب الوسائل كثرة الأخبار الواردة،و عن بعض محشي رسائل شيخنا الأنصاري ضبط عشرة منها و فيها الموثق و غيره،مضافا إلى جريان السيرة المعصومين عليهم السّلام،و فقهاء الفريقين على التمسك بها،فلا وجه للبحث من هذه الجهة للقطع بصدور هذه الجملة على اختلاف التعبيرات،ففي بعضها«لا ضرر و لا ضرار»،و في بعضها بزيادة(في الإسلام)،و في بعضها بزيادة(على المؤمن). إذ بعد كون القاعدة من العقلائيات المقررة يكون ذكر الإسلام أو على المؤمن من باب المثال و ذكر أفضل الأفراد،و إلا فلا ضرر و لا ضرار بالنسبة إلى أهل الذمة أيضا.

نعم،من أباح الشارع نفسه و عرضه و ماله يكون خارجا عنها قهرا.فما لم تذكر فيه الجملتان أشير فيه إلى كون القاعدة عقلائية،و ما ذكرنا فيه أشير فيه إلى أن الإسلام و المؤمن أولى بأن يعمل فيه هذه القواعد،لكون الإسلام الذي هو الأتم الأكمل و كون المؤمن أعزّ عند اللّه من كل شيء،فلا بد و أن يهتم بعدم الإضرار به اهتماما زائدا على غيره.فليس المقام من دوران الأمر بين أصالة عدم الزيادة و عدم النقيصة حتى يقال بتقديم الاولى على الأخيرة في المحاورات، لأنه في ما إذا لم يتعلّق غرض بكل واحد من الزيادة و النقيصة،كما لا يخفى.

ثم إن المتفاهم من استعمالات مادة الضرر في المحاورات النقص،سواء كان ماليا أو نفسيا أو عرضيا،و تطلق في مقابل النفع و بينهما التضاد عرفا فيمكن ارتفاعهما،كمن باع متاعه برأس المال مثلا فلا يصدق بالنسبة إليه النفع و لا الضرر.و من فسّره بعدم النفع،فإن أراد ما ذكرناه فهو و إلا يكون من التفسير بالأعم.

و أما الضرار فهو إما مصدر باب المفاعلة،أو اسم مصدر بمعنى الضرر، و على أي تقدير يكون ذكره لأجل التأكيد و الاهتمام بنفيه.و أما احتمال أنه فعل الاثنين لما هو الأصل في باب المفاعلة فمردود لعدم مناسبته في مورد الأخبار أولا،و عدم كون الأصل في المفاعلة من الطرفين ثانيا،كما في الاستعمالات الصحيحة كقوله تعالى: يُخٰادِعُونَ اَللّٰهَ  ، وَ مَنْ يُهٰاجِرْ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ  و يُرٰاؤُنَ اَلنّٰاسَ  و وَ أَنْفِقُوا  ،و شَاقُّوا  ،و وَ سٰارِعُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ  إلى غير ذلك.

نعم،الظاهر تقوّمها بتكرر صدور الفعل،سواء كان من فاعل واحد-و لا يبعد إرادة ذلك منه في المقام-أو من فاعلين،بخلاف باب التفاعل،فإنه متقوّم بفاعلين،و لذا يقال:تضارب زيد و عمرو،و أما في المفاعلة فإنه يقال:ضارب زيد عمرا،مع أنه لا ثمرة عملية بين كونه تأكيدا أو تأسيسا،لأن طبيعي الضرر منفي،سواء كان من الواحد أو من اثنين.

 الثانية:الفرق بين الضرر و الحرج

الثانية:الفرق بين الضرر و الحرج مع كونهما قاعدتين معمولتين في جميع الأبواب،أن الثاني أعم موردا من الأول،لشموله للمشقة التي لا تتحمل عادة و لو لم يكن نقص فيها نفسا أو مالا أو عرضا.

