1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس الثانی والثلاثون

الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ –  مبحث الخاص والعام .

قالوا: – لو ورد الخاص بعد العام بزمانٍ يتعين في الخاص أن يكون ناسخاً ولا يصح أن يكون مخصِّصاً، هذا ما في الأصول القديم، وقالوا في وجه ذلك أنَّ الخاص بيانٌ للعام ومتممٌ لفائدة العام ولا يجوز تأخير البيان عن وقت العام، هذه قاعدة عندهم في الأصول القديمة وفي الكتب الأدبية يرسلون ارسال المسلَّمات أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت العام، وقد جعلوا ذلك قاعدةً وفرّعوا عليها فروعاً.

ونحن نقول: –

أولاً:- إنَّ تأخير البيان عن وقت العام مع وجود المقتضي للبيان وفقد المانع عنه واحتياج المخاطب إلى البيان صحيح ولا مشكلة فيه، وهذه القيود الكثيرة المقتضي للبيان موجود والمانع مفقود والمحاطب محتاج إلى البيان فإتمام الحجة حينئذٍ واجب، ولكن لو فرض أنه لا مقتضي للبيان أو أنَّ المقتضي موجود والمانع عنه مفقود أو أنَّ نفوس المخاطبين غير مستعدة لإتمام البيان عليهم يجب حينئذٍ تأخير البيان عن وقت العام، فكم من عمومات نبوية عندنا وكم من خصوصيات باقرية أو صادقية تفصل بينهما بمائة سنة أو أقل أو أكثر، وهذه قضية مهملة صحيحة في بعض المصاديق من دون أن تكون هذه قاعدة كلّية نتمسك بها ونفرّع عليها فروعاً.

وثانياً:- كما أنَّ الخاص بيانٌ للعام ومتمم فائدة العام كذلك الناسخ والنسخ أيضاً هو متممٌ للمنسوخ وبيانٌ له لفرض أنَّ جميع ذلك من حدود البيان وقيود البيان، فمن حدود البيان أن يذكر مخصصاته، ومن حدود البيان أن تذكر مقيداته، ومن حدود البيان أن يذكر ناسخه ونسخه وسائر الجهات المتعلقة به، فهذه النتيجة التي ذكرتموها في المقام  – وهي أنه إذا كان الخاص متأخراً بزمانٍ يتعين أن يكون ناسخاً ولا يمكن أن يكون خاصاً للزوم عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة – وهذا الاشكال وارد على النسخ ووارد على الخاص أيضاً، وأنه كما أنَّ الخاص متمّمٌ لفائدة العام الناسخ أيضاً متمّمٌ لفائدة المنسوخ والعام ومن حدود بيانه وقيوده، فهذه الثمرة ساقطة، فإذا ورد خاص بعد العام بزمان كثير فمقتضى قلة النسخ أن نحمله على الخاص لا أن نحمله على النسخ.

ثم إنه افتعلوا قاعدة أخرى ورتبوا عليها ثمرات منها ما يتعلَّق بالمقام: – وتلك القاعدة هي أنهم أرسلوا ارسال المسلَّمات أنَّ نسخ الشيء قبل العمل بذلك الشيء باطل وقبيح، فإذا قال المولى افعل كذا وبعد تمام كلامه بلا فصلٍ قال نسخت هذا فهذا بالنسبة إلى الحكيم تبارك وتعالى قبيح وباطل، لأنه منبئٌ ومشعرٌ عن جهله بالواقع، فأيّ ثمرة في أن ينشئ الحكم ثم يزيله وينقضه؟!!، نعم بالنسبة إلى الجهّال فله وجه، أما بالنسبة إلى المتكلم الحكيم فبالنسبة الشارع الأقدس المحيط بالخصوصيات والواقعيات هذا قبيح ولا يجوز عليه، وقد أرسلوا هذه القاعدة ارسال المسلّمات، وهي أنَّ النسخ قبل حدوث العمل باطل ولا يجوز على الله تبارك تعالى، ورتّبوا على ذلك ثمرة، وهي أنه إذا ورد دليل ثم ورد دليل آخر بعده قبل حضور وقت العمل به ودار أمره بين أن يكون مخصِّصاً أو ناسخاً فهنا يتعيّن أن يكون مخصِّصاً، لأنه لو كان ناسخاً يلزم نسخ الشيء قبل حضور وقت العمل به، ففي هذه الصورة حكموا بتعيّن التخصيص، لأنه لو كان ناسخاً يلزم نسخ الشيء قبل حضور العمل به وهذا لا يجوز فيتعين التخصيص. هذه خلاصة دليلهم.

