1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. تهذیب الاصول
  8. /
  9. الفصل الأول البراءة

 أدلة البراءة في الشبهات الحكمية مطلقا:

قد استدل عليها بالأدلة الأربعة-مع كونها من الفطريات العقلائية-لقاعدة قبح العقاب بلا بيان،فيكون الكتاب و السنة إرشادا إليها،لا أن يكون ذلك كله أدلة مستقلة في مقابلها،كما هو واضح.

الاستدلال بالكتاب:

استدل عليها من الكتاب بآيات..

 منها:قوله تعالى: لا یکلِّف اللهُ نفساً إلّا ما آتاها 

وجه الاستدلال و المناقشة فيه

منها:قوله تعالى في سورة الطلاق: وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اَللّٰهُ لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ مٰا آتٰاهٰا  .

بدعوى:أن المراد بالموصول التكليف،و بالإيتاء الوصول فيصير مفادها عدم التكليف بغير ما وصل،و هو عبارة اخرى عن البراءة.

 الاستدلال و المناقشة فيه

و فيه:أن محتملات الموصول و الإيتاء ثلاثة:

الأول:ما مرّ.

الثاني:كون المراد بالموصول المال و بالإيتاء الإعطاء،كما يقتضيه صدر الآية و ذيلها،فتصير من أدلة التمكن في وجوب النفقات الواجبة، و لا ربط لها بالمقام.

الثالث:كون المراد بالموصول العموم لكل شيء-حكما كان أو غيره- و بالإيتاء الإقدار،فتصير من أدلة اعتبار القدرة في مورد التكليف مطلقا.و مع تعدد محتملاتها لا ظهور لها في المقام لو لم نقل بظهورها في الثاني بقرينة الصدر.

و لكن الظاهر صحة إرادة المعنى الثالث،فيكون مفادها عدم التكليف بشيء أبدا حكما أو غيره إلا بما أقدره اللّه عليه،و إعطاء المال و بيان التكليف نحو من الإقدار عرفا،فيكون انطباقها على الصدر من باب تطبيق الكلي على بعض الأفراد،كما تكون كذلك في قول مولانا الصادق عليه السّلام حين سئل عن تكليف الناس بالمعرفة قال:«على اللّه البيان لاٰ يُكَلِّفُ اَللّٰهُ نَفْساً إِلاّٰ مٰا آتٰاهٰا  »،فيتم الاستدلال بها للمقام أيضا،لأنه من أحد أفراد المعنى العام.

و لكن يمكن المناقشة بأن مثل هذه الآيات في مقام بيان أنه لا تكليف قبل بعث الرسل و إنزال الكتب،و تكون ساكتة عن حكم ما إذا تمت الشريعة و جهل حكم من أحكامها،فلا بد فيه من الرجوع إلى دليل قبح العقاب بلا بيان، و على فرض الدلالة تكون إرشادا إلى القاعدة،كما مرّ.

و لكن الظاهر سقوط المناقشة من أصلها،لظهور العموم في قبل البعثة و بعدها.

 و منها:قوله تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً

بدعوى:أن مفادها ملازمة العذاب لتمامية الحجية و تحقق المخالفة،و مع عدم تماميتها لا موضوع للعذاب،كما أنه مع تماميتها و عدم المخالفة لا موضوع له أيضا،فتكون الآية عبارة اخرى عما ارتكز في العقول من قبح العقاب بلا بيان،فيصح الاستدلال بها للمقام.

و اشكل عليه:

أولا:بأن الآية الكريمة في مقام الإخبار عن جريان عادة اللّه جلّ جلاله في القرون الخالية و الأمم الماضية بالنسبة إلى التعذيبات الدنيوية، و ليست في مقام بيان نفي العقاب الاخروي الذي هو محل البحث في المقام.

و فيه:أنها مطلقة تشملهما معا،و هو المناسب لرأفته تعالى على عباده لا سيما بالنسبة إلى أمة خاتم أنبيائه.

و ثانيا:بأن المنساق منها عرفا نفي فعلية العذاب،لا نفي أصل الاستحقاق،و الثاني هو المفيد للمقام دون الأول.

