1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. ماقیل حول السید
  6. /
  7. معجم الألفاظ قرآنیة
  8. /
  9. باب الميم
م ت ع

مادّة (م ت ع) تأتي بمعنى: الارتفاع، والانتفاع، يقال: متع النهار، ومتع النبات: إذا ارتفع. قال تعالى: ولَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إِلى‏ حِينٍ[1]، أي: انتفاع.

ولهذه المادّة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بالنسبة إلى الدنيا، والآخرة، وغالب استعمالاتها تشعر بالقلّة، والزوال، والتحديد، وهو كذلك، إذ لا نسبة بين المتناهي من كلّ جهة، وغير المتناهي كذلك، وفي الحديث: ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى منها كافرًا شربة ماء[2].

وسمّي حج التمتّع تمتّعًا، لأنّ المحرم يحلّ من إحرامه بعد تمام العمرة، فينتفع بما حرّم عليه، بسبب الإحرام، حتى يهلّ للحجّ، فهو إحلال بين إحرامين، قال تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [3].

والمتاع: ما يُتمتّع به، ويعبّر به عمّا هو في معرض الزوال، والاندثار، وفي قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ[4]، التعبير به للتزهيد في الدنيا، والترغيب للآخرة، التي هي دار البقاء، والحيوان.

وفي قوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ[5]، المعنى  يدور بين أن يكون المراد منه المتعة في آية (23٤)، أو المهر في آية (237)، من السورة نفسها، أو نفقة المطلّقة الرجعيّة، والأخير هو المتيقّن، لأنّ الأولين يستلزمان التكرار، وهو ما لا يخفى، وإنّ ذكر المطلق، وإرادة بعض أفراده، من المحسنات البديعيّة.

وفي قوله تعالى:  وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور[6]، متاع الغرور، أي: المتاع الذي يظهر بمظهر جميل، ليغترّ به المغترون، والآية المباركة تبيّن حقيقة الواقع على ما هو عليه.

والاستمتاع: طلب المتعة، والتلذّذ، وفي قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً[7] المراد بــ(الاستمتاع): النكاح المؤقّت المحدود الذي يُتوصّل به إلى التمتع بالنساء طلبًا للإحصان، ويدلّ على أنّ المتعة تطلق على طلب الانتفاع مؤقّتًا.

ومنه يظهر بطلان ما قيل: إن الاستمتاع يطلق على طول التمتّع به، فإنّه خلاف استعمالات هذه المادّة، وقد سمّى اللّه تعالى الدنيا بالمتاع، لقلّتها، وقصر مدّتها، قال تعالى: ويَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا واسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ[8]، وقال تعالى: مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ[9]، ولأجل ذلك سمّي العقد المنقطع بنكاح المتعة، لانقطاع مدّتها، وعدم دوامها.

[1] البقرة: 36

[2] أمالي الصدوق: 305.

[3] البقرة : 196

[4] آل عمران : 14

[5] البقرة : 241

[6] آل عمران : 185

[7] النساء : 24

[8]  الأحقاف:20

[9]  النساء: 77

م ث ل

مادّة (م ت ع) تأتي بمعنى: الارتفاع، والانتفاع، يقال: متع النهار، ومتع النبات: إذا ارتفع. قال تعالى: ولَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتاعٌ إِلى‏ حِينٍ[1]، أي: انتفاع.

ولهذه المادّة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بالنسبة إلى الدنيا، والآخرة، وغالب استعمالاتها تشعر بالقلّة، والزوال، والتحديد، وهو كذلك، إذ لا نسبة بين المتناهي من كلّ جهة، وغير المتناهي كذلك، وفي الحديث: ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى منها كافرًا شربة ماء[2].

وسمّي حج التمتّع تمتّعًا، لأنّ المحرم يحلّ من إحرامه بعد تمام العمرة، فينتفع بما حرّم عليه، بسبب الإحرام، حتى يهلّ للحجّ، فهو إحلال بين إحرامين، قال تعالى: فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [3].

والمتاع: ما يُتمتّع به، ويعبّر به عمّا هو في معرض الزوال، والاندثار، وفي قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ[4]، التعبير به للتزهيد في الدنيا، والترغيب للآخرة، التي هي دار البقاء، والحيوان.

وفي قوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ[5]، المعنى  يدور بين أن يكون المراد منه المتعة في آية (23٤)، أو المهر في آية (237)، من السورة نفسها، أو نفقة المطلّقة الرجعيّة، والأخير هو المتيقّن، لأنّ الأولين يستلزمان التكرار، وهو ما لا يخفى، وإنّ ذكر المطلق، وإرادة بعض أفراده، من المحسنات البديعيّة.

وفي قوله تعالى:  وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور[6]، متاع الغرور، أي: المتاع الذي يظهر بمظهر جميل، ليغترّ به المغترون، والآية المباركة تبيّن حقيقة الواقع على ما هو عليه.

والاستمتاع: طلب المتعة، والتلذّذ، وفي قوله تعالى: فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً[7] المراد بــ(الاستمتاع): النكاح المؤقّت المحدود الذي يُتوصّل به إلى التمتع بالنساء طلبًا للإحصان، ويدلّ على أنّ المتعة تطلق على طلب الانتفاع مؤقّتًا.

ومنه يظهر بطلان ما قيل: إن الاستمتاع يطلق على طول التمتّع به، فإنّه خلاف استعمالات هذه المادّة، وقد سمّى اللّه تعالى الدنيا بالمتاع، لقلّتها، وقصر مدّتها، قال تعالى: ويَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا واسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ[8]، وقال تعالى: مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ[9]، ولأجل ذلك سمّي العقد المنقطع بنكاح المتعة، لانقطاع مدّتها، وعدم دوامها.

[1] البقرة: 36

[2] أمالي الصدوق: 305.

[3] البقرة : 196

[4] آل عمران : 14

[5] البقرة : 241

[6] آل عمران : 185

[7] النساء : 24

[8]  الأحقاف:20

[9]  النساء: 77

م ث ل

المثل: تبيّن أحد الشيئين بالآخر، لما بينهما من المشابهة والمناسبة، وفي الحديث  عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: “إن أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم، ثمّ الأمثل فالأمثل[1]، أي الأشبه بهم من حيث الشرف، وعلوّ المرتبة، أو المنزلة.

