1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس الرابعون

الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ –  مبحث النسخ، مبحث البداء .

… هذا هو الحق الذي لابد أن يتبع، ففي حاقّ الواقع التكاليف النفسية موقتة في علم الله تبارك وتعالى وموقته في علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو لم يظهر أمد توقيته لمصلحة فيه ثم بدليل النسخ أظهر أمد توقيته، وإن شئت قلت: – إنَّ التوقيت في التكاليف الموقتة من باب وحدة المطلوب وفي مسألة النسخ من باب تعدد المطلوب، هذا خلاصة ما يقال في الكلام.

الأمر الرابع: – أنه في الشرائع الإلهية من آدمهم إلى خاتمهم صلوات الله عليهم أجمعين لا يعقل أن يكون بالنسبة إلى أصول الدين لا يعقل أن يجيء بشريعة وينسخ التوحيد سواء كان التوحيد الذاتي أو الصفتي أو الفعل لأنَّ مدار أساس الشرائع على هذا، وكذا لا وجه أن يكون بالنسبة إلى العدل لأنَّ نظام الشرائع الإلهية من أولهم إلى آخرهم بالنسبة إلى العدل الإلهي هكذا، فأصول الدين بمعزلٍ عن توهم النسخ أصلاً وأبداً،  وكذا بالنسبة إلى المعاد لا يعقل أن تجيء شريعة وتنسخ المعاد كلاً أو بعضاً وأنَّ المعاد يدور مدار الشريعة، فالنسخ في الشرائع الإلهية بالنسبة إلى أصول الدين لا وجه له اصلاً وكذا بالنسبة إلى الفطريات العقلية التي أظهرتها الشرائع السماوية كقبح الظلم وحسن الاحسان وكل من يدل تحت هذه المقالة لا وجه للنسخ بالنسبة إليها، وكذا لا وجه للنسخ بالنسبة إلى كليات الأحكام، فالصلاة واجبة من أول حدوث آدم إلى يوم القيامة، وكذا الصوم، وكذا الزكاة، وكذا الحج، كما فصلنا ذلك كله في الفقه، فالنسخ في الشرائع الالهية إنما هو في الجزئيات التي تقتضيها الظروف والخصوصيات، فصلاة آدم كانت بنحوٍ، وصلاة موسى كانت بنحو، وصلاة كذا وكذا، فمورد نسخ الشرائع السماوية نسخ جزئي حالي ظرفي، فالاختلاف في الشرائع السماوية كالاختلاف في الفروع في ملّة المسلمين، فكلّهم يصلون، وكلَّهم يصومون، وكلّهم يحجون، ولكن هذا اختلف مع هذا في فرعٍ جزئي، وذاك اختلف مع هذا في فرعٍ جزئي، فالنسخ الكلي في الشرائع الإلهية في التوحيد وأصول الدين وفي كلّيات الفروع لا وجه له، لأنَّ الكل متفقون عليه وقد دلت عليه الأدلة العقلية والأدلة النقلية الكثيرة ولكن ليس المقام مقام التعرض لها.

مسألة أخرى: – مما تعرضوا له في المقام مسألة البداء، وقالوا إنَّ النسخ في التشريعيات عين البداء في التكوينيات، فكما أنا نجوّز النسخ على الله وهو واقع في شريعة الاسلام فلابد لنا وأن نجوّز البداء بالنسبة إليه تبارك وتعالى، والبداء من أهم المباحث الحديثية وأهم المباحث الكلامية وقد اختلفت فيه آراء العامة مع الامامية اختلافاً كثيراً، واخبرت الامامية عن أئمتهم صلوات الله عليهم أجمعين على جواز انتساب البداء بالنسبة إليه تبارك وتعالى.