و فيه:أن دعوى الملازمة العرفية بين نفي الفعلية و نفي الاستحقاق قريبة جدا،خصوصا بالنسبة إلى عنايات اللّه غير المتناهية،سيما قبل تمامية البيان و الحجة،لأن الملازمة حينئذ متحققة،و خروج الظهار عن هذه الملازمة-على فرض التسليم-إنما هو لدليل خاص لا يضر بدعوى الملازمة ما لم يدل دليل على الخلاف،و قد ورد الدليل على عدم الفعلية في مورد الشفاعة و مورد تكفير السيئات بالحسنات و بقي الباقي،مع أن هذه الموارد خارجة تخصصا عن المقام لتمامية الحجة فيها على الحرمة،فلا وجه للقياس،فتتم دلالة الآية على البراءة، و مع ذلك لا تكون دليلا تعبّديا،بل تكون إرشادا إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان كما لا يخفى.

 استدلال الأخباريين على عدم الملازمة بين حكم العقل و الشرع و الجواب عنه

ثم إنه قد استدل بها الأخباريون على عدم الملازمة بين حكم العقل و الشرع،إذ لا ريب في ثبوت حكم العقل بحسن الإحسان و قبح الظلم قبل بعث الرسل،فإن تمت الملازمة بين الحكمين يلزم ثبوت العقاب قبل البعثة أيضا، لقاعدة الملازمة،مع أن الآية تنفي العقاب فتبطل الملازمة بالآية.

و فيه:أن مورد الملازمة-كما مرّ-ما تطابقت عليه آراء العقلاء كافة، كحسن الإحسان،و قبح الظلم.و لا دليل على عدم العقاب في الظلم قبل البعثة مع استقلال عقل مرتكبه بقبح فعله،و الآية في مقام نفي العقاب قبل بعث الرسل كما ينبغي أن يؤخذ منهم،لا نفي العقاب قبل البعثة مطلقا حتى في ما استقلت آراء العقلاء كافة بقبحه.

و قد يستدل بآيات اخرى على البراءة قاصرة الدلالة،و على فرض تماميتها تكون إرشادا إلى حكم العقل من قبح العقاب بلا بيان،و قد ذكرها شيخنا الأنصاري قدّس سرّه و بين قصور دلالتها بما لا مزيد عليه،فراجع فلا وجه للتعرض لها.

الاستدلال بالسنة على البراءة:

 منها:حديث الرفع، المراد من الرفع و الإشكال عليه و الجواب عنه

منها:ما استفاض منه صلّى اللّه عليه و آله بين الفريقين:«رفع عن أمتي تسعة:الخطأ، و النسيان،و ما استكرهوا عليه،و ما لا يعلمون،و ما لا يطيقون،و ما اضطروا إليه، و الطيرة،و الحسد،و الوسوسة في الخلق»،و استفاضة نقله تغني عن البحث في سنده،مع أن الصدوق نقله في الخصال بسند صحيح،و أن متنه يشهد بصحة سنده.

و المنساق من الرفع عرفا و لغة خلاف الوضع،كقوله صلّى اللّه عليه و آله:«رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم-الحديث-».فالمعنى أنه لم يوضع الإلزام في هذه الموارد، سواء كان ذلك لعدم المقتضي له أصلا،أو لوجود المانع،و تجوز إرادة الدفع من الرفع أيضا لإطلاق كل منهما على الآخر في المحاورات،و على أي تقدير يدل على أن الإلزام المجهول غير معاقب عليه فيثبت المطلوب.

و ما يقال:أنه مناف لما اشتهر من اشتراك الأحكام بين العالم و الجاهل؛ و عدم الاختصاص بالأول.

باطل:لأن الاشتراك في ما إذا ثبت حكم بالدليل لا في ما إذا لم يكن على ثبوته دليل،فلا موضوع لقاعدة الاشتراك هنا.

 ثم إن البحث عن حديث الرفع يقع ضمن امور:

الأول:مقتضى عموم الحديث و إطلاقه القول بأنه لا وجه لرفع المؤاخذة و دفعه

الأول:حيث أن الحديث ورد في مقام القاعدة الكلية و الامتنان على الامة،فمقتضى عمومه و إطلاقه تعميم متعلّق الرفع لكل ما أمكن رفعه في الشريعة و كان فيه التسهيل و الامتنان على الامة،سواء كان من التكليفيات.نفسيا كان التكليف أو غيريا،حكميا كانت الشبهة أو موضوعية.