وأصل الكلمة من المثول: وهو القيام، وعن نبيّنا الأعظم (صلّى اللّه عليه وآله): “من سرّه أن يمثل له الناس قيامًا فليتبوّأ مقعده من النار”[2]، أي: يقومون له.

والأمثال قديمة، ومعروفة، عند العرب، وكلمات الفصحاء؛ والفلسفة العلميّة، والعمليّة، مشحونة بالأمثال، ولها من الفوائد، والآثار الكبيرة في تنشيط الذهن، وتوضيح المراد، وتأكيد المطلوب، والترغيب، والتحريض، والإنذار، والتخويف والتذكير، ما هو معلوم في المحاورات، وقد كثر ضرب الأمثال في القرآن الكريم، قال تعالى: وتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[3]، وقال تعالى: ولَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ولَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ[4].

[1] الكافي – ج 2 – ص 252, كتاب: الإيمان والكفر, باب: شدة بلاء المؤمن, الحديث 1.

[2] النهاية في غريب الحديث – ج 4 – ص 294

[3] الحشر: 21

[4] الروم: 58

م ر د

مادّة (م ر د) تدلّ على التجرّد، والملامسة، يقال: شجر مرد، أي: الّذي تناثر ورقه، وتعرّى منه. ويقال: رملة مرداء، أي: لم تنبت شيئًا فيها، وتجرّدت عن الزرع، ومنه: قوله تعالى: صرْحٌ مُمَرَّدٌ[1]، أي: أملس، ومنه: غلام أمرد، إذا عرى الشعر عن ذقنه، وعارضيه، ومنه قوله تعالى: ومِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ[2]، أي: تجرّدوا للنفاق، واعتادوا عليه، وفي الحديث: “انّ أهل الجنّة جرد مرد”[3]، ومعنى الحديث: أنّ أهل الجنّة في غاية الكمال، والجمال، فعلى بعض أماكن بدنهم الشعر كالساعدين، والساقين، والمسربة (ما دقّ من شعر الصدر إلى السرة)، لأنّ ضدّ الأجرد: الأشعر، وهو الّذي على جميع بدنه الشعر، وهم مرد، أي: مجرّدون، ومعرّون عن الشوائب والقبائح، ظاهريّة كانت، أو معنويّة، قال تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ[4].

والمريد: فعيل من مرد، وسمّي الشيطان مريدًا مبالغة في التجرّد عن كلّ خير، فصار عاتيًا، خارجًا عن الطاعة، أو مبالغة في التلبّس بالشر.

[1]  النمل: 44

[2]  التوبة: 101

[3] النهاية في غريب الحديث ـــ ج 4 ـــ ص 154, (مرد)

[4]  الحجر: 47

م ر ر

المرور: الاجتياز، والمضيّ، ومنه: المرّة.

ولهذه المادّة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم مفردة، وتثنية، وجمعًا، قال تعالى: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى‏ ضُرٍّ مَسَّهُ[1]، وقال تعالى: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ[2]، وقال تعالى: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا[3].

وفي قوله تعالى: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[4]، المراد بها: التكرار، والوقوع مرّة بعد أخرى.

[1] يونس: 12

[2] التوبة: 101

[3] الفرقان: 72.

[4] البقرة : 229

م ر ض

المرض: الخروج عن الاعتدال، وهو على قسمين:

القسم الأول: المرض الجسميّ، أي: العارض على الجسم، أو المزاج، قال تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[1]، وقوله تعالى: ولا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ[2]، وهو المنساق من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا[3]، وإطلاقها يشمل كلّ مرض، إلّا أنّه مقيّد بالمرض الذي يمنع من استعمال الماء معه، لأنّه يوجب شدّة المرض، أو زيادته، أو بطء البرء منه، أو ما يكون سببًا للعجز عن تحصيل الماء. وبعبارة أخرى: ما يكون موجبًا للمنع من استعمال الماء، إما بتعذّر استعماله، أو بتعذّر الوصول إليه.

وأمّا المرض اليسير الذي ليس فيه كلفة، ولا مشقّة، ولا يكون سببًا للحرج، نحو الصداع، ووجع السنّ، فلا يكون عذرًا.

القسم الثاني: ما يخصّ القلب، ويستقرّ فيه، نحو الجهل، والجبن، والبخل، والنفاق، وغيرها من الرذائل الخلقيّة، والصفات السيّئة، المانعة عن إدراك الفضائل، وتحصيل السعادة الدنيويّة، والأخرويّة، نحو: المرض الجسميّ المانع عن التصرّفات، والأعمال التي تستقرّ الحياة عليها، قال تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا[4]، وقيّد هذا القسم في القرآن الكريم بالقلب دائمًا، لاستقراره فيه، وهو أشدّ من الأوّل بمراتب كثيرة، وما بعث الأنبياء، ولا أنزلت الكتب الإلهيّة، إلّا لمعالجة الأمراض النفسانيّة، التي في علاجها الحياة الأبديّة.

وأمّا قوله تعالى: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ[5]، فهو في غير المعصومين، أعمّ من المرض الجسميّ، والقلبيّ، وفيهم يختصّ بالجسميّ فقط.

[1]  البقرة: 184

[2]  النور: 61

[3] النساء : 43

[4] البقرة: 10

[5] الشعراء: 80

م ر ي

مادّة (م ر ي ) تدلّ على خلوص الشيء  من العلم، واليقين.

ومريتُ الناقة: إذا سحبت ضرعها للحلب، ومنه المِراء: الشك، والمجادلة، لبعدهما عن العلم، وخروجه عنهما، وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في ما يقرب  من عشرين موضعًا، وأغلب استعمالها في الكفر: قال تعالى : أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ[1]؛ وقال تعالى: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ[2]؛ وقال تعالى : سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا[3] ، أي: لا تجادلهم إلّا جدالًا واضحًا، نحو: الذي أمر به في قوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[4].

والمفاد منها: أنّ مواردها الشكّ مع الكفر، والجحود، والمحاجّة بغير علم، ولعلّه لهذا كان أخصّ من الشكّ أيضًا، فإنّ الإمتراء، والمماراة، هي المحاجّة فيما فيه مرية، قال تعالى : ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ[5]. وقال تعالى: أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى[6].

ولايختصّ الامتراء بالبعث، وهو ماذكره جملة من المفسّرين، بل يشمل جميع أنحاء الامتراء في الحقّ وفي آياته.

