بضرورة الفقه في هذه الأعصار و ما قاربها، و لأنّ ما يدل على حرمة مسه على المحدث الأصغر يدل على الحرمة في الأكبر بالفحوى. و أما خبر محمد بن مسلم(۱) الظاهر في جواز مس الجنب الدرهم المكتوب عليه القرآن، فمحمول على مس غير موضوع الكتابة مع أنه موهون بالهجران.
و هي أيضا أمور: (الأول): مس خط المصحف على التفصيل الذي مرّ في الوضوء (۱). و كذا مس اسم اللَّه تعالى (۲) و سائر أسمائه و صفاته المختصة (۳)، و كذا مس أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام على الأحوط (٤).
لقول الصادق عليه السلام في الموثق: «لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللَّه تعالى»(۲) مضافا إلى ظهور الإجماع عليها و ما يظهر منه الخلاف- كخبر أبي الربيع(۳) و موثق إسحاق(٤)– وارد مورد التقية و مهجور عند الإمامية و محمول على بعض المحامل.
لأنّ مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع أنّ ما اختص بالذات الأقدس اسما كان أو صفة حكمه حكم لفظ الجلالة.
و أما الصفات المشتركة، فمقتضى الأصل الجواز و ان قصد الكاتب الاختصاص، لأنّ قصده لا يوجب اختصاص اللفظ بحيث يكون من الأسماء أو الصفات المختصة به تعالى في المحاورة.
و هو المشهور و نسب إلى كبراء الأصحاب تارة: و إلى الأصحاب أخرى: و يكفي ذلك في لزوم الاحتياط و تقدم حكم الأسماء المشتركة في صفات اللَّه تعالى.
(الثاني): دخول المسجد الحرام و مسجد النبي صلى اللَّه عليه و آله و إن كان بنحو المرور (٥).
نصا و إجماعا، ففي صحيح جميل عن الصادق عليه السلام: «عن الجنب يجلس في المساجد قال عليه السلام: لا و لكن يمر فيها كلّها الا مسجد الحرام و مسجد الرسول صلى اللَّه عليه و آله»(٥).
و الظاهر أنّ المراد بالمرور مطلق الكون بقرينة خبر محمد بن مسلم- في حديث الجنب و الحائض-: «و لا يقربان المسجدين الحرمين»(٦).
(الثالث): المكث في سائر المساجد (٦)، بل مطلق الدخول فيها على غير وجه المرور. و أما المرور فيها بأن يدخل من باب و يخرج من آخر فلا بأس به (۷). و كذا الدخول بقصد أخذ شيء منها فإنّه لا بأس به (۸). و المشاهد كالمساجد في حرمة المكث فيها (۹).
بالأدلة الثلاثة- كما يأتي- و قد يعبر عنه باللبث و المراد واحد.
لقوله جل و جلاله وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ(۷). و إطلاقه يشمل جميع أنحاء الكون فيه الا بنحو العبور و الا ما خرج بدليل معتبر، فيكون مقيدا لإطلاق الآية.
و أما الأخبار فعلى أقسام:
الأول: المطلقات التي يستفاد منها عدم جواز الدخول كقول الصادق عليه السلام عن آبائه عن النبي صلى اللَّه عليه و آله «إنّ اللَّه كره لي ست خصال- إلى أن قال- إتيان المساجد جنبا»(۸).
و شمول مثله لمطلق الدخول مما لا ينكر.
الثاني: ما يدل على عدم جواز القعود و جواز الدخول مجتازا كقول أبي جعفر عليه السلام: في الصحيح- في حديث الجنب و الحائض-:
«يدخلون المسجد مجتازين و لا يقعدان فيه و لا يقربان المسجدين الحرمين»(۹).
و لا بد من تقييد جميع الأدلة به، لصحة سنده، و صراحة دلالته، و عمل الأصحاب به.
الثالث: صحيح ابن مسلم: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال عليه السلام: يتوضأ و لا بأس أن ينام»(۱۰) و لا بد من طرحه، أو حمله على الاضطرار، لمخالفته الآية الكريمة المتقدمة و الأخبار المستفيضة مع إعراض الأصحاب عنه و موافقته للعامة.