كما تعمّ الوضعيات أيضا تأسيسية كانت أو إمضائية،أو كان من تنزيل الموجود منزلة المعدوم،أو العكس.فيرفع الإلزام،و الصحة،و الجزئية، و الشرطية،و السببية و المسببية،و القضاء و الإعادة،و كل أثر شرعي إلا ما خرج بالدليل.و اختصاص الإكراه و الاضطرار بالموضوعات لقرينة خارجية لا يوجب الاختصاص في البقية،كما هو واضح.

و ليس المراد من الرفع التكويني منه حتى ينافي التحقق الخارجي،بل المراد التشريعي التنزيلي،كما في قوله عليه السّلام:«لا شك في النافلة،و لا شك لكثير الشك».فيكون بلحاظ الآثار الشرعية،أو بلحاظ العقاب الذي هو أهم الآثار، فيكون رفع غيره بالأولى،أو بلحاظ التكليف فيتضمن رفع الجميع قهرا.

و هذه الاحتمالات و إن كانت مختلفة اعتبارا،لكنها متلازمة عرفا،كما لا يخفى فلا وجه للتفصيل.و يجري الحديث في جميع أبواب الفقه و تمام مسائله،كما جرت سيرة الفقهاء قدس سرّهم على التمسك به كذلك.

و ما يقال:أنه لا وجه لرفع المؤاخذة،لأنها حكم العقل باستحقاق العقوبة،و هي عقلية لا شرعية مع كونها مترتبة على المخالفة العمدية للتكليف المعلوم و لا موضوع لها في المقام قطعا.

مدفوع..أولا:بكفاية الجعل الإمضائي في تعلّق الرفع به و هو متحقق.

الثاني:كيفية ترتب الأثر الشرعي على الشيء و ثانيا:بأن المؤاخذة معلولة للإرادة التشريعية،فما اشتهر من أنها من الامور العقلية لا وجه له.

نعم أصل استحقاق العقاب لدى المخالفة حكم عقلي و هو غير المؤاخذة،كما لا يخفى.

و ثالثا:المرفوع هو إيجاب الاحتياط الذي لا ريب في كونه تحت اختيار الشارع وضعا و رفعا،و لا يلزم من ذلك كون العقاب على نفس الاحتياط من حيث هو،و هو باطل،لأن الاحتياط مطلقا ملحوظ طريقا إلى الواقع،فثواب فعله ثواب الواقع،و العقاب على تركه عقاب على الواقع.

 الثاني:الأثر الشرعي المترتب على الشيء

تارة:يترتب عليه لا بشرط عن صفتي العلم و الجهل.

و اخرى:مترتب عليه بقيد العلم به.

و ثالثة:بقيد الجهل به.

و مورد التمسك بالحديث خصوص القسم الأول فقط،لأن في الثاني ينتفي الأثر بعروض الجهل لانتفاء الموضوع،لفرض أخذ العلم فيه،و في الثالث لا وجه لرفع الأثر لفرض أن موضوعه الجهل،و قد تحقق فكيف يرفع مع تحقق موضوعه،و أمثلة الكل كثيرة في الفقه،كما لا يخفى.

 الثالث:تقدم حديث الرفع على الأحكام الواقعية،الإشكال بأنه يستلزم النسخ أو التصويب أو الصرف و الجواب عنه

الثالث:حديث الرفع كسائر القواعد التسهيلية الامتنانية في طول الأحكام الواقعية و مقدمة عليها عند الكل،بمعنى كونها مانعة عن وصولها إلى مرتبة الفعلية لمصالح شتى و أغراض صحيحة عقلائية لا تحصى؛لأن الواقعيات اقتضائيات محضة و وصولها إلى مرتبة الفعلية يحتاج إلى وجود الشرائط و فقد الموانع،فالأدلة الامتنانية التسهيلية،بل الثانوية مطلقا مبينات إما لفقد شرط عن فعلية الأحكام الواقعية أو وجود مانع عنها،فلا محالة تتقدم عليها،بلا فرق بين أن يسمى هذا التقدم تخصيصا أو حكومة أو ورودا،إذ لا ثمرة عملية بينهما،بل و لا علمية معتنى بها،كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.

و لا يلزم من هذا التقدم النسخ،أو التصويب،أو الصرف.لأن الأول عبارة عن زوال مدة التشريع،و مثل حديث الرفع يبين قيد الحكم المشروع في مرتبة الفعلية لا زوال مدته،فلا ربط له بالنسخ.