[1] فصلت : 54

[2] الحج : 55

[3] الكهف : 22

[4] النحل : 125

[5] مريم : 34

[6] النجم : 12

م ر ي م

مريم: علم امرأة سريانيّة، معناه: خادمة الربّ، أو المرتفعة بالعبادة.  

م س ح

المسح: إمرار اليد، أو كلّ عضو لامس على الشي‏ء مباشرة، أو بآلة، وهو تارة: يكون مع الاستيعاب، وأخرى يكون بغير استيعاب، ويختلف باختلاف القرائن، والمعروف بين العلماء أنّه إذا عدّي بنفسه أفاد الاستيعاب، وإذا عدّي بالباء سواء أكانت للآلة، أم غيرها، دلّ على التبعيض، يقال: مسحت العرق بالمنديل، أو مسح يده بالمنديل، أو مسح الشي‏ء بالماء، ليزيل ما علق به من غبار، ونحو ذلك.

ولا ريب في أنّ المسح يتقوّم بتحريك الماسح على الممسوح، فوضع اليد، أو الإصبع على الرأس، لا يسمّى مسحًا.

وأسلوب قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ[1]، يدلّ على كفاية مسح بعض الرأس، لمكان الباء، وهو ما يسمّى مسحًا في اللغة أيضًا.

والمسيح: معرّب، أصله (مشيح) بالعبرانيّة، وهو ما في كتب العهدين، وهو لقب عيسى بن مريم، وقد وقع في ضمن البشارة، وهو ظاهر قوله تعالى: إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ[2]، فيكون مباركًا، قال تعالى حكاية عنه: وجَعَلَنِي مُبارَكًا أَيْنَ ما كُنْتُ، ويصحّ أن يقع اسمًا له توسعًا، فيقال اسمه المسيح عيسى بن مريم.

وقد ذكر القوم في وجه تسمية عيسى بن مريم بهذا الاسم، أو اللقب، أقوال:

الأول: أنّه مسح بالتطهير من الذنوب.

الثاني: أنّه مسح بدهن زيت بورك فيه، وكان الأنبياء يمسحون به.

الثالث: أنّه كان يمسح رؤوس اليتامى.

الرابع: أنّه كان يمسح عين الأعمى بيده فيبصر، وذا عاهة فيبرأ.

الخامس: أنّ جبرائيل مسحه بجناحه حين ولادته، ليكون عوذة من الشيطان.

السادس: أنّ كتب العهدين كانت تبشّر بني إسرائيل بظهور ملك عليهم ينجيهم، فسمّي مشيحًا بذلك، وقد تعلّل اليهود عن قبول نبوّته بأنّه لم ينل الملك أيام دعوته، ولم تتحقّق البشارة في حياته، ووجه بعض النصارى، والمسلمين، بأنّ المراد الملك المعنويّ، دون الظاهريّ الصوريّ.

ولكن شيئًا ممّا ذكروه لم يقم عليه دليل، بل هو تطويل بلا طائل تحته، والذي يظهر من الآية الشريفة أنّ هذا اللقب، أو التسمية إنما هي من اللّه تعالى من حين ولادته، وأنّه يلازم البركة، والخير، اللذين عرف بهما عيسى بن مريم، ولعلّ السرّ في ذلك كلّه، هو نبذ العادة التي كانت متّبعة عند الإسرائيليّين في الزعيم الروحانيّ عندما يمنحه للزعامة الروحانيّة من هو قبله، حتى صار لقبًا للزعيم الروحانيّ، وأصبح وسامًا للزعامة الروحانيّة، كالتتويج للملك، فالآية المباركة ترشد إلى الإعراض عن هذه العادة، وأن المسيح الذي يكون مباركًا هو عيسى بن مريم الذي سماّه اللّه تعالى به لا غيره.

[1] المائدة : 6

[2] آل عمران : 45

م س س

المسّ واللمس بمعنى واحد، إلّا أنّ الثاني أعمّ موردًا من الأوّل، فيصحً أن يقال: التمست الكتاب فلم أجده، ولا يصحّ أن يقال: مسست الكتاب فلم أجده، قال تعالى: أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وشُهُبًا[1]، ولا يصحّ استعمال: مسسنا السماء، لأنّ المنساق منه اللصوق، والمقارنة الحقيقيّة بين الماس، والممسوس.

وأكثر ما تستعمل مادّة (م س س) في القرآن الكريم في السوء، والضرّ، والمكروه، قال تعالى: وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً[2]، وقد تستعمل في الخير أيضًا، قال تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا.

ويكنّى بـ (المسّ)، عن المباشرة الجنسيّة، وغشيان النساء بالقرائن الخارجيّة، ومنه قوله تعالى: لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [3].

[1] الجن: 8

[2] البقرة : 80

[3] البقرة : 236

م س ك

مادّة (م س ك) تأتي بمعنى: التعلّق، والحفظ، والاعتصام، قال تعالى: وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ[1]، وقال تعالى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ[2]، وقال تعالى: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[3]، وقال تعالى: والَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ[4].

والمَسْك: الإهاب، لأنّه يمسك البدن، والمَسَك- بفتحتين-: الأسوار لاستمساكها باليد، والمِسك- بالكسر-: دم الغزال- وهو عطر مخصوص- سمّي به لمساك عطره، وبقائه مدّة كثيرة، وفي الحديث القدسي: ” يا موسى: لخلوف فم الصائم أحبّ عند اللّه من ريح المسك”[5].

والاستمساك: شدّة التمسّك، وإحكامه، قال تعالى: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [6].

[1] الحج: 65

[2] الزخرف: 43

[3] النحل: 79

[4] الأعراف: 170

[5] الكافي :ج 4 – ص 64 – 65

[6] البقرة : 256

م ص ر

المِصر: الانقطاع، والفصل، لأنّ المحل صار منقطعًا، ومنفصلًا عن غيره بالعمارة، والسكنى.

وفي قوله تعالى: اهْبِطُواْ مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ[1]، المراد بها: مصر من الأمصار، وقيل: إنّها مصر المعروفة، ويجوز تنوينها لصرفها، ولا دليل على كلا القولين.

[1] البقرة : 61

م ع

مع: يدلّ على الجمع، والمصاحبة في الجملة، وتختلف إفادة أنحاء المصاحبة بحسب القرائن الداخليّة، أو الخارجيّة، فقد تكون زمانيّة، أو مكانيّة، أو رتبيّة، أو في سائر الإضافات، والجهات.