ثمَّ إنّ مفاد الآية الكريمة و الأخبار المنزلة عليها هو جواز العبور- بأن يدخل من باب و يخرج- من آخر- بحيث يصدق عليه العبور و الاجتياز عرفا. و أما مع عدم صدقهما- كما إذا دخل من باب و خرج منه أيضا، أو دخل من باب و دار أطراف المسجد و خرج من باب آخر- فلا يستفاد جوازهما من الآية، للشك في شمولهما، فيكون من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، فالمرجع أصالة البراءة، لكون المقام من الشبهة التحريمية. الا أن يقال: إنّ المحرم هو مطلق الكون خرج منه العبور و بقي الباقي. و لكنّه مشكل.
فروع- (الأول): لا فرق في جواز المرور بين كون العبور من المسجد عاديا و متعارفا أو لا، للإطلاق الشامل لهما.
(الثاني): لا يعتبر في جواز المرور في المسجد انحصار الطريق بالعبور
فيه، فيجوز و لو مع عدم الانحصار- كما لا يجب السرعة في المرور بل يجوز بنحو المتعارف- للإطلاق و الأصل.
(الثالث): لو كان في المسجد معبران أحدهما أقصر من الآخر يجوز له العبور من الأبعد، لظهور الإطلاق.
(الرابع): لو غفل عن جنابته و مكث بعد الدخول قليلا أو كثيرا لا شيء عليه.
على المشهور، بل المجمع عليه، الصحيح ابن سنان: «سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه قال عليه السلام: نعم و لكن لا يضعان في المسجد شيئا»(۱۱).
و يمكن أن يكون المقام من موارد الحرج العرفي خصوصا بقرينة صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: «لأنهما لا يقدران على أخذ ما فيه الا منه و يقدران على ضع ما بيدهما في غيره»(۱۲).
ثمَّ إنّ إطلاق صحيح ابن سنان و غيره و إن كان يشمل المسجدين أيضا، و لكن يمكن دعوى انصرافه عنهما بقرينة قوله عليه السلام: «و لا يقربان المسجدين الحرمين»(۱۳).
نعم، لو كان الحكم من موارد الحرج لعمهما أيضا.
كما عن جمع منهم المفيد و الشهيدان و غيرهم رحمهم اللَّه، لارتكاز الإمامية حيث ينزلونها منزلة المساجد. و هذا المرتكز كان فيهم خلفا عن سلف، و يشهد لذلك الأخبار التي جمعها صاحب الوسائل في باب خاص من أبواب الجنابة(۱٤) في قضية دخول أبي بصير جنبا على أبي عبد اللَّه عليه السلام و دخول الأعرابي جنبا على الحسين عليه السلام و إنكارهما لذلك(۱٥) فإذا كانت بيوتهم في
زمان حياتهم هكذا، فمشاهدهم التي تكون معبدا و ملجأ تكون بالأولى و أرسل صاحب الجواهر- في كتاب الديات- قولهم عليهم السلام: «إنّ بيوتنا في الأرض مساجد».
و هذه الأدلة: و إن أمكنت المناقشة فيها، لكنّها كافية للاحتياط الوجوبي.
فروع- (الأول): لا بأس بمكث الجنب و الحائض في الرواق و الصحن الشريفين و ان كان الأولى تركه أيضا.
(الثاني): ترتفع الحرمة عن المرور في المسجدين و المكث في غيرهما لكلّ عذر- كالغفلة و النسيان و الاضطرار- و نحوها.
(الثالث): المرور فيهما و المكث في غيرهما عمدا من المعاصي الصغيرة فيجب فيها التوبة و الاستغفار.
(الرابع): الدخول في المساجد بقصد وضع شيء فيها، بل مطلق الوضع فيها و إن كان من الخارج أو في حال العبور (۱۰).
جمودا على ظاهر الصحيحين، و لكنّه جمود محض و خلاف مرتكزات المتشرعة، و لذا عدل عنه الماتن في أحكام الحائض و خصص ذلك بما إذا استلزم الدخول. و يظهر من مرسل القمي عن الصادق عليه السلام(۱٦) حرمة الأخذ و جواز الوضع و لا بد من حمله أو طرحه، لقصوره عن معارضة الصحيحين فروع- (الأول): مقتضى إطلاق الصحيحين جواز الدخول لأخذ الشيء حتّى لو تمكن من استنابة المتطهر. إلا أن يقال بانصرافهما عن هذه الصورة.