و بعبارة اخرى:الامور إما دون الطاقة،أو بقدرها،أو فوقها.و الأول مورد التكليف،و الثاني مورد الحرج،و الأخير مورد الضرر،و قد ورد في جملة من الأخبار أن التكليف دون الطاقة فراجع.

ثم إن الظاهر كون المراد بالضرر في القاعدة الضرر الشخصي.سواء كان ضررا نوعا أيضا أو لا.كما أن الظاهر أن المراد به الواقعي دون الاعتقادي.

نعم،لو كان اعتقاد الضرر مستلزما لحصول الخوف،و كان تحقق الخوف موجبا لرفع الحكم شرعا،يترتب رفع الحكم على الاعتقاد من هذه الجهة،لأن الخوف أمر وجداني لا واقع له غير وجدانه لا أن يكون اعتقاد الضرر موجبا لرفع الحكم،كما لا يخفى.

 الثالثة:المراد من كلمة(لا)ذكر الإشكال المعروف

الثالثة:كلمة«لا»المذكورة في الحديث:«لا ضرار و لا ضرر في الإسلام» تامة و ليست ناقصة،لأصالة عدم الاحتياج إلى الخبر،و هي لنفي الحقيقة،لأنه المنساق من موارد استعمالاتها،فتكون الجملة حينئذ إخبارا عن عدم تحقق الضرر و نفي حقيقته خارجا في الإسلام،و هو كذب و الشارع منزه عنه،و لهم في دفع الإشكال أقوال:

الأول:الحذف و الإضمار،أي لا ضرر غير متدارك في الإسلام.

و فيه:أنه خلاف الأصل و الظاهر،مع أنه إن كان في مقام الإخبار فيعود المحذور،و إن كان إنشاء لإيجاب التدارك فهو يحتاج إلى قرينة،و هي مفقودة.

الثاني:أن النفي بمعنى النهي،أي:يحرم الإضرار على النفس و على الغير في الإسلام،كما في«لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج»،و«لا رضاع بعد فطام»،و«لا رباء في الإسلام»إلى غير ذلك مما هو كثير.

و فيه:أنه احتمال حسن ثبوتا،و لكن لا دليل عليه إثباتا بعد إمكان دفع الإشكال بغيره.

الثالث:ما عن صاحب الكفاية من أن النفي حقيقي بالنسبة إلى الحكم، و ادعائي بالنسبة إلى الموضوع،فيكون المعنى أن الموضوع الضرري لا حكم له.و يصير من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

و بعبارة اخرى:يكون النفي بالنسبة إلى الحكم من الوصف بحال الذات، و بالنسبة إلى الموضوع من الوصف بحال المتعلّق.

و فيه:أنه خلاف الظاهر جدا،لا يصار إليه إلا مع القرينة،مع أنه تعقيد و خلاصته يرجع إلى التقدير و الإضمار.

الرابع:ما عن شيخنا الأنصاري قدّس سرّه و تبعه جمع من مشايخنا من نفي تشريع ما يوجب الضرر مطلقا-موضوعا كان أو حكما،وضعيا كان أو تكليفيا- فيكون إخبارا عن نفيه في مقام التشريع لا في الخارج حتى يلزم الكذب،كما في حديث الرفع حيث تقدم أن الرفع في مقام التشريع لا ينافي الوجود التكويني.و لا ريب أنه لا تشريع،للضرر في الشريعة المقدسة الإسلامية مطلقا، بل عند العقلاء و لو لا أن صاحب الكفاية صرح بتضعيف قول شيخه الأنصاري و ظهور الثمرة بين القولين،لأمكننا إرجاع قوله إلى قول شيخنا الأنصاري،و لكنه أنتج على ما اختاره في المقدمة الرابعة بين القولين من الانسداد،عدم حكومة دليل نفي الضرر و الحرج على الاحتياط إن كان ضرريا أو حرجيا،فإن لباب ما اختاره يرجع إلى أن الموضوع الضرري لا حكم له،و الأحكام الواقعية المجهولة لا ضرر في موضوعها أبدا،و إنما الضرر يحصل من الجمع بين المحتملات في الامتثال،فلا مورد لقاعدة الضرر بناء على مختاره حتى تجري و يرتفع بها الاحتياط،بخلاف مختار الشيخ رحمه اللّه فإن لبابه يرجع إلى أنه لا تشريع لمنشا الضرر أبدا،و الاحتياط التام منشأ للضرر في الشريعة فيرتفع بالقاعدة،و الحق أن مختار الشيخ رحمه اللّه أحق أن يتبع،كما عرفت.