وقالوا: إنّه اسم بدليل حركة آخره، ودخول التنوين عليه يُقال: خرجنا من الدار معًا، ودخلنا السوق معًا.

ويختلف اختلافًا كبيرًا بحسب الموارد والخصوصيّات، ويُستعمل في الخالق والمخلوق، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[1]، وقال تعالى حكاية عن نوح: ونَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[2].

والمعيّة نحو ارتباط حاصل تارة: بين الخالق، والمخلوق: حدوثًا، وبقاءً، قال تعالى: وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [3].

ومعيّة اللّه تعالى مع خلقه، معيّة قيوميّة، ربوبيّة، إحاطيّة، فوق ما نتعقّل من معنى المعيّة، والإحاطة، وتلازمها المعيّة الزمانيّة، والمكانيّة، والجامع ما ذكره علي (عليه السّلام): “مع كلّ شي‏ء لا بمقارنة، وغير كلّ شي‏ء لا بمزايلة”[4].

وأمّا معيّة المخلوق مع خالقه، فيعبّر عنها بعبارات مختلفة، أوّلها: العبودية، وآخرها: الفناء في اللّه تعالى، ونتيجة الجميع البقاء باللّه تعالى.

ومعيّة أخرى: تحصل من عونه، ونصرته، وتوفيقه، وتسبيب أسباب الخير، ومنها معيّته تعالى مع الصابرين، والمتّقين، والأنبياء، والصالحين، فمعيّته تعالى لهم من جهتين: جهة قيموميّته تعالى، وجهة فعله، وعنايته، ونصرته لهم، قال تعالى: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[5]، إذ لا يعقل مغلوبيّة من كان اللّه معه، ولو فرض ذلك برهة من الزمن فهي عنوان الشرف، ووسام الغلبة الأبديّة، والمغلوبيّة مع التقوى في الدنيا عين الغلبة الحقيقيّة في الآخرة، وهو المشاهد، والمحسوس.

[1]  التوبة: 123

[2]  الشعراء: 118

[3]  الحديد: 4

[4] نهج البلاغة 1/16

[5] البقرة : 194

م ك ر

المكر: معروف، وهو صرف الإنسان عمّا يريده الى غيره، بضربٍ من الحيلة، والخداع في القول، والفعل، والمراد به في القرآن الكريم حيث أطلق: الصرف من الحقّ إلى الباطل، والخير الى الشرّ، بضرب من الحيلة، لأنّ الحقّ، والخير واضحان، يدعو  إليهما الفطرة، والعقل، فلا يخفيان عن الإنسان إلّا بالمكر، واستعمال الحيلة، قال تعالى :  وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ  [1].

[1] الأنعام : 123

م ك ن

مادّة (مكن) تدلّ على القرار، ومنه: الموضع الحاوي للشيء؛ وتمكين الشيء في الأرض: جعله قارًّا فيها، وهي مقرًا له، للتلازم بينهما، لأجل ذلك ورد الاستعمال  بكلّ منهما، يقال: مكّنه في الأرض، ومنه قوله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً[1]؛ ويقال: مكّن له، ومنه قوله تعالى: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا[2]. وقد ورد كلاهما في قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ [3]؛ وإن كان التحقيق يقتضي الفرق بينهما، فإنّ استعماله من دون اللّام يدلّ على جعله متمكّنًا في الأرض، تامّ التصرّف، مستقلًا فيه، ويقال : مكّنه في الأرض، ومنه: مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ، فقد كان من قبلهم متمكّنين في الأرض، ولهم السلطة الظاهريّة، وأُعطيت لهم من القوّة  ما تمكّنوا من أنواع التصرّف فيها .

وأمّا استعماله مع اللام، فإنّه يدلّ على إعطاء أسباب القدرة، والتصرّف، فإن كان المفعول مذكورًا في الكلام فيُقتَصر عليه، نحو قوله تعالى : وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ[4]،

وقوله تعالى : وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا[5]، وإن كان محذوفًا،  فلابدّ من التقدير بما يناسب المقام، نحو قوله تعالى : إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا[6]، وقوله تعالى : وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ[7]، أي: مكّنّا لهما جميع أسباب القدرة، والاستقلال في التصرّف، فيكون الاستعمال الأوّل أبلغ من الثاني، وأدلّ على المقصود.

[1] الأحقاف : 26

[2] الكهف : 84

[3] الأنعام : 6

[4] القصص : 57

[5] النور : 55

[6] الكهف : 84

[7] يوسف : 21

م ل أ

الملأ: اسم جمع لجماعة من الناس، يجتمعون على أمر، ولا واحد له من لفظه كلفظ القوم، سُمّوا بذلك لأنّهم يملؤون العيون منظرًا، والنفوس عظمة، وبهاء، وبعبارة أخرى: الجمع المعني بهم، الناس.

ويأتي بمعنى: الخلق، ومنه الحديث لمّا ازدحم الناس على الميضأة :“أحسنوا الملأ، فكلّكم سيروى”[1]، أي: أحسنوا خلقكم.

وهذا اللفظ كثير الاستعمال في القرآن الكريم، قال تعالى: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ[2]، وقال تعالى:  إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ[3]، وقال تعالى: وقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي[4]، وهو من الأمور الإضافية، فإنّ لكلّ قوم ملأ، ولكلّ ملأ رأيًا.

[1] النهاية في غريب الحديث – ج 4 – ص 149

[2] النحل: 29

[3] القصص: 20

[4] القصص: 38

م ل ك

مادّة (م ل ك) بأيّ هيأة استُعملت تعني: الاستيلاء، والإحاطة، والاحتواء، سواء كان بالنسبة إلى الخلق، والإيجاد، أو بالنسبة إلى النظم، أو الانتظام؛ نعم، هي في المخلوق محدودة لمحدوديّة ذاته، وصفاته؛ وفي الخالق لا وجه للتحديد فيه بوجه من الوجوه، نحو قوله تعالى: بِيَدِهِ الْمُلْكُ[1]، وقوله تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ[2]، وقوله تعالى: بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ[3]، عامّ يشمل جميع العوالم، ومالكيّته لها بالدلالة المطابقيّة.

وقد وردت هذه المادّة في القرآن الكريم في ما يزيد على مئة وثلاثين موضعًا، وتُستعمل بالنسبة إلى جميع العوالم، قال تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ  ، وقال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّار[4]، وقال تعالى: ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ[5].