(الثاني): الظاهر من جواز الدخول إنّما هو فيما إذا كان أصل الأخذ جائزا، فلو كان حراما، لكون المأخوذ مال الغير، فلا يجوز، لانصراف الأدلة إلى غيره.
(الثالث): فلو توقف الأخذ على تكرار الدخول و الخروج، فظاهر الإطلاق جوازه و مقتضى الاحتياط خلافه.
(الرابع): مقتضى الإطلاق جواز استئجار الجنب لأخذ شيء من المسجد و كذا للمرور فيه إلا أن يقال: بالانصراف عنه.
(الخامس): قراءة سور العزائم (۱۱) و هي: سورة اقرأ، و النجم، و الم تنزيل، و حم السجدة (۱۲)، و إن كان بعض واحدة منها، بل البسملة أو بعضها بقصد إحداها على الأحوط (۱۳)، لكن الأقوى اختصاص الحرمة بقراءة آيات السجدة منها.
نصا و إجماعا في الجملة و عن المحقق في المعتبر: «يجوز للجنب و الحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلا سور العزائم الأربع و هي اقرأ باسم ربك، و النجم، و الم تنزيل السجدة، و حم السجدة روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى عن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللَّه عليه السلام»(۱۷) و هو مذهب فقهائنا أجمع.
ثمَّ إنّ المحتملات في قوله عليه السلام: «سور العزائم الأربع» أربعة:
الأول: تمام السورة من حيث اشتمالها على آية السجدة.
الثاني: خصوص آية السجدة في كل منها.
الثالث: السورة من باب الوصف بحال المتعلق و ذكر الكل و إرادة البعض.
الرابع: ذات السورة بعنوان السريان في كل آية آية، فيشمل بعض آياتها و لو لم تكن آية المسجدة. و المنساق عرفا هو الأول أو الثالث دون البقية. و الشك في إرادة الأخير يكفي في عدم الشمول، لأنه تمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية. و في موثق زرارة(۱۸) عن أبي جعفر عليه السلام «قلت: الحائض و الجنب هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال عليه السلام: نعم ما شاءا إلا السجدة».
و عنه عليه السلام أيضا: «و الجنب و الحائض يفتحان المصحف من وراء الثوب و يقرءان من القرآن ما شاءا إلا السجدة».
و المنساق منها آية السجدة بالخصوص و هو المطابق للأصل فلا وجه لتحريم تمام السورة.
و أما ما وقع من لفظ السور الأربع في معاقد الإجماعات، فلا وجه، لاستفادة حرمة قراءة غير آية السجدة منها لوجوه:
الأول: أنّ ذكر الكلّ و إرادة البعض شائع، فلتكن هذه الإجماعات من هذا القبيل.
الثاني: أنّه قد استقرت السيرة على الأخذ بالقدر المتيقن عند الشك في تعميم معقد الإجماع.
الثالث: على فرض ثبوت التعميم في معاقدها فهي من الإجماعات الاجتهادية لا التعبدية، فلا اعتبار بها و كذا دعوى: الروض الإجماع على حرمة البعض مطلقا حتّى البسملة، فإنّه أيضا اجتهادي.
الرابع: إنّ عبارات جمع من القدماء ليست بظاهرة في حرمة قراءة غير السجدة، بل المنساق منها خصوص آية السجدة فراجع و تأمل.
و كيف يعتمد على مثل هذه الإجماعات في الجزم بالحكم.
و بالجملة: قراءة خصوص آية السجدة حرام سواء كانت في ضمن قراءة تمام السورة أو وحدها. و أما قراءة بعضها من غير آية السجدة، فلم يقم دليل معتبر على الحرمة و طريق الاحتياط معلوم، و المسألة بحسب الدليل اللفظي و الإجماع و الأصل العملي من موارد الأقل و الأكثر، فيحرم الأول قطعا إلا مع قيام دليل معتبر على الثاني.
نصا و إجماعا تقدم في خبر المعتبر، و يأتي في كتاب الصلاة [مسألة ۳] من فصل القراءة.