و الثاني عبارة عن حدوث الحكم و المصلحة بتمام مراتبه بالعلم به،و هو غلط في المقام لفرض تحقق الواقع اقتضاء و مصلحة،و مثل الجهل يمنع الفعلية و سقوط آثارها من المؤاخذة و غيرها.

و الثالث عبارة عن صرف الواقع و تغييره بواسطة مثل حديث الرفع إلى خصوص صورة العلم مثلا،و هو باطل أيضا إن اريد به الصرف حتى بالمرتبة الاقتضائية،و إن اريد الصرف في المرتبة الفعلية فلا مشاحة في الاصطلاح، و تقدم الأدلة التسهيلية الامتنانية على القوانين الأولية من المرتكزات العقلائية في قوانينهم المجعولة في كل مذهب و ملة،فلاحظ و تأمل و ليس ذلك مختصا بالشريعة الإسلامية فضلا عن فن الاصول.

 الرابع:الحديث يرفع كل ما يمكن أن تناله يد الجعل: الإشكال عليه و الجواب عنه

الرابع:مما تناله يد الجعل-و لو إمضاء-السببية و المسببية،و الشرطية، و الجزئية،و المانعية،و القاطعية و نحوها،فيصح في المعاملات الإكراهية رفع السبب،كما يصح رفع المسبب،بل يصح رفعهما معا أيضا،و في موارد نسيان الجزء أو الشرط أو المانع أو القاطع يصح رفع نفس هذه العناوين أولا و بالذات، كما يصح رفع وجوب التدارك من الإعادة أو القضاء مما يكون من الامور الشرعية،لفرض أن الكل مما تناله يد الجعل و لو إمضاء.

نعم،مع إمكان جريان الأصل في رفع الموضوع لا وجه لجريانه في رفع الحكم،كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى،كما أنه مع كثرة الأدلة الثانوية الواردة في نسيان الجزء و الشرط خصوصا في الصلاة لا نحتاج إلى حديث الرفع.

إن قلت:أن الحديث ورد مورد التسهيل و الامتنان و التكليف في مورد الجهل و الخطأ و النسيان قبيح عند العقلاء فكيف يثبت تسهيل و امتنان في ما يكون قبيحا عندهم،و لو لا حكم الشرع بالرفع أيضا فالتكليف مرفوع في هذه الموارد عقلا،فلا تصل النوبة إلى الرفع الشرعي أصلا حتى يتحقق فيه التسهيل و الامتنان.و كذا الكلام في«ما لا يطيقون»بل و يشكل من ذلك في قوله تعالى:  رَبَّنٰا وَ لاٰ تُحَمِّلْنٰا مٰا لاٰ طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ  لأنه بعد أن كان التكليف بما لا يطاق قبيحا عقلا لا وجه لهذا الدعاء.

قلت:ما هو قبيح في الموارد الثلاثة هو التكليف بقيد الجهل و الخطأ و النسيان.و أما وجوب الاحتياط و التحفظ حتى لا تتحقق هذه الامور مهما أمكن،أو وجوب التدارك بعد زوالها فلا قبح فيه أصلا،فرفع ذلك يكون لتسهيل الشرع و امتنانه.

و أما الآية الكريمة فلما لا يطاق مراتب متفاوتة.

الأولى:ما لا يطاق عقلا.

الثانية:ما يكون خلاف المتعارف.

الثالثة:ما يكون خلاف السهولة،كوجوب الصوم في كل سنة شهرين أو أربعين يوما-مثلا-لا يكون مما لا يطاق عقلا و لا عرفا،و لكنه خلاف السهولة، و هكذا بالنسبة إلى جميع التكاليف،فالدعاء ورد بالنسبة إلى القسم الأخير فقط.

 الخامس:توجيه ما ذكر في الحديث:من الطيرة،و الحسد،و التفكر في الوسوسة في الخلق

الخامس:قد ذكر في الحديث:الطيرة،و الحسد،و التفكر في الوسوسة في الخلق.و لها مراتب متفاوتة جدا.

منها:ما تترتب عليها الآثار الخارجية المحرّمة،و لا ريب في حرمتها.

و منها:ما تكون ثابتة في النفس و توجب اضطرابها دائما من دون أن تترتب عليها الآثار المحرمة،و لا ريب في أنها من الصفات الذميمة النفسانية، و يمكن أن يكون معنى رفعها رفع حرمتها،أو رفع مطلق الآثار عنها ببركة الإسلام و تفضل نبوة خير الأنام.