والاستيلاء، والسلطنة، وهما معنى الملك، قد تكونان:

أوّلا: حقيقيّتان، بمعنى: الاستيلاء على الشي‏ء من كلّ جهة: إيجادًا، وإبقاءً، وإفناءً، وربوبيّة، وتصويره بكلّ صورة شاء، وأراد، وهذا مختصّ باللّه سبحانه، وتعالى، فإنّه مالك لجميع خلقه، ملكيّة حقيقيّة من كلّ جهة يفرض فيها.

ثانيا: اعتباريّتان، يدوران مدار اعتبار العقلاء، نحو ملكيّة الإنسان للأشياء التي تقع تحت استيلائه، وفي الحديث: “املك عليك لسانك”[6]، أي لا تجرّه إلّا بما يكون لك لا عليك، وهذه الملكيّة الاعتباريّة تدور مدار اعتبار المعتبر، وقابلة للتغيير، والتبديل، والزوال.

وهذا القسم يلازم القسم الأوّل دون العكس. فيصحّ عدّ هذه الملكيّة بالنسبة إلى اللّه عزّ وجلّ بالأولى، لأنّ كلّ وصف ممكن لا يستلزم من إطلاقه النقص بالنسبة إليه عزّ وجلّ، يصحّ وصفه به، قال تعالى: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ[7]، وقال تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ[8]، ويصحّ انتزاع هذه الملكيّة الاعتباريّة عن الملكية الحقيقيّة؛ وبها تنظيم الأغراض العقلائيّة الفرديّة، والاجتماعيّة.

ثم إنّ الملكيّة الاعتباريّة:

تارة: تكون بوضع من اللّه تعالى، نحو: ملكيّة الإنسان لنفسه، وأجزائه، وتصرّفاته السائغة في بدنه، بحسب التكوين، والتشريع.

وأخرى: تكون بوضع، واعتبار من العقلاء.

أمّا بالنسبة إلى ملكيّة المولى للعبد، فإنّه لا ريب في كونها من المِلك (بالكسر) الاعتباريّ، لصحّة هذا الاعتبار عند الجميع، وأمّا كونها من المُلك (بالضم) ففيه منع، إذ لا يعدّ العقلاء بين المولى والعبد الملوكيّة، والرعيّة.

وردت هذه المادّة بأغلب مشتقاتها في القرآن الكريم، فقد أطلق فيه المَلِك (بفتح الميم وكسر اللام) بالنسبة إليه تعالى: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ[9]،  وقال تعالى:فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ[10]، وقال تعالى:  مَلِكِ النَّاسِ [11].

وورد المُلْك (بضمّ الميم، وسكون اللام) مضافًا إليه تعالى كثيرًا، قال تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ[12]، وقال تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ[13]، وقال تعالى: تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ [14].

وورد المالك، قال تعالى: اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ[15].

والمُلك: في قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء[16]، هو مطلق السلطنة، والاستيلاء، والمراد به: طبيعته وذاته، وهو ما يصحّ أن يقع تحت الاستيلاء، والسلطنة، ليشمل جميع الممكنات القابلة للوجود، والإيجاد، فيشمل المُلك (بالضم)، والمِلك (بالكسر)، والنبوّة، إذ هي ملك أيضًا، قال تعالى: وآتَيْناهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا[17]، فإنّ جميع ذلك واقع تحت سلطان اللّه تعالى، وإرادته المقدّسة، وهي من مواهبه، وعطاياه التي يمّن بها على من يشاء من  خلقه، ويمنعها عمّن يشاء منهم، وقد بنى اللّه تعالى النظام التكوينيّ، والتشريعيّ، والاجتماعيّ، على الملك، وهو محبوب لدى المجتمع الإنسانيّ، تستقيم به حياتهم في النشأتين.

والمُلك: في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ[18]: إضافة ظاهرية بالنسبة إلى ما في الدنيا، تتّسع، وتتضيّق، بحسب ما يشاء اللّه تعالى، ويريد؛ وهذه الإضافة معرض لحدوث الإضافات الكثيرة، تفنى، وتزول، والمتلبّس بها في جهد شديد، في جلب مقتضياتها، ورفع موانعها، والحقيقية أنّه ليس إلّا متاع الغرور.

أمّا الملك الذي آتاه اللّه تعالى إبراهيم (عليه السلام)، فهو مالكية حقايق الأمور، وتسلّطه على الممكنات، فيقلب الجوهر إلى آخر، ويبدّل الصورة إلى أخرى بإذن اللّه تعالى، وهو باق ببقاء اللّه عزّ، وجل، ولا مناسبة بين الملكين، إلا نسبة العدم إلى الوجود.

ومن العجيب أن يكون الثاني مبتلًى بالأوّل دائمًا، نحو: ابتلاء إبراهيم (عليه السلام) بنمرود، وموسى (عليه السلام) بفرعون، ومحمد (صلّى اللّه عليه وآله) بالطواغيت من أهل عصره، وليس ذلك إلّا لكمال الأوّل، وخسّة الثاني.

وورد المليك أيضًا، قال تعالى: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر[19].

ولم يرد الملك (بكسر الميم وسكون اللام)، لإغناء المُلك (بضم الميم) عن ذلك بالأتم، والأكمل، ولعلّ عدم وروده في القرآن لأنّه غالبًا يُستعمَل في الأمور الزائلة، وهو تعالى منزّه عن إضافة مثله إليه.

والمُلك (بالضم) اسم لما يُملك، ويُتصرّف فيه، وهو على قسمين: ملك حقيقيّ، وهو التصرّف في شؤون الرعيّة تصرّفًا حقيقيًّا بكلّ ما يريد من غير مزاحمة، ولا معارضة، وهو مختصّ باللّه تعالى، أو ما يمنحه اللّه ــــ عزّ، وجلّ ـــــ لبعض أنبيائه، وأوليائه، فهو جلّت عظمته خالق كلّ شي‏ء، ومالكه، وله الربوبيّة العظمى العامّة، والقيوميّة المطلقة، قال تعالى: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ[20]، فيرجع إلى المِلك (بالكسر) الحقيقيّ، وملازم له، ويصحّ أن يُعبّر عنه بأنّه ملك في ملك.

وأخرى: مُلك (بالضم)، اعتباريّ اعتبره الاجتماع، مثل ملوك أهل الأرض، الّذين يتسلّطون على جماعة من الناس، ويتصرّفون فيهم تصرّفًا يصلح بها شؤونهم.

