1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس الثامن والعشرون

الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ – مبحث الأوامر والنواهي –  أخذ قصد الأمر في المتعلق  .

قلنا إنه يمكن أخذ قصد الأمر في المتعلق، وأجبنا عن الاشكالات الواردة على هذا، وحيث أنه يمكن أخذ قصد الأمر في المتعلَّق ولم يؤخذ ذلك في ظواهر الأدلة نتمسك بالاطلاق لعدم اعتبار قصد الأمر، وهنا إطلاقٌ ثلاثة، الاطلاق اللفظي بناءً على جواز أخذ قصد الأمر كما أثبتناه، والاطلاق الثاني بناءً على عدم جواز أخذ قصد الأمر في المتعلَّق، والاطلاق الذاتي، فنتمسك بهذه الاطلاقات الثلاثة على عدم أخذ قصد الأمر في المتعلَّق إلا إذا دل دليل عليه بالخصوص، ونتيجة البحث أنَّ متقضى الأصل اللفظي أي أصالة الاطلاق والأصل العملي أي أصالة البراءة أنَّ كل واجب هو توصلي إلا ما ثبت بالدليل، هذا هو حق التحقيق في المقام.

وقد يتمسك باستصحاب بقاء الوجوب كما أنَّ كل أمر تعبّدي إلا ما خرج بالدليل، فنحن قلنا إنَّ مقتضى أصالة البراءة وأصالة الاطلاق أنَّ كل أمرٍ توصلي إلا ما خرج بالدليل.

وهذا القائل تمسك بالأصل الموضوعي ومع وجود الأصل الموضوعي وصحته وعدم معارضته بالأصل اللفظي يكون الأصل الموضوعي مقدّماً على الأصل اللفظي، وقالوا في بيان ذلك أنَّ كل أمر تعلّق بكل شيءِ إن أتينا يه بقصد الأمر نعلم بفراغ الذمة وإن لم نأت به بقصد الأمر نشك في سقوط الوجوب، فمقتضى استصحاب بقاء الوجوب في كل أمرٍ لزوم اتيانه بقصد الأمر، هذه خلاصة دليلهم، فمع وجود هذا الأصل هل نقدم هذا الأصل الموضوعي أو نقدم الأصل الحكمي كما في جميع الموارد من تقديم الأصول الموضوعية على الأصول الحكمية.

ولكن هذا الاستصحاب مخدوش من جهات: –

الجهة الأولى: – ما أثبتناه من صحة التمسك بأطلاق الأدلة، فبعد أن صححنا إمكان التقييد وقلنا بصحة الاطلاق أيضاً نتمسك بإطلاق الأدلة إلى الأصل اللفظي، هو مع وجود الاطلاق في البين لا تصل النوبة إلى كل أصل عملي موضوعياً كان أو حكمياً، هذا هو الاشكال الصحيح في المقام، فبناءً على ما أثبتناه من صحة الاطلاق لفظياً كان أو حالياً أو ذاتياً فمع وجود الاطلاق في البين لا يمكن لأحد أن يتمسّك بالأصل العملي، لما تبين من أنَّ الأدلة والأمارات مقدمة على الأصول مطلقاً حكمياً كان الأصل أو موضوعياً، هذا هو الاشكال الصحيح على هذا الاشكال.

وأشكل عليه بإشكال: – بأنَّ استصحاب أصل الوجوب إن كان لأجل دخل قصد الأمر في المتعلَّق جزءاً أو شرطاً فهذا من الأصول المثبتة التي لا اعتبار لها كما أثبتناه في مراحل متقدّمة، فاستصحاب وجوب التكليف فيكون قصد الأمر مأخوذاً في المتعلَّق جزءاً أو شرطاً هذا هو أصلٌ مثبت فيكون أصل الاستصحاب باطلاً، هذا هو إشكال الذي أشكل به المشهور على هذا الاشكال.