ونحن نقول: – إنَّ غالب موارد النسخ في الشريعة المقدسة بل في جميع الأحكام العرفية هي بعد حضور العمل بالمنسوخ، فالغلبة الوجودية مسلّمة ولا إشكال فيها ولكن كون ذلك قانوناً بحيث يكون النسخ متقوّماً بأن يكون بعد حضور وقت العمل لم يدل عليه دليل من عقلٍ أو نقل، فالخلط إنما وقع بين عنوان الذاتي وبين الغلبة الوجودية، فالغلبة الوجودية في موارد النسخ أنَّ النسخ إما أن يأتي بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ ولكن كون ذلك ذاتياً للنسخ بحيث أنَّ ما ورد قبل حضور وقت العمل لا يمكن أن يكون نسخاً فهذا من مجرّد المدّعى ولا دليل عليه من عقلٍ أو نقل، بل النسخ يدو مدار المصلحة الفعلية، فإن كانت مصلحة فعيلة في النسخ يصح حينئذٍ النسح ولو قبل حضور وقت العمل بالمنسوخ لفرض وجود المصلحة فيه فلا يمكن أن يقال عن مثل هذا النسخ لغوا بلا إشكالٍ، فإن كانت المصلحة في النسخ بعد حضور وقت العمل يصير هذا أيضاً صحيح، ففي النسخ نحن ندور مدار إحراز المصلحة للنسخ سواء كانت المصلحة في نسخه قبل حضور وقت العمل أو كانت المصلحة في نسخه بعد حضور وقت العمل، ففي هذه الصورة الثمرة ساقطة أيضاً.

فلو ورد دليل ثم ورد دليل آخر ولكن قبل حضور وقت العمل ودار أمره بين أن يكون نسخاً وبين أن يكون مخصِّصاً فمقتضى الغلبة الوجودية في التخصيص أن نحمله على التخصيص، ولو أحرزنا المصلحة في النسخ نحمله على النسخ.

ثم إنهم قالوا في الفرق بين النسخ والتخصيص:- أنَّ التخصيص اخراج أفراد العام من تحت العموم من أوّل جعل حكم العام، ( أكرم العلماء ولا تكرم العالم الفاسق )، فمن أوّل تشريع حكم العام التخصيص يخرج أفراداً من تحت العام، هذا هو التخصيص، والنسخ عبارة عن اخراج الأفراد من حين صدور الحكم الناسخ، فهو أنشأ الحكم وجميع الأفراد داخلة تحته ثم بعد مدَّة إذا نسخ الحكم يخرج الأفراد من حين ظهور دليل الناسخ لا من حين أوّل التشريع، والفرق بين النسخ والتخصيص أنَّ التخصيص اخراجٌ للأفراد من حين تشريع حكم العام، والنسخ هو اخراجٌ للأفراد من حين ظهور دليل الناسخ، وهذا الفرق صحيح ولا إشكال فيه، ولكن كون ذلك مقوّماً لحقيقة النسخ والتخصيص فلا دليل على كلّية ذلك.

ثم إنَّ الأصوليين رحمة الله علهم اجمعين تعرضوا في المقام لمباحث النسخ ثم لمباحث البداء ثم تعرضوا لمباحث اللوحين – أي لوح المحو والاثبات – وكل هذه المباحث خارجة عن مباحث الأصول، ونحن نتعرض للمباحث الثلاثة تتميماً للفائدة، وسنبدأ بمبحث النسخ.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"