وبعد فرض أنّه تعالى خالق لجميع الممكنات، وموجدها من العدم، ومبقيها، ومفنيها، وبيده تدبيرها، وتربيتها، وهو الربّ على الإطلاق، والقيّوم كذلك، فهو مالك، وملك، ومليك، وجميع هذه الإطلاقات من لوازم الفرض الذي فرضناه.

وقد ورد جميع ذلك في القرآن الكريم أيضًا قال تعالى: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [21]، فقد أثبت الملكيّة لنفسه، وقال تعالى: مَلِكِ النَّاسِ[22]، الذي أثبت الملوكيّة لنفسه، وقال تعالى: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ[23]، حيث أثبت المالكيّة، والملوكيّة لنفسه الأقدس.

وفي قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ[24]، المراد بـ مُّلُوكًا ، هو الاستقلال بالنفس، والتسلّط عليها، ومالكيّتهم لأمرهم بالحريّة، والتدبير، والملكيّة، بعد أن كانوا عبيدًا، أرقّاء للقبط، والفراعنة، ليست لهم أيّة سلطة على أنفسهم، وأموالهم، وأمور معاشهم، يسومونهم سوء العذاب، نحو ما ذكر عزّ وجلّ في عدّة من مواضع من كتابه الشريف، قال تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ ويُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ ويَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ[25].

وللملكوت: في قوله تعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)[26]، وجهان: أدبيّ: وهو مصدر من الملك، كالرَحَموت، والجَبَروت، وفي بناء – فَعَلوت –إشعار بالتكثير، بل المبالغة، وفي العالم الربوبيّ، يُراد بها أكمل الصفات، وأشدّها، وآكدها، فيُراد به بحسب اللغة: آكد الملك، وأكمله، كما في سائر صفاته المقدسة، فإنّها تُستعمل بالمعنى اللغويّ، إلا أنّ المصداق فيه تعالى أتمّ، وأكمل، ووجه واقعيّ: يُبصَر به حقائق الأعيان، باعتبار شهودها على الألوهيّة العظمى، والوحدانيّة الكبرى، والربوبيّة التامّة، وخضوع ماسواه له، ومربوبيّتها له.

[1]  تبارك: 1

[2]  التغابن: 1

[3]  المؤمنون: 88

[4]  غافر: 16

[5]  آل عمران:189

[6] النهاية في غريب الحديث – ج 4 – ص 358

[7]  النور: 33

[8]  التغابن: 1

[9]  الحشر: 23

[10]  طه: 114

[11]  الناس: 2

[12]  الحديد: 2

[13]  فاطر: 13

[14]  آل عمران: 26

[15]  آل عمران: 26

[16] آل عمران : 26

[17] النساء: 54

[18] البقرة : 258

[19]  القمر: 55

[20]  فاطر: 13

[21]  البقرة: 255

[22]  الناس: 2

[23]  القمر: 55

[24] المائدة : 20

[25]  إبراهيم: 6

[26] الأنعام : 75

م ل ل

مادّة (م ل ل) تأتي بمعنى: الإملاء، والإثبات، قال تعالى: ولْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ[1].

والمِلّة: الشريعة التي أثبتها اللّه لعباده على ألسنة رسله، وأنبيائه، وهي، والشريعة سيّان، وهي والدين واحد مصداقًا، وأعمّ في الاستعمال، يقال: دين اللّه تعالى، ودين محمد (صلّى اللّه عليه وآله)، ودين زيد؛ ولا يقال في الملّة ذلك، إلّا ملة اللّه تعالى، ويصحّ نسبتها إلى النبيّ المشرّع، قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ[2]، وقال تعالى:  دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا [3]، ولعلّ السرّ في ذلك أنّه روعي في إطلاق لفظ (الملة)، إبلاغ التشريعات الإلهيّة، السماويّة، وهذا يختصّ بالنبيّ دون غيره، ثم اتّسعت حتّى استُعملت في الأديان الباطلة أيضًا، وكاد المجاز أن يغلب الحقيقة، فقيل: “الكفر ملّة واحدة”.

[1]  البقرة: 282

[2] يوسف: 9

[3]  الأنعام: 161

م ن ن

المَنّ، والمنّة: الإحسان، والخير، والنعمة الثقيلة العظيمة، قال تعالى: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ[1]، وقد فسّر المنّ بعض المفسّرين بأنّه: مادّة لزجة، حلوة، تشبه العسل، تقع على الحجر، وورق الشجر، مائعة ثم تجمد، وتجفّ، فيجمعها الناس لأجل الإفادة منها، والسلوى: السُّمانى، وهو طائر معروف. وهذا من باب التطبيق، لا بيان المعنى الحقيقيّ.

وعظم النعمة، وثقلها، يتعدّد:

أوّلًا: بحسب الذات؛ إذا كانت النعمة ممّن اتّصف بالجود، والعظمة، والكبرياء، فحسنة، وهي من صفات اللّه تعالى؛ ومن أسمائه الحسنى المقدّسة، المَنّان؛ أي: المنعم, المعطي.

وقد وردت مشتقّات هذه المادّة في القرآن الكريم في موارد كثيرة، ولعلّ من أعذبها, وأعظمها قوله تعالى: ونُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ونَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ[2]، وقوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ[3].

ومن صفات اللّه العليا: أنّ مِننه ابتداء، وعطيته فضل.

ثانيًا: بالقول؛ كأن يقول لمن أعطاه: ألم أعطك، أو تثقيل النعمة، وتعظيمها، وإكبارها.

ثالثا: بالفعل، كأن يتطاول المعطي على من أعطاه.

والثانية، والثالثة، مذمومتان، وهما من مساوئ الأخلاق، إلّا عند كفران النعمة، لذا قالوا: “إذا كُفِرت النعمة، حسُنت المنّة”.

وفي الدعوات المأثورة عن الأئمة الهداة (عليهم السلام) الاستعاذة باللّه العظيم منه، ففي الصحيفة الملكوتيّة السجاديّة “وأجرِ للناس على يديّ الخير، ولا تمحقه بالمنّ[4]؛ والأصل في معناه: القطع، كأنّ المعطي بالمنّ يقطع الصلة بينه، وبين عمله، ويمحقه.