وأجاب عن هذا الاشكال فقاءنا قدس الله أسرارهم: – حيث قالوا إنَّ ما أتى به المكلف في المقام يكون مسقطاً عن عهدة التكليف، فأنا نعلم بأصل الوجوب سابقاً ثم نشك في سقوط الوجوب وعدمه فنستصحب الوجوب فيجب علينا الخروج عن العهدة بقصد الأمر أو أخذ الأمر في المتعلَّق، وإن كان مقام المستصحب في مرحلة الشك أخذ قصد الأمر في المتعلَّق يكون هذا أصلاً مثبتاً، ولكن إذا كان المستصحب وجوب الخروج عن العهدة فهنا نحكم بأخذ قصد نفس الأمر في المتعلَّق وهذا ليس من الأصل المثبت، كما كان الثوب سابقاً متنجساً فنستصحب وجوب الطهارة للصلاة، فوجوب الطهارة إما بالغسل بالماء القليل مرتين أو بالماء الكثير مرة واحدة، فالغسل بالكيفية الخاصة ليس مفاد المستصحب أولاً وبالذات بل هو من لوازم ثبوت المستصحب، أي وجوب الخروج عن العهدة في مرحلة الشك، وفي المقام إن جعلنا المستصحب في مرحلة الشك أخذ قصد الأمر في المتعلَّق جزءاً أو شرطاً فهذا أصل مثبت، ولكن إن جعلنا المستصحب وجوب الخروج عن العهدة بحسب الوظيفة الشرعية فهذا صحيح وليس بشيءٍ خارج عن الحكم الشرعي بل هو مشمول له، فالوظيفة الشرعية إما أن يكون بأخذ قصد الأمر في المتعلق أو بنفس لحاظ نفس الأمر، فالإشكال حصل من الخلط بين لوازم المستصحب الشرعي وبين نفس المستصحب الشرعي، فنستصحب أصل الوجوب فيجب الخروج عن العهدة علينا، فوجوب الخروج عن العهدة بحسب الوظيفة الشرعية إما بأن يؤخذ قصد الأمر في المتعلَّق أو يلحظ قصد الأمر في مقام التكليف الشرعي، فلا محذور من هذه الجهة، وليس هذا من الأصل المثبت في شيء، لأنَّ الأصل المثبت الباطل ما إذا كان نفس المستصحب أمر غير شرعي، وفي المقام يكون المستصحب أمراً شرعياً، والوظيفة الشرعية تقتضي إما أخذ قصد الأمر في المتعلَّق أو أخذه في مقام الامتثال، فالإشكال من هذه الجهة باطل.

ثم قالوا بعد أن انتهوا من هذا الاستصحاب بوجوب الاحتياط، وجوب الاحتياط لا يتوقف على العلم بالحكم فضلاً عن الشك به، حيث قالوا إنا إذا علمنا بالوجوب وشككنا في دخل شيء فيه فمقتضى الأصل عدم دخالة هذا الشيء فيه، وقد اتفقت كلمتهم على اجراء البراءة في ذلك، وفي المقام إن أردتم باستصحاب الوجوب وبقاء الوجوب الاحتياط بإتيان المطلوب فهذا باطل، لأنَّ الاحتياط في اتيان المشكوك لا يتوقف على العلم بأصل الوجوب فضلاً عن الشك فيه، وفي المقام إذا أتى المكلف بمتعلَّق التكليف مع عدم أخذ قصد الأمر يشك في سقوط الوجوب عليه فاستصحاب الوجوب بالنسبة إلى الاحتياط باطلاً لأنَّ الاحتياط لا يتوقف على العلم بالوجوب فضلاً عن الشك فيه لما قلنا سابقاً من أنَّ الغرض الذي يجب تحصيله إنما هو الغرض الذي قامت عليه الحجة وقام عليه الدليل، وفي المقام بعد عدم تمامية الحجة وعدم قيام الدليل والشك في أصل الغرض الواقعي لا وجه للحكم بوجوب التحصيل، فما شككنا في حدوثه مشكوك الحدوث من هذه الجهة، فإذا كان مأموراً به يصح اجراء الاستصحاب بلحاظه، ولكن إذا كان مشكوك الحدوث من أصله وتشريعه فكيف يجري الاستصحاب؟!!، فذات الوجوب من حيث أنه ذات الوجوب معلوم، وباستصحابه لا تثبت العبادية ولزوم أخذ قصد الأمر، لأنَّ هذا كان مشكوكاً من أوّل الأمر ومشكوكاً في أصل الثبوت، وهذا الاستصحاب وهذا المعنى لا يجري في المقام، وعلى فرض جريان الاستصحاب يكون محكوماً بإشكالات، هذا كلّه فيما إذا كان المأخوذ في المتعلَّق نفس قصد الأمر من حيث أنه قصد الأمر، وقد أجبنا عن ذلك.