و منها:ما تكون من مجرد الخطور النفسي مع عدم بقاء له في النفس أصلا،فكيف بالأثر الخارجي،و هذه المراتب مختلفة بالنسبة إلى النفوس،و لا يبعد أن يكون قول الصادق عليه السّلام:«ثلاثة لا يخلو منها نبي و ما دونه:الطيرة، و الحسد،و التفكر في الوسوسة في الخلق-الحديث-»إشارة إلى القسم الأخير بالنسبة إلى النبي،فبمجرد أن يخطر منها شيء على قلبه الأقدس يتداركه اللّه تعالى بتأييد غيبي،كما في قوله تعالى: وَ لَوْ لاٰ أَنْ ثَبَّتْنٰاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً  و هذا لا ينافي العصمة في شيء أبدا،و لكنه مع ذلك تجاسر بالنسبة إلى مقاماتهم الشريفة خصوصا خاتم الأنبياء و أوصيائه عليهم السّلام،فلا بد و أن يراد بالنسبة إلى النبي من الوصف بحال المتعلّق لا الذات،كما ذكره الصدوق قدّس سرّه من أنه يتطير بالنبي،لقوله تعالى: إِنّٰا تَطَيَّرْنٰا بِكُمْ  ،و يحسد عليه،لقوله تعالى:  أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنّٰاسَ عَلىٰ مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ  .و يكون من يفكر في الوسوسة في الخلق في أطرافه من المنافقين،لقوله تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ `فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ  .فراجع و تأمل.

 السادس:كلام في مثبتات الاصول العملية

السادس:المعروف عدم اعتبار مثبتات الاصول العملية،فلو كان مجرى البراءة أولا و بالذات أمرا عرفيا أو عقليا،و يترتب عليه أثر شرعي لا اعتبار بها، كما أن المعروف اعتبار مثبتات الأمارات؛فإنها إن جرت في مورد الأمر العرفي أو العقلي و يترتب عليه أثر شرعي،تعتبر و تكون حجة،و حينئذ ففي كل مورد يكون جريان الأصل مثبتا،لنا أن نتمسك بنفس حديث الرفع الذي هو من الأمارات المعتبرة و يحكم بالأثر الشرعي و لو كان بواسطة أمر عقلي أو عرفي، و يأتي إن شاء اللّه تعالى في الاستصحاب ما ينفع المقام.هذا بعض ما يتعلق بحديث الرفع.

 و منها:مرسل الصدوق،ذكر الاحتمالات فيه و الجواب عنها

و منها:مرسل الصدوق:«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي».و المناقشة فيه بالإرسال مع اعتماد الفقهاء عليه و اعتضاده بروايات مختلفة في أبواب متفرقة،و سهولة الشريعة المقدسة مما لا وجه لها.

نعم يحتمل فيه وجوه:

الأول:أن يراد بالشيء ما يكون بعنوانه الأوّلي من حيث هو،و بالورود أصل التشريع،فيكون دليلا لبحث الحظر و الإباحة،لا البراءة لمجهول الحكم بعد تمامية التشريع من كل جهة إلا أن يشملها بالملازمة العرفية،و فيه تأمل.

الثاني:أن يراد به مجهول الحكم،و بالورود مطلق التشريع،فتكون أدلة الاحتياط في الشبهة التحريمية الحكمية حينئذ مقدمة عليه،لكفايتها في تشريع الاحتياط،فيصير المرسل بناء عليه من أدلة الأخباريين.

الثالث:أن يراد بالشيء مطلق مجهول الحكم،و بالورود الحكم الثابت من كل جهة الغير القابل للمناقشة العرفية الصحيحة أصلا،فيصير دليلا للبراءة حينئذ لما يأتي من المناقشة في أدلة الاحتياط،و كونه ظاهرا في خصوص الأخير مشكل.

 و منها:حديث الحجب.المناقشة في الاستدلال به

و منها:قوله عليه السّلام:«ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم».

و فيه:أن ما يتعلّمه الناس:

تارة:يكون مما رغب فيه الشرع.

و اخرى:مما لم يرغب فيه و لم ينه عنه.

و ثالثة:يكون مما نهى عنه لكون مفسدة تعلمه أكثر من مصلحته لقصور أفهام الناس عن الإحاطة به على ما هو عليه،و المنساق من الحديث هو الأخير فلا ربط له بالمقام،فيكون مثل الأحاديث الناهية عن عدم الغور في القضاء و القدر و نحوهما من أسرار التكوين.