ولابد وأن نحقق في البحث بوجه إجمالي إذ البحث طويل وعريض جداً، والبحث في البداء من جهات: –

الجهة الأولى:- في أصل وقوعه ودليل وقوعه، فيدل على البداء في الجملة وجدان كل ذي شعور فكل ذي شعور إذا رجع إلى ودانه يرى أنه يحصل له في كل يوم وليلية أو في كل أسبوع بداء يريد أن يذهب غلى الحج ويبدو له لا يذهب إلى الحج أو يريد ان يطالع هذا الكتاب ثم لا طالعه أو يريد أن يأكل هذا الغذاء ولا يأكله، فالبداء وجداني لكل فاعل مختار إنساناً كان أو حيوان فهذا الحيوان يريد أن يذهب من هذا الطريق فنرى أن يعدل عن ذلك الطريق ويذهب غلى الطريق الآخر، فالدليل الأول لوقوع البداء في الخارج هو وجدان كل ذي شعور حيواناً كان أو إنساناً إذا تأمل فيما مضى عليه من عمره وتأمل في عمره الفعلي يرى أنه يحصل له بداءات كثيرة ويكفي هذا الدليل بالنسبة إلى المنكر.

الدليل الثاني: – وهو أهم من ذلك، وهو اجماع جميع الشرائع السماوية وأئمتنا المعصومين على وقوع بالداء بالنسبة إلى الله تبارك وتعالى فاجمع أئمتنا المعصومين والأنبياء من أولهم إلى آخرهم إلى صحة تحقق البداء بالنسبة إلى الله تعالى ويستلزم ذلك البداء بالنسبة إلى غيره.

الدليل الثالث: – روايات مستفيضة جمعها الكليني في الكافي جمعها المجلسي في البحار (  ما بعث الله نبياً إلا ويقر بالبداء )، وعن أبي عبد الله عليه السلام:- ( ما عبد الله بشيء أعظم من البداء )، ففي جملة أخرى من الروايات ( ما بعث الله نبياً وإلا ويرعى الغنم، ما بعث الله نبياً إلا …. ، ما بعث الله نبياً إلا وأقرَّ بالبداء )، فالروايات مذكورة في البحار في الجزء الأول القديم، وذكر في الكافي باب أسماء الذات والصفات والحجة الارادة وفي سائر الكتب الحديثية، فتحقق الوجدان والاجماع والنصوص على ثبوت البداء بالنسبة إلى كل مختار والله تبارك وتعالى مختار فلابد من تحقق البداء بالنسبة إليه.

الجهة الثانية في معنى البداء: – البداء له معانٍ: –

المعنى الأول: – هو البداء الذي يتحقق في الفاعل المختار من الحيوان أو البشر وهو ما يبدو له عن جهل وعدم احاطة بالأمر، فهو يريد أن يفعل هذا الفعل فيبدو له يفعل فعلاً آخر لعدم احاطة عقله وجهاته بالنسبة إلى مصالح الفعل الأول ومفاسده فيريد أن يختاره ولكن يبدو له ويختار غيره.

وهذا المعنى البداء مستحيل بالنسبة إلى الله جلَّ جلاله، وأئمة العامة حيث أنهم لم يفهموا معنى البداء إلا هذا ومنهم امامهم الرازي في تفسيره أنكر البداء أشدَّ الانكار وقال إنَّ البداء مستلزم للجهل على الله تعالى وهو محال، ونحن نقول:- إنَّ أصل البداء في الممكن حيواناً كان أو إنساناً يمكن أن يكون لأجل الجهل وعدم العلم بواقعيات الأمور ولكن كونه في الممكن بهذا المعنى لا يستلزم أن يكون في الواجب أيضاً بعين هذا المعنى، فالمغالطة حصلت من عدم الفرق بني الجهتين، فنقول الله سبحانه وتعالى سميع وبصير والانسان سميع وبصير وسمع الانسان وبصره متقومان بالجارحة الخاصة، فلو لم يكن للحيوان حاسة من آلات السمع والبصر لا يمكن بالنسبة إليه السمع والبصر، ولكن الله تبارك وتعالى سميع بلا جارحة ولا آلة، فكما نطلق البصر بالنسبة إلى الممكن والواجب وبينهما فرقٌ واضح مسلّم كذلك نطلق البداء بالنسبة إلى الممكن والواجب ولكن في الممكن له معنىً وفي الواجب له معنىً آخر، وسيأتي تفصيل ذلك.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"