وأما إن كان المراد بالعبادية قصد الصلاة أو التقرّب إلى المولى أو أنَّ المولى أهلٌ لأن يعبد فجميع ذلك يصح أخذه في المأمور به بلا إشكال ولا محذور في البين، لأنَّ هذه حيثيات خارجة عن قصد الأمر ومنسجمة مع الأمر، فلا يلزم محذور تقدّم الشي على نفسه، ولا يلزم محذور الدور أبداً، لأنَّ المحذور متوقف أنَّ شيئاً واحداً يكون متوفقاً على المتوقف عليه، أو أنَّ شيئاً واحداً متقدّمٌ ومتأخر، وكل هذه من لوازم الأمر لا أن يكون نفس الأمر حتى ترد عليه، ولذا تسالم الفقهاء على أنَّ الاشكال وهذه التفصيلات مختصة بصورة الأحكام العبادية من ناحية قصد الأمر، ولكن لو كانت العبادية لجهةٍ أخرى أيّ جهة كانت فهنا يصح قصدها في المأمور به عقلاً وشرعاً ولا يلزم محذور عليها.

ثم إنَّ المعروف بين الامامية أصولييهم وفقهائهم أنَّ الأصل في الأصل في الأوامر العبادية اعتبار المباشرة إلا ما خرج بالدليل في سقوط الأوامر العبادية:- فالمولى يريد من المكلف الاتيان بنفس متعلَّق الأمر من دون الاستعانة بشخصٍ آخر إلا ما خرج بالدليل، كما لو دلت نصوص الأمر العبادي على أنه يصح الاتيان بهذا أعم من المباشرة والاستنابة والتسبيب، فالأوامر التوصلية تحصل بإتيان متعلقاتها سواء كانت مباشرة أو استنابة أو تسبيباً، ولكن الأوامر العبادية لابد فيها من اعتبار المباشرة إلا إذا دل دليل بالخصوص على كفاية الاستنابة فيها، وتمسكوا لإثبات المباشرة في الأوامر العبادية بأصالة عدم السقوط إلا بما خرج بالأدلة، فلو أتى أحد بصلاة الظهر أو العصر أو نحو ذلك عن شخص آخر وشك في سقوط الأمر وعدم السقوط عنه فتجري أصالة عدم السقوط، فتمسكوا بعدم السقوط، ودليلهم الأول على ذلك ظهور أدلة العبادية في أنَّ المعتبر مباشرة نفس المأمور في المقام، ودليلهم الثاني دعوى اجماع الطائفة بإرسال مسلَّم من أنَّ الأصل في العبادية أن لا يسقط بفعل الغير إلا في بعض الموارد التي دل دليل عليها، فالتوصلّيات والتعبّديات من هذه الجهة على العقل، فالعقل يحكم في التوصليات بأنها تسقط بفعل الغير، ويحكم في العباديات بأنها تسقط بفعل نفس المكلف ولا تسقط بفعل غيره.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"