 الرابعة:إنها من القواعد العامة،الإشكال عليها بكثرة ورود التخصيصات و الجواب عنه

الرابعة:لا ريب في أنها من القواعد العامة التي استقرت سيرة الفريقين على التمسك بها في مقابل العمومات المثبتة للأحكام بلا كلام.و قد اشكل على عمومها بكثرة ورود التخصيصات عليها من الأحكام الضررية المجعولة شرعا، بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي فلا يصح التمسك بعمومها حينئذ،مع أن القول بعمومها ابتداء من ورود هذه التخصيصات يكون من التخصيص المستهجن،و هو قبيح في المحاورات العرفية.

و يرد:

أولا:بأن أكثرية الخارج من مجرد الدعوى،فإن الأحكام الضررية المجعولة بالنسبة إلى الأضرار التي يردها الناس بعضهم على بعض يكون بنسبة العشرة إلى المائة بل أقل.

و ثانيا:ما يتوهم الضرر فيه الصدقات الواجبة،و الحج،و الجهاد، و الحدود،و الديات.و الاولى ما يحتفظ به المال أو النفس أو كفارة لما فعل،و لا يسمى ذلك ضررا عرفا،و كذا الحدود و الديات جزاء لما كان ارتكبه،و الحج نظير سائر الأسفار المتعارفة،فمن سافر إلى بلد لغرض صحيح و انفق مالا في سفره،لا يقال عرفا إنه تضرر.و أما الجهاد في سبيل اللّه فإنه من أجلّ المفاخر البشرية،لا يرضى العاقل بأن يطلق على الشهيد بأنه تضرر ببذل مهجته في سبيل اللّه.و لا نتوقع مثل هذه الإشكالات مع الأنس بمذاق الشريعة،و هل يكون من الإنصاف أن تعدّ القوانين الإلهية المتقنة،التي وضعت لتكميل البشر شخصا و نوعا،دنيا و آخرة ضررا؟!!

ثم إنه على فرض صدق الضرر عليها يكون المراد بالضرر المنفي ما لم يكن أصل جعله و تشريعه ضرريا لمصالح كثيرة دنيوية و اخروية،بل حصل الضرر بعد الجعل و التشريع لجهات خارجية،فيكون خروجها حينئذ تخصصا لا تخصيصا حتى يلزم تخصيص الأكثر،و على فرض أن يكون تخصيصا فليس ذلك من التخصيص الأكثر،لأن المخصص عنوان واحد و هو التكاليف الضررية،فيصير المحصل أنه«لا ضرر و لا ضرار في الإسلام إلا التكاليف الضررية لمصالح تغلب على ضرريتها بمراتب كثيرة»،كما عن شيخنا الأنصاري قدّس سرّه.

و أشكل عليه صاحب الكفاية:بأن النوع الواحد طريق إلى الأفراد الخارجية،فإذا كانت الأفراد الخارجة عن تحت العام أكثر مما بقي تحته يكون مستهجنا،سواء كان ذلك بنوع واحد أو بإخراج نفس الأفراد متعددا.

نعم،لو كان العام أيضا نوعيا،و كان ما بقي تحت العام أكثر مما خرج عنه من حيث النوع،لا بأس به و إن كان الخاص الخارج أكثر أفرادا مما بقي تحت العام من الأنواع.