[1] البقرة : 57

[2] القصص:5

[3] آل عمران: 164

[4] الصحيفة السجادية – ص 110

م ن ي

الأماني: جمع أمنية: وهي التصوّرات التي لا حقيقة لها، ولا واقع، وإن ظنّ أنّ لها واقعًا، وحقيقة، وهي في قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ[1]، تحتمل معنيين:

الأوّل: أنّ كتاب اللّه تعالى يشتمل على أشياء لا حقيقة لها بزعمهم، ويشهد له قوله تعالى: وقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وأَصِيلًا [2].

الثاني: أنْ لاحضّ لهم من معنى الكتاب، ومراد كلامه تعالى، وهمّهم إنّما يكون في غير ذلك؛ وإنّما عبّر بالأمنية لأنّه لا يتجاوز الوهم، والخيال، الذي هو أنزل العوالم، ولا يمكن أن يصل إلى مراده تعالى، الذي هو من عالم الغيب، فيكون من أدلّة النهي عن تفسير كلام اللّه بالرأي.

وتأتي بمعنى: القراءة أيضًا، أي: لا يعلمون الكتاب إلّا قراءة اللفظ من دون التعدّي إلى فهم المعنى الحقيقيّ.

والتمنّي: تعلّق النفس بأمر متعذّر، أو كالمتعذّر، أو تشهّي حصول الأمر المرغوب فيه، والأغلب تحقّقه في قول الإنسان: ليت كذا كان كذا، أي: حديث النفس بما يكون، وما لا يكون، قال تعالى: يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ[3]، وقال تعالى: يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرابًا[4].

وقال بعضهم: إنّ التمنّي نوع من الإرادة، يتعلّق بالمستقبل، ضدّ التلهّف، الذي هو نوع منها، يتعلّق بالماضي، وهو مردود، لأنّ التمنّي أعمّ من ذلك.

والتمنّي مذموم شرعًا، لأنّ فيه تعلّق البال، وانشغاله عن إصلاح الإنسان نفسه، وأنّه يوجب نسيان الأجل، وهو مبدأ الحسد الذي هو من أهمّ الصفات الذميمة، قال كعب:

فلا يغرّنك ما منّت وما وعدت

إنّ الأماني والأحلام تضليل[5]

بخلاف الغبطة، التي هي إرادة ما لصاحبه، مع عدم تمنّي زواله عنه، وهي داعية إلى العمل، والاستكمال، بخلاف التمنّي.

ويقسم التمنّي على الأقسام الآتية:

الأول: وهميّ، خياليّ، لا حقيقة له بوجه من الوجوه، وهذا ضرب من الكذب، ومن علامات الحمقى.

الثاني: حقيقيّ، مقرون بتهيأة الأسباب، فإمّا أن يصل إلى الغاية، وإمّا أن لا يصل إليها، لخروجها عن اختياره، فإنّ اللّه تعالى على كلّ شي‏ء محيط.

الثالث: متعلّق بعالم الآخرة، ونعيمها، مع تهيأة الأسباب، وتقديم الأعمال، وهذا هو التمنّي المطلوب: عقلًا، وشرعًا، وهو من مقاصد القرآن، وسائر الكتب الإلهيّة، فإنّه من الإسراع في الوصول إلى المشتاق، بل هو الغرض الأفضل على الإطلاق، والتخلّص من دار النوائب، والمكاره، والوصول إلى دار السعادة، والراحة.

الرابع: تمنّي دار الآخرة، مع عدم تهيأة النفس، وعدم تقديم الأعمال، وهذا القسم مذموم: عقلًا، وشرعًا، بل باطل عند كلّ ذي شعور، له قوّة التمييز بين الصحيح والسقيم؛ وتمنّي اليهود من هذا القسم، لذا أنكره تعالى عليهم، بقوله تعالى: قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [6].

والودّ يأتي بمعنى: التمنّي أيضًا، إذا كان المحبّ مشتغلًا بمقدّمات ما يحبّه، فيكون الودّ حينئذ أخصّ من التمنّي، قال تعالى: وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [7].

[1] البقرة : 78

[2]  الفرقان: 5

[3]  القصص: 79

[4]  النبأ: 40

[5] شرح ديوان كعب بن زهير، ص 9

[6] البقرة : 94

[7] آل عمران : 69

م ه د

مادّة (م ه د) تأتي بمعنى: البساط، والفراش, والراحة، ويسمّى مضجع الطفل، أو الموضع الذي يُهيّأ له مهدًا، لكونه محلّ ذلك كلّه للطفل، قال تعالى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِين[1]، وتُسمّى الأرض مِهادًا  لذلك أيضًا، بالنسبة إلى الإنسان, والحيوان، ومهّدت الأمر: هيّأته، ووطّئته، قال تعالى: فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ[2].

وفي قوله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ[3]، جهنّم مهاد للمنافق: أي مأوى له، وإنّما ذكره عزّ، وجلّ تهكّما بهم، أي: أن تلك الدار التي يأوون إليها، وذلك المصير ممّا جنته أيديهم، وقد مهّدوها لأنفسهم بسوء اختيارهم، ويبيّن هذه الآية قوله تعالى في موضع آخر: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ* ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ* ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ[4].

[1] آل عمران : 46

[2]  الروم: 44.

[3] البقرة : 206

[4] الشعراء: 205 ــــ 207

م و ت

الموت، والحياة، متقابلان، ومعلومان لكلّ ذي حياة، ولا يختصّان بخصوص الحيوان فقط، بل لكلّ شي‏ء حياة، وموت بحسب استعداده، وقابليته، وهو ما أثبته العلم الحديث، ولكن لكلّ شي‏ء حياة خاصّة به، وكذلك الموت، لا يمكن إدراكهما لغيره تعالى، قال جلّ شأنه: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ والْأَرْضُ ومَنْ فِيهِنَّ وإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا[1].

والموت: إزالة الروح عن الجسد، كالقتل، لكنّ الأوّل يضاف إلى اللّه تعالى، والثاني يضاف إلى الفاعل، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[2]، فكلّ قتل موت، ولا عكس، فالاختلاف بينهما بالاعتبار، لا بالذات.

والموت يقع بحسب أنواع الحياة: فمنه: إراديّ، وهو إماتة الشهوات، وترك التعرّض لها.

ومنه: طبيعيّ، وهو استرجاع الروح الكائن في الحيّ؛ والحياة الطبيعيّة هي بقاء النفس السرمديّة باستكمالها من العلوم، والتبرّؤ من الجهل، لذا أوصى أفلاطون طلاب الحكمة: “مت بالإرادة تحيَ بالطبيعة”.

