1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس السادس والعشرون

الموضوع: بحث الأصول – الأصول العملية – مبحث الاستصحاب –  استصحاب العدم الأزلي   .

قلنا إنَّ كل ممكن جوهراً كان أو عرضاً أو اعتبارياً محفوف بالعدم، وهذه القضية من القضايا الضرورية التي يفهما كل من يرجع إلى وجدانه، العدم السابق والعدم اللاحق، أثبتوا ذلك بالأدلة العقلية والأدلة الكثيرة الشرعية جمعها شيخنا المجلسي في كتاب الأسماء والسماء والعالم حيث أثبت بالأدلة النقلية هذا الشيء، فلا ريب في القضية شرعاً وعرفاً وعقلاً.

الأمر الثاني: – في اصطلاح العلماء من عقيدهم وأصوليهم وفقيههم وغيرهم أنَّ لفظ كان ولفظ ليس يستعمل في معنيين: –

المعنى الأول: – ما اصطلحوا عليه بـ ( كان ) التمامة، فإذا كان لفظ (  كان ) لا يحتاج إلى خبر عبّروا عنه بـ ( كان ) التامة، مثل كان زيد أي تحقق زيد، كان الله تعالى ولم يكن معه شيء ، فلفظ ( كان ) في هذه القضية استعملت تامة ولا تحتاج إلى خبر، فهذا اللفظ إذا عبّر عنه في مقام تحقّق الشيء وثبوته في ذاته يعبّر عنه بكان التامة، وهو صحيح ولا إشكال فيه.

المعنى الثاني: – ما اصطلحوا عليه بـ ( كان ) الناقصة، وكان الناقصة فتستعمل في مقام إثبات شيء وأوصاف شيء لشيء وللموصوف، مثل كان زيدا قائماً وكان زيد عالماً فكل لفظ كان قد استعمل في مقام ثبوت شيء لشيء يقال له ويعبر عنه بكان الناقصة لعدم اكتفائه بفاعله بل يحتاج إلى شيء آخر ويكون ناقصاً من هذ الناحية.

وكذا لفظ ( ليس ) يعبر عنه بليس التامة، فكل لفظ سواء كان بلفظ ليس أو بلفظ لا أو نحوها إذا استعمل في نقض الذات يعبر عنه بـ( ليس ) التامة، مثل ليس زيد أي لا تحقق لزيد، وقد يعبر عنها بـ( ليس ) الناقصة، وليس الناقصة في مقام كان الناقصة، كل لفظ ليس إذا استعمل في مقام نفي شيء عن شيء نفي وصف أو موصوف يعبر عنه بليس الناقصة، يقال ليس زيد بعالم وليس زيد بنائم فهذا عبارة عن ليس الناقصة وقد يعبر عنه بالعدم النعتي، فالمراد بالعدم النعتي وليس الناقصة شيء واحد، كما أنه يعبر عن لس التامة بالعدم المحمولي فالعدم المحمولي وليس التامة شيء واحد، وفي المقام العدم السابق يستعمل تارة بالنسبة إلى عدم الوصف للموصوف ليس الجو بغائم وزيد ليس بعالم هذه ليس استعملت في مقام نفي الوصف عن الموصوف فيصح أن يعبر عنه بالعدم السابق لفرض أنَّ الغيام مسبوق بالعدم ثم حدث، وقد يعبر بليس الناقصة نأتي بها لنفي الذات والموصوف مثل ليس زيد بقائم أي في مقام السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فيصح استعمال لفظ ليس تارة في مقام نفي المحمول وأخرى في مقام السالبة بانتفاء الموضوع فكل منهما حسن ولا بأس به.