ظهر وجه الاحتياط مما تقدم.
(مسألة ۱): من نام في أحد المسجدين و احتلم أو أجنب فيهما أو في الخارج و دخل فيهما عمدا أو سهوا أو جهلا وجب عليه التيمم للخروج (۱٤) الا أن يكون زمان الخروج أقصر من المكث للتيمم، فيخرج من غير تيمم أو كان زمان الغسل فيهما مساويا أو أقل من زمان التيمم، فيغتسل حينئذ و كذا حال الحائض و النفساء (۱٥).
نصا و إجماعا قال أبو جعفر عليه السلام في الصحيح: «إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلى اللَّه عليه و آله فاحتلم، فأصابته جنابة، فليتيمم و لا يمر في المسجد الا متيمما- الحديث-»(۱۹).
و المستفاد منه و من غيره بمناسبة الحكم و الموضوع تعين اختيار ما يكون أقل زمانا من الكون جنبا في المسجد مهما أمكن ذلك لا أن يكون لخصوص التيمم موضوعية خاصة و حينئذ فإن كان زمان الخروج أقصر من زمان الغسل و التيمم، فالظاهر تعينه و لو كان زمان الغسل أقصر من زمان التيمم و الخروج يتعين الغسل لعدم التكليف بالبدل مع التمكن من المبدل، و كذا لو كان زمان الغسل و التيمم متساويا مع كونه أقصر من زمان الخروج، و أما لو تساوت أزمنة الثلاثة، فالظاهر التخيير لعدم ترجيح في البين، و لو كان زمان التيمم أقصر من زمان الخروج و لم يتمكن من الغسل يتعين التيمم. ثمَّ إن مورد الصحيح الاحتلام و الظاهر عدم الفرق بينه و بين سائر أقسام الجنابة و يأتي في [مسألة ۳٦] من فصل التيمم ما يتعلق بالمقام.
أما الأولى فإن كانت بعد انقطاع حدث الحيض، فلظهور الإجماع عليه. و ان كانت قبله، فلا وجه له الا مرسل الكافي في ذيل ما مر من الصحيح(۲۰) «و كذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك».
و لكن إرساله يمنع عن الاعتماد عليه مع بقاء الحدث و عدم رفعه بالتيمم إلا أن يقال: بحصول التخفيف في الجملة، أو أنّه نحو احترام للمسجد يجب مطلقا.
و أما الثانية، فلظهور التسالم على انّها بمنزلة الحائض و يأتي في أحكام النفساء بعض الكلام.
ثمَّ إنّه يجري تمام ما ذكر: بالنسبة إلى المكث في سائر المساجد لو اضطر أيضا، لأنّ النص على ما ذكرناه ورد موافقا للقاعدة، فلا اختصاص به بالمرور في المسجدين.
(مسألة ۲): لا فرق في حرمة دخول الجنب في المساجد بين المعمور منها و الخراب و إن لم يصل فيه أحد و لم يبق آثار مسجديته (۱٦). نعم، في مساجد الأراضي المفتوحة عنوة إذا ذهبت آثار المسجدية بالمرة يمكن القول بخروجها عنها، لأنّها تابعة لآثارها و بنائها (۱۷).
كل ذلك، للإطلاق و الاستصحاب.
إن كانت التبعية ما دام الأثر و البناء، فهو حق و أما إن كان الأثر أو البناء موجبا لحصول التحرير المطلق فلا تدور المسجدية حينئذ مدارهما، بل تبقى و لو مع زوالهما، و الظاهر هو الأخير و مع الشك، فالمرجع الاستصحاب.
(مسألة ۳): إذا عيّن الشخص في بيته مكانا للصلاة و جعله مصلّى له لا يجري عليه حكم المسجد (۱۸).
للأصل بيد أنّ التعين للصلاة أعم من المسجد شرعا و عرفا.
(مسألة ٤): كلّ ما شك في كونه جزءا من المسجد من صحته و الحجرات التي فيه و منارته و حيطانه و نحو ذلك لا يجري عليه الحكم (۱۹) و إن كان الأحوط الإجراء (۲۰) إلا إذا علم خروجه منه.