و فيه:

أولا:أن العام في المقام نوعي،فإن متعلّق النفي نوع ضرر النفس و نوع ضرر العرض و نوع ضرر المال،إلا نوع الضرر الحاصل من التكاليف المجعولة.

و القول:بأن النوع لا تحقق له في الخارج حتى يتعلّق به النفي.

مردود:بأنه ليس المراد به النوع المنطقي حتى لم يكن له تحقق خارجي، بل الطبيعي منه الذي هو عين الأفراد الخارجية،فيصح قول الشيخ رحمه اللّه و لا يرد عليه إشكال صاحب الكفاية.

و ثانيا:لا وجه للفرق بين ما كان العام نوعيا أو فرديا بعد أن كان النوع طبيعيا و طريقا محضا إلى الأفراد الخارجية،فلا أثر لما فصّله صاحب الكفاية قدّس سرّه من هذه الجهة،إذ المدار كله على الأفراد،و النوع طريق محض إليه،فترجع كثرة الخارج و قلة الباقي بالآخرة إلى الأفراد.فالحق ما ذكرناه من الجوابين.

و قد يستشكل بأن القاعدة لا بد و أن تكون نصا في مورد جعلها و لا أقل من ظهورها فيه،و ليس كذلك في المقام،لأن النخلة كانت ملكا لسمرة بن جندب و هو يتصرف فيها لسلطنته عليها،فإن الناس مسلطون على أموالهم، فليس في تصرفه فيها ضرر حتى يكون موردا للقاعدة.

و فيه:من الوهن ما لا يخفى،لأن أمره صلّى اللّه عليه و آله بقلع النخلة و رميها عند سمرة ليس لأجل تصرف سمرة فيها،بل لأجل أنه كان غير مبال بعرض الأنصاري و كان في مقام هتك عرضه،و هو إضرار و أي إضرار أشد منه،و كان منشأ ذلك من النخلة فأمر صلّى اللّه عليه و آله بقلع منشأ الإضرار،فتنطبق القاعدة على المورد بلا إشكال.

 الخامسة:تقديم قاعدة الضرر على جميع الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام مطلقا

الخامسة:لا ريب في تقدم قاعدة الضرر على جميع الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام بعناوينها الأولية أو الثانوية،كالنذر و العهد و اليمين،و أمر الوالدين -وجوبية كانت أو تحريمية،وضعية أو تكليفية-بمعنى أنه يستكشف من القاعدة أنه لا جعل لتلك الأحكام مطلقا في مورد الضرر أبدا،و من شاء فليسم هذا جمعا عرفيا،أو حكومة،أو لفظا آخر،إذ لا ثمرة عملية في هذه الاصطلاحات بل و لا علمية معتنى بها أصلا بعد أن اتفق العلماء بل العقلاء على تقديمها عليها،و ظاهرهم سقوط الأحكام في مورد الضرر خطابا و ملاكا،لا خطابا فقط حتى يكون من المتزاحمين اللذين يقدم أحدهما على الآخر مع تحقق الملاك فيهما،فيكون تقديم قاعدة الضرر عليها من باب العزيمة لا الرخصة،بخلاف قاعدة الحرج،فعن جمع أن تقديمها عليها من باب الرخصة لا العزيمة،فمن توضأ مع كون الوضوء ضرريا بالنسبة إليه يبطل وضوءه، بخلاف ما إذا كان حرجيا فيصح،و قد ذكرنا ما يتعلّق به في الفقه فراجع.و من لطيف المصارعة و المعارضة أن الأحكام بناء على كونها ضررية تتقدم على قاعدة الضرر تخصصا،و إن كانت تلك الأحكام مستلزمة للضرر زائدا على جعلها تقدم القاعدة عليها حكومة.

ثم إنه قد تخصص قاعدة الضرر التي تقدم على جميع الأحكام في موارد:

منها:ما عن بعض الفقهاء إن من أجنب عمدا مع العلم بكون استعمال الماء مضرا،وجب عليه الغسل و إن أضرّ به،مستندا إلى خبر.و قد تعرضنا له في مباحث التيمم في الفقه،فراجع.