 و منها:صحيح ابن الحجاج.المناقشة فيه.ردّ ما يستشكل عليه

و منها:صحيح ابن الحجاج عن الكاظم عليه السّلام:«عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة،أ هي لا تحل له أبدا؟فقال عليه السّلام:أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها،فقد يعذر الناس بما هو أعظم من ذلك.قلت:بأي الجهالتين أعذر،بجهالة أن ذلك محرم عليه أم بجهالة أنها في العدة؟قال عليه السّلام: إحدى الجهالتين أهون من الأخرى،الجهالة بأن اللّه تعالى حرم عليه ذلك، و ذلك لأنه لا يقدر معه على الاحتياط.قلت:فهو في الأخرى معذور.قال عليه السّلام: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها».

و فيه:أنه قضية في واقعة خاصة يعترف بها الكل من الأخباري و الاصولى،كسائر الموارد الخاصة التي ورد فيها الدليل الخاص على عذرية الجهل،كالجهر في موضع الإخفات و بالعكس،و التمام في مورد القصر جهلا، مع أن في مورد الصحيح-مقتضى أصالة بقاء العدة إن كانت الشبهة موضوعية، و أصالة عدم ترتب الأثر على العقد إن كانت حكمية-عدم جواز الاقتحام بخلاف المقام الذي يعتبر فيه أن لا يكون أصل موضوعي في البين أصلا.

نعم قوله عليه السّلام:«فقد يعذر الناس بما هو أعظم من ذلك»لا يخلو عن تأييد للمقام.

ثم إنه قد استشكل عليه:بأنه إن كان المراد بالجهالة في الحكم أو الموضوع الغفلة و عدم الالتفات أصلا،فلا يقدر على الاحتياط حينئذ فيهما معا، فلا وجه للتفرقة بينهما.

و إن كان المراد عدم العلم مع الالتفات إليه فيقدر على الاحتياط فيهما معا، فلا وجه للتفرقة على أي تقدير.و كون المراد بالجهالة في الحكم الغفلة،و في الموضوع عدم العلم مع الالتفات إليه خلاف الظاهر.

و اجيب:باختيار القسم الأخير،و ذلك لأن عدم العلم مع الالتفات إليه بالنسبة إلى نفس الحكم في هذا الأمر العام البلوى مما لا ينبغي بالنسبة إلى المسلم.و أما الغفلة عنه فلا بأس به و لا منقصة فيه على أحد،فكأنه عليه السّلام أشار إلى أن المسلم في هذه الامور الابتلائية لا بد و أن يكون عالما بها،و إن حصل منه جهل فهو غفلة لا أن يكون من عدم العلم،و يمكن استعمال الجهالة فيه في المعنى الأعم من الغفلة و غيره،فيكون إرادة خصوص الغفلة بالنسبة إلى الحكم من باب تعدد الدال و المدلول.

و منها:قوله عليه السّلام:«كلّ شيء فيه حلال و حرام فهو حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه».أو«كل شيء لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه».

و فيه:أن المنساق منهما عرفا الشبهات الموضوعية و استفادة الحكمية منها تكلف،كما لا يخفى.و مع الشك يكون من التمسك بالعام في الشبهة الموضوعية.مع أن في غيرهما غنى و كفاية.

 الاستدلال بالإجماع،و دليل العقل،و الأصل على البراءة 

و استدل بالإجماع أيضا على البراءة في الشبهة التحريمية الحكمية.

و يرد:بأنه غير متحقق،لكثرة الخلاف و المخالف،و على فرض تحققه فهو معلوم المدرك.

و أما دليل العقل فلا ريب في استقرار بناء العقلاء في كل عصر و زمان على الحكم بقبح العقاب بلا بيان حتى عدّ ذلك من القواعد العقلائية،و الأدلة السابقة بعد تماميتها تكون إرشادا إليها،و بعد عدم تمامية ما يأتي من أدلة الاحتياط تتم القاعدة من كل جهة.

ثم إنه قد يستدل بأصالة البراءة قبل التكليف أو قبل البعثة و لا بأس به.

و الإشكال عليه بأنه من التطويل بلا طائل لكفاية مجرد الشك في البراءة بلا احتياج إلى لحاظ الحالة السابقة.

مدفوع:بالفرق بين مجرد عدم البيان،و البيان على العدم،و الاستصحاب

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"