لأصالة عدم عروض عنوان المسجدية و أصالة الإباحة.
جمودا على ظاهر الحال، و لكن الكلام في حجية مثل هذا الظاهر في مقابل الأصل.
(مسألة ٥): الجنب إذا قرأ دعاء (كميل) الأولى و الأحوط أن لا يقرأ منها أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ لانّه جزء من سورة حم السجدة (۲۱). و كذا الحائض. و الأقوى جوازه، لما مر من أنّ المحرّم قراءة آيات السجدة لا بقية السورة.
الآية جزء من سورة الم السجدة و لعلّ السهو من الناسخ ثمَّ إنّ تسمية الدعاء بدعاء الخضر لا ينافي اشتماله على الآية الكريمة لجواز أن يكون قد ألهم الخضر هذا الدعاء بعد نزول القرآن على نبينا صلى اللّه عليه و آله أو أدرجها عليّ عليه السلام في دعاء الخضر. مع أنّه تصح القراءة بقصد عدم القرآنية.
(مسألة ٦): الأحوط عدم إدخال الجنب في المسجد و ان كان صبيا، أو مجنونا، أو جاهلا بجنابة نفسه (۲۲).
لاحتمال أن يكون مثل هذا الأحكام أعم من المباشرة و التسبيب و لكن يمكن دعوى: ظهور الأدلة في المباشرة كما لا يخفى.
(مسألة ۷): لا يجوز أن يستأجر الجنب لكنس المسجد في حال جنابته (۲۳)، بل الإجارة فاسدة (۲٤). و لا يستحق الأجرة (۲٥).نعم، لو استأجره مطلقا و لكنه كنس في حال جنابته و كان جاهلا بأنه جنب أو ناسيا استحق الأجرة (۲٦) بخلاف ما إذا كنس عالما، فإنّه لا يستحق (۲۷)، لكونه حراما و لا يجوز أخذ الأجرة على العمل المحرّم. و كذا الكلام في الحائض و النفساء (۲۸). و لو كان الأجير جاهلا أو كلاهما جاهلين في الصورة الأولى (۲۹) أيضا يستحق الأجرة، لأنّ متعلّق الإجارة و هو الكنس لا يكون حراما و انّما الحرام الدخول و المكث، فلا يكون من باب أخذ الأجرة على المحرّم. نعم، لو استأجره على الدخول أو المكث كانت الإجارة فاسدة (۳۰) و لا يستحق الأجرة و لو كانا جاهلين، لأنّهما محرّمان و لا يستحق الأجرة على الحرام، و من ذلك ظهر أنّه لو استأجر الجنب أو الحائض أو النفساء للطوائف المستحب كانت الإجارة فاسدة و لو مع الجهل و كذا لو استأجره لقراءة العزائم، فإنّ المتعلق فيهما هو نفس الفعل المحرّم، بخلاف الإجارة للكنس فإنّه ليس حراما و إنّما المحرّم شيء آخر و هو الدخول و المكث فليس نفس المتعلّق حراما.
لأنّه مع علم الأجير بجنابة نفسه، يكون من الأمر بالمنكر و التسبيب له. و مع عدم علمه، فهو من المسألة السابقة.
لعدم القدرة الشرعية على متعلّقها، مضافا إلى ظهور الاتفاق على البطلان مع العلم و الالتفات.
لأنّ اللَّه تعالى: «إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه»(۲۱) و هو واضح إن كان ذات العمل من حيث هو حراما. و أما مع عدم حرمة الكنس من حيث هو و كون الحرمة لأجل جهة خارجية من الكون في المسجد، فلا يستحق المسمّى، لبطلان الإجارة و لو من جهة لازمه و يستحق أجرة المثل، لاحترام العمل، و لقاعدة: «إنّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».
لعمومات أدلة الإجارة، و عدم صلاحية النهي للمانعية، لأجل العذر المقبول شرعا.
الظاهر الاستحقاق في هذه الصورة أيضا، لأنّ الإجارة مطلقة و الأجير قادر على العمل شرعا و دعوى: أن القدرة على الطبيعة لا تكفي في القدرة على الفرد. خلاف المتفاهمات العرفية في المعاملات، فالمقتضي للصحة موجود و لا مانع في البين الا قوله: «لكونه حراما» و سيصرح رحمه اللَّه بالخلاف في قوله بعد ذلك: «لأنّ متعلّق الإجارة و هو الكنس لا يكون حراما و انّما الحرام الدخول و المكث، فلا يكون من باب أخذ الأجرة على المحرّم».