و منها:تقديم قاعدة السلطنة و الحرج،بل و الضرر عليها في بعض الموارد،كما يأتي.

 السادسة:تعارض ضرر مع ضرر آخر.

تارة:يكون بالنسبة إلى شخص واحد،كما إذا اكره شخص على الإضرار

بزيد إما بهذا الضرر أو بذاك.

و اخرى:لشخص واحد أيضا لكن من حيث التحمّل،كما إذا دار الأمر بين تحمله بنفسه لهذا الضرر أو ذاك.و الحكم فيهما هو التخيير مع التساوي لقبح الترجيح بلا مرجح،و اختيار الأقل ضررا مع التفاوت،كما هو مقتضى سيرة المتشرعة بل العقلاء،و في رجوع الوجدان غنى عن إقامة البرهان.

و ثالثة:الإكراه على الإضرار إما بزيد أو بعمرو،فمع التساوي يتخير و مع التفاوت قد يقال بالتخيير أيضا،لأن قاعدة نفي الضرر امتناني بالنسبة إلى الجميع،و بعد جواز أصل ارتكابه لدليل الإكراه لا فرق بينه و بين القليل و الكثير.

و لكن فيه إشكال،فراجع مباحث الفقه،هذا بناء على ما هو المتسالم نصا و إجماعا من عدم وجوب تحمل الضرر لدفع الضرر عن الغير،بأن كان الضرر متوجها أولا و بالذات إلى الغير،بأن اكره الشخص على الإضرار به مثلا و أما إذا كان متوجها إلى نفسه بأن أجبره الظالم على دفع مال من نفسه أو الأخذ من غيره فليس له الإضرار بالغير،كما يأتي.

و رابعة:يدور الأمر بين الإضرار بنفسه أو غيره،فإن كان الضرر متوجها إلى الغير و لكن تحمله لم يتوجه إليه،و لا ريب عندهم في عدم وجوب تحمل الضرر،بل عدم جوازه في بعض الصور.

و خامسة:يكون متوجها إليه و لو صرفه إلى غيره لم يتضرر،و لا ريب عندهم أيضا في عدم جوازه.

و سادسة:يكون الضرر بالنسبة إليه و إلى غيره في عرض واحد،كما أنه لو احتاج شخص إلى بالوعة في داره لو حفرها يتضرر الجار و لو لم يحفرها يتضرر بنفسه،و قال الشيخ قدّس سرّه:«الأوفق بالقواعد تقديم المالك،لأن حجره عن التصرف في ماله ضرر يعارض ضرر الغير،فيرجع إلى عموم قاعدة السلطنة و نفي الحرج-إلى أن قال قدّس سرّه-و الظاهر عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرف أشد من ضرر الغير أو أقل».

و فيه:أن عموم السلطنة معارض لعموم سلطنة الغير على الدفع عن ورود الضرر على ماله.و لكن للمسألة فروع قد ذكرت في الفقه.

 فرع:

لو أدخلت الدابة رأسها في القدر بغير تفريط من أحد المالكين،المشهور أن القدر يكسر و يضمن قيمته صاحب الدابة،لأن الكسر لمصلحته،و هو مبني على ما هو المتعارف من أن كسر القدر أهون من قتل الدابة،فراجع و تأمل.

 السابعة:قد تتقدم قاعدة الحرج على قاعدة الضرر

السابعة:قد تتقدم قاعدة نفي الحرج على قاعدة نفي الضرر،كما إذا كان المالك في حرج و مشقة من عدم البالوعة مثلا في داره و إن لم يكن متضررا بذلك و لكن يتضرر منها الجار،فإنه يجوز للمالك حفرها فإن تحمّل الحرج لدفع الضرر عن الغير منفي بقاعدة نفي الحرج،فتكون هذه القاعدة حاكمة على قاعدة نفي الضرر،كحكومة قاعدة السلطنة عليها في الجملة.