ومنه: زوال القوّة العاقلة، قال تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ[3]، أي: رفعنا عنه الجهالة بحياة العلم.

ومنه: الحزن، والخوف المنغّص من الحياة، والمكدّرات للعيش، نحو: قوله تعالى: ويَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وما هُوَ بِمَيِّتٍ[4].

وقد يُستعار الموت للأحوال الشاقّة، والمتعبة، نحو: الفقر، والسؤال، والذلّ، والهرم.

وفي قوله تعالى: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ[5]، خروج الحيّ من الميّت، وبالعكس، لهما مظاهر مختلفة، لا يمكن إدراكها إلّا للّه تعالى ، ومنه: خروج النباتات التي لها حياة نباتيّة من الأرض الميتة.

ومنه: خروج الإنسان من النطفة، ثمّ موته بعد مدّة.

ومنه: خروج المؤمن من صلب الكافر، وخروج الكافر من صلب المؤمن، فإنّ الإيمان أعظم أقسام الحياة المعنويّة، قال تعالى: أَومَنْ كانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ[6]

وعموم هذه الآية الشريفة يشمل جميع ما سواه تعالى، ممّن له استعداد الحياة، والموت، بأيّ وجه يتصوّر. وما ذكره المفسّرون في تفسير الآية المباركة من باب ذكر المصاديق.

وفي قوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[7]، ذكر المفسّرون في الموت، والحياة، أقوالًا:

الأوّل: أنّ المراد بالموت هنا العدم السابق على الوجود أي: كنتم معدومين، فأوجدكم، وظاهر القرآن ينفي هذا الاحتمال.

الثاني: عدم الحياة عمّا من شأنه الحياة، نحو: النطفة، والعلقة، والمضغة، من الأطوار التي تعرض على الإنسان في بدء خلقه حتّى يصير خلقًا جديدًا.

الثالث: أنّ المراد بها الموت الحكميّ، لا الحقيقيّ، إذ الإنسان حين ولادته لا اسم له، ولا شهرة له عند النّاس، ثم يصير مشهورًا عندهم.

ولم يأت كلّ منهم في ما ذكروه بدليل يدلّ عليه؛ والأولى الحمل على الجميع، فإنّ للحياة بمراتبها المختلفة، من النباتيّة، والحيوانيّة، والإنسانيّة، جامعًا قريبًا، وهو الحركة، والحسّ؛ وللموت أيضًا بمراتبه الكثيرة، جامعًا قريبًا، وهو الوقف، والسكون؛ واللّه تعالى هو القادر على إيجاد أصلهما، وسائر جهاتهما، وخصوصيّاتهما، فإنّ الإنسان من بدء خلقه إلى نشوره، ووقوفه بين يدي ربّ العالمين؛ وفي جميع أطواره، وحالاته، بل جميع شؤونه، وتبدّلاته، مورد علمه، وقدرته، وإرادته؛ وهذا هو معنى الربوبيّة العظمى المشار إليها في قوله تعالى: رَبِّ الْعالَمِينَ[8]، وإذا كان هذا شأنه معكم، وكان لكم التفات إلى هذه الجهة، ولو إجمالًا، كيف تكفرون باللّه؟؛ فتكون هذه الآية الشريفة مثل قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا وأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[9].

[1]  الإسراء: 44

[2] آل عمران : 21

[3] الأنعام: 122

[4] إبراهيم: 17.

[5] آل عمران : 27

[6] الأنعام: 122

[7] البقرة : 28

[8]  الحمد: 1

[9]  البقرة: 22

م و ه

الماء: معروف، وهو منشأ الحياة في كلّ ذي روح، سواء كان إنسانيًّا، أو حيوانيًّا، أو نباتيًّا، قال تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ[1]؛ والماء أصل حدوثه في العالم العلويّ، وفي الأرض أمكنة مجعولة إلهيّة، لإبقاء هذه النعمة الكبرى، تسهيلًا على المنتفعين به؛ فأصل الحدوث من السماء، والعلّة المبقية في الأرض.

ولا ريب في تقوّم الإنسان، بل كلّ حيوان برزق مخصوص، والرزق متقوّم بالثمرات، وهي ما يحصل من النبات، وكلّ نبات متقوّم بالماء، وهو من السماء، وأخيرًا يرجع الرزق إليه تبارك وتعالى، وقد أشار سبحانه وتعالى الى ذلك بقوله: وفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ[2].

[1]  الأنبياء: 30

[2]  الذاريات: 22

م ي ز

في قوله تعالى: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ[1]، يميز: فعل مضارع، ماضيه: ماز، وفي الحديث: “من ماز أذىً من الطريق فالحسنة بعشرة أمثالها[2]؛ وقُرئ بالتشديد، فيكون ماضيه: ميّز، وهما لغتان بمعنى، وهو ما عن جمع من اللغويّين، وليس التضعيف لتعدّي الفعل، لأنّهما يتعديان إلى مفعول واحد، يقال: مزت الشي‏ء بعضَه من بعض، أميزه، وميّزته تمييزًا، وقال بعضهم: مزت الشي‏ء أميزه ميزًا: إذا فرّقت بين شيئين، فإن كانت أشياء قلت: ميّزتها تمييزا، نظير (فرق)، فإنّه إذا جعلت الواحد شيئين، يقال: فرَقت بينهما (مخفّفًا)، ومنه: فرق الشعر، وإذا جعلت بين الأشياء، يقال: فرّقت (مشدّدًا) تقريبًا.

[1] آل عمران : 179

[2] النهاية في غريب الحديث ــ ج 4 ـــ ص 380

م ي ل

المال: من الميل، وهو كلّ ما تميل إليه النفس، سواء كان ملكًا، أو لا، وسواء كان عينًا خارجيّة، أو منفعة، أو انتفاعًا، وفي قوله تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ[1]، المراد به: ما تتعلّق به الرغبة من الملك.

وفي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[2]، إنّما أضاف الأموال إلى الجميع، لبيان أنّ كلّ ما يصدق عليه المال عند العرف، هو مورد الحكم، وأنّ ماليّة المال إنّما تكون بملاحظة رغبة الجميع، فإنّه ممّا يقوم به نظام هذا العالم.

[1] البقرة : 188

[2] النساء : 29

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"