1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس الثامن والثلاثون

الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ – مبحث الاطلاق والتقييد الفرق بين الطلب والارادة، مسألة حدوث القرآن وعدم حدوثه وثبوت الكلام النفسي وعدم عدم ثبوته .

ذهبت الاشاعرة إلى الاشتراك بين الطلب والارادة لدفع شبهة وردت عليهم ولم يتمكنوا من الجواب عنها إلا بذلك، والشبهة معروفة في الكتب الكلامية والأصولية وهي أنه في مورد تكاليف الله جلَّ جلاله بالنسبة إلى عباده هل تكون هناك إرادة منه تعالى أو لا إرادة منه بل منه الترتب؟ هذا هو أصل الشبهة، فإن كانت منه إرادة بالنسبة إلى الايمان والنسبة إلى الكافرين والاطاعة بالنسبة إلى الكفّار والفجّار يلزم أن لا يتحقق في الخارج كافر ولا فاسق لما أثبتوه من أنَّ الارادة علة تامة لحصول المراد وتفكيك المعلول عن العلَّة التامة محالٌ وغير ممكن.

وهذا القول مشتمل على مقدمتين: –

المقدمة الأولى: – إنَّ الارادة علّة تامة لحصول المراد.

المقدمة الثانية: – إنَّ تخلف المعلول عن العلَّة التامة محالٌ وغير ممكن.

وبناءً على تمامية المقدمتين الاشكال وارد ولا محيص عنه، ولكن نجيب عن الاشكال بوجوه صحيحة إن شاء الله تعالى، وإن لم تكن منه تبارك وتعالى في تلك الموارد يلزم أن يكون ارسال الرسل وإنزال الكتب كلّها لغواً وباطلاً لصدورها عنه تعالى بلا إرادة والفعل الذي يصدر من دون إرادة يكون لغواً وباطلاً، هذا هو أصل الشبهة وأجاب عن الشبهة طائفة الأشعريين بالذهاب إلى الاختلاف بين الطلب والارادة فقالوا بأنَّ في جميع تلك الموارد الطلب موجود والارادة غير موجودة وتخلّف المطلوب عن الطلب صحيح وواقع، هذا جواب عن الاشكال.

ونحن نقول بالاختلاف بين الارادة والطلب مفهوماً وحقيقةً وذهناً ونجيب عن أصل الاشكال بوجوهٍ أخرى: –

الوجه الأول: – إنَّ قاعدة تخلف المعلول عن العلَّة التامة في الأفعال الاختيارية غير ثابتة، ولو فرض ثبوت هذ القاعدة إنما هي في الأفعال التكوينية غير الاختيارية، فسقوط الحجر من العلو إلى الأرض وحرارة النار لا تتخلف، فلا مجرى لأصل هذه القاعدة في المقام حتى يلزم أصل الاشكال.

الوجه الثاني:- على فرض أنَّ تخلف المعلول عن العلَّة التامة في الاراديات أيضاً لازم والقاعدة مسلّمة حتى في الأفعال الاختيارية فعلى فرض قبول ذلك نقول في المقام أيضاً لم يلزم تخلّف المعلول عن العلَّة التامة أصلاً وأبداً، لأنَّ المعلوم في التكاليف التي صدرت من الناحية المقدسة الإلهية سواء كان بالنسبة إلى أصول الايمان أو بالنسبة إلى فروعها المعلول فيها إتمام الحجة وإظهار البيان وجعل الخلفة على آخر المخلّفين سواء امتثل أحد أو لم يمتثل، فالمعلول في جملة التكاليف المقدَّسة الإلهية ليس هو امتثال المكلف حتى يلزم التكلّف بعدم امتثالهم، بل المعلول اظهار البيان وإتمام الحجة سواء امتثل أحد أو لم يمتثل وقد أتم الله تبارك وتعالى الحجة بديانته في الكتاب السماوية وبأنبيائه ورسله فترتب المعلول العلَّة التامة من غير حالة منتظرة أصلاً وأبداً، فلا يلزم تخلّف القاعدة على فرض ثبوتها وجريانها في الأعمال الاختيارية.

الوجه الثالث:- وهو الجواب الصحيح كما عن أئمتنا المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين من أنهم جعلوا ارادة الله تبارك وتعالى من صفات الفعل لا من صفات الذات، وإلى ذلك يشير بل يصرح قوله جلّ جلاله ﴿ إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ﴾، فجعل إرادته المقدسة الفعل لا أن تكون الارادة شيء آخر في مرتبة الذات فالارادة خارجة عن مرتبة الذات أصلاً وابداً، وقد  فرّق أئمتنا المعصومين عليهم السلام بين صفات الذات وصفات الفعل وأنَّ كل صفة يمكن أن يتصف بها الله تبارك وتعالى ويتصف بضدّها أيضاً هي من صفات الفعل، وكل صفة لا يمكن أن يتصف بضدها فهو من صفات الذات، فصح أن يقال ﴿ يريد الله بكم السر ولا يريد بكم العسر ﴾ فاتصف الله تبارك وتعالى بشيئين متضادين أراد هذا ولم يرد هذا، والاتصاف صحيح هرفاً ولغة وشرعاً، أرد لزيد مالاً ولم يرد جمالاً، فأراد له علماً ولم يرد له مالاً، فكل صفة يمكن أن يتصف بها الله تبارك وتعالى وبضدّها فهي من صفات الفعل، وكل صفة لا يمكن أن يتصف الله تبارك الله وتعالى بها وبضدها فهي من صفات الذات، فلا يمكن أن يقال في الحضرة الربوبية علم ولم يعلم، حي وليس بحي، باق وليس بباق، أزلي وليس بأزل، أبدي وليس بأبدي، فجميع تلك الصفات هي صفات ذاتية لعدم الاتصاف بها وبنقائضها، وفي المقام الارادة في مرتبة الفعل لا أن تكون متقدَّمة على الفعل، وهناك نصوص مستفيضة عنونها الكليني قدس سره في أصول الكافي باب صفات الفعل وأنَّ الارادة من صفات الفعل، وصرح مولانا الرضا عليه السلام في مجلس المأمون على ما نقله الصدوق في التوحيد ( إنما إرادته احداثه إرادته فعله )، وهذا الجواب الصادر عن معدن الوحي والعصمة يجاب به عن جميع الشبهات الواردة في الكلام في مسائل الأفعال، فنقول إنَّ تشريع التكاليف الإلهية وجعلها هو الارادة، فالارادة هي الفعل ولا يتصوّر حينئذٍ تخلّف المعلول عن العلَّة، وهم خلطوا خلطاً بين المعلول والعلة فأوردوا الاشكال، وبناءً على هذا الجواب الصحيح الصادر عن أئمتنا المعصومين عليهم السلام ليس في البين اثنينية حتى يتصور فيها العلّية والمعلولية وإنما إرادته فعله وإنما إرادته إحداثه، فقد أحدث جميع التكاليف الإلهية لمصالح العباد وهذا صحيح وإشكال أصلاً في البين حتى نتعب أنفسنا في جوابه، وهذا هو الجواب الصحيح.

وعن صاحب الكفاية قدس سره جواب آخر أتعب نفسه الشريفة في هذا الجواب ولم يأتي بشيء صحيح: – فعن بعض مشايخنا العظام قدس الله أسرارهم في كلامه أنه أوصى بأن يخطّ على هذه الصفحات من الكفاية ولكن لم يوفق أحدٌ إلى ذلك، حيث فرّق قدس سره بين الارادة التشريعية وبين الارادة التكوينية، فصرَّح في كفايته وكلماته الشريفة بأنَّ عدم إمكان تخلّف المعلول عن العلَّة إنما هو في الارادة التكوينية، وأما في ارادة التشريعية التي هي عبارة عن العلم بالصلاح وعن العلم بالنظام فلا بأس به في تخلّف المعلوم عن العلة وبتخلّف المراد عن الارادة.

وهذا الفرق الذي ذكره لم يدل عليه دليل من عقل أو نقل:- بل ما قاله في الارادة التشريعية بإرجاعه إلى العلم بالصلاح والفساد مخالف للعرف واللغة وللنصوص التي وردت في تفسير الارادة، فتفرقته بين الارادة التشريعية والارادة التكوينية مخالفٌ لظاهر النصوص المعتبرة التي وصلت إلينا المصرّحة بأنَّ إرادته فعله والمطابق لقوله تبارك وتعالى ﴿ إنما أمرنا إذا أردنا شيئاً أن نقول له كن فيكون ﴾، فلا وجه لهذا التفصيل الذي ذكره في الكفاية مع أنه مخدوش من جهات كثيرة لا يسع البحث للتعرض لها إذ ليس فيها ثمرة عملية، هذا بعض الكلام في مسألة اتحاد الطلب والارادة.

وأما المسألة الأخرى التي أُحدِثَت في أوائل الاسلام وشاعت بين فرق من المسلمين وهي مسألة حدوث القرآن وعدم حدوثه وثبوت الكلام النفسي وعدم عدم ثبوته: –

وقد خالف فيها جماعة المسلمين، فذهب جمع منهم إلى قدم الكلام ومنه قرآننا العزيز، ومنهم أحمد بن حنبل وأصر على ذلك حتى حبسه خلفاء بني العباس وأردوا أن يقول بخلافه والقول بخلقه ولكنه لم يتركه، فقالوا بقدم القرآن والكلام النفسي، وعن جمعٍ آخر منهم قالوا بالحدوث وقالوا بعدم الكلام النفسي.

والبحث فيه من جهات: –

الجهة الأولى: – ستأتي…

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"