لا ريب في وقوع الحقيقة و المجاز في المحاورات.و الاولى هي استعمال اللفظ في معناه الموضوع له،كما أن الثاني هو استعماله فيما يناسبه. و الاحتمالات في المعاني المجازية خمسة:
الأول:عدم وضع لها أصلا،بل الاستعمالات فيها طبعية،لا أن تكون مستندة إلى الوضع.
الثاني:أن تكون وضعية بالوضع النوعي،لكن لا دليل عليه،بل مقتضى الأصل عدمه.
الثالث:أن يكون نفس الوضع للمعنى الحقيقي وضعا لها أيضا،لكن بالتبع،لأنها من شئون المعنى الحقيقي و أطواره و خصوصياته.و أيضا مقتضى الأصل عدم لحاظ هذه الخصوصية للواضع.
الرابع:أن يكون ذلك بإذن من الواضع.و مقتضى الأصل عدمه أيضا، و على فرض وجوده،لا دليل على اتباعه ما لم يساعده الذوق السليم.
الخامس:أن يكون الاستعمال فيها تنزيليا،أي تنزيل المعاني المجازية منزلة المعاني الحقيقية.
و فيه:أنه يحتاج إلى عناية خاصة،و الأصل عدمها.
و يمكن اختيار الاحتمال الثالث و إرجاع الأول إليه.
و على أي تقدير يكون ذلك مشروطا بعدم استنكار أهل المحاورة،سواء أذن الواضع فيه أم لا.و أما مع الاستنكار،فلا يصح و إن أذن الواضع فيه. و الاستنكار و عدمه يختلفان بحسب الأعصار و الأمصار و العادات المختلفة غاية الاختلاف.فالمجاز،و الاستعارة،و الكناية من مجرد الاصطلاح-و المدار كله على صحة الاستعمال بحسب الذوق السليم و الطبع المستقيم-سمي بتلك الاصطلاحات أو لا،كما أن الإفادة و الاستفادة تدوران مدار الظهور،فمعه تصح و إن كان المعنى غير حقيقي،و مع عدمه لا وجه له و إن كان حقيقيا.
و من ذلك كله يظهر أن الاستعمال لا ينحصر في الحقيقة و المجاز،بل يصح كل ما قبله الأذهان المستقيمة من أهل المحاورة،سمي بالحقيقة أو المجاز،أو لا.كاستعمال اللفظ في نفسه أو مثله أو نوعه،كما إذا قيل(زيد لفظ) و اريد نفسه،أو قيل:زيد في(زيد قائم)مبتدأ و اريد مثله؛أو قيل ذلك و اريد نوعه،فإن كل ذلك يصح في المحاورات الصحيحة.
و إشكال وحدة الدال و المدلول،مدفوع:بتعدد الجهة و الحيثية مع أنه لا محذور فيه،فقد قال عليه السّلام:«يا من دلّ على ذاته بذاته».
و قد تقدم أن مقتضى الأصل عدم الوضع للمجازات-و لو نوعا-كما أن مقتضاه عدم الحصر للعلائق المجازية،بل الاستعمالات المجازية تدور مدار الأذواق السليمة المختلفة بحسب العادات و الأعصار و الأمصار التي لا تضبطها ضابطة كلية،و ما ذكر في العلوم الأدبية من العلائق المجازية إنما هو بحسب الغالب لا الاستقصاء.و بذلك كله يسقط البحث عن جملة كثيرة من مباحث الحقيقة و المجاز التي أطيل فيها الكلام من دون أن تكون فيها ثمرة عملية بل و لا علمية.