لظهور الاتفاق على أنّ ما يحرم على الجنب يحرم عليهما الا ما خرج بالدليل.
و هي المقيدة بالكنس في حال الجنابة.
و خلاصة الكلام: أن الأجير و المستأجر إن كانا جاهلين بالجنابة و كانت الإجارة مطلقة تصح الإجارة و تستحق الأجرة، لوجود المقتضى و فقد المانع.
و كذا إن كانا عالمين بها مع كون الإجارة مطلقة، لأنّ متعلّق الإجارة و هو الكنس ليس بحرام و المحرّم هو المكث ليس بمتعلّق الإجارة.
الا أن يقال: إنّ العرف لا يفرق بينهما و الأدلة منزلة على المتعارف لا الدقة. و إن كانت الإجارة مقيدة بحال الجنابة مع علمهما بها، فلا ريب في البطلان، لكون ذلك من المنكرات الشرعية و ان كانت مقيدة بها مع جهلهما بها، فلا ريب في تحقق التجري. و لكنّه لا يوجب بطلان المعاملة، و مقتضى العمومات و الإطلاقات الصحة حينئذ، لوجود المقتضي و فقد المانع. و كذا إن كانت مقيدة بها مع علم المستأجر و جهل الأجير و هناك صور أخرى لا وجه للتعرض لها، لعدم الابتلاء بها، بل بجملة مما ذكرنا أيضا و تأتي الإشارة إلى أصل المسألة في كتاب الإجارة عند قوله رحمه اللَّه: (السابع أن يتمكن المستأجر من الانتفاع بالعين).
هذا الإطلاق مخدوش، لجريان جميع الأقسام التي تقدمت فيهما أيضا، فلا بد من التفصيل بين العلم و الجهل المعذور فيه و مجرد الحرمة الواقعية مع العذر الظاهري- جهلا كان أو غيره- لا يوجب سلب احترام العمل.
(مسألة ۸): إذا كان جنبا و كان الماء في المسجد عليه أن يتيمم و يدخل المسجد لأخذ الماء أو الاغتسال فيه (۳۱) و لا يبطل تيممه لوجدان هذا الماء إلا بعد الخروج أو بعد الاغتسال (۳۲) و لكن لا يباح بهذا التيمم إلا دخول المسجد، و اللبث فيه بمقدار الحاجة (۳۳)، فلا يجوز له مس كتابة القرآن و لا قراءة العزائم، إلا إذا كانا واجبين فورا (۳٤).
يأتي تفصيل هذه المسألة بعينها في فصل التيمم [مسألة ۳٥].
أشكل على صحة هذا التيمم باستلزامه المحال، فلا وجه للصحة لأنّ صحة التيمم تتوقف على عدم التمكن من استعمال الماء و مع هذا التيمم يتمكن منه و ما يلزم من وجوده عدمه و من صحته بطلانه محال و باطل.
و الجواب: إنّه لا يبطل التيمم بمجرد تحققه، بل بدخول المسجد و الشروع في الاغتسال، فلا يلزم من وجوده عدمه، كما أنّ التمكن من استعمال الماء لا يحصل بمجرد التيمم، بل بدخول المسجد فلا محذور في البين مع تعدد الجهة و لو اعتبارا.
و أما الإشكال: بأنّ هذا التيمم بدل عن الغسل مع أنّه مقدمة للاغتسال، فيلزم في الواقع مقدمية الغسل أو مقدمية الشيء لنفسه. فمدفوع بأن وجوب مثل هذا التيمم ليس لأجل المقدمية، بل هو إلزام نفسي عقليّ، لأجل الاهتمام و التحفظ على مطلوب المولى. و على فرض كونه لأجل المقدمية، فيدفع المحذور باختلاف الجهة.
