الرؤوف: من صيغ المبالغة، ولا مبالغة بالنسبة إليه عزّ وجلّ, لأن صفاته الجماليّة, والجلاليّة, غير متناهية من كل جهة, كذاته الأقدس، فالمبالغة من جهة الإضافة إلى المتعلق.
والرؤوف من صفات الذات, لا من صفات الفعل، وقابل للتشكيك: شدة, وضعفا, باعتبار المتعلّق, لا باعتبار الذات.
والرأفة بالمعنى اللغويّ لا يمكن إطلاقها عليه تعالى، وهي بمعنى اللطف بعباده والتساهل معهم، ولا تكاد تستعمل في الكراهة, بخلاف الرحمة, فإنها قد تكون في الكراهة للمصلحة.
ولم تستعمل في القرآن الكريم- غالبا- إلّا مقرونة بالرحمة, ومقدمة عليها, كذلك في أغلب الدعوات المأثورة أيضًا, وهي أرق منها, فيكون من تقديم الخاص على العام، لأن الرحمة نحو محبة خاصة تستعمل غالبا في دفع المكروه, وإزالة الضرر عن غير الراحم؛ والرأفة تستعمل غالبا في إيصال النفع إليه، وفي قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [1]؛ أي: يدفع المكاره, والمضرات, ويوصل المنافع, وهما من مظاهر ربوبيته العظمى, وقيموميته المطلقة على جميع ما سواه؛ وغالب استعمالاته بالنسبة إلى ذوي العقول, والعباد, والمؤمنين، ولم نجد في القرآن العظيم استعماله بالنسبة إلى سائر الخليقة من الحيوان, والنبات.وجملة رَؤُفٌ بِالْعِبادِ , وردت في القرآن الكريم من غير توصيف بالرّحيم, نحو: قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ[2]، وقوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ[3]، وفي غيرهما يتبع بالرّحيم، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ العبوديّة أخص المقامات, والدّرجات, فتقتضي أخص الألطاف, والعنايات.
وحقيقة معنى الرأفة, مما يدرك ولا يوصف, ولا سيّما إذا أضيفت اليه عزّ, وجل، كسائر الصفات المضافة إليه تعالى، وجميع ما ذكره اللغويون, والأدباء, وتبعهم المفسرون, قول من وراء الحجاب, لا يصلح لإزالة الشك, والارتياب، فحقيقتها مجهولة, وإن كانت أخصيتها من مطلق الرحمة, معلومة.
والرأفة: تستعمل في المخلوق أيضًا، قال تعالى: ولا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ[4]، وفي بعض الدعوات المأثورة “يا أرأف من كل رؤوف”[5].
والآيات المباركة المشتملة على الرأفة على أقسام:
الأول: مطلقات، نحو قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ[6]، وقوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ[7].
الثاني: ذكر فيه النّاس، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ[8].
الثالث: ذكر فيه العباد، قال تعالى: وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ[9].
الرابع: ذكر فيه المؤمنين، قال جل شأنه: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ[10].
وليس ذلك من التقييد في شيء، فإن ما سواه تعالى مورد رأفته, ورحمته, حدوثا, وبقاء، وذكر النّاس, أو العباد، أو المؤمنين, إما لأجل ذكر الفرد الأهم، أو لأجل بيان مراتب الرأفة الكثيرة.
[1] البقرة : 143
[2] البقرة : 207
[3] آل عمران: 30
[4] النور: 2
[5] المصباح للكفعمي – ص 253
[6] النحل: 7
[7] الحشر: 10
[8] البقرة: 143
[9] البقرة: 207
[10] التوبة: 128