 تتميم:

لا إشكال في أن قاعدة نفي الحرج من القواعد المعتبرة،و يدل عليها الكتاب مثل قوله تعالى: وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ  و السنة المستفيضة في الأبواب المتفرقة،و إجماع الإمامية بل المسلمين،و يصح أن تكون من القواعد العقلائية أيضا،لأن العقلاء يقبّحون التكاليف الحرجية الصادرة من الموالي بالنسبة إلى العبيد،و ما ورد من التكاليف الشاقة في بني إسرائيل لم يعلم أنها كانت جعلا من اللّه تعالى أولا بالنسبة إليهم،أو أنها كانت عقوبات دنيوية عن جزاء أعمالهم،و الأنس بفضل اللّه تعالى وسعة رحمته قديما و حديثا بالنسبة إلى عباده يقتضي الثاني فيعلم من ذلك أن قوله تعالى: رَبَّنٰا وَ لاٰ تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً كَمٰا حَمَلْتَهُ عَلَى اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِنٰا  ،و ما ورد«أن بني إسرائيل كانوا إذا أصابتهم قطرة بول قرضوا لحمهم بالمقاريض».لم يعلم أن ذلك كان تكليفا أوّليا إلهيا،أو كانت من العقوبات المستعجلة الدنيوية التي رفعت عن امة نبينا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله. مع أن الإصر عبارة عن الضيق و مطلق المشقة و هو أعم من الحرج و غيره،مثلا وجوب إتيان الفرائض في المساجد ضيق و ليس بحرج،و كذا الفورية في قضاء الصلوات و الصيام و نحو ذلك،و المراد بقوله تعالى: وَ لاٰ تَحْمِلْ عَلَيْنٰا إِصْراً   هذا النحو من الضيق لا الحرج المنفي في صدر الآية بقوله تعالى: لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا  ،و بقوله تعالى: وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ  .فيستفاد من إطلاقه أن دين اللّه تعالى لا حرج فيه خصوصا بقرينة قوله: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ  ،و كذا إطلاق قوله تعالى: لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا.

ثم إنه كلما تقدم في فقه(لا ضرر و لا ضرار)يجري في(لا حرج في الدين)بلا فرق بينهما من هذه الجهة،فتجري فيها الأقوال الأربعة المتقدمة.و قد تقدم أن مفادها ترخيصي امتناني لا أن يكون على نحو العزيمة،فيصح العمل لو تحمل الحرج و أتى به.

إن قلت:بعد سقوط الأمر لأجل الحرج لا وجه لصحة العمل العبادي لتقومها بقصد الأمر.

قلت:سقوط الأمر لا يستلزم سقوط الملاك،و الكاشف عن بقائه مضافا إلى الإطلاقات استصحاب البقاء بعد كون السقوط ترخيصيا لا عزيمة.و لا يلزم من هذا التخيير بين الطهارة الترابية و المائية-مثلا-في ما إذا كانت الأخيرة مستلزمة للحرج،لأنه لا ريب في الاختلاف الرتبي بينهما ثبوتا و إثباتا،و مع ذلك كيف يثبت التخيير الذي لا بد فيه من التساوي من كل جهة.

و ظاهر الفقهاء التسالم على عدم حلّية المحرمات لأجل الحرج،فمن كان في حرج من عدم الكذب أو عدم الاغتياب أو نحوهما لا تحل له،كما أن ظاهرهم عدم الفرق بين الصغائر و الكبائر،و لا يبعد أن يكون الوجه في ذلك مضافا إلى ظهور الإجماع أن مفسدة الارتكاب أكثر بمراتب عن مصلحة الترخيص ما لم يكن في ترك الارتكاب ضرر أهم.

ثم إنه لا تجري قاعدة نفي الحرج في نفي التكاليف الأولية المجعولة، و إن قيل بأن فيها حرجا،لما تقدم في الجهة السادسة في قاعدة الضرر.

و الحمد للّه أولا و آخرا.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"