1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس الحادي والعشرون

الموضوع: بحث الأصول – الأصول العملية – إشكالات على حجية استصحاب العدم الأزلي  .

إشكال آخر: – إنَّ استصحاب العدم الأزلي مخالف لمرتكزات أهل المحاورة ومخالف للعرف فلا اعتبار به.

وهذا الاشكال باطل كسائر الاشكالات: – لأنَّ الأدلة منزّلة على العرفيات بلا إشكال، ولكن لو كان العرف لا يتوجهون إلى شيء ثم توجهوا إليه واعترفوا به فسوف يكون هذا من العرفيات أيضاً، فبعد أن لم تكن المسألة عند الفقهاء والأصوليين وإنما حدثت في الأعصار المتأخرة لم تكن أذهان أهل العرف متوجه إليها، ولكن بعد أن ظهرت المسألة وطابقت مع الأدلة فأهل العرف لو تأملوا فيها فسوف يحكمون فيها بمرتكزاتهم أنها صحيحة.

فإذاً جميع الاشكالات التي أشكلوا بها على استصحاب العدم الأزلي باطلة، فالمقتضي لجريان الأصل صحيح والمانع عنه مفقود.

نعم صاحب الكفاية قدس سره فصّل تفصيلاً في استصحاب العدم الأزلي وقال في جملة من كلامه:- إنَّ المخصص على قسمين، فعادةً يذكر متصلاً بعد العام بنحو إلا أو متصلاً بنحوٍ آخر، وأخرى يكون المخصّص من قبيل الصلة والموصول، فعادةً يقول الشارع ( كل امرأة ترى الحمرة إلى الخمسين إلا إذا كانت من قريش )، فالمخصص في مثل هذا التعبير ليس ربطاً للعام فيجري الأصل العملي في مورد التخصيص ويصير مورد الشك داخلاً تحت العام، ولكن إذا كان ظاهر الدليل هكذا:- ( المرأة غير القرشية ترى الحمرة إلى الخمسين ) بحيث يجعل عنوان المخصّص وصفاً للعام ففي هذا القسم صرَّح بأنَّ العدم الأزلي لا يجري في مورد الشك لفرض أنه أخذ العام وعنوان المخصّص كعنوانٍ واحد فلابد حينئذٍ من الرجوع هنا إلى أدلة أخرى، ففيما إذا كان المخصّص غير وصف للعام فيجري حينئذٍ في مورد الشك العدم الأزلي بالنسبة إلى عنوان المخصص، ولكن لو كان المخصّص وصفاً للعام بالصفة العرفية المحاورية ففي هذه الصورة لا يجري العدم الأزلي لفرض أنهما أخذا في الموضوع وصفاً وموصوفاً وشيئاً واحد. هذه خلاصة كلامه.

وفيه: – إنَّ الوصف والموصوف على قسمين: –

القسم الأول: – ما كان الوصف ملازماً لذات الموصوف الذي يعبر عنه بخارج المحمول والذاتي أيضاً، مثل الأربعة زوج ونحو ذلك من الصفات التي تسمّى بالوحدة تارةً وبخارج المحمول أخرى وبالذات تارة ثالثة، وفي مثل هذه الأوصاف لا معنى لجريان الأصل، لأنَّ الشك فيه شك في أصل ثبوت الموضوع، فكلامه في هذا القسم صحيح ولكنه خارج عن مود البحث.

القسم الثاني: – ما هو خارج عن الذات، فهو أمر عرضي خارجي بالنسبة إلى الذات، وحيث إنَّ الموصوف شيء والوصف شيء خارج عن الذات ومحمول عليه وكل منهما مسبوق بالعدم الأزلي فالعدم الأزلي قد انتقض بالنسبة إلى الذات ونشك في انتقاضه بالنسبة إلى الوصف الخارج عن الذات فحينئذٍ نجري فيه استصحاب العدم الأزلي، فلا فرق في مورد جريان استصحاب العدم الأزلي بالنسبة إلى مورد الشك في أنَّ المورد داخل تحت عنوان المخصّص أو لا وبين أن يكون المخصّص بالنسبة إلى العام كالوصف أو الموصوف أو كان خارجاً عنه كعنوانٍ مستقل، فالمشهور من ذهابهم إلى عدم التمسك بالعام في الشبهات المصداقية بحسب الظاهر صحيح ولكن لنا أن نجري العدم الأزلي في مورد الشبهة المصداقية ونرفع عنه عنوان المخصّص فيدخل في العام، ففي هذه الصورة يكون صحيحاً ولا إشكال فيه.

غير أنهم أشكلوا على المشهور وقالوا:- إنَّ المشهور لا يتمسكون بالعام في الشبهة المصداقية ولكنهم حكموا بالضمان في مورد اليد المترددة بين اليد الأمانية واليد الضمانية، فإذا كان مال الغير عند شخص وتلف عنده حكم المشهور بأنه ضامن لما تلف مع أنَّ المورد مردد بين أن يكون هذا المال أمانة عنده فلا ضمان وبين ما إذا كان غير أمانة فيتحقق الضمان حينئذٍ، فهم تمسكوا بقاعدة اليد وحكموا بالضمان مع أنهم لا يتمسكون بالعام في الشبهة المصداقية، والمفروض أنَّ اليد في مثل المقام مرددة بين أن تكون يد أمانية أو يد ضمانية، فعلى مبناهم لا وجه للتمسك بعموم على اليد مع أنهم حكموا بالضمان وتمسكوا بعموم ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي )، فعُدَّ هذا نقضاً على المشهور وخلافاً لما أفتوا به من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

والحق أنه لا وجه لهذا النقض أصلاً وأبداً: – فإنَّ الضمان في الأموال المحترمة وأموال الغير مطلقاً مستند إلى أصل نظامي عقلائي، فأصالة احترام المال هو أصل نظامي عقلائي، وأصالة احترام النفس والعرض من الأصول النظامية العقلائية، فكلّ مالٍ يكون تحت يد أحدٍ مقتضى الأصل النظامي العقلائي – أي أصالة احترام المال – أن يؤدي المال إلى صاحبه عيناً أو مثلاً أو قيمةً، فالمشهور حكموا بالضمان في مورد تردد اليد بين الضمانية والأمانية لا لأجل تمسكهم بحديث ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) حتى يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وإنما تمسكوا  بالأصل العملي النظامي العقلائي وهو أصالة احترام المال، ومقتضى احترام مال الغير أن يردَّ عينه إن كان موجوداً ومثلاً وقيمةً إن كان تالفاً، فمدرك تمسك المشهور بالضمان في الأيادي المردّدة بين الأمانية والضمانية هو الأصل وليس اطلاق حديث ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي )، فلا نقض عليهم قدس الله أسرارهم.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"