لأنّ المستفاد من الأدلة أنّ هذه الطهارة جهتية لا من كلّ جهة و لا إشكال في تصوير ذلك ثبوتا و استفادته من دليل صحة هذا التيمم إثباتا. و التمسك بإطلاق أدلة طهورية التيمم بالنسبة إلى سائر الغايات في المقام. مشكل، لكونه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، فيرجع في سائر الغايات إلى أصالة بقاء الحدث و يأتي في المسوّغ السابع من مسوّغات التيمم في [مسألة ۳۱] بعض الكلام.
لعدم التمكن من الطهارة المائية بالنسبة إليهما حينئذ، فيثبت موضوع التيمم لا محالة.
(مسألة ۹): إذا علم إجمالا جنابة أحد الشخصين لا يجوز له استئجارهما و لا استئجار أحدهما (۳٥) لقراءة العزائم أو دخول المساجد أو نحو ذلك مما يحرم على الجنب.
إن علم المستأجر بجنابتهما و علما بها أيضا، فهو من صغريات ما تقدم في [مسألة ۷]، فلا يجوز إجارتهما معا. و أما إجارة أحدهما، فتتوقف على كون الآخر موردا لابتلاء المستأجر و عدمه، فلا يصح على الأول بخلاف الأخير. و أما مع العذر جهلا كان أو غيره، فالظاهر الجواز بالنسبة إليهما، فكيف بأحدهما، لوجود المقتضي و فقد المانع- كما تقدم-، و ليس ذلك من التجري و لا من الإعانة على الحرام بعد كون المناط على تكليف العامل و المفروض أنّه معذور للجهل أو لغيره.
(مسألة ۱۰): مع الشك في الجنابة لا يحرم شيء من المحرّمات المذكورة (۳٦) إلا إذا كانت حالته السابقة هي الجنابة (۳۷).
لأصالة البراءة إن كانت الحالة السابقة غير معلومة، و استصحاب عدم الجنابة لو كانت معلومة.
لاستصحاب الجنابة.
فروع- (الأول): قضاء المسجد و داخل أرضه بحكم المسجد ما دام يعتبر العرف فيهما المسجدية و إن خرج عن الاعتبار، فلا يلحقه الحكم. و فرق بين صدق دخول الجنب في المسجد، و تنجيسه حيث إنّ الأول يصدق مع دخوله في الفضاء أيضا و لو لم يدخل أرضه بخلاف الثاني على ما تقدم(۲۲).
(الثاني): المساجد التي جعلت جزءا من الشوارع و زال عنها عنوان المسجدية يحرم مكث الجنب فيها على الأحوط، و وجه الترديد احتمال أن يكون الحكم دائرا مدار العنوان.
(الثالث): الزوائد الحاصلة في المسجد الحرام و مسجد النبي يلحقها حكمهما.
(الرابع): لو اعتقد أنّه جنب و دخل في المسجد و صلى ثمَّ بان أنّه متطهر تصح صلاته إن حصل منه قصد القربة و لا شيء عليه.
- الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الجنابة.
- الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الجنابة.
- الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الجنابة.
- الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الجنابة.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الجنابة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الجنابة حديث: ۱۷.
- سورة النساء آية: ٤۳.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الجنابة حديث: ۱٦.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الجنابة حديث: ۱۷
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الجنابة حديث: ۱۸
- الوسائل باب: ۱٤ من أبواب الجنابة حديث: ۱۷
- الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الجنابة حديث: ۲
- الوسائل باب: ۱٤ من أبواب الجنابة حديث: ۱۷
- راجع الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الجنابة.
- راجع الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الجنابة.
- الوسائل باب: ۱۷ من أبواب الجنابة حديث: ۳
- الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الجنابة حديث: ۱۱.
- الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الجنابة حديث: ٤
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الجنابة حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الجنابة حديث: ۳.
- لم يرد هذا النص في كتب الأحاديث. نعم، في مستدرك الوسائل باب: ٦ من أبواب ما يكتسب به: «إن اللَّه إذا حرّم على قوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه» و هو يوافق ما في سنن البيهقي ج: ٦ ص ۱۳ و سنن أبي داود: ج: ۳ ص: ۳۸۰ و تقدم في ج ۱ صفحة: ۲۹۹بعض مصادر اخرى فراجع
- راجع ج: ۱ صفحة: ٤٦٥- ٤۷٤.