والعدم الأزلي تارةً يلحظ بالنسبة إلى نفس المحمول الذي كان معدوماً قبل تحقق الذات وتارة يلحظ عدمه مع عدم الذات، قال أبو عبد الله عليه السلام:- ( كل امرأة ترى الحمرة إلى الخمسين إلا أن تكون امرأة من قريش فإنها ترى الحمرة إلى ستين )، فلو شككنا في امرأة أنها قرشية أو غير قرشية فإنَّ بناء فقهائنا المتأخرين قدس الله أسرارهم على جريان استصحاب العدم الأزلي بالنسبة إليها، وفي هذه المسألة يصح أن نجري أصالة عدم الانتساب إلى قريش، وهذا ليس من العدم الأزلي وإنما هو أصل مستقل برأسه سواء قلنا بحجية الاستصحاب أو لم نقل بذلك، لأنَّ كل من شك في أنه منتسب إلى طائفة من الطوائف جرت السيرة العقلائية على أصالة عدم انتسابه إليها فأصالة عدم الانتساب يمكن أن تعد اصلاً عقلائياً مستقلاً في حد نفسه، ويكن انطباق هذا على جريان الأصل في الأعدام الأزلية قبل أن تخلق هذه المرأة لم تكن مرأة ولم يكن هناك انتساب إلى قريش بالنسبة إليها وقد انتقض العدم بالنسبة إلى المرأة ولم ينتقض العدم بالنسبة إلى الانتساب إلى قريش لفرض بقاء الشك فيها، ففي مثل هذه المسألة وفي مثل المقام لو قال أكرم العلماء ثم قال لا تكرم الفسّاق وشككنا في أن زيد فاسق أو ليس بفاسق تجري أصالة عدم فسقه، فيصح أن نرجع في الفرد المشكوك إلى الأصل ونزيل عنه العنوان الخاص فيدخل في مورد العام قهراً، كما أنه لو قامت بيّنة على أنَّ زيداً ليس بفاسق أو أنه تاب عن فسقه أو نحو ذلك فإنه سوف يدخل تحت العام فلنا أن نجري أصالة عدم الفسق بالنسبة إلى هذا بالأصل الأزلي أي العدم السابق على تحقق زيد فيدخل بذلك تحت عنوان العام، لأنَّ عنوان العام لا اقتضاء من كل جهةٍ وكل فردٍ ولم يعنون بعنوان خاص سواء كان عدم تعنونه بعنوانٍ خاصٍ بالوجدان أو كان بالبيّنة أو كان بأصل من الأصول المعتبرة، فيدخل هذا الفرد تحت العام بلا إشكال، ففي كل مورد ورد عام ثم ورد خاص وشككنا في فرد أنه داخل تحت الخاص أو ليس بداخل تحت الخاص يجوز لنا إزالة عنوان الخاص عن هذا الفرد المشكوك بها الأصل الجاري في العدم الأزلي قبل خلق موضوع هذا الفرد، فمرادهم بالعدم الأزلي العدم السابق على تكون الموصوف ووصفه، فبالنسبة إلى الموصوف فقد انتقض العدم لأننا نراه بالوجدان وأما بالنسبة إلى الوصف لم ينتقض العدم لفرض أننا نشك فيه فنتمسك بالأصل الأزلي لزول عنوان الخاص عن هذا الفرد، فالاستصحاب في الأعدام الأزلية مقتضيها وجود لفرض اليقين السابق بالعدم والشك اللاحق بالنسبة إلى انتقاض العدم إلى الوجود إنما الكلام في أنه هناك مانع أو ليس بموجود، فالإشكال في الاستصحابات الأزلية ليس من حيث وجود المقتضي للاستصحاب لفرض أنَّ اليقين السابق معلوم والشك اللاحق أيضاً معلوم ولا إشكال فيه، وإنما الاشكال في الاستصحابات الأزلية وكل من أشكل عليها من علمائنا أنه أشكل من ناحية ثبوت المانع لا من ناحية وجود المقتضي للاستصحاب.

الاشكال الأول: – إنَّ الاستصحاب في الأعدام الأزلية باطل لأنَّ اليقين السابق موجود والشك اللاحق أيضاً موجود ولكن استصحاب الذات في العدم بنحو الكلّي لا ينطبق على هذا الفرد الخاص إلا باستصحاب الأصل المثبت وهو باطل، فأصالة عدم الانتساب مسبوق بالعدم بلا إشكال ولكن بالنسبة إلى هذه المرأة ليست لها حالة سابقة بعدم الانتساب لأنها إما خلقت منتسبة إلى قريش أو خلقت منتسبة إلى غير قريش، وأنتم إذا أجريتم استصحاب عدم الانتساب بالنحو الكلّي فسوف لا ينطبق على هذه المرأة الخاصَّة إلا بعنوان الأصل المثبت وهو ليس بحجة.

هذا عمدة الاشكال في المقام، وقد عبّر عنه بتعبيرات كثيرة، وأساس هذه التعبيرات على أنَّ استصحاب الكلي لا ينطبق على الفرد إلا بالأصل المثبت وقد اتفقنا على أنَّ الأصول المثبتة باطلة، وقد نقله جمع كثير من الأعلام.

وأساس هذا الاشكال باطل لا أساس له أصلاً: – لما أثبتوه في فنَّ الحكمة من أنه لا فرق بين الحصّة والكلي إلا بالتقيّد، فالحصّة عين الكلي مقيّداً والكلي لا يلحظ مقيداً، فإذا استظهرنا أصالة عدم الانتساب فهذا نحو كليّ فيه حصص متعددة، كفاية عدم انتساب هذه المرأة وتلك المرأة ومرأة ثالثة، فجميع تلك الحصص منتمية إلى الكلي بنحو انتماء الأفراد للكلي، فإذا قلنا سواء أنَّ الكل عين الحصّة وعين الفرد والحصّة هي الكلي مقيداً بقيد جزء وقيد خارجي، كما أنَّ استصحاب الكلي بالنسبة إلى الفرد لا يصير مثبتاً فاستصحاب الكلي بالنسبة إلى الحصة أيضاً لا يكون مثبتاً.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"