1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس التاسع والثلاثون

الموضوع: بحث الأصول –  هل تعتبر العبادية في الواجبات الإلهية؟ .

أثبتنا في المباحث السابقة أنه ليس لنا دليل من عقل أو نقل أنَّ الأصل في الواجبات الإلهية أن تكون عبادية إلا ما خرج بالدليل فلا أصل لهذا الأصل من عقل أو نقل بل مقتضى أصالة البراءة عقلية ونقلية وأصالة الاطلاق والعموم في الأدلة اللفظية عدم اعتبار قيد العبادية إلا ما خرج بالدليل فيكون مفاد الأصل بالعكس فالأصل في الواجبات بمعنييه أي الأصل اللفظي والعملي أن يكون توصلياً إلا ما خرج بالدليل، وقد تسالم جمع كثير بل جميع متأخري متأخري فقهائنا وأصوليينا على هذا أصل ورتبوا عليه فروعاً في فقههم وأصولهم.

جهة أخرى: – لو فرض أنَّ عملاً من الأعمال عادةً وتكليف من التكاليف الإلهية عبادة ودل عليها الدليل بالخصوص كالصلاة والصوم والحج والزكاة ونحوها فالعبادية بأيّ شيء تتحقق وما المناط الفرق بين العباديات والتوصليات؟ المناط كله في العباديات اتيان العمل لأجل اضافته إلى الله تبارك وتعالى، فكل من أتى بعمل لأجل اضافة العمل إلى الله تبرك وتعالى يصير العمل عبادياً سواء كان عبادة بنفسه أو لا، فكل من تطهر الطهارة الخبثية فإن كان تطهيره لذلك لأجلل أنه محبوب إلى الله جلَّ جلاله فهذا يصير عبادة، وإذا تطهر الطهارة الخبثية غافلاً عن هذه الجهة أو لجهات أخرى فالواجب يسقط ولا يتصف عمله بالعبادية، فالمناط في العبادية وغيرها أن يكون العمل مأتياً به لأجل أنه مضاف إلى الله وحيث يكون هذه الجهة هي الداعية إلى اتيان العمل ولو لم تكن هذه الجهة لم يكن عبادياً، هذا هو الفرق الكلّي بين العبادي وغير العبادي.

والجهة المضافة إلى الله جلَّ جلاله كثيرة: –

الجهة الأولى: – وهي أعظمها وأفضلها ما نقل عن علي عليه الصلاة والسلام ( ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك بل وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ) فهذه الجهة في أهلية الله جلَّ جلاله لأنَّ يعبد فإتيان العبادة لأجل هذه الجهة أقل مراتب العبادة وأعلاها، ولا ريب في تحقق العبادية بهذه الجهة سواء كان في العبادات التي ثبت أنها عبادة أو في غير ذلك فكل من أتى بكل واجب إلهي لأنَّ الله تعالى أهل لأن يمتثل ويعبد فهذا عبادة وأجل مقامات العبادة، هذه هي الجهة الأولى.

الجهة الثانية: – أن يأتي بالعبادة لأجل الثواب ودخول الجنة، حيث إنَّ الثواب ودخول الجنة منسوب إلى الله جل جلاله ومن فعله فإتيان العمل لهذه الجهة يكون منسوباً إلى الله تعالى ويصير عبادة.

الجهة الثالثة: – ما إذا أتى بالعمل فرارً عن عقاب المخالفة حيث إن عقاب المخالفة أيضاً بيد الله جل جلاله فإذا اتى أحد بعبادة لأجل أن لا يعاقبه الله تعالى على ترك هذا العمل يصير هذا العبادة لانتسابها إلى الله من هذه الجهة.

الجهة الرابعة: – ما إذا أتى بالعمل لأجل الملاك الذي جعله الله تبارك وتعالى في هذا العمل حيث أن الله جل جلاله قال ﴿ إنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ﴾ وهذا هو مصلحة الصلاة وملاك الصلاة وكذا في سائر العبادات فيأتي بالعمل لأجل هذه المصلحة التي جعلها الله تبارك وتعالى في هذا العمل فالعمل منسوب بالتالي إلى الله جلَّ جلاله وتصير اضافته إلى الله لأجل هذه الجهة داعياً إلى اتيان هذا العمل، هذا أيضاً صحيح تسهيلاً على العباد في عباداتهم لئلا يحتج أحد على الله جل جلاله.

الجهة السادسة: – ما إذا أتى بالعمل للمصالح الدنيوية التي ترتب على العمل، فقد ورد في جملة كثيرة من العبادات آثار دنيوية كثيرة مثل ما ورد الليل من أنها توجب سماحة المنظر وجمال المصلي فيأتي هذا المصلي بصلاة الليل لأجل أن يصير سميح المنظر، وهذا على قسمين: –

القسم الأول: – أن يكون مقصوده خصوص الأثر الدنيوي من حيث هو هو المترتب على هذا العمل وهذا لا يكون داعً قربي.

القسم الثاني: – ما إذا أتى بهذا العمل لأن يجعل الله تبارك وتعالى له هذه الصفة من جهة اتيانه بهذا العمل.

فصلاح المنظر وسعة الرزق المترتبان على صلاة الليل تارة يكون الداعي على إتيان صلاة الليل نفسهما فقط من دون اضافتهما إلى الله تعالى وهذا المعنى لا يصير العمل عبادة لفرض أنه لم ينب إلى الله عز وجل، والقسم الثاني ما إذا جعل هذين الأثرين من الله تبارك وتعالى ويأتي بصلاة الليل لأن يوسّع الله رزقه وأن يصبح منظره جميل فهذا يصير عبادة.

وبهذا يمكننا أن نجمع بين كلمات فقهائنا قدس الله أسرارهم كما عن جمع من أن الآثار الدنيوية المترتبة على العباديات لا يوجب كونها عبادية أي إذا قصدها في حدّ نفسها من دون اضافتها إلى الله، وهذا معلوم لفرض أن علما لابد وأن يضاف إلى الله تعالى وهذا الشرط لم يتحقق فيها، ومن قال إنه يجوز في العباديات أن تقصد الآثار الدنيوية أيضا أي إذا نسبت تلك الآثار إلى الله تعالى وأتى بالعمل لأجل أن يرتب الله تعالى هذه الآثار على هذا العمل، وهذا صحيح ولا إشكال فيه.

القسم السادس: – ما إذا قصد نفس الأمر من حيث أنه أمر فهو يأتي بالصلاة بأمر المولى ولأمر الله سبحانه وتعالى وكذا يأتي بالصوم والزكاة والحج لتعلق أمره به فيكون الامر هو الداعي إلى الاتيان وفي هذه الصورة تتحقق العبادية ايضاً.

فإذا أردنا أن نلخص القضية نقول إنَّ المدار في العبادية اضافة العمل إلى الله بأي وجه تحققت الاضافة، وإذا أردنا أن نفصّل القضية نقول إن الاضافة إلى الله تبارك وتعال تتحقق بوجوه ستة على ما فصلنا، وقد ورد ذلك في الروايات وآيات العبادات نتبرك ببعضها، منها صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله السلام:- ( العباد ثلاثة [ العباد ثلاثة ] قوم عبدوا الله عزَّ وجل فتلك عبادة العبيد )، فقرر عليه السلام هذه العبادة وتتحقق العبادة لأجل الخوف، ولكن مرتبة هذه العبادة هي مرتبة عبادة العبيد وهي عبادة عوام الناس، ( وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء )، أيضاً تتحقق العبادية ولكن أي مرتبة هذه وأي مرتبة ما إذا عبد الله لأجل حبَّ الله، ( وقوم عبدوا الله عز وجل حبّاً له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة ) ونحن قسمنا مراتب العبادة بحسب نياتها إلى ستة أقسام ولكن الأصول هي هذه الثلاثة ويمكننا أن نتزع من هذه الثلاثة جميع ما قلناه في الأقسام الستة.

ثم إنَّ الأصوليين قدس الله أسرارهم قالوا في المقام وتنازعوا نزاعاً كبيراً عجيبا غريباً أنه لو كان مناط عبادية العبادية قصد الأمر فقط هل يمكن أخذ قصد الأمر في العبادة شرعاً أو لا؟، فعنوان كلماتهم لابد وأن يكون هكذا وبهذا التفصيل الذي تحدثنا به، فإن كان مناط عبادية العبادة الحبّ لله أو الخوف من العقاب أو الشوق إلى الثواب أو غير ذلك يمكن أخذ ذلك في العبادة شرعاً أو لا، كأن يقول الله تبارك وتعالى اعبدني حباً لي أو اعبدني خوفاً من عقابي اعبدني شوقاً إلى ثوابي اعبدني لأجل الملاكات الدنيوية هذا صحيح ولا إشكال فيه، ولكن لو كان مناط عبادية العبادية القسم السادس الذي عرضنا له أي أن أتي بالعبادة لأجل الأمر بالعبادة هل يمكن أن يكون هذا القيد وهذا الاعتبار شرعيا ًأو لا؟، أثبت صاحب الكفاية قدس سره تبعاً لغيره بكلام كثير أنه لو كان مناط عبادية العبادة قصد الأمر لا يمكن أن يكون هذا القيد شرعياً ولابد أن يكون عقلياً، فقال في أدلته أنَّ دليله الأول إنَّ متعلَّق الأمر متأخر قطعاً عن الأمر وأنَّ الأمر نسبته إلى المتعلَّق نسبة العارض إلى المعروض، والمعروض متقدم طبعاً على العارض، فلو قلنا إنَّ عبادية العبادة لأجل قصد الأمر فهذا قصد الأمر هل يحصل بنفس هذا الأمر الذي تعلَّق بالمتعلَّق أو بغير هذا الأمر؟ فإن كان هذا محصلاً من نفس هذا الأمر يلزم تأخر ما هو متقدم طبعاً وأن متعلق الأمر لابد وأن يكون متقدّماً على نفس الأمر كتقدم المعروض على العارض والمفروض أنتم أخذتم قصد الأمر في نفس المتعلق والأمر متأخر عن المتعلَّق فيلزم تقدم ما هو متأخر طبعاً وهذا محال، هذا هو تقرير إشكاله، وهو مخدوش على ما